سُورَةُ الشَّمْسِ مَكِّيَّةٌ وَهِيَ خَمْسَ عَشَرَةَ آيَةً ١ { والشمس } سوكند ميخورم بآفتاب { وضحاها } اى ضوئها اذا طلعت وقام سلطانها وانبسط نورها يعنى سوكند بتايش وى جون بلند كردد وبموضع جاشت رسد. يقال وقت الضحى اى وقت اشراق الضوء فالضحى والضحوة مشتقان من الضح وهو نور الشمس المنبسط على وجه الارض المضاد للظل وفيه اشارة الى الاقسام بشمس الروح وضوئها المنتشر فى البدن الساطع على النفس. ٢ { والقمر اذا تلاها } من التلو بمعنى التبع اى اذا تبعها بان طلع بعد عروبها آخذا من نورها وذلك فى لاصف لاول من الشهر قال الراغب تلاه تبعه متابعة ليس بينهما ما ليس منهما وذلك يكون تارة بالجسم وتارة بالاقتدآء فى الحكم ومصدره تلو وتلو وتارة بالقرءآن وتدبر المعنى ومصدره تلاوة ثم قال قوله والقمر اذا تلاها فانما يراد به ههنا الاتباع على سبيل الاقتدآء والمرتبة وذلك انه فيما قيل ان القمر يقتبس النور من الشمس وهولها بمنزلة الخليقة قيل وعلى هذا قوله وجعل الشمس ضياء والقمر نورا والضياء على مرتبة من النور اذ كل ضياء نور دون العكس وفيه اشارة الى قمر القلب اذ تلا الروح فى التور بها واقباله نحوها واستضاءته بنورها ولم يتبع النفس فيخسف بظلمتها قال شيخى وسندى روح اللّه روحه فى كتاب الملائحات الببرقيات له ان الشمس آية للحقيقة الالهية الكمالية الا كملية واشارة الهيا والقمر آية للحقيقة الانسانية الكمالية الاكمية واشارة اليها فكما ان القمر منذ خلقه اللّه الى ليوم القيامة كان مجلى ومظهر التجلى نور الشمس وظهوره فى الليل حتى يهتدى به ارباب الليل فى الظلمات الليلة فى سيرهم وسلوكهم فى طرق مقاصدهم فكذلك الحقيقة الانسانية الكمالية الاكمية منذ خلقها اللّه الى ابد الآبدين كانت مجلى ومظهرا لتجلى نور الحقيقة الالهية الكمالية الاكملية وظهوره فى الكون حتى يهتدى به ارباب الكون فى ظلمات الكون عند سلوكهم وسيرهم فى العوام والاطوار الكونية نزولا عند السر الى عالم الامكان وعروجا عند السلوك على عالم الوجوب فكما ان القمر يفنى من نوره ونفسه بالنمام فى نور الشمس ونفسها بحيث لا يبقى اثر من نوره ونفسه عند المقارنة والمواصلة الحاصلة بينهما بالتوجه الشمس القابض والاقبال الجاذب عليه ويبقى مع نوره ونفسه اى جرمه بالكمال وبنور الشمس ونفسها بحيث لا يفنى شئ من نوره ونفسه عند المقابلة الكاملة الحاصلة بينهما بالارسال الى نفسه والبسط الى نوره مرارا وكرارا دآئما وباقيا الى يوم القيامة فكذلك الحقيقة الانسانية الكمالية الاكملية تفنى من نورها وتعينها فى نور الحقيقة الالهية الكمالية الاكملية وتعينها بالتمام بحيث لا يبقى لها اتر ما اصلا عند الوصلة الالهية الحاصلة فى مرتبة لذات الاحدية الجمعية المطلقة بالقبض والجذب من نورها وتعينها الى نورها وتعينها الازلى الابدى السرمدى وتبقى مع نورها وتعينها بنورها بحيث لا يفنى منها اثر أصلا عند الفرقة الكونية الحاصلة فى مرتبة المظهرية الكثرتية الفرقية المقيدة