سُورَةُ الْإِخْلَاصِ مَكِّيَّةٌ وَهِيَ أَرْبَعُ آياَتٍ ١ { قل هو اللّه احد } الضمير للشأن كقولك هو زيد منطلق وارتفاعه بالابتدآء وخبره الجملة ولا حاجة الى العائد لانها عين الشان الذى عبر عنه بالضمير اى اللّه احد هو الشأن هذا او هو أن اللّه احد والسر فى تصدير الجملة به التنبيه من الاوامر على فخامة مضمونها مع ان فى الابهام ثم التفسير مزيد تقرير او الضمير لما سئل عنه اى الذى سألتم عنه هو اللّه اذ روى ان المشركين قالوا للنبى عليه السلام صف لنا ربك الذى تدعونا اليه وانسبه اى بين نسبه واذكره فنزلت يعنى بين اللّه نسبه بتنزيهه عن النسب حيث نفى عنه الوالدية والمولدية والكفاءة فالضمير حينئذ مبتدأ ولله خبره واحد بدل منه وابدال النكرة المحضة من المعرفة يجوز عند حصول الفائدة على ما ذهب اليه ابو على وهو المختار واللّه علم دال على الاله الحق دالالة جامعة لمعانة الاسماء الحسنى كلها وقال القاشانى هو عندنا اسم الذات الالهية من حيث هى هى اى المطلقة الصادق عليها مع جميعها او بضعها ولا مع واحد منها كقوله تعالى قل هو اللّه احد انتهى عبد اللّه هو العبد الذى تحلى بجميع اسمائه فلا يكون فى عباده ارفع مقاما واعلى شأنا منه لتحققه بالاسم العظم واتصافه بجميع صفاته ولهذا خص نبينا عليه السلام بهذا الاسم فى قوله وانه لما قام عبد اللّه يدعوه فلم يكن هذا الاسم بالحقيقة الا له وللاقطاب من ورثته بتبعيته وان اطلق على غيره مجازا لاتصاف كل اسم من اسمائه بجميعها بحكم الواحدية واحدية جميع الاسماء والاحد اسم لمن لا يشاركه شئ فى ذاته كما ان الواحد اسم لمن لا يشاركه شئ فى صفاته يعنى ان الاحد هو الذات وحدها بلا اعتبار كثرة فيها فأثبت له الاحدية التى هى الغنى عن كل ما عداه وذلك من حيث عينه وذاته من غير اعبتار امر آخر والواحد هو الذات مع اعتبار كثرة الصفات وهى الحضرة الاسمائية ولذا قال تعالى ان الهكم لواحد ولم يقل لأحد لان الواحدية من اسماء التقييد فبينهما وبين الخلق ارتباط اى من حيث الالهة والمألوهية بخلاف الاحدية اذلا يصح ارتباطها بشئ فقولهم العلم الالهى هو العلم بالحق من حيث الارتباط بينه وبين الخلق وانتشاء العالم منه بقدر الطاقة البشرية اذ منه مالا تفيه الطاقة البشرية وهو ما وقع به الكمل فى ورطة الحيرة واقروا بالعجز عن حق المعرفة ومنه يعلم ان توحيد الذات مختص فى الحقيقة باللّه تعالى وعبد الاحد هو وحيد الوقت صاحب الزمان الذى له القطبية الكبرى والقيام بالاحدية الاولى وعبد الواحد هو الذى بلغه اللّه الحضرة الواحدية وكشف له عن احدية جميع اسمائه فيدرك ما يدرك ويفعل ما يفعل باسمائه ويشاهد وجوه اسمائه الحسنى قال ابن الشيخ فى حواشيه قوله هو اللّه احد ثلاثة ألفاظ كل واحد منها اشارة الى مقام من مقامات السائرين الى اللّه تعالى فالمقام الاول مقام المقربين وهم الذين نظروا الى ماهيات الاشياء وحقائقها من حيث هى هى فلا جرم ما رأوا