سُورَةُ الْاِنْفِطَارِ مَكِّيَّةٌ وَهِيَ تِسْعَ عَشَرَةَ آيَةً ١ { اذا السماء انفطرت } اى انشقت لنزول الملائكة كقوله تعالى ويوم تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلا او لهيبة الرب وفى فتح الرحمن تشققها على غير نظام مقصود انما هو انشقاق لنزول بنيتها واعرابه كاعراب اذا الشمس كورت فى التأويلات النجمية يعنى سماء الارواح والقلوب والاسرار ارتفعت تعيناتها وزالت تشخصاتها وقال القاشانى اى اذا انفطرت سماء الروح الحيوانى بانفراجها عن الروح الانسانى وزوالها بالموت. ٢ { واذا الكواكب انتثرت } اى تساقطت من مواضعها سودآء متفرقة كما تتساقط اللآلئ اذا انقطع السلك وهذان من اشراط الساعة متعلقان بالعلويات فان السماء فى هذا العالم كالسقف والارض كالبناء ومن أراد تخريب دار فانه يبدأ اولا بتخريب السقف وذلك هو قوله اذا السماء انفطرت ثم يلزم من تخريب السماء انتثار الكواكب وفيه اشارة الى انتثار كواكب الحواس العشر الظاهرة والباطنة وذهابها بالموت الطبيعى فانه اذا انقطع ضوء الروح عن ظاهر البدن وباطنه تعطل الحواس مطلقا وكذا بالموت الارادى. ٣ { واذا البحار فجرت } فتح بعضها الى بعض بزوال المانع وحصول تزلزل الارض وتصدعها واستوآئها وصارت البحار وهى سبعة بحر الروم وبحر الصقالبة وبحر جرجان وبحر القلزم وبحر فارس وبحر الصين وبحر الهند بحرا واحدا فيصب ذلك البحر فى جوف الحوت الذى عليه الارضون السبع كما فى كشف الاسرار وروى ان الارض تنشف من الماء بعد امتلاء البحار فتصير مستوية وهو معنى التسجير عند الحسن البصرى ودخل فى البحار البحر المحيط لانه اصل الكل اذ منه يتفرع الباقى وكذا الانهار العذبة فانها بحار ايضا التوسعها وفيها اشارة الى بحار الارواح والاسرار والقلوب حيث فجرت بعضها فى بعض بالتجلى الاحدى وصارت بحر واحدا والى بحار الاجسام العنصرية حيث فجرت بعضها فى بعض بزوال البرازخ الحاجزة عن ذهاب كل الى أصله وهى الارواح الحيوانية المانعة عن خراب البدن ورجوع اجزآئه الى أصلها. ٤ { واذا القبور بعثرت } قلب ترابها وأخرج موتا ولا يخالف ما سيجئ فى العاديات فان البعثرة تجيئ بمعنى الاستخراج ايضا اى كالقلب وفى تاج المصادر البعثرة شورانيدن وآشكارا كردن . ولذا قال بعضهم بالفارسية وآنكاه كه كورها زيروزبر كرده شود يعنى خاكهارا بشورانند تامدفونات وى ازاموات وكنجها ظاهر كردد ومردكان زنده شوند. ونظيره بحثر لفظا ومعنى يقال بعثرت المتاع وبحثرته اى جعلت أسفله أعلاه وجعل أسفل القبور أعلاها انما هو باخراج موتاها وقيل لسورة براءة المبعثرة لانها بعثرت اسرار المنافقين وهما اى بعثر وبحثر مركبان من البعث والبحث مع رآء ضمت اليهما وقال الراغب من رأى تركيب الرباعى والخماس نحو هلل وبسمل اذا قال لا اله الا اللّه وبسم اللّه يقول ان بعثر مركب من بعث واثير اى قلب ترابها وأثير ما فيها وهذا لا يبعد فى هذا الحرف فان البعثرة تتضمن معنى بعث وأثير وهذان من أشراط الساعة متعلقان بالسفليات فانه