سُورَةُ التَّكَاثُرِ مَكِّيَّةٌ وَهِيَ ثَمَانِي آياَتٍ ١ { الهاكم التكاثر } اللهو ما يغشل الانسان عما يعنيه ويهمه ويقال لهوت بكذا ولهوت عن كذا اى شاتغلت عنه بلهو ويعبر به عن كل ما به استمتاع ويقال ألهى عن كذا اى شغل عما هو أهم والتكاثر التبارى فى الكثرة والتباهى بها وان يقول هؤلاء نحن اكثر وهؤلاء نحن اكثر والمعنى شغلكم التغالب فى الكثرة والتفاخر بها وبالفارسية مشغول كرد شمارا فخر كردن به بسيارئ قوم . قال ابن الشيخ الالهاء الصرف الى اللهو والبعث والتكاثر اذا صرف العبد الى الى اللهو يكون البعد منصرفا اليه ومعلوم ان الانصراف الى الشئ يقتضى الاعراض عن غيره فتفسير ألهاكم كذا بشغلكم تفسير له بما يلزم اصل معناه الا انه صار حقيقة عرفية فيه بالغلبة وحذف الملهى عنه اى الذى الهى عنه وهو ما يعنيهم من امرين الدين للتعظيم والمبالغة اما الاول فلان الحذف كالتنكير قد يجعل ذريعة الى التعظيم لاشتراكهما فى الابهام واما الثانى فلان تذهب النفس كل مذهب ممكن فيدخل فيه جميع ما يحتمل المقام مثل الهاكم التكاثر عن ذكر اللّه وعن الواجبات والمندوبات مما يتعلق بالقلب كالعلم والتفكر والاعتبار او بالجوارح كأنواع الطاعات وتعريف التكاثر للعهد والهد المذموم هو التكاثر فى الامور الدنيوية الفانية كالفتا خربا لمال والجاه والاعوان والاقرباء واما التفاخر بالامور الاخروية الباقية فممدوح كالتفاخر بالعلم والعمل والاخلاق والصحة والقوة والغنى والجمال وحسن الصوت اذا كان بطريق تحديث النعمة ومن ذلك تفاخر العباس رضى اللّه عنه بان السقاية بيده وتفاخر شيبة بان مفتاح البيت بيده الى ان قال على رضى اللّه عنه وانا قطعت خرطوم الكفر بسيفى فصار الكفر مثلة والتكاثر مكاثرة اثنين مالا او عددا بأن يقول كل منهما لصاحبه انا اكثر منك مالا وأعز نفرا والمراد هنا هو التكاثر فى العدد لانه روى ان بنى عبد مناف وبنى سهم تفاخروا وتعادوا وتكاثروا بالسعادة والاشراف فى الاسلام فقال كل من الفريقين نحن اكثر منكم سيدا واعظم نفرا فكرهم بنوا عبد مناف غلبهم بالكثرة فقال بنوا سهم ان البغى افنانا فى الجاهلية فعادونا بالاحياء والاموات ( قال الكاشفى ) بكورستان رفتند وكورها بر شمردندكه اين قبر فلان واين قبر فلان قبور أشراف قبيله خود شمردند. فكثرهم بنوا سهم يعنى سه خابدان بنى سهم زياده آمد بربنى عبد مناف برين نسق بريكديكر تطاول نمودند وتفاخر كردند . والمعنى انكم تكاثر تم بالاحياء. ٢ { حتى زرتم المقابر } اى حتى استوعبتم عددهم وصرتم الى التفاخر والتكاثر بالاموات وبالفارسية تاحدى آمديد بكورستانها ومرد كانرا شماره كرديد . فعبر عن انقتالهم الى ذكر الموتى بزيارة القبور راى جعلت كناية عنه تهكما بهم قال الطيبى انما كان تهكما لان زيادة القبور شرعت لتذكر الموت ورفض حب الدنيا وترك المباهاة والتفاخر وهؤلاء عكسوا حيث جعلوا زيارة القبور سببا لمزيد القسوة والاستغراق فى حب الدنيا والتفاخر فى الكثرة وهذا خبر فيه تفريع وتوبيخ والغاية تدخل تحت المغيا فى هذا الوجه وقيل المعنى الهاكم التكاثر بالاموال والاولاد الى ان متم وقبرتم مضيعين اعماركم فى طلب الدنيا معرضين عما يهمكم من السعى لاخراكم فتكون زيارة القبور عبارة عن الموت والتكاثر هو التكاثر بالمال والولد كام روى انه عليه السلام سمع انه يقرأ هذه الآية ويقول بعدها ( ابن آدم مالى مالى وهل لك من مالك الا ما اكلت فأفنيت اولبست فأبليت او تصدقت فامضيت ) وفيه اشارة الى انهم يبعثون فان الزآئر منصرف لا مقيم وقرأها عمر بن عبد العزيز قال ما ارى المقابر الا زيارة ولا بد لمن زار ان يرجع الى بيته اما الى الجنة او الى النار وفيه تحذير عن الدنيا وترغيب فى الآخرة والاستعداد للموت روزى كه