سُورَةُ التَّكْوِيرِ مَكِّيَّةٌ

وَهِيَ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ آيَةً

١

{ اذا الشمس كورت } ارتفاع الشمس على انه فاعل لفعل مضمر يفسره المذكور لا فاعله لان الفاعل لا يتقدم وعند البعض على الابتدآء لان التقدير خلاف الاصل والاول اولى لان اذا فيها معنى الشرط والشرط مختص بالفعل وعلى الوجهين الجملة فى محل الجر باضافة اذا اليها ومعنى كورت لفت من كورت العمامة اذا لففتها بضم بعض اجزآئها لبعض على جهة الاستدارة على ان المراد بذلك اما رفعها وازالتها عن مقرها فان الثوب اذا أريد رفعه عن مكانه وستره بجعله فى صندوق او غيره يلف لفا ويطوى نحو قوله تعالى يوم نطوى السماء فكان بين السماء والرفع علاقة اللزوم فتكويرها كناية عن رفعها قال سعدى المفتى ولا منع من ارادة المعنى الحقيقى ايضا وكون الشمس كرة مصمتة على تسليم صحته لا يمنع من تلك الارادة لو اراد أن يحدث اللّه فيها قابلية التكوير بأن يصيرها منبسطة ثم يكورها ان اللّه على كل شئ قدير انتهى.

واما لف ضوئها المنبسطة فى الآفاق المنتشر فى الاقطار بأن يكون اسناد كورت الى ضمير الشمس مجازيا او بتقدير المضاف على انه عبارة عن ازالتها والذهاببها بحكم استلزام زوال اللازم لزوال الملزوم فاللف على هذا مجاز عن الاعدام اذ لا مساغ لارادة المعنى الحقيقى لان الضوء لكونه من الاعراض لا يتصور فيه اللف وقال بعضهم ان اللّه قادر على أن يطمس نورها مع بقائها فقول الكشاف لانها ما دامت باقية كان ضياؤها منبسطا غير ملفوفا فيه نظر انتهى وجوابه ما أشير اليه من حكم الاستلزام

وقيل معنى كورت ألقيت من فلكها على وجه الارض كما وصفت النجوم بالانكدار من طعنه فكوره اذا ألقاه على الارض وفى الحديث ( ان الشمس والقمر نوران مكوران فى النار يوم القيامة ) اى مرميان فيها ولما ذكر هذا الحديث عند الحسن البصرى رحمه اللّه قال وما ذنبهما وقال الامام سؤال الحسن ساقط لان الشمس والقمر جمادان فالقاؤهما فى النار لا يكون سببا لمضرتهما ولعل ذلك يكون سببا لازدياد الحر فى جهنم وكذا قال الطيبى تكويرهما فيها ليعذب بهما أهل النار لا سيما عباد الانوار لا ليعذبهما فى النار فانها بمعزل عن التكليف بل سبيلهما فى النار سبيل النار فنسها وسبيل الملائكة الموكلين بها انتهى وكذا قال فى تفسير الفاتحة للفنارى ان السماء اذا طويت واحدة بعد واحدة يرمى بكواكبها فى النار.

يقول الفقير قول الحسن أدق فان النور لا يلحق بالنار الا أن يكون فيه مرتبة النارية ايضا فالشمس يلحق نورها بنور العرش ونارها بنار جهنم وقد سبق فى سورة النبأ فارجع فان قيل كيف يمكن تكويرهما فى النار وقد ثبت بالهندسة ان قرص الشمس فى العظم يساوى كرة الارض مائة وستين مرة وربع الارض وثمنها أجيب بان اللّه تعالى قادر على أن يدخلها فى قشرة جوزة على ذلك العظم.

يقول الفقير قد ثبت اللّه ان اللّه تعالى يمد الارض يوم القيامة فتكون أضعاف ما كانت عليه على ان وسعة الدارين تابعة لكثرة اهلهما ووسعتهم لانه ثبت ان ضرس الكافر مثل جبل احد وجسمه مسيرة ثلاثة ايام فاذا كان جسد كل كافر على هذا الغلظ والعظم فاعتبر منه وسعة جهنم فقرص الشمس فى النار كجوزة فى وسط بيت واسع ولا يعرف حد الدارين الا اللّه تعالى.

٢

{ واذا النجوم } جمع نجم وهو الكوكب الطالع وبه شبه طلوع النبات والرأى فبقيل نجم النبت والرأى نجما ونجوما فالنجم اسم مرة ومصدر اخرى

{ انكدرت } اى تناثرت وتساقطت بالسرعة كما قال واذا الكواكب انتثرت والاصل فى الانكدار الانصباب فان السماء تمطر يومئذ نجومها فلا يبقى فى السماء نجم الا وقع على وجه الارض وذلك ان النجوم على ما روى ابن عباس رضى اللّه عنهما فى قناديل معلقة بين السماء والارض بسلاسل من نور وتلك السلاسل بأيدى ملائكة من نور فاذا مات من فى السموات ومن فى الارض تساقطت تلك الكواكب من أيديهم لانه مات من يمسكها وفيه اشارة الى طى ضوء شمس الروح الذى هو الحياة وقبضه عن البدن وازالته وتناثر نجوم الحواص العشر الظاهرة والباطنة وايضا الى تكوير الوجود الاضافى المنعكس من الوجود المطلق الحقيقى عند ظهور الحقيقة والى اضمحلال نجوم الهوايات وهياكل الماهيات بحيث لا يبقى لها اثر لانها نسب عدمية واعتبارات محضة.

٣

{ واذا الجبال سيرت } رفعت عنه وجه الارض وابعدت عن أماكنها بالرجفة الحاصلة لا فى الجو كالسحاب فان ذلك بعد النفخة الثانية والسير المضى فى الارض والتسير ضربان باختيار واردة من السائر نحو هو الذى يسيركم وبقهر وتسخير كتسيير الجبال وفيه اشارة الى جبال الاعضاء والجوارح والراسيات سيرت عن أرض تعيناتها وأيضا الى جبال الانواع والاجناس الواقعة فى عالم التعينات.

