سُورَةُ قُرَيْشٍ مَكِّيَّةٌ

وَهِيَ أَرْبَعُ آياَتٍ

١

{ لايلاف قريش } متعلق بقوله تعالى فليعبدوا وهو قول الزجاج والفاء لما فى الكلام من معنى الشرط اذ المعنى ان نعم اللّه عليهم غير محصورة فان لم يعبدوه لسائر نعمه فليعبدوه لهذه النعمة الجلية فالايلاف تعدية الألف مصدر من المبنى للمفعول مضاف الى مفعوله الاول مطلقا عن المفعول الثانى الذى هو الرحلة كما قيد به فى الايلاف الثانى يقال الفت الشئ بالقصر وآلفته بالمد بمعنى لزمته ودمت عليه وما تركته فيكون كل من الألف والايلاف لازما ويقال ايضا آلفته غيرى بالمد اى الزمته اياه وجعلته يألفه فيكون متعديا قال فى تاجالمصادر الايلاف الف دادن والف كرفتن . وضد الايلاف والايناس هو الايحاش

وقيل متعلق بما قبله من قوله فجعلهم كعصف مأكول ويؤيده انهما فى مصحف ابى رضى اللّه عنه سورة واحدة بلا فصل فيكون الايلاف بمعنى الالف اللازم فالمعنى ابى اهلك اللّه من قصدهم من الحبشة لان يألفوا هايتن الرحلتين ويجمعوا بينهما ويلزموا اياها ويثبتوا عليهما متصلالا منقطعا بحيث اذ فرغاو من ذه اخذوا فى ذه وبالعكس وذلك لان الناس اذا تسامعوابذلك الاهلاك تهيبوا لهم زيادة نهيب واحترموهم فضل احترام فلا يجترئ عليهم احد فينتظم لهم الا من فى رحلتيهم وكان لقريش رحلتان يرحلون فى الشتاء الى اليمن وفى الصيف الى الشأم فيمتارون ويتجرون وكانوا فى رحلتيهم آمنين لانهم أهل حرم اللّه وولاة بيته العزيز فلا يتعرض لهم والناس بين متخطف ومنهوب وذلك ان قريشا اذا اصاب واحدا منهم مخمصة خرج هو وعياله الى موضع وضربوا على انفسهم خباء حتى يموتوا وكانواعلى ذلك الى ان جاء هاشم بن عبد مناف وكان سيد قومه فقام خطيبا فى قريش فقال انكم احدثتم حدثا تقلون فيه وتذلون وانتم أهل حرم اللّه واشرف ولد آدم والناس لكم تبع قالوا نحن تبع لك فليس عليك منا خلاف فجمع كل بنى اب على الرحلتين فى الشتاء الى اليمن وفى الصيف الى الشأم لان بلاد اليمن حامية حارة وبلاد الشام مرتفعة باردة ليتجروا فيما بدا لهم من التجارات فما ربح الغنى قسم بينه وبين فقرآئهم حتى كان فقيرهم كغنيهم فجاء الاسلام وهم على ذلك فلم يكن فى العرب بنوا اب اكثر مالا ولا اعز من قريش وكان هاشم اول من حمل السمراء من الشام وقريش ولد النضر بن كنانة ومن لم يلده فليس بقرشى سموا بتصغير القرش وهو دابة عظيمة فى البحر تعبث بالسفن وتقلبها وتضربها فتكسرها ولا تطاق الا بالنار فشبهوا بها لانها تأكل ولا تؤكل وتعلوا ولا تعلى والتصغير للتعظيم فكانه قيل قريش عظيم وقال بعضهم الا وجه ان التصغير على حقيقته لانه اذا كان القرش دابة عظيمة والقرش مع صغر حجمه جعل قرشا فهو لا محالة قريش وفيه ان جعل قريش قريشا لم يكن لمناسبة الحجم بل كان لوصف الآكلية وعدم المأكولية ووصف الغلبة وعدم المغلوبية وهذان الوصفان يوجد ان فى تلك الدابة على وجه الكمال فلا معنى للتصغير الا العظيم قال الزمخشرى سمعت بعض التجار بمكة ونحن قعود عند باب بنى شيبة يصف لى القرش فقال هو مدور الخلقة كما بين مقامنا هذا الى الكعبة ومن شأنه ان يتعرض للسفن الكبار فلا يدره شئ الا ان يأخذ اهلها المشاعل فيمر على وجهه كالبرق وكل شئ عنده قليل الى النار وبه سميت قريش قال الشاعر

وقريش هى التى تسكن البحر بها سميت قريش قريشا ... تأكل الغث والسمين ولا تترك فيه لذى جناحين ريشا ... هكذا فى البلاد حتى قريش ... يأكلون البلاد اكلا كميشا

ولهم آخر الزمان نبى ... يكثر القتل فيهموا والخوشا

الخنوش الخدوش واكلا كميشا اى سريعا وفى القاموس قرشه يقرشه ويقرشه قطعه وجمع من ههنا وههنا وضم بعضه الى بعض ومنه قريش لتجمعهم الى الحرم او لانهم كانوا يتقرشون البيعات فيشترونها او لان النضر ابن كنانة اجتمع فى ثوبه يوما فقالوا تقرش او لانه جاء الى قومه فقالوا كأنه جمل قريش اى شديد او لان قصيا كان يقال له القريشى او لانهم كانوا يفتشون الحاج فيسدون خلتها او سميت بمصغر القرش وهو دابة بحرية يخافها دواب البحر كلها او سميت بقريش بن يخلد بن غالب بن فهر وكان صاحب عيرهم فكانوا يقولون قدمت عير قريش وخرجت عير قريش والنسبة قرشى وقريشى انتهى.

