سُورَةُ الْفَجْرِ مَكِّيَّةٌ

وَهِيَ ثَلاَثُونَ آيَةً

١

{ والفجر } قال فى كشف الاسرار لما كان العرب اكثر خلق اللّه قسما فى كلامهم جاء القرءآن على عادتهم فى القسم والفجر فجران مستطيل كذنب السرحان وهو الكاذب ولا يتعلق به حكم ومستطير وهو الصادق الذى يتعلق به الصوم والصلاة أقسم اللّه بالفجر الذى هو اول وقت ظهور ضوء الشمس فى جانب المشرق كما أقسم بالصبح حيث قال والصبح اذا تنفس لما يحصل به من انقضاء الليل بظهور الضوء وانتشار الناس وسائر الحيوانات من الطيور والوحوش فى طلب الارزاق وذلك مشاكل لنشور الموتى وفيه عبرة عظيمة لمن تأمل ( وقال الكاشفى ) سو كند بصبح كه وقت مناجات دوستانست . او أقسم بصباح عرفة لانه يوم شريف يتوجه فيه الحجاج الى جبل عرفات وفى الحديث ( الحج عرفة ) يعنى صباح روز عرفه كه وظائف دعا ونياز حاجبان درآنست . او صباح يوم النحر لانه يوم عظيم ايضا ويقع فيه الطواف المفروض والحلق والرمى ويروى ان يوم النحر يوم الحج الاكبر.

وبقولى مراد از صبح روز اول محرم است كه سال از ومنفجر ميشود يابامداد آذينه كه حج مسكينانست ودر تبيان آورده كه اشارت بانفجار آب از اصابع حضرت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم در روز طائف وغيرآن وكفته اند انفجار ناقة از صخره صالح عليه السلام يا انفجار عيون ومنابع يا انفجار آب از حجر موسى عليه السلام بانفجار مطر از سحاب يا وران شدن اشك ندامت ارديده عاصيان.

بران ازدوسر جشمه ديده جوى ... ولآلايشى دارى ازخود بشوى

٢

{ وليال عشر } هن عشر ذى الحجة والعرب تذكر الليالى وهى تعينها بأيامها تقول بنى هذا البناء ليالى السامانية اى ايامهم او العشر الاواخر من شهر رمضان وتنكيرها للتعظيم لانها مخصوصة بفضائل ليست لغيرها ولذا اقسم اللّه بها وذلك كالاشغال بأعمال الحج فى عشر ذى الحجة وفى الحديث ( ما من ايام ازكى عند اللّه ولا أعظم اجرا من خير عمل فى عشر الاضحى ) قيل يا رسول اللّه ولا المجاهد فى سبيل اللّه قال ولا المجاهد فى سبيل اللّه الارجل خردج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشئ وفيه اشارة الى ان الغازى ينبغى ان يخرج من بيته على قصد أن لا يعود واللّه يفعل ما يريد

واما شرف العشر الاواخر فيكفى اى ليلة القدر التى هى خير من ألف شهر تطلب فيها . وكفته اندمرادده محرم است كه عاشرا از آنست يا دهه ميان شعبان كه شب برآءت درآنست.

وقال البقلى هى ليال ست خلف فى ايامها السموات والارض وليلة خلق فيها آدم عليه السلام وليلة يومها يوم القيامة وليلة كلم اللّه فيها موسى عليه السلام وليلة اسرى بالنبى عليه السلام وقال القاشانى اقسم بالبتدآء ظهور نور الروح على مادة البدن عند اثر تعلقه به وليال عشر ومحال الحواس العشر الظاهرة والباطنة التى تتعلق عند تعلقه به لكونه اسباب تحصيل الكمال وألانها وفى التأويلات النجمية يشير الى القسم بانفجار الحسنة الواحدة من ارض قلب المؤمن وليال الحسنات العشر المشار اليها بقوله من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها وانما سماها بليال لكون ظهور الحسنات العشر من غيب مرتبة احدية الحسنة الواحدة من غير الاكتساب من نهار العمل بل من عالم الغيب بطريق الموهية الالهية.

٣

{ والشفع } بالفارسية جفت . وذلك لان الشفع ضم الشئ الى مثله

{ والوتر } بفتح الواو وكسرها اى شفع هذه الليالى ووترها والظاهر التعميم لان الالف واللام للاستغراق اى الاشياء كلها شفعها ووترها لان كل شئ لا بد ان يكون شفعا او وترا وقال الراغب المخلوقات كلها من حيث انها مركبات كما قال ومن كل شئ خلقنا زوجين فهو الشفع

واما الترف و اللّه تعالى من حيث ان له الوحدة من كل وجهواليه يرجع قول من قال من كبار أهل الحال يشير الى القسم بشفع الكثرة الاسمائية ووتر الوحدة الذاتية الحقيقة ودخل فيها العناصر الاربعة والافلاك التسعة والبروج الاثنا عشر والسيارات السبع وصلاة المغرب وسائرها ويوم النحر لانه عاشر ايام ذى الحجة ويوم عرفه لانه تاسع تلك الايام واليومان بعد يوم النحر واليوم الثالث وآدم وحوآء عليهمالاسلام زوجين ومريم عليها السلام زوجين ومريم عليها السلام وتر والعيون الاثنتا عشر التى فجرها اللّه لموسى عليه السلام والآيات التسع وايام عاد الشفع ولياليها الوتر كما قال تعالى سبع ليال وثمانية ايام والشهر الى يتم بثلاثين يوما والشهر الذى يتم بتسعة وعشرين والاعضاء والقلب والشفتان واللسان والسجدتان والركوع وابواب الجنة وابواب النار ودرجات الجنة ودركات النار وصفات الخلق كالعلم والجهل والقدرة والعجز وارادة والكراهة والحياة والموت وصفات الحق وجود بلا عدم حياة بلا موتع علم بلا جهل قدرة بلا عجز عزيلا ذل ونفس العدد شفعه ووتره والايام والليالى واليوم الذى لا ليلة بعده وهو يوم القيامة وكل بنى له اسمان مثل محمد وأحمد والمسيح وعيسى ويونس وذو النون وكل من له اسم واحد مثل آدم ونوح وابراهيم ومسجد مكة والمدينة وكذا يقال لهما الحرمان الشريفان والمسجد الاقصى والجبلان الصفا والمروة والبيت الحرام والنفس مع الروح فى حالة الجمع وهما فى حالة الافتراق وقال سهل رحمه اللّه الفجر محمد عليه السلام منه تفجرت الانوار وليال عشر هى العشرة المبشرة بالجنة والشفع هو الفرض والوتر هو الاخلاص فى الطاعات.