بالبسط والارسال الى نورها وتعينها مرارا وكرارا ابدا سرمدا وعند تجلى النور الشمس والالهى وظهوره فى القمر والانسان الكامل تدريجا الى حد الكمال يكمل بقاؤهما وعند استتاره واختفائه عنهما تدريجا ايضا الى حد التمام يتم فناؤهما وفناؤهما على هذا الوجه من قبض جلال الحق سبحانه وبقاؤهما على ذلك النمط من بسط جماله تعالى واللّه يقبض ويبسط دآئما من مرتبة كماله الذاتى بيدى جلال كماله وجماله بل يداه مبسوطتان كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا انتهى كلامه قدس اللّه سره فان قلت اذا ههنا ليست بشرطية لعدم جوابها لفظا او تقديرا حتى يعمل فيها فتكون ظرفا مطلقا فلا بد لها من عامل وهو فى المشهور اقسم المقدر وهو انشاء فيكون للحال واذا للاستقبال ولا اجتماع بينهما فلا تكون ظرفا وقتال له قلت اذا فى امثال هذا المقام للتعليل اى اقسم بالقمر اعتبارا بتلوها وبالنهار اعتبارا بتجليته الشمس وبالليل اعتبرا بغشيانه اياها كما تقول أشهدك على هذا حيث كنت صالحا متدينا اى لاجل ذلك كذا فى بعض التفاسير وقال فى القاموس اذا تجئ للحال و ٣ { والنهار } هو نور الشمس الذى ينسخظل الارض بمحو ظلمة الليل { اذا جلاها } اى جلى الشمس يعنى هويد اكرد فانها تتجلى عند انبساط النهار واستيفائه تمام الانجلاء فكأنه جلاها مع انها التى تبسطه يعنى لما كان انتشار الاثر وهو زمان ارتفاع النهار زمانا لانجلاء الشمس وكان الجلاء واقعا فيه اسند فعل التلجية اليه اسنادا مجازيا مثل نهاره صائم او جلى الظلمة او الدنيا والارض وان لم يجر لها ذكر للعلم بها وفيه اشارة الى نهار استيلاء نور الروح وقيام سلطانها واستواء نورها اذا جلاها وابرزها فى غاية الظهور كالنهار عند الاستوآء فى تجلية الشمس. ٤ { والليل } هو ظل الارض الحائلة بين الشمس وبين ما وقع عليه ظلمة الليل { اذا يغشاها } اى الشمس فيغطى ضوءها فتغيب وتظلم الآفاق ولما كان احتجاب الشمس بحيلولة الارض بيننا وبينها واقعا فى الليل صار الليل كأنه حجبها وغطاها فاسند التغطية وتغشية الى الليل لذلك او اذا يغشى الآفاق والارض ولعل اختيار صيغة المضارع هنا على المضى للدلالة على انه لا يجرى عليه تعالى زمان فالمستقبل عند كالماضى مع مراعاة الفواصل ولم يجيئ غشاها من التغشية لانه يتعدى الى المفعولين وحيث كانت الواوات العاطفة نواب الواو الاولى القسمية القائمة مقام الفعل والباء سادة مسدهما معا فى قولك اقسم باللّه حق ان يعملن عمل الفعل والجار جميعا كما تقول ضرب زيد عمرا وبكر خالدا فترفع الواو وتنصب لقيامها مقام ضرب الذى هو عاملها فاندفع ما يورد ههنا من ان تلك الواوات ان كانت عاطفة يلزم العطف على معمولى عاملين مختلفين وان كانت قسمية يلزم تعداد القسم مع وحدة الجواب وحاصل الدفع اختيار الشق الاول ومنع لزوم المحذور وفيه اشارة الى ليل النفس عند غشيانه بظلمتها شمس نهار الروح وهو أيضا آية من آياته الكبرى لان الليل مظهر الاسم المضل فيجوز القسم به كما