سُورَةُ الْمُطَفِّفِينَ مَكِّيَّةٌ

وَهِيَ سِتٌّ وَثَلاَثُونَ آيَةً

١

{ ويل } شدة الشر او الهلاك او العذاب الاليم وقال ابن كيسان هو كلمة كل مكروب واقع فى البلية فقولك ويل لك عبارة عن استحقاق المخاطب لنزول البلاء والمحنة عليهم الموجب له ان يقول واويلاه ونحوه

وقيل اصله وى لفلان اى الحزن فقرن بلام الاضافة تخفيفا وبالفارسية واى.

وهو مبتدأ وان كان نكرة لوقوعه فى موقع الدعاء على ما سبق بيانه فى المرسلات

{ للمطففين } الباخسين حقوق الناس فى المكيال والميزان وبالفارسية مركاهند كانرا دركيل ووزن . فان التطفيف البخس فى الكيل والوزن والخيانة فيهما بأن لا يعطى المشترى حقه تاما كاملا وذلك لان ما يبخس شئ طفيف حقير على وجه الخفية مبنى جهة دباءة الكيال والوزان وخساستهما اذا الكثير يظهر فيمنع منه ولذا سمعى مطففا قال الراغب يقال طفف الكيل قلل نصيب الميكل له فى ايفائه واستيفائه وقال سعدى المفتى والظاهر ان بناء التفعيل للتكثير لان البخس لما كان من عادتهم كانوا يكثرون التطفيف ويجوز ان يكون للتعدية انتهى روى ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قدم المدينة وكان اهلها من أبخس الناس كيلا فنزلت فخرج فقرأها عليهم وقال ( خمس بخمس ما نقض قوم العهد الا سلط اللّه عليهم عدوهم وما حكموا بغير ما انزل اللّه الا فشا فيهم الفقر وما ظهرت فيهم الفاحشة الا فشا فيهم الموت ولا طففوا الكيل الا منعوا النبات وأخذوا السنين ولا منعوا الزكاة الا حبس عنهم القطر فعملوا بموجبها واحسنوا الكيل ) فهم او فى الناس كيلا الى اليوم وعن على رضى اللّه عنه انه مر برجل يزن الزغفران وقد ارجح فقال اقم الوزن بالقسط ثم ارجح بعد ذلك ما شئت كأنه امره اولا بالتسوية ليعتادها ويفصل الواجب من اليفل وعن ابن عباس رضى اللّه عنهما انكم معشر الاعاجم وليتم امرين بهما هلك من كان قبلكم المكيال والميزان وخص الاعاجم لانهم كانوا يجمعون الكيل والوزن جميعا وكانا مفرقين فى الحرمين كان اهل مكة يزنون واهل المدينة يكيلون وعن عكرمة أشهد أن كل كيال ووازن فى النار فقيل لو أن ابنك كيال او وازن فقال أشهد انه فى النار وعن الفضيل بخس الميزان سواد الوجه يوم القيامة وعن مالك بند ينار انه دخل على جار له احتضر فقال يا مالك جبلان من نار بين يدى أكلف الصعود عليهما فسألت اهله فقال او كان له مكيلان يكيل بأحدهما ويكتال بالآخر فدعوت بهما فضرت احدهما بالآخر حتى كسرتهما ثم سألت الرجل فقال ما يزداد الامر على العظما ودر فصول سبعين آورده كه هركه دركيل ووزن خيانت كند فردا اورا بقعر دوزخ درآورده ميان دوكوه ازآتش بنشانند وكويند كلهما وزنهما آرا ميستجد وميسوزد

توكم دهى وبيش ستانى بكيل ووزن ... روزى بود كه از كم وبيشت خبر كنند

٢

{ الذين } الخ صفة كاشفة للمطففين شارحة لكيفية تطفيفهم الذى استحقوا به الذم . والدعاء بالويل

{ اذا اكتالوا على الناس } اى من الناس مكيلهم بحكم الشرآء ونحوه والاكتيال الاخذ بالكيل كالاتزان الاخذ بالمزان

{ يستوفون } الاستيفاء عبارة عن الاخذ الوافى اى يأخذونه وافيا وافرا وتبديل كلمة من بعلى لتضمين الاكتيال معنى الاستيلاء او للاشارة الى انه اكتيال مضربهم لكن لا على اعتبار الضرر فى حيز الشرط الذى تتضمنه كلمة اذا لا خلاله بالمعنى بل فى نفس الامر بموجب الجواب فان المراد بالاستيفاء ليس أخذ الحق وافيا من غير نقص بل مجرد الاخذ الوافى الوافر حسبما أرادوا فأى وجه يتيسر من وجوه الحيل وكانوا يفعلونه بكبس الكيل وتحريك المكيال والاحتيال فى ملئه فيسرقون من افواه المكاييل وألسنة الموازين.

٣

{ واذا كالوهم او وزنهم } الكيل بيمودن به بيمانه تا مقدارمكيل معلوم كردد.

والوزن والزنة سنجيدن تا مقدار موزون معلوم شود . اى واذا كالوا للناس او وزنوا لهم المبيع ونحوه بالفارسية وجون مى بيمايند برى ناس ويامى سنجند حقوق ايشانرا . فحذف الجار واوصل الفعل كما قال فى تاج المصادر وزنت فلانادرهما ووزنت لفلان بمعنى والاصل اللام ثم حذفت فوصل الفعل ومنه الآية انتهى فلفظ هم منصوب المحل على المفعولية لا مرفوعه على التأكيد للواو لان واو الجمع اذا تصل به ضمير المفعول لا يكتب بعده الالف كما فى نصروك ومنه الآية اذ لم يكتب الالف فى المصحف واذا وقع فى الطرف بأن يكون الضمير مرفوعا واقعا للتأكيد فحيئذ يكتب بعده الالف لان المؤكد ليس كالجزء مما قبله بخلاف المفعول

واما نحو شاربو الماء فالاكثر على حذف الالف لقلة الاتصال واو الجمع بالاسم هذا فان قلت خط المصحف خارج عن القياس قلت الاصل فى امثاله اثباته فى المصحف فلا يعدل عنه

{ يخسرون } اى ينقصون حقوقهم مع ان وضع الكيل والوزن انما هو للتسوية والتعديل يقال خسر الميزان واخسره يعنى كم كردومى كاست.