تعالى بعد تخريب السماء والكواكب يخرب كل ما على وجه الارض بنفوذ بعض البحار فى بعض ثم يخرب نفس الارض التى هى كالبناء بأن يقلبها ظهر البطن وبطنا لظهر وفيه اشارة الى خراب قبور التعينات وصيرورة المتعين مطلقا عن التعينات لان التعينات قبور الحقائق المطلقة والى قبور الابدان فانها تخرج ما فيها من الارواح والقوى بالموت. ٥ { علمت نفس } اى كل نفس برة كانت او فاجرة كما سبق ف السورة السابقة وفى فتح الرحمن نفس هنا اسم الجنس وافرادها ليبين لذهن السامع حقارتها وقلتها وضعفها عن منفعة ذاتها الا من رحمن اللّه تعالى { ما قدمت } فى حياتها من عمل خير أو شر فان ما من ألفاظ العموم { وأخرت } من سنة حسنة او سيئة يعمل بها بعده قال عليه السلام ( أيما داع دعا الى الهدى فاتبع فله مثل اجر من اتبعه ) الا انه لا ينقص من اجورهم شئ وأيما داع دعا الى الضلالة فاتبع فله مثل اوزار من اتبعه الا انه لا ينقص من اوزارهم شئ او ما قدم من معصية وما أخر من طاعة وفى التأويلات النجمية علمت نفس ما قدمت أخرجت من القوة الى الفعل بطريق الاعمال الحسنة او السيئة وما أخرت أبقت فى القوة بحسب النية قوله علمت الخ جواب اذا اى اذا وقعت هذه الاشياء وخربت الدنيا علمت كل نفس الخ لكن لا على انها تعلمه عند البعث بل عند نشر الصحف لما عرفت فى السورة السابقة من أن المراد بها زمان واحد مبدأه النفخة الاولى ومنتهاه الفصل بين الخلائق لا ازمنة متعددة حسب تعدد كلمة اذا وانما كررت لتهويل ما فى حيزها من الدواهى فالمراد العلم التفصيلى الذى يحصل عند قرآءة الكتب والمحاسبة واما العلم الاجمالى فيحصل فى اول زمان البعث والحشر لان المطيع يرى آثار السعادة العاصى يرى آثار الشقاوة فى اول الامر قال ابن الشيخ فى حواشيه العلم بجميع ذلك كناية عن المجازاة عليه والمقصود من الكلام الزجر عن المعصية والترغيب فى الطاعة. ٦ { يا أيها الانسان } يعم جميع العصاة ولا خصوص له بالكفار لوقوعه بين المجمل مفصله اى بين علمت نفس الخ وبين ان الابرار الخ واما قوله بل تكذبون بالدين فمن قبيل بنوا فلان قتلوا زيدا اذا كان القاتل واحدا منهم قال الامام السهيلى رحمه اللّه قوله يا أيها الانسان يريد امية بن خلف ولكن اللفظ عام يصلح له ولغيره وقيل نزلت فى الوليد بن المغيرة او الاسود بن كلدة الجمحى قصد النبى عليه السلام فى بطحاء مكة فلم يتمكن منه فلم يعاقبه اللّه على ذلك وفى زهرة الرياض ضرب على يا فوخ رسول اللّه عليه السلام فأخذه رسول اللّه وضربه على الارض فقال له يا محمد الامان الامان منى الجفاء ومنك الكرم فانى لا أوذيك ابدا فتركه رسول اللّه عليه السلام { ما غرك بربك الكريم } ما استفهامية فى موضع الابتدآء وغرك خبره والاستفهام بمعنى الاستهجان والتوبيخ والمعنى اى شئ خدعك وجرأك على عصيانه وأمنك من عقابه وقد علمت ما بين يديك من الدواهى وما سيكون حينئذ من مشاهدة اعمالك كلها يقال غره بفلان اذا جرأه عليه وأمنه المحذور من جهته مع انه غير مأمون والتعرض