٤

{ واذا العشار } جمع عشرآء ونفساء كما فى القاموس والعشرآء هى الناقة التى أتى على حملها عشرة أشهر وهو اسمها الى أن تضع لتمام السنة وهى أنفس أموال العرب ومعظم اسباب معاشهم

{ عطلت } العطل فقد ان الزينة والشغل ويقال لمن يجعل العالم بزعمه فارغا عن صانع اتفنه وزينه ورتبه معطل وعطل الدار عن ساكبها والابل عن راعيها والمعنى واذا العشار تركت مسيبة مهملة غير منظور اليها مع كونها محبوبة مرغوبة عند أهلها لاشتغال أهلها بأنفسهم وذلك عند مجيئ مقدمات قيام الساعة فان الناس حينئذ يتركون الأموال والاملاك ويشتغلون بأنفسهم كما قال تعالى يوم لا ينفع مال ولا بنون وقال الامام أبو الليث وغيره هذا على وجه المثل لان فى القيامة لا تكون ناقة عشرآء يعنى ان هول القيامة بحال لو كان للرجل ناقة عشرآء لعطلها واشتغل بنفسه لعلهم جعلوا يوم القيامة ما بعد النفخة الثانية أو مبادى الساعى من القيامة لكن يمكن وجود العشرآء فى المبادى فلا يكون تمثيلا وفيه اشارة الى النفوس الحاملات احمال الاعمال والاحوال وأيضا الى تعطيل عشار الارجل المتنفع بها فى السير عن الاستعمال فى المشى وترك الانتفاع بها.

٥

{ واذا الوحوش } قال فى القاموس الوحش حيوان البر كالوحيش والجمع وحوش ووحشان والواحد وحشى قال ابن الشيخ هو اسم لما لا يستأنس بالانسان من حيوان البر والمكان الذى لا انس فيه وحش وخلاف الوحشى الأهلى

{ حشرت } اى جمعت من كل جانب واختلط بعضها ببعض وبالناس مع نفرة بعضها عن البعض وعن الناس ايضا وتفرقها فى الصحارى والقفار وذلك الجمع من هول ذلك اليوم

وقيل بعثت للقصاص اظهارا للعدل قال قتادة يحشر كل شئ حتى الذباب للقصاص فاذا قضى بينها ردت ترابا فلا يبقى منها الا ما فيه سرور لبنى آدم واعجاب بصورته او صورته كالطووس والبلبل ونحوهما فاذا بعثت الحيوانات للقصاص تحقيقا لمقتضى العدل فكيف يجوز مع هذا ان لا يحشر المكلفون من الانس والجن وفيه اشارة الى القوى البشرية الطبيعية النافرة عن جناب الحق وباب القدس بأن أهلكت وأفنبت وجمت الى ما منه بدت.

٦

{ واذا البحار سجرت } اى أحميت او ملئت بتفجير بعضها الى بعض حتى تعود بحرا واحدا مختلطا عذبها بملحها وبالعكس فتعم الارض كلها من سجر التنور اذا ملأء بالخطب ليحميه وجه الاحماء ان جهنم فى قعور البحار الا انها الآن مطبقة لا يصل أثر حرارتها الى ما فوقها من البحار ليتيسر انتفاع أهل الارض بها فاذا انتهت مدة الدنيا يرفع الحجاب فيصل تأثير تلك النيران الى البحار فتسخن فتصير حميما لأهل النار او تبعت عليها ربح الدبور فتنفخها وتضربها فتصير نارا على ما قاله ابن عباس رضى اللّه عنهما فى وجه الاحماء . در فتوحات مذكور است كه هركاه كه عبد اللّه بن عمر رضى اللّه عنهما دريارا بديدى كفتى يا بحر متى تعود نارا ووجه الامتلاء ان الجبال تندك وتفرق اجزآؤها وتصير كالتراب الهائل الغير المتماسك فلا جرم تنصب اجزآؤها فى أسافلها فتمتلئ المواضع الغائرة من الارض فيصير وجه الارض مستويا مع البحار فتصير البحار بحرا واحدا مسجورا اى ممتلئا وقال بعضهم ملئت بارسال عذبها على مالحها ثم أسيلت حتى بلغت الثور فابتعلها فلما بلغت الى جوفه نفذت وعن الحسن رحمه اللّه يذهب ماؤها حتى لا يبقى فيها قطرة قال الراغب وانما يكون كذلك لتجير النار فيها اى اضرامها والتشديد فى مثل هذه الافعال قد يكون لتكثير الفعل وتكريره والتخفيف يحتمل القليل والكثير وخصت هذه السورة بسجرت موافقة لقوله سعرت لان معنى سجرت عند اكثر المفسرين اوقدت فصارت نارا فيقع التوعد بتسعير النار وتسجير البحار وخصت سورة الانفطار بفجرت موافقة لتقوله واذا الكواكب انتثرت لان فى كل من تساقط الكواكب وسيلان المياه على وجه الارض وبعثرة القبور اى قلب ترابها مزايلة الشئ عن مكانه فلا فى كل واحد قرينه وفيه اشارة الى بحار المعرفة الذاتية والحكم الصفاتية والعلوم الاسمائية فانها اذا اتحدث بالتجلى الواحدانى تصير بحرا واحدا وهو بحر الذات المشتمل على جميع المراتب والى البحار الحاصلة من اعتبارات الوجود وشؤونه الكلية ظاهرا او باطنا غيبا وشهادة دنيا وآخرة فانها قد جمعت واتحدت فصار بحر الوجود بحرا واحدا زخارا لا ساحل له ولا قعر والى بحار العناصر بأنه فجر بعضها الى بعض واتصل كل جزء بأصله فصارت بحرا واحدا.

٧

{ واذا النفوس } الظاهر نفوس الانسان ويحتمل أن تعم الجن ايضا كما فى بعض التفاسير

{ زوجت } التزويج جعل احد زوجا لآخر وهو يقتضى المقارنة اى قرنت بأجسادها بأن ردت اليها او قرنت كل نفس بشكلها وبمن كان فى طبقتها فى الخير الشر فيضم الصالح الى الصالح والفاجر الى الفاجر او قرنت بكتابها او بعملها فالنفوس المتمردة زجرت بأعمالها السيئة والمطمئة بأعمالها الحسنة او نفوس المؤمنين بالحور ونفوس الكفرة بالشياطين وفيه اشارة الى ان الارواح الفائضة على هياكل الاشباح من عالم الامر قرنت ببواعتها وموجباتها التى هى الاسماء والصفات الالهية واسبابها اللاهوتية.

