سُورَةُ الْبَلَدِ مَكِّيَّةٌ وَهِيَ عِشْرُونَ آيَةً ١ { ولا اقسم بهذا البلد } اى اقسم بالبلد الحرام الذى هو مكة فكلمة لا صلة دل عليه ان اللّه اقسم بالبلد الامين فى سورة التين وبالفارسية سوكند ميخورم . بمكه وفى كشف الاسرار لا لتأكيد القسم كقوله العرب لا واللّه ما فعلت كذا لا واللّه لافعلن كذا والبلد المكان والمحدود المتأثر باجتماع قطانه واقامتهم فيه وجمعه بلاد وبلدان ثم ان اللّه تعالى اقسم بمكة لفضلها فانه جعلها حرما آمنا ومسقط رأس النبى عليه السلام وحرم ابيه ابراهيم ومنشأ ابيه اسماعيل عليهما السلام وجعل البيت قبلة لاهل الشرق والغرب وحج البيت كفارة لذنوب العمر وجعل البيت المعمور فى السماء بازآئه. ٢ { وانت حل بهذا البيلد } حال من المقسم به وانت خطاب للنبى عليه السلام . كفته انددر قرآن جهار هزار تام وى برد وذكروى كرد بعضى بتعريض وبعضى بتصريح . والحل بمعنى الحال من الحلول وهو النزل الى والحال انك يا محمد حال فى مكة نازل بها قيد اقسامه تعالى بمكة بحلول عليه السلام فيها اظهار لمزيد فضلها فانها بعد ان كانت شريفة بنفسها زاد شرفها بحلول النبى العظيم الشريف فيها فما لا شرف فيه يحصل له شرف بشرف المكين وما فيه شرف ذاتى يحصل له بشرف شرف زآئد فمحل قدمى النبى عليه السلام كمكة والمدينة وغيرهما ينبغى ان يحافظ على حرمته وقد سمى عليه السلام المدينة طابة لانها طابت به وبمكانه وفيه تعريض لاهل مكة بانهم لجهلهم يرون ان يخرجوا منها من به مزيد شرفها ويؤذوه. اى كعبه را زيمن قدوم توصد شرف ... وى مرده را زمقدم باك توصد صفا بطحا زنور طلعت تو يافته فروغ ... يثرب زخاك تو با رونق ونوا ٣ { ووالد } وزاينده عظف على هذا البلد والمراد به ابراهيم عليه السلام والتنكير للتفخيم { وما ولد } وآنجه زاده است . وهو اسماعيل عليه السلام فانه ولده بلا واسطة ومحمد عليه السلام فانه ولده بواسطة اسماعيل فتتضمن السورة القسم بالنبى عليه السلام فى موضعين وايثار ما على من لمعنى التعجب مما اعطاه اللّه من الكمال كما فى قوله واللّه اعلم بما وضعت اى وأى شئ وضعت يعنى موضعا عجيب الشأن وهو مريم او الوالد آدم عليه السلام وما ولد ذريته وهو الانسب لمضمون الجواب فالتفخيم المستفاد من كلمة ما لا بد فيه من اعتبار التغليب اى فهو من باب وصف الكل بوصف البعض او للتعجيب من الامر الذى يشترك فيه الكل كالنطق والبيان والصورة البديعة وغيرها وقيل الوالد هو النبى عليه السلام وما ولد أمته المرحومة لقوله عليه السلام ( انما انا لكم مثل الوالد أعلمكم امر دينكم ) ولقوله عليه السلام لعلى رضى اللّه عنه ( أنا وأنت ابوا هذه الامة ) والى هذا اشار بقوله عليه السلام ( كل سبب ونسب ينقطع يوم القيامة الا سببى ونسبى وهو سبب الدين ونسب التقوى ) وقد سمى اللّه النبى عليه السلام أبا للمؤمنين حيث قال النبى ( اولى بالمؤمنين من انفسهم وازواجهم أمهاتهم ) وفى بعض القراآت وهو أب لهم فان امومية الازواج المطهرة تقتضى ابوته عليه السلام اذ كل