جاز القسم بالنهار نظرا الى انه مظهر الاسم الهادى. ٥ { والسماء وما بناها } اى ومن بناها على غاية العظم ونهاية العلو وهو اللّه تعالى وايثار ما على من لارادة الوصفية تعجبا لأن ما يسأل بها عن صفة من يعقل كأنه قيل والقادر العظيم الشان الذى بناها وكذا الكلام فى قوله ٦ { والارض وما طحاها } اى ومن بسطها من كل جانب على الماء كى يعيش اهلها فيها والطحو كالدحو بمعنى البسط وابدال الطاء من الدال جائز وافراد بعض المخلوقات بالذكر وعطف الخالق عليه والاقسام بهما ليس لاستوآئهما فى استحقاق التعظيم بل النكتة فى الترتيب ان يتبين وجود صانع العالم وكمال قدرته ويظفر العقل بادراك جلال اللّه وعظمة شأنه حسبما امكن فانه تعالى لما اقسم بالشمس التى هى اعظم المحسوسات شرفا ونفعا ووصفها باوصافها الاربعة وهو شؤوها وكونها متبوعة للقمر ومتجلية عند ارتفاع النهار ومختفية متغطية بالليل ثم اقسم بالسماء التى هى مسير الشمس واعظم منها فقدنيه على عظمة شأنهما لما تبين ان الاقسام بالشئ تعظيم له ومن المعلوم انهما لحركاتهما الوضعية وتغير أحوالهما من الاجسام الممكنة المحتاجة الى صانع مدبر كامل القدرة بالغ الحكمة فتوسل العقل بمعرفة احوالهما واوصافهما الى كبرياء صانعمها فكان الترتيب المذكور كالطريق الى جذب العقل من حضيض عالم المحسوسات الى يفاع عالم الربوبية وبيدآء كبريائه الصمدية وفيه اشارة الى سماء الارواح وارض الاجساد. ٧ { ونفس وما سواها } اى ومن انشأها وابدعها مستعدة لكمالاتها والتنكير للتخفيم على ان المراد نفس آدم عليه السلام او للتكثير وهو الانسب للجواب وذكر فى تعريف ذات اللّه تعالى السماء والارض والنفس لان الاستدلال على الغائب لا يمكن الا بالشاهد والشاهد ليس الا العالم الجسمانى وهو اما علوى بسيط كالسماء واما سفلى بسيط كالارض واما مركب وهو أقسام اشرفها ذوات الانفس وقد استدل بعطف ما بعدها على ما قبلها على عدم جواز تقدير المضاف فيه مثل ورب الشمس وكذا فى غيره اذا المقدر فى المعطوف عليه يقدر على المعطوف فيكون التقدير ورب ما بناها ورب ما طحاها ورب ما سواها وبطلانه ظاهر فان الظاهر ان تكون فى مواضعها موصولة فاعرف وسيجيئ شرح النفس وتسويتها عند اهل التأويل ان شاء اللّه تعالى. ٨ { فالهمها فجورها وتقواها } الفاء ان كانت لسببية التسوية فالامر ظاهر وان كانت لتعقيبها فلعل المراد منها اتمام ما يتوقف عليها الالهام من القوى الظاهرة والباطنة والالهام القاء الشئ فى الروع اما من جهة اللّه او من جهة الملاء الاعلى واصل الهام الشئ ابتلاعه والفجور شق ستر الديانة قدم على التقوى لمراعاة الفواصل او لشدة الاهتمام بنفيه لانه اذا انتفى الفجور وجدت التقوى فقدم ما هم بشأنه اعنى والمعنى افهم النفس اياهما وعرفهما حالهما من الحسن والقبح وما يؤدى اليه كل منهما ومكنها من اختيار ايهما شاءت قال بعض الكبار الالهام لا يكون الا فى الخبر فلا يقال فى الشر الهمنى اللّه كذا واما قوله تعالى فالهمها