لعنوان كرمه تعالى للايذان بأنه ليس مما يصلح أن يكون مدار الاغترار حسبما يغويه الشيطان ويقول له افعل ما شئت فان ربك كريم قد تفضل عليك فى الدنيا وسيفعل مثله فى الآخرة فان قياس عقيم وتمنية باطلة بل هو مما يوجب المبالغة فى الاقبال على الايمان والطاعة والاجتناب عن الكفر والعصيان كأنه قيل ما حملك على عصيان ربك الموصوف بالصفات الزاجرة عن الداعية ولهذا قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لما قرأها غره جهله وقال الحسن البصرى رحمه اللّه غره واللّه شيطانه فظهر أن كرم الكريم لا يقتضى الاغتراب به بل هو يقتضى الخوف والحذر من مخالفته وعصيانه من حيث ان اهمال الظالم ينافى كونه كريما بالنسبة الى المظلوم وكذا التسوية بين الموالى والمعادى فاذا كان محض الكرم لا يقتضى الاغترار به فكيف اذا انضم اليه صفة القهر واللّه الاسماء المتقابلة ولذا قال نبئ عبادى انى أنا الغفور الرحيم وان عذابى هو العذاب الأليم قال القاشانى كان كونه كريما يسوغ الغرور ويسهله لكن له من النعم الكثير والمنن العظيمة والقدرة الكاملة ما يمنع من ذلك اكثر من تجوزه الكرم اياه وقيل للفضيل بن عياض رحمه اللّه ان أقامك اللّه يوم القيامة وقال لك ما غرك بربك الكريم ماذا تقول قال أقول غرتنى ستورك المرخاة ونظمه ابن السماك فقال يا كاسب الذنب أما تستحى ... واللّه فى الخلوة ثانيكا غرك من ربك امهاله ... وستره طول مساويكا قال صاحب الكشاف قول الفضيل على سبيل الاعتراف بالخطا فى الاغترار بالستر وليس باعتذار كما يظنه الطماع ويظن به قصاص الحشوية ويرونه من ائمتهم انما قال بربك الكريم دون سفاته منالجبال والقهار والمنتقم وغير ذلك ليلقن عبده الجواب حتى يقول غرنى كرم الكريم. يقول الفقير الحق ان هذا الباب مما يقبل الاختلاف بالنسبةالى أحوال الناس فليس من يفهم الاشارة كمن لا يفهما وكم من فرق بين ذنب وذنب وظن وظن ولذا قال أهل الاشارة ايراد الاسم الكريم من بين الاسماء كأنه من جهة التلقين. خود تو دادى مزدهء لانقطوا ... من جرا ترسم زعصيان وعتو جون توهر شكسته راسازى درست ... بس خطاها بر آميد عفوتست وقال يحيى بن معاذ رحمه اللّه غرنى برك سالفا وآنفا يقول مولاى اما اتستحى ... مما أرى من سوء أفعالك فقلت يا مولاى رفقا فقد ... أفسدنى كثرة افضالك وعن على رضى اللّه عنه انه صوت بلغام له مرارا فلم يجبه وهو بالباب فقال لم لم تجبنى فقال لثقتى بحلمك وأمنى من عقوبتك فأعتقه احسانا لقوله وقال بعض أهل الاشارة عجبت من هذا الخطاب الذى فيه تهديد المخالفةومواساة الموافق كيف يخاطب المخالف بخطاب فيه مواساة الموافق ففيه من الرموز ما لا يعرفه الا اهل الاشارة قال بعضهم رأيت فى سوق البصرة جنازة يحملها اربعة وليس معهم مشيع فقلت لا اله الا اللّه سوق البصرة وجنازة رجل مسلم لا يشيعها احدانى لأشيعها فتبعتها وصليت عليها ولما دفنوه سألتهم عنه قالوا ما نعرفه وانما اكترتا تلك المرأة وأشاروا الى امرأة واقفة قريبا من القبر ثم