سُورَةُ عَبَسَ مَكِّيَّةٌ

وَهِيَ اثْنَتَانِ وَأَرْبَعُونَ آيَةً

١

{ عبس } من الباب الثانى والعبس والعبوس ترش روى شدن يعنى ترش كرد روى خودرا محمد عليه السلام

{ وتولى } اعرض يعنى روى بكردانيد

٢

{ ان جاءه الاعمى } الضمير لمحمد عليه السلام وهو علة لتولى على رأى المبصريين لقربه منه اى تولى لأن جاءه الأعمى والعمى افتقاد البصر ويقال فى افتقاد البصيرة ايضا ولام الأعمى للعهد فيراد أعمى معروف وهو ابن ام مكتوم المؤذن الثانى لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فى الأذن ولذلك قال عليه السلام ( ان بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم ) وكان من المهاجرين الاولين استخلفه عليه السلام على المدينة مرتين حين خرج غازيا

وقيل ثلاث مرات مات بالمدينة

وقيل شهيدا بالفارسية وهى قرية فوق الكوفة قال أنس رضى اللّه عنه رأيته يوم القادسية وعليه درع وله راية سودآء ويقال ليوم فتح عمر رضى اللّه عنه يوم القادسية فانه ظفر على العجم هناك وأخذ منهم غنائم كثيرة واختلفوا فى اسم ابن ام مكتوم فقيل هو عبد اللّه بن شريح بن مالك بن ربيعة الفهرى من بنى عامر ابن لؤى

وقيل هو عمر وبن قيس بن زآئدة بن الأصم من بنى عامر بن هلال وهوابن خال خديجة رضى اللّه عنها وام مكتوم اسم ام أبيه كما فى الكشاف وقال السعدى هو وهم فقد نص ابن عبد البر وغيره انها أمه واسمها عاتكة بنت عام بن مخزوم ( روى ) ان ابن ام مكتوم أتى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وذلك فى مكة وعنده صناديد قريش عتبة وشيبة ابنا ربيعة وأبو جهل بن هشام والعباس بن عبد المطلب وامية بن خلف والوليد بن المغيرة يدعوهم الى الاسلام رجاء أن يسلم باسلامهم غيرهم لان عادة الناس انه اذا مال اكابرهم الى أمر مال اليه غيرهم كما قيل الناس على دين ملوكهم فقال له يا رسول اللّه علمنى مما علمك اللّه انتفع به وكرر ذلك وهو لا يعلم تشاغله عليه السلام بالقوم اذ السمع لا يكفى فى العلم بالتشاغل بل لا بد من الابصار على انه يجوز انهم كانوا يخفضون اصواتهم عند المكالمةاو جاء الاعمى فى منقطع من الكلام فكره رسول اللّه قطعه لكلامه واشتغاله به عنهم وعبس واعرض عنه فرجع ابن ام مكتوم محزونا خائفا أن يكون عبوسه واعراضه عنه انما هو لشئ انكره اللّه منه فنزلت.

امام زاهد فرموده كه سيد عالم صلّى اللّه عليه وسلّم ازعقبت او رفت واورابازكردانيده ورداى مبارك خود بكسترانيد وبران نشانيد . فكان رسول اللّه يكرمه ويقول اذ رآه مرحبا بمن عاتبنى فيه ربى الى المنى مع بقاء المحبة ويقول له هل لك من حاجة ويقال ان رسول اللّه عليه السلام لم يغتنم فى عمره كغمه حين انزلت عليه سورة عبس لان فيها عتبا شديدا على مثله لانه الحبيب الرشيد ومع ذلك فلم يجعل ذلك الخطاب بينه وبينه فيكون ايسر للعتاب بل كشف ذلك للمؤمنين ونبه على فعله عباده المتقين ولذلك روى ان عمر ابن الخطاب رضى اللّه عنه بلغه ان بعض المنافقين يؤم قومه فلا يقرأ فيهم الا سورة عبس فارسل اليه فضرب عنقه لما استدل بذلك على كفره ووضع مرتبته عنده وعند قومه قال ابن زيد لو جاز له أن يكتم شيأ من الوحى لكان هذا وكذا نحو قوله لم تحرم ما أحل اللّه لك تبتغى مرضاة ازواجك ونحو قوله امسك عليك زوجك واتق اللّه وتخفى فى نفسك ما اللّه مبديه وتخشى الناس واللّه أحق أن تخشاه وكان ما فعله عليه السلام من باب ترك الاولى فلا يعد ذنبا لان اجتهاده عليه السلام كان فى طلب الاولى والتعرض لعنوان عماه مع ان ذكر الانسان بهذا الوصف يقتضى تحقير شأنه وهو ينافى تعظيمه المفهوم من العتاب على العبوس فى وجهه اما لتمهيد عذره فى الاقدام على قطع كلامه عليه السالم للقوم والايذان باستحقاقه الرفق والرأفة لا الغلظة

واما لزيادة الانكار فان أصل الانكار حصل من دلالة المقام كأنه قيل تولى لكونه أعمى وهو لا يليق بخلقه العظيم كما ان الالتفات فى قوله تعالى

٣

{ وما يدريك } لذلك فان المشافهة أدخل فى تشديد العتاب كمن يشكو الى الناس جانيا جنى عليه ثم يقبل على الجانى اذا حمى فى الشكاية مواجها له بالتوبيخ اى واى شيئ يجعلك داريا وعالما بحاله ويطلعك على باطن امره حتى تعرض عنه اى لا يدريك شئ فتم الكلام عنده فيوقف عليه وليس ما بعده مفعوله بل هو ابتدآء كلام وقال الامام السهيلى رحمهاللّه انظر كيف نزلت الآية بلفظ الاخبار عن الغائب فقال عبس وتولى ولم يقل عبست وتوليت وهذا شبيه حال الغائب المعرض ثم أقبل عليه بمواجهة الخطاب فقال وما يدريك علما منه تعالى انه لم يقصد بالاعراض عنه الا الرغبة فى الخير ودخول ذلك المشرك فى الاسلام وهو الوليد أو أمية وكان مثله يسلم بالسلامه بشر كثير فكلم نبيه عليه السلام حين ابتدار الكلام بما يشبه كلام المعرض عنه العاتب له ثم واجهه بالخطاب تأنيسا له عليه السلام بعد الايحاش فانه قيل ان ابن أم مكتوم كان قد اسلم وتعلم ما كان يحتاج اليه من امور الدين

