سُورَةُ الْعَلَقِ مَكِّيَّةٌ

وَهِيَ تِسْعَ عَشَرَةَ آيَةً

١

{ اقرأ } اى ما يوحى اليك يا محمد فان الامر بالقرآءة يقتضى المقروء قطعا وحيث لم يعين وجب ان يكون ذلك ما يتصل بالام حتما سوآء كانت السورة اول ما نزل ام لا فليس فيه تكليف ما لا يطاق سوآء دل الامر على الفور ام لا والاقرب أن هذا الى قوله ما لم يعلم اول ما نزل عليه صلّى اللّه عليه وسلّم على ما دلت عليه الاحاديث الصحيحة والخلاف انما هو فى تمام السورة عن عائشة رضى اللّه عنها اول ما ابتدئ به رسول اللّه عليه السلام من النبوة حين اراد اللّه به كرامته ورحمة العباد به الرؤيا الصالحة كان لا يرى رؤيا الا جاءت كفلق الصبح اى كضيائه ونارته فلا يشك فيها احد كما لا يشك فى وضح ضياء الصبح وانما ابتدئ عليه السلام بالرؤيا لئلا يفجأه الملك الذى هو جبريل بالرسالة فلا تتحملها القوة البشرية لانهما لا تحتمل رؤية الملك وان لم يكن على صورته الاصلية ولا على سماع صوته ولا على ما يخبر به فكانت الرؤيا تأنيسا له وكانت مدة الرؤيا ستة اشهر على على ما هو ادنى الحمل ثم جاءه الملك فعبر من عالم الرؤيا الى عالم المثال ولذا قال الصوفية ان الحاجة الى التعبير انما هى فى مرتبة النفس الامارة واللوامة واذا وصل السالك الى النفس الملهمة كما قال تعالى فألهمها فجورها وتقواها قل احتياجه الى التعبير لأنه حينئذ يكون ملهما من اللّه تعالى فمرتبة الالهام له كمرتبة مجيئ الملك للرسول عليه السلام فاذا كانت مدة الريا ذلك العدد يكون ابتدآؤها فى شهر ربيع الاول وهو مولده عليه السلام ثم اوحى اليه فى اليقظة فى شهر رمضان وكان عليه السلام فى تلك المدة اذا خلا يسمع ندآء يا محمد يا محمد ويرى نورا اى يقظة وكان يخشى ان يكون الذى يناديه تابعا من الجن كما ينادى الكهنة وكان فى جبل حرآء غار وهو الجبل الذى نادى رسول اللّه بقوله الى يا رسول اللّه لما قال له ثبير وهو على ظهره اهبط عنى يا رسول اللّه فانى اخاف ان تقتل على ظهرى وكان عليه السلام يتعبد فى ذلك الغار ليالى ثلاثا وسبعا وشهرا ويتزود لذلك من الكعك والزيت وذلك فى تلك المدة وقبلها واول من تعبد فيه من قريش جده عبد المطلب ثم تبعه سائر المتألهين وهم ابو امية بن المغيرة وورقة بن نوفل ونحوهما وكان وقة بن نوفل بن اسد بن عبد العزى بن قصى بن عم خديجة رضى اللّه عنهما وكان قد قرأ الكتب وكتب الكتاب العبرى وكان شيخا كبيرا قد عمى فى اوآخر عمره ثم لما بلغ عليه السلام رأس الاربعين ودخلت ليلة سبع عشرة من شهر رمضان جاءه الملك وهو فى الغار كما قال المام الصرصرى رحمه الله

واتت عليه أربعون فاشرقت ... شمس النبوة منه فى رمضان

قالت عائشة رضى اللّه عنها جاءه الملك سحره يوم الاثنين فقال اقرأ قال ما انا بقارئ قال فأخذنى فغطنى اى ضمنى وعصرنى ثم ارسلنى فعله ثلاث مرات ثم قال اقرأ الى قوله مالم يعلم واخذ منه القاضى شريح من التابعين ان المعلم لا يضرب الصبى على تعليم القرءآن اكثر من ثلاث ضربات فخرج عليه السلام من الغار حتى اذا كان فى جانب من الجبل سمع صوتا يقول يا محمد انت رسول اللّه وانا جبريل ورجع الى خديجة يرجف فؤآده فحدثها بما جرى فقالت له ابشر يا ابن عمى واثبت فوالذى نفسى بيده انى لارجو أن تكون نبى هذه الامة ثم انطلقت الى ورقة فاخبرته بذلك فقال فيه