٨

{ واذا الموءودة } اى المدفونة حية يقال وأد بنته يئدها واذا وهى موءودة اذا دفنها فى القبر وهى حية وكانت العرب تنئد البنات مخافة الاملاق او الاسترقاق او لحوق العار بهم من اجلهن وكانوا يقولون ان الملائكة بنات اللّه فألحقوا البنات به فهو أحق بهن قال فى الكشاف كان الرجل اذا ولد ت له بنت فأراد أن يستحييها ألبسها جبة من صوف او شعر ترعى له الابل والغنم فى البادية وان أراد قتلها تركها حتى كانت سداسة اى بلغت ست سنين فيقول لامها طيبيها وزينيها حتى أذهب بها الى احمائها وقد حفر لها بئرا فى الصحرآء فبلغ با البئر فيقول لها انظرى فيها ثم يدفعها من خلفها ويهيل عليها التراب حتى يستوى البئر بالارض

وقيل كانت الحامل اذا قربت حفرت حفرة فتمخضت على رأس الحفرة فاذا ولدت بنتا رمت بها فى الحفرة وان ولد بنتا رمت بها فى الحفرة وان ولد ب ابنا حبسته

{ سئلت } اى سألها اللّه بنفسه اظهارا للعدالة او بأمره للملك.

٩

{ بأى ذنب } من الذنوب الموجبة للقتل عقلا ونقلا

{ قتلت } قتلها أبوها حية فعلا او رضى وتوجيه السؤال اليها لتسليتها واظهار كمال الغيظ والسخط لوآئدها واسقاطه عن درجة الخطاب والبالغة فى تبكيته كما فى قوله تعالى انت قلت لناس اتخذونى وامى الهين ولذا لم يسأل الوائد عن موجب قتله لها وجه التبكيت ان المجنى عليه اذا سئل بمحضر من الجانى ونسب اليه الجناية دون الجانى كان ذلك بعثا للجانى على التفكر فى حال نفسه وحال المجنى عليه فيعثر على برآءة ساحة صاحبه وعلى انه هو المستحق لكل نكال فيفحم وهذا نوع من الاستدراج واقع على طريق التعريض وهو أبلغ فلذلك اختير على التصريح وانما قيل قتلت على الغيبة لما ان الكلام اخبار عنها لا حكاية لما خوطبت به حين سئلت ليقال قتلت على الخطاب وعلى قرآءة سألت اى اللّه او قاتلها لا حكاية لكلامها حين سئلت ليقال قتلت على الحكاية عن نفساه وعن ابن عباس رضى اللّه عنهما انه سئل عن اطفال المشركين فقال لا يعذبون واحتج بهذه الآية فانه يثبت بها ان التعذيب لا يستحق الا بالذنب وعن ابن مسعود رضى اللّه عنه ان الوآئدة والموءودة فى النار اى اذا كانت الموءودة بالغة وفيه اشارة الى ان الاعمال المشوبة بالرياء المخلوطة بالسمعة والهوى سئلت بأى سبب ابطلت نوريتها وروحانتيها وأيضا سئلت موءودة الناس الناطقة التى أثقلتها وآئدة النفس الحيوانية فى قبر البدن وأهلكتها بأى ذنب قتلت اى طلب الظهار الذنب الذى به استولت النفس الحيوانية على الناطقة من الغضب او الشهوة او غيرهما فمنعتها عن خواصها وافعالها واهلكتها فأظهر فكنى عن طلب اظهاره بالسؤال ولهذا قال عليه السلام ( الوآئدة والموءودة فى النار ) لان النفس الناطقة فى النار مقارنة للنفس الحيوانية كذا قال القاشانى.

١٠

{ واذا الصحف نشر } ى صحف الاعمال فانها تطوى عند الموت وتنشر عند الحساب اى تفتح فيعطاها الانسان منشورة بأيمانهم وشمائلهم فيقف على ما فيها وتحصى عليه جميع اعماله فيقول مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة الا احصاها وفى الحديث ( يحشر الناس عراة حفاة ) فقالت أم سلمة رضى اللّه عنها فكيف بالنساء فقال ( شغل النساء يا أم ) سلمة قالت وما شغلهم قال ( نشر الصحف فيها مثا قيل الذر ومثا قيل الخردل )

وقيل نشرت اى فرقت بين أصحابها وعن مرثد بن وادعة اذا كان يوم القيامة تطايرت الصحف من تحت العرش فتقع صحيفة المؤمن فى يده فى يده فى جنة عالية وتقع صحيفة الكافر فى يده فى سموم وحميم اى مكتوب فيها ذلك وهى صحف غير صحف الاعمال وفيه اشارة الى صحائف القوى والنفوس التى فيها هيئات الاعمال تطوى عند الموت وتكوير شمس الروح وتنشر عند البعث والعود الى البدن.

١١

{ واذا السماء كشطت } قلعت وأزيلت بحيث ظهر ما ورآءها وهو الجنة والعرش كما يكبشط الاهاب عن الذبيحة والغطاء عن الشئ المستور به قال الراغب هو من كشط الناقة اى تنحية الجلد عنها منه استعير انكشط روعه اى زال وفيه اشارة الى كشط سماء الارواح عن ارض الاشباح والى طى ظهور الاسماء والصفات الى البطون والخفاء.

١٢

{ واذا الجحيم سعرت } اى اوقدت للكافرين ايقادا شديدا لتحرقهم ابديا سعرها غضب اللّه وخطايا بنى آدم فاسعار النار زيادة التهابها لا حدوثها ابتدآء وبه يندفع احتجاج من قال النار غير مخلوقة الآن لانها تدل على ان تسعرها معلق بيوم القيامة وذلك لان فيه الزيادة والاشتداد وفيه اشارة الى جحيم الخسران والخذلان فانها اوقدت باحطاب الاعمال السيئة وحجار الاحوال القبيحة خصوصا نار الغضب والشهوة التى كانوا عليها فى هذه النشأة.