النصرفوا فرفعت المرأة يدها الى السماء تدعو ثم ضحكت وانصرفت فتعلقت بها وقلت لا بد أن تخبرينى بقضيتك فقالت ان هذا الميت ابنى ولم يترك شيأ من المعاصى الا فعله فمرض ثلاثة ايام فقال لى يا أمى اذا مت لم تخبرى الجيران بموتى فانهم يفرحون بموتى ولا يحضرون جنازتى ولكن اكتبى على خاتمى لا اله الا اللّه محمد رسول اللّه وضعيه فى أصبعى وضعى رجلك على خدى اذا مت وقولى هذا جزآء من عصى اللّه فاذا دفنتنى فارفعى يديك الى اللّه وقولى اللهم انى رضيت عنه فارض عنه فلما مات فعلت جميع ما أوصانى به فلما رفعت يدى الى السماء ودعوت سمعت صوته بلسان فصيح انصرفى يا أمى فقد قدمت على رب كريم رحيم فرضى عنى فلذلك ضحكت سرورا بحاله اورده الامام القشيرى فى شرح الاسماء ( وفى الحديث الصحيح ) ( ان اللّه يدنى المؤمن فيضع عليه كنفه وستره فيقول أتعرف ذنب كذا فيقول نعم اى رب حتى قرره بذنوبه ورأى فى نفسه انه هلك قال سترتها عليك فى الدنيا وأنا أغفر لك اليوم ) ٧ { الذى خلقك } صفة ثانية مقررة للربوبية مبينة للكرم لان الخلق اعطاء الوجود وهو خير من العدم منبهة على ان من قدر على الخلق وما يليه بدأ قدر عليه اعادة اى خلقك بعد أن لم يتكن شيا { فسواك } اى جعل اعضاءك سوية سليمة معدة لمنافعها اى بحيث يترتب على كل عضو منها منفعته التى خلق ذلك العضو لاجلها كالبطش لليد والمشى للرجل والتكلم للسان والابصار للبصر والسمع للاذن الى غير ذلك { فعدلك } عدل بعض تلك الاعضاء ببعض بحيث اعتدلت ولم تتفاوت مثل أن تكون احدى اليدين او الرجلين او الاذنين أطول من الآخرى أو تكون احدى العينين اوسع من الاخرى او بعض الاعضاء ابيض وبعضها اسود أو بعض الشعر فاحما وبعضه أشقر قال علماء التشريح انه تعالى ركب جانبى هذه الجثة على التساوى حتى انه لا تفاوت بين نصفيه لا فى العظام ولا فى اشكالها ولا فى الاوردة والشرايين والاعصاب النافذة فيها والخارجة منها فكل ما فى احد الجانبين ماسو لما فى الجانب الآخر ويقال عدله عن الطريق اى صرفه فيكون المعنى فصرفك عن الخلقة المكروهة التى هى لسائر الحيوانات وخلقك خلقة حسنة مفارقة لسائر الخلق كما قال تعالى فى احسن تقويم وقرئ فعدلك بالتشديد اى صيرك معتدلا متناسب الخلق من غير تفاوت فيه فهو بالمعنى الاول من المخفف وقال الجنيد قدس سره تسوية الخلقة بالمعرفة وتعديلها بالايمان وقال ذو النون قدس سره اوجدك فسخر لك المكونات اجمع ولم يسخرك لشئ مناه وفى التأويلات النجمية يا أيها الانسان المخلوق على صورته كأنك غرك كمال المظهرية وتمام المضاهاة خلقك فى احسن صورة فسواك فى احسن تقويم فجعل بنيتك الصورة وبنيتك المعنوية سليمة مسواة ومعتدلة ومستعدة لقبول جميع الكمالات الالهية والكيانية كما قال عليه السلام ( اوتيت جوامع الكلم اى الكلم الالهة والكلم الكيانية ) ٨ { فى اى صورة ما شاء ركبك } الجار متعلق بركبك وما مزيدة لتعميم النكرة وشاء صفة لصورة والعائد محذوف وانما لم يعطف الجملة على ما قبلها لانها بيان لعدلك