فان يك حقا يا خديجة فاعلمى ... حديثك ايانا فاحمد مرسل

وجبريل يأتيه وميكال معهما ... من اللّه وحى يشرح الصدر منزل

يفوز به من فاز عزا لدينه ... ويشقى به الغاوى الشقى المضلل

فريقان منهم فرقة فى جنانه ... واخرى باغلال الجحيم تغلل

ومكث عليه السلام مدة لا يرى جبريل وانما كان كذلك ليذهب عنه ما كان يجده من الرعب وليحصل له التشوق الى العود وكانت مدة الفترة اى فترة الوحى بين اقرأ وبين يا ايها المدثر وتوفى ورقة فى هذه الفترة دفن الحجون وقد آمن به عليه السلام وصدقه قبل الدعو التى هى الرسالة ولذا قال عليه السلام ( لقد رأيته فى الجنة وعليه ثياب الحرير ) ثم نزل يا ايها المدثر قم فانذر فظهر الفرق بين النبوة والرسالة قال بعض العارفين اهل الارداة فى الطلب والمراد مطلوب وهو نعت الحبيب ألا ترا أنه لما قيل له اقرأ استقبله الامر من غير طلب ونظيره الم نشرح لك صدرك فانه فرق بينه وبين قول موسى رب اشرح له صدرى

{ باسم ربك } متعلق بمضمر هو حال من ضمير الفاعل اى اقرأ ملتبسا باسم اللّه تعالى اى مبتدئا به ليتحقق مقارنته لجميع اجزآء المقروء اى قل بسم اللّه الرحمن الرحيم ثم اقرأ فعلم أن اقرأ باسم ربك نزلت من غير بسملة وقد صرح بذلك الامام البخارى رحمه اللّه امره بذلك لأن ذكر اسم اللّه قوة له فى القرآءة وانس بمولاه فان النس بالاسم يفضى الى الانس بالمسمى والذكر باللسان يؤدى الى الذكر بالجنان والباء فى باسم بره تعالى على على المؤمنين بانواع الكرامات فى الدارين والسين كونه سميعا لدعاء الخلق جميعا والميم معناه من العرش الى تحت الثرى ملكه وملكه وفى الكواشى دخلت الباء فى اقرأ بسم ربك لتدلعلى الملازمة والتكرير كأخذت بالخطام ولو قلت اخذت الخطام لم يدل على التكرير والجوام وفى كتاب شمس المعارف اول آية نزلت على وجه الارض بسم اللّه الرحمن الرحيم يعنى على آدم الصفى عليه السلام فقال آم الآن علمت أن ذريتى لا تعذب بالنار ما دامت عليها ثم انزلت على ابراهيم عليه السلام فى المنجنيق فانجاه اللّه بها من النار ثم على موسى عليه السلام فقهر بها فرعون وجنوده ثم على سليمان عليه السلام فقالت الملائكة الآن واللّه قد تم ملكك فهى آية الرحمة والامان لرسوله واممهم ولما نزلت على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فى سورة النمل انه من سلمان وانه بسم اللّه الرحمن الرحيم كانت فتحا عظيما فأمر رسول اللّه فكتبت على رؤوس السور وظهور الدفاتر واوآئل الرسائل وحلف رب العزة بعزته ان لا يسميه عبد مؤمن على شئ الا بورك له فيه وكانت لقائلها حجابا من النار وهى تسعة عشر حرفا تدفع تسعة عشرة زبانية وفى الخبر النبوى لووضعت السموات والارضون وما فيهن وما بينهن فى كفة والبسملة فى كفة لرجحت عليها يعنى البسملة

{ الذى خلق } وصف الرب به لتذكير اول النعماء الفائضة عليه منه تعالى والتنبيه على أن من قدر على خلق الانسان على ما هو عليه من الحياة وما يتبعها من الكمالات العلمية والعملية من ماد للم تشم رائحة الحياة فضلا عن سائر الكمالات قادر على تعليم القرآءة للحى العالم المتكلم اى الذى له الخلق والمستأثر به لا خالق سواه فيكون خلق منزل منزلة اللازم وبه يتم مرام المقام لدلالته على أن ك خلق مختص به او خلق كل شئ فيكون من حذف المفعول للدلالة على التعميم وقال فى فتح الرحمن لما ذكر الرب وكانت العرب فى الجاهلية تسمى الاصنام اربابا جاء بالصفة التى لا شركة للاصنام فبها فقال الذى خلق.