من كان سببا لايجاد شئ واصلاحه او ظهوره يسمى ابا وقد قال عليه السلام ( انا من اللّه والمؤمنون من فيض نورى ) وصرح تعالى بفضيلة هذه الامة حيث قال وكذلك جعلناكم أمة وسطا ولذا عظمهم بالاقسام بهم وفيه اشارة الى ابراهيم الروح الوالد واسمعيل السر المولود منه او آدم الروح وابراهيم السر او الى روح القدس الذى هو الاب الحقيقى للنفوس الانسانية كقوله عليه السلام ( انى ذاهب الى ابى وابيكم السماوى ) وقوله ( تشبهوا بأبيكم السماوى ) فالمراد بما ولد هوالنفس التى ولدها هو فكانه قيل واقسم بروح القدس والنفس الناطقة. ٤ { لقد خلقنا الانسان فى كبد } جواب للقسم يقال كبد الرجل كبد اذا وجعت كبده فانتفخت وأصله كبده اذا اصاب كيده كذكرته اذا قطعت ذكره ورأيته اذا قطعت رئته ثم اتسع فيه حتى استعمل فى كل نصب ومشقة ومنه اشتقت المكابدة بمعنى مقاساة الشدة وفى كبد حال من الانسان بمعنى مكابدا وحرف فى واللام متقاربان تقول انما أنت للعناء والنصب وانما أنت فى العناء والنصب ووجه آخرن أقوله فى كيد يدل على ان الكبد قد احاط به احاطة الظرف بالمظروف والمعنى لقد خلقنا الانسان فى تعب ومشقة فانه مع كونه اضعف الخلق لا يزال يقاسى فنون الشدآئد مبدأها ظلمة الرحم ومضيقة ومنتهاه الموت وما بعده فابن آدميكابد من البلايا مالا يكابده غيره يعنى ان الكبد يتناول شدآئد الدنيا من قطع سرته والنفافة بخرقة محبوس الاعضاء ومكابدة الختان وأوجاعه ومكابدة المعلم وصولته والاستاذ وهيبته ثم مكابدة شغل التزوج وشغل الاولاد والخدم وشغل المسكن ثم الكبر والهرم من جملة مصائب كثيرة لا يمكن تعدادها كالصداع ووجع الاضراس ورمد العين وهم الدين ونحو ذلك ويتناول ايضا شدآئد التكاليف كالشكر على السرآء والصبر على الضرآء والمكابدة فى أدآء العبادات كالصوم والصلاة والزكاة والحج والجهاد ثم بعد ذلك يقاسى شدة الموت وسؤال الملك وظلمة القبر ثم البعث والعرض على الملك المحاسب الى ان يصل الى موضع الاستقار اما فى الجنة واما فى النار كما قال لتركبن طبعا عن طبق قال الامام ليس فى الدنيا لذة البتة بل ذلك الذى يظن انه لذة فهو خلاص من الألم فاللذة عند الاكل هى الخلاص من ألم الجوع وعند اللبس هى الخلاص الألم فاللذة عند الاكل هى الخلاص من ألم الجوع وعند اللبس هى الخلاص من لم الحر والبرد فليس للانسان الا ألم او خلاص من ألم وفيه تسلية لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم مما كان يكابده من كفار قريش واشارة الى ان الانسان المقيد بقيد التعين الوجودى خلق فى تعب التعين والتقييد وفيه حرمان من المطلق ونوره فان المقيد بقيد التعين معذب بحرمان المطلق وقال القاشانى لقد خلقنا الانسان فى مكابدة ومشقة من نفسه وهواه او مرض باطن وفساد قلب وغلظ حجاب اذا الكبد فى اللغة غلظ الكبد الذى هو مبدأ القوة الطبيعية وفساده وحجاب القلب وفساده من هذه القوة فاستعير غلظ اكبد لغلظ حجاب القلب ومرض الجهل. ٥ { أيحسب } ايامى بندارد . والضمير لبعض صناديد قريش الذين