سُورَةُ النَّاسِ مَدَنِيَّةٌ

وَهِيَ سِتُّ آياَتٍ

١

{ قل اعوذ برب الناس } اى مالك امورهم ومربيهم بافاضة ما يصلحهم ودفع ما يضرهم قال القاشانى رب الناس هو الذات مع جميع الصفات لان الانسان هو الكون الجامع الحاصر لجميع مراتب الوجود فربه الذى اوجده وافاض عليه كماله هو الذات باعتبار جميع الاسماء الجمالية والجلالية تعوذ بوجهه بعد ما تعوذ بصفاته ولهذا تأخرت هذه الصورة عن المعوذة الاولى اذ فيها تعوذ فى مقام الصفات باسمه الهادى فهداه الى ذاته وفى الحديث ( اعوذ برضاك من سخطك ومعافاتك من عقوبتك واعوذ بك منك ) ابتدأ بالتعوذ بالرضى الذى هو من الصفات لقرب الصفات من الذات ثم استعاذ بالمعافاة التى هى من صفات الافعال ثم لما ازداد يقينا ترك الصفات فقال واعوذ بك منك قاصرا نظره على الذات وابتدأ بعض العلماء فى ذكر هذا الحديث بتقديم الاستعاذة بالمعافاة على التعوذ بالرضى للترقى من الادنى الذى هو من صفات الافعال الى الاعلى الذى هو صفات الذات

قال بعضهم من بقى له النفات الى غير اللّه استعاذ بافعال اللّه وصفاته فاما من توغل فى بحر التوحيد بحيث لا يرى فى الوجود الا اللّه لم يستعذ الا باللّه ولم يلتجئ الا الى اللّه والنبى عليه السلام لما ترقى عن هذا المقام وهو المقام الاول قال اعوذ بك منك.

يقول الفقير ففى الالتجاهء الى اللّه فى هذه السورة لدلالة على ختم الامر فان اللّه تعالى هو الاول الآخر واليه يرجع الامر كله وان الى ربك المنتهى وفيه اشارة الى نسيان العهد السابق الواقع يوم الميثاق فان الانسان لو لم ينسه لما احتاج الى العود والرجوع بل كان فى كنف اللّه تعالى دآئما.

٢

{ ملك الناس } عطف بيان جيئ به لبيان ان تربيته تعالى اياهم ليست بطريق تربية سائر الملائكة لما تحت ايديهم من مماليكهم بل بطريق الملك الكامل والتصرف الشامل والسلطان القاهر فما ذكروه فى ترجيح المالك على الملك من ان المالك مالك العبد وانه مطلق التصرف فيه بخلاف الملك فانه انما يملك بقهر وسياسة ومن بعض الوجوه فقياس لا يصح ولا يطرد الا فى المخلوقين لا فى الحق فانه من البين انه مطلق التصرف وانه يملك من جميع الوجوه فلا يقاس ملكية غيره عليه ولا تضاف النعوت والاسماء اليه الا من حيث اكمل مفهوماته ومن وجوه ترجيح الملك على المالك ان الاحاديث النبوية مبينات لاسرار القرءآن ومنبهات عليه وقد ورد فى الحديث فى بعض الادعية النبوية ( لك الحمد لا اله الا انت رب كل شئ ومليكه ولم يرد ومالكه ) وايضا فالاسماء المستقلة لها تقدم على الاسماء المضافة لم تنقل فى احصاء الاسماء الثابتة بالنقل مثل قوله عز وجل فالق الاصباح وجاعل الليل سكنا وذى المعارج وشبهها وايضا فان الحق يقول فى آخر الامر عند ظهور غلبةالاحدية على الكثرة فى القيامة الكبرى والقيامات الصغرى الحاصلة للسالكين عند التحقق بالموصول عقيب انتهاء السير وحال الانسلاخ لمن الملك اليوم لله الواحد القهار والحاكم على الملك هو الملك فدل انه ارجح وقد جوزوا القرآءة بمالك وملك فى سورة الفاتحة لا فى هذه السورة حذرا من التكرار فان احد معانى الاسم الرب فى اللسان المالك ولا ترد الفاتحة فان الراجح فيها عند المحققين هو الملك لا المالك.