٢

{ ايلافهم رحلة الشتاء والصيف } بدل من الاول ورحلة مفعول به لايلافهم وهى بالكسر الارتحال وبالضم الجهة التى يرحل اليها واصل الرحلة السير على الراحلة وهى الناقة القوية ثم استعمل فى كل سير وارتحال وافرادها مع انه اراد رحلتى الشتاء والصيف لأ من الالباس مع تناول اسم الجنس للواحد والكثر وفى اطلاق الايلاف عن المفعول اولا ثم ابدال المقيد منه تفخيم لامره وتذكير لعظيم النعمة فيه والشتاءالفصل المقابل للصثيف وفى القاموس الشتاء احد ارباع الازمنة والموضع المشتى والصيف القيظ او بعد الربيع والقيظ صميم الصيف من طلوع الثريا الى طلوع سهيل.

٣

انظر تفسير الآية:٤

٤

{ فليعبدوا رب هذا البيت * الذى اطعمهم } بسبب تينك الرحلتين اللتين تمكنوا منها بواسطة كونهم من جيرانه وسكان حرمه

وقيل بدعوة ابرهيم عليه السلام يجبى اليه ثمرات كل شئ

{ من جوع } شديد كانوا فيه قبلهما وكان الجوع يصيبهم الى ان جمعهم عمرو العلى وهو هاشم المذكور على الرحلتين قالو ابو حيان من ههنا للتعليل اى لاجل الجوع وقال سعدى المفتى الجوع لا يجامع الاطعام والظاهر انها للبدلية.

يقول الفقير الظاهر ان مآل المعنى نجاهم من الجوع بسبب الاطعام والترزيق

{ وآمنهم من خوف } عظيم لا يقادر قدره وهو خوف اصحاب الفيل او خوف التخطف فى بلدهم ومسايرهم وقال صاحب الكشاف الفرق بين عن ومن ان عن يقتضى حصول جوع قدر زال بالاطعام ومن يقتضى المنع من لحاق الجوع والمعنى اطعمهم فلم يلحقهم جوع وآمنهم فلم يلحقهم خوف فيكون من لابتدآء الغاية والمعنى اطعمهم فى بدء جوعهم قبل لحاقه اياهم وآمنهم فى بدء خوفهم قبل اللحاق ومن بدع التفاسير وآمنهم من خوف من ان تكون الخلافة فى غيرهم كما فى الكاشف وعن ام هانئ بنت ابى طالب رضى اللّه عنها قالت ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فضل قريشا اى ذكر تفضيلهم بسبع خصال لم يعطها احد قبلهم ولا يعطاها احد بعدهم النبوة فيهم والخلافة فيهم والحجابة للبيت فيهم والسقاية فيهم ونصروا على الفيل اى على اصحابه وعبدوا اللّه سبع سنين وفى لفظ عشر سنين لم يعبده احد غيرهم ونزلت فيهم سورة من القرءآن لم يكذر فيها احد غيرهم لايلاف قريش وتسمة لايلاف قريش سورة يرد ما قيل ان سورة الفيل ولايلاف قريش سورة واحدة فلينظر ما معنى عبادتهم لله دون غيرهم فى تلك المدة.

يقول الفقير اشار بقريش الى النفس المشركة وقواها الظالمة الخاطئة الساكنة فى البلد الانسانى الذى هو مكة الوجود وبالشتاء الى القهر والجلال وابلصيف الى اللطف والجمال واغنى بالقهر والجلال العجز والضعف لان المقهور عاجز ضعيف وباللطف والجمال القدرة والقوة لان المطلوف به صاحب التمكين فاما عجز النفس وضعفها فعند عدم مساعدة هواها

واما قوتها وقدرتها فعند وجود المساعدة فهى وصفاتها ترتحل عند العجز والضعف الى بمن المعقولات لانها فى جانب يمين القلب وعند القوة والقدرة ترتحل الى شأم المحسوسات لانها فى جانب شمال القلب الذى يلى الصدر فهى تتقلب بين نعم المعقولات ونعم المحسوسات ولا تشكرها بأن تقر بوحدة الوجود ورسالة رسول القلب كالفلاسفة المتوغلة فى المعقولات والفراعنة المنهمكة فى المحسوسات ولذا قال تعالى فليعدبوا رب هذا البيت الى بيت القلب الذى هو الكعبة الحقيقية لانها مطاف الواردات والالهامات ومن ضرورة العبادة له الاقرار برسالة رسول الهدى الذى هو القلب فالبيت معظم مشرف مطلقا لاضافة الرب اليه فما ظنك بعظمة الرب وجلاله وهيبته ورب القلب هو الاسم لجامع المحيط بجميع الاسماء والصفات وهو الاسم الاعظم الذى نيط به جميع التاثيرات العقلية والروحانية والعلمية والغيبية امروا بأن يكونوا تحت هذا الاسم لا تحت الاسماء الجزئية ليتخلصوا من الشرك ويتحققوا بسر وحدة الوجود فان الاسماء الجزئية تعطى التقييد والاسم الكلى يعطى الاطلاق ومن ثمة بعث النبى عليه السلام فى ام البلاد اشارة الى كليته وجمعيته وهذا الرب الجليل المفيض المعطى ازال عنهم جوع العلوم والفيوض واطعمهم بها وآمنهم من خوف الهلاك من الجوع لان نفس الجاهل كالميت ولا شك ان الاحياء يخافون من الموت هكذا ورد بطريق الالهام من اللّه العلام.

﴿ ٠