ولعل ذكر الكيل والوزن فى صورة الا خسار والاقتصار على الاكتيال فى صورة الاستيفاء بأن لم يقل اذ اكتالوا على الناس او اتزنوا لما أنهم لم يكونوا متمكنين من الاحتيال عند الاتزان تمكنهم منه عند الكيل والوزن كما قال فى الكشاف كأن المطففين كانوا لا يأخذون ما يكال ويوزن الا بمكاييل دون الموازين لتمكنهم بالاكتيال من الاستيفاء والسرقة لانهم يزعزعون ويحتالون فى الملئ واذا اعطوا كالوا او وزنوا لتمكنهم من البخس فى النوعين جميعا انتهى ويؤيده الاقتصار على التطفيف فى الكيل فى الحديث المذكور سابقا وعدم التعرض للمكيل والموزون فى الصورتين لان مساق الكلام لبيان سوء معاملتهم فى الاخذ والاعطاء لا فى خصوصية المأخوذ والمعطى قال أبو عثمان رحمه اللّه حقيقة هذه الآية عندى هو من يحس العبادة على رؤية الناس ويسيئ اذا خلا وفى التأويلات النجمية يشير على المقصرين فى اطاعة والعبادة الطالبين كمال الرأفة والرحمة الذين يستوفون من اللّه ميكال ارزاقهم بالتمام ويكيلونه مكيال الطاعة والعبادة بالنقص والخسران ذلك هو الخسران المبين وقال القاشانى يشير الى التطفيف فى الميزان الحقيقى الذى هو العدل والموزونات به هى الاخلاق والاعمال والمطففون هم الذي اذا اعتبروا كمالات انفسهم متفضلين على الناس يستوفون اى يكثرونها ويزيدون على حقوقهم فى اظهار الفضائل العلمية والعملية اكثر مما لهم عجبا وتكبرا واذا اعتبروا كمالاس الناس بالنسبة الى كمالاتهم اخسروا واستحقروها ولم يراعوا العدالة فى الحالين لرعونة انقسم ومحبة التفضل على الناس كقوله يحبون ان يحمدوا بما لم يفعلوا . يقول الفقير فيه اشارة الى حال النفس القاصرة فى التوحيد الحقيقى فانها اذا اعطته الروح تخسره لنقصانها وصورها فيه على انه لا يدخل فى الميزان اذ لا مقابل له فمن ادخله فى الميزان فقد نقص شأنه وشأن نفسه ايضا

واما التوحيد الرسمى فهى تستوفيه من الروح لانه حقها ولا نصيب سواه.

٤

{ ألا يظن } آيانمى بندارند

{ اولئك } المطففون الموصوفون بذلك الوصف الشنيع الهائل فقوله ألا ليست هى التى للتنبيه لان ما بعد حرف التنبيه مثبت وهنا منفى لان ألا التنبيهية اذا حذفت لا يختل المعنى نحو ألا انهم لفى سكرتهم يعمهون واذا حذفت ألا هذه اختل المعنى بل الهمزة الاستفهامية الانكارية داخلة على لا النافية وجوز أن تكون للعرض والتحضيض على الظن { انهم مبعوثون }

٥

{ ليوم عظيم } لا يقادر قدر عظمه وعظم ما فيه من الاهوال ومحاسبون فيه على مقدار الذرة والخردلة فان من يظن ذلك وان كان ظنا ضعيفا فى حد الشك والوهم لا يتجاسر على امثال هاتيك القبائح فكيف بمن يتيقنه فذكر الظن للمبالغة فى المنع عن التطفيف والا فالمؤمن لا يكفى له الظن فى امر البعث والمحاسبة بل لا بد من الاعتقاد الجازم.

٦

{ يوم يقوم الناس } منصوب باضمار أعنى

{ لرب العالمين } بتقدير المضاف اى لمجرد امره وحكمه بذلك لا لشئ آخر او لمحاسبة رب الالمين فيظهر هناك تطفيفهم ومجازاتهم او يقومون من قبورهم لرد رب العالمين ارواحهم الى اجسادهم روى انهم يقومون بين يدى اللّه تعالى اربعين عاما وفى رواية ثلاثمائة سنة من سنى الدنيا وعرق احدهم الى انصاف اذنيه لا يأتيهم خبر ولا يؤمر فيهم بأمر

وآن مقام هيبت باشد كه كس رازهرهء سخن نباشد ... ثم يخاطبون يفنى ازمقام هبيت بمقام محاسبة آرند

واما فى حق المؤمن فكون المكت كقدر انصرافهم من صلاة مكتوبة وفى تخصيص رب العالمين من بين سائر الصفات اشعار بالماليكة والتربية فلا يمتنع عليه الظالم القوى لكونه مملوكا مسخرا فى قبضة قدرته ولا يترك حتى المظلوم الضعيف لان مقتضى التربية ان لا يضيع لاحد شيأ من الحقوق وفى هذه التشديدات اشارة الى ان التطفيف وان كان يتعلق بشئ حقير لكنه ذنب كبير قيل كل من نقص حق اللّه من زكاة وصلاة وصوم فهو داخل تحت هذا الوعيد وعن ابن عمر رضى اللّه عنهما انه قرأ هذه السورة فلمابلغ الى قوله يوم يقوم الناس لرب العالمين بكى نحيبا اى رفع الصوت وامتنع من قرآءة ما بعد من غلبة البكاء وملاحظة الحساب والجزاء وقال أعرابى لعبد الملك بن مروان انك قد سمعت ما قال تعالى فى المطففين وأراد بذلك ان المطفف قد توجه عليه الوعيد العظيم فى أخذ القليل فما ظنك بنفسك وأنت تأخذو اموال المسلمين بلا كيل ووزن.