٤

{ والليل } جنس الليل

{ اذا يسر } اى يمضى وبالفارسة آنكاه كه بكذرد . كقوله والليل اذا ادبر والسرى سير الليل يقال سرى يسرى سرى ومسرى اذا سار عامة الليل وسار يسير سيرا ذهب والتقييد لما فيه من وضوح الدلالة على كمال القدرة وفور النعمة كان جميع الحيوانات اعيد اليهم الحياة بعد الموت وتسببوا بذلك لطلب الارزاق الممدة للحياة الدنيوية التى بتوسل بها الى سعادة الدارين فان قيل القسم بالليل اذا يسر يغنى عن القسم بليال عشر قلنا المقسم به فى قوله والليل اذا يسر هو الليل باعتبار سيره ومضيه وفى قوله وليال عشر هو الليالى بلا اعتبار مضياه بل اعتبار خصوصية اخرى فلا يغنى اخذهما عن الآخر ويجوز أن يكون المعنى والليل اذا يسر يعنى يسرى فيه السارى ويسير فيه السائر فاسناد السرى الى الليل مجاز كما فى نهاره صائم اى هو صائم فى نهاره فالتقييد بذلك لان السير فى الليل حافظ للسائر متن حر الشمس فان السفر مع مقاساة حر النهار أشد على النفس وقد قال النبى عليه السلام ( عليكم بالدلجة فان الارض تطوى فى الليل ) وكذا هو حافظ من شر قطاع الطريق غالا لانهم مشغولون بالنوم فى الليل وحذفت الياء اكتفاء بالكسر ولسقوطها فى خط المصحف ولموافقة رؤوس الآمى وان كان الاصل اثباتها لانها لام فعل مضارع مرفوع وسئل الاخفش عن حذفها فقال اخذ منى سنة فسأله بعد سنة فقال الليل يسرى فيه ولا يسرى فعدل به عن معناه فوجب ان يعدل عن لفظه يعنى ان سقوط الباء ليدل على ان اصل الفعل منفى عن الليل وان كان مسندا الى ضميره كما ان حركة العين فى الحيوان تدل على وجود معنى الحركة فى معنى الحيوان لان للتراكيب خواص بها تخلف وفيه اشارة الى ظلمة البدن اذا ذهبت وزالت بتجرد الروح والى القسم بسريانه ليل الهوية المطلقة فى نهار الحقائق المقيدة كما قال يولج الليل فى النهار ويولج النهار فى الليل برفع المقيدات بسطوات أنوار المطلق والى القسم بليلة المعراج التى اسرى اللّه بعبده فيها فكانت أشرف جميع الليالى لانها ليلة القدر والشرف والقرب والوصال والخطاب ورؤية الجمال المطلق.

٥

{ هل فى ذلك } الخ تقرير وتحقيق لفخامة شأن المقسم بها وكونه امور جليلة حقيقة بالاعظام والاجلال عند ارباب العقول وتنبيه على ان الاقسام بها امر معتد به خليق بان يؤكد به الاخبار على طريقة قوله تعالى وانه لقسم لو تعلمون عظيم كما يقول من ذكر حجة باهرة هل يقيما ذكرته حجة والمعنى هل فيما ذكر من الاشياء المقسم بها

{ قسم } اى مقسم به وفى فتح الرحمن مقنع ومكتفى

{ لذى حجر } لذى عقل منور بنور المعرفة والحقيقة يراه حقيقا بان يقسم به اجلالا وتعظيما والمراد تحقيق ان الكل كذلك وانما اوثرت هذه الطريقة هضما للخلق وايذانا بظهور الامر او هل فى الاقسام بتلك الاشياء اقسام لذى حجر مقبول عنده يعتمد به ويفعل مثله ويؤكد به المقسم عليه وبالفارسية آبادرين سوكندكه ياد كردم سوكندى بسنديده مرخداوند عقل را تا اعتبار كند وداندكه سوكنديست . محقق ومؤكد والحجر العقل لانه يحجر صاحبه اى يمنعه من التهافت فيما لا ينبغى كما سمى عقلا ونهيه بضم النون لانه يعقل وينهى وحصاة ايضا من الاحصاء وهو الضبط قال الفرآء يقال انه لذو حجر اذا كان قاهرا لنفسه ضابطا لها والتنوين فى الحجر للتعظيم قال بعض الحكماء العقل للقلب بمنزلة الروح للجسد فكل قلب لا عقل له فهو ميت بمنزلة قلب البهائم والمقسم عليه محذوف وهو لعذبن اى الكفار كما ينبئ عنه قوله تعالى.

٦

{ ألم تر كيف فعل ربك بعاد } الهمزة للانكار وهو فى قوة النفى ونفى النفى اثبات اى ألم تعلم يا محمد علما يقينيا جاريا مخرجى الرؤية فى الجلاء اى قد علمت باعلام اللّه تعالى وبالتواتر أيضا كيف عذب ربك عادا ونظائرهم فسيعذب كفار قومك ايضا لاشتراكهم فيما يوجبه من الكفر والمعاصى والمراد بعاد أولاد عاد بن عوص بن ارم بن سام بن نوح عليه السلام قوم هود عليه السلام سموا باسم ابيهم كما سمى بنوا هاشم هاشما وبنوا تميم تميما فلفظ عاد اسم للقبيلة المنتسبة الى عاد وقد قيل لاوآئلهم عاد الاولى ولاواخرهم عاد الاخيرة قال عماد الدين بن كثير كل ما ورد فى القرءآن خبر عاد الاولى الا ما فى سورة الاحقاف.

٧

{ ارم } عطف بيان لعاد للايذان بأنهم عاد الاولى بتقدير مضاف اى سبط ارم اوأهل ارم على ما قيل من ان ارم اسم بلدتهم او ارضهم التى كانوا فيها وكانت منازلهم بين عمان الى حضر موت وهى بلاد الرمال والاحقاف ويؤيده القرآءة بالاضافة واياما كان فامتناع صرفها للتعريف والتأنيت وفى المفردات الآرام اعلام تبنى من الحجارة وارم ذات العماد اشارة الى اعلامها المرفوعة المزخرفة على هيئة المنارة او على هيئة القبور وفيه ايضا حذف مضاف بمعنى أهل الاعلام

{ ذات العماد } صفة لارم واللام للجنس الشامل للقيل والكثير والماد كالعمود والجمع عمد وعمد بفتحتين وبضمتين واعمدة اى ذات القدود الطوال على تشبيه قاماتهم بالاعمدة او ذات الخيام والاعمدة حيث كانوا بدويين أهل عمد يطلبون الكلأ حيث كان فاذا هاجت الريح ويبس العشب رجعوا الى منازلهم او ذات البناء الرفيع وكانوا ذات ابنية مرفوعة على العمد وكانوا يعالجون الاعمدة فينصبونها ويبنون فوقها القصور وكانت قصورهم ترى من ارض بعيدة او ذات الاساطين اذ كانت مدينتهم ذات ابنية مرفوعة على الاسطوانات على ان ارم اسم بلدتهم وقال السهيلى رحمه اللّه ارم ذات العماد وهو جيرون بن سعد بن ارم وهو الذى بنى مدينة دمشق على عمد من رخام ذكر أنه ادخل فيها اربعمائة ألف عمود واربعين ألف عماد من رخام فالمراد هذه العماد التى كان البناء عليها فى هذه المدينة وكانت تسمى جيرون وبه تعرف وسميت دمشق بدمشق بن نمرود عدو ابراهيم الخليل عليه السلام وكان دمشق قد اسلم وبنى جامع ابراهيم فى الشأم انتهى لعل هذه الرواية أصح فليتأمل.