والمعنى ركبك فى اى صورة شاءها واقتضتها مشيئتة وحكمته من الصور العجيبة الحسنة او من الصور المختلفة فى الحسن والقبح والطول والقصر والذكورة والانوثة والشبه ببعض الاوقات وخلاف الشبه كما فى الحديث ان النطفة اذا استقرت فى الرحمن أحضرها اللّه كل نسب بينهما وبين آدم وصورها فى اى شبيه شاء وقال الواسطى رحمه اللّه صور المطيعين والعاصين فمن صوره على صورة الولاية ليس كمن صور على صورة العداوة اى صور بعضهم على الصورة الجمالية اللطفية وبعضهم على الصورة الجلالية القهرية قال حضرة شيخى وسندى قدس سره فى كتاب اللائحات البرقيات له لاح ببالى ان تلك الصورة التركيبية تتناول الصورة العلمية والصورة الروحية والصورة المثالية والصورة الجسمية وغير ذلك من الصور المركبة فى الاطوار لكن المقصود بالذات انما هو هذه الاربع والتركيب فى الصورة العلمية والروحية عقلى ومعنى وفى الصور المثالية والجسمية حسى وروحى والمراد من التركيب فى الصورة العلمية ظهور الذات وفى الصورة الروحية ظهور الصفات وفى الصورة المثالية ظهور الافعال وفى الصورة الجسمية ظهور الآثار وهذه الظهورات من تلك التركيبات بمنزلة النتائج من القاسيات وبمنزلة المجزع من الاجتماعات واجرآؤها انما هى احكام الوجوب واحكام الامكان والمراد من احكام الوجوب هو الاسماء الالهية الفاعلة المؤثرة والمراد من احكام الامكان هو الحقائق الكونية القابله المتأثرة والتركيب من هذه اجزآء فى اى صورة كان انما هو لظهور محل يكون مظهر الظهور آثارها وخواصها مجتمعة وعند هذا الظهور الاجتماعى فى ذلك المحل الجامع كالنشأة الانسانية المخاطبة ههنا ان كانت الغلبة لاجزآء احطام الوجوب تكون تلك النشأة علوية مائلة الى جانب العلو والحق هى تكون باقية على فطرة الاصلية الالهية قابلة مستعدة للفيض والتجلى والوصول الى عالم القدس وان كانت لاجزاء احكام الامكان تكون تلك النشأة سفلية مائلة الى جانب السفل والخلق وخارجة عن الفطرة الاصلية الازلية غير قابلة ومستعدة للفيض والتجلى والوصول الى عام القدس بل تبقى فى عالم الدنس مدنسة بدنس الجهالة والغفلة النسيان لا خبر لها عن نفسها وربها وتكون أعمى واصم وابكم لا نعرف يمينها من شمالها ولا ترى شمالها من يمينها اولئك كالانعام بل هم اضل انتهى كالمه روح اللّه روحه. ٩ { كلا } كلمة ردع فالوقف عنها اى ارتدعوا عن الاغترار بكرم اللّه وجعله ذريعة الى الكفر والمعاصى مع كونه موجبا للشكر والطاعة وقيل توكيد لتحقيق ما بعده بمعنى حقا فالوقف على ركبك كما رجحه السجاوندى حيث وضع علامة الوقف المطلق على ركبك { بل تكذبون بالدين } قال فى الارشاد عطف على جملة ينساق اليها الكلام كأنه قيل بعد اردع بطريق الاعتراض وأنتم لا ترتدعون عن ذلك بل تجترئون على اعظم من ذلك حيث تكذبون بالجزآء والبعث رأسا فانه يراد بالدين الجزآء والمكافأة ومنه الديان فى صفة اللّه او تكذبون بدين الاسلام اللذين هما من جملة احكامه فلا تصدقون سؤالا ولا جوابا ولا ثوابا ولا