سُورَةُ الْبُرُوجِ مَكِّيَّةٌ وَهِيَ اثْنَتَانِ وَعِشْرُونَ آيَةً ١ { والسماء } كل جرم علوى فهو سماء فدخل فيه العرش { ذات البروج } جمع برج بمعنى القصر بالفارسية كوشك. والمراد البروج الاثنا عشر التى فى الفلك الاعلى فالمراد بالسماء فلك الافلاك قال سعدى المفتى لكن المعهود فى لسان الشرع اطلاق العرش عليه دون السماء ويجوز أن يراد الفلك الاقرب الينا فالآية كقوله تعالى ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح انتهى وجوابه ما أشرنا اليه فى عنوان السماء ثم انها شبهت بروج السماء بالقصور التى تنزل فيها الاكابر والاشراف لانها منازل السيارات ومقر الثوابت قال الامام السهيلى رحمه اللّه اسماء البروج الحمل وبه يبدأ لان استدارة الافلاك كان مبدأها من برج الحمل فيما ذكروا وفى شهر هذا البرج نيسان حيث تم العشرون منه كان مولد النبى عليه السلام وكان مولده عند طلوع الغفر وهو بفتح الغين المعجمة وسكون الفاء منزل للقمر ثلاثة أنجم صغار والغفر يطلع فى ظاهر الشهر اول الليل لان وقته النطح وهو الشرطان بالمعجمة وبفتحتين وهما نجمان من الحمل هما قرناه والى جنب الجنوبى منهما وفى القاموس والى جانب الشمالى منهما كوكب صغير ومنه من يعده معهما فيقول هذا المنزل ثلاثة كواكب ويسميها الاشراط والى الحمل أيضا يضاف البطين وهو كزبير منزل للقمر ثلاثة كواكب صغار كأنها اثا فى وهو بطن الحمل وبعد الحمل الثور ثم الجوزآء ويقال لها النسر والجبال والتوأمان قال فى القاموس التوأم منزل للجوزآء انتهى وهامة الجوزآء الهقعة وهى ثلاثة كواكب فوق منكبى الجوزآء كمالا نافى اذا طلعت مع الفجر اشتد حر الصيف ثم السرطان المهملة ثم الأسد ثم السنبلة ثم الميزان ثم العقرب وبين الزبانيين من العقرب وهما قرناها وكوكبان نيران فى قرنى العقرب كما فى القاموس وبين وركى الأسد ورجليه وهما السماك ككتاب يطلع الغفر الذى به مولد الانبياءعليهم السلام وفيه قالوا خير المنازل فى الأبد ... بين الزبانى والأسد. لانه يليه من الأسد ذنبه ولا ضرر فيه ومن العقرب زبانياها ولا ضرر فيهما وانما تضر بذنبها اذا شالته اى رفعته وهو اشولة فى المنازل اى ما تشول العقرب من ذنبها وكوكبان نيران ينزلهما القمر يقال لهما حمة العقرب ثم القوس ثم الجدى ثم الدلو ثم رشا الدلو وهو منزل للقمر وهو الحوت يحسب فى البروج وفى المنازل وجعل اللّه الشهور على عدد هذه البروج فقال تعالى ان عدة الشهور عند اللّه اثنا عشر شهرا قال فى كشف الاسرار واين برجها برجهار فصل است يك فصل از ان وقت بهار است سه ماه وآفتاب اندرين سه ماه در حمل وثور وجوزا باشد وفصل دوم روزكار صيف است تابستان كرم سه ماه وآفتاب اندرين سه ماه درسرطان واسد وسنبله باشد وفصل سوم روزكار خريف است سه ماه وآفتاب اندرين سه ماه در ميزان وعقرب وقوس باشد وفصل جهارم روزكار زمستانست سه ماه وآفتاب اندرين سه ماه درجدى ودلو وحوت باشد وهر فصلى راطبعى ديكرست وكردش اوديكر. يقول الفقير أيده اللّه القدير الفصل الربيعى عبارة عن ثلاثة اشهر يعبر عن اولها بأذار وعن الثانى بنيسان وعن الثالث بأيار فاذا مضت سبع عشرة ليلة من الشهر الاول استوى الليل والنهار بأن يكون كل منهما ثنتى عشرة ساعة ثم يأخذ النهار من الليل كل يوم شعيرة حتى اذا مضت سبعة عشر يوما من حزيران وهو اول فصل الصيف وبعده تموز ثم اغستوس يكون النهار خمس عشرة ساعة والليل تسع ساعات ويكون اليوم اطول الايام كما ان الليلة تكون أقصر الليالى ثم يأخذ الليل من النهار على عكس ما سبق فينتقص من النهار كل يوم شعيرة حتى اذا مضت سبعة عشر يوما من ايلول وهو اول فصل الخريف وبعده تشرين الاول الذى هو اوسط الخريف ثم تشرين الثانى الذى هو آخره استوى الليل والنهار ايضا ثم يتزايد الليل كل يوم شعيرة حتى اذا كان سبعة عشرة يوما من كانون الاول وهو أول فصل الشتاء وبعده كانون الثانى ثم شباط ينتهى طول الليل بان يكون خمس عشرة ساعة وقصر النهار بأن يكون تسع ساعات فهذا الحساب يعود ويدور أبدا الى ساعة القيام فاللّه تعالى يولج الليل فى النهار اى يدخله فيه بأن ينقص من ساعات الليل ويزيد فى ساعات النهار وذلك اذا مضى من كانون الاول سبعة عشر يوما الى ان يمضى من حزيران هذا العدد وذلك ستة اشهر وهى كانون الاول وكانون الثانىوشباط وأذار ونيسان وأيار ويولج النهار فى الليل اى يدخله فيه بأن ينقص من ساعات النهار ويزيد فى ساعات الليل وذلك ستة اشهر أيضا وهى حزيران وتموز واغستوس وايلول وتشرين الاول وتشرين الثانى وهذا كله بتقدير العزيز العليم واداراته الاجزام العلوية على نهج مستقيم ويقال المراد بالبروج هى النجوم التى هى منزل القمر وهى ثمانية وعشرون نجما ينزل القمر كل ليلة فى واحد منها لا يتخطاها ولا يتقصر عنها واذا صار القمر الى آخر منازله دق واستقوس ويستتر ليلتين ان كان الشهر ثلاثين يوما وان