فجورها وتقواها فالمراد فجورها لنجتنبه لا لتعمل به وتقواها لتعمل به اذ ليس فى كلام اللّه تناقض ابدا وقال بعضهم لا يخفى ان محل الالهام هو النفس قال تعالى فالهمها فجورها وتقواها فاعلمنا ان الفاعل فى الالهام هويته تعالى لا غيره لكن الهم النفس فجورها لتعلمه به وتقواها لتعلمه وتعمل به فهو فى قسم الفجور الهام اعلام لا الهام عمل ان اللّه لا يأمر بالفحشاء وكما لا يأمر بالفحشاء لا يلهم بها فانه لوالهم بها ما قامت الحجة لله على العبد فهذه الآية مثل قوله وهديناه النجدين اى بينا له الطريقين وقال بعضهم لم ينسب سبحانه الى النفس خاطر المباح والالهامه فيها وسبب ذلك ان المباح لها ذاتى فبنفس ما خلق عينها ظهر المباح فهو من صفاتها النفسية التى لا تعقل النفس الا بها فخاطر المباح نعت خاص كالضحك للانسان وفى التأويلات النجمية تدل الآية على كون النفوس كلها حقيقة واحدة متحدة تختلف باختلاف توارد الاحوال والاسماء فان حقيقة النفس المطلقة من غير اعتبار حكم معها اذا توجهت الى اللّه توجها كليا سميت مطمئنة واذا توجهت الى الطبيعة توجها كليا سميت امارة واذا توجهت تارة الى الحق بالتقوى وتارة ارى الى الطبيعة البشرية بالفجور سميت لوامة انتهى وفى الخبر الصحيح عن عمران بن حصين رضى اللّه عنه سأل رجل من جهينة او مزينة رسول اللّه عليه السلام ما يمل الناس ويكدحون فيه أشئ قضى عليهم ام شئ يستقبلونه فقال عليه السلام ( بل قضى عليهم ) قال ففيم العمل اذا يا رسول اللّه فقال عليه السلام ( من كان خلقه اللّه لاحدى المنزلتين يهيئه اللّه لها ) ثم تلا الآية وقال ابن عباس رضى اللّه عنهما كان رسول اللّه عليه السلام يقول عند الآية ( اللهم آت نفسى تقواها وزكها انت خير من زكاها انت وليها ومولها ) ٩ { قد افلح من زكاها } جواب القسم وحذف اللام لطول الكلام وقال الزجاج طول الكلام صار عوضا عن اللام وانما تركه الكشاف وغيره لانه يوجب الحذف والحذف لا يجب مع الطول ولم يجعل كذبت جوابها لان اقسام اللّه انما يؤكد به الوعد او الظفر وادراك البغية وهو دنيوى كالظفر بالسعادات التى تطيب بها الحياة الدنيا من الغنى والعز والبقاء مع الصحة ونحوها واخروى وهو بقاء فلا فناء وغنى بلا فقر وعز بلا ذل وعلم بلا جهل ولذلك قيل لا عيش الا عيش الآخرة واصل الزكاة الزيادة والنمو ومنه زكا الزرع اذا حصل فيه نمو كثير وبركة ومنه تزكية القاضى الشاهد لانه يرفع قدره بالتعديل ومنه الزكاة لما يخرج الانسان من حق اللّه الى الفقرآء لما فيها من رجاء البركة او لتزكية النفس اى تنميتها بالخيرات والبركات اولهما جميعا فان الخيرين موجدان فيها والمعنى قد فاز بكل مطلوب ونجا من كل مكروه من انمى النفس واعلاها بالتقوى اى رفعها واظهرها وشهرها بها فاهل الصلاح يظهرون انفسهم ويشهرونها بما سطع من انوار تقواهم الى الملأ الاعلى وبملازمتهم مواضع الطاعات ومحافل الخيرات بخلاف اهل الفسق فانهم يخفون انفسهم ويدسونها فى المواضع الخفية لا يلوح