٧

{ كلا } ردع عما كانوا عليه من التطفيف والغفلة عن العبث والحساب فيحسن الوقف عليه وان كان بمعنى حقا فلا لكونه حينئذ متصلا بما بعده

{ ان كتاب الفجار لفى سجين } تعليل للردع والكتاب مصدر بمعنى المكتوب كاللباس بمعنى الملبوس او على حاله بمعنى الكتابة واللام للتأكيد وسجين علم الكتاب جامع هو ديوان الشر دون اعمال الشياطين واعمال الكفرة والفسقة من الثقلين منقول من وصف كحاتم وهو منصرف لانه ليس فيه الا سبب واحد وهو التعريف واصله فعيل من السجن مبالغة الساجن او لانه مطروح كما قيل تحت الارض السابعة فى مكان مظلم وحش وهو مسكن ابليس وذريته اذلالاهم وتحقير الشأنهم وتشهده الشياطين المدحورون كما ان كتاب الابرار يشهده المقربون فالسجين مبالغة المسجون والمعنى ان كتاب الفجار الذين من جملتهم المطففون اى ما يكتب من اعمالهم او كتابة اعمالهم لفى ذلك الكتبا المدون فيه قبائح اعمال المذكورين وفى التأويلات النجمية اى كتاب استعدادهم الفطرى مكتوب فى ديوان سجين طبيعتهم المجبولة على الفسق والفجور بقلم اليد اليسرى على ورق صفحة جبينهم كما قال عليه السلام ( السعيد من سعد فى بطن امه والشقى من شقى فى بطن امه )

٨

{ وما ادراك ما سجين } تهويل لامره اى هو بحيث لا يبلغه دراية احد.

٩

{ كتاب مرقوم } قال الراغب الرقم الخط الغليظ

وقيل هو تعجم الكتاب وقوله كتاب مرقوم حمل على الوجهين انتهى اى هو مسطور بني الكتابة بحيث كل من نظر اليه يطلع على ما فيه بلا دفة نظر وامعان توجه او معلم يعلم من رآه انه لا خير فيه لاهاليه اى ذلك الكتاب مشتمل على علامة دالة على شقاوة صاحبه وكونه من اصحاب النار وكونه علامة الشر يستفاد من المقام لانه مقام التهويل وقال القفال قوله كتاب مرقوم ليس تفسيرا لسجين بل هو خبر لان والمعنى ان كتاب الفجار لفى سجين وانه كتاب مرقوم وقوله وما ادراك ما سجين وقع معترضا بين الخبرين وقال القاشانى ان كتاب الفجار اى ما كتب من اعمال المرتكبين للرذآئل الذين فجروا بخروجهم عن حد العدالة المتفق عليها الشرع والعقل لفى سجين فى مرتبة من الوجود مسجون اهلها فى حبوس ضيقة مظلمة يزحفون على بطونهم كالسلاحف والحيات والعقارب الاء أخساء فى اسفل مراتب الطبيقة ودركاتها وهو ديوان اعمال اهل الشر ولذلك فسر بقوله كتاب مرقوم اى ذلك المحل المكتوب فيه اعمالهم كتاب مرقوم برقوم هيئات رذآئلهم وشرورهم

١٠

{ ويل } عظيم

{ يومئذ } اى يوم يقوم الناس لرب المهين فهو متصل به وما بينهما اعتراض وقال بعضهم اى يوم اذا أعطى ذلك الكتاب

{ للمكذبين } وقال الكاشفى ويل كلمه ايست جامع همه بديها يعنى عذاب وعقاب وشدت ومحنت دران روزمر مكذبان راست.

١١

{ الذين يكذبون بيوم الدين } صفة ذامة للمكذبين كقولك فعل ذلك فلان الفاسق الخبيث لان تكذيبهم بيوم الدين علم من قوله ألا يظن اولئك الخ قال بعض اهل الاشارة المكذبون بالحق وآياته هم ارباب النفوس الذين اقبلوا على الدنيا وأعرضوا عن الحق ودينه الذى هو دين الاسلام وكل يجازى بحسب دينه فمن لا دين له فجزآؤه سوء الجزاء والويل العظيم ومن له دين فجزآؤه حسن الجزآء ورؤية الوجه الكريم فعليك بالتصديق.

١٢

{ وما يكذب به الا كل معتد } متجاوز عن حدود النظر والاعتبار غال فى التقليد حتى استقصر قدرة اللّه على الاعادة مع مشاهدته للبدء كالوليد بن المغيرة والنضر بن الحارث ونحوهما

{ اثيم } كثير الاثم اى منهمك فى الشهوات الناقصة الفانية بحيث شغلته عما ورآءها من اللذات التامة الباقية وحملته على انكارها فالاعتدآء دل على اهمال القوة النظرية التى كما لها ان يعرف الانسان وحدة الصانع واتصافه بصفات الكمال مثل العلم والارداة والقدرة نحوها والاثم دل على اهمال القوة العملية التى كمالها ان يعرف الانسان الخبر لاجل العمل به.

١٣

{ اذا تتلى عليه آياتنا } الناطقة بذلك

{ قال } من فرط جهله واعراضه عن الحق الذى لا محيد عنه

{ أساطير الاولين } اى هى حكايات الاولين واخبارهم الباطلة قال فى فتح الرحمن هى الحكايات التى سطرت قديما وهى جمع اسطورة بالضم واسطارة بالكسر وهى الحديث الذى لا نظام له.