كان تسعة وعشرين فليلة واحدة واطلاق البروج على هذه النجوم مبنى على تشبهها بالقصور من حيث ان القمر ينزل فيها ولظهورها ايضا بالنسبة الى بعض الناس كالعرب لان البرج ينبئ عن الظهور مع الاشتمال على المحاسن يقال تبرجت المرأة اى تشبهت بالبرج فى اظهار المحاسن واما البروج الاثنا عشر فليس لها ظهور حيث لا تدرك حسا والبروج الاثناعشر منقسمة الى هذه المنازل الثمانية ولعشرين والشمس تسير فى تمام هذه البروج الاثنى عشر فى كل سنة والقمر فى كل شهر وقد تعلقت بها منافع ومصالح للعباد فاقسم اللّه تعالى بها اظهارا لقدرها وشرفها وفيه اشارة الى الروح الانسانى ذات المقامات فى الترقى والدرجات. ٢ { واليوم الموعود } اى يوم القيامة اقسم اللّه تعالى به تنبيها على قدره وعظمه ايضا من حيث كونه يوم الفصل والجزآء ويوما تفرد اللّه بالملك والحكم فيه وفيه اشارة الى آخر درجات الروح من كشف التوحيد الذاتى وهى القيامة الكبرى. ٣ { وشاهد ومشهود } اى ومن يشهد فى ذلك اليوم من الاولين والآخرين والانس والجن والملائكة والانبياء وما يحضر فيه من العجائب فالشاهد بمعنى الحاضر من الشهود بمعنى الحضور لا بمعنى الشاهد الذى تثبت به الدعاوى والحقوق وتنكيرهما للابهام فى الوصف اى وشاهد ومشهود لا يكتنه ما طلعت شمس ولا غربت على يوم افضل من يوم الجمعة فيه ساعة لا يوافقها عبد مؤمن يدعو اللّه فيها خيرا الا استجاب له ولا يستعيذه من سوء الاعاذه منه وفى الحديث اكثروا على من الصلاة ويم الجمعة فانه يوم مشهود تشهده الملائكة ويقال المشهود يوم عرفة والشاهد من يحضره من الحاج وحسن القسم به تعظيما لامر الحج وعددهم هفتصد هزار كما فى كشف الاسرار ويقال الشاهد كل يوم والمشهود اهله فيكون المشهود بمعنى المشهود عليه والشاهد من الشهادة كما قال الحسن البصرى رحمه اللّه ما من يوم الا وينادى انى يوم جديد وانى على ما يفعل فى شهيد فاغتنمنى فلو غاب شمس لم تدركنى الى يوم القيامة دريغا كه بكنشت عمر عزيز ... بخواهد كذشت اين دمى جند نيز كذشت آنجه درناصوابى كذشت ... در اين نيزهم درنيابى كذشت ويقال الشاهد هو الحق من حنث الجميعة والمشهود هو ايضا من حيث التفرقة وان شئت قلت من حيث الاجمال ومن حيث التفصيل لا يراه بالحقيقة احد الا هو ويقال الشاهد نفس الروح والمشهود نفس الطبع وقال الحسين رحمه اللّه فى هذه الآية علامة انه ما انفصل الكون عن المكون ولا قارنه. ٤ { قتل اصحاب الاخدود } جواب القسم بحذف اللام المؤكدة على انه خبر لا دعاء بمعنى لقد قتل اى اهلك بغضب اللّه ولعنته والاظهر أن الجملة دعائية دالة على الجواب لا خبرية والقتل كناية عن اللعن من حيث ان القتل لكونه اغلظ العقوبات لا يقع الا عن سخط عظيم يوجب الابعاد عن الخير والرحمة الذى هو معنى اللعن فكان القتل من لوازم اللعن كأنه قيل اقسسم بهذه الاشياء ان كفار مكة ملعونون كما لعن اصحاب الاخدود اذية الكفرة وتذكيرهم بما جرى على من تقدمهم من التعذيب على الايمان وصبرهم على ذلك حتى يأنسوا بهم ويصبروا على ما كانوا يلقون من قومهم ويعلموا ان هؤلاء عند اللّه بمنزلة اولئك المعذبين ملعونون مثلهم احقاء بأن يقال فيهم ما قد قيل فيهم فظهر من هذا التقرير انه ليس دعاء على اصحاب الاخدود من قبل المقسم وهو اللّه تعالى لانه ليس عاجز وقد سبق تحقيقه فى سورة عبس ونحوها والاخدود الخد فى الارض وهو شق مستطيل كالنهر غامض اى عميق القرار وأصل ذلك من خدى الانسان وهما ما اكتفا الانف على اليمين والشمال وفى عين المعانى ومنه الخد لمجارى الدموع عليه واصحاب الاخدود كانوا ثلاثة وهم انطيانوس الرومى بالشأم وبخت نصر بفارس ويوسف ذو نواس بنجران وهو بتقديم النون وتأخير الجيم موضع باليمن فتح سنة عشر سمى بنجران بن زيدان بن سبأ شق كل واحد منهم شقا عظيما فى الارض كان طوله اربعين ذراعا وعرضه اثنى عشر ذراعا وهو الاخدود وملأوه نارا وألقوا فيه من لم يرتد عن دينه من المؤمنين قالوا والقرءآن انما نزل فى لاذين بنجران يعنى ان اصحاب الاخدود هم ذو نواس الحميرى اليهودى وجنوده وذلك ان عبدا صالحا يقال له عبد اللّه بن الثامر وقع الى نجران وكان على دين عيسى عليه السلام فدعاهم فأجابوه فاسر اليهم ذو نواس بجنود من حمير فخيرهم بين النار واليهودية فأبوا فحفر الخنادق واضرم فيها النيرات فجعل يلقى فيها كل من اتبع ابن الثامر حتى أحرق نحوا من اثنى عشر ألفا او عشرين ألفا أو سبعين ألفا وذو نواس اسمه زرعة بن حسان ملك حمير وما حولها وكان ايضا يسمى يوسف وكانت له غدآئر من شعرأى ذوآئب تنوس اى تضطرب فسمى ذا نواس ( روى ) انه انفلت من اهل نجران رجل اسمه دوس ذو ثعلبان ووجد انجيلا محترقا بعضه فأتى به ملك الحبشة وكان نصرانيا فقال ان اهل دينك اوقدت لهم نار فأحرقوا بها وأحرقت كتبهم وهذا بعضها فأراه الذى جاء به ففزع لذلك فكتب الى صاحب الروم يستمده بنجارين يعملون