٣

{ اله الناس } هو لبيان ان ملكه تعالى ليس بمجرد الاستيلاء عليهم والقيام بتدبير امور سياستهم والتولى لترتيب مبادى حفظهم وحمايتهم كما هو قصارى امر الملوك بل هو بطريق المعبودية المؤسسة على الالوهية المقتضية للقدرة التامة على التصرف الكلى فيهم احياء واماتة وايجادا واعداما وايضا ان ملك الناس اشارة الى حال الفناء فى اللّه كما اشرنا اليه واله الناس لبيان حال البقاء باللّه لان الاله هو المعبود المطلق وذلك هو الذات مع جميع الصفات فلما فنى العبد فى اللّه ظهر كونه ملكا ثم رده اللّه الى الوجود لمقام العبودية فتم استعاذته من شر الوسواس لان الوسوسة تقتضى محلا وجوديا ولا وجود فى حال الفناء ولا صدر ولا وسوسة ولا موسوس بل ان ظهر هناك تلوين بوجود الانانية يقول اعوذ بك منك فلما صار معبودا بوجود العابد ظهر الشيطان بظهور العابد كما كان اولا موجدا بوجوده وايضا مقام الربوبية المقيدة بالناس هو لحضرة الامام الذى على باب عالم الملكوت وفيها يشهد وهى موضع نظره فانها ثلاث الامامان والقطب والامامان وزيران للقطب صاحب الوقت وينفرد القطب بالكشف الذاتى المطلق كما ينفرد الامام الذى على يسار القطب بباب عالم الشهادة الذى لا سبيل للامام الثانى الذى يمينه اليه وانما اضيف امام الربوبية للناس وهو مع الملكوتيات لانه لا بد له عند موت الامام الثانى المسمى بالملك ان يرث مقامه بخلاف غير وفى الارشاد تخصيص الاضافة بالناس مع انتظام جميع العالمين فى سلك ربوبيته تعالى وملكوته والوهيته لان المستعاذ منه شر الشيطان المعروف بعداوتهم ففى التنصيص على انتظامهم فى سلك عبوديته تعالى وملكوته رمز الى انجائهم من هلكة الشيطان وتسلطه عليهم حسبنا ينطق به قوله تعالى ان عبادى ليس لك عليهم سلطان وتكرير المضاف اليه لمزيد الكشف والتقرير بالاضافة فان مالا شرف فيه لا يعبأ به ولا يعاد ذكره بل يترك ويهمل وقد قال من قال

أعد ذكر نعمان لنا ان ذكره ... هو المسك ما كررته يتضوع

والتضوع بوى خوش دميدن فلولا ان الناس اشرف مخلوقاته لما ختم كتابه بذكرهم.

٤

{ من شر الوسواس } هو اسم بمعنى الوسوسة وهو الصوت الخفى الذى لا يحس فيحتزر منه كالزلزال بمعنى الزلزلة

واما المصدر فبالكسر والفرق بين المصدر هو أن الحدث ان اعتبر صدوره عن الفاعل ووقوعه على المفعول سمى مصدرا واذا لم يعتبر بهذه الحقيقة سمى اسم المصدر ولما كانت الوسوسة كلاما يكرره الموسوس ويؤكده عند من يلقيه اليه كرر لفظها بازآء تكرير معناها والمراد بالوسواس الشيطان لانه يدعو الى المعصية بكلام خفى يفهمه القلب من غير ان يسمع صوته وذلك بالاغرار بسعة رحمة اللّه او بتخييل أن له فى عمره سعة وان وقت التوبة باق بعد سمى بفعله مبالغة كأنه نفس الوسوسة لدوام وسوسته فقد اوقع الاستعاذة من شر الشيطان الموصوف بأنه الوسواس الخ ولم يقل من شر وسوسته لتعم الاستعاذة شره جميعه وانام وصفه بأعظم صفاته واشدها شرا واقواها تأثيرا وأعمها فسادا وانما استعاذ منه بالاله دون بعض اسمائه كما فى السورة الاولى لان الشيطان هو الذى يقابل الرحمن ويستولى على الصورة الجمعية الانسانية ويظهر فى صورة جميع الاسماء ويتمثل بها الا باللّه والرحمن فلم تكف الاستعاذة منه بالهادى والعليم والقدير وغير ذلك فلهذا لما تعوذ من الاحتجاب والضلالة تعوذ برب الفلق وههنا تعوذ برب الناس ومن هذا يفهم معنى قوله عليه السلام ( من رآنى فقد رآنى فان الشيطان لا يتمثل بى ) وكذا لا يتمثل بصور الكمل من امته لانهم مظاهر الهداية المطلقة قال بعض الكبار الالقاء اما صحيح او فاسد.

