سُورَةُ الْعَلَقِ مَكِّيَّةٌ

وَهِيَ تِسْعَ عَشَرَةَ آيَةً

١

{ اقرأ } اى ما يوحى اليك يا محمد فان الامر بالقرآءة يقتضى المقروء قطعا وحيث لم يعين وجب ان يكون ذلك ما يتصل بالام حتما سوآء كانت السورة اول ما نزل ام لا فليس فيه تكليف ما لا يطاق سوآء دل الامر على الفور ام لا والاقرب أن هذا الى قوله ما لم يعلم اول ما نزل عليه صلّى اللّه عليه وسلّم على ما دلت عليه الاحاديث الصحيحة والخلاف انما هو فى تمام السورة عن عائشة رضى اللّه عنها اول ما ابتدئ به رسول اللّه عليه السلام من النبوة حين اراد اللّه به كرامته ورحمة العباد به الرؤيا الصالحة كان لا يرى رؤيا الا جاءت كفلق الصبح اى كضيائه ونارته فلا يشك فيها احد كما لا يشك فى وضح ضياء الصبح وانما ابتدئ عليه السلام بالرؤيا لئلا يفجأه الملك الذى هو جبريل بالرسالة فلا تتحملها القوة البشرية لانهما لا تحتمل رؤية الملك وان لم يكن على صورته الاصلية ولا على سماع صوته ولا على ما يخبر به فكانت الرؤيا تأنيسا له وكانت مدة الرؤيا ستة اشهر على على ما هو ادنى الحمل ثم جاءه الملك فعبر من عالم الرؤيا الى عالم المثال ولذا قال الصوفية ان الحاجة الى التعبير انما هى فى مرتبة النفس الامارة واللوامة واذا وصل السالك الى النفس الملهمة كما قال تعالى فألهمها فجورها وتقواها قل احتياجه الى التعبير لأنه حينئذ يكون ملهما من اللّه تعالى فمرتبة الالهام له كمرتبة مجيئ الملك للرسول عليه السلام فاذا كانت مدة الريا ذلك العدد يكون ابتدآؤها فى شهر ربيع الاول وهو مولده عليه السلام ثم اوحى اليه فى اليقظة فى شهر رمضان وكان عليه السلام فى تلك المدة اذا خلا يسمع ندآء يا محمد يا محمد ويرى نورا اى يقظة وكان يخشى ان يكون الذى يناديه تابعا من الجن كما ينادى الكهنة وكان فى جبل حرآء غار وهو الجبل الذى نادى رسول اللّه بقوله الى يا رسول اللّه لما قال له ثبير وهو على ظهره اهبط عنى يا رسول اللّه فانى اخاف ان تقتل على ظهرى وكان عليه السلام يتعبد فى ذلك الغار ليالى ثلاثا وسبعا وشهرا ويتزود لذلك من الكعك والزيت وذلك فى تلك المدة وقبلها واول من تعبد فيه من قريش جده عبد المطلب ثم تبعه سائر المتألهين وهم ابو امية بن المغيرة وورقة بن نوفل ونحوهما وكان وقة بن نوفل بن اسد بن عبد العزى بن قصى بن عم خديجة رضى اللّه عنهما وكان قد قرأ الكتب وكتب الكتاب العبرى وكان شيخا كبيرا قد عمى فى اوآخر عمره ثم لما بلغ عليه السلام رأس الاربعين ودخلت ليلة سبع عشرة من شهر رمضان جاءه الملك وهو فى الغار كما قال المام الصرصرى رحمه الله

واتت عليه أربعون فاشرقت ... شمس النبوة منه فى رمضان

قالت عائشة رضى اللّه عنها جاءه الملك سحره يوم الاثنين فقال اقرأ قال ما انا بقارئ قال فأخذنى فغطنى اى ضمنى وعصرنى ثم ارسلنى فعله ثلاث مرات ثم قال اقرأ الى قوله مالم يعلم واخذ منه القاضى شريح من التابعين ان المعلم لا يضرب الصبى على تعليم القرءآن اكثر من ثلاث ضربات فخرج عليه السلام من الغار حتى اذا كان فى جانب من الجبل سمع صوتا يقول يا محمد انت رسول اللّه وانا جبريل ورجع الى خديجة يرجف فؤآده فحدثها بما جرى فقالت له ابشر يا ابن عمى واثبت فوالذى نفسى بيده انى لارجو أن تكون نبى هذه الامة ثم انطلقت الى ورقة فاخبرته بذلك فقال فيه