١٤

{ كلا } ردع للمعتدى عن ذلك القول الباطل وتكذيب له فيه ويجوز أن يكون ردعا عن مجموع التكذيب والقول

{ بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون } قرأ حفص عن عاصم بل باظهار اللام مع سكته عليها خفيفة بدون القطع ويبتدئ ران وقرأ الباقون بادغام اللام فى الرآء ومنهم حمزة والكسائى وخلف وأبو بكر عن عاصم يميلون فتحة الرآء قال بعض المفسرين هرب حفص من اجتماع ثقلتى الرآء المفخمة والادغام انتهى ويرد عليه قل رب فانه لا سكتة فيه بل هو بادغام احد المتقاربين فى الآخرة فالوجه انه انما سكت حفص على لام بل ران وكذا على نون من راق خوف اشتباهه بتثنية البر ومبالغة مارق حيث يصير بران ومراق وما موصوله والعائد محذوف ومحلها الرفع على الفاعلية والمعنى ليس فى آياتنا ما يصح ان يقال فى شأنها مثل هذه المقالات الباطلة بل ركب قلوبهم وغلب عليها ما كانوا يكسبونه من الكفر والمعاصى حتى صارت كالصدأ فى المرءآة فحال ذلك بينهم وبين معرفة الحق كما قال عليه السلام ( ان العبد كلما اذنب ذنبا حصل فى قلبه نكتة سودآء حتى يسود قلبه ) ولذلك قالوا ما قالوا والرين صدأ يعلو الشئ الجلى والطبع والدنس وران ذنبه على قلبه رينا وريونا غلب وكل ما غلبك رانك وبك وعليك كما فى القاموس وران فيه النوم رسخ فيه وفى التعريفات الران هو الحجاب الحائل بين القلب وعالم القدس باستيلاء الهيئات النفسانية ورسوخ الظلمانية الجسمانية فيه بحيث ينحجب عن أنوار الربوبية بالكلية والغين بالمعجمة دون الرين وهو الصدأ فان حجاب رقيق يزول بالتصفية ونور التجلى لقاء الايمان معه والرين هو الحجاب الكثيف الحائل بين القلب والايمان ولهذ قالوا الغين هو الاحتجاب عن الشهود مع صحة الاعتقاد والطبع ان يطبع على القلب والاقفال ان يقفل عليه قيل الاقفال اشد من الطبع كما ان الطبع اشد من الرين قال القاشانى فى الآية اى صار صدأ عليه بالرسوخ فيها وكدرجوهرها وغيرها عن طبعها والرين حد من تراكم الذنب ورسوخه تحقق عنده الحجاب والغلق باب المغفرة نعوذ بالهل منه قال أبو سليمان الدارانى قدس سره الران والقسوة همازماما الغفلة فمن تيقظ وتكذرأ من من القسوة والرين ودوآؤهما ادمان الصيام فان وجد بعد ذلك قسوة فليترك الادام وقال بعض الكبار القلب مرءآة مصقولة كلها وجه فلا تصدأ ابدا وان اطلق عليها الصدأ فى نحو حديث ان القلوب لتصدأ كما يصدأ الحديد وان جلاءها ذكر اللّه وتلاوة القرءآن فليس المراد بذلك الصدأ انه طخاء طلع على وجه القلب ولكنه لما تعلق واشتغل بعلم الاسباب عن العلم بالمسبب كان تعلقه بغير اللّه صدأ على وجه القلب مانعا من تجلى الحق اليه اذا لحضرة الآلهية متجلية على الدوام لا يتصور فى حقها حجاب عنا فلما لم يقبلها هذا القلب من جهة الخطاب الشرعى المحمود

وقيل غيرها عبر عن قبول الغير بالصدأ ولكن والقفل وغير ذلك وقد نية اللّه على ذلك فى قوله وقالوا قلوبنا فى اكنة مما تدعونا اليه فهى فى اكنة مما يدعوها الرسول اليه خاصة لا انها فى كن مطبقا فلما تعلقت بغير ما تدى اليه عميت عن ادراك ما دعيت اليه فلم تبصر شيأ فالقلوب أبدا لم تزل مفطورة على الجلاء مقصولة صافية ( قال المولى الجامى )

مسكين فقيه ميكند انكار حسن دوست ... با او بكوكه ديدهء جانرا جلى كند

١٥

{ كلا } ردع وزجر عن الكسب الرآئن اى الموقع فى الرين

{ انهم } اى المكذبين

{ عن ربهم } وهو وقوله

{ يومئذ } اى يوم اذ يقوم الناس لرب العالمين متعلقان بقوله

{ لمحجوبون } فلا يرونه لانهم باكسابهم القبيحة صارت مرآءة قلوبهم ذات صدأ وسرت ظلمة الصدأ منها الى قوالبهم فلم يبق محل النور التجلى بخلاف المؤمنين فانهم يرونه تعالى لانهم باكسابهم الحسنة صارت مرآئى قلوبهم مصقولة صافية وسرى نور يرونه تعالى لانهم باكسابهم الحسنة صارت مرآئى قلوبهم مصقولة صافية وسرى نور الصقالة والصفوة منها الى قوالهم فصاروا مستعدين لانكعاس نور التجلى فى قلوبهم وقوالبهم وصاروا وجوها من جميع الجهات كوجود الوجه الباقى بل ابصارا بالكلية سئل مالك بن انس رحمه اللّه عن هذه الآية فقال لما حجب اعدآؤه فلم يروه لا بد ان يتجلى لاوليائه حتى يروه يعنى احتج الامام مالك بهذه الآية على مسألة الرؤية من جهة دليل الخطاب والا فلو حجب الكل لم يبق للتخصيص فائدة وكذلك . آنكاه دريمان دوست ودشمن فرق نماند كوبى بهشت ميهمانيست

بى ديدن ميزبان جه باشد ... جون دشمن ودوست راجه باشد

بس فرق دران ميان جه باشد.