موجودا سوى اللّه لان الحق هو الذى لذته يجب وجوده واما ما عداه فممكن والممكن اذا نظر اليه من حيث هو هو كان معدوما فؤلاء لم يروا موجودا سوى الحق تعالى وكلمة هو وان كانت للاشارة المطلقة مفتقرة فى تعين المراد بها الى سبق الذكر باحد الوجوه او الى ان يعقبها ما يفسرها الا انهم يشيرون بها الى الحق ولا يفتقرو نفى تلك الاشارة الا ما يميز المراد بها من غيره لان الافتقار الى الممز انما يحصل حيث وقع الابهام بأن يتعدد ما يصلح لان يشار اليه وقد بينا انهم لا يشاهدون بعيون عقولهم الا الواحد فقط فلهذا السبب كانت لفظة هو كافية فى حصلة العرفان التام لهؤلاء والمقام الثانى مقام اصحاب اليمين وهو دون المقام الاول وذلك النهم شاهدوا الحق موجودا وشاهدوا الخلق ايضا موجودا فحصلت الكثرة فى الموجودات فلا جرم لم تكن لفظة هو كافية فى الاشارة الى الحقب ل لا بد هناك من مميز به يتميز الحق من الخلق فهؤلاء مفتقرون الى ان يقرن لفظة اللّه بلفظة هو فقيل لاجلهم هو اللّه لان لفظة اللاسم للموجود الذى يفقتر اليه ما عاده ويستغنى هو عن كل ما عداه فتتميز به الذات المراد عما عداه والمقام الثالث مقام اصحاب الشمال وهو أخس المقامات وهم الذين يجوزون ان يكون واجب الوجود اكثر من واحد فقرن لفظة الاحد بما تقدم ردا على هؤلاء وابطالا لمقالهم فقيل قل هو اللّه احد انتهى كلامه ومنه يعلم صحة ما اعتاده الصوفية من الذكر بالاسم هو وذلك لان اهل البداية منهم وهم المحجوبون تابعون لاهل النهاية منهم وهم المكاشفون فكأنهم كلهم ما شاهدوا فى الوجود الا اللّه فاللّه عندهم بهويته المطلقة السارية متعين لا حاجة الى التعيين اصلا فضمير هو راجع اليه لا الى غيره كما ان الضمير فى انزلناه راجع الى القرءآن لتعينه وحضوره فى الذهن فقول الطاعن انه ضمير ليس له مرجع متعين فكيف يكون ذكر اللّه تعالى مردود على ان الضمائر اسماء وكل الاسماء ذكر لا فرق بينها بالمظهرية والمضمرية فعلى هذا يجوز ان يدخل اللام فىكلمة هو فى اصطلاح الصوفية لانها اشارة الى الهوية ولا مناشة فى الاصطلاح ثم قوله قل امر من عين الجمع وارد على مظهر التفصيل وفيه اشارة الى سر قوله تعالى شهد اللّه انه لا اله الا هو والملائكة وأولوا العلم فكأنه يقول انا شهدت بوحدة الهوية فى مقام الجمع فاشهد انت ايضا بتلك الوحدة فى مقام الفرق ليظهر سر الاحدية واللاحدية ويحصل التطابق بينهما جمعا وتفصيلا هكذا لاح بالبال واللّه اعلم بحقيقة الحال وقرئ هو اللّه بلا قل وكذا فى المعوذتين لانه توحد والاخريان تعوذ فيناسب ان يدعو بهما وان يؤمر بتبليغهما وقد سبق فى سورة الاعلى ما يغنى عن تكراره ههنا وقال بعضهم انما اثبت فى المصحف قل والتزم فى التلاوة مع انه ليس من دأب المأمور بقل ان يتلفظ فى مقام الائتمار الا بالمقول لان المأمور ليس المخاطب به فقط بل كل واحد ابتلى بما ابتلى به المأمور فاثبت ليبقى على مر الدهور منا على العباد. |
﴿ ١ ﴾