فان يك حقا يا خديجة فاعلمى ... حديثك ايانا فاحمد مرسل

وجبريل يأتيه وميكال معهما ... من اللّه وحى يشرح الصدر منزل

يفوز به من فاز عزا لدينه ... ويشقى به الغاوى الشقى المضلل

فريقان منهم فرقة فى جنانه ... واخرى باغلال الجحيم تغلل

ومكث عليه السلام مدة لا يرى جبريل وانما كان كذلك ليذهب عنه ما كان يجده من الرعب وليحصل له التشوق الى العود وكانت مدة الفترة اى فترة الوحى بين اقرأ وبين يا ايها المدثر وتوفى ورقة فى هذه الفترة دفن الحجون وقد آمن به عليه السلام وصدقه قبل الدعو التى هى الرسالة ولذا قال عليه السلام ( لقد رأيته فى الجنة وعليه ثياب الحرير ) ثم نزل يا ايها المدثر قم فانذر فظهر الفرق بين النبوة والرسالة قال بعض العارفين اهل الارداة فى الطلب والمراد مطلوب وهو نعت الحبيب ألا ترا أنه لما قيل له اقرأ استقبله الامر من غير طلب ونظيره الم نشرح لك صدرك فانه فرق بينه وبين قول موسى رب اشرح له صدرى

{ باسم ربك } متعلق بمضمر هو حال من ضمير الفاعل اى اقرأ ملتبسا باسم اللّه تعالى اى مبتدئا به ليتحقق مقارنته لجميع اجزآء المقروء اى قل بسم اللّه الرحمن الرحيم ثم اقرأ فعلم أن اقرأ باسم ربك نزلت من غير بسملة وقد صرح بذلك الامام البخارى رحمه اللّه امره بذلك لأن ذكر اسم اللّه قوة له فى القرآءة وانس بمولاه فان النس بالاسم يفضى الى الانس بالمسمى والذكر باللسان يؤدى الى الذكر بالجنان والباء فى باسم بره تعالى على على المؤمنين بانواع الكرامات فى الدارين والسين كونه سميعا لدعاء الخلق جميعا والميم معناه من العرش الى تحت الثرى ملكه وملكه وفى الكواشى دخلت الباء فى اقرأ بسم ربك لتدلعلى الملازمة والتكرير كأخذت بالخطام ولو قلت اخذت الخطام لم يدل على التكرير والجوام وفى كتاب شمس المعارف اول آية نزلت على وجه الارض بسم اللّه الرحمن الرحيم يعنى على آدم الصفى عليه السلام فقال آم الآن علمت أن ذريتى لا تعذب بالنار ما دامت عليها ثم انزلت على ابراهيم عليه السلام فى المنجنيق فانجاه اللّه بها من النار ثم على موسى عليه السلام فقهر بها فرعون وجنوده ثم على سليمان عليه السلام فقالت الملائكة الآن واللّه قد تم ملكك فهى آية الرحمة والامان لرسوله واممهم ولما نزلت على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فى سورة النمل انه من سلمان وانه بسم اللّه الرحمن الرحيم كانت فتحا عظيما فأمر رسول اللّه فكتبت على رؤوس السور وظهور الدفاتر واوآئل الرسائل وحلف رب العزة بعزته ان لا يسميه عبد مؤمن على شئ الا بورك له فيه وكانت لقائلها حجابا من النار وهى تسعة عشر حرفا تدفع تسعة عشرة زبانية وفى الخبر النبوى لووضعت السموات والارضون وما فيهن وما بينهن فى كفة والبسملة فى كفة لرجحت عليها يعنى البسملة

{ الذى خلق } وصف الرب به لتذكير اول النعماء الفائضة عليه منه تعالى والتنبيه على أن من قدر على خلق الانسان على ما هو عليه من الحياة وما يتبعها من الكمالات العلمية والعملية من ماد للم تشم رائحة الحياة فضلا عن سائر الكمالات قادر على تعليم القرآءة للحى العالم المتكلم اى الذى له الخلق والمستأثر به لا خالق سواه فيكون خلق منزل منزلة اللازم وبه يتم مرام المقام لدلالته على أن ك خلق مختص به او خلق كل شئ فيكون من حذف المفعول للدلالة على التعميم وقال فى فتح الرحمن لما ذكر الرب وكانت العرب فى الجاهلية تسمى الاصنام اربابا جاء بالصفة التى لا شركة للاصنام فبها فقال الذى خلق.

﴿ ١