وعن الشافعى رحمه اللّه لما حجب قوما بالسخط دل على ان قوما يرونه بالرضى وقال شيخ الاسلام عبد اللّه النصارى رحمه اللّه لمحجوبون عن رؤية الرضى فان الشقى يراه غضبان حين يتجللى فى المحشر قبل دخول الناس الجنة وقال حسين بن الفضل رحمه اللّه كما حجبهم فى الدنيا عن توحيده حجبهم فى الآخرة عن رؤيته فالموحد غير محجوب عن ربه وقال سهل رحمه اللّه حجبهم عن ربهم قسوة قلوبهم فى العاجل وما سبق لهم من الشقاوة فى الازل فلم يصلحوا لبساط القرب والمشاهدة فابعدوا وحجبوا والحجاب هو الغاية فى البعد والطرد وقال ابن عطاء رحمه اللّه الحجاب حجابان حجاب بعد وحجاب ابعاد فحجاب البعد لا تقريب فيه أبدا وحجاب الابعاد يؤدب ثم يقرب كآدم عليه السلام وقال القاشانى انهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون لامتناع قبول قلوبهم للنور وامتناع عودها الى الصفاء الاول الفطرة كالماء الكبريتى مثلا اذ لوروق او صعد لما رجع الى الطبيعة المائية المبردة لاستحالة جوهره بخلاف الماء المسخن استحالت كيفيته دون طبيعته ولهذا استحقوا الخلود فى العذاب وفى المفردات الحجب المنع عن الوصول والآية اشارة الى منع السور عنهم بالاشارة الى قوله فضرب بينهم بسور اى بحجاب يمنع من وصول لذة الجنة الى اهل النار وأذية اهل النار الى اهل الجنة وقال صاحب الكشاف كونهم محجوبين عنه تمثيل للاستخفاف بهم واهانتهم لانهم لا يؤذن على الملوك الا للوجهاء المكرمين لديهم ولا يحجب عنهم الا الا دنياء المهانون عندهم قال.

اذا اعتروا باب ذى مهابة رجبوا . والناس ما بين مرجوب ومحجوب انتهى اى ما بين معظمم ومهان وانما جعله تمثيلا لا كناية اذ لا يمكن ارادة المعنى الحقيقى على زعمه من حيث انه معتزلى قال بعض المفسرين جعل الآية تمثيلا عدول عن الظاهر وهو مكشوف فان ظاهر قولهم هو محجوب عن الامير يفيد أنه ممنوع عن رؤيته وهو أكبر سبب الاهانة وما نقل عن ابن عباس رضى اللّه عنه لمحجوبون عن رحمته وعن ابن كيسان عن كرامته فالمراد به بيان حاصل المعنى فان المحجوب عن الرؤية ممنوع عن معظم الرحمة والكرامة فالآية من جملة ادلة الرؤية فالحمد لله تعالى على بذل نواله وعطائه وعلى شهود جماله ولقائه.

١٦

{ ثم انهم } مع كونهم محجوبين عن رؤية اللّه

{ لصالوا الجحيم } اى دخلوا النار ومباشر واحرها من غير حائل اصله صالون حذفت نونه بالاضافة وثم لتراخى الرتبة فان صلى الجحيم أشد من الحجاب والاهانة والحرمان من الرحمة والكرامة فان الحجاب وان كان من قبيل العذاب الروحانى وهو أشد من العذاب الجسمانى لكن مجرد النجاة من النار أهون من العذاب لان فىلاعذاب الحسى حصور العذابين كما لا يخفى.

١٧

{ ثم يقال } لهم توبيخا وتقريعا من جهة الزبانية وانما طوى ذكرهم لان المقصود ذكر القول لا القائل مع ان فيه تعميما لاحتمال القائل وبه يشتد الخوف

{ هذا } العذاب وهو مبتدأ خبره قوله

{ الذى كنتم } فى الدنيا

{ به } متعلق بقوله

{ تكذبون } فذوقوه وتقديمه لرعاية الفاصلة لا للحصر فانهم كانوا يكذبون احكاما كثيرة.

١٨

{ كلا } ردع عما كانوا عليه بعد ردع وزجر بعد زجر

{ ان كتاب الابرار } اى الاعمال المكتوبة لهم على ان الكتاب مصدر مضاف الى مقدر

{ لفى عليين } لفى ديوان جامع لجميع اعمال الابرار فعليون علم لديوان الخير الذى جون فيه كل ما عملته الملائكة وصلحاء الثقلين منقول من جمع على على فعيل من العلو للمبالغة فيه سمى بذلك اما لانه سبب الارتفاع الى اعالى الدرجات فى الجنة

واما لانه مرفوع فى السماء السابعة حيث يسكن الكروبيون تكريما له وتعظيما وروى ان الملائكة لتصعد بعمل العبد فيستقلونه فاذا انتهوا الى ما شاء اللّه من سلطانه أوحى اليهم انكم الحفظة على عبدى وانا الرقيب على ما فى قلبه وانه اخلص عمله فاجعلوه فى عليين فقد غفلت له لوانها تصعد بعمل العبد فيزكونه فاذا انتهبوا به الى ما شاء اللّه اوحى اليهم أنتم الحفظة وعلى عبدى وأنا الرقيب على قلبه وانه لم يخلص فى عمله فاجعلوه فى سجين وفيه اشارة الى ان الحفظة لا يطلعون على الاخلاص والرياء الا بطالع اللّه تعالى

١٩

{ وما أدراك ما عليون } اى هو خارج عن دآئرة دراية الخلق.