واما اولئك الكفار فما كانوا قد اسلموا وكان اسلامهم سببا لاسلام جمع عظيم فكلامه فى البين سبب لقطع ذلك الخير العظيم لغرض قليل وذلك محرم والا هم مقدم على المهم فثبت بهذا ان فعل ابن أم مكتوم كان ذنبا ومعصية وما فعله النبى عليه السلام كان واجبا فكيف عاتب اللّه على ذلك قيل ان الامر وان كان كما ذكر الا ان ظاهر ما فعله الرسول عليه السلام يوهم تقديم الاغنياء على الفقرآء وقلة المبالاة بانكسار قلوب الفقرآء وهو لا يليق بمنصب النبوة لانه ترك الافضل كما اشير اليه سابقا فلذا عاتبه اللّه تعالى

{ لعله } اى الاعمى

{ يزكى } بتشديدين اصله يتزكى اى يتطهر بما يقتبس منك من اوضار الاوزار بالكلية وكلمة لعل مع تحقق التزكى وارد على سنن الكبرياء فان لعل فى كلام العظامء يراد به القطع والتحقيق او على اعتبار معنى الترجى بالنسبة اليه عليه السلام للتنبيه على ان الاعراض عنه عند كونه مرجوا التزكى مما لا يجوز فكيف اذا كان مقطوعا بالتزكى كما فى قولك لعلك ستندم على ما فعلت

٤

{ او يذكر } بتشديدين ايضا اصله يتذكر والتذكر هو الاتعاظ يعنى باخودبند كير

{ فتنفعه الذكرى } اى فتنفعه موعظتك ان لم يبلغ درجة التزكى التام وفى الكشاف المعنى انك لا تدرى ما هو مترقب منه من تزكى او تذكر ولو دريت لما فرط ذلك منك انتهى اشار الى ان قوله يزكى من باب التخلية عن الآثام وقوله او يذكر من باب التحلية ببعض الطاعات ولذا دخلت كلمة الترديد فقوله او يذكر عطف على يزكى داخل معه فى حكم الترجى وقوله فتنفعه الذكرى بالنصب على جواب لعلع تشبيها له بليت وفيه اشارة الى أن من تصدى لتزكيتهم من الكفرة لا يرجى منهم التزكى والتذكر اصل واشعار بأن اللائق بالعلم أن يقصد بتعليمه تزكية متعلمه ولا ينظر الى شبحه وصورته كما ينظر العوام وبالمتعلم أن يريد بتعلمه تزكية نفسه عن ارجاس الضلالة وتطهير قلبه من أدناس الجهالة لا احكام الدنيا الدنية.

٥

{ اما } للتفضيل

{ من استغنى } عن الايمان وعما عندك من العلوم والمعارف التى ينطوى عليها القرءآن.

٦

{ فأنت له تصدى } بحذف احدى التاءين تخفيفا اى تتصدى وتتعرض بالاقبال عليه والهتمام بارشاده واستصلاحه دون الاعمى وفيه مزيد تنفير له عليه السلام عن صاحبتهم فان الاقبال على المدبر ليس من شيم الكرام والتصدى للشئ التعرض والتقيد به والاهتمام بشأنه وضده التشاغل عنه وفى المفردات التصدى ان يقابل الشئ مقابلة الصدى اى الصوت الراجع من الجبل وفى كشف الاسرار التصدى التعرض للشئ على حرص كتعرض الصديان للماء اى العشطان وعن بعضه م اصل تصدى تصدد من الصدد وهو ما استقبلك وجاء قبالتك فأبدل احدا لا مثال حرف علة.

٧

{ وما عليك أن لا يزكى } اى وليس عليك بأس ووزر ووبال فى أن لا يتزكى ذلك المستغنى بالاسلام حتى تهتهم بأمره وتعرض عمن أسلم ان عليك الا البلاغ وكيف تحرض على الاسلام من ليس له قابلية وقد خلق على حب الدنيا والعمى عن الآخرة وفيه استهانة لمن اعرض عنه فما نافية وكلمة فى المقدرة متعلقة باسم ما وهو محذوف والجملة حال من ضمير تصدى مقررة لجهة الانكار.

٨

{ واما من جاءك يسعى } اى حال كونه مسرعا طالبا لما عندك من احكام الرشد وخصال الخير.

٩

{ وهو } والحال انه

{ يخشى } اللّه تعالى او يخشى الكفار وأذا هم اتيانك قال سعدى المفتى الظاهر أن النظم من الاحتباك ذكر الغنى اولا للدلالة على الفقر ثانيا والمجيئ والخشية ثانيا للدلالة على ضدهما اولا.

١٠

{ فأنت عنه تلهى } بحذف احدى التاءين تخفيفا اى تتلهى وتتشاغل من لهى عن الشئ بكسر الهاء يلهى لهيا اعرض عنه لا من لهوت بالشئ بالفتح ألهو لهوا اذا لعبت به لان الفعل مسند الى ضمير النبى ولا يليق بشأنه الرفيع أن ينسب اليه التفعل من اللهو بخلاف الاشتغال عن الشئ لمصحلة وفى بعض التفاسر ولو أخذ من اللهو وجعل التشاغل بأهل التغافل من جنس اللهو واللعب لكونه عبثا لا يترتب عليه نفع لم يخل عن وجه انتهى وفيه انه يلزم منه أن يكون الاشتغال بالدعوة عبثا ولا يقول به المؤمن وذلك لانه لا يجوز للنبى عليه السلام التشاغل بأهل التغافل الا بطريق التبليغ والارشاد فكيف لا يترتب عليه نفع وفى تقديم ضميره عليه السلام وهو أنت على الفعلين تنبيه على ان مناط الانكار خصوصيته عليه السلام أى مثلك خصوصا لا ينبغى ان يتصدى للمستغنى ويتلهى عن الفقير الطالب للخير وفى تقديم له وعنه للتعريض باهتمامه عليه السلام بمضمونها تنبيه حيث افادت القصة ان العبرة بالارواح والاحوال لا بالاشباح والاموال والعزيز من اعزه اللّه بالايمان والطاعة وان كان بين الناس ذليلا والذليل من اذله اللّه بالكفر والمعصية وان كان بين الناس عزيزا روى انه عليه السلام ما عبس بعد ذلك فى وجه فقير قط ولا تصدى لغنى وكان الفقرآء فى مجلسه عليه السلام امرآء يعنى كان يحترمهم كل الاحترام وفيه تأديب للصغير بالكبير فحملة الشرع والعلم والحكام مخاطبون فى تقريب الضعيف من اهل الخير وتقديمه على الشريف العارى عن الخير بمثل ما خوطب به النبى عليه السلام فى هذه السورة