كان عليه السلام يكابد منهم اكثر مما يكابد من غيرهم كالوليد بن المغيرة واضرابه { ان لن يقدر عليه احد } ان مخففة من الثقيلة سادة مع اسمها مسد مفعولى الحسبان اى يحسب ان الامر والشأن لن يقدر على انتقام منه احد فحسبانه الناشئ عن غلظ الحجاب ومرض القلب فاسد لان اللّه الاحد يقدر عليه وهو عزيز ذو انتقام. ٦ { يقول } ذلك الظان على سبيل الرعونة والخيلاء { اهلكت } انفقت كقول العرب خسرت عليه كذا اذا انفق عليه { مالا لبدا } اى كثيرا متلبدا من تلبد الشئ اذا اجتمع يريد كثرة ما انفقه سمعة ومفاخرة وكان اهل الجاهلية يسمون مثل ذلك مكارم ويدعونه معالى ومفاخر وفى لفظ الاهلاك اشارة الى انه ضائع فى الحقيقة اذ لا ينتفع به صاحبه فى الآخرة كما قالت عائشة رضى اللّه عنها فى حق عبد اللّه ابن جدعان كان فى الجاهلية يصل الرحم ويطعم المسكين فهل ذلك نافعه يا رسول اللّه فقال عليه السلام ( لا ينفعه لانه لم يقل يوما رب اغفر لى خطيئتى يوم الدين ) ٧ { أيحسب } ذلك الاحمق المباهى { ان } اى ان الشأن { لم يره احد } حين كان ينفق وانه تعالى لا يسأله عنه ولا يجازيه عليه يعنى ان اللّه رآه واطلع على خبث نيته وفساد سريرته وانه مجازيه عليه فمثل ذلك الانفاق وهو ما كان يطريق المباهاة رذيلة فكيف بعده الجاهل فضيلة وفى الحديث ( لا تزول قدما العبد يوم القيامة حتى يسأل عن اربع عن عمره فيم افناه وعن ماله من اين كسبه وفيم انفقه وعن عمله ماذا عمل وعن حبه أهل البيت ) ٨ { ألم نجعل له عينين } يبصر بهما عالم الملك من الارض الى السماء حتى يشاهد بهما فى طرفة عين النجوم العلوية التى بينه وبينها عدة آلاف سنة ويفرق بها بين ما يضر وما ينفع وبهما يحصل شرف النظر الى وجه العالم والى المصحف والى الشواهد قال فى أسئلة الحكم العين نحرس البدن من الآفات وهى نيرة كالمرءآة اذ قابلها شئ ارتسمت صورته فيها مع صغر الناظر وهو الحدقة التى هى شحمة وجعل اللّه العين سريعة الحركة وجعل لها اجفانا تسترها واهدابا من الشعر كجناح الطائر تطرد بانضمامها وبانفتاحها الذباب والهوام عن العين وجل العين فى الرأس لان السراج يوضع على رأس المنار وجعلها ثنتين كالشمس والقمر فانهما عينا التعين الدنيوى وجعل فوقهما حاجبين اسودين لئلا يتضرر البصر بالضياء ولان الذى ينظر فى السواد يقوى البصر ولما بنى ذو الرنين الاسكندرية رخمها بالرخام الابيض جدرها وارضها فكان لباسهم فيها السواد من نصوع بياض الرخام فمن ذلك لبيس الرهبان السواد فان النظر الى الابيض يفرق البصر ويضعفه ولذا قال عليه السلام فى الأمد ( انه يقوى البصر ) وجعل الحدقة محركة فى مكانها لتتحرك الى الجهات يمنة ويسرة فيبصر بها من غير أن يلوى عنقه وجعل الناظرين جميعا على خط مستقيم عرضا ولم يقع واحد منهما اعلى والا اخفض ليجتمع الناظران على شئ واحد لئلا يترا أى له الشخص الواحد شخصين وفى العينين اشارة الى العين الظاهرة والعين الباطنة فينبغى ان يحافظ على كلتيهما فان نظر عينين اتم من نظر عين واحده. ٩ { ولسانا } يترجم به عن ضمائره وبه تنعقد المعاملات وتحصل الشهادات ويدرك الطعوم من الحلو والمر ولو يكن اللسان لاحتاج الانسان الى الاشارة او الكتابة فتعسر امره وانما تعدد العين والاذن وتفرد اللسان لان حاجة الانسان الى السمع والبصر اكثر من حاجته الى الكلام وفيه تنبيه ايضا على ان يقل من الكلام الا فى الخير وان لا يتكلم فيما لا فائدة فيه وهو السر فى ان اللّه تعالى جعل اللسان داخل الفم وجعل دونه الشفتين اللتين لا يمكن الكلام الا بفتحهما ليستعين العبد باطباق شفتيه على رد الكلام وقد حكه عن عمر بن الخطاب رضى اللّه عنه انه كان يجعل فى فمه حجر ليمتنع من الكلام فيما لا يعنيه وفيه اشارة الى لسان القلب فانه يتكلم به بالمفاوضة القلبية وقد ابطله كما أبطل العين الباطنة وأفسد استعداد التكلم الباطنى القلبى { وشفتين } يستر بهما فاه اذا اراد السكوت ويستعين بهما على النطق والاكل والشرب والنفخ قال السجاوندى خص الشفة لخروج اكثر الحروف منها وفى الدعاء الحمد لله الذى جعلنا ننطق بلحم ونبصر بشحم ونسمع بعظم قال بعضهم اسبل الصانع الحكيم امام الفم سترا من الشفة ذا طرفين بضمهما ما عند الحاجة ويمتص بهما المشروب وجعل الشارب محيطا من العليا ليمنع ما على وجه الشراب من القش والقذى ان يدخل حالة الشر وفى الحديث ان اللّه يقول ابن آدم ان نازعك لسانك فيما حرمت عليك فقد اعنتك بطبقتين فاطبق وان نازعك بصرك الى بعض ما حرمت عليك فقد اعنتك عليه بطبقتين فاطبق وان نازعك فرجك الى ما حرمت عليه فقد اعنتك عليه بطبقتين فاطبق وفى الخبر الفرج امانة والاذن امانة واليد امانة والرجل امانة والايمان لمن لا امانة له اورا كويند ما دوديده بتوسبرديم باك تو بنظر هاى ناباك ملطخ كردمى تا آثار تقديس ازوى برخاست وخبيث شدا كنون مبخواهى كه ديدار مقدس ما بنظر خويش بينى هيها مابا كيم وباكانوا باك شايد الطيبات للطيبين دون سمع داديم تراتا ازان دوخزانه سازى ودرهاى آثار وحى دروتعبيه كنى وامر وزبازسبارى تواترا محال دروغ شنيدن ساختى وهكذر اصواب خبيثه كردى ونداء مابا كست جز سمع باك نشنود امروز بكدام كوش حديث ما خواهى شنيد زبانى داديم تراتا بامار از كويى در خلوت وقرآن خواتى در عبادت وصدق دروى فروارى وبادوستان ما سخن كويى توخود زبانرا بسلط غيبت ساختى وروز نامه جدل وديوان خصومت كردى توامروز بكدام زبان حديث ما خواهى كرد زبان آمد از بهر شكر وسباس ... بغيبت نكرد اندش حق شناس كذركاه قرآن وبندست كوش ... به بهتان وباطل شنيدن كوش دوجشم ازبى صنع بارى نكوست ... زعيب برادر فروكير ودوست وفيه اشارة الى شفتى لسان القلب ولسان الرأس. ١٠ { وهديناه النجدين } معطوف على ألم نجعل لانه فى التقدير مثبت اى جعلنا له ذلك وهديناه طريقى الخير والشرك كما قال عليه السلام ( هما النجدان نجد الخير ونجد الشرى فلا يكن نجد الشر أحب اليكم من نجد الخيرأ وطريقى الثديين لانهما طريقان مرتفعان لنزول اللبن سببان لحياة المولود وتمكين مولود عاجز من رضاع امه عقيب