اجل كند شبيخون ... البته بيايد از جهان رفت كردل نبود اسير دنيا ... آسان ره آن جهان توان رفت ٣ { كلا } ردع عما هم ففيه من التكاثر اى ليس الامر كما يتوهم هؤلاء من ان فضل الانسان وسعادته بكثرة اعوانه وقبائله وامواله اى ارتدعوا عن هذا وتنبهاو من الخطا فيه وتنبيه على ان العاقل ينبغى ان لا يكون معزظم همه مقصورا على الدنيا فان عاقبة ذلك وبال وحسرة { سوف يعلمون } اى سوف تعلمون الخطأ فيما انتم عليه اذا عاينتم ما قدامكم من هول المحشر فالعلم بمعنى المعرفة ولذا قدر له مفعول واحد وهو انذار وتخويف ليخافوا وينتبهوا من غفلتهم قال الحسن رحمه اللّه لا يغرنك كثرة من ترى حولك فانك تموت وحدك وتبعث وحدك وتحاسب وحدك. ٤ { ثم كلا سوف تعلمون } تأكيد لتكيرير الردع والانذار وفى ثم دلالة على ان الانذار الثانى ابلغ من الاول لان فيه تأكيد خلا عنه الاول لان فيه تنزيلا لبعد المرتبة منزلة بعد الزمان واستعمالا للفظ ثم فى مجرد التدريج فى درج الارتفاء كما تقول للمنصوح اقول لك ثم اقول لك لا نفعل او الاول عند الموت فى وقت ما بشر به المحتضر من جنة او نار وفى القبر حين سؤال منكر ونكير من ربك وما دينك ومن نبيك والثانى عند النشور حين ينادى المنادى شقى فلان شقاوة لا سعادة بعدها وحين يقال وامتازوا اليوم ايها المجرمون فعلى هذا لا تكرير فى الآية لحصول التغاير بينهما بتغاير زمانى العلمين وبتعلقيهما فانه يلفى فى كل واحد من الزمانين نوعا آخر من العذاب وثم على بابها من المهلة لتباعد ما بين الموت والنشور وكذا ما بين القبور والنشور وعن على رضى اللّه عنه ما زلنا نشك فى عذاب القبر حتى نزلت السورة الى قوله تعالى ثم كلا سوف تعلمون اى سوف تعلمون فى القبر ثم فى القيامة وفى الحديث ( يسلط على الكافر فى قبره تسعة وتسعون تنينا تنهشه وتلذعه حتى تقوم الساعة لو ان تنينا منها نفخ فى الارض ما انبتت خضراء ) ٥ { كلا } تكرير للتنبيه تأكيدا { لو تعلمون علم اليقين } جواب لو محذوف للتهويل فانه اذا حذف الجواب يذهب الوهم كل مذهب ممكن والعلم مصدر اضيف الى مفعوله وانتصابه بنزع الخافض واليقين صفة لموصوف محذوف والمعنى لو تعلمون ما بين ايديكم علم الامر اليقين اى لو علمتم ما تستيقنونه حتى كأنه عين اليقين والا فيلزم اضافة احد المرادفين الى الآخر اذا العلم فى اللغة بمعنى اليقين وقد يجعل العلم من اضافة العام الى الخاص بناء على ان اليقين اخص من العلم فان العلم قد يعم الظن واليقين فتكون اضافته كاضافة بلد بغداد ويدل عليه قولهم العلم اليقين بالوصف. ٦ { لترون الجحيم } جواب قسم مضمرا كدبه الوعيد حيث ان ما اوعدوا به مما لا مدخل فيه للريب وشدد به التهديد واوضح به ما انذروه بعد ابهامه تفخيما ولا يجوز ان يكون جواب لو لان رؤية الجحيم محققة الوقوع وليست بمعلقة فلو جعل جواب لو لكان المعنى انكم سوف تعلمون الجزآء ثم قال لو تعلمون الجزآء علم اليقين الآن لترون الجحيم يعنى يكون الجحيم دآئما فى نظركم لا يغيب عنكم اصلا. ٧ { ثم لترونها } تكرير للتأكيد او الاولى اذا رأوها من مكان بعيد ببعض خواصها واحوالها مثل رؤية لهبها ودخانها والثانية اذا اوردوها فان معاينة نفس الحفرة وما فيها من الحيوانات المؤذية وكيفية السقوط فيها اجلى واكشف من الرؤية الاولى فعلى هذا يتنازع الفعلان فى عين اليقين او المراد بالاول المعرفة وبالثانية المشاهدة والمعاينة { عين اليقين } اى الرؤية التى هى نفس اليقين فان علم المشاهدة للمحسوسات اقصى مراتب اليقين فلا يرد أن اعلى اليقينات الاوليات وانما قيد الؤؤية بعين اليقين احترازا عن رؤية فيها غلط الحسن فانتصاب عين اليقين على انه صفة المصدر لترونها وجعل الرؤية التى هى سبب اليقين نفس اليقين مبالغة. ٨ { ثم