عقابا. ١٠ { وان عليكم لحافظين } حال من فاعل تكذبون وجمع الحافظين باعتبار كثرة المخاطبين او باعتبار ان لكل واحد منهم جمعا من الملائكة كما قال اثنان بالليل واثنان بالنهار اى تكذبون بالجزآء والحال ان عليكم أيها المكلفون من قبلنا الملائكة حافظين لأعمالهم وبالفارسية نكهبانان. ١١ { كراما } جمع كريم اى لدينا يجبرهم فى طاعتنا او بادآء الامانة اذا الكريم لا يكون حوانا وفى فتح الرحمن وصفهم بالكرم الذى هو نفى المذام وقيل كرام يسارعون الى كتب الحسنات ويتوقفون فى كتب السيئات رجاء ان يستغفر ويتوب فيكتبون الذنب والتوبة منه معا وفى زهرة الرياض سماهم كراما لانهم اذا كتبوا حسنة يصعدون الى السماء ويعرضونها اللّه ويشهدون ويقولون ان عبدك فلانا عمل حسنة واما فى السيئة فيسكتون ويقولون الهى أنت ستار العيوب وهم يقرأون كل يوم كتابك ويمدحوننا فانا لا نهتك استارهم واما معنى التعطف كما فى سورة عبس فلا يلائم هذا المقام كما فى بعض التفاسير { كاتبين } للاعمال. ١٢ { يعلمون } لحضورهم وعدم افتراقهم عنكم { ما تفعلون } من الافعال قليلا وكثيرا ويضبطون نفيرا وقطميرا لتجاوزا بذلك ( وفى الحديث ) ( اكرموا الكرام الكاتبين الذى لا يفارقونكم الا عند احدى الحالتين الجنابة والغائط ) قال فى عين المعانى قوله يعلمون يدل على ان السهو والخطأ وما لا تبعة فيه لا يكتب وكذا ما استغفر منه حيث لم يقل يكتبون انتهى وقوله ما تفعلون وان كان عاما لافعال القلوب والجوارح لكنه عام مخصوص بافعال الجوارح لان ما كان من المغيبات لا يعلمه الا اللّه وفى كشف الاسرار علمهم على وجهين فما كان من ظاهر قول او حركة جوارح علموه بطاهره وكتبوه على جهته وما كان من باطن ضمير يقال انهم يجدون لصالحه رآئحة طيبة والطالحة رآئحة خبيثة فيكتبونه مجملا عملا صالحا وآخر سيئا انتهى وقد مر بيان هذا المقام فى سورتى الزخرف وق فارجع وخص الفعل بالذكر لانه اكثر من القول ولان القول قد يراد به الفعل فاندرج فيه وعن الفضيل انه كان اذا قرأ هذه الآية قال ما اشدها من آية على الغافلين ففيها انذار وتهويل وتشديد للعصاة وتبشير ولطف للمطيعين وفى تعظيم الكاتبين بالثناء عليهم تفخيم لامر الجزآء وانه عند اللّه من جلائل الامور حيث يستعمل فيه هؤلاء الكرام فالتعظيم انما هو فى وصفهم بالكرم لا بالكتب والحفظ وطعن بعض المنكرين فى حضور الكاتبين اما اولا فبأنه لو كانت الحفظة وصحفهم واقلامهم معنا ونحن لا نراهم لجاز أن يكون بحضرتنا جبال واشخاص لا نرا وذلك دخول فى الجهالات وجوابه ان الملائكة من قبل الاجسام اللطيفة فحضورهم لا يستلزم الرؤية ألا ترى ان اللّه امد المؤمنين فى بدر بالملائكة وكانوا لا يرونهم الا من شاء اللّه رؤيته وكذا الجن من هذا القبيل ولذا قال تعالى ايراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم فكما ان الهوآء لا يرى للطافته فكذا غيره من اهل اللطافة واما ثانيا فباأن هذه الكتابة والضبط ان كان لا لفائدة فهو عبث واللّه تعالى متعال