عليهم سيما سعادة يشتهرون به بين عباد اللّه المقربين واصل هذا ان اجواد العرب كانوا ينزلون فى ارفع المواضع ويوقدون النار للطارقين لتكون اشهر واللئام ينزلون الاطراف والهضاب لتخفى اماكنهم عن الطالبين فاخفوا انفسهم فالبار ايضا اظهر نفسه اباعمال البر والفاجر دسها وتستعمل التزكية بمعنى التطهير ايضا كما قال فى القاموس الزكاة صفة الشئ وما اخرجته من مالك لتطهره به فالمعنى قد افلح من طهر نفسه من المخالفات الشريعة عقدا وخلقا وعملا وقولا فقد اقسم تعالى بسبعة اشياء على فلاح من زكى نفسه ترغيبا فى تزكيتها. وابن عباس رضى اللّه عنهما روايت كرده كه حضرت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم نزديك تلاوت اين آيت فرمودى كه تزكيه انفس موجب تزكيه دل است هركاه كه نفس ازشوب هوا مزكى شود فى الحال دل ارلوث تعلق بما سوى مصفى كردد تانفس مبراز مناهى لشود ... دل آيينه نور الهى نشود وكون افعال العبد بتقدير اللّه تعالى وخلقه لا ينافى اسناد الفعل الى العبد فانه يقال ضرب زيد ولا يقال ضرب اللّه مع أن الضرب بخلقه وتقديره وذلك لأن وضع الفعل بالنسبة الى الكاسب قال الراغب وبزكاه النفس وطهارتها يصير الانسان بحيث يستحق فى الدنيا الاوصاف المحمودةوفىلآخرة الاجر والمثوبة وهو أن يتحرى الانسان ما فيه تطهيره وذلك ينسب تارة الى العبد لاكتسابه ذلك بجر قد افلح من زكاها ونارة الى اللّه لكونه فاعلا لذلك فى الحقيقة نحو بل اللّه يزكى من يشاء وتارة الى الشئ لكونه واسطة فى وصول ذلك اليهم نحو خذ من اموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وتارة الى العبادة التى هى آلة فى ذلك نحو وحنانا من لدنا وزكاء انتهى. ١٠ { وقد خاب من دساها } فى لقاموس خاب يخيب خيبة حرم وخسر وكفر ولم ينل ما طلب واصل دسى دسس كتقضى البازى وتقضض من التدسيس الراغب الدس ادخال الشئ فى الشئ بضرب من الاكراه ودساها اى دسسها فى المعاصى انتهى والمعنى قد خسر من نقصها واخفاها بالفجور وبارسالها فى المشتهيات الطبيعية وقال شيخى وسندى قدس سره فى قوله تعالى ونفس الخ المراد بالنفس هنا الذات والحقيقة الجمعية الانسانية الكمالية المخلوقة على الصورة الالهية الجمعية الكمالية لتكونمرءآة لها كما ورد خلق اللّه آدم على صورته ويقال لها النفس الناطقة المدبرة للبدن وما سواها اى خلقها مستوية قابلة لتكون مجلى لتجليات تعينات الكمال والجلال والجمال ومتوسطة ممكنة لتكون مظهرا الظهورات الذات والصفات والافعال ومعتدلة صالحة لتكون مشهدا لمشاهدات آثار الاسماء والمراتب والاحوال وبهذه القابلية الجامعة بين القبضتين الجمال والجلال كانت اتم كل موجود فألهمها افاض عليها بوساطة سادة الجلال فجورها اى آثار الجلال المندرج فى جميعة حقيقتها البرزخية واحكامه واحواله من العقائد والعلوم والاعمال والمذاهب وغير ذلك مما نفجر وتميل فيه من الحق الى الباطل فتجازى بالخسران وتقواها وافاض عليها بوساطة خادم الجمال اى آثار الجمال