١٣

{ واذا الجنة ازلفت } الازلاف التقريب بالفارسية نزديك كردن . اى قربت من المتقين ليدخلوها كقوله تعالى وازلفت الجنة للمتقين غير بعيد وعن الحسن رحمه اللّه انهم يقربون منها لا انها تزول عن موضعها فالمراد من التقريب التعكيس للمبالغة كما فى قوله تعالى ويوم يعرض الذين كفروا على النار حيث تعرض النار عليهم تحقيرا وتحسيرا فقلت مبالغة ويحتمل ان يكون المراد التقريب المعنوى وهو جعل اهلها مستحقين لدخولها مكرمين فيها وفيه اشارة الى تقريب نعيم آثار الرضى واللطف من المتقين وكذا جنة الوصول والوصال لمحبى الجمال والكمال كما قيل هذه اثنتا عشر خصلة ست منها فى الدنيا اى فيما بين النفختين وهن من اول السورة الى قوله واذا البحار سجرت على ان المراد بحشر الوحوش جمعها من كل ناحية لا بعثها للقصاص وسعت فى الآخرة اى بعدالنفخة الثانية وقال أبى بن كعب رضى اللّه عنه ست آيات قبل القيامة بينما الناس فى اسواقهم اذ ذهب ضوء الشمس فبينما هم كذلك اذ تناثرت النجوم فبينما هم كذلك اذ وقعت الجبال على وجه الارض فتحركت واضطربت وفزعت الجن الى الانس والانس الى الجن واختلطت الدواب والطير والوحوش وماج بعضهم فى بعض فحينئذ تقول الجن للانس نحن نأتيكم بالخبر فينطلقون الى البحر فاذا هو نار تتأجج اى نتهلب قال فبينما هم كذلك اذ صدقت الارض صدعة واحدة الى الارض السابعة السفلى والى السماء السابعة العليا فبينما هم كذلك اذ جاءتهم الريح فأماتتهم كذا فى المعالم.

١٤

{ علمت نفس ما احضرت } اى علمت كل نفس من النفوس ما احضرته على حذف الراجح الى الموصول فنفس فى معنى العموم كما صرح به فى قوله تعالى يوم تجد كل نفس ما علمت من خير محضرا وقوله هناك تبلو كل نفس ما اسلفت وقولهم ان النكرة فى سياق الاثبات لا تعمم بل هى للافراد النوعية غير مطرد ويجوز أن يكون التنوين للافراد الشخصية اشعارا بانه اذا علمت حينئذ نفس من النفوس ما احضرت وجب على كل نفس اصلاح عملها مخافة ان تكون هى التى علمت ما احضرت فكيف وكل نفس تعلمه على طريق قولك لمن تنصحه لعلك ستندم على ما فعلت وربما ندم الانسان على ما فعل فانك لا تقصد بذلك ان ندمه مرجو الوجود لا متيقن به او نادر الوقوع بل تريد ان العاقل يجب عليه ان يجتنب امرا يرجى فيه الندم او قلما يقع فيه فكيف به اذا كان قطعى الوجود كثير الوقوع والمراد بما احضرت اعمالها من الخير والشر وبحضرها اما حضور صحائفها كما يعرب عنه نشرها

واما حضور انفسها لان الاعمال الظاهرة فى هذه النشأة بصور عرضية تبرز فى النشأة الآخرة بصور جوهرية مناسبة لها فى الحسن والقبح على كيفيات مخصوصة وهيئات معينة واسناد حضورها الى النفس مع انها تحضر بأمر اللّه لما انها عملتها فى الدنيا كأنها احضرتها فى الموقف ومعنى علمها بها حينئذ انها تشاهدها على ما هى عليه فى الحقيقة فان كانت صالحة تشاهدها على صور أحسن مما كانت تشاهدها عليه فى الدنيا لان الطاعات لا تخلو فيها عن نوع مشقة ودر ورد حفت الجنة بالمكاره وان كانت سيئة تشاهدها على ما هى عليه ههنا لانها كانت مزينة لها موافقة لهواها كما ورد وحفت النار بالشهوات وقال بعضهم العلم بالاعمال كناية عن المجارة عليها من حيث ان العلم لازم للمجازاة وقوله علمت الخ جواب اذا على ان المراد بها زمان واحد متسع محيط بنما ذكر من اول السورة الا هنا من الاثنى عشر شيأ مبدأ النفخة الاولى ومنتهاه فصل القضاء بين الخلائق لكن لا بمعنى انها تعلم ما تعمل فى كل خزئ من الجزآء ذلك الوقت المديد أو عند وقوع داهية من تلك الدواهى بل عند نشر الصحف الا انه لما كان بعض تلك الدواهى من باديه وبعضها من روادفه نسب علمها بذلك الى زمان وقوع كلها تهويلا للخطب وتفظيعا للحال وعن عمر وابن عباس رضى اللّه عنهم انهما قرأ السورة فلما بلغا الى قوله علمت نفس ما احضرت قالا لهذه اجريت القصة وعن ابن مسعود رضى اللّه عنه ان قارئا قرآها عنده فلما بلغ علمت نفس ما احضرت قال وانقطاع ظهراه اى قاله خوفا من القيامة ومجازاة الاعمال.

درآنروز هر نفسى بيندكه باهر خيرى كرامتى وعطا ييست وباهر شرى ملامتى وجزايى برنيكى حسرت خوردكه را زياده تكردم وبريدى اندوه كشدكه جرا مباشر شدم وآن حسرت واندوه هيج فائده ندارد

توامروز فرصت غنيمت شمار ... كه فردا ندامت نيايد بكار

بكوش اى توانا كه فرمان برى ... كه در ناتوانى بسى غم خورى

وفى الحديث ( المؤمن بين مخافتين عمر قد مضى لا يدرى ما اللّه صانع فيه واجل قد بقى لا يدرى ما اللّه قاض فيه فليتزود العبد لنفسه من نفسه ومن دنياه لآخرته ) ومن الشبيبة قبل الكبر ومن الحياة قبل الممات فواللّه ما بعد الموت من مستعتب وما بعد الدنيا الا الجنة والنار وقال الواسطة قدس سره فى الآية علمت كل نفس وايقنت ان ما علمت واجتهدت لا يصلح لذلك المشهد وان من اكرم بخلع الفضل نجا ومن قرن بجزآء اعماله هلك وخاب وفى برهان القرءآن هنا علمت نفس ما احضرت وفى الانفطار وما قدمت وأخرت لان ما فى هذه السورة متصل بقوله واذا القبور بعثرت والقبور كانت فى الدنيا بتذكر ما قدمت فى الدنيا وما أخرت للعقبى فكل خاتمة لائقة بمكانها وهذه السورة من اولها الى آخرها شرط وجزآء وقسم وجواب.