٢

{ خلق الانسان } على الاول تخصيص لخلق الانسان بالذكر من بين سائر المخلوقات لاستقلاله ببدآئع الصنع والتدبير وعلى الثانى افراد للانسان من بين سائر المخوقات بالبيان وتفخيم لشأنه اذ هو اشرفهم وعليه نزل التنزيل وهو المأمور بالقرآءة ويجوز أن يراد بالفعل الاول ايضا خلق الانسان ويقصد بتجريده عن المفهوم الابهام ثم التفسير روما لتخفيم فطرته

{ من علق } جمع علقة كثمر وثمرة وهى الدم الجامد واذا جرى فهو المسفوح اى دم جامد رطب يعلق بما مر عليه لبيان كمال قدرته تعالى باظهار ما بين حالته الاولى والآخرة من التباين البين وايراده بلفظ الجمع حيث لم يقل علقة بناء على أن الانسان فى معنى الجمع لأن الالف فيه للاستغراق لمراعاة الفواصل ولعله هو السر فى تخصيصه بالذكر من بين سائر اطوار الفطرة الانسانية مع كون النطفة والتراب ادل منه على كمال القدرة لكونهما ابعد منه بالنسبة الى الانسانية ولما كان خلق الانسان اول النعم الفائضة عليه منه تعالى واقوم الدلائل الدالة على وجوده تعالى وكماله قدرته وعلمه وحكمته وصف ذاته تعالى بذلك اولا ليستشهد عليه السلام به على تمكينه تعالى من القرءآة وفى حواشى ابن الشيه ان الحكيم سبحانه لما اراد أن يبعثه رسولا الى المشركين لو قال له اقرأ باسم ربك الذى لا شريك له لابوا أن يقبلوا ذلك منه لكنه تعالى قدم فى ذلك مقدمة تجلئهم الى الاعتراف به حيث امر رسوله أن يقول لهم انهم هم الذين خلقوا منالعلقة ولا يمكنهم انكاره ثم أن يقول لهم لا بد للفعل من فاعل فلا يمكنهم ان يضيفوا ذلك الفعل الى الوثن لعلمهم بأنهم نحتوه فبهذا التدريج يقرون بأنى انا المستحق للثناء دون دون الاوثان لاءن الالهية موقوفة على الخالقية ومن لم يخلق شيأ كيف يكون الهاء مستحقا للعبادة ومن هذه الطريقة ما يحكى أن زفر لما بعثه ابو حنيفة رحمه اللّه الى البصرة لتقرير مذهبه فيهم فوصل اليهم وذكر ابا حنيفة منعوه ولم يلتفتوا اليه فرجع الى ابى حنيفة لتقرير بذلك فقال له ابو حنيفة انك لم تعرف طريق التبليغ لكن ارجع اليهم واذكر فى المسألة اقاويل ائمتهم ثم بين ضعفها ثم قل بعد ذلك ههنا قول اخر فاذكر قولى وحجتى فاذا تمكن ذلك فى قلبهم فقل هذا قول ابى حنيفة فانهم حينئذ يستحسنونه فلا يردونه.

٣

{ اقرأ } اى افعل ما امرت به وكرر علامة الامر بالقرآءة تأكيدا للايجاب وتمهيدا لما يعقبه من قوله تعالى

{ وربك الاكرم } الخ فانه كلام مستأنف ولذا وضع السجاوندى علامة الوقف الجائز على خلق وارد لازاحة ما بينه عليه السلام من العذر بقوله ( ما انا بقارئ ) يريد أن القرآءة شأن من يكتب ويقرأ وانا امى فقيل له وربك الذى امرك بالقرآءة متبدئا باسمه وهو الاكرم اى الزآئد فى الكرم على كل كريم فانه ينعم بلا غرض ولا يطلب مدحا او ثوابا او تخلصا من المذمة ايضا أن كل كريم انما اخذ الكرم منه فكيف يساوى الاصل وقال ابن الشيخ ربك مبتدأ والاكرم صفته والذى مع صلته خبر.