قال بعضهم بين اللّه درجة الفقر وتعظيم اهله وخسة الدنيا وتحقيرا اهلها فصح الاشتغال بصحبة الفقرآء لان فيما نعت الصدق والتجرد فالصحبة معهم فدية بخلاف الاشتغال بصحبة الاغنياء اذ ليس فيهم ذلك فالصحبة معهم ضائعة وفى الحديث ( من تحامل على فقير لغنى فقد هدم ثلث دينه ) يقال تحاملت على الشئ اذا تكلفت الشئ على مشقة وتحامل فلان على فلان اذا لم يعدل وقال بعض الاكابر انما كان صلّى اللّه عليه وسلّم يتواضع لاكابر قريش لان الاعزآء من الخلائق مظاهر العزة الالهية فكان تقديمهم على الفقرآء من أهل الصفة ليوفى صفة الكبرياء حقها اذا لم يشهد لها مشاركا ولكن فوق هذا المقام ما هو اعلى منه وهو ما امره اللّه به آخرا بعدما صدر سورة عبس فى قوله واصبر نفسك مع الين يدعون ربهم بالغداة والعشى الآية فأمره بأن لا يشهده فى شئ دون شئ للاطلاق الذى هو الحق عليه كما قال جعت فمل تطعمنى وظمئت فلم تسقنى الحديث كما فى الجواهر للشعرانى.

١١

{ كلا } انزجر من التصدى للمستنغنى والاعراض عن ارشاد المسترشد قال الحسن لما تلا جبرآئيل هذه الآيات على النبى عليه السلام عاد وجه كأنما استف فيه الرماد اى تغير كأنما ذر عليه الرماد ينتظر ما يحكم اللّه عيله فلما قال كلاسرى عنه والتسرية اندوه رابردن . اى لا تفعل مثل ذلك فانه غير لائق بك

{ انها } اى القرءآن والتأنيث باعتبار الخبر وهو قوله

{ تذكرة } اى موعظة يجب ان يتعظ بها ويعمل بموجبها.

١٢

{ فمن } بس هركه

{ شاء ذكره } اى القرءآن اى حفظه ولم ينسه او اتعظ به ومن رغب عنه كما فعله المستغنى فلا حاجة الا الاهتمام بأمره.

١٣

{ فى صحف } جمع صحيفة وكل مكتوب عند العرب صحيفة وهو متعلق بمضمر هو صفة لتذكرة وما بينهما اعتراض بين الصفة والموصوف جيئ به للتغريب فيها والحث على حفظها اى كائنة فى صحف منتسخة من اللوح او خبر ثان لان فالجملة معترضة بين الخبرين والسجاوندى على انه خبر محذوف اى وهى فى صحف حتى وضع علامة الوقف اللازم على ذكره هربا من ايهام تعلقة به وهو غير جائز لان ذكر من شاء لا يكون فى صحف

{ مكرمه } عند اللّه لكونها صحف القرآن المكرم.

١٤

{ مرفوعة } اى فى السماء السابعة او مرفوعة المقدار والذكر فانها فى المشهور موضوعة فى بيت العزة فى السماء الدنيا

{ مطهرة } منزهة عن مساس ايدى الشياطين.

١٥

{ بايدى سفرة } كتبة من الملائكة ينتسخون الكتب من اللوح على انه جمع سافر من السفر وهو الكتب اذ فى الكتابة معنى السفراى الكشف والتوضيع والكتاب سافر لانه يبين الشيئ ويوضحه وسمى السفر بفتحتين سفرا لانه يسفر ويكشف عن اخلاف المرء قالوا هذه اللفظة مختصة بالملائكة لا تكاد تطلق على غيرهم وان جاز الاطلاق بحسب اللغة والباء متعلقة بمطهرة فقال اقفال فى وجه لما لم مسها الا الملائكة المطهرون أضيف التطهير اليها لطهارة من يمسها وقال القرطبى ان المراد فى قوله تعالى لا يمسه الا المطهرون هؤلاء السفرة الكرام البررة والظاهر أن تكون فى محل الجر على انها صفة لصحف اى فى صحف كائنة بأيدى سفرة او مكتوبة بأيدىسفرة ومن هذا وقف بعضهم على مطرهة وقفا لازما هربا من توهم تعلق الباء به.

١٦

{ كرام } عند اللّه بالقرب والشرف فهو من الكرامة جمع كريم او متعطفين على المؤمنين يستغفرون لهم فهو من الكرم ضد اللؤم وقال ابن عطاء رحمه اللّه يريد انهم يتكرمون أن يكونوا مع ابن آدم اذا خلا مع زوجته للجماع وعند قضاه الحاجة يشير الى انهم هم الملائكة الموصوفون بقوله كراما كاتبين وفيه تأمل

{ بررة } اتقياء لتقدسها عن المواد ونزاهة جواهرها عن التعلقات او مطيعين اللّه من قولهم فلان يبر خالفه اى يطيعه او صادقين من بر فى يمينه جمع بار مثل فجرة جمع فاجر.

١٧

{ قتل الانسان } دعاء عليه بأشنع الدعوات فان القتل غاية شدآئد الدنيا وأفظعها ومن فسر اقتل باللعن أرد به الاهلاك الورحانى فانه اشد العقوبات وهو بالفارسية لعنت كرده باد انسان يعنى كافر . وفى عين المعانى عذب

{ ما اكفره } ما اشد كفره باللّه مع كثرة احسانه اليه وبالفارسية جه كافر ترين خلقست . تعجب من افراطه فى الكفران اى على صورته فان حقيقة التعجب انما تتصور من الجاهل بسبب ما خفى من سبب الشئ والذى أحاطه علمه بجميع المعلومات لا يتصور منه ذلك فهو فى الحقيقة تعجب من اللّه لخلقه وبيان لاستحقاقه للدعاء عليه اى اعجبوا من كفره باللّه ونعمه مع معرفته بكثرة احاسنه اليه وادعوا عليه بالقتل واللعن ونحو ذلك لاستحقاقه لذلك