فالصحيح الهى ربانى متعلق بالعلوم والمعارف او ملكى روحانى وهو الباعث على الطاعة وعلى كل ما فيه صلاح ويسمى الهاما.

والفاسد نفسانى وهو ما فيه حظ النفس ويسمى هاجسا او شيطانى وهو ما يدعو الى معصية ويسمى وسواسا وفى آكام المرجان وينحصر ما يدعو الشيطان اليه ابن آدم فى ست مراتب المرتبة الاولى الكفر والشرك ومعاداة اللّه ورسوله فاذا ظفر بذلك من ابن آدم برد أنينه واستراح من تعبه معه وهذا اول ما يريده من العبد والمرتبة الثانية البدعة وهى احب الى ابليس من المعصية لان المعصية يتاب منها فتكون كالعدم والبدعة يظن صاحبها انها صحيحة فلا يتوب منها فاذا عجزعن ذلك انتقل الى المرتبة الثالثة وهى الكبائر على اختلاف انواعها فاذا عجز عن ذلك انتقل الى المرتبة الرابعة وهى الصغائر التى اذا اجتمعت اهلكت صاحبها كالنار الموقدة من الخطب الصغار فاذا عجز عن ذلك انتقل الى المرتبة الخامسة وهى اشتغاله بالمباحات التى لا ثواب فيها ولا عقاب بل عقابها فوات الثواب الذى فات عليه باشتغاله بها فاذا عجز عن ذلك انتقل الى المرتبة السادسة وهى ان يشغله بالعمل المفضول عما هوأفضل منه ليفوته ثواب العمل الفاضل ومن الشياطين شيطان الوضوء ويقال له الولهان بفتحين وهو شيطان يولع الناس بكثرة استعمال الماء قال عليه السلام

( تعوذوا باللّه من وسوسة الوضوء ) ومنهم شيطان يقال له خنزب وهو الملبس على المصلى فى صلاته وقرآءته قال ابو عمر والبخارى رحمهما اللّه اصل الوسوسة ونتيجتها من عشرة اشياء أولها الحرص فقابله بالتوكيل والقناعة والثانى الامل فاكسره بمفاجأة الاجل والثالث التمتع بشهوات الدنيا فقابله بزوال النعمة وطول الحساب والرابع الحسد فاكسره برؤية العدل والخامس البلاء فاكسره برؤية المنة والعوافى والسادس الكبر فاكسره بالتواضع والسابع الاستخفاف بحرمة المؤمنين فاكسره بتعظيمهم واحترامهم والثامن حب الدنيا والمحمدة فاكسره بالاخلاص والتاسع طلب العلو والرفعة فاكسره بالخشوع والذلة والعاشر المنع والبخل فاكسره بالجود والسخاء

{ الخناس } الذى عادته ان يخنس اى يتأخر اذا ذكر الانسان ربه ( حكى ) ان بعض الاولياء سأل اللّه تعالى ان يريه كيف يأتى الشيطان ويوسوس فأراه الحق تعالى هيكل الانسان فى صورة بلور وبين كتفيه خال اسود كالعش واوكر فجاء الخناس يتحسس من جميع جوانبه وهو فى صورة خنزير له خرطوم كخرطوم الفيل فجاء بين الكتفين فادخل خرطومه قبل قلبه فوسوس اليه فذكر اللّه فخنس ورآءه ولذلك سمى بالخناس لانه ينكص على عقبيه مهما حصل نور الذكر فى القلب ولهذا السر الالهى كان عليه السلام يحتجم بين كتفيه ويأمر بذلك ووصاه جبرآئيل بذلك لتضعيف مادة الشيطان وتضييق مرصده لانه يجرى وسوسته مجرى الدم ولذلك كان خاتم النبوة بين كتفيه عليه السلام اشارة الى عصمته من وسوسته لقوله اعاننى اللّه عليه فأسلم اى بالختم الالهى وشرح الصدر أيده وبالعصمة الكلية خصه فأسلم قربنه وما اسلم قرين آدم عليه السلام فوسوس اليه لذلك ويجوز ان يدخل الشيطان فى الاجسام لانه جسم لطيف وهو وان كان مخلوقا فى الاصل من نار لكنه ليس بمحرق لانه لما امتزج النار بالهواء صار تركيبه مزاجا مخصوصا كتركيب الانسان وفى الوسواس اشارة الى الوساوس الحاصل من القوة الحسية والخيالية وفى الخناس الى القوة الوهمية المتأخرة عن مرتبتى القوتين فانها تساعد العقل فى المقدمات فاذا آل الامر الى النتيجة خنست وتأخرت توسوسه وتشككه كما يحكم الوهم بالخوف من الموتى مع انه يوافق العقل فى ان الميت جماد والجماد لا يخاف منه المنتج لقولنا الميت لا يخاف منه فاذا وصل العقل والوهم الى النتيجة نكص الوهم وانكرها.