٨

{ التى لم يخلق مثلها فى البلاد } صفة اخرى لارم والضمير لها على انها اسم القبيلة اى لم يخلق مثلهم فى عظم الاجرام والقوة فى الآفاق والنواحى حيث كان طول الرجل منهم اربعمائة ذراع وكان يأتى الصخرة العظيمة فيحملها ويلقيها على الحى فيهلكهم ولذا كانوا يقولون من اشد منا قوة ونظيرهم فى الطيور الرخ وهو طير فى جزآئر الصين يكون جناحه الواحد عشرة آلاف باع يحمل حجرا فى رجله كالبيت العظيم ويلقيه على السفينة فى البحر او لم يخلق مثل مدينتهم فى جميع بلاد الدنيا فالضمير لها على انها اسم البلدة.

وقصة آن بر سبيل اجمال آنست كه عبد اللّه بن قلا به بطلب شترى كم شده صحراى عدن ميكشت دربيابانى بشهرى رسيد كه باره محكم داشتكه اساس آن ازجزع يمانى وبر حوالئ آن قصور بسيار بودباميد آنكه كسى بيندواحوال شترخود نيافت متحيرشد وجون بشهردرامدحيرتش بيفزودجه قصرها ديدبرستونها زبر جد وياقوت بناكرده خشتى از زروخشتى ازنقره وفرشها برهمين وتيره بجاى سنك ريزه مرواردهاى آبدار ريخته ودرحوالئ هرقصرى آبهاى روان برروى لؤلؤومرجان ودرختان بسيار تنهاى آن اززر وبر كهاى آن اززبرجد وشكوفهاى آن ازسيم باخود كفت هذه الجنة التى وعد المتقون ( مصراع )

اين جه منزل جه بهشت اين جه مقمست اينجا ... وقال والذى بعث محمدا ما خلق اللّه مثل هذا فى الدنيا بس قدرى ازان جواهر برداشت ودربس بالحق وبشت بست ويمين باز آمدومردمان آن كوهر را دردست او بديدند وحمل بريافتن كنجى كرده قصه وى درزبانها افتاد تاحدى كه حال اورا بمعاويه كه دران وقت حاكم شام بود آنها كردند معاويه اورا طلبيد وتمام حكايت اوز اول تا آخر استماع كرديس اورا در مجلس بنشانيد وكعب الاحبار را طلبيده برسيدكه دردنيا شهرى هست كه بناى اواز زرو نقره باشد ودرختان مكلل بجواهر كعب كفت آرى شهريست كه حق سبحانه وتعالى در قرآن مجيد ياد فرمودكه

{ لم يخلق مثلها فى البلاد } وآنراشداد بن عاد ساخته واو بادشاه عظيم قدر بوده است ونهصد سال عمرداشت هرجا درعالم زرى وجوهرى بوده همه راجمع كراده وصدقهرمان باهر يكى هزار فرستادنا شهرارم را بساختند وبسيصد سال باتمام رسيدده سال ديكرتهيئة راه اشتغال نمود امرا او ملوك عالم راجمع كرد واز دار السلطنة خود بتماشاى آن شهر متوجه شديك شبه راه ميان اووآن بنامانده بودكه حق سبحانه وتعالى ملكى فرستاد تاصيحه برايشان زدوهمه بمردند وان شهراز نظر مردم بوشيده شدجنانجه اصحاب كهف درغار وخوانده ام كه درحكومت تومردى كوتاه بالاسرخ رنك سير جشم كه برروى او خالى وبر كردن آن علامتى باشد بطلب شترى بدآنجارسد وآنرا بيند بس بازنكريست وابن قلابه راديد كفت هو واللّه ذلك الرجل.

قال ابن الشيخ فى حواشيه وفيه بحث لان قوم عاد اهلكوا بالريح وقوم صالح اهلكوا بالصيحة الا ان يراد بالصيحة ههنا الريح الشديد الصوت وذكر كعب انه كتب ابن شداد على لوح وضع عند رأس ابيه عن لسانه حين رفعه من المفازة ودفنه.

ان اشداد بن عاد صاحب الحصن العميد ... واخو القوة والباساء ولملك المشيد

دان اهل الارض لى من خوف وعدى وعيدى ... وملكت الشرق والغرب بسلطان شديد

فأتتنا صيحة تهوى من الافق البعيد ... فتوفتنا كزرع وسط بيدآء حصيد

وذكر فى قوت القلوب تصنيف العالم الربانى ابى طالب المكى قدس سره انه قيل لابى يزيد البسطامى قدس سره لدخلت أرم ذات العماد فقال صه قد دخلت الف مدينة لله تعالى فى ملكه ادناها ذات العماد ثم اخذ يعدد تلك المدآئن جابلق جابلص الى غير ذلك فظاهر قول ابى يزيد ادناها ذات العماد يخالف قوله تعالى لم يخلق مثلها فى البلاد لكن المستفاد من الآية نفى الخلق فى الماضى ويجوز أن تكون تلك المدآئن حادثة بعد نزول القرءآن ويجوز ان يراد بنفى المثل هو المثل فى الزينة وبالادنى صغر الجثة وفى بعض نسخ قوت القلوب ان معنى الآية لم يخلق مثلها فى بلاد اليمن لانهم خوطبوا بما فى بلادهم كما قال اللّه تعالى او ينفوا من الارض اى ارض بلادهم وبمثل هذه التوجيهات يندفع الاشكال كذا فى شرح البردة لابن الشيخ.

٩

{ وثمود } وديكرجه كرد خداى تعالى بقوم ثمود . وهو عطف على عاد وثمود قبيلة مشهورة سميت باسم جدهم ثمود اخى جديس وهما ابنا عامر بن رام بن سام بن نوح عليه الصلاة والسلام وكانوا عربا من العاربة يسكنون الحجر بين الحجاز وتبوك وكانوا يعبدون الاصنام كعاد وهم قوم صالح كما قال تعالى والى ثمود أخاهم صالحا .