عن ذلك وان كان لفائدة فلا بد أن تكون للعبد لان اللّه متعال عن النفع والضرر وعن تطرق النسيان وغاية ذلك ان يكون حجبة على الناس وتشديدا عليهم باقامتها لكن هذه ضعيف لان من علم ان اللّه لا يجور ولا يظلم لا يحتاج فى حقه الى اثبات هذه الحجة ومن لم يعلم ذلك لانتفعه لاحتمال ان يحمل على الظلم وجوابه الن اللّه يجرى اموره على عباده على ما يتعارفونه فى الدنيا بينهم ليكون ابلغ فى تقرير المعنى عندهم من اخراج كتاب واضحار شهود عدل فى الزام الحجة عند الحاكم ولعبد اذا علمان اللّه رقيب عليه والملائكة يحفظون اعماله ويكتبونها فى الصحيفة وتعرض على رؤوس الاشهاد يوم القيامة كان ذلك ازجر له عن المعاصى وامنع من السوء واما ثالثا فبأن افعال القلوب غير مرئية فلا يكتبونها مع انها محاسب بها لقوله تعالى وان تبدوا ما الامام الغزالى رحمه اللّه كل ذرك يشعر به قلبك تسمعه الملائكة الحفظة فان شعورهم يقارن شعورك حتى اذا غاب ذكرك عن شعورك بذهابك فى المذكور بالكلية غاب عن شعور الحفظة ايضا وما دام القلب بلتفت الى الذكر فهو معرض عن اللّه وفهم من هذا المقال ان قياس اطلاع الملائكة على الوقائع على اطلاع الناس غير مستقيم فان شؤونهم علما وعملا غير شؤون الناس على ان من اصلح من الناس سريرته قد يكشف الضمائر ويطلع على الغيوب باطلاع اللّه تعالى فما ظنك بالملائكة الذين هم ألطف جسما وأخف روحا. ١٣ { ان الابرار } الذين يروا وصدقوا فى ايمانهم بادآء الفرآئض واجتناب المعاصى وبالفارسية وبدرستى كه نيكو كاران وفرمان برداران . جمع بر بالفتح وهو بمعنى الصادق والمطيع والمحسن وأحسن الحسنات لا اله الا اللّه ثم بر الوالدين وبر التلامذه للاساتذه وبر أهل الارادة للشيوخ كما قال فى فتح الرحمن هو الذى قد اطرد بره عموما فبرره به فى طاعته اياه وبر الناس فى جلب ما استطاع من الخير لهم وغير ذلك ( وفى الحديث ) بروا آباءهم كما بروا ابناءهم { لفى نعيم } وهو نعيم الجنة وثوابها والتنوين للتخفيم. ١٤ { وان الفجار } وبدرستى كه دروغ كويان ومنكران حشر جمع فاجر والفجور شق ستر الديانة { لفى جحيم } اى النار وعذابها والتنوين للتهويل والجملتان بيان لما يكتبون لاجله وهو أن الغاية اما النعيم واما الجحيم وفيه اشارة الى النعيم الذكر والطاعة والمعرفة والشهود والحضور والوصال والى جحيم الغفلة والمعصية والجهل والاحتجاب والغيبوبة والفراق قال الخواص رحمه اللّه طاب النعيم اذا كان منه وطلب الجحيم اذا كان به وفى المثنوى هر كجا باشد شه مارا بساط ... هست صحرا كربود سم الخياط هر كجا كه يوسفى باشد جوماه ... جنت است اوراجه باشد قعرجاء ١٥ { يصلونها } اما صفة لجحيم او استئناف مبنى على سؤال نشأ عن تويلها كأنه قيل ما حالهم فيها فقيل يقاسون حرها كما قال الخليل صلى الكافر النار قاسى حرها وباشره ببدنه ولم يصف النعيم بما يلائمه لان ما سبق من الكلام كان فى المكذبين الفجرة لان المقام مقام التخويف وذكر تبشير الابرار لانه ينكشف به حال الفجار