قال بعضهم لعن اللّه الكافر وعظم كفره حيث لم يعرف صانعه ولم يعرف نفسه التى لو عرفها عرف صانعها وقال ابن الشيخ هذا الدعاء وارد على اسلوب كلام العرب فهو ليس من قبيل دعاء من يعجز عن انتقام من يسوءه وكذا هذا التعجب ليس على حقيقته لانه تعالى منزه عن العجز والجهل بل المقصود بايراد ما هو فى صورة الدعاء الدلالة على سخطه العظيم والتنبيه على انه استحق اهول العقوبات وانعها وبايراد صيغة التعجب الذم ابليغ له من حيث ارتكابه اقبح القبائح ولا شك ان السخط يجوز من اللّه وكذا الذم ويجوز أن يكوم ام اكفره استفهاما بمعنى التقريع والتوبيخ اى اى شئ حمله على الكفر والمراد من الانسان اما من استغنى عن القرءآن المذكور نعوته

واما الجنس باعتبار انتظامه له ولا مثاله من افراده لا باعتبار جمع افراده.

١٨

{ من اى شئ خلقه } اى من اى شئ حقير مهين خلقه يعنى نمى انديشدكه خداى تعالىزجه جيز بيافريد اورا . ثم بينه بقوله

١٩

{ من نطفة } قذرة

{ خلقه } فمن كان اصله مثل هذا الشئ الحقير كيف يليق به التكبر والتجبر والكفران بحق المنعم الذى كسا ذلك الحقير بمثل هذه الصورة البهية وقف السجاوندى على قوله من نطفة حتى وضع عليه لامة الوقف المطلق بتقدير خلقه آخر بدلالة ما قبله وجعل قوله خلقه فقدره جملة اخرى استئنافية لبيان كيفية الخلق واتمامه من انعامه ومن جعل متعلقا بما بعده على ما هو الظاهر لم يقف عليه

{ فقدره } فهيأه لما يصلح له ويليق به من الاعضاء والاشكال اى احدثه بمقدار معلوم من الاعضاء والاشكال والكمية والكيفية فجعله مستعدا لان ينتهى فيها الى القدر اللائق بمصلحته فلا يلزم عطلف الشئ على نفسه وذلك ان خلق الشئ ايضا تقديره واحداثه بمقدار معلوم من الكمية والكيفية وبالفارسية بس اندارهء او بديد كرد ازعاضا واشكال وهيئات دربطن ما دره او فقدره اطوار الى ان تم خلقه فالتقدير المنفرع على الخلق مأخوذ من القدر بمعنى الطور أى او جده على التقدير الاولى ثم جعل ذا اطوار من علقة ومضغة الى آخر اطواره ذكرا او انثى شقيا او سعيدا

قال بعضهم وعلى الوجهين فالفاء للتفصيل فان التقدير يتضمنه على المعنيين.

٢٠

{ ثم السبيل يسره } منصوب بمضمر يفسره الظاهر اى سهل مخرجه من البطن بأن فتح فم الرحمن وكان غير مفتوح قبل الولادة وألهمه ان ينتكس بأن ينقلب ويصير رجله من فوق ورأسه من تحت ولولا ذلك لا يمكثها ان تلد ويسر له سبيل الخير والشر فى الدين ومكنه من السلوك فيهما وذلك بالاقدار والتعريف له بما هو نافع وضار والعقل وبعثة الانبياء وانزال الكتب ونحو ذلك وتعريف السبيل باللام دون الاضافة بأن يقال سبيله للاشعار بعمومه لانه عام للانس والجن على المعنى الثانى وللحيوانات ايضا على المعنى الاول قال ابن عطاء رحمه اللّه يسر على من قدر له التوفيق طلب رشده واتباع نجاته وقال أبو بكر بن طاهر رحمه اللّه يسر على كل احد ما خلقه له وقدره عليه.

٢١

{ ثم اماته } اى قبض روحه عند تمام اجله المقدر المسمى

{ فأقبره } اى جعله فى قبر يوارى فيه تكرمة له ولم يدعه مطروحا على وجه الارض جزرا اى قطعا للسباع والطير كسائر الحيوان قال فى كشف الاسرار لم يجعله مما يطرح للسباع او يلقى للنواويس والقبر مما اكرم به المسلمون انتهى يقال قبر الميت اذا دفنه بيده والقابر هو الدافن والقبر هو مقر الميت وأقبره اذا امر بدفنه او مكن منه فالمقبر هو اللّه لانه الآمر بالدفن فى القبور قال فى المفرات اقبرته جعلت له مكانا يقبر فيه نحو أسقيته جعلت له ماء يستقى منه

وقيل معناه ألهم كيف يدفن انتهى ( وفى المثنوى )

كندن كورى كه كمتر بيشه بود ... كى زمكر ويحله والديشه بود

جمله حرفتها يقين ازوحى بود ... اول اوليك عقل آنرا فزود

وعدا لاماتة من النعم بالنسبة الى المؤمن فان بالموت يتخلص من سجن الدنيا وايضا ان شأن الموت ان يكون تخلفة ووصلة الى الحياة الابدية والنعيم المقيم وانما كان مفتاح كل بلاء ومحنة فى حق الكافر من سوء اعتقاده وسيئات اعماله وفى بعض التفاسير ذكر الاماتة اما لانها مقدمة الاقبار

واما للتخويف والتذكير بأن الحياة الدنيوية فانية آخرهالموت وعن الشافعى رحمه الله

فلا تمشين فى منكب الارض فخارا ... فعما قليل يحتويك ترابها

واما الحث على الاستعداد

واما رعاية المقابلة بينه وبين النشره تنبيها على كمال قدرته وتمام حكمته.