له السفن فبعث اليه صاحب الروم من عمل له السفن فركبوا فيها فخرجوا الى ساحل اليمن فخرج اليهم اهل اليمين فلقوهم بتهامة واقتيلوا فلم ير ملك حمير له بهم طاقة وتخوف ان يأخذوه فضرب فرسه حتى وقع فى الحرب فمات فيه او ألقى نفسه فى البحر فاستولى الحبشة على حمير وما حولها وتملكوا وبقى الملك لهم الى وقت الاسلام وقال فى كشف الاسرار اصحاب الاخدود ايشان بت برستان بوده انداز اصحاب ذو نواس يمنى ودر زمان او ساحرى بو دكاهنومشعبذكه مدار ملك بدو بودى جون بسن شيخوخه رسيد بعرض ملك رسانيدكه من بير شده ام وضعف كلى بقو اى من راه يافته ديده ازهر شعاع تيره شود ... كوش وقت سماع خيره شود نه زبانرا مجال كويايى ... نه تن خسته را توانا بى صلاح درآنست كه جوان عاقل تيزفهم بمن سبارتا آنجه دانسته ام بوى آموزم وبعد ازمن خلفى باشدكه امور ملك بوى منتظم تواند بود. كما جاء فى حديث المشارق كان ملك فيمن كان قبلكم وكان له ساحر فلما كبر بكسر الباء اى شاخ وطعن فى السن قال للملك انى كبرت فابعث الى غلاما اعلمه السحر فبعث اليه غلاما يعلمه فكان فى طريقه اذا سلك اى الغلام راهب فقعد اليه اى متوجها الى الراهب وسمع كلامه فأعجبه اى اعجب كلام الراهب ذلك الغلام فكان اذا اتى الساحر مر بالراهب وقعد اليه فاذا أنى الساحر ضربه اى ضرب الساحر الغلام لمكثه فشكا ذلك الى الراهب فقال اى اراهب للغلام اذا خشيت الساحر فقل حبسنى قد حبست النا اى على أسد أوحية يقال لها بالفارسية ازدر . فقال اى الغلام اليوم اعلم الساحر أفضل ام الراهب أفضل فأخذ حجرا وقال اللهم ان كان أمر الراهب أحب اليك من أمر الساحر فاقتل هذه الدابة حتى يمضى الناس فرماها فقتلها ومضى الناس فأتى الراهب فقال الراهب اى بنى أنت اليوم افضل منى قد بلغ من أمرك ما أدرى وانك ستبنتلى فان ابتليت فلا تدل على وكان الغلام يبرئ الاكمه وهو الذى ولد أعمى والابرص ويداوى الناس بسائر الادوآء فسمع جليس للملك كان قد عمى فأتاه بدايا كثيرة فقال ما هنالك اجمع ان أنت شفيتنى قال انى لا اشفى أحدا انما يشفى اللّه فان آمنت باللّه دعوت اللّه فشفاك فآمن باللّه فشفاه اللّه فاتى الملك فجلس اليه كما كان يجلس فقال الملك من رد عليك بصرك قال ربى فقال أولك رب غيرى قال ربى وربك اللّه فأخذه فلم يزل يعذبه حتى دل على الغلام فجيئ بالغلام فقال له الملك اى بنى قد بلغ من سحرك ما تبرئ به الاكمه والابرص وتفعل وتفعل يعنى تداوى مرضا كذا وتداوى كذا فقال اى الغلام انى لا اشفى أحدا انما يشفى اللّه فأخذه فلم يزل يعذبه حتى دله على الراهب فجيئ بالراهب فقيل ارجع عن دينك فأبى فدعا بالمنشار فى مفرق رأسه فشقه به حتى وقع شقاه ثم جيئ بجليس الملك فقيل له ارجع عن دينك فأبى فوضع المنشار فى مفرق رأسه فشقه به حتى وقع شقاه ثم جيئ بالغلام فقيل ارجع عن دينك فأبى فدفعه الى نفر من اصحابه فقال لهم اذهبوا به الى جبل كذا وكذا فاصعدوا به الجبل فاذا بلغتم ذروته فان رجع عن دينه والا فاطرحوه فذهبوابه فصعدوا به الجبل فقال اى الغلام اللهم اكفنيهم بما شئت يعنى ادفع عنى شرهم بأى سبب شئت فرجف بهم الجبل فسقطوا وجاء يمشى الى الملك فقال له الملك ما فعل اصحابك قال كفانيهم اللّه فدفعه الى نفر من اصحابه فقال اذهبوا به فاحملوه فى قرقور أى سفينة صغيرة فتوسطوا به البحر فان رجع عن دينه والا فاقذفوه فذهبوا به فقال اللّه اكفنيهم بما شئت فانكفأت بهم السفينة اى مالت وانقلبت فغرقوا وجاء يمشى الى الملك فقال له الملك فما فعل اصحابك قال كفانيهم اللّه فقال للملك انك لست بقاتلى حتى تفعل ما آمرك به قال وما هو قال تجمع الناس فى صعيد واحد اى ارض بارزة وتصلبنى على جذع ثم خذ سهما من كنانتى وهى التى يجعل فيها السهام ثم ضع السهم فى كبد القوس وهو مقبضها عند الرمى ثم قل بسم اللّه رب الغلام ففعل كما قال الغلام ثم رماه فوقع السهم فى صدغه وهو ما بين العين والاذن فوضع يده على صدغه فى موضع السهم فمات فقال الناس آمنا برب الغلام آمنا برب الغلام آمنا برب الغلام فأتى الملك فقيل له يعنى أتى الملك آث فقال أرأيت ما كنت تحذر واللّه قد نزل بك حذرك اى واللّه قد نزل بك ما كنت تحذر منه وتخاف قد آمن الناس فأمر بالاخدود أى بحفر شق مستطيل فى أفواه السك اى فى أبواب الطرق فخدت اى شقت واضرم النيران اى اوقدها واشعلها وقال من لم يرجع عن دينه فاقحموه فيها اى فاطرحوه فيها كرها ففعلوا حتى جاءت امرأة ومعها صبى رضيع لها فتقاعست اى تأخرت أن تقع فيها فقال لها الغلام يا أما اصبرى فانك على الحق وفى اهلى اى منعونى واذا خشيت اهلك فقل حبسنى الساحر فبينما هو كذلك اذ أتى على دابة عظيمة بعض الروايات كان للمرأة ثلاثة اولاد أحدهم رضيع فقال لها الملك ارجعى عن دينك والا ألقيتك واولادك فى النار فأبت فأخذ ابنها الاكبر فألقاه فى النار ثم قال لها ارجعى عن دينك فأبت فألقى ابنها