٢٠

{ كتاب مرقوم } اى هو مسطور بين الكتابة يقرأ بلا تكلف او معلم بعلامة تدل على سعادة صاحبه وفوزه بنعيم دآئم وملك لا يبلى ولما كان عليون علما منقولا من الجمع حكم عليه بالمفرد وهو كتاب مرقوم واعرب باعراب الجمع حيث جرأ ولا بفى ورفع بالخبرية لملا الاستفهامية لكونه فى صورة الجمع

وقيل اسم مفرد على لفظ الجمع كعشرين وامثاله فليس له واحد.

٢١

{ يشهده } الملائكة

{ المقربون } عند اللّه قربة الكرامة اى يحضرونه ويحفظونه من الضياع وفى فتح الرحمن هم سبعة املاك من مقربى لاسماء من كل سماء ملك مقرب فيحضره ويشيعه حتى يصعد به الى ما يشاء اللّه ويكون هذا فى كل يوم او يشهدون بما فيه يوم القيامة على رؤوس الاشهاد وبه تبين سر ترك الظاهر بأن يقال طوبى يومئذ للمصدقين بمقابلة ويل يومئذ للمكذبين لان الاخبار بحضور الملائكة تعظيما واجلالا يفيد ذلك مع زيادة فخم كل واحد بما يصلح سواه مكانه وقال القاشانى ما كتب من صور أعمال السعدآء وهيئات نفوسهم النورانية وملكاتهم الفاضلة فى عليين وهو مقابل لسجين فى علوه وارتفاع درجته وكونه دويان اعمال اهل الخير كما قال كتاب مرقوم اى محل شريف رقم بصور اعمالهم من جرم سماوى اوعنصر انسانى يحضر ذلك المحل اهل اللّه الخاصة من اهل التوحيد الذاتى.

٢٢

{ ان الابرار } اى السعدآء الاتقياء عن درن صفات النفوس

{ لفى نعيم } ثم وصف كيفية ذلك النعيم بأمور ثلاثة اولها قوله

٢٣

{ على الارآئك } اى على الاسرة فى الحجال يعنى برتختاهى آرساته.

ولا يكاد تطلق الاريكة على السرير عندهم الا عند كونه فى الحجلة وهو بالتحريك بيت العروس يزين بالثياب والاسرة والستور

{ ينظرون } اى ما شاؤوا امد اعينهم اليه من رغائب مناظز الجنة والى ما اولاهم اللّه من النعمة والكرامة يعنى مى نكرندبجز هاكه ازان شادمان وفرحناك ميكردند از صور حسنه ومنتزهات بهيه.

وكذا الى اعدآئهم يعذبون فى النار وما تحجب الحجاب ابصارهم عن الادراك للطافتها وشفوفها اى رقتها فحذف المفعول لتعميم وقوله على الارآئك ويجوز ان يكون خبرا بعد خبر وان يكون حالا من المنوى فى الخبر او فى الفاعل فى ينظرون والتقديم لرعاية فواصل الآى

واما ينظرون فيجوز ان يكون مستأنفا وأن يكون حالا اما من الموى فى الخبراو فى الظرف اى ناظرين قال ابن عطاء رحمه اللّه على ارآئك المعرفة ينظرون الى المعروف وعلى اراآئك القربة ينظرون الى الرف وفيه اشارة الى ان أرباب المقامات العالية ينظرون الى جميع مراتب الوجود لا يحجبهم شئ عن المطالعة بخلاف الاغيار فانهم محجوبون عن مطالعة احوال اهل الملكوت ورمز الى ان لكل من أهل روضة مخصوصة من الاسماء والصفات فمنها ينظرون فمنهم عال واعلى وليس الاشراف على الكل الا لاشرف الاشراف وهو قطب الاقطاف.

٢٤

{ تعرف فى وجوههم نضرة النعيم } وهو ثانى الاوصاف اى بهجة التنعم وماءه ورونقه اى اذا رأيتهم عرفت انهم اهل النعمة بسبب ما يرى فى وجوههم من القرآئن الدالة على ذلك كالضحك والاستبشار كما يرى فى وجوه الاغنياء وأهل اترفه فمن هذا الاخير تعرف على ترى مع ان المعرفة تتلعق بالخفيات غالبا والرؤية بالجليات غالبا والخطاب لكل احد ممن له حظ من الخطاب للايذان بأن مالهم من آثار النعمة واحكام البهجة بحيث لا يختص برؤية رآئ دون رآئ قال جعفر رضى اللّه عنه يعنى لذة النظر تنلألأ مثل الشمس فى وجوههم اذا رجعوا مالا زيارة اللّه الى اوطانهم وقال بعضهم تعرف فى وجوههم رضى محبوبهم عنهم.

٢٥

يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ قيل بعض رحيق او مقدر معلوم اى شرابا كائنا من رحيق مبتدأ منه فمن ابتدآئية والرحيق صافى الخمر وخالها والمعنى يسقون فى الجنة من شراب خالص لا غش فيه ولا ما يكرهه الطبع ولا شئ يفسده وايضا صاف عن كدورة الخمار وتغيير النكهة وايرات الصداع { مختوم }

٢٦

{ ختامه } اى ما يختم ويطبع به

{ مسك } وهو طيب معروف اى مختوم اوانيه واكوابه بالمسك مكان الطين قال فى كشف اسرارا ما ختم به مسك رطب ينطبع فيه الخام امر اللّه باختم عليه اكراما لاصحابه فختم ومنع أن يمسه ماس او تتناوله يد الى أن يفك ختمه الابرار والاظهر انه تمثيل لكمال نفاسته اذا لشئ النفيس يختم لا سيما اذا كان ما يختم به المسك مكان الطين

وقيل ختام الشئ خاتمته وآخره فمعنى ختامه مسك ان الشارب اذا رفع فاه من آخر شربه وجد رآئحة كرآئحة المسك او وجد رآئحة المسك لكونه ممزوجا به كالاسربة الممسكة فى الدنيا فانه يوجد فيه رآئحة المسك عند خاتمة الشرب لا فى اول زمان الملابسة بالشرب وعن أبى الدردآء رضى اللّه عنه ان الرحيق شراب ابيض مثل الفضة يختمون به آخر شربهم ولو أن رجلا من اهل الدنيا ادخل فيه يده ثم اخرجها لم يبق ذو روح الا وجد طيب ريحه.