٢٢

{ ثم اذا شاء انشره } اى اذا شاء انشاره واحياءه وبعثه انشره واحياه وبعثه وفى تعليق الانشاء بمشيئته له ايذان بأان وقته غير متعين فى نفسه بل هو تابع لها بخلاف وقت الموت فانا نجزم بأن احدا من ابناء الزمان لا يتجاوز مائة وخمسين سنة مثلا وليس لاحد مثل هذا الجزم فى النشور هكذا قالوا وفيه ان الموت ايضا له سن معلوم واجل محدود فكيف يتعين فى نفسه ويجزم بوقوعه فى سن كذا بحيث لا يكون موكولا الى مجرد مشيئته تعالى ولعلع تقييد الانشار بالمشيئة لا ينافى تقييد الموت بها ايضا اذا لا يجرى عليه تعالى زمان وانه من مقدمات القيامة ولذا قال عليه السلام ( من مات فقد قامت قيامته ) اى لاتصال زمان الموت بزمان القيامة فهو قيامة صغرى مجهولة كالقيامة الكبرى وفيه اشارة الى ان الميت ان كان من اهل السعادة فانشاره من قبور اهل السعادة وان كان مدفونا فى قبور اهل اشقاوة وان كان من اهل الشقاوة فانشاره من قبور اهل الشقاوة وان كان مدفونا فى قبور اهل السعادة ولذا قال صاحب المشارق فى خطبة كتابه ثم اذا شاء منها اشنره اى من مكة فان من دفن بمكة ولم يكن لائقا بها تنقله الملائكة الى موضع آخر وفى الحديث ( من مات من امتى يعمل عمل قوم لوط نقله اللّه اليهم حتى يحشر معهم ) وفى حديث آخر ( من مات وهو يعمل عمل قوم لوط سار به قبره حتى يصير معهم ويحشر يوم القيامة معهم ) كما فى الدرر المنتثرة للامام السيوطى رحمه اللّه وحكى ان شخصا كان يقال له ابن هيلان من المبالغين فى التشيع بحيث يفضى الى ما يستقبح فى حق الصحابة مع الاسراف على نفسه بينما هو يهدم حائطا اذ سقط فهلك فدفن بالبقيع فلم يوجد ثانى يوم الدفن فى القبر الذى دفن به ولا التراب الذى ردم به القبر بحيث يستدل بذلك لنبشه وانما وجدوا للبن على حاله حسبنا شاهده الجم الغفير حتى كان ممن وقف عليه القاشى جمال الدين وصار الناس يجيئون لرؤيته أرسالا الى ان اشتهر امره وعد ذلك من الآيات التى يعتبر بها من شرح اللّه صدره نسأل اللّه السلام وحكى ايضا ان محمد بن ابراهيم المؤذن حكى عنه انه حمل ميتا فى ايام الحاج ولم يوجد من يشاهده عليه غير شخص قال فحملناه ووضعناه فى اللحد ثم ذهب الرجل وجئت أنا باللبن لاجل اللحد فلم اجد الميت فى اللحد فذهبت وتركت القبر على حاله ونقل ان بعض الصلحاء ممن لم يمت بالمدينة رؤى فى النوم وهو يقول للرآئى سلم على اولادى وقل لهم انى قد حملت ودفنت بالبقيع عند قبر العباس فاذا أرادوا زيارتى فيقفوا هناك ويسلموا ويدعوا كذا فى المقاصد الحسنة للسخاوى وفى الآية اشارة الى ان الانسان ما كان له ان يكفر لان اللّه خلقه من نطلفة الوجود المطلق وهيأه لمظهرية ذاته وصفاته واسمائه ثم سهل عليه سبيل الظهور بمظاهر الاسماء الجمالية والجلالية ثم اماته عن انانيته فأقبره فى قبر الفناء عن رؤية الفناء ثم اذا شاء انشره بصورة البقاء بعد الفناء فعلى العبد ان يعرف قدر النعمة ولا يظهر بالعجب والغرور بأن يدعى لنفسه ما كان لله من الكمالات كالعلم والقدرة والارادة ونحوها.

٢٣

{ كلا } ردع للانسان عما هو عليه وجعله السجاوندى بمعنى حقا ولذا لم يقف عليه بل على امره فانه اذا كان بمعنى حقا يكون تابعا لما بعده

{ لما يقض ما امره } قال فى بعض التفاسير ما فى لما صلة دخلت للتأكيد كقوله فيما رحمة من اللّه فلما بمعنى لم وليس فيه معنى التوقع وفى ما امره موصولة وعائده يجوز أن يكون محذوفا والتقدير ما امره به فحذف الجار اولا فبقى ما امره هو ثم حذف الهاء العائدة ثانيا ويجوز أن يكون باقيا على ان المحذوف من الهاءين هو العائد الى الانسان والباقى هو العائد الى الموصول فاعرف وقس عليه امثاله اى لم يقض الانسان ما امره باللّه به من الايمان والطاعة ولم يؤد ولم يعرف ولم يعمل به وعدم القضاء محمول على عموم النفى اما على ان المحكوم عليه هو المستغنى او هو الجنس لكن لا على الاطلاق بل عى ان مصداق الحكم بعدم القضاء بعض افراده وقد اسند الى الكل فلا شياع فى اللام بحكم المجانسة

واما على ان مصداقه الكل من حيث هو كل بطريق رفع الايجاب الكلى دون السلب الكلى فالمعنى لما يقض جميع افراده ما امره بل اخل به بعضها بالكفر والعصيان مع أن مقتضى ما فصل من فنون النعماء الشاملة للكل ان لا يتخلف عنه احد اصلا . وكفته اند مراد همه آدميانند از آدم تاباين غايت وهركز هيج آدمى از عهدهء حقوق اداى اوامر الهى كما ينبغى بيرون نيايد ونتوان آمد

بنده همان به كه زتقصير خويش ... عذر بدر كاه خداى آورد

ورنه سزاور خداوند يش ... كش نتواندكه بجاى آورد

وفى التأويلات النجمية كلا لما يقض ما امره من الاتيان مبواجب حقوقنا من الظهور بحقائق اسمائنا والقيام بفضائل صفاتنا.

٢٤

{ فلينظر الانسان الى طعامه } شروع فى تعداد النعم المتعلقة ببقائه بعد تفصيل النعم المتعلقة بحدوثه اى فلينظر الانسان الى طعامه الذى عليه يدور امر معاشه كيف دبرناه وقال ابن عباس رضى اللّه عنهما فلينظر الانسان الى طعامه ليعلم خسه قدره وفناء عمره وفى الحديث ( ان مطعم ابن آدم جعله اللّه مثلا للدنيا وان قزحه وملحه فانظر الى ماذا يصير ) يقال قزح القدر جعل التابل فيها وهو كصاحب وهاجرا بزار الطعام وملحها جعل الملح فيها.