١٥

{ فلا اقسم } لا صلة اورد لكلام سابق اى ليس الامر كما تزعمون ايها الكفرة من ان القرءآن سحر او شرع او أساطير ثم ابتدأ فقال اقسم

{ بالخنس } جمع خانس وهو المتأخر من خنس الرجل عن القوم خنوسا من باب دخل اذا تأخر واصل الخنوس الرجوع الى خلف والخناس الشيطان لانه يضع خرطومه على قلب العبد فاذا ذكر اللّه خنس واذا غفل عاد الى الوسوسة والمعنى اقسم بالكواكب الرواجع وهى ما عد النيرين من الدرارى الخمسة وهى المريخ بالكسر ويسمى بهرام ايضا وزخل ويسمى كيوان ايضا وعطارد ويسمى الكاتب ايضا والزهرة وتسمى انا هيذ ايضا والمشترى ويسمى روايس وبرجيس ايضا وما من نجم يقطع المجرة غير الخمسة فلذ اخضها ونظمها بعضهم والنيرين فقال

هفت كوكب كه هست كبتى را ... كاه از ايشان مدار وكاه خلل

قمرست وعطارد وزهره ... شمس ومريخ ومشترى وزحل

وهى الكواكب السبعة السيارة كل منها يجرى فى فلك فالقمر فى الاول وما يليه فى الثانى وهكذا على الترتيب.

١٦

{ الجوارى الكنس } الجوارى جمع جارية بمعنى سارة والكنس جمع كانس وهو الداخل فى الكناس المستتر به وصفت الخنس بهما لانها تجرى فى افلاكها او بأنفسها على ما عليه اهل الظواهر مع الشمس والقمر وترجع حتى تخفى تحت ضوء الشمس فخنوسها رجوعها بينا ترى النجم فى آخر البرج اذكر راجعا الى اوله فرجوعه من آخر البرج الى اوله هو الخنوس وكنوسها اختفاؤها تحت ضوئها

واما القمر ان فلا يكنسان بهذا المعنى قال فى عين المعانى لخنوساه فىمجراها واستتارها فى كناسها اى موضع اتتارها فيه كما تكنس الظباء انتهى من كنس الوحش من باب جلس اذا دخل كناسه وهو بيته الذى يتخذه من اغصان الشجر

وقيل جميع الكواكب تخنس بالنهار فتغيب عن العيون وتكنس بالليل اى تطلع فى اماكنها كالوحش فى كنسها وفى التأويلات النجمية يشير الى الحواس الخمس الباطنة السيارة مع شمس الروح وقمر القلب لرواجع الى بروجها بالاختفاء بحسب شعاع شمس الروح وقمر القلب لغلبة اشعتهما عليهن والدرارى الخمسة الزهرة وعطارد والمشترى وبهرام وزحل مظاهر الحواس الخمس والشمس مظهر الروح والقمر مظهر القلب.

١٧

{ والليل } عطف على الخنس

{ اذا عسعس } اى ادبر ظلامه لان اقبال الصبح يكون بادبار الليل كما قال فى الوسيط لما كان طلوع الصبح متصلا بادبار الليل كان المناسب ان يفسر عسعس بادبر ليكون التعاقب فى الذكر على حسب التعاقب فىلوجود انتهى او أقبل فانه من الاضداد كذلك سعسع وذلك فى مبدأ الليل وهذا المعنى انسب لمراعاة المقابلة مع قرينه.

١٨

{ والصبح } عطف عليه ايضا

{ اذا تنفس } آنكاه دم زند يعنى طلوع كند وتنفس او مبدأ طلوعت . والعامل فى اذا معنى القسم واذا وما بعدها فى موضع الحال اقسم اللّه بالليل مدبرا وبالصبع مضيئا يقال تنفس الصبح اذا تبلج اى اضاء واشرق جعل تنفس الصبح عبارة عن طلوعه وانبساطه تحت ضوئه بحيث زال معه عسعسة الليل وهى الغبرة الحاصلة فى آخره والنفس فى الاصل ريح مخصوص يروح القلب ويفرج عنه بهبوبه عليه وفى الحديث ( لا تسبوا الريح فانها من نفس الرحمن ) اى مما يفرج الكرب شبه ما يقبل باقبال الصبح من الروح والنسيم بذلك الريح المخصوص المسمى بالنفس فاطلق اسم النفس عليه استعارة فجعل الصبح متنفسا بذلك ثم كنى بتنفسه بذلك عن اقبال المصبح وطلوعه واضاءة غبرته لان المتنفس بالمعنى المذكور لازم له فهو كتابة متفرعة على الاستعارة قال القاشانى والليل اى ليل ظلمة الجسد الميت اذا ادبر بابتدآء ذهاب ظلمته بنور الحياة عند تعلق الروح به وطلوع نور شمسه عليه والصبح اى اثر نور طلوع تلك الشمس اذا انتشر فى البدن بافادة الحياة وفى التأويلات النجمية يشير الى ليل الطبيعة المتشعشعة عن ظلام غيب البشرية باتباع احكام الشريعة ومخالفات آثار الطبيعة والى صبح نهار الروحانية اذا كشف واظهر آداب الطريقة ورسوم الحقيقة وهو اعظم الاقسام وافضل الايمان.

١٩

{ انه } الضمير للقرءآن وان لم يجر له ذكر للعلم به اى القرءآن الكريم الناطق بما ذكر من الدواهى الهائلة وهو جواب القسم وجه القسم بهذه الاشياء ان فيها ظهور كمال الحكمة وجلال القدرة.