لتسألن يومئذ عن النعيم } قال فى التيسير كلمة ثم للترتيب فى الاخبار لا فى الوجود فان السؤال بانك اشكرت فى تلك النعمة ام كفرت يكون فى موقف الحساب قبل دخول النار والمعنى ثم لتسألن يوم رؤية الجحيم وورودها عن النعيم الذى ألهاكم الالتذاذ به عن الدين وتكاليفه فتعذبون على ترك الشكر فان الخطاب فى لتسألن مخصوص ممن عكف همته على استيفاء اللذات ولم يعش الا ليأكل الطيب ويلبس اللين ويقطع اوقاته باللهو والطرب لا يعبأ بالعلم والعمل ولا يحمل على نفسه مشاقهما فان من تمتع بنعمة اللّه وتقوى بها على طاعته وكان ناهضا بالشكر فهو من ذلك بمنزل بعيد واليه اشارة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فيما اكل هو واصحابه تمرا وشربوا ماء فقال الحمد لله الذى اطعمنا وسقانا كما فى الكشاف فدخلت فى الآية كفار مكة ومن لحق بهم فى وصفهم من فسقة المؤمنين وقيل الآية مخصوصة بالكفار وقال بعضهم المراد بالنعيم هو الصحة والفراغ وفى الحديث ( نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ ) وفى هذا الحديث دلالة على عظم محل هاتين النعمتين وجلالة خطرهما وذلك لان بهما يستدرك مصالح الدنيا ويكتسب دوجات الآخرة فان الصحة تنبئ عن اجتماع القوى الذاتية والفراغ يدل على انتظام الاسباب الخارجة المنفصلة ولا قدرة على تمهيد مصلحة من مصالح الدنيا والآخرة الا بهذين الامرين ثم سائر النعم يعد من توابعهما وقد قال معاوية بن قرة شدة الحساب القيامة على الصحيح الفارغ يقال له كيف أدجيت شكرهما وعن الحسن رحمه اللّه ما سوى كن يؤويه وثوب بواريه وكسرة تقويه يسأل عنه يوحاسب عليه وقال بعض السلف من اكل فسمى وفرغ فحمد لم يسأل عن نعيم ذلك الطعام وقال رجل للحسن رحمه اللّه ان لنا جارا لا يأكل الفالوذج ويقول لا أقوم بشكره فقال ما أجهر جاركم نعمة اللّه عليه بالماء البارد اكثر من نعمته بجميع الحلاوى ولذلك قال عليه السلام ( اول ما يسال العبد عنه من النعيم ألم نصح جسمك ونروك من الماء البارد ) وفى عين المعانى عن النعم الخمس شبع البطون وبرد الشراب ولذة النوم وظلال المساكن واعتدال الخلق وقال ابن كعب النعيم ذات محد صلّى اللّه عليه وسلّم اذ هو الرحمة والنعمة بالآيتين وهما قوله تعالى يعرفون نعمة اللّه ثم ينكرونها وقوله تعالى وما أرسلناك الا رحمة للعالمين . وهمه را ازدعوت وملت واتباع سنت اوخواهند برسيد جه نعمتيست بزرك ازخدا كه برثقلين ... سبس دارئ ابن نعمت است فرض العين يقول الفقير النعيم لما نعيم جسمانى وشكره بمحافظة احكام الشريعة واما نعيم روحانى وشكره بمراعاة آداب الطريقة فانه كلما ازد ادت المحافظة والمراعاة ازداد النعيم كما قال تعالى لئن شكرتم لأزيدنكم وما من عضو من الاعضاء وقوة من القوى الا وهى مطلوبة بنوع شكر ولذلك قال تعالى ان السمع والبصر والفؤاد كل اولئك كان عنه مسؤلا على ان عالم الصفات والاسماء كلها عالم النعيم وفقنا اللّه واياكم لشكر النعيم انه هو البر الرحيم وفى الحديث ( الا يستطيع احدكم ان يقرأ الف آية فى كل يوم ) قالوا ومن يستطيع ان يقرأ الف آية فى كل يوم قال ( اما يستطيع احدكم ان يقرأ الهاكم التكاثر مرة ) على ما قال السيوطى رحمه اللّه فى الاتقان ان القرءآن ستة آلاف آية ومائتا آية فاذا تركنا زيادة الآلاف كان الألف سدس القرءآن وهذه السورة تشتمل على سدس مقاصد القرءآن فانها على ما ذكره الغزالى رحمه اللّه ثلاث عن هذا المعنى بألف آية افهم واجل واصح من التعبير بالسدسد انتهى. يقول الفقير هذا منتقض بسورة الزلزلة فانها ايضا تشتمل على احكام الآخرة ومعرفتها وقد سبق انها تعدل نصف القرءآن او ربعه والظاهر ان المراد بالالف التكثير لان اول السورة مما ينبئ عنه ومن اللّه التوفيق والارشاد. |
﴿ ٠ ﴾