الاوسط ثم قال ارجعى عن دينك فأبت فأخذوا الصبى ليلقوه فيها فهمت بالرجوع فقال الصبى يا اماه لا ترجعى عن الاسلام فانك على الحق ولا بأس عليك وفى كشف الاسرار فان بين يديك نارا لا تطفأ فألقى الصبى فى النار وامه على اثره وكان هو ممن تكلم فى المهد وهو رضيع وقد سبق عددهم فى سورة يوسف وكانت هذه القصة قبل مولده عليه السلام بتسعين سنة وفيما ذكر من الحديث اثبات كرامات الاولياء وجواز الكذب عند خوف الهلاك سوآء كان الهالك هو الكاذب او غيره وروى ان خربة اختفرت فى زمن عمر بن الخطاب فوجد الغلام الذى قتله الملك وأصبعه على صدغه كما وضعها حين قتل وفى بعض التفاسير فوجدوا عبد اللّه بن الثامر واضعا أصبعه على صدغه فى رأسه اذا اميطت يده عنها سال دمه واذا تركت على حالها انقطع وفى يده خاتم من حديد فيه ربى اللّه فكتبوا الى عمر بن الخطاب رضى اللّه عنه ان ذلك الغلام صاحب الاخدود فأتركوه على حاله حتى يبعثه اللّه يوم القيامة على حاله وعن على رضى اللّه عنه ان بعض الملوك المجوس وقع على اخته وهو سكران فلما صحا ندم وطلب المخرج فأمرته ان يخطب الناس فيقول ان قد أحل نكاح الاخوات ثم يخطبهم بعد ذلك وبقول ان اللّه حرمه فخطب فلم يقبلوا منه فقالت له ابسط فيهم السوط ففعل فلم يقبلوا فأمرته بالاخاديد وايقاد النار وطرح من أبى فيها فهم الذين أرادهم تعالى بقوله قتل اصحاب الاخدود. ٥ { النار } بدل اشتمال من الاخدود لان الاخدود مشتمل على النار وهو بها يكون مهيبا مشتد الهول والتقدير النار فيه او أقيم ال مقام الضمير على اختلاف مذهبى البصرى والكوفة { ذات الوقود } خداوند آتش باهيمه يعنى افروخته بهيزم . هو يفتح الواو ما يوقد به وفيه وصف لها بغاية العظم وارتفاع اللهب وكثرة ما يوجبه من الحطب وابدان الناس ما يدل عليه التعريف الاستغراقى ولو لم يحمل على هذا المعنى لم يظهر فائدة التوصيف اذ من المعلوم ان النار لا تخلو من حطب. ٦ { اذ هم عليها قعود } ظرف لقتل والضمير لاصحاب الاخدود وقعود جمع قاعد اى لعنوا حين احرقوا بالنار قاعدين حولاه فى مكان مشرف عليها من حافات الاخدود ولفظ على مشعر بذلك تقول مررت عليه مستعليا بمكان يقرب منه وفى بعض التفاسير على سرر وكراسى قعود عند النار ولو قعدوا على على نفس النار لاحترقوا فالقاتلون كانوا جالسين فى مكان مشرف او نحوه ويعرضون المؤمنين على النار فمن كان يترك دينه تركوه ومن كان يضر ألقوه فى النار وأحرقوه وكان عليه السلام اذا ذكر اصحاب الاخدود تعوذ باللّه من جهد البلاء وهو الحالة التى يختار عليها الموت او كثرة العيال والفقر كما فى القاموس والجهد بالفتح المشقة وجهد عيشه كفرح نكد واشتد. ٧ { وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود } جمع شاهد أى يشهد بعضهم لبعض عند الملك بأن احدا لم يقصر فيما امر به وفوض اليه من التعذيب الاحراق من غير ترحمن واشفاق او أنهم شهود يشهدون بما فعلوا بالمؤمنين يوم القيامة يعنى تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم أرجلهم بما كانوا يعملون هذا هو الذى يستدعيه النظم الكريم وتنطق به الروايات المشهورة وقد ذهب بعضهم الى ان الجبابرة لما القوا المؤمنين فى النار وهم قعود حولها علقت بهم النار وفى رواية ارتفعت فوقهم اربعين ذراعا فوقعت عليهم فأخرقتهم ونجى اللّه المؤمنين سالمين ولا يحيق المكر السيئ الا بأهله وقبض اللّه ارواحهم قبلى ان تمسهم النار كما فعل ذلك بآسية امرأة فرعون على ما سبق وعلى ذلك حملوا قوله تعالى ولهم عذاب الحريق اى لهم عذاب جهنم فى الآخرة ولهم عذاب الحريق فى الدنيا وفيه اشارة الى النفوس المتمردة الشاردة النافرة عن جناب الحق المستحقة لأخاديد النيران والخذلان والخسران الموقدة بأحطاب اخلاقهم الرديئة المؤصدة بأحجار أوصافهم الخبثة النفسية الهوآئية اذ هم عليها قعود بارتكاب الشهوات ونكبابهم على اللذات والنفس والهوى وقواهم الطبيعية يشهد بعضهم على بعض بما يفعلون بمؤمنى الروح والسر والقلب من الملخالفة والمجادلة والمخاصمة. ٨ { وما نقموا منهم } اى وما انكروا من المؤمنين وما عابوا يقال نقم الامر اذا عابه وكرهه وفى المفردات نقمت الشئ اذا انكرته اما باللسان واما بالعقوبة. { الا ان يؤمنوا اللّه العزيز الحميد } قال بلفظ المضارع مع ان الايمان وجد منهم فى الماضى لارادة الاستمرار والدوام عليه فانهم ما عذبوهم لايمانهم فى الماضى بل لدوامهم عليه فى الآتى ولو كفروا فى المستقبل لم يعذبوا على ما مضى فكانه قيل الا ان يستمروا على ايمانهم واما قوله تعالى حكاية وما تنقم منا الا ان آمنا بآيات ربنا فلان مجرد ايمان السحرة بموسى عليه السلام كان منكرا واجب الانتقام عندهم والاستثناء مفرغ مفصح عن براءتهم مما يعاب وينكر بالكيلة على منهاج قوله ولا عيب فيهم غير أن ضيوفهم ... ثلام بنسيان الاحبة والوطن فى ان ما انكروه ليس منكرا