{ الذين جابوا الصخر بالواد } الجواب القطع تقول جبت البلاد أجوبها جوبا وزاد الفرآء جبت البلاد اجيبها جيبا اذا جلت فيها وقطعتها وجبت القميص ومنه سمى الجيب والصخر هو الحجر الصلب الشديد والواد أصله الوادى حذفت ياؤه اكتفاء بالكسرة ورعاية لرأس الآية وأصل الوادى الموضع الذى يسيل فيه الماء ومنه سمى المنفرج بين الجبلين واديا والمراد هنا هو وادى القرى بالقرب من المدينة الشريفة من جهة الشأم قال ابو نضرة اتى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فى غزوة تبوك على وادى ثمود وهو على فرس اشقر فقال اسرعوا السير فانكم فى واد ملعون والمعنى قطعوا صخر الجبال فاتخذوا فيها بيوتا نحتوها من الصخر كقوله تعالى وتنحتون من الجبال بيوتا قيل انهم اول من نحت الجبال الصخور والرخام وقد بنوا ألفا وسبعمائة مدينة كلها من الحجارة.

١٠

{ وفرعون } وجه كرد بفرعون موسى عليه السلام . وهو الوليد ابن مصعب بن ريان بن ثروان ابو العباس القبطى واليه تنسب الاقداح العباسية وفرعون لقلب افرده تعالى بالذكر لانفراده فى التكبر والعلو حتى ادعى الربوبية والالوهية

{ ذى الاوتاد } جمع وتد بالتحيك وبكسر التاء ايضا بالفارسية ميخ.

وقد سبق فى سورة النبأ وصف بذلك لكثرة جنوده وخيامهم التى يضر لونها فى منازلهم ويربطونها بالاوتاد والاطناب كما هو الآن عادة فى ضرب الخيمة والتعذيبة بالاوتاد كما قال فى كشف الاسرار وفرعون آن كشنده بميخ بند يعنى بطريق جهار ميخ تعذيب كنند ( روى ) عن ابن عباس رضى اللّه عنهما ان فرعون انما سمى ذا الاوتاد لان امرأة خازنه خربيل كانت ماشطة هيجل بنت فرعون وكان خربيل مؤمنا يكتم ايمانه منذ مائة سنة وكذا امرأة فبينما هى ذات يوم تمشط رأس بنت فرعون اذ سقط المشط من يدها فقالت تعس من كفر باللّه تعالى فقالت ابنة فرعون وهل لك اله غير أبى فقالت الهى واله ابيك واله السموات والارض واحد لا شريك له فقامت ودخلت على ابيها وهى تبكى فقال ما يبكيك قالت ان الماشطة امرأة خازنك تزعم ان الهك والهها واله السموات والارض واحد لا شريك له فارسل اليها فسألها عن ذلك فقانت صدقت فقال لها ويحك اكفرى بالهك قالت لا افعل فمدها بين أربعين أوتاد ثم ارسل عليها الحيات والعقارب وقال لها اكفرى باللّه والا عذبتك بهذا العذاب شهرين فقالت لو عذبتنى سبعين شهرا ما كفرت به وكانت لها ابنتان فجاء بابنتها الكبرى فذبحها على فيها وقال لها اكفرى بالهك والا ذبحت الصغرى على فيك ايضا وكانت رضيعا فقالت لو ذبحت من فى الارض على فى ما كفرت باللّه تعالى فأتى بابنتها فلما اضجعت على صدرها وأرادوا ذبحها جزعت المرأة فأطلق اللّه لسان ابنتها فتكلمت وهى من الاربعة الذين تكلموا اطفالا وقالت يا اماه لا تجزعى فان اللّه تعالى قد بنى لك بيتا فى الجنة اصبرى فانك تفضين الى رحمة اللّه تعالى وكرامته فذبحت فلم تلبث ان ماتت فأسكنها اللّه تعالى الى جوار رحمته وكان فرعون قد تزوج امرأة من اجمل نساء بنى اسرآئيل يقال لها آسة بنت مزاحم فرأت ما صنع فرعون بالماشطة فقالت فى نفسها كيف يسعنى ان اصر على ما يفعل فرعون وانا مسلمة وهو كافر فبينما هى تؤامر نفسها اذ دخل عيها فرعون فجلس قريبا منها فقالت يا فرعون أنت شر الخلق واخبثهم عمدت الى الماشطة فقتلتها قال فلعلك بك الجنون الذى كان بها قالت ما بى من جنون وانما المجنون من يكفر باللّه الذى له ملك السموات والارض وما بينهما وحده لا شريك له وهو على كل شئ قدير فمدها بين أربعين أوتاد يعذبها ففتح اللّه لها بابا الى الجنة ليهون عليها ما يصنع بها فرعون فعند ذلك قالت رب ابن لى عندك بيتا فى الجنة ونجنى من فرعون وعمله فقبض اللّه روحها واسكنها الجنة العالية وقد سبق طرف من هذه القصة فى آخر سورة التحريم فارجع ثم فى عاد اشارة الى الطبيعة البشرية وفى ثمود الى القوة الشهوية وفى فرعون الى القوة الغضبية فلا بد للسالك من تزكيتها وازالة آثارها.

١١

{ الذين طغوا فى البلاد } صفة للمذكورين من الطوآئف الثلاث فيكون مجرور المحل لكون بعض المذكورين قبله مجرورا بالباء وبعضها معطوفا عليه وهو أحسن بحسب اللفظ اذ لا حذف فيه واختار صاحب الكشاف كونه منصوبا على الذم بتقدير اعنى لكونه صريحا فى الذم والمقام مقام الذم وهو أحسن نظرا الى المعنى والمعنى طغى كل طائفة منهم فى بلادهم وتجاوزوا الحد يعنى طغى عاد فى اليمن وثمود بارض الشأم والقبط بمصر كما ان نمرود طغى بالسواد وقس على هذا سائرهم.

١٢

{ فاكثروا فيها الفساد } اى بالكفر وسائر المعاصى فان الفساد يتناول جميع اقسام الاثم كما ان الصلاح يتناول جميع اقسام البر فمن عمر بغير امر اللّه وحكم فى عباده بالظلم فهو مفسد متجاوز عن الحد الذى حد له وفيه خوف شديد لاكثر حكام الزمان ونحوهم.