٢٥

{ انا صببنا } انزلنا انزالا وافيا من السحاب

{ الماء } اى الغيث وهو المطر المحتاج اليه بدل اشتمال من طعامه لان الماء سبب لحدوث الطعام فالثانى مشتمل على الاول اذ لا يلزم فيه ان يكون المبدل منه مشتملا على البدل فحيئذ العائد محذوف والتقدير صببنا له

{ صبا } عجيبا.

٢٦

{ ثم شققنا الارض } بالنبات ولما كان الشق بعد الصب اورد كلمة ثم والشق بالفارسية شكافتن

{ شقا } بديعا لائقا بما يشقها من النبات صغرا وكبرا وشكلا وهيئة.

٢٧

{ فأنبتنا فيها } اى فى الارض المشقوق بالنبات والفاء للتعقيب

{ حبا } فان انشقاق الارض بالنبات لا يزال يتزايد ويتسع الى ان يتكامل النمو وينعقد الحب والحب كل ما حصد من نحو الحنطة والشعير وغيرهما وهو جنس الحبة كالتمر والتمرة فيشمل القليل والكثير قدمه لانه الاصل فى الغذاء.

٢٨

{ وعنبا } عطف على حبا وليس من لوازن العطف ان يقيد المعطوف بجميع ما قيد به المعطف عليه فلا ضمير فى خلو انبات النب عن شق الارض وكذا فى امثاله كذا قال فى الارشاد لعل شق الارض فيه باعتبار اصله اول خروجه منها فان المراد هنا شجرة العنب وانما ذكره الزيتون باسم الثمرة لشهرتهما بها ووقعوه كل منهما بعد ما يؤكل نفسه فاعرف وأفرد العنب بالذكر من بين الثمار لانه فاكهة من وجه يتلذذ به وطعام من وجه يتغذى به وهو من اصلح الاغذية

{ وقضبا } اى رطبة وهى نبات يقال له الفصفصة وبالفارسية اسبست ومعربه الاسفست . سميت بمصدر قضبه اى قطعه مبالغة كانها لتكرر قطعها وتكثره اذا تقضب مرة بعد اخرى فى السنة نفس القطع وعن ابن عباس رضى اللّه عنهما أنه الرطب افراد بالذكر تنبيها على اختلاف النباتات وان منها ما اذا قطع عاد ومنها ما لا يعود والقت حب الغاسول وهو الاشنان

وقيل هو حب يابس اسود يدفن فيلين قشره ويطحن ويخبر يقتاته اعراب طى وبعضهم هو كل ما يؤكل رطبا كالبطيخ والخيار والباذنجان والدباء.

٢٩

{ وزيتونا } هو ما يعصر منه الزيت والمراد شجرته وتعمر ثلاث آلاف سنة خصه بالذكر لكثرة فوآئده خصوصا لاهالى بلاد العرب فانهم ينتفعون به اكلا وادهانا واستضاءة وتطهرا فانه يجعل فى الصابون وكان عليه السلام يتطيب به فى الاوقات

{ ونخلا } وهو شجر التمر جمع نخلة والرطب والتمر من أنفع الغذآء وفى العجوة خاصية دفع السم والسحر وشجرته من فضله طينة آدم عليه السلام كما سبق مفصلا.

٣٠

{ وحدآئق غلبا } جمع حديقة وهى وهى الروضة ذات الشجرأ والبستان من النخل والشجر او كل ما احاط به البناء او القطعة من النخل كما فى القاموس وهى هنا من قبيل التعميم بعد التخصيص والغلب جمع اغلب كحمر جمع احمر أو حمرآء مستعار من وصف الرقاب يقال الرجل اغلب واسد اغلب اى غليظ العنق فالمعنى وحدآئق عظاما وصف به الحدآئق لتكاثفها وكثرة اشجارها اولا بها ذات اشجار غلاظ فعلى الاول الاستعارة معنوية وعلى الثانى مجاز مرسل فان اريد من غلظ العنق والرقبة مطلق الغلظ بطريق اطلاق المقيد وارادة المطلق كاطلاق المرسن على الانف واجرى على الحدآئق وصفا لها بحال متعلقها وهو الاشجار سمى استعارةبناء على اللغة وفى كشف الاسرار الغلب من الشجر التى لا تثمر كالشمار والارز والعرعر والدرداء.

٣١

{ وفاكهة } كثيرة غير ما ذكر والعنب والرمان والرطب من الفواكه عند الامامين لا عند الاعظم لان العطف يقتضى المغايرة والظاهر ان مراد الاعظم ان نحو العنب والرطب لكونه مما يؤكل غذآء يحقق القصور فى معنى التفكه به اى التنعم بعد الطعام وقبله فلا يناوله اسم الفاكهة على الاطلاق حتى لوحلف لا يأكل فاكهة لا يحنت بأكله لكونه غذآء من وجه وان كان فاكهة من وجه آخر وعطل الفاكهة عليه لا ينافى كونه فاكهة من وجه لان المراد بالفاكهة المعطوفة ما هو فاكهة من كل وجه ولا يخفى ان الفاكهة من كل وجه مغايرة لما هو فاكهة من وجه دون وجه فيصح عطفها عليه او عطفه عليها كما فى مواضع من القرءآن

{ وأبا } اى مرعى من أبه اذا امه اى قصده لانه يؤم ويقصد جزه للدواب او من أب لكذا اذا تهيأ له لانه متهيئ لرعى وأب الى وطنه اذا نزع اليه نزوعا تهيأ لقصده وكذا أب لسيفه اذ تهيأ لسله وابان ذلك فعلان منه وهو الزمان المتهيئ لفعله ومجيئه او الأب الفاكهة اليابسة تؤب للشتاء اى تعد ونهيأ وهو الملائم لما قبله وفى الحديث ( خلقتم من سبع ورزقتم من سبع فاسجد واللّه على سبع ) أراد بقوله خلقتم من سبع يعنى من نطفة ثم من علقة الخ وهى التارات السبع وبقوله رزقتم من سبع قوله حبا وعنبا الى أبا لعل الحدآئق خارجة عن الحساب لانها منابت تلك المرزوقات وبقوله فاسجدوا على سبع الاعضاء السبعة وهى الوجه واليدان والركبتان والرجلان.