فى الواقع وغير حقيق الانكار كما ان ما جعله الشاعر عيبا ليس عيبا ولا ينبغى ان يعد عيبا ولا يضر ذلك كون الاستثناء فى قول الشاعر مبنيا على الادعاء بخلاف ما فى نظم القرءآن فانهم انكروا الايمان حقيقة ووصفه تعالى بكونه عزيز غالبا يخشى عقابه حميدا منعما يرجى ثوابه وتأكيد ذلك بقوله ٩ { الذى له ملك السموات والارض } للاشعار بمناط ايمانهم والملك بالفارسية بادشاهى . وأخر هذه الصفة لان الملك التام لا يحصل الا عند حصول الكمال فى القدرة التى دل عليها العزيز وفى العلم الذى دل عليه الحميد لان من لا يكون تام العلم لا يمكنه ان يفعل الافعال الحميدة وفى كشف الاسرار وانما وصف ذاته بهذه الصفات ليعلم انه لم يمهل الكفار لاجل أنه غير قادر لكنه أراد أن يبلغ بهؤلاء المؤمنين مبلغا من الثواب لم يكونوا يبلغونه الا بمثل ذلك الصبر وان يعاقب اولئك الكافرين عقابا لم يكونوا يستوجبونه الا بمثل ذلك الفعل وكان قد جرى بذلك قضاؤه على الفريقين جميعا فى سابق تدجبيره وعلمه وفيه تشنيع على الكفار بغاية جهلهم حيث عد واما هو منقبة هى سبب المدح منقصة هى سبب القدح. { واللّه على كل شئ شهيد } وخدا رهمه جيزها ازافعال واقوال مؤمن وكافر كواهست وبآن دانا . وهو وعد لهم ووعيد شديد لمعذبيهم فان علمه تعالى بجميع الاشياء التى من جملتها أعمال الفريقين يستدعى توفير جزآء كل منهما حتما قال الامام القشيرى الشهيد العليم ومنه قوله تعالى شهد اللّه اى علم اللّه والشهيد الحاضر وحضوره بمعنى علمه ورؤيته وقدرته والشهيد مبالغة من الشاهد واذا علم العبد أن اللّه تعالى شهيد يعلم أفعاله ويرى أحواله سهل عليه ما يقاسيه لاجله ( حكى ) ان رجلا كان يضرب بالسيات وهو يصبر ولا يصبح فقال له بعض الحاضرين أما يؤلمك الضرب فقال نعم قال فلم لا تصيح قال فى الحاضرين لى محبوب يرقبنى فأخاف أن يذهب ماء وجهى عنده ان صحت فمن ادعى محبة الحق ولم يصبر على قرص نملة او بعوضة او ادنى أذية كيف يكون صادقا فى دعواه ولذا قالوا دلت القصة على ان المكره على الكفر بنوع من العذاب الاولى أن يصبر على ما خوف منه وان كان اظهار الكفر كالرخصة فى ذلك ( حكى ) ان مسيلمة الكذاب أخذ رجلين من أصحاب النبى عليه السلام فقال لاحدهما تشهد أنى رسول اللّه فقال نعم فتركه وقال للآخر مثله فقال لا بل أنت كذاب فقتله فقال النبى عليه السلام ( اما الذى تركه فأخذ بالرخصة فلا تبعة عليه واما الذى صبر فأخذ بالفضل فهنيئا له ) وفى التأويلات النجمية واللّه على كل شئ من سموات الارواح وأرض الاشباح والاجساد شهيد اى حاضر لمظهرية الكل وظهوره فيا ذاتا وصفات واسماء لاستلزام الذات جميع التوابع الوجودية. ١٠ { ان الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات } الفتن الاحراق والفتنة بالفارسية آزون . اى محنوهم فى دينهم وآذوهم وعذبوهم بأى عذاب كان ليرجعوا عنه كاصحاب الاخدود ونحوهم كما روى ان قريشا كانوا يعذبون بلالا ونحوه فالموصول اللجنس وانما لم يدفع البلاء قبل الابتلاء لان أهل الولاء لا يخلو عن البلاء وهيهات هيهات الصفاء لعاشق ... وجنة عدن بالماكره حفت { ثم } اى بعدما فعلوا ما فعلوا من الفتنة { لم يتوبوا } اى عن كفرهم وفتنتهم فان ما ذكر من الفتنة فى الدين لا يتصور من دين الكافر قطعا وفى ايراد ثم اشعار بكمال حلمه وكرمه حيث لا يعجل فى القهر وقبل التوبة وان طالبت مدة الحوية قال الامام وذلك يدل على ان توبة القاتل عمدا مقبولة. { فلهم } فى الآخرة بسبب كفرهم { عذاب جهنم } يعذبون به أبدا { ولهم } بسبب فتنتهم للمؤمنين { عذاب الحريق } او عذاب عظيم زآئد فى الاحراق على عذاب سائر أهل جهنم فظهرت المغايرة بين المعطوفين وان كان كل منهما حاصلا فى الآخرة ويحتمل أن يكون المراد بعذاب جهنم بردها وزمهريرها وبعذاب الحريق حرها فيرددون بين برد وحر على أن يكون الحر لاحراقهم المؤمنين فى الدنيا والبرد لغيره كما قالوا الجزآء من جنس العمل والحريق اسم بمعنى الاحتراق كالحرقة وقول الكاشفى فى تفسيره عذاب الحريق عذاب آتش سوزان . يشير الى ان الحريق بمعنى النار المحرقة كما قال فى المفردات الحريق النار وكذا الحرق بالتحريك بالنار أو لهبها كما فى القاموس وحرق الشئ ايقاع حرارة فى الشئ من غير لهب كحرق الثوب بالدق والاحراق ايقاع نار ذات لهب فى شئ ومنه استعير أحرقنى بلومه اذا بالغ فى أذيته بلوم يقول الفقير الظاهر أن الحريق هنا بمعنى المحرق كالأليم بمعنى المؤلم فيكون اضافة العذاب الحريق من قبيل اضافة الموصوف الى صفته ويستفاد زيادة الاحراق من المقابلة فان العطف من باب الترقى بحسب العذاب المترتب على الترقى من حيث العمل. ١١ { ان الذين آمنوا وعملوا الصالحات } على الاطلاق من المفتونين وغيرهم { لهم } بسب ما ذكر من الايمان والعمل الصالح الذى من جملته الصبر على أذى الكفار واحراقهم وايراد الفاء اولا وتركها