١٣

{ فصب عليهم ربك } صب الماء اراقته من اعلى اى انزل انزالا شديدا على كل طائفة من اولئك الطوآئف عقيب ما فعلت من الطغيان والفساد

{ سوط عذاب } السوط الجلد عالمضفور اى المنسوج المفتول الذى يضرب به اى عذابا شديدا لا تدرك غايته وهو عبارة عما حل بكل منهم من فنون العذاب التى شرحت فى سار السور الكريمة وهى الريح لعاد والصيحة لثمود والغرق للقبط وتسميته سوطا للاشارة الى ان ذلك بالنسبة الى ما اعد لهم فى الآخرة بمنزلة السوط عند السيف قال ابو حيان استعير السوط للعذاب لانه يقتضى من التكرار والترداد مالا يقتضيه السيف ولا غيره ( وقال الكاشفى ) دون عرب ضرب تازيانه راسخت ترين عذابها مى دانستند . يعنى ان السوط عندهم غاية العذاب . هركونه از عذاب را نيز سوط ميكفتند حق سبحانه بقانون كلام ايشان عذابهاى خودرا سوط كفت قال الشاعر

لم تر ان اللّه اظهر دينه ... وصب على الكفار سوط عذاب

والتعبير عن انزاله بالصب للايذان بكثرته واستمراره وتتابعه فانه عبارة عن اراقة شئ مانع او جار مجراه فى السيلان كالرمل والحبوب وافراغه بشدة وكثرة واستمرار ونسبته الى السوط مع انه ليس من ذلك اقبيل باعتبار تشبيه فى نزوله المتتابع المتدارك على المضروب بقطرات الشئ المصبوب فان قيل أليس ان اللّه تعالى قال ولو يؤاخذ اللّه الناس بظلمهم ما ترك على ظهرها من دابة وهو يقتضى تأخير العذاب الى الآخرة فكيف الجمع بين هاتين الآيتين قلنا انه يقتضى تأخير تمام الجزآء الى الآخرة وذلك لا ينافى ان يعجل شئ من ذلك فى الدنيا فان الواقع فى الدنيا شئ من الجزآء ومقدماته كذا فى حواشى ابن الشيخ.

يقول الفقير وأوجه من ذلك ان المفهوم من الآية المؤاخذة لكل الناس وهو لا ينافى ان يؤاخذ بعضهم فى الدنيا بعذاب الاستئصال كبعض الامم السالفة المكذبة.

١٤

{ ان ربك لبالمرصاد } تعليل لما قبله وايذان بان كفار قومه عليه السلام سيصيبهم مثل ما اصاب المذكورين من العذاب كما ينبئ عنه التعرض لعنوان الربوبية مع الاضافة الى ضميره عليه السلام والمرصاد المكان الذى يترقب فيه الراصدون مفعال من رصده كالميقات من وقته والباء للظرفية اى انه لفى المكان الذى تترقب فيه السابلة ويجوز أن يكون صيغة مبالغة كالمطعان والباء تجريدية وهذا تمثيل لارصاده تعالى بالعصاة وانهم لا يفوتنه شبه حاله تعالى فى كونه حفيظ لاعمال العباد مجازيا عليها على النقير والقطمير ولا محيد للعباد عن ان لا يكون مصيرهم الا اللّه بحال من قعد على طريق السابلة يترصدهم ليظفر بالجانى او لاخذ المسك او نحو ذلك ولا مخلص لهم من العبور الى ذلك الطريق ثم استعمل هنا ما كان مستعملا هناك ( قال الكاشفى ) حق سبحانه همه رامى بيند ومى شنود وبرو بوشيده نيست

هم نهان داند وهم آنجه نهان ترباشد ... يعلم السر واخفى صفت حضرت اوست

ويقال يعنى ملائكة ربك على الصراط يترصون على جسر جهنم فى سبعة مواضع فيسأل فى اولها عن الايمان فان سلم من النفاق والرياء والا تردى فى النار وفى الثانى عن الصلاة فان اتم ركوعها وسجودها واقامها فى مواقيتها نجلا والا تردى فى النار وفى الثالث عن الزكاة وفى الرابع عن صوم شهر رمضان وفى الخامس عن الحج والعمرة وفى السادس عن الوضوء والغسل من الجنابة وفى السابع عن بر الوالدين وصلة الرحم فان خرج منها قيل له انطلق الى الجنة والا وقع فى النار.

١٥

{ فاما الانسان } متصل بما قبله من قوله ان ربك لبالمرصاد وكانه قيل انه تعالى بصدد مراقبة أحوال عباده ومجازاتهم بأعمالهم خيرا وشرا فاما الانسان فلا يهمه ذلك وانما مطمح نظره ومرصد فكره الدنيا ولذآئذها قال السهيلى رحمه اللّه المراد بالانسان عبتة بن ربيعة وكان هو السبب فى نزولها فيما ذكروا وان كانت هذه الصفة تعم

{ اذا ما ابتلاه ربه } اى عامله معاملة من يبتليه بالغنى واليسار

{ فأكرمه } بس كرامى كندش بجاه واقتدار

{ ونعمه } ونعمت دهدش ومعيشت برو فراخ كرداند وبآسانى كارا وبسازد . والفاء تفسيرية فان الاكرام والتنعيم عين الابتلاء

{ فيقول } مفتخرا

{ ربى } بروردكار من

{ اكرمته } فضلنى بما اعطانى من الجاه والمال حسبما كنت استحقه ولا يخطر بباله انه محض تفضل عليه ليبلوه ايشكر ام يكفر وهو خبر للمبتدأ الذى هو الانسان والفاء لما فى اما من معنى الشرط والظرف المتوسط على نية التأخير كأنه قيل فاما الانسان فيقول ربى اكرمنى وقت ابتلائه بالانعام وانما تقديمه للايذان من اول الامر بان الاكرام والتنعيم بطريق الابتلاء ليتضح اختلال قوله المحكى فاذا لمجرد الظرفية وان هذه الفاء لا تمنع ان يعمل ما بعدها فيما قبلها.

١٦

{ واما اذا ما ابتلاه } اى

واما هو اذا ما ابتلاه ربه فيكون الواقع بعد اما فى الفقرتين اسما فتكون الجملتان متعادلتين

{ فقدر عليه رزقه } بس تنك سازد برو روزئ اورا يعنى ضيقه حسبما تقتضيه مشيئته المبنية على الحكم البالغة وجعله على قدر كفايته وقوت يومه

{ فيقول } متضجرا

{ ربى اهانن } اذلنى بالفقر ولا يخطر بباله ان ذلك ليبلوه ايصبر ام يجزع مع انه ليس من الاهانة فى شئ ولذا لم يقل فأهانه فقدر عليه رزقه فى مقابلة اكرمه ونعمه بل التقتير قد يؤدى الى كرامة الدارين فى حق الفقير الصابر أما تأديته الى كرامة الآخرة فامر ظاهر

واما تأديته الى كرامة الدنيا فلانه قد يسلم به من طمع الاعدآء فيحصن فيه اعتقاد الكبرآء من أهل الدنيا فيراجعونه ويلتمسون منه الدعاء والتوسعة قد تفضى الى خسران الدارين بالكفران فيكون استدراجا