٥

{ الذى يوسوس فى صدور الناس } اذا غفلوا عن ذكره تعالى ولذا قال فى التأويلات النجمية اى الناسى ذكر اللّه بالقلب والسر والروح كما قال تعالى يوم يدعو الداع بحذف الياء انتهى ومحل الموصول الجر على الوصف فلا وقف على الخناس او النصب او الرفع على الذم فيحسن الوقف عليه ذكر سبحانه وتعالى وسوسته اولا ثم ذكر محلها وهو صدور الناس تامل السر فى قوله يوسوس فى صدور الناس ولم يقل فى قلوبهم والصدر هو ساحة القلب وبيته فمنه تدخل الواردات عليه فتجتمع فى الصدر ثم تلج فى القلب فهو بمنزلة الدهليز وهو بالكسر ما بين الباب والدار ومن القلب تخرج الارادات والاوامر الى الصدر ثم تتفرق على الجنود فالشيطان يدخل ساحة القلب وبيته فيلقى ما يريد القاءه الى القلب فهو يوسوس فى الصدور ووسوسته واصله الى القلوب قال بعض ارباب الحقائق للقلب امرآء خمسة ملكية يسمون الحواس كحاسة البصر وحاسة السمع وحاسة الشم وحاسة الذق وحاسة اللمس وامرآء خمسة ملكوتية يسمون ارواحا كالروح الحيوانى والروح الخيالى والروح الفكرى والروح العقلى والروح القدس فاذا نفذ الامر الالهى الى احد هؤلا الامرآء من القلب بادر لامتثال ما ورد عليه على حسب حقيقته وقس عليه الخواطر والوساوس فان عزم الانسان يخرج كلا منها الى الخارج ويجريها من طرق الحواس والقوى وقوله فى صدور الناس يدل على انه لا يوسوس فى صدور الجن قال فى آكام المرجان لم يرد دليل على ان الجنى يوسوس فى صدور الجنى ويدخل فيه كما يدخل فى الانسى ويجرى منه مجراه من الانسى.

٦

{ من الجنة والناس } الجنة بالكسر جماعة الجن ومن بيان للذى يوسوس على انه ضربان جنى وانسى كما قال تعالى شياطين الانس والجن والموسوس اليه نوع واحد وهو الانس فكما ان شيطان الجن قد يوسوس تارة ويخنس اخرى فشيطان الانس يكون كذلك وذلك لانه يلقى الاباطيل ويرى نفسه فى صورة الناصح المشفق فان زجره السامع يخنس ويترك الوسوسة وان قبل السامع كلامه بالغ فيه قال فى الاسئلة المقحمة من دعا غيره الى الباطل فان تصوره فى قلبه كان ذلك وسوسة وقد قال تعالى ونعلم ما توسوس به نفسه فاذا جاز أن توسوس نفسه جاز أن يوسوسه غيره فان حققة الوسواس لا تختلف باختلاف الاشخاص ويجوز أن تكون من متعلقة بيوسوس فتكون لابتداء الغاية اى يوسوس فى صدورهم من جهة الجن انهم يعلمون الغيب ويضرون وينفعون ومن جهة الناس كالكهان والمنجمين كذلك وفى الجنة اشارة الى القوى الباطنة المستجنة المستورة اذ سمى الجن بالجن لاستجنانه وفى الناس الى القوى الظاهرة اذ الناس من الايناس وهو الظهور كما قال آنست نارا وفى هذا المقام لطيفة بالغة وهى ان المستعاذ به فى السورة الاولى مذكور بصفة واحدة وهى انه رب الفلق والمستعاد منه ثلاثة انواع من الآفات وهى الغاسق والنفاثات والحاسد