الاشرار لان الاشياء تعرف باضدادها { يوم الدين } يوم الجزآء الذى كانوا يكذبون به. ١٦ { وما هم } ونيست فجار { عنها } اى عن الجحيم { بغائبين } طرفة عين يعنى دروجاويد باشند وبيرون نيايند كقوله تعالى وما هم بخارجين منها فالمراد دوام نفى الغيبة لا نفى دوام الغيبة وقيل وما كانوا غائبين عنها قبل ذلك بالكلية بل كانوا يجدون سمومها فى قبورهم حسبنما قال النبى عليه السلام ( القبر روضة من رياض الجنة او حفرة من حفر النيران ) ١٧ { وما ادراك } الخطاب لكل من يتأتى منه الدراية وما مبتدأ وادراك خبره { ما } خبر قوله { يوم الدين } وما لطلب الوصف وان كان وضعه لطلب الحقيقة وشرح الاسم والمعنى اى شئ جعلك داريا وعالما ما يوم الدين اى اى شئ عجيب هو فى الهول والفظاعة اى ما ادراك الى هذا الآن احد كنه امره فانه خارج عن دآئرة دراية الخلق على اى صورة يصورونه فهو فوقها واضعافها. ١٨ { ثم ما ادراك ما يوم الدين } تكرير بثم المفيدة للترقى فى الرتبة للتأكيد وزيادة التخويف والمجوع تعجيب للمخاطبين وتفخيم لشأن اليوم واظهار يوم الدين فى موقع الاضمار تأكيد لهوله وفخامته. ١٩ { يوم لا تملك نفس لنفس شيأ } بيان اجمال لشأن يوم الدين اثر ابهامه وبيان خروجه عن دآئرة علوم الخلق بطريق انجاز الوعد فان نفى ادرآئهم مشعر بالوعد الكريم بالادرآء قال ابن عباس رضى اللّه عنهما كل ما فى القرءآن من قول تعالى وما ادراك فقد ادراه وكل ما فيه من قوله وما يدريك فقد طوى عنه ويوم مرفوع على انه خبر مبتدأ محذوف وحركته الفتح لاضافته الى غير متمكن كأنه قيل هو يم لا تملك فيه نفس من النفوس شيأ من الاشياء او منصوب باضمار اذكر كأنه قيل بعد تفخيم امر يوم الدين وتشويقه عليه السلام الى معرفته اذكر يوم لا تملك الخ فانه يدريك ما هو ودخل فى نفس كل نفس ملكية وبشرية وجنية وفى شئ كل ما كان من قبيل جلب المنفعة او دفع المضرة { والامر } كله { يومئذ } اى يوم اذ لا تملك نفس لنفس شيأ { لله } وحده والامر واحد الاوامر فان الامر والحكم والقضاء من شأن الملك المطاع والخلق كلهم مقهورون تحت سطوات الربوبية وحكمها ويجوز أن يكون واحد الامور فان امور اهل المحشر كلها بيده تعالى لا يتصرف فيها غيره اخبر تعالى بضعف الناس يومئذ وانه لا ينفعهم الاموال والاولاد والاعوان والشفعاء كما فى الدنيا بل ينفعهم الايمان والبر والطاعة وانه لا يقدر أحد أن يتكلم الا باذن اللّه وامره اذ لامر له فى الدنيا والآخرة فى الحقيقة وان كان يظهر سلطانه فى الآخرة بالنسبة الى المحجوب لان المحجوب يرى ن اللّه ملكه فى الدنيا وجعل له شيأ من الامور والاوامر فاذا كان يوم القيامة يظهر له ان الامر والملك لله تعالى لا يزاحمه فيه احد ولا يشاركه ولو صورة وفيه تهديد لارباب الدعاوى واصحاب المخالفة وتبينه على عظيم بطشه تعالى وسطوته. وفى الحديث ( من قرأ اذا السماء انفطرت اعطاه اللّه من الاجر بعدد كل قبر حسنة وبعدد كل قطرة ماء حسنة واصلح اللّه شأنه يوم القيامة ) |
﴿ ٠ ﴾