سُورَةُ الْعَصْرِ مَكِّيَّةٌ وَهِيَ ثَلاَثُ آياَتٍ ١ { والعصر } اقسم سبحانه بصلاة العصر فانه كثيرا ما يطلق العصر ويراد صلاته وذلك لفضلها الباهر لكونها وسطى لتوسطها بين الشفع الذى هو صلاة الظهر وبين الوتر النهارى الذى هو صلاة المغرب فانها لما توسطت بين الطرفين اتصفت بالوصفين وظهرت بالحكمين وتحققت بالكمالين كما هو حكم البرازخ فحصل لها من القدر ما لم يكن لكل واحد من الطرفين وايضا ان اوقات اوآئل الصلوات الاربع محدودة الا العصر يعنى أن اول صلاة العصر غير محدود بالحد المحقق ففيه سرا لتنزيه عن التقييد بالحدود ولذا شرع التكبير فى الصلاة لأن اللّه تعالى منزه عن التقييد باوضاع الصلاة وحركات المصلى قال بعض الكبار صلاة العصر بركعاتها الاربع اشارة الى التعينات الاربعة الذاتية والاسمائية والصفاتية والافعالية فى مرتبة الجمال الكونى بالفعل كا ان الظهر اشارة اليها فى مرتبة المال الالهى ولا شك أن الانسان كون جامع ففى العصر اشارة اليه وفى الحديث ( من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله ) اى نقص اى ليكن من فوتها حذرا كام يحذر من ذهاب اهله وماله وسر الوعيد أن التكليف فى ادآء صلاة العصر اشق لتهافت الناس فى تجارتهم ومكاسبهم واشتغالهم بمعايشهم آخر النهار لبرد الهوآء حينئذ لا سيما فى ارض الحجاز فالكسب الحاصل فى ذلك الوقت مع السهو عن الصلاة فى حكم الخسران وسبب للخذلان ( حكى ) أن امرأة كانت تصيح فى سكك المدينة وتقول دلونى على النبى عليه السلام فرآها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فسألها ( ماذا حدث ) قالت يا رسول اللّه ان زوجى غاب عنى فزنيت فجاءنى ولد من الزنى فألقيت الولد فى دن من الخل حتى مات ثم بعنا ذلك الخل فهل لى من توبة فقال عليه السلام ( اما الزنى فعليك الرجم بسببه واما القتل فجزآؤه جهنم واما بيع الخل فقد ارتكبت به كبيرة لكن ظننت انك تركت صلاة العصر ) ويقال ان اللّه تعالى اقسم بوقت العصر نفسه كما اقسم بالفجر فقد خلق فيه اصل البشر آدم عليه السلام فكان له شرف زآئد على غيره ويقال اقسم بالعشى الذى هو ما بين الزوال والغروب كما اقسم بالضحى لما فيها جميعا من دلائل القدرة ويقال اقسم بعصر النبوة الذى مقداره فيما مضى من الزمان مقدار وقت العصر من النهار وهو زمان بعثته الى انقراض امته فى آخر الزمان وهو ألف سنة كما قال عليه السلام ( ان استقامت امتى فلها يوم وان لم تستقم فلها نصف يوم ) وفضل هذا العصر على سائر الاعصار ظاهر لأنه عصر خير الانبياء والمرسلين وعصر خير الامم وخير الكتب الاهلية وفيه ظهر تمام الكمالات تفصيلا ويقال اقسم بالدهر لانطوآئه على اعاجيب الامور القارةوالمارة وللتعريض بنفى ما يضاف اليه من الخسران فان الانسان يضيف المكاره والنوائب اليه ويحيل شقاوته وخسرانه عليه والاقسام بالشئ اعظام له وما يضاف اليه الخسران لا يعظم عادة وقد قال عليه السلام لا تسبوا الدهر فان اللّه هو الدهر فاقسم اللّه بالدهر لأنه بالنسبة الى الفهم العام محل شهود الآيات الالهية كالليل والنهار والشمس والقمر والنجوم وغيرها وبالسنبة الى الفهم الخاص مظهر التجليات الالهية لظهوره تعالى بصفاته وافعاله فى مظهره فلما كان العصر جامعا لجميع الآيات التى اقسم اللّه بها فى القرءآن كقوله تعالى والجر واليال عشر وقوله تعالى والشمس وضحاها والقمر اذا تلاها وقوله تعالى والليل اذا يغشى والنهار اذا تجلى وقوله تعالى والضحى والليل اذا سجا ختم اللّه بقسم العصر اقسام جميع القسم وفى التأويلات النجمية اقسم اللّه بكمال دوام الزمان واستمراره لاشتماله على ولاية النبى عليه السلام ونبوته ورسالته وخلافته لقوله كنت