اى دل اكر بديده تحقيقى بنكرى ... درويشى اختياركنى بر توانكرى

قال بعضهم ربما كان التضييق اكراما له بان لا يشغله بالنعمة عن المنعم ويجعل ذلك وسيلة له فى التوجه الى الحق والسلوك فى طريقه لعدم التعلق وعن ابى هريرة رضى اللّه عنه قال لقد رأيت سبعين من أصحاب الصفة ما منهم رجل عليه ردآء اما ازار

واما كساء قد ربطوه فى اعناقهم فمنها ما يبلغ نصف الساقين ومنها ما يبلغ نصف الكعبين فيجمعه بيده كراهة ان ترى عورته فتأمل هل تكون هذه اهانة لخواص عباد اللّه فالمؤمن اما فى مقام الشكر او فى مقام الصبر قال عليه السلام والسلام ( الايمان نصفان نصف صبر ونصف شكر )

_@_صوفئ از فقر جون درغم شود _@_ عين فقرش دابه ومطعم شود_@_ زانكه جنت از مكاره رسته است _@_ رحم قست عاجزا شكسته است_@_ آنكه سرها بشكند اواز علو_@_ رحم حخق وخلق نايد سوى او_@_ كما قال بعض الكبار فى قوله فيقول ربى اهانن اى تركنى ذليلا مهينا لم يعرف المحجوب المسكين ان ربه ناظر اليه بنظر الرحمة والشفقة جذبه بالجذبة الرحمانية من العالم الطبيعى الى العالم الروحانى ومن عالم النفس الى عالم القلب ومن عالم الفرق الى عالم الجمع ومن عالم الفراق الى عالم الوصال.

١٧

{ كلا } ردع للانسان عن مقالته المحكية وتكذيب له فيها فى كلا الحالتين قال ابن عباس رضى اللّه عنهما المعنى لم ابتله بالغنى لكرامته على ولم ابتله بالفقر لهوانه على بل ذلك لمحض القضاء والقدر بلا تعليل بالعلل

{ بل تكرمون اليتيم } انتقال من بيان سوء أقواله الى بيان سوء افعاله والتفات الى الخطاب للايذان باقتضاء ملاحظة جنايته السابقة لمشافهته بالتوبيخ تشديد للتقريع وتأكيد للتشنيع والجمع باعتبار معنى الانسان اذ المراد والجنس اى بل لكم أحوال اشد شرا مام ذكر وادل على تهالككم على المال حيث يكرمكم اللّه بكثرة المال فلا تؤدون ما يلزمكم فيه من اكرام اليتيم بالنفقة والكسوة ونحوهما وهو من بنى آدم هو الذى فقد اباه وكان غير بالغ ومن البهائم ما فقد أمه قال عليه الصلاة والسلام ( أحب البيوت الى اللّه بيت فيه يتيم مكرم )

برحمت بكن آبش از ديده باك ... بشفقت بيفيانش از جهره خاك

قال فى الاشباه استخدام اليتيم بلا اجرة حرام ولو لأخيه ومعلمه الا لأمه وفيما اذا ارسله المعلم لاحضار شريكه كما فى القنية.

١٨

{ ولا تحاضون } بحذف احدى التاءين من تتخاضون والحض الحث والتحريض لا يحض بعضكم بعضا ولا يحث من أهل وغيره شكرا لانعام اللّه تعالى

{ على طعام المسكين } اى على اطعام جنس المسكين ومن لا يحض غيره على اطعامه فان لا يطعمه بنفسه اولى فيؤول المعنى الى ان يقال ولا تطعمون مسكينا ولا تأمرون باطعامه وفيه ذم بليغ للبخيل قال مقاتل كان قدامة بن مظعون يتيما فى حجر أمية بن خلف فكان يدفعه عن حقه فنزلت

١٩

{ وتأكلون التراث } اى الميراث واصله وراث قلبت واوه تاء والميراث هو المال المنتقل من الميت

{ اكلا لما } اللم الجمع يقال كتيبة ملمومة مجتمعة بعضها الى بعض والمعنى اكلا ذا لم على حذف المضاف وفيه اشارة الى الحلال والحرام فانهم كانوا لا يورثون النساء والصبيان ويأكلون انصباءهم وفيه اشارة الى انه كان بينهم ميراث يتوارثونه من ابراهيم واسمعيل عليهما السلام لكنهم قد بدلوه كما بدلوا غيره من بعض الاحكام أو يأكلون ما جمع المورث من حلال وحرام مشتبه عالمين بذلك.

٢٠

{ وتحبون المال حبا جما } كثيرا مع حرص وشره ومنع حقوق وعدم انتفاع فان الجم الكثير يقال جم الماء فى الحوض اذا اجتمع فيه وكثر والمقصود ذمهم ببيان ان حرصهم على الدنيا فقط وانهم عادلون عن امر الآخرة وفيه اشارة الى ان حب المال طبيعى فلا يتخلص منه المرء بالكلية الا ان يكون من الاقوياء فكأنه اشار الى ان حبه اذا لم يشتد لا يكون مذموما وقال بعض الكبار وتحبون مال الاعمال السيئة النفسانية والاحوال القبيحة الهوآئية حبا كثيرا.

٢١

{ كلا } ردع لهم عما ذكر من الافعال والتروك والنكار أى لا ينبغى ان يكون الامر كذلك فى الحرص على الدنيا وقصر الهمة على تحصيلها وجمعها من حيث تهيأ من حل او حرام وترك المواساة منها وتوهم ان لا حساب ولا جزآء فان عاقبة ذلك الحسرة والندامة على ايثار الحياة الدنيوية الفانية على الحياة الاخروية الباقية

{ اذا دكت الارض دكا دكا } استئناف بطريق الوعيد تعليل للردع والدك الدق يقال دككت الشئ ادكه دكا اذا ضربته وكسرته حتى سويته بالارض وبالفارسية كوفتن جيزى تابزمين برابر كردد.

وقال الخليل الدك كسر الحائط والجبل ودكته الحمى دكا اى كسرته كسرا وقال المبرد الدك حط المرتفع بالبسط ودكا الثانى ليس تأكيد للاول بل هو دك آخر سوى الاول والمعنى اذا دكت الارض دكا متتابعا وضرب بعضها ببعض حتى انكسر وذهب كل ما على وجهها من جبال وابنية وقوصر حين زلزلت زلزلة بعد زلزلة وحركت تحريكا بعد تحريك وصارت هباء منبثا وهو عبارة عما عرض لها عند النفخة الثانية وبالفارسية جون شكسته شود زيمن شكستنى بعد از شكستنى يعنى بازه باره كردد.