٤

{ الذى علم بالقلم } اى علم ما علم بواسطة القلم لا غيره فكما علم القارئ بواسطة الكتابة والقلم يعلمك بدونهما وقال بعضهم علم الخط بالقلم والقلم ما يكتب به لأنه يقلم ويقص ويقطع وفيه امتنان على الانسان بتعليم علم الخط وزالكتابة بالقلم ولذلك قيل العلم صيد والكتابة قيده

وقيل

وما من كاتب الا سيبلى ... ويبقى الدهر ما كتبت بداه

فلا تكتب بكفك غير شئ ... يسرك فى القيامة ان تراه

ولولا القلم ما استقامت امور الدين والدنيا وفيه اشارة الى القلم الاعلى الذى هو اول موجود وهو الروح النبوى عليه السلام فان اللّه علم القلب بواسطته ما لم يعلم من العلوم التفصيلية قال كعب الاحبار اول من وضع الكتاب العربى والسريانى والكتب كلها آدم عليه السلام قبل موته بثلاثمائة سنة كتبها فى الطين ثم طبخه فاستخرج ادريس ما كتب آدم وهذا هو الاصح

واما اول من كتب خط الرمل فادريس عليه السلام واول من كتب بالفارسية طهمورث ثالث ملوك الفرس واول من اتخذ القراطيس يوسف عليه السلام قال السيوطى رحمه اللّه اول ما خلق اللّه القلم قال له لاكتب ما هو كائن الى يوم القيامة واول ما كتب القلم انا التواب اتوب على من تاب

قال بعضهم وجه المناسبة بين الخلق من العلق وتعليم القلم أن ادنى مراتب الانسان كونه علقة واعلاها كونه عالما فاللّه تعالى امتن على الانسان بنقله من ادنى المراتب وهى العلقة الى اعلاها وهو تعلم العلم ثم اللّه الذى خلق الانسان على صورته الحقيقية خلقه من علقة التجلى الاولى الحبى المشار اليه بقوله ( كنت كنزا مخفيا فاحببت أن اعرف فخلقت الخلق فصارت المحبة الذاتية علقة بالايجاد الحى وهو اكرم الاكرمين ) اذ هو جامع محيط بجميع الاسماء الدالة على الكرم كالجواد والواهب والمعطى والرازق وغيرها.

٥

{ علم الانسان ما لم يعلم } بدل اشتمال من علم بالقلم وتعيين للمفعول اى علمه به وبدونه من الامور الكلية والجزئية والجلية والخفية ما لم يكتب قلت لأنه لو كتب لقيل قرأ القرءآن من صحف الاولين ومن كان القلم الاعلى يخدمه واللوح المحفوظ مصحفه ومنظره لا يحتاج الى تصوير الرسوم وتشكيل العلوم بآيات الجسمانية لأن الخط صنعة ذهنية وقوة طبيعية صدرت بالآلة الجسمانية وفيه اشارة بديعة الى أن امته بين الامم هم الروحانيون وصفهم سبحانه فى الانجيل امة محمد انا جيلهم فى صدورهم لو لم يكن رسم الخطوط لكانوا يحفظون شرآئعه عليه السلام بقلوبهم لكمال قوتهم وظهور استعداداتم.

٦

{ كلا } ردع لمن كفر بنعمة اللّه علبه بطغيانه وان لم يسبق ذكره للمبالغة فى الزجر فيوقف عليه وقال السجاوندى يوقف على ما لم يعلم لأنه بمعنى حقا ولذا وضع علامة الوقف عليه

{ ان الانسان ليطغى } اى يتجاوز الحد ويستكبر على ربه بيان للمردوع والمردوع عنه قيل ان هذا الى آخر السورة نزل فى ابى جهل بعد زمان وهو الظاهر.

٧

{ أن رآه استغنى } مفعول له اى يطغى لأن رأى وعلم نفسه مستغنيا او ابصر مثل ابى جهل واصحابه ومثل فرعون ادعى الربوبية قال ابن مسعود رضى اللّه عنه منهومان لا يشبعان طالب العلم وطالب الدنيا ولا يستويان اما اطالب العلم فيزداد فى رضى اللّه

واما طالب الدنيا فيزداد فى الطغيان وتعليل طغيانه برؤيته لنفسه الاستغناء للايذان بأن مدار طغيانه زعمه الفاسد روى أن ابا جهل قال لرسول اللّه عليه السلام اتزعم أن من استغنى طغى فاجعل لنا جبال مكة فضة وذهبا لعلنا نأخذ منها فنطغى فندع ديننا ونتبع دينك فنزل جبريل فقال ان شئت فلعنا ذلك ثم ان لم يؤمنوا فعلنا بهم ما فعلنا باصحاب المائدة فكف رسول اللّه عن الدعاء ابقاء عليهم ورحمة واول هذه السورة يدل على مدح العلم وآخرها على مذمة المال وكفى بذلك مرغبا فى العلم والدين ومنفرا عن المال والدنيا وكان عليه السلام يقول اللهم انى اعوذ بك من غنى يطغى وفقر ينسى وفيه اشارة الى أن الانسان اذا رأى نفسه مظهر بعض صفات ربه واسمائه يدعها لنفسه ويظن أن تلك الصفات والاسماء الالهية المودعة فيه بحكمة بالغة ملك له وهو مالكها فيعجب بها وبكمالاتها فيستغنى عن مالكها الذى اودعها فيه ليستدل بها على خالقه وبارئه.