الولادة قدرة عليه ونعمه جلية ) نه طفل زبان بسته بودى زلاف ... همى روزى آمد بجوفت زناف جونافش بريدند وروزى كسست ... به بستان مادر در آويخت دست واصل النجد المكان المرتفع جعل الخير بمنزلة مكان مرتفع بخلاف الشرفانه يستلزم الانحطاط عن ذروة الفطرة الى حضيض الشقاوة فكان استعمال النجدين بطريق التغلب او لان فعل الشر بالنسةب الى قوته فى الواهمة مصور بصورة المكان المرتفع ولذا استعمل الترقى فى الوصول الى كل شئ وتكميله وقال ابن الشيخ لما وضحت الدلالة الدالة على الخير والشر صارتا كالطريقين المرتفعين بسبب كونهما واضحين للعقول كوضوح الطريق العالى للابصار وفيه اشارة الى نجد الروح ونجد القلب فابطلهما بغلبة النفس على الروح وغلبة الهوى على القلب. ١١ { فلا أقتحم العقبة } الاقتحام الدخول فى امر شديد ومجاوزته بصعوبة وفى القاموس قحم فى الامر كنصر قحوما رمى بنفسه فيه فجأة بلا روية والعقبة الطريق الوعر فى الجبل فلم يشكر تلك النعم الجليلة بالاعمال الصالحة وعبر عنها بالعقبة لصعوبة سلوكها. ١٢ { وما ادراك ما العقبة } اى اى شئ اعلمك يا محمد ما قتحام العقبة فان المراد ليس العقبة الصورية واقتحامها. ١٣ { فك رقبة } الفك الفرق بين الشيئين بازالة احدهما عن الآخر كفك القيد والغل وفك الرقبة الفرق ينها وبين سفة الرق بايجاب الحرية والرقبة اسم العضو المخصوص ثم يعبر بها عن الجملة وجعل فى التعارف اسما للمماليك كما عبر بالرأس والظهر عن المركوب فقيل فلان يربط كذا رأسا وكذا ظهرا والمعنى هو أى اقتحام العقبة اعتاق رقبة فالفك ليس تفسيرا لنفس العقبة بل لاقتحامها بتقدير المضاف وذلك لان العقبة عين والفك فعل فلا يكون تفسيرا للآخر ثم فك الرقبة قد يكون بان ينفرد الرجل فى عتق الرقبة وقد يكون بان يعطى مكاتبه ما يصرفه الى جهة فكاك رقبته وبان يعين فى تخليص نفس من قود أو غرم فهذا كله يعم الفك دون الاعتاق ويحتمل ان يكون المراد بفك الرقبة ان يفك المرء رقبة نفسه من عذاب اللّه بان يشتغل بالاعمال الصالحة حتى يصير بها الى الجنة ويتخلص من النار وهى الحرية الوسطى وان يفك رقبة القلب من اسر النفس وقيد الهوى وتعلق السوى وهى الحرية الكبرى فيكون قوله او اطعام الخ من قبيل التخصيص بعد التعميم اشارة الى مزيد فضل ذلك الخاص بحيث خرج به من أن يتناول اللفظ السابق مع عمومه وقال بعضهم تقدم العتق على الصدقة يدل على انه افضل منها كما هو مذهب ابى حنيفة رحمه اللّه وفى الحديث ( من فك رقبة فك اللّه بكل عضو منها عضوا منه من النار ) قال الراغب فك الانسان غيره من العذاب انما يحصل بعد فك نفسه منه فان من لم يهتد ليس فى قوته ان يهدى وفك الرقبة من قبيل فك النفس لانه من الاعمال الصالحة التى لها مدخل عظيم فى فكها. ١٤ { او اطعام فى يوم ذى مسغبة } اى مجاعة لقحط او غلاء من سغب اذا جاع قال الراغب السغب الجوع مع التعب ومتربة قيد الاطعام بيوم المجاعة لان اخراج المال فى ذلك الوقت اثقل على النفس واوجب للاجر. ١٥ { يتيما} مفعول اطعام { ذا مقربة } اى قرابة من قرب فى النسب قربا ومقربة وقال السجاوندى قرب قرابة او جوار انتهى قيد اليتيم بأن يكون بينه وبين المطعم قرابة نسبية لانه اجتمع فيه جهتا الاستحقاق اليتيم والقرابة فاطعامه افضل لاشتماله على الصدقة وصلة الرحم. ١٦ { او مسكينا ذا متربة } اى افتقار من ترب بالكسر تربا بفتحتين ومتربا اذا افتقر كأنه لصق بالتراب من فقره وضره فليس فوقه ما يستره ولا تحته ما يوطئه ويفرشه واما قولهم اترب فمعناه صار ذا مال كالتراب فى الكثرة كما قيل اثرى وعن النبى عليه السلام فى قوله ذا متربة الذى مأواه المزابل وقال ابن عباس رضى اللّه عنهما البعيد التربة يعنى الغريب ( كما قال الكاشفى ) واين جنين كس عيال مند بود ياوام دار يابيمار بى خواستار يا غريبى دور ازديار. وفى الحديث ( الساعى الى الارملة والمسكين كالساعى فى سبيل اللّه وكالقائم لا يفتر والصائم لا يفطر ) يقول الفقير خص الفك والاطعام لصعوبة العمل بهما وجعل الاطعام لليتيم والمسكين لما ان ذلك يثقل على النفس فقد ينفق المرء الوفا فى هواه كاطعام اهل الهوى وبناء الابنية الزائدة ونحو ذلك ولا يستكثرها واما الفقير واليتيم فلا يراهما بصره لهوانهما عنده وعلى تقدير الرؤية فيصعب عليه اعطاء درهم او درهمين او اطعام لقمة او لقمتين واحتج الشافعى رحمه اللّه بهذه الآية على ان المسكين قد يكون بحيث يملك شيأ والالكال تقييده بقوله ذا متربة تكرارا وهو غير جائز وفيه بحث لجواز أن يكون ذا متربة صفة كاشفة للمسكين وتكون الفائدة فى التوصيف بها التصريح بجهة الاحتياج ليتضح ان اطعام الاحوج افضل والتكرير الذى لا يجوز هو التكرير الخالى عن الفائدة وما تحن فيه ليس من هذا القبيل وفيه اشارة الى يتيم القلب المغلوب فى يد النفس والهوى ومسكين السير الملل تحت قهر النفس وعزتها وفى الارشاد وحيث كان المراد باقتحام العقبة هذه الامور حسن دخول لا على الماضى وليس بشرط اذ قد يكون بمعنى لم فكأنه قيل فلم يقتحم العقبة. ١٧ { ثم كان } بس باشد اين آزاد كننده وطعام دهنده { من الذين آمنوا } عطف على المنفى بلا وثم للدلالة على تراخى رتبة الايمان عن العتق والصدقة ورفعة محله لاشتراط جميع الاعمال الصالحة به والا فهو فى الزمان مقدم على الطاعات والصدقة ورفعة محله لاشتراط جميع الاعمال الصالحة به والا فهو فى الزمان مقدم على الطاعات والمعنى ان الانفاق على هذا الوجه هو الاتفاق المرضى النافع عند اللّه لا ان يهلك ما لا لبدا فى الرياء والفخار فيكون مثله كمثل ريح فيها صر اصابت حرث قوم وفى ذكر العقبة اشارة الى ان عقبة الآخرة لا يجوزها الا من كان محقا على المحاسبى تلك عقبة لا يجوزها الا من خمص بطنه عن الحرام والشبهات وتناول مقدار بقاء المهجة وقال القاسم العقبة نفسك الا ترى الى قوله فك رقبة فانه ان تعتق نفسك من رق الخلق وتشغلها بعبودية ربك { وتواصوا بالصبر } عطف على آمنوا اى اوصى بعضهم بعضا بالصبر على طاعة اللّه وعن المعاصى وفى المصائب { وتواصوا بالمرحمة } مصدر بمعنى