٢٢

{ وجاء ربك } اى ظهرت آيات قدرته وآثار قهره مثل ذلك بما يظهر عند حضور السلطان بنفسه من احكام هيبته وسياسته فانه عند حضوره يظهر ما لا يظهر بحضور وزرآئه وسائر خواصه وعساكره وقال الامام احمد جاء امره وقضاؤه على حذف المضاف للتهويل وفى التأويلات النجمية تجلى فى المظهر الجلالى القهرى

{ والملك } وبيايد فرشتكان بعرصة محشر

{ صفا صفا } اى حال كونهم مصطفين او ذوى صفوف فانه ينزل يومئذ ملائكة كل سماء فيصطفون صفا بعد صف بحسب منازلهم ومراتبهم اصطفاف أهل الصلاة فى الدنيا من الانس والجن كما قال تعالى والملك على ارجائها فهم سبعة صفوف عدد السموات السبع.

٢٣

{ وجيئ يومئذ بجهنم } كقوله تعالى وبرزت الجحيم يعنى ان المجيئ بها عبارة عن اظهارها حتى يراها الخلق مع ثباتها فى مكانها فان من المعلوم انها لا تنفك عن مكانها والباء للتعدية على ان جهنم قائم مقام الفاعل لجيئ وقال ابن مسعود رضى اللّه عنه ومقاتل تقاد جهنم بسبعين ألف زمام معه سبعون ألف ملك يجرونها حتى تنصب عن يسار العرش لها تغيظ وزفير يعنى دوزخ ازخشم كافران مى جوشدومى خروشد.

فتشرد شردة لو تركت لاحرقت أهل الجمع وجثوا كل نبى وولى من الهول والهيبة على ركبته ويقول نفسى نفسى حتى يعترض لها رسول اللّه صلى اللّه تعالى عليه وسلم ويقول امتى امتى فتقول النار مالى ومالك يا محمد لقد حرم اللّه لحمك على فالمجيئ بها على حقيقته فان الجر يدل على انفكاكها عن مكانها وتأوله الاولون بحمله على التجوز بان معنى يجرون يباشرون اسباب ظهورها.

يقول الفقير لا حاجة الى الحمل على التجوز فان بعض الامكنة كالكعبة تزور بعض الخواص بالايجاد والاعدام اللذين هما اسراع شئ من طرفة العين فلا بعد فى ان يكون مجيئ جهنم منن هذا القبيل على الارض يومئذ اوسع شئ كما بين فيما سبق فهى تسع جهنم وأهل المحشر جميعا وايضا المراد بمجيئ جهنم مجيئ صورتها المثالية ولا مناقشة فيه كمجيئ المسجد الاقصى الى مرأى النبى عليه الصلاة والسلام حين سأله قريش عن بعض اوصافه قى قصة المعراج

{ يومئذ } بدل من اذا دكت والعامل فيها قوله تعالى

{ يتذكر الانسان } اى يتذكر ما فرط فيه بتفاصيله بمشاهدة آثاره واحكامه او بمعاينة عينه على ان الاعمال تنجسم فى النشأة الآخرة فيبرز كل من الحسنات والسيئات بما يناسبها من الصور الحسنة والقبيحة او يتعظ اى يقبل التذكير والارشاد الذى بلغ اليه فى الدنيا ولم يتعظ ولم يقبله فى الدنيا فيتعظ به فى الآخرة فيقول يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا وهذا الاتعاظ يستلزم الندم على تقصيراته والندم توبة لكن لا توبة هناك لفوت الوقت قال القاشانى يوم يتذكر الانسان خلاف ما اعتقده فى الدنيا وصار هيئة فى نفسه من مقتضيات فطرته فان ظهور البارئ بصفة القهر والملائكة بصفة التعذيب لا يكون الا لمن اعتقد خلاف ما ظهر عليه بما هو فى نفس الامر كالمنكر والنكير

{ وأنى الذى } اعتراض جيئ به لتحقيق انه ليس يتذكر حقيقة امرآئه عن الجدوى بعدم وقوعه فى اوانه وأنى خبر مقدم للذكرى وله متعلق بما تعلق به الخبر أى ومن اين يكون له الذكرى وقد فات أوانها

وقيل هناك محذوف واللام للنفع اى انى له منفعة الذكرى وبه يرتفع التناقض الواقع بين اثبات التذكر اولا ونفيه ثم انه تعالى لما نفى كون هذه الذكرى والتوبة نافعة له بقوله وأنى له الذكرى علمنا انه لا يجب قبول التوبة كام ذهب اليه المغزلة وفى الارشاد والاستدلال به على عدم وجواب قبول التوبة فى دار التكليف يعنى عقلا كما تزعم المعتزلة مما لا وجه له على ان تذكره ليس من التوبة فى دار التكيف يعنى عقلا كام تزعم المعتزلة مما لا وجه له على ان تذكرة ليس من التوبة فى شئ فانه عالم بانها انما تكون فى الدنيا كما يعرب عنه قوله تعالى

٢٤

{ يقول يا } أيها الحاضرون

{ ليتنى } كاشكى من

{ قدمت لحياتى } وهو بدل اشتمال من يتذكر أو استئناف وقع جوابا عن سؤال نشأ عنه كأنه قيل ماذا يقول عند تذكره فقيل يقول يا ليتنى علمت لاجل حياتى هذه يعنى لتحصيل الحياة الاخروية التى هى حياة نافعة دآئمة غير منقطعة اعمالا صالحة انتفع بها اليوم او وقت حياتى على ان اللام بمعنى فى للتوقيت ويجوز أن يكون المعنى قدمت عملا ينجينى من العذاب فأكون من الاحياء قال تعالى لا يموت فيها ولا يحيى.

واعلم ان أهل الحق لا يسلبون الاختيار بالكلية وليس فى هذا التمنى شائبة دلالة على استقلال العبد بفعله كما يزعمه المعتزلة وانما الذى يدل عليه ذلك اعتقاد كونهه متمكنا من تقديم الاعمال الصالحة

واما ان ذلك بمحض قدرته او بخلق اللّه عند صرف قدرته الكاسية اليه فلا

واما ما قيل من ان الحجور قد يتمنى ان كان ممكناه منه وموفقا له فربما يوهم ان من صرف قدرته الى احمد طرفى الفعل يعتقد انه محجور من الطرف الآخر وليس كذلك لكل احد جازم بأنه لو صرف قدرته الى اى طرف كان من افعاله الاختيارية لحصل وعلى هذا يدور فلك التكليف والزام الحجة.

٢٥

{ فيومئذ } اى يوم اذ يكون ما ذكر من الاحوال والاقوال { لا يعذب عذابه احد }

٢٦

{ ولا يوثق وثاقه احد } الهاء راجع الى اللّه تعالى والعذاب يمعنى التعذيب كالسلام بمعنى التسليم وكذا الوثاق بالفتح بمعنى الايتاق وهو الشد بالوثاق وهو ما يشد به من الحديد والحبل والايثاق بالفارسية بند كردن يعنى بسلاسل واغلال واسير كرد دران.