ثانيا يدل على جواز الامرين { جنات } يجازون بها بمقابلة النار ونحوها { تجرى من تحتها الانهار } يجازون بذلك بمقابلة الاحتراق والحرارة ونحو ذلك قال فى الارشاد ان أريد بالجنات الاشجار فجريان الانهار من تحتها ظاهر وان أريد بها الارض المشتملة عليها فالتحتية باعتبار جريها الظاهر فان اشجارها ساترة لساحتها كما يعرب عنه اسم الجنة . { ذلك } المذكور العظيم الشان وهو حصول الجنان { الفوز الكبير } الذى تصغر عنده الدنيا وما فيها من فنون الرغائب بحذافيرها فالحصر اضافى قال فى برهان القرءآن ذلك مبتدأ والفوز خبره والكبير صفته وليس له فى القرءآن نظير والفوز النجاة من الشر والظفر بالخير فان أشير بذلك الى الجنات نفسها فهو مصدر أطلق على المفعول مبالغة والا فهو مصدر على حاله قال الامام انما قال ذلك الفوز ولم يقل تلك لدقيقة لطيفة وهى ان قوله ذلك اشارة الى اخبار اللّه بحصول هذه الجنات ولو قال تلك لكانت الاشارة الى نفس الجنات واخبار اللّه عن ذلك يدل على كونه راضيا والفوز الكبير هو رضى اللّه لا حصول الجنة يقول الفقير وعندى ان حصول الجنات هو الفوز الكبير وحصول رضى اللّه هو الفوز الاكبر كما قال تعالى ورضوان من اللّه اكبر وانما لم يقل تلك لان نفس الجنات من حيث هى ليست بفوز وانما الفوز حصولها ودخولها. ١٢ { ان بطش ربك لشديد } استئناف خوطب به النبى عليه السلام ايذانا بأن لكفار قومه نصيبا موفورا من مضمونه كما ينبئ عنه التعرض لعنوان الربوبية مع الاضافة الى ضميره عليه السلام والبطش تناول الشئ بصولة والأخذ بعنف يقال يد باطشة وحيث وصف بالشدة فقد تضاعف وتفاقم وهو بطشه بالجبابرة والظلمة وأخذ اياهم بالعذاب والانتقام وان كان بعد امهال فانه عن حكمة لا عن عجز. ١٣ { انه هو } وحده { يبدئ ويعيد } اى يبدئ الخلق ويخرجهم من العدم الى الوجود ثم يميتهم ويعيدهم احياء للمجازاة على الخير والشر من غير دخل الأحد فى شئ منهما ففيه مزيد تقدير لشدة بطشها وهو يبدئ البطش بالكفرة فى الدنيا ويعيده فى الآخرة يعنى آشكاره كند بطش خودرا بركافران دردنيا وبازكرداندهم آنرا بديشان درآخرت واين نشانهء عدلست . اى يبدئ البطش او العذب فى الآخرة ثم يعيده فيها كقوله تعالى كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها قال ابن عباس رضى اللّه عنهما ان أهل جهنم تأكلهم النار حتى يصيروا فيها فحما ثم يعيدهم خلقا جديدا فهو المراد من الآية وقال حذيفة بن اليمان رضى اللّه عنه اسر الى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حديثا فى النار فقال يا حذيفة ان فى جهنم لسباعا من نار وكلابا من نار وسيوفا من نار وكلاليب من نار وانه يبعث ملائكة يعلقون أهل النار بتلك الكلاليب بأحناكهم ويقطعونهم بتلك السيوف عضوا عضوا ويلقوناه الى تلك السباع والكلاب كلما قطعوا عضوا عاد آخر مكانه غضا طريا او يبدئ من التراب ويعيده فيه او من النطفة ويعيده فى الآخرة يقال بدأ اللّه الخلق وأبدأهم فهو بادئهم ومبدئهم بمعنى واحد والمبدئ المظهر ابتدآء والمعيد المنشئ بعد ما عدم فالاعادة ابتدآء ثان. قال الامام الغزالى رحمه اللّه المبدئ المعيد معناه الموجد لكن الايجاد اذا لم يكن مسبوقا بمثله يسمى ابدآء وان كان مسبوقا بمثله يسمى اعادة واللّه تعالى بدأ خلق الانسان ثم هو الذى يعيدهم اى يحشرهم فالاشياء كلها منه بدت واليه تعود وبه بدت وبه نعود وفى المفردات واللّه هو المبدئ والمعيد اى هو السبب فى المبدأ والنهاية وقال بعضهم الابدآء هو الاظهار على وجه التطوير المهيئ للاعادة وهى الرجوع على مدرج تطوير الابدآء فهو سبحانه بدأ الخلق على حكم ما يعيدهم عليه فسمى بذلك المبدئ المعيد وانما قيل فيهما انهما اسم واحد لان معنى الاول يتم بالثانى وكذا كل اسم لا يتم معناه فيما يرجع الى كمال اسماء اللّه الا باسم يتم به معناه قال الامام القشيرى رحمه اللّه ان اللّه تعالى يبدئ فضله واحسانه لعبيده ثم يعيده ويكرره فان الكريم من يرب صنائعه وخاصية الاسم المبدئ أن يقرأ على بطن الحامل سحرا تسعا وعشرين مرة فان ما فى بطنها يثبت ولا يزلق وخاصية الاسم المعيد يذكر مرارا التذكار المحفوظ اذا نسى لا سيما اذا أضيف له الاسم المبدئ. ١٤ { وهو لغفور } لمن تاب عن الكفر وآمن وكذا لمن تاب عن غيره من المعاصى ولمن لم يتب أيضا ان شاء { الودود } المحب لمن أطاع او تاب كما قال ان اللّه يحب التوابين واين نشأته فضل است بعدل وكذارد ونابود سازد وبفضل بنوازد وبرافرازد فضل اودلنواز غمخواران ... عدل او سينه سوز جباران عمر بن الخطاب رضى اللّه عنه در تخانه مقبول وسيئات او مغفور كه وهو الغفور الودود وعبد اللّه بن أبى در مسجد مخذول وحسنات او مردود كه ان بطش ربك لشديد . فالودود فعول بمعنى الفاعل ههنا وهو الذى يقتضيه المقام وقال سهل رحمه اللّه الودود المحب الى عباده باسباغ النعم عليهم ودوام