٨

{ ان الى ربك الرجعى } الرجعى مصدر بمعنى الرجوع والالف للتأنيث اى ان الى مالك امرك ايها الانسان رجوع الكل بالموت والبعث لا الى غيره استقلالا او اشتراكا فسترى حينئذ عاقبة طغيانك

وآنجاهمه را عمل بكار آيدنه اموال ... توانكرى نه بمالست نزداهل كمال ... كه مال تالب كورست وبعد ازان اعمال ...

٩

انظر تفسير الآية:١٠

١٠

{ ارأيت الذى ينهى عبدا اذا صلى } الاستفهام للتعجيب والرؤية بصرية والخطاب لكل من يتأتى منه الرؤية وتنكير عبدا لتفخيمه عليه السلام كأنه قيل ينهى اكمل الخلق فى العبودية عن عبادة ربه والعدول عن ينهاك الى ينهى عبدا دال على أن النهى كان للعبد عن اقامة خدمة مولاه ولا اقبح منه روى أن ابا جهل قال فى ملأ من طغاة قريش لئن رأيت محمدا يصلى لأطأن عنقه وفى التكملة نهى محمدا عن الصلاة وهم أن يلقى على رأسه حجرا فرآه فى الصلاة وهى صلاة الظهر فجاءه ثم نكص على عقبيه فقالوا مالك فقال ان بينى وبينه لخندقا من نار وهولا واجنحة فنزلت والمراد اجنحة الملائكة ابصر اللعين الاجنحة ولم يبصر اصحابها فقال عليه السلام ( والذى نفسى بيده لو دنا منى لاختطفته الملائكة عضو عضوا ) وكان ابو جهل يكنى فى الجاهلية بأبى الحكم لأنه كانوا يزعمون أنه عالم ذو حكمة ثم سمى ابا جهل فى الاسلام.

يقول الفقير كان عليه السلام يدعو ويقول ( اللهم اعز الاسلام بابى جهل او بعمر ) فلما اعزه اللّه بعمر رضى اللّه عنه دل على أن عمرا سعد قريش كما ان ابا جهل اشقى قريش اذا الاشياء تتبين باضدادها.

١١

{ ارأيت } رؤية قلبية معناه اخبرنى ذلك الناهى وهو المفعول الاول

{ ان كان على الهدى } فيما ينهى عنه من عبادة اللّه.

١٢

{ او امر بالقوى } اى امر بالتقوى فيما يأمر به من عبادة الاوثان كما يعتقده وهذه الجملة الشرطية بجوابها المحذوف وهو ألم يعلم بأن اللّه يرى سدت مسد المفعول الثانى فان المفعول الثانى لأرأيت لا يكون الا جملة استفهامية او قسمية وانما حذف جوب هذه الشرطية اكتفاء عنه بجواب الشرطية لأن قوله ان كذب وتولى مقابل للشرط الاول وهوان كان على الهدى او امر بالتقوى والآية فى الحقيقة تهكم بالناهى ضرورة انه ليس فى النهى عن عبادته تعالى والامر بعبادة الاصنام على هدى البتة.

١٣

{ ارأيت } اخبرنى ذلك الناهى

{ ان كذب وتولى } اى ان كان مكذبا للحق معرضا عن الصواب كما نقول نحن ونظم الامر والتكذيب والتولى فى سلك الشرط المتردد بين الوقوع وعدمه ليس باعتبار انفس الافعال المذكورة من حيث صدورها عن الفاعل فان ذلك ليس فى حيز التردد اصلا بل باعتبار اوصافها التى هى كونها امرا بالتقوى وتكذيبا وتوليا.