واما فى هذه السورة فالمستعاذ به مذكور بثلاثة اوصاف وهى الرب والملك والاله والمستعاذ منه آفة واحدة وهى الوسوسة ومن المعلوم ان المطلوب كلما كان اهم والرعية فيه اتم واكثر كان ثناء الطالب قبل طلبه اكثر وأوفر والمطلوب فى السورة المتقدمة هو سلامة البدن من الآفات المذكورة وفى هذه السورة سلامة الدين من وسوسة الشيطان فظهر بهذا ان فى نظم السورتين الكريمتين تنبيها على ان سلامة الدين من وسوسة الشيطان وان كانت امرا واحدا الا انها اعظم مراد وأهم مطلوب وان سلامة البدن من تلك الآفات وان كانت امورا متعددة ليست بتلك المثابة فى الاهتمام وفى آكام المرجان سورة الناس مشتملة على الاستعاذة من الشر الذى هو سبب الذنوب والمعاصى كلها وهو الشر الداخل فى الانسان الذى هو منشأ العقوبات فى الدنيا والآخرة وسورة الفلق تضمنت الاستعاذة من الشر الذى هو سبب ظلم العبد نفسه وهو شر من خارج فالشر الاول لا يدخل تحت التكليف ولا يطلب منه الكف عنه لانه ليس من كسبه والشر الثانى يدخل تحت التكليف ويتعلق به النهى وعن عائشة رضى اللّه عنها قالت كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم اذا اوى الى فراشه كل ليلة جمع كفية فنفث فيهما وقرأ قل هو اللّه احد وقل اعوذ برب الفلق وقل اعوذ برب الناس ثم مسح بهما ما استطاع من جسده يبدأ بهما رأسه ووجهه وما اقبل من جسده يصنع ذلك ثلاث مرات وفى قوت القلوب للشيخ ابى طالب المكى قدس سره وليجعل العبد مفتاد درسه ان يقول

( اعوذ باللّه السميع العليم من الشيطان الرجيم رب اعوذ بك من همزات الشياطين واعوذ بك رب ان يحضرون ) وليقرأ قل اعوذ برب الناس وسورة الحمد وليقل عند فراغه من كل سورة صدق اللّه تعالى وبلغ رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم اللهم انفعنا وبارك لنا فيه الحمد لله رب العالمين واستغفر اللّه الحى القيوم.

وفى اسئلة عبد اللّه بن سلام اخبرنى يا محمد ما ابتدآء القرءآن وما ختمه قال ابتدآؤه بسم اللّه الرحمن الرحيم وختمه صدق اللّه العظيم قال صدقت وفى خريدة العجائب يعنى ينبغى ان يقول القارئ ذلك عند الختم والا فختم القرءآن سورة الناس وفى الابتدآء بالباء والاختتام بالسين اشارة الى لفظ بس.

يعنى حسب اى حسبك من الكونين ما اعطيناك بين الحرفين كام قال الحكيم ناسنى رحمه الله

اول وآخر قرآن زجه باآمد وسين يعنى اندرره دين رهبرتو قرآن بس

يقول الفقير ايده اللّه القدير ان اللّه تعالى انما بدأ القرءآن ببسم اللّه وختمه بالناس اشارة الى الانسان آخر المراتب الكونية كما ان الكلام آخر المراتب الآلهية وذلك لان ابتدآء المراتب الكونية هو العقل الاول وانتهاؤها الانسان ومجموعها عدد حروف التهجى واول المراتب الآلهية هو الحياة وآخرها الكلام ولذا كان اول ما يظهر من المولود الحياة هو جنين وآخر ما يظهر منه الكلام وهو موضوع لان اللّه تعالى خلق آدم على صورته فكان اول الكلام القرءآنى اسم اللّه لانه المبدأ الاول وآخره الناس لان الانس هو المظهر الآخر والمبتدئ يعرج تعلما الى ان ينتهى الى المبدأ الاول واسمه العالى والمنتهى ينزل تلاوة الى ان ينتهى الى ذكر الانس السافل وحقيقته أن اللّه تعالى هو المبدأ جلاء والمنتهى استجلاء وهو الاول بلا بداية والآخر بلا نهاية ( روى ) عن ابن كثير رحمه اللّه انه كان اذا انتهى فى آخر الختمة الى قل اعوذ برب الناس قرأ سورة الحمد لله رب العالمين وخمس آيات من اول سورة البقرة على عدد الكوفى وهوالى واولئك هم المفلحون لان هذا يسمى حال المرتحل ومعناه انه حل فى قرآءته آخر الختمة وارتحل الى ختمة اخرى ارغاما للشيطان وصار العمل على هذا فى امصار المسلمين فى قرآءة ابن كثير وغيرها وورد النص عن الامام احمد بن حنبل رحمه اللّه ان من قرأ سورة الناس يدعو عقب ذلك فلم يستحب ان يصل ختمه بقرآءة شئ وروى عنه قول آخر بالاستحباب واستحسن ماشيخ العراق قرآءة سورة الاخلاص ثلاثا عند ختم القرءآن الا ان يكون الختم فى المكتوبة فلا يكررها وفى الحديث