يقول الفقير سر الاقسام بها ان القرءآن نور من اللّه فا يرد الا على القلب النورانى الذى هو بمنزلة القدر وعلى الروح الذى هو بمنزلة القمر وعلى الروح الذى هو بمنزلة الشمس وعلى القوى الروحانية التى هى بمنزلة سائر السيارات المضيئة وهذه الانوار لا تظهر فى الوجود الانسانى الا بزوال آثار الطبيعة والنفس وظهور آثار القلب والروح فاذا اشرقت انوار الروح وقواه فى ليل الوجود اضاء جميع ما فى الوجود وزال الظلام

{ لقول رسول كريم } هو جبريل عليه السلام قاله من جهة اللّه قال السهيلى ولا يجوز انه أراد به انه قول النبى عليه السلام وان كان النبى عليه السلام رسولا كريما لان الآية نزلت فى معرض الرد والتكذيب لمقالة الكفار الذين قالوا ان محمدا عليه السلام بقوله وهو قوله فقال اللّه تعالى انه لقول رسول كريم فأضافه الى جبريل الذى هو أمين وحيه وهو فى الحقيقة قول اللّه لكنه اضيف الى جبريل لانه جامعه من عند اللّه فاسناده اليه باعتبار السببية الظاهرة فى الانزال والايصال ويدل على ان المراد بالرسول هو جبريل ما بعده من ذكر قوته ونحوها وصفه برسول لانه رسول عن اللّه الى الانبياء وبكريم اى على ربه عزيز عظيم عنده وكذا عند الناس لانه يجيئ بأفضل العطايا وهو المعرفة والهداية ويتعطف على المؤمنين ويقهر الاعدآء.

٢٠

{ ذى قوة } شديدة كقوله تعالى شدي القوى اى ذى قدرى على ما يكلف به لا عجز له ولا ضعف روى انه عليه السلام قال لجبريل ذكر اللّه قوتك فأخبرنى بشئ من آثارها قال رفعت قريات قوم لوط الاربع من الماء الاسود بقوادم جناحى حتى سمع اهل السماء نباح الكلب واصوات الديكية ثم قلبتها ومن قوته انه صباح صيحة بثمود فأصبحوا جاثمين وانه يهبط من السماء الى الارض ويصعد فى اسرع من الطرف وانه رأى ان شيطانا يقال له الابيض صاحب الانبياء قصد ان يتعرض للنبى فدفعه دفعة رفيقة وقع بها من مكة الى أقصى الهند وكذا راه يكلم عيسى عليه السلام على بعض الارض المقدسة فنفخه نفخة واحدة ألقاه الى أقصى جبل الهند

وقيل المراد القوة فى ادآء طاعة اللّه وترك الاخلال بها من اول الخلق الى آخر زمان التكليف وفيه اشارة الى صفة الروح فانه ذو سلطنة على جميع الحقائق الكائنة فى المملكة الانسانية

{ عند ذى العرش } اى اللّه تعالى وفى ايراد ذ العرش اخبار بغاية كبريائه فى القلوب وعند ظرف لما بعده فى قوله

{ مكين } ذى مكانة رفيعة عند عندية اكرام وتشريف لا عندية مكان فانه تعالى متعال عن امثالها ونحوه انا عند المنكسرة قلوبهم فان المراد به القرب والا كرام ومن مكانته عند اللّه ومرتبته انه تعالى جعله تالى نفسه فى قوله فان اللّه هو مولاه وجبريل فله عظم منزلة عندية فأين منزلة من يلازم السلطان عند سرير الملك من مرتبة من يلازمه عند الوضوء ونحوه.

٢١

{ مطاع } فيما بين الملائكة المقربين يصدرون عن أمره ويرجعون الى رأيه لعلمهم بمنزلته عند اللّه قال فى فتح الرحمن ومن طاعتهم انهم فتحوا أبواب السماء ليلة المعراج بقوله لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وطاعة جبريل فريضة على اهل السموات كما ان طاعة محمد عليه السلام فريضة على اهل الارض وفيه اشارة الى ان الروح مطاع فيما بين القوى بالنسبة الى السر والقلب

{ ثم امين } على الوحى قد عصمه اللّه من الخيانة والزلل وثم بفتح الثاه ظرف مكان لما قبله اى مطاع هناك اى فى السموات

وقيل لما بعده اى مؤتمن عند اللّه على وحيه ورسالاته الى الانبياء فيكون اشارة الى عند اللّه وقرئ ثم بضم الثاء تعظيما لوصف الامانة وتفصيلا على سائر الاوصاف فيكون للتراخى الرتبى على طريق الترقى من صفاته الفاضلة الى ما هو افضل واعظم وهو الامانة ( قال الكاشفى ) واكر رسول كريم محمد باشد عليه السلام بس او صاحب قوت طاعت ونزديك خداى خداوند قدر ومكانتست ومطاع . يعنى مستجاب الدعوة ولذا قال له عمه أبو طالب ما اطوعك ربك يا محمد فقال له وأنت يا عم لو أطعته اطاعك وامين يعنى برا سرار غيب.

وفيه اشارة الى ان الروح أمين فى افاضة الفيض الروحى على كل احد بحسب استعداده الفطرى.

٢٢

{ وما صاحبكم } يا اهل مكة وهو رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عطف على جواب القسم ولذا قال فى فتح الرحمن وهذا ايضا جواب القسم

{ بمجنون } كما تقولون والتعرض لعنوان المصاحبة للتلويح باحاطتهم بتفاصيل احواله عليه السلام خبرا وعلمه بنزاهته عما نسبوه اليه بالكلية فانه كان بين اظهرهم فى مدد متطاولة وقد جربوا عقله فوجدوه اكمل الخلائق فيه ولقبوه بالامين الصادق وقد استدل على فضل جبرآئيل على رسول اللّه حيث وصف جبريل بست خصال كل واحد منها تدل على كمال الشرف ونباهة الشأن واقتصر فى ذكر رسول اللّه على نفى الجنون عنه وبين الذكرين تفاوت عظيم وهذا الاستدلال ضعيف اذا لمقصود رد قول الكفرة فى حقه عليه السلام يا أيها الذى نزل عليه الذكر انك لمجنون لا تعداد فضائلهما والموازنة بينهما على ا فى توصيف جبريل بهذه الصفات بيانا لشرف سيد المرسلين بالنسبة اليه من حيث ان جبريل مع هذه الصفات هو الذى يؤيده ويبلغ الرسالة اليه فأى رتبة اعلى من مرتبته بعدما ثبت ان السفير بينه وبين ذى العرش مثل هذا الملك المقرب وقال سعدى المفتى الكلام مسوق لحقية المنزل دلالة على صدق ما ذكر فيه من اهوال القيامة على ما يدل عليه الفاء السببية فى قوله فلا اقسم ولا شك ان ذلك يقتضى وصف الآتى به فلذلك بولغ فيه دون وصف من انزل عليه فلذلك اقتصر فيه على نفى ما بهتوه وفيه اشارة لى ان الروح ليس بمجنون اى بمستور عن حقائق القرءآن ودقائقه واحكامه وشرآئعه ووعده ووعيده بل هو مكشوف له بجميع اسراره.