الرحمة اى اوصى بعضهم بعضا بالرحمة على عباد اللّه او بموجبات رحمته تعالى من الخيرات على حذف المضاف او ذكر المسبب وارادة السبب تنبيها على كماله فى السببية والرحمة بهذا المعنى اعم من الرحمة بالمعنى الاول وهى الشفقة لمن يستحقها من العباد يتيما او فقيرا او نحو ذلك وفى الحديث ( لا يرحم اللّه من لا يرحم الناس ) فقوله وتواصوا بالصبر اشارة الى التعظيم لامر اللّه وقوله وتواصوا بالمرحمة اشارة الى الشفقة على خلق اللّه والى التكميل بعد الكمال فان الايمان كمال فى نفسه وكذا الصبر والمرحمة وغيرهما من الاعمال الصالحة والتواصى من باب تكميل الغير قال بعضهم الاطعام خصوصا وقت شدة الحاجة افضل انواع العفة والايمان اجل انواع الحكمة وهو الايمان اجل انواع الحكمة وهو الايمان العلمى اليقينى وجاء فيه بلفظ ثم لبعد رتبته عن الفضيلة الاولى فى الارتفاع والعلو لكونه الاساس والصبر على الشدائد من اعظم انواع شجاعة وأخره عن الايمان لامتناع حصول فضيلة الشجاعة بدون اليقين والتراحم والتعاطف من افضل انواع العدالة. ١٨ { اولئك } الموصوفون بالنعوت الجليلة المذكورة وفى اسم الاشارة دلة على حضورهم عند اللّه فى مقام كرامته وعلو رتبتهم وبعد درجتهم { اصحاب الميمنة } اى اليمين وهم الذين يعطون كتبهم بايمانهم ويسلك بهم من طريق اليمين الى الجنة او اصحاب اليمين والخير والسعادة لان الصلحاء ميامين على انفسهم بطاعتهم وعلى غيرهم ايضا او اصحاب اليد اليمنى. ١٩ { والذين كفروا بآياتنا } بما نصبناه دليلا على الحق من كتاب وحجة او بالقرءآن { هم } فى ضمير الغالب دلالة على سقوطهم عن شرف الحضور وانهم احقاء بالاخفاء { اصحاب المشأمة } اى الشمال وهم الذين يعطون كتبهم بشمائلهم ومن ورآء ظهورهم ويسلك بهم شمالا الى الناراو اصحاب السؤم والشر والشقاوة لان الفساق مشائيم على انفسهم بمعصيتهم وعلى غيرهم ايضا ويجب التوسل بالصلحاء والاجتناب عن الفسقاء او اصحاب اليد اليسرى. ٢٠ { عليهم } خبر مقدم لقوله { نار مؤصدة } اى نار أبوابها مغلقة فلا يفتح لهم باب فلا يخرج منها غم ولا يدخل فيها روح ابدا الآباد الا انها جعلت صفة للنار اشعارا باحاطتهم فاصل التركيب مؤصدة الابواب فلام تركت الاضافة عاد التنوين اليها لانهما يتعاقبان من اوصدت الباب من المعتل الفاء وآصدته بالمد من المهموز مثل آمن اذا اطبقته واغلته واحكمته فمن قرأها مؤصدة بالهمزة جعلها اسم مفعول من آصدت ومن لم يهمزها اخذها من اوصدت مثل اوعد فهو موعد وذلك موعد ويحتمل ان يكون من آصد مثل آمن لكنه قلبت همزته الساكنة واو الضمة ما قبلها للتخفيف وكان ابو بكر بن عباس روى عاصم يكره الهمزة فى هذا الحرف ويقول لنا امام يهمز مؤصدة فاشتهى ان اسد أذنى اذا سمعته وكانه لم يحفظه عن شيخه الا بترك الهمز وقد حفظه حفص بالهمزة وهو اضبط للحرف من ابى بكر على ما نقله القرآء وان كان ابو بكر اكبر وأتقن وأوثق عند اهل الحديث وفيها اشارة الى ان نار الحجاب والخذلان والخسران مؤصدة على نفس الامارة. |
﴿ ٠ ﴾