٣٢

{ متاعا لكم ولأنعامكم } مفعول له اى فعل ذلك تمتيعا لكم والمواشيكم فان بعض النعم المعدودة طعام لهم وبعضها علف لدوابهم وللالتفات لتكميل الامتنان وفى الآية اشارة الى حب المحبة الذاتية وخمير المحبة الصافية المتخذة من عنب الصفات وخمر المحبة الافعالية المتخذة من رطب وزيتون المعرفة ونخل التوحيد العالى من ان يصل اليه كل مدع كذاب وفاكهة الوجدانيات والذوقايات وحدآئق الشوق والاشتياق والود والتجريد ونحوها وأب مراعى الشهوات الحيوانية فبعض هذه النعم الشريفة مخصوص بالخواض كالارواح والاسرار والقلوب وبعضها بالعوام كالنفوس البشرية والقوى الطبيعية العنصرية.

٣٣

{ فاذا جاءت الصاخة } شروع فى بيان احوال معادهم اثر بيان مبدأ خلقهم ومعاشهم والفاء للدلالة على ترتب ما بعدها على ما قبلها من فناء النعم عن قريب كما يشعر لفظ المتاع بسرعة زوالها وقرب اضمحلالها وجواب اذا محذوف يدل عليه يوم يفر الخ اى استغل كل احد بنفسه والصاخة هى الداهية العظيمة التى يصخ لها الخلائق اى يصيخون لها من صخ لحديثه اذا أصاخ واستمع وصفت بها النفخة الثانية لان الناس يصخون لها فى قبورهم فاسند الاستماع الى المسموع مجازا

وقيل هى الصيحة التى تصم الآذان لشدة وقعها

وقيل هى مأخوذة من صخه بالحجر أى صكه فتكون الصاخة حقيقة فى النفخة.

٣٤

{ يوم يفر المرء } روزى كه بكريزد مرد

{ من أخيه } ازبرادر خودباوجود موانست ومهربانى.

٣٥

{ وامه } واز مادر خود باكثرت حقوق كه او راست

{ وأبيه } واز بدر خود باجود شفقت وعاطفت كه از وديده.

٣٦

{ وصاحبته } واز زن خودبا آنكه مونس روزكاراو بوده

{ وبنيه } وازفرزندان خود باخيال استظهار بديشان اى يعرض الانسان عنهم ولا يصاحبهم ولا يسأل عن حالهم كما فى الدنيا لاشتغاله بحال نفسه ولعلمه انهم لا يغنون عنه شيأ فقوله يوم منصوب بأعنى تفسيرا للصاخة وتأخير الا حب للمبالغة لان الابوين أقرب من الاخ وتعلق القلب الصاحبة والاولاد اشد من تعلقه بالابوين وهذه الآية تشمل النساء كما تشمل الرجال ولكنها خرجت مخرج كلام العرب حيث تدرج النساء فى الرجال فى الكلام كثيرا قال عبد اللّه بن طاهر الاهبرى قدس سره يفر منهم اذا ظهر له عجزهم وقلة حيلتهم الى من يملك كشف تلك الكروب والهموم عنه ولو ظهر له ذلك فى الدنيا لما اعتمد على سوى ربه الذى لا يعجزه شئ وتمكن من فسحه التوكل واستراح فى ظل التفويض وفى الآية اشارة الى فرار مرء القلب عن أخيه السر وامه النفس وأبيه الروح وصاحبته القوى البشرية وبنيه الاعمال والاحوال لان فى ذلك اليوم لا يتخلص احد بعلمله بفضله وطوله كما قال عليه السلام ( لن يدخل احدكم الجنة بعمله ) قالوا ولا أنت يا رسول اللّه قال ( ولا أنا الا ان يتغمدنى اللّه بغفرانه )

٣٧

{ لكل امرئ منه يومئذ شأن يغنيه } استئناف وارد لبيان سبب الفرار والشأن لا يقال الا فيما يعظم من الاحوال والامور اى لكل واحد من المذكورين شغل شاغل وخطب هائل يكفيه فى الاهتمام به قال ابن الشيخ اى الهم الذى حصل له قد ملأ صدره فلم يبق فيه متسع فصار بذلك شبيها بالغنى فى انه ملك شيأ كثيرا ودر باب مشغولئ قيامت فريد الدين عطارراقدس سره حكايتى منظوم است

كشتئ آورد در جريا شكست ... تختهء زان جمله بر بالا نشتس

كربه وموشى دران تخته بماند ... كارشان بايكدكر بخته بماند

نه ذكر به موشى را روى كريز ... نه آن كربه راجنكال تيز

هردوشان ازهول درياى عجب ... در تحير بازمانده خشك لب

درقيامت نيز ابن غوغا بود ... يعنى آنجانى توونى ما بود

وفى الخبر ان عائشة رضى اللّه عنهما قالت يا رسول اللّه كيف يحشر الناس قال حفاة عراة قالت وكيف تحشر النساء قال ( حفاة عراة ) قالت عائشة واسوأتاه النساء مع الرجال حفاة عراة فقرأ رسول اللّه عليه السلام هذه الآية لكل امرئ الخ

واما الفرار حذرا من مطالبتهم بالتبعات بأن يقول الانسان واسيتنى بمالك والابوان قصرت فى برنا والصحابة اطعمتنى الحرام وفعلت وصنعت والبنون ما علمتنا وما ارشدتنا او بغضا لهم كما يروى عن ابن عباس رضى اللّه عنهما ان يقبل قابيل من أخيه هابيل ويفر النبى من امه وابراهيم من أبيه ونوح من ابنه ولوط من امرأته فليس من قبيل الفرار المذكور وكذا ما يروى ان الرجل يفر من اصحابه واقربائه لئلا يروه على ما هو عليه من سوء الحال قال بعض المشايخ من كان اليوم مشغولا بنفسه فهو غدا مشغول بنفسه ومن كان اليوم مشغولا بربه فهو غدا مشغول بربه وقال يحيى بن معاذ اذا شغلتك نفسك فى دنياك وعقباك عن ربك اما فى الدنيا ففى طلب مرادها واتباع شهواتها

واما فى الآخرة فكما اخبر اللّه عنه بقوله لكل امرئ منهم الخ فمتى تفرغ الى معرفة ربك وطاعته وقال بعضهم العارف مع الخلق ولكنه يفارقهم بقلبه كما قيل

ولقد جعلتكم فى الفؤآد محدثى ... وابحت جسمى من أراد جلوسى

٣٨

{ وجوه يومئذ مسفرة } بيان لما آل امر المذكورين وانفسامهم الى السعدآء والاشقياء بعد ذكر وقوعهم فى داهية دهياء فوجوه مبتدأ وان كانت نكرة لكونها فى حيز التنوين ومسفرة خبره ويومئذ اى يوم اذ يفر المرء متعلق به اى مضية متهللة بنورية ذواتهم وصفاتها من اسفر الصبح اذا اضاء فهو من لوازم الافعال قال فى المفردات الاسفار يختص باللون ومسفرة اى مشرقة لونها وعن ابن عباس رضى اللّه عنهما ان ذلك من قيام الليل وفى الحديث ( من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار ) وعن الضحاك من آثار الوضوء

وقيل من طول ما اغبرت فى سبيل اللّه.