٢٣

{ ولقد رآه } وباللّه لقد رأى رسول اللّه جبريل وفى عين المعانى أبصره لا جنيا

{ بالافق المبين } افق السماء ناحيتها والمبين من أبان اللازم بمعنى الظاهر بالفارسية روشن . اى بمطلع الشمس الاعلى من ناحية المشرق فالمراد بالافق هنا حيث تطلع الشمس استدلالا بوصفه بالمبين فان نفس الافق لا مدخل له فى تبين الاشياء وظهورها وانما يكون له مدخل فى ذلك من حيث كونه مطلعا لكوكب نير يبين الاشياء والكوكب المبين هو الشمس واسناد الابانة الى مطلعها مجاز باعتبار سببيته لها فى الجملة فان البيان فى الحقيقة لضياء الطالع منه ثم خص من بين المطالع ما هو أعلى المطالع وارفعنها وهو المطلع الذى اذا طلعت الشمس منه تكون فى غاية الارتفاع والنهار فى غاية الطول والامتداد وذلك عند ما تكون الشمس عند رأس السرطان قبيل تحولها الى برج الاسد وتوجه النهار الى الانتقاص وانما فعل ذلك حملا للمبين على الكمال فانه كلما كان الكوكب ارفع وأعلى وكلما كان النهار اطول كان البيان والاظهار اتم واكمل روى ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم سأل جبريل ان يترا اى له فى صورته التى خلقه اللّه عليها فقال ( ما اقدر على ذلك ) وما ذاك الى فاذن له فأتاه عليها وذلك فى جبل حرآء فى اوآئل البعثة فرآه رسول اللّه قد ملأ الآفاق بكلكله رجلاه فى الارض ورأسه فى السماء جناح له بالمشرق وجناح له بالمغرب وله ستمائة جناح من الزبرجد الاخضر فغشى عليه فتحول جبريل فى صورة بنى آدم وضمه الى نفسه وجعل يمسح الغبار عن وجهه فقيل لرسول اللّه ما رأيناك منذ بعثت أحسن منك اليوم فقال عليه السلام ( جاءني جبريل فى صورته فعلق بى هذا من حسنه ) قالوا ما رآه احد من الانبياء غيره عليه السلام فى صورته التى جبل عليها فهو من خصائصه عليه السلام.

واعلم ان وقوع الغشيان انما هو من كمال العلم والاطلاع ألا ترى الى قوله تعالى لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا ولملئت منهم رعبا فان توليه وامتلاءه من الرعب ليس عن رؤية اجسامهم فقط لانهم اناس مثله وانما هو لما اطلعه اللّه عليه حين روبيتهم من العلم كما غشى على جبريل ليلة الاسرآء حين رأى الرفرف ولم يغش على رسول اللّه وقال عليه السلام فعلمت فضل جبريل فى العلم فكأنه عليه السلام اشار فضل نفسه ايضا لما غشى عليه برؤية جبريل على صورته الاصلية وانما لم يغش عليه حين رأى الرفرف كما غشىعلى جبريل لانه اذ ذاك فى نهاية التمكين وفرق بين البداية والنهاية واللّه اعلم قال القاشانى ولقد رآه بالافق المبين اى نهاية طور القلب الذى يلى الروح وهو مكان القاء النافث القدسى على ان المراد بالرسول روح القدس النافث فى روع الانسان وقال فى التأويلات النجمية اى رأى جبريل الروح حضرة ربه عند افق البقاء بعد الفناء.

٢٤

{ وما هو } اى رسول اللّه

{ على الغيب } اى على ما يخبره من الوحى اليه وغيره من الغيوب

{ بضنين } اى ببخيل اى لا يبخل بالوحى فيزوى بعضه غير مبلغه ولا يكتمه كما يكتم الكاهن ما عنده حتى يأخذ عليه حلوانا اى اجرة أو يسأل تعليمه فلا يعلمه وفيه اشارة الى ان امساك العلم عن أهله بخل من ضن بالشئ يضن بالفتح ضنا بالكسر وضنانة بالفتح اى بخل فهو ضنين به ى بخيل ويضن بالكسر لغة والفتح افصح ذكره البيهقى فى تهذيب المصادر فى باب ضرب حيث قال الضن والضنانة بخيلى كردن.

والغابر يضن والفتح أفصح فيكون من باب علم كما صرح به بعضهم بقوله هو من ضننت بالشئ بكسر النون وهو قرآءة نافع وعاصم وحمزة وابن عامر قال فى النشر كذلك هو فى جميع المصاحف اى المصاحف التى بتداولها الناس والا فهو فى مصحف عبد اللّه بن مسعود رضى اللّه عنه بالظاهء وقرئ بظنين على انه فعيل بمعنى المفعول اى بمتهم اى هو ثقة فى جميع ما يخبره لا يتوهم فيه انه ينطق عن الهوى من الظنة وهى التهمة واتهمت فلانا بكذا توهمت فيه ذلك اختار أبو عبيدة هذه القرآءة لان الكفار لم يبخلوه وانما اتهموه فنفى التهمة أولى من نفى البخل ولان البخل يتعدى بالباء لا بعلى وفى الكشاف هو فى مصحف عبد اللّه بالظاء وفى مصحف أبى بالضاد وكان رسول اللّه عليه السلام يقرأ بهما ولا بد للقارئ من معرفة مخرجى الضاد والظاء فان مخرج الضاد من اصل حافة اللسان وما يليها من الاضراس من يمين اللسان او يساره ومخرج الظاء من طرف اللسان واصول الثايا العليا فان قيل فان وضع المصلى احد الحرفين مكان الآخر قلنا قال فى المحيط البرهانى اذا أتى بالظاء مكان الضاد او على العكس فالقياس أن تفسد صلاته وهو قول عامة المشايخ وقال مشايخنا بعدم الفساد للضرورة فى حق العامة خصوصا العجم فان اكثرهم لا يفرقون بين الحرفين وان فرقوا ففرقا غير صواب وفى الخلاصة لو قرأ بالظاء مكان الضاد او بالضاد مكان الظاء تفسد صلاته عند أبى حنيفة ومحمد

واما عند عامة المشايخ كأبى مطيع البلخى ومحمد بن سلمة لا تفسد صلاته.