العافية فيكون بمعنى المفعول لانه يحبه عباده الصالحون ومحبة العبد لله طاعته له وموافقته لامره او تعظيمه له وهيبته فى قلبه واجمع أهل الحقيقة ان كل محبة تكون عن ملاحظة عوض فهى معلولة بل المحبة الصحيحة هى المحبة الصافية عن كل طمع والاثران اللّه تعالى يقول ان أود الاودآء الى من عبدنى لغير نوال لكن ليعطى الربوبية حقها قال بعض الكبار العشق التفاف الروحين والحب صفاء ذلك الالتفات وخلوصه والود ثباته وتمكنه من القلب والهوى اول وقوع الحب فى القلب وفى التأويلات النجمية الودود لمن يتوجه اليه بالمحبة على سنة من تقرب الى شبرا تقريب اليه زراعا فمن قرب اليه بالمحبة تقرب اليه بالود لان الود أثبت فى أرض القلب من المحبة لاشتقاقه من الوتد انتهى قال فى القاموس الود الوتد وقال الامام الغزالى رحمه اللّه الودود هو الذى يحب الخير الجميع الخلق فيحسن اليهم ويثنى عليهم وهو قريب من تستدعى مرحوما ضعيفا وأفعال الودود لا تستدعى ذلك بل الانعام على سبيل الابتدآء من نتائج الود كما ان معنى رحمتة تعالى ارادته الخير للمرحوم وكفايته له وهو منزه عو رقة الرحمة فكذلك وده ارادته للكرامة والنعمة وهو منزه عن ميل المودة والودود من عباد اللّه من يريد لخلق اللّه كل ما يريده لنفسه وأعلى من ذلك من يؤثرهم على نفسه كمن قال منهم أريد أن اكون جسرا على النار يعبر على الخلق ولا يتأذون بها وكمال ذلك أنلا يمنعه من الايثار والاحسان الحقد والغضب وما يناله من الأذى كما قال عليه السلام حين كسرت رباعيته ودمى وجهه وضرب ( اللهم اغفر لقومى فانهم لا يعلمون ) فلم يمنعه سؤء صنيعهم عن ارادة الخير لهم وكما أمر عليه السلام عليا رضى اللّه عنه حيث قال ( ان أردت أن تسبق المقربين فصل من قطعك وأعط من حرمك واعف عمن ظلمك ) وخاصية الاسم الودود ثبوت الوداد لا سيما بين الزوجين فمن قرأه ألف مر على طعام واكله مع زوجته غلبتها محبته ولم يمكنها سوى طاعته وقد روى انه اسم اللّه الاعظم فى دعاء التاجر الذى قال فيه يا ودود يا ذا العرش المجيد يا مبدئ يا معيد أسألك بنور وجهك الذى ملأ اركان عرشك وبقدرتك التى قدرت بها على جميع خلقك وبرحمتك التى وسعت كل شئ لا اله الا أنت يا مغيث أغثنى يا مغيث أغثنى يا مغيث أغثنى الحديث قد ذكره غير واحد من الائمة. يقول الفقير كنت اذكر فى السحر الاعلى يا ودود وذلك بلسان القلب فصدر منى بلا اختيار أن اقول يا رب اجعلنى محيطا فعرفت ان للاسم المذكور تأثيرا عظيما فى الاحاطة وذلك ان الودود بمعنى المحبوب ولا شك ان جميع الاسماء الهية يود الاسم الاعظم ويميل اليه فالاسم الاعظم ودود بمعنى المفعول وغيره ودود بمعنى الفاعل فمن ذكره كان ودودا بمعنى المودود فيحبه جميع المظاهر فيحصل له الاحاطة باسرار جميع الاسماء ويصل اليه جميع التوجهات. ١٥ { ذو العرش } خالقه وقيل المراد بالعرض الملك مجازا اى ذو السلطنة القاهرة على المخلوقات السفلية والمخترعات العلوية وان لم يكن على السرير ويقال قل عرش فلان اذا ذهب سلطانه { المجيد } هو الشريف ذاته الجميل أفعاله الجزيل عطاؤه نواله فكان شرف الذات اذا قارنه حسن افعال سمى مجيدا وهو الماجد أيضا ولكن أحدهما دل على المبالغة وكأنه يجمع من اسم الجليل واسم الوهاب والكى قال فى القاموس المجيد الرفيع العال والكريم والشريف الفعال ومجده عظمه وأثنى عليه والعطاء كثره والتمجيد ذكر الصفات الحسنة وقرئ بالكسر صفة للعرش ومجد العرش علوه فى الجهة وعظم مقداره وحسن صورته وتركيبه فانه أحسن الاجسام تركيبا وصورة وفى الحديث ( ما الكرسى فى جنب العرش الا كحلقة ملقاة فى أرض فلاة ) فاذا كان الكرسى كذلك مع سعته فما ظنك بسائر الاجرام العلوية والسفلية قال سهل رحمه اللّه ظهر اللّه العرش اظهارا للقدرة لا مكانا للذات ولا احتياجا اليه قال بعضهم ومن العجب ان اللّه لو ملأ العرش مع تلك السعة من حبوب الذرة وخلق طيرا اكل حبة واحدة منها فى ألف سنة لنفدت الحبوب ولا تنقطع مدة الآخرة ومع هذا لا يخاف بنوا آدم من عذاب تلك المدة ويضيعون أعمارهم فى شئ حقير سريع الزوال وفيه اشارة الى قلب العارف المستوى للرحمن كما جاء فى الحديث ( قلب العارف عرش اللّه ) ومجده هو أنه ما وسع ذلك الواسع المجيد غيره وخاصية هذا الاسم تحصيل الجلالة والمجد والطهارة ظاهرا وباطنا حتى فى عالم الابدان والصور فلقد قالوا اذا صام الابرص اياما وقرأه كل ليلة عند الافطار كثيرة فانه يبرأ باذن اللّه تعالى اما بلا سبب او بسبب يفتح اللّه له به. ١٦ { فعال لما يريد } بحيث لا يتخلف عن ارادته مراد من أفعاله تعالى وأفعال غيره فيكون دليلا لاهل الحق على انه لا يتخلف شئ عن ارادته وهو خبر مبتدأ محذوف وانما قال فعال مبالغة فاعل لان ما يريد ويفعل فى غاية الكثرة من الاحياء والاماتة والاعزاز والاذلال والاغناء والاقتار والشفاء والامراض والتقريب والتبعيد والعمارة