١٤

{ ألم يعلم بأن اللّه يرى } جواب للشرطية الثانية اى يطلع على احواله فيجاريه بها حتى اجترأ على ما فعل اى قد علم ذلك الناهى أن اللّه يرى فكيف صدر منه ما صدر وانما افرد التكذيب والتولى بشرطية مستقلة مقرونة بالجواب مصدره باستخبار مستأنف ولم ينظمهما فى سلك الشرط الاول بعطفهما على كان للايذان باستقلالهما بالوقوع فى نفس الامر وباستتباع الوعيد الذى ينطق به الجواب

واما القسم الاول فأمر مستحيل قد ذكر فى حيز الشرط لتوسيع الدآئرة وهو السر فى تجريد الشرطية الاولى عن الجوب والاحالة به على جواب الثانية

وقيل المعنى ارأيت الذى ينهى عبدا يصلى والمنهى على الهدى امرا بالتقوى والناهى مكذوب متول ولا اعجب من ذا.

بزركان كفته انددر كلمه ان اللّه يرى هم وعد مندرجست وهم وعيد اى فاسق توبه كن كه ترامييبند اى مرايى اخلاص ورزكه ترامبيند اى درخلوت قصد كناه كرده هش داركه ترامى بيند درويشى بعد ازكناهى توبه كرده بود وبيوسته مى كريست كفتند جندمى كريى خداى تعالى غفورست كفت ارى هرجند عفو كندخجلت آنراكه اومى ديده جه كونه دفع كنم

كيرم كه تاوز سرك كنه در كذرى ... زان شرم كه ديدى كه جه كردم جه كنم

قال الو الليث رحمه اللّه والآية عظة لجميع الناس وتهديد لمن يمنع عن الخير وعن الطاعة وقال ابن الشيخ فى حواشيه وهذه الآية وان نزلت فى حق ابى جهل لكن كل من نهى عن طاقة فهو شريك ابى جهل فى هذا الوعيد ولا يلزم عليه المنع من الصلاة فى الدار المغصوبة والاوقات المكروهة لأن المنهى عنه غير الصلاة وهو المعصية فان عدم مشروعية الوصف المقارن وكونه مستحقا لأن ينهى عنه لا ينفى مشروعية اصل الصلاة الا أنه لشدة الاتصال بينهما بيحث يكون النهى عن الوصف موهمان للنهى عن الاصل احتاط فيه بعض الاكابر حتى روى عن عليى رضى اللّه عنه رأى فى المصلى اقواما يصلون قبل صلاة العيد فقال ما رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يفعل ذلك فقيل له ألا ننهاهم فقال اخشى أن ندخل تحت وعيد قوله تعالى ارأيت الذى ينهى عبدا اذا صلى فلم يصرح بالنهى عن الصلاة احتياطا واخذ ابو حنيفة هذا الادب الجميل حتى قال له ابو يوسف ايقول المصلى حين يرفع رأسه من الركوع اللهم اغفر لى قال يقول ربنا لك الحمد ويسجد ولم يصرح بالنهى.

١٥

{ كلا } ردع للناهى اللعين وخسوء له عن نهيه عن عبادة اللّه وامره بعبادة اللات

{ لئن لم ينته } اللام موطئة للقسم المضمر اى واللّه لئن لم ينته عما هو عليه ولم ينزجر ولم يتب ولم يسلم قبل الموت والاصل ينتهى بالياء يقال نهاه ينهاه هيا ضد امره فانتهى