٢٧

{ وفى ذلك } الرحيق خاصة دون غيره من النعيم المكدر السريع الفناء او فيما ذكر من احوالهم لا فى احوال غيرهم من اهل الشمال

{ فليتنافس المتنافسون } فليرغب الراغبون بالمبادرة الى طاعة اللّه يعنى عمل بجاى آرندكه سبب استحقاق شرب آن كردند . والامر للتحضيض والترغيب ظاهرا وللوجوب باطنا بوجوب الايمان والطاعة واصل التنافس التغالب فى الشئ النفيس اى المرغوب كأن كل واحد من الشخصين يريد أن يستأثر به واصله من النفس لعزتها وقال البغوى اصله من الشئ النفيس الذى يحرص عليه نفوس الناس ويريده كل احد لنفسه وينفس به على غيره اى يبخل وفى المفردات المنافسة مجاهدة النفس للتشبه بالافاضل واللحوق بهم من غير ادخال ضرر على غيره قال ذو النون المصرى رحمه اللّه علامة التنافس تعلق القلب به وطيران الضمير اليه والحركة عند ذكره والتباعد من الناس والانس بالوحدة والبكاء على ما سلف وحلاوة سماع الذكر والتدبر فى كلام الرحمن وتلقى النعم بالفرح والشكر والتعرض للمناجاة.

٢٨

{ ومزاجه من تسنيم } عطف على ختامه صفة اخرى لرحيق مثله وما بينهما اعتراض مقرر لنافسته اى ما يمزج به ذلك الرحيق من ماء تسنيم وهو علم العين بعينها تجرى من جنة عدن سميت بالتسنيم الذى هو مصدر سنمه اذا رفعه اما لانها ارفع شراب فى الجنة قدرا فيكون من علو المكانة

واما لانها تأيتهم من فوق فيكون من علو المكان روى انها تجرى فى الهوآء متنسمة فتنصب فى أوانيهم فاذا امتلأت امسك الماء حتى لا يقع منه قطرة على الارض فلا يحتاجون الى الاستقاء.

٢٩

{ عينا } نصب على المدح والاختصاص اى بتقدير أعنى

{ يشرب بها المقربون } من جناب اللّه قربا معنويا روحانيا اى يشربون ماءها صرفا وتمزج لسائر اهل الجنة وهم اصحاب اليمن فالباء مزيدة او بمعنى من وفيه اشارة الى التسنيم فى الجنة الروحانية هو معرفة اللّه ومحبته ولذة النظر الى وجهه الكرمي والرحيق هو الاتبهاج تارة بالنظر الى اللّه واخرى بالنظر الى مخلوقاته فالمقربون افضل من الابرار بمحبت غير نيا ميخته اندشراب ايشان صرفست وآنهاكه محبت ايشان آميخته باشد شراب ايشان ممزوج باشد

ما شراب عيش ميخواهيم بى دردئ غم ... صاف نوشان ديرودردى فروشان ديكرند

وقال بعضهم

تسبيح رهى وصف جمال توبست ... وزهر دوجهان ورا وصال توبست

اندردل هركسى ذكر مقصوديست ... مقصود دل رهى خيال توبست

ودر بحر الحقائق آورده كه رحيق اشارتست بشراب خالص ازكدورات خمار كونين واوانى مختومهء رى قلوب اولياء واصفيا كه ختام اومسك محبت است لا يشرب من تلك الاوانى الا الطالبون الصادقون فى طريق السلوك الى اللّه ( على نفسه فليبك من شاع عمره . وليس له منها نصيب ولا سهم ) وتسنيم اعلاى مراتب محبت ذاتيه كه غير ممزوج باشد بصفات وافعال ومقربان اهل فنا ف اللّه وبقا باللّه انه كما قال العارف فى خمر المحبة الصرفة الخالصة من المزج

عليك بها صرفا فان شئت مزجها ... فعد لك عن ظلم الحبيب هو الظلم

العدل بمعنى العدول والظلم بالفتح هو ماء الاسنان وبريقها وبالضم هو الجور أى فان شئت مزجها فامزجها بزلال فم الحبيب وبريقه ان لم يتقدر على شربها صرفا ولا تعدل فان العدول عن ظلم الحبيب ورشحة زلاله هو الظلم . وتاكسى بربساط قرب در مجلس انس ورياض قدس ازدست ساقئ رضا جرعهء ازين شراب ناب نجشد بويى ازسراين سخنان بمشام جان وى نرسد

سرمايهء ذوق دوجهان مستى عشقست ... آنهاكه ازبن مى نجشيد ندجه دانند

٣٠

{ ان الذين اجرموا } كانوا ذوى جرم وذنب ولا ذنب اكبر من الكفر واذى المؤمنين لايمانهم فالمراد بهم رؤساء قريش واكابر المجرمين المشركين كأبى جهل والوليد بن المغيرة والعاص بن وائل وامثالهم

{ كانوا } فى الدنيا

{ من الذين آمنوا } ايمانا صادقا

{ يضحكون } اى يستهزئون بفقرآئهم كعمار وصهيب وبلال وخباب وغيرهم وتقدم الجار والمجرور لمراعاة الفواصل.