٣٩

{ ضاحكة مستبشرة } بما تشاهد من النعيم المقيم والبهجة الدآئمة ( قال الكشافى ) ضاحكة خندان مستبشرة شادمان وفرحناك بسبب نجات ازنيران ووصول بروضهء جنان.

وفى بعض التفاسير ضاحكة مسرورة فرحة لما علم من الفوز والسعادة او لفراغه من الحساب بالوجه اليسير مستبشرة اى ذات بشارة بالخير كأنه بيان لقوله ضاحكة انتهى وفى عين المعانى ضاحكة من مسرة العين مستبشرة من مسرة القلب

وقيل من الكفار شماتة وبأنفسهم فرحا وقال ابن طاهر رحمه اللّه كشف عنها ستور الغفلة فضحكت بالدنو من الحق واستبشرت بمشاهدته وقال ابن عطاء رحمه اللّه اسفرت تلك الوجوه بنظرها الى مولاها واضحكها رضى اللّه عنها وقال سهل رحمه اللّه منورة بنور التوحيد واتباع السنة وفى التأويلات النجمية وجوه ارباب الارواح والاسرار والقلوب العارفين بالمعارف الاهية والحقائق اللاهوتية مضيئة بأنوار العلوم والحكم ضاحكة مستبشرة بنعم المكاشفات ومنح المشاهدات.

يقول الفقير وجوه يومئذ مسفرة لابيضاضها فى الدنيا بالتزكية والتصفية وزوال كدورتها ضاحكة لانها بكت فى اللّه ايام دنياها حتى صارت عمياء عن رؤية ما سوى اللّه تعالى مطلقا كما وقع لشعيب ويعقوب عليهما السلام مستبشرة لأ منها بدل خوفها فى الدنيا ولذا قال لهم البشرى فى الحياة الدنيا وفى الآخرة بأن تقول لهم الملائكة لا تخافوا وأبشروا بالجنة والرؤية والضحك انبساط الوجه وتكشر الاسنان من سرور النفس ولظهور الاسنان عنده سميت مقدمات الاسنان ضواحك ويستعمل فى السرور المجرد كما فى الآية قال الراغب واستبشر أى وجد ما يبشره من الفرح وبشرته اخبرته بسار بسط بشرة وجهه وذلك ان النفس اذا سرت انتشرت الدم انتشار الماء فى الشجرة.

٤٠

{ ووجوه يومئذ عليها غبرة } اى غبار وكدورة وفى الخبر يلجم الكافر العرق ثم تقع الغبرة على وجوههم

وقيل هى غبرة الفراق والذل.

٤١

{ ترهقها } اى تعلوها وتغشاها

{ قترة } اى سواد وظلمة كالدخان ولا ترى اوحش من اجتماع الغبرة والسواد فى الوجه كما اذا اغبر وجه الزنجى قال الراغب القتر هو الدخان الساطع من الشوآء والعود ونحوهما وقترة نحو غبرة وذلك شبه دخان يغشى الوجه من الكذب قال السرى قدس سره ظاهر عليها حزن البعاد لانها صارت محجوبة من الباب مطرودة وقال سهل قدس سره غلب عليها اعراض اللّه عنها ومقته ايها فهى تزداد فى كل وقت ظلمة وقترة.

٤٢

{ اولئك هم الكفرة الفجرة } اى اولئك الموصوفون بسواد الوجه وغبرته هم الجامعون بين الكفر والفجور فلذا جمع اللّه الى سواد وجوههم الغبرة وفى الحديث ( ان البهائم اذا صرت ترابا يوم القيامة حول ذلك التراب فى وجوه الكفار ) وفى عين المعانى اولئك هم الكفرة فى حقوق اللّه الفجرة فى حقوق العباد انتهى وفيه اشارة الى ان الفجور الغير المقارن بالكفر ليس فى درجة المقارن فى المذمومية والسببية للحقارة والخذلان اذ اصل الفجوز الكذب والميل عن الحق ويستعمل فى الذنب الكبير وكثير ما يقع ذلك من المؤمن العاصى لكن ينبغى أن يخاف منه ويحذر عنه لان كبائر الذنب تجر الى الكفر كما ان صغائره تجرالى الكبائر.

يكى از جملهء بزركان دين كفته كه اين زر وسيم وانواع اموال نه عين دنيا ست كه اين ظرفوف واوعيهء دنياست همجنين حركات وسكنات وطاعات بنده نه عين دين است كه آن ظروف واوعيهء دين است دين جمله سوز ودرد است ودنيا همه حسرت وباد سرد است قارون ىن همه زر وسيم وانواع اموال كه داشت مكروه نبود بازاز وجون حقوق حق تعالى طلب كردند امتناع نمود وحقوق حق نكزارد وكشش او بجانب زر وسيم واموال دنيا مكروه بود اى بساكساكه دانكى در خواب نديد وفردا فرعون اهل دنيا خواهد بودكه دل او آلودهء حرص دنياست واى بساكساكه اموال دنيا در ملك او نهادند وفردا دل خويش باز سباردكه داغى ازين دنيا بروى ظاهر نبود سرانجام مرد ديندار دنيا كذار اينست كه در آخر سوره كفت وجوه يومئذ مسفرة ضاحكة مستبشرة وعاقبت كاردنياكار دين كذار اينست كه كفت وجوه يومئذ عليها غبرة الخ وقال بعضهم وجوه اصحاب النفوس المتمردة وأرباب الهوى عليها غبرة النانية وغبار الانية يغطيها سواد الاثنينية وظلمة الثنوية هم الذين ستروا وجود الحق بغبرة وجودهم وشقوا وقطعوا نفوسهم المظلمة عن متابعة الارواح المنورة عصمنا اللّه واياكم من ذلك.

﴿ ٠