{ لنسفعا بالناصية } اصله لنسفعن بالنون الخفيفة للتأكيد ونظيره وليكونا من الصاغرين كتب فى المصحف بالالف على حكم الوفق فانه يوقف على هذا النون بالالف تشبيها لها بالتنوين والسفع القبض على الشئ وجذبه بعنف وشدة والناسية شعر مقذم الرأس والمعنى لنأخذن فى الآخرة بناصيته ولنسحبنه بها الى النار بمعنى لنأمرن الزبانية ليأخذوا بناصيته ويجروه الى النار بالتحقير والاهانة وكانت العرب تأنف من جر الناصية وفى عين المعانى الاخذ بالناصية عبارة عن القهر والهوان والاكتفاء بلام العهد عن الاضافة لظهور أن المراد ناصية الناهى المذكور ويحتمل ان يكون المراد من هذا السفع سحبه على وجهه فى الدنيا يوم بدر فيكون بشارة بان يمكن المسلمين من ناصيته حتى يجروه على وجهه اذا عاد الى النهى فلما عاد مكنهم اللّه من ناصيته يوم بدر ( روى ) أنه لما نزلت سورة الرحمن قال عليه السلام ( من يقرأها على رؤساء قريش فتثاقلوا ) فقام ابن مسعود رضى اللّه عنه وقال انا فأجلسه عليه السلام ثم قال ثانيا من يقرأها عليهم فلم يقم الا ابن مسعود رضى اللّه عنه ثم ثالثا الى ان أذن له وكان عليه السلام يبقى عليه لما كان يعلم ضعفه وصغر جثته ثم انه وصل اليهم فرآهم مجتمعين حول الكعبة فافتتح قرآءة السورة فقام ابو جهل فلطمه فشق اذنه وادماها فانصرف وعينه تدمع فلما رآه عليه السالم رق قلبه واطرق رأسه مغموما فاذا جبرآئيل جاء ضاحكا مستبشرا فقال باجبرائيل تضحك ويبكى ابن مسعود فقال سيعلم فلما ظفر المسلمون يوم بدر التمس ابن مسعود ان يكون له حظ فى الجهاد فقال له عليه السلام ( خذ رمحك والتمس فى الجرحى من كان له رمق فاقتله فانك تنال ثواب المجاهدين ) فاخذ يطالع القتلى فاذا ابو جهل مصروع يخور فخاف ان اتكون به قوة فيؤذيه فوضع الرمح على منحره من بعيد فطعنه ولعل هذا قوله سنسمه على الخرطوم لم لما عرف عجزه لم يقدر ان يصعد على صدره لضعفه فارتقى عليه بحيلة فلما رآه ابو جهل قال له يا رويعى الغنم لقد ارتقيت مرتقى صعبا فقال ابن مسعود الاسلام يعلو ولا يعلى عليه فقال له ابو جهل بلغ صاحبك انه لم يكن احد ابغض الى منه فى حال مماتى فروى أنه عليه السلام لما سمع ذلك قال

( فرعونى اشد من فرعون موسى ) فانه قال آمنت وهو قد زاد عنوا ثم قال يا ابن مسعود اقطع بسيفى هذا لأنه أحد وأقع فلما قطع رأسه لم يقدر على حمله فشق اذنه وجعل الخيط فيها وجعل يجره الى رسول اللّه عليه السلام وجبرآئيل بين يديه يضحك ويقول يا محمد اذن باذن لكن الرأس ههنا مع الاذن مقطوع ولعل الحكيم سبحانه انما خلقه ضعيفا حتى لم يقو على الرأس المقطوع لوجوه احدها أن ابا جهل كلب والكلب يجر ولا يحمل والثانى ليشق الاذن فيقتص الاذن بالاذن والثالث ليحقق الوعيد المذكور بقوله لنسفعا بالناصية فيجر تلك الرأس على مقدمها قال ابن الشيخ والناصة شعر السبب فى تخصيص السفع بها ان اللعين كان شديد الاهتمام بترجيل الناصية وتطييبها.

١٦

{ ناصية كاذبة خاطئة } بدل من الناصية وانما جاز ابدالها من المعرفة وهى نكرة لوصفها ووصف الناصية بالكذب والخطأ على الاسناد المجازى وهما لصاحبها وفيه من الجزالة ما ليس فى قولك ناصية كاذب خاطئ كأن الكافر بلغ فى الكذب قولا والخطأ فعلا الى حيث أن كلا من الكذب والخطأ ظهر من ناصيته وكان ابو جهل كاذبا على اللّه فى أنه لم يرسل محمدا وكاذبا فى أنه ساحر ونحوه وخاطئا بما تعرض له عليه السلام بانواع الاذية.

١٧

{ فليدع } من الدعوة يعنى كوبخواند ابو جهل

{ ناديه } اى اه لناديه ومجلسه ليعينوه وهو المجلس الذى ينتدى فيه القوم اى يجتمعون وقدر المضاف لأن نفشس المجلس والمكان لا يدعى ولا يسمى المكان ناديا حتى يكون فيه اهله ودار الندوة بمكة كانوا يجتمعون فيها للتشاور وهى الآن لمحفل الحنفى روى أن ابا جهل مر برسول اللّه وهو يصلى فقال ألم ننهك فاغلظ رسول اللّه فقال اتهددنى وانا اكثر اهل الوادى ناديا يريد كثرة من يعينه فنزلت

١٨

{ سندع الزبانية } اى ملائكة العذاب ليجره الى النار وواحد منهم يغلب على ألف ألف من امثال اهل ناديه قال عليه السلام لو دعا نايده لاخذته الزبانية عيانا.