والتخريب والوصل والفرق والكشف والحجاب الى غير ذلك من شؤونه وفى التأويلات النجمية فعال لما يريد بالمؤمن والكافر وأرباب الارواح والاسرار والقلوب وأصحاب النفوس وأهل الهوى ان أراد أن يجعل أرباب الرواح من أرباب النفوس فهو قادر على ذلك وهو عادل فى ذلك وان أراد عكس ذلك فهو كذلك وهو مفضل فى ذلك يحجب من يريد بجلاله كالمنكرين ويتجلى لمن يريد بجماله كالمقربين ويعامل لمن يريد بافاضة كماله كالعارفين قال القفال يدخل اولياءه الجنة لا يمنعه مانع ويدخل اعدآءه النار لا ينصرهم ناصر ويمهل بعض العصاة على ما يشاء الى أن يجازيهم ويعاجل بعضهم بالقوبة اذ شاء فهو يفعل ما يريد ( روى ) ان أناسا دخلوا على أبى بكر الصديق رضى اللّه عنه يعودونه فقالوا الا نأتيك بطبيب قال قد رآنى قالوا فما قال لك قال انى فعال لما أريد .. ١٧ { هل أتاك } آيا آمد بتو . اى قد أتاك لان الاستفهام للتقرير { حديث الجنود } اى خبر الجموع الكافرة التى تجندت على الانبياء فى الماضى وخبرهم ما صدر عنهم من التمادى فى الكفر والضلال وما حصل بها من العذاب والنكال. ١٨ { فرعون وثمود } بدل من الجنود يعنى مع انه غير مطابق ظاهرا للمبدل منه فى الجمعية لان المراد بفرعون هو وقومه وقد يجعل من حذف المضاف بمعنى جنود فرعون اى هل اتاك حديثهم وعرفت ما فعلوا من التكذيب وما فعل بهم من التعذيب فذكر قومك بشؤون اللّه وأنذرهم أن يصيبهم مثل ما أصاب أمثالهم وقد كانوا سمعوا قصة فرعون وجنوده قوم موسى عليه السلام ورأوا آثار هلاك ثمود قوم صالح عليه السلام لانها كانت فى ممرهم وفى بلادهم وأخر ثمود مع تقدمه على فرعون زمانا لرعاية الفواصل قال القاشانى هل أتاك حديث المحجوبين اما بالانانية كفرعون ومن يدين بدينه او بالآثار والاغيار كثمود ومن يتصل بهم. ١٩ { بل الذين كفروا } من قومك { فى تكذيب } اضراب عن مماثلتهم لهم وبيان لكونهم اشد منهم فى الكفر والطغيان وتنكير تكذيب للتعظيم كأنه قيل ليسوا مثلهم فى لك بل هم اشد منهم فى استحقاق العذاب واستيجاب العقاب فانهم مستقرون فى تكذيب شديد للقرءآن الناطق بذلك لكن لانهم يكذبون بوقوع الحادثة بل يكذبون كون ما نطق به قرءآنا من عند اللّه مع وضوع أمره وظهور حاله بالبينات الباهرة وفى التأويلات النجمية فى تكذيبا لاشمال خلقهم وجبلتهم على صفة الكذب والتكذيب وأمن جبل على صفة لا يقدر على مفارقتها الا القليل من الكمل كما قال تعالى فمن لم يجعل اللّه له نورا اى فى الاستعداد فما له من نور. خوى بد در طبيعتى كه نشست ... نرهد جز بوقت مرك ازدست وفيه اشارة الى تكذيب المنكرين لاهل الحق ووقوفهم مع حالهم واحتجابهم عن حال من فوقهم. ٢٠ { واللّه من ورائهم } من خلفهم { محيط } بهم بالقدرة وهو تمثيل العدم نجاتهم من بأس اللّه بعدم فوت المحاط المحيط اذا سد عليه مسلكه بحيث لا يجد هربا منه وفى التأويلات النجمة محيط والمحيط لا يفوته المحاط ولا يفوت المحيط شئ لاحاطة اللّه سبحانه عند العارفين بالكافرين من الموجودات كلها عبارة عن تجليه بصور الموجودات فهو سبحانه بأحدية جميع اسمائه سار فى الموجودات كلها ذاتا وحياة علما وقدرة الى غير ذلك من الصفات والمراد باحاطته تعالى هذه السراية ولا يعزب عنه ذرة فى السموات والارض وكل ما يعزب عنه يلتحق بالعدم وقالوا هذه الاحاطة ليس كاحاطة الظرف بالمظروف ولا كاحاطة الكل باجزآئه ولا كاحاطة الكلى بجزيئاته بلى كاحاطة الملزوم بلازمه فان التعينات اللاحقة لذاته المطلقة انما هى لوازم له بواسطة او بغير واسطة وبشرط او بغير شرط ولا تقدح كثرة اللوازم فى وحدة الملزوم ولا تنافيها واللّه أعلم بالحقائق. ٢١ { بل هو قرآن مجيد } اى ليس الامر كما قالوا بل هذا الذى كذبوا به قرءآن شريف عالى الطبقة فيما بين الكتب الالهية فى النظم والمعنى متضمن للمكارم الدنيوية والاخروية. ٢٢ { فى لوح محفوظ } اى من التحريف ووصول الشياطين اليه واللوح كل صحيفة عريضة خشبا او عظما كما فى القاموس قال الراغب اللوح واحد ألواح السفينة وما يكتب فيه من الخشب ونحوه والمراد به هنا ما قال ابن عباس رضى اللّه عنهما ان اللّه خلق لوحا محفوظا من درة بيضاء دفتاه يا قوته حمرآء طوله ما بين السماء والارض وعرضه ما بين المشرق والمغرب ينظر اللّه فيه كل يوم ثلاثمائة وستين مرة يحيى ويميت ويعز ويذل ويفعل ما يشاء وفى صدر اللوح لا اله الا اللّه وحده ودينه الاسلام ومحمد عبده ورسوله فمن آمن به وصدق وعده واتبع رسله أخله الجنة وفى التأويلات النجمية بل المتلو المقرء على الكفار والمنافقين قرءآن عظيم مجيد شريف مثبوت فى لوح القلب المحمدى وفى الواح قلوب ورئته الاولياء العارفين المحبين العاشقين محفوظ من تحريف ايدى النفس الكافرة والهوى الماكر وسائر القوى البشرية السارية فى اقطار الوجود الانسانى وقد قال تعالى وانا له لحافظون اى فى صدور الحفاط وقلوب المؤمنين. |
﴿ ٠ ﴾