٣١

{ واذا مروا } اى فقرآء المؤمنين

{ بهم } اى بالمشركين وهم فى أنديتهم وهو الاظهر وان جاز العكس ايضا يقال مرمرا ومرورا جازو ذهب كاستمر ومره وبه جاز عليه كما فى القاموس قال فى تاج المصادر المر بكذشتن بكسى . ويعدى بالباء وعلى

{ يتغامزون } اى يغمز بعضهم بعضا ويشيرون بأعينهم ويعيبونهم ويقولون انظروا الى هؤلاء يتعبون انفسهم ويتركون اللذات ويتحملون المشقات لما يرجونه فى الآخر من المثوبات وامر البعث والجزآء لا يقين به وانه بعيد كل البعد والتغامز تفاعل من الغمز وهو الاشارة بالجفن والحاجب ويكون بمعنى العيب ايضا وفى التاج التغامز يكديكررا بجشم اشارة كردن.

٣٢

{ واذا انقلبوا } من مجالسهم

{ الى اهلهم } الى اهل بيتهم واصحابهم كونهم

{ فاكهين } متلذذين بذكرهم بالسوء والسخرية منهم وفيه اشارة الى انهم كانوا لا يفعلون ذلك بمرأى من المارين ويكتفون حينئذ بالتغامز.

٣٣

{ واذا رأوهم } اى المجرمون المؤمنين اينما كانوا

{ قالوا } مشيرين الى المؤمنين بالتحقير

{ ان هؤلاء لضالون } اى نسبوا المسلمين ممن رأوهم ومن غيرهم الى الضلال بطريق التاكيد وقالوا تركوا دين آبائهم القديم ودخلوا فى الدين الحادث او قالوا تركوا التنعم الحاضر بسبب طلب ثواب لا يدرى هل له وجود أولا وهذا كما ان بعض غفلة العلماء ينسبون الفقرآء السالكين الى الضلال والجنون خصوصا اذا كان اهل السلوك من اهل المدرسة فانهم يضللونه أكثر من تضليل غيره

منعم كنى زعشق وى اى زاهد زمان ... معذور دارمت كه تواور انديده

٣٤

{ وما ارسلوا } اى المجرمون

{ عليهم } اى على المسلمين

{ حافظين } حال من واو قالوا اى قالوا ذلك والحال انهم ما ارسلوا من جهة اللّه موكلين بهم يحفظون عليهم امورهم ويهيمنون على اعمالهم ويشهدون برشدهم وضلالهم وانما امروا باصلاح انفسهم واى نفع لهم فى تتبع احوال غيرهم وهذا تهكم بهم واشعار بان ما اجترأوا عليه من القول من وظائف من ارسل من جهته تعالى وقد جوز أن يكون ذلك من جملة قول المجرمين كأنهم قالوا ان هؤلاء لضالون وما ارسلوا علينا حافظين انكارا لصدهم عن الشرك ودعائهم الى الاسلام وانما قيل نقلا له بالمعنى.

٣٥

{ فاليوم الذين آمنوا } اى المعهودون من الفقرآء

{ من الكفار } المعهودين وهو الاظهر وان امكن التعميم من الجانبين

{ يضحكون } حين يرونهم اذلاء مغلولين وغشيهم فنون الهوان والصغار بعد العز والكبر ورقهم ألوان العذاب بعد التنعم والترفه قال فى بعض التفاسير لعل الفاء جواب شرط مقدر كأنه قيل اذا عرفتم ما ذكر فاعلموا ان اليوم اى يوم القيامة فاللام للعهد والذين مبتدأ ومن الكفار متعلق بقوله يضحكون وحرام للوهم ان يتوهم كونه بيانا للموصول نظرا الى ظاهر الاتصال من غير تفكر فى المعنى ويضحكون خبر المبتدأ وهو ناصب اليوم لصحة المعنى

{ على الارآئك } برتختهاى آراسته بادروياقوت

{ ينظرون } اى يضحكون منهم حال كونهم ناظرين اليهم والى ما فيهم من سوء الحال فهو حال من فاعل يضحكون.

٣٦

{ هل ثوب الكفار ما كانوا يفعلون } كلام مستأنف من قبل اللّه او من قبل الملائكة والاستفهام للتقرير وثوب بمعنى يثوب عبر عنه بالماضى لتحققه والتثويب والاثابة المجازاة استعمل فى المكافاة بالشر قال الراغب الاثابة تستعمل فى المحبوب نحو فأثابهم اللّه بما قالوا جنات وقد قيل ذلك فى المكروه نحو فأثابكم غما بغم على الاستعارة والتثويب فى القرءآن لم يجئ الا فى المكروه ثوب الخ انتهى وفى تاج المصادر التثويب باداش دادن وفى تهذيب المصادر التثويب ثواب دادن وفى القاموس التثويب التعويض انتهى وهو الموافق لما فى التاج والمراد بما كانوا يفعلون استهزآؤهم بالمؤمنين وضحكهم منهم وهو صريح فى ان ضحك المؤمنين منهم فى الآخرة انما هو جزآء لضحك الكافرين منهم فى الدنيا وفيه تسلية للمؤمنين بانه سينقلب الحال ويكون الكفار مضحوكا منهم وتعظيم لهم فان اهانة الاعدآء تعظيم للاولياء واللّه ينتقم لاوليائه من اعدآئهم فانه يغضب لاوليائه كما يغضب الليث الجرى لجروه ومن اللّه العصمة وعلم منه ان الضحك والاستهزآء والسخرية والغمز من الكبائر فالحائض فيها من المجرمين الملحقين بالمشركين نسأل اللّه السلامة.

﴿ ٠