نبيا وآدم بين الماء والطين اى بين ماء العلم وطين المعلوم ولقوله نحن الآخرون السابقون ولقوله حكاية عن اللّه سبحانه لولاك ارسلناك الا رحمة للعالمين اى من عالمى زمانه وما كان بعده وما كان قبله لأن العالمين جمع محلى بالالف واللام فيدل على العموم والشمول كام فى قوله تعالى الحمد لله رب العالمين. ٢ { ان الانسان } التعريف للجنس يعنى الاستغراق بدلالة صحة الاستثناء من الانسان فان صحة الاستثناء من جملة ادلة العموم والاستغراق { لفى خسر } الخسر والخسران معناه النقصان وذهاب رأس المال فى حق جنس الانسان هو نفسه وعمره والتنكير للتفخيم اى لفى خسران عظيم لا يعلم كنهه الا اللّه فى متاجرهم وصرف اعمارهم فى مباغيهم يعنى هر آينه در زيابند بصرف اعمار در مطالب نابايدار . مده به بيهده نقد عزيز عمر بدست. كه بس زيان كنى ومرترا ندارد ود . والذنب يعظم اما لعظم من فى حقه الذنب او لأنه فى مقابلة النعمة العظيمة وكلا الوجهين حاصل فى ذنب العبد فى حق ربه فلا جرم كان ذلك الذنب فى غاية العظم ويجوز اين يكون التنوين للتنويع اى نوع من الخسران غير ما يتعارفه الناس. ٣ { الا الذين آمنوا } باللّه الايمان العلمى اليقينى وعرفوا أن لا مؤثر بالحقيقة الا اللّه وبرزوا عن احجاب الدهر { وعملوا الصالحات } اى اكتسبو الفضائل والخيرات الباقية فربحوا بزيادة النور الكمال على النور الاستعدادى الذى هو رأس مالهم فانهم فى تجارة لن تبور حيث باعوا الفانى الخسيس واشتروا الباقى النفيس واستبدلوا الباقيات الصالحات بالغاديات الرائحات فيا لها من صفقة ما اربحها وهذا بيان لتكميلهم لانفسهم واستدل بعض الطجوآئف بالآية على أن مرتكب الكبيرة مخلد لأنه لم يستئن من الخسران الا الذين آمنوا الخ والتقصى منه ان غير المستثنى فى خسر لا محالة اما بالخلود ان مات كافرا واما بالدخول فى النار ان مات عاصيا لم يغفر له واما بفوات الدرجات العالية ان غفر { وتواصوا بالحق } الخ بيان لتكميلهم لغيرهم اى وصى بعضهم بعضا بالامر الثابت الى لا سبيل الى انكاره ولا زوال فى الدارين لمحاسن آثاره وهو الخير كله من الايمان باللّه واتباع كتبه ورسله فى كل عقد وعمل { وتواصوا بالصبر } اى عن المعاصى التى تشتاق اليها النفس بحكم الجبلة البشرية وعلى الطاعات التى يشق عليها ادآؤها وعلى ما يبلوا لله به عباده وتخصيص هذا التواصى بالذكر مع اندراجه تحت التواصى بالحق لابراز كمال الاعتناء به او لأن الاول عبارة عن رتبة العبادة التى هى فعل ما يرضى به اللّه تعالى والثانى عن رتبة العبودية التى هى الرضى بما فعل اللّه فان المراد بالصبر ليس مجرد حبس النفس عما تشوق اليه من فعل او ترك بل هو تلقى ما ورد منه تعالى بالجميل والرضى به ظاهرا وباطنا ولعله سبحانه انما ذكر سبب الربح دون الخسران اكتفاء ببيان المقصود فان المقصود بيان ما فيه الفوز بالحياة الابدية والسعادة السرمدية واشعارا بان ما عدا ما عد يؤدى الى خسر ونقص حظ او تكرما فان الابهام فى جانب الخسر كرم لأنه ترك تعداد مثالهم والاعراض عن مواجهتهم به وروى عنه عليه السلام انه قال ( اقسم ربكم بآخر النهار أن ابا جهل لفى خسران الا الذين آمنوا ) اى ابا بكر رضى اللّه عنه وعملوا الصالحات اى عمر رضى اللّه عنه وتواصوا بالحق اى عثمان رضى اللّه عنه وتواصوا بالصبر اى علينا رضى اللّه عنه فسرها بذلك على بن عبد اللّه بن عباس رضى اللّه عنهم على المنبر فيكون تكرير وتواصوا لاختلاف الفاعلين واما على الاول فلاختلاف المفعولين وهما قوله بالحق وبالصبر روى عن الشافعى رحمه اللّه أنها صورة لو لم ينزل الى الناس الا هى لكفتهم وهو معنى قول غيره انها شملت جميع علوم القرءان. |
﴿ ٠ ﴾