والمعنى لا يتولى عذاب اللّه ووثاقه احد سواه اذ الامر كله لله فلا يلزم ان يكون يوم القيامة معذب سوى اللّه لكنه لا يعذب احد مثل ذابه وفى عين المعانى لا يعذب كعذاب اللّه فى الآخرة احد فى الدنيا ويجوز أن يكون الهاء للانسان اى لا يعذب احد من الزبانية مثل ما يعذبونه وقرأهما الكسائى ويعقوب على بناء المفعول وفى الكشاف هى قرآءة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وعن ابى عمرو أنه رجع اليه فى آخر عمره اى لا يعذب مثل عذاب الانسان أحد وظاهره يقتضى ان يكون عذابه اشد من عذاب ابليس الا ان يكون المراد احد من هذا الجنس كعصاة المؤمنين نسأل اللّه السلامة والعافية فى الدارين.

٢٧

{ يا ايتها النفس المطمئنة } لما ذكر شقاوة النفس الامارة شرع فى بيان سعادة النفس المطمئنة والاطمئنان السكون بعد الانزعاج وسكون النفس انما هو بالوصول الى غاية الغايات فى اليقين والمعرفة والشهود وفى قوله تعالى ألا بذكر اللّه تطمئن القلوب تنبيه على انه بمعرفته تعالى والاكثار من عبادته يكتب اطمئنان النفس واذا وصلت الى مقام الاطمئنان بذكر اللّه صار صاحبها فى مقام التلوين فى التمكين آمنا من الرجوع الى الاحكام الطبيعية والآثار البشرية فان الفانى لا يرد الى اوصافه فمن كان متمكنا فى مقام الترقى تخلص من التنزل الى مقام النفس الامارة وفى التعريفات النفس المطمئنة هى التى تنورت بنور القلب حتى تخلت عن صفاتها الذميمة وتحلت بالاخلاق الحميدة ( وقال الكاشفى ) اى نفس آرام كرفته بذكر من كه شاكر بودى در نعمت وصبر نمودى درمحنت . والمعنى ان اللّه تعالى يقول بالذات للمؤمن اكراما له كما كلم موسى عليه الصلاة والسلام او على لسان الملك وذلك عند تمام الحساب يا ايتها النفس المطمئنة.

٢٨

{ ارجعى الى ربك } اى الى ما وعد لك من الكرامة والزلفى فكونه تعالى منتهى الغاية انما هو بهذا الاعتبار فسقط تمسك المجسمة واستدل بالرجوع الذى هو العود على تقدم الروح خلقا

{ راضية } بما اوتيت من النعيم المقيم

{ مرضية } عند اللّه.

٢٩

{ فادخلى فى عبادى } فى زمرة عبادى الصالحين المختصين بى.

٣٠

{ وادخلى جنتى } معهم كقوله تعالى وأدخلنى برحمتك فى عبادك الصالحين فالدخول فى زمرة الخواص هى السعادة الروحانية والدخول معهم فى الجنات ودرجاتها هى السعادة الجسمانية

وقيل المراد بالنفس الروح والمعنى فادخلى فى اجساد عبادى التى فارقت عنها وادخلى دار ثوابى وهذا يؤيد قول من قال ان الخطاب عند البعث وذهب بعضهم الى انه عند الموت.

كما روى ان ابا بكر رضى اللّه عنه سأل عن ذلك رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال ( ان الملك سيقولها لك يا ابا بكر عند موتك ) وقال الحسن اذا اراد اللّه قبضها اطمأنت الى اللّه ورضيت عن اللّه ورضى اللّه عنها وقال عبد اللّه بن عمر رضى اللّه عنهما اذا توفى العبد المؤمن ارسل اللّه ملكين وارسل اليه بتحفة من الجنة فيقال لها اخرجى أيتها النفس المطمئنة اخرجى الى روح وريحان ورب عنك راض فتخرج كأطيب ريح مسك وجده أحد فى أنفه والملك على ارجاء السماء يقولون قد جاء من الارض روح طيبة ونسمة طيبة فلا تمر بباب الا فتح ولا بملك الا صلى عليها حتى يؤتى بها الى الرحمن اى الى حضوره ومقام مخصوص من مقامات كراماته فتسجد ثم ثيقال لميكائيل اذهب بهذه فاجعلها مع انفس المؤمنين ثم يؤمر فيوسع عليه قبره سبعون ذراعا عرضه وسبعون ذراعا طوله وينبذ له فيه الريحان فان كان معه شئ من القرءآن كفاه نوره وان لم يكن جعل له نور مثل نور الشمس فى قبره فيكون مثله مث العروس ينام فلا يوقظه الا أحب أهله واذا توفى الكافر ارسل اللّه اليه ملكين وارسل اليه قطعة بجاد أنتن من كل منتن وأخشن من كل خشن فيقال أيتها النفس الخبيثة اخرجى الى جهنم عذاب أليم ورب عليك غضبان وقال سعيد بن جبير رحمه اللّه مات ابن عباس رضى اللّه عنهما بالطائف فشهدت جنازته فجاه طائر لم ير مثله على خلقته فدخل نعشه ثم لم ير خارجا منه فلما دفن تليت هذه الآية على شفير القبر لا يرى من تلاها يا أيتها النفس المطمئنة ودل قوله تعالى اللّه يتوفى الانفس حين موتها ان من النفوس الطيبة من يتولى اللّه قبضها بنفسه فيا طوبى لها وقال بعض اهل الاشارة يا أيتها النفس المطمئنة الى الدنيا ارجعى الى اللّه بتركها وبسلوك سبيل الآخرة فادخلى فى عبادى الاخروية وادخلى جنتى الصورية والمعنوية

اى باز هواكرفته باز آى ومرو ... كزرشته توسرى در انكشت منست

وقال القاشانى يا أيتها النفس المطمئنة التى نزلت عليها السكينة وتنورت بنور اليقين فاطمأنت الى اللّه من الاضطراب ارجعى الى ربك فى حال الرضى اى اذا تم لك كمال الصفات لا تسكنى اليه وارجعى الى الذات فى حال الرضى الذى هو كمال مقام الصفات والرضى عن اللّه لا يكون الا بعد رضى اللّه عنها كما قال رضى اللّه عنهم ورضوا عنه فادخلى فى زمرة عبادى المخصوصين بى من أهل التوحيد الذاتى وادخلى جنتى المخصوصة بى اى جنة الذات وفى التأويلات النجمية ارجعى الى ربك بالفناء فيه بعد قطع المنازل والمقامات راضية من نتائج الصلوك الى اللّه والسير فى اللّه مرضية عند اللّه بالبأسى خلعة البقاء عليها فادخلى فى عبادى الباقين فى وبصفاتى وادخلى جنة ذاتى لفنائك عن ذاتك وانانيتك.

﴿ ٠