اجتمعت المصاحف العثمانية على حذف الواو من سندع خطا ولا موجب للحذف من العربية لفظا ولعله للمشاكلة مع فليدع او للتشبيه بالامر فى أن الدعاء امر لا بد منه وقال ابن خالويه فى اعراب الثلاثين آية الاصل سندعو بالواو وغير أن الواو ساكنة فاستثقلتها اللام ساكنة فسقطت الواو فى المصحف من سندع ويدع الانسان ويمح اللّه الباطل وكذلك الياء من واد النمل وان اللّه لهاد الذين آمنوا والعلة فيهأ ما انبأتك من بنائهم الخط على اللفظ انتهى والزبانية فى الاصل فى كلام العرب الشرط كصرد جمع شرط بالضم وهم طائفة من اعوان الولاة سموا بذلك لأنهم اعلموا انفسهم بعلامات يعرفون بها كما فى القاموس والشرط بالتحريك والعلامة والواحد زبنية كعفرية وعفرية الديك شعرة القفا الى يردها الى يا فوخه عند الهراش من الزبن بالفتح كالضرب وهو الدفع لأنهم يزبنون الكفار اى يدفعونهم فى جهنم بشدة وبطش يعنى أن ملائكة العذاب سموا بما سمى به الشرط تشبيها لهم بهم فى البطش والقهر والعنف والدفع

وقيل الواحد زبنى وكأنه نسب الى الزبن ثم غير الى زبانية كأنسى بكسر الهمزة واصلها زبانى

وقيل زبانية بتعويض التاء عن الياء بعد حذفها للمبالغة فى الدفع وفيه اشارة الى التجليات القوية الجلالية الجرارة ابا جهل النفس الامارة واهل ناديه الذى هو الهوى وقواه الظلمانية الى نار الخذلان وجهنم الخسران.

١٩

{ كلا } ردع بعد ردع للناهى المذكور وزجر له اثر زجر فهو متصل بما قبله ولذا جعلوا الوقف عليه وقفا مطلقا

{ لا تطعه } اى دم على ما انت عليه من معاصاة ذلك الناهى الكاذب الخاطئى كقوله تعالى ولا تطع المكذبين

{ واسجد } وواظب على سجودك وصلاتك غير مكترث به

{ واقترب } وتقرب بذلك السجود الى ربك وفى الحديث ( اقرب ما يكون العبد من ربه اذا سجد فأكثروا من الدعاء فى السجود ) كلمة ما مصدرية وأقرب مبتدأ حذف خبره ويكون تامة اى اقرب وجود العبد من ربه حاصل وقت سجوده . ودر فتوحات اين راسجده قرب كفته . وهذا محل سجود عند الثلاثة خلافا لمالك وهم على اصولهم فى قولهم بالوجوب والسنية ثم ان السجود اشارة الى ازالة حجاب الرياسة وفى الحديث ( لا كبر مع السجود ) يعنى هركه سجده آرد از كبر دور كشت وبر دركاه اللّه شرف مت ضعان يافت.

روى أن ابراهيم عليه السلام اضاف يوما مائتى مجوسى فلما اكلوا قالوا امرنا يا ابراهيم قال ان لى الكيم حاجة فقالوا ما حاجتك قال اسجدوا لربى سجدة واحد فتشاوروا فيما بينهم فقالوا ان هذا الرجل قد صنع معروفا كثيرا فلو سجدنا لربه ثم رجعنا الى آلهتنا لا يضرنا ذلك بشئ فسجدوا جميعا فلما وضعوا رؤسهم على الارض ناجى ابراهيم ربه فقال انى جهدت جهدى حتى حملتهم على هذا ولا طاقة لى على غيره وانما التوفيق والهداية بيدك اللهم زين صدورهم بالاسلام فلما رفعوا رؤوسهم من السجود اسلموا وللسجدة اقسام سجدة الصلاة وسجدة التلاوة وسجدة السهو وهذه مشهورة وسجدة التعظيم لجلال اللّه وكبريائه وسجدة التضرع اليه خوفا وطمعا وسجدة الشكر له وسجدة المناجاة وهذه مستحبة فى الاصلح صادرة عن الملائكة وعن رسول اللّه عليه السلام وسائر الانبياء والاولياء عليهم السلام وقال ابو حنيفة ومالك سجود الشكر مكروه فيقتصر على الحمد والكشر باللسان وقال الامامان هى قربه يثاب قاعلها وقال القاشانى قرأ عليه السلام فى هذه السجدة اى سجدة اقرأ اعوذ بعفوك من عقابك اى بفعل لك من فعل لك واعوذ برضاك من سخطك اى بصفة لك من صفة لك واعوذ بك منك اى بذاتك من ذاتك وهو معنى اقترابه بالسجود.

﴿ ٠