واموره واحكامه من كلمة التوحيد العلمى الرسمى المنافى للشرك والكفر والهوى اجلى وسائر الفساد فى تبة الشريعة والطريقة ومن كلمة التوحيد العينى الحقيقى المزيل للشرك والكفر والهوى الخفى وباقى الكساد فى مرتبة المعرفة والحقيقة ومن غيرهما من لطائف العلوم والمعارف ومحاسن الاعمال والاحوال ومكارم الاخلاق والصفات قد أفلح اى دخل فى الفلاح فى جميع المراتب صورة وحقيقة من زكاها من طهرها من رذآئل آثار الجلال فى جميع الاطوار وقد خاب اى حرم من الفلاح من دساها اى اخفى فيها الآثار الجلالية والصفات النفسانية وكتم فيها العيوب والقبائح الشيطانية والاهوآء والشهوات البهيمية والاعمال والاخلاق الرديئة ولم يعالجها باضدادها بل اهملها عن التربية فى مرتبة الشريعة بالتقوى والصلاح وعن التزكية فى مرتبة الطريقة بالمجاهدة والاصلاح وساعدها فى هواها وشهواتها فى النيات والمقصود والاعمال والاقوال وصارت حراتها وسكناتها جميعا بالاهوآء انتهى باختصار فان كلامه رحمه اللّه فى هذه الآية يبلغ الى نصف جزء بل اكثر. ١١ { كذبت ثمود } المراد القبيلة ولذا قال { بطغواها } وهو استئناف وارد لتقرير مضمون قوله تعالى وقد خاب من دساها فان الطغيان اعظم انواع التدسية والطغوى بالفتح مصدر بمعنى الطغيان الا انه لما كان اشبه برؤوس الآيات اختير على لفظ الطغيان وان كان الطغيان اشهرو فى الكشف الطغوى من الطغيان فصلوا بين الاسم والصفة فى فعلى من بنات الياء بان قلبوا الياء واوا فى الاسم وتركوا القلب فى الصفة فقالوا امرأة خزيا وصديا من الخزى بالفتح والقصر بمعنى الاستحياء ومن الصدى بمعنى العطش والباء للسببية اى فعلت التكذيب بسبب طغيانها كما تقول ظلمنى بجرآءته على اللّه فافعل منزل منزلة اللازم فلا يقدر له مفعول وهو المشهور او كذبت ثمود نبيها صالحا عليه السلام فحذف المفعول للعلم به وفيه اشارة الى أن العصيان اذا اشتد بلغ الكفر ويجوز ان تكون الباء صلة للتكذيب اى كذبت بما اوعدت به من العذاب ذى الطغوى والتجاوز عن الحد وهو الصيحة كقوله تعالى فاهلكوا بالطاغية اى بصيحة ذات طغيان. ١٢ { اذ انبعث اشقاها } منصوب بكذبت او بالطغوى اى حين قام اشقى ثمود وهو قدار بن سالف امتثالا لامر من بعثه اليه فان انبعث مطاوع لبعث يقال بعثت فلانا على امر فانبعث له وامتثل قال فى كشف الاسرار الانبعاث الاسراع فى الطاعة للباعث او حين قام قدار ومن تصدى معه لعقر الناقة من الاشقياء فان افعل التفضيل اذا اضيف يصلح للواحد والمتعدد والمذكر والمؤنث ويدل على الاول قوله تعالى فى سورة القمر فنادوا صاحبهم فتعاطى فعقر فانه يدل على ان المباشر واحد معين وفضل شقاوتهم على من عداهم مباشرتهم العقر مع اشتراك الكل فى الرضى. ١٣ { فقال لهم } اى لثمود { سول اللّه } لما علم ما عزموا عليه وهو صالح عليه السلام ابن عبيد بن جابر بن ثمود بن عوص بن ارم فالاضافة للعهد عبر عنه بعنوان الرسالة ايذانا بوجواب طاعته وبيانا لغاية عتوهم وتماديهم فى الطغيان { ناقة اللّه } منصوب على التحذير وان لم يكن من الصور التى يجب فيها حذف العامل والناقة بالفارسية اشترماده اضيفت اليه تعالى للشريف كبيت اللّه اى ذروا ناقة اللّه الدالة على وحدانيته وكمال قدرته وعلى نبوتى واحذروا عقرها { وسقيها } يعنى شربها وهو نصيبها من الماء ولا تطردوها عنه فى توبتها فانها كان لها شرب يوم معلوم ولهم ومواشيهم شرب يوم آخر وكانوا يستضرون بذلك فى مواشيهم فهموا بعقرها. ١٤ اى رسول اللّه فى وعيده بقوله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب قريب { فعقروها } اى الاشقى والجمع على تقدير وحدته لرضى الكل بفعله قال السهيلى العاقر قدار بن سالف وامه قديرة وصاحب الذى شاركه فى عقر الناقة اسمه مصدع بن وهراوا بن جهم والعقر النحر وقدم التكذيب على العقر لأنه كان سبب العقر وفى الحديث قال عليه السلام لعلى ( اتدرى من اشقى الاولين ) قال اللّه رسوله اعلم قال ( عاقر الناقة ) قال ( اتدرى من اشقى الآخرين ) قال اللّه ورسوله اعلم قال ( قاتلك ) وذلك أن الناقة اشارة الى ناقة الروح فكما أن عقرها بالظلمة النفسانية والشهوات الحيوانية من مزيد شقاوة النفس فكذا قتل على رضى اللّه عنه فانه كان مظهرا لروحانية نبينا عليه السلام ولذا كان وارثه الاكبر فى مقام الحقيقة فالقصد على الولى رضى اللّه عنه قصد الى محمد النبى عليه السلام ولا شقاوة فوق الشقاوة من قابل مظهرا الرحمة الكلية بالغضب وانتقام { فدمدم عليهم ربهم } فاطبق علهيم العذاب وهو الصيحة الهائلة وهو من تكرير قولهم ناقد مدمومة اذا طلبت بالشحم واحيطت بحيث لم يبق منها شئ لم يمسه الشحم ودم الشئ سده بالقبر ودممت على القبر وغيره اذا اطبقت عليه ثم كررت الدال للمبالغة فى الاحاطة فالدمدمة من الدمدم كالكبكة من الكب قال فى كشف الاسرار تقول العرب دممت على فلان ثم تقول من المبالغة مدممت بالتشديد ثم نقول من تشديد المبالغة دمدمت والتركيب يدل على غشيان الشئ الشئ { بذنبهم } اى بسبب ذنبهم المحكى والتصريح بذلك مع دلالة الفاء عليه للانذار بعاقبة لاذنب ليعتبر به كل مذنب { فسواها } اى الدمدمة والاهلاك بينهم لم يفلت منهم واحد من صغير وكبير او فسوى ثمود بالارض ( روى ) أنهم لما رأوا علامات العذاب طلبوا صالحا عليه السلام ان يقتلوه فانجاه اللّه كما قال فى سورة هود فلما جاء امرنا نجينا صالحا والذين آمنوا معه برحمه منا. ١٥ { ولا يخاف عقباها } الواو للاستئناف او للحال من المنوى فى فسواها الراجع الى اللّه تعالى اى فسواها اللّه غيى خائف عاقبة الدمدمة وتبعتاه او عاقبة هلاك ثمود كما يخاف سائر المعاقبين من الملوك والولاة فيترحم بعض الترحم وذلك أن اللّه تعالى لا يفعل الا بحق وكل من فعل بحق فانه لا يخاف عاقبة ولا يبالى عقابة ما صنع وان كان من شأنه الخوف وقال بعضهم ولا يخاف هواى قدار ولا هم ما يعقب عقرها ويتبعه وما يترتب عليه من انواع البلاء والمصيبة والعقاب مع أن صالحا عليه السلام قد اخبرهم بها. |
﴿ ٠ ﴾