٢٥

{ وما هو بقول شيطان رجيم } اى قول بعض المسترقة للسمع دل عليه توصيفه بالرجيم لانه بمعنى المرمى بالشهب وهو نفى لقولهم انه كهانة وسحر كما قال وما تنزلت به الشياطين وفيه اشارة الى انه ليس محمد القلب عند الاخبار عن المواهب الغيبية والالهامات السرية بمتهم بالكذب والافترآء وما هو بقول بعض القوى البشرية.

٢٦

{ فأين تذهبون } استضلال لهم فيما يسلكونه فى امر القرءآن والفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها من ظهور انه وحى مبين وليس مما يقولون فى شئ كما تقول لمن ترك الجادة بعد ظهورها هذا الطريق الواضح فأين تذهب شبهت حالهم بحال من يترك الجادة وهو معظم الطريق ويتعسف الى غير المسلك فانه يقال له أين تذهب استضلالا له وانكارا على أسفه فقيل لمن يقول فى حق القرءآن ما لا ينبغى من وضوح كونه وحيا حقا اى طريق تسلكون آمن من هذه الطريقة التى ظهرت حقيتها ووضحت استقامتها وأين ظرف مكان مبهم منصوب بتذهبون قال أبو البقاء التقدير الى أين فحذف حرف الجر ويجوز أن لا يصار الى الحذف بل الى طريق التضمين فكأنه قيل أين تؤمون وقال الجنيد قدس سره أين تذهبون عنا وان من شئ الا عندنا وفى التأويلات النجمية فأين تذهبون من طريق الحق الى طريق الباطل وتتركون الاقتدآء بالروح وتختارون اتباع النفوس.

٢٧

{ ان هو } ان نافية والضمير الى القرءآن اى ما هو

{ الا ذكر للعالمين } موعظة وتذكير لهم والمراد الانس والجن بدلالة العقل فانهم المحتاجون الى الوعظ والتذكير.

٢٨

{ لمن شاء منكم } أيها المكلفون بالايمان والطاعة وهو بدل من الالمين باعادة الجار بدل البعض من الكل ولا تخالف بين الاصل المتبوع والفرع التابع لان الاول باعتبار الذات والثانى باعتبار التبع

{ ان يستقيم } مفعول شاء اى لمن شاء منكم الاستقامة بتحرى الحق وملازمة الصواب وابداله من العالمين مع انه ذكر شامل لجميع المكلفين لانهم هم المنتفعون بالتذكير دون غيرهم فكأنه مختص بهم ولم يوعظ به غيرهم.

٢٩

{ وما تشاؤون } اى الاستقامة مشيئة مستتبعة لها فى وقت من الاوقات يا من يشاؤها وذلك ان الخطاب فى قوله فمن شاء منكم يدل على ان منهم من يشاء الاستقامة ومن لا يشاؤها فالخطاب هنا لمن يشاؤها منهم يروى ان أبا جهل لما سمع قوله تعالى لمن شاء منكم أن يستقيم قال الامر الينا ان شئنا استقمنا وان شئنا لم نستقم وهو رأس القدرية فنزل قوله تعالى وما تشاؤون الخ

{ الا أن يشاء اللّه } من اقامة المصدر موقع الزمان اى الا وقت أن يشاء اللّه تلك المشيئة المستتبعة للاستقامة فان مشيئتكم لا تستتبعها بدون مشيئة اللّه لها لان المشيئة الاختيارية مشيئة حادثة فلا بدلها من محدث فيتوقف حدوثها على أن يشاء محدثها ايجادها فظهر ان فعل الاستقامة موقوف على ارادة الاستقامة وهذه الارادة موقوفة الحصول على أن يريد اللّه أن يعطيه تلك الارادة والموقوف على الموقوف على الشئ موقوف على ذلك الشئ فأفعال العباد ثوبتا ونفيا موقوفة الحصول على مشيئة اللّه كما عليه اهل السنة

{ رب العالمين } مالك الخلق ومربيهم أجميعن بالارزاق الجمسانية والروحانية وفى الحديث القدسى يا ابن آدم تريد وأريد فتتعب فيما تريد ولا يكون الا ما أريد قال وهب بن منبه قرأت فى كتب كثيرة مما أنزل اللّه على الانبياء انه من جعل الى نفسه شيأ من المشيئة فقد كفر قال أبو بكر الواسطى قدس سره أعجزك فى جميع صفاتك فلا تشاء الا فى مشيئته ولا تعمل الا بقوته ولا تطيع الا بفضله ولا تعصى الا بخذلانه فماذا يبقى لك وبماذا تفتخر من أعمالك وليس منها شئ اليك الا بتوفيقه وبالفارسية حق تعالىترا درهمه وصفها عاجز ساخته است نخواهى مكر بمشيت او ونكنى مكر بقوت او وفرمانبرى مكر بفضل او وعاصى نشوى مكر بخذلان او بس توجه دارى وبكدام فعل مى نازى وحا آنكه ترا هيج نيست

زسرتا باهمه در بيجم ييج ... ج باجه سر همه هيجيم درهيجد

وفى الحديث من سره ان ينظر الى يوم القيامة كأنه رأى عين فليقرأ اذا الشمس كورت واذا السماء انفطرت واذا السماء انشقت فان فيها بيان أهواله الهائلة على التفصيل.

﴿ ٠