( من شهد خاتمة القرءآن كان كمن شهد المغانم حين تقسم ومن شهد فاتحة القرءآن كان كمن شهد فتحا فى سبيل اللّه تعالى ) وعن الامام البخارى رحمه اللّه انه قال عند كل ختمة دعوة مستجابة واذا ختم الرجل القرءآن قبل الملك بين عينيه ومن شك فى غفرانه عند الختم فليس له غفران ونص الامام احد على استحباب الدعاء عند الختم وكذا جماعة من السلف فيدعو بما احب مستقبل القبلة رافعا يديه خاضعا لله موقنا بالاجابة ولا يتكلف السجع فى الدعاء بل يجتنبه ويثنى على اللّه تعالى قبل الدعاء وبعده ويصلى على النبى عليه السلام ويمسح وجهه بيديه بعد فراغه من الدعاء وعنه عليه السلام انه امر على بن ابى طالب رضى اللّه عنه ان يدعو عند ختم القرءآن بهذا الدعاء وهو ( اللهم انى اسألك اخبات المخبتين واخلاص الموقنين ومرافقة الابرار واستحقاق حقائق الايمان والغنيمة من كل بر والسلامة ومن كل اثم ورجوب رحمتك وعزائم مغفرتك والفوز بالجنة والخلاص من النار ) وفى شرح الجزرى لابن المصنف ينبغى ان يلح فى الدعاء وان يدعو بالامور المهمة والكلمات الجامعة وان يكون معظم ذلك او كله فى امور الآخر وامور المسلمين وصلاح سلاطينهم وسائر ولاة امورهم فى توفيقهم للطاعات وعصمتهم من المخالفات وتعاونهم على البر والتقوى وقيامهم بالحق عليه وظهورهم على اعداء الدين وسائر المخالفين وبما كان يقول النبى عليه السلام عند ختم القرءآن ( اللهم ارحمنى بالقرءآن العظيم واجعله لى اماما ونورا وهدى ورحمة اللهم ذكرنى منه ما نسيت وعلمنى منه ما جهلت وارزقنى تلاوته آناء الليل واطراف النهار واجعله حجة لى يا رب العالمين ) وكان ابو القاسم الشاطى رحمه اللّه يدعو بهذا الدعاء عند ختم القرءآن اللهم انا عبيدك وأبناء عبيدك وابناء امائك ماض فينا حكمك عدل فينا قضاؤك نسألك اللهم بكل اسم هو لك سميت به نفسك او علمته احدا من خلقك او نزلته فى شئ من كتباك او استأثرت به فى علم الغيب عندك أن تجعل القرءآن ربيع قلوبنا وشفاء صدورنا وجلاء احزاننا وهمومنا وسائقنا وقائدنا اليك والى جناتك جنات النعيم ودارك دار السلام مع الذين انعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين برحمتك يا ارحم الرحمين.

يقول الفقير رافعا يديه الى الرب القدير اللهم انى اعوذ بمعافاتك من عقوبتك واعوذ برضان من سخطك واعوذ بك منك لا احصى ثناء عليك أنت كما اثنيت على نفسك فقد انجزت لى ما وعدتنى انك لا تخلف الميعاد وجعلت رؤياى حقا واحسنت بى اذ أخرجتنى من سجن الهم وخاطبتنى عند ذلك بقولك سل تعط فجعلت منتهى سؤلى رضاك وبشرتنى بقبول خدمتى هذه حيث قلت فتقبلها ربها بقبول حسن وكنت ادعوك باتمام النعمة واكمال المنة فلم اكن بدعائك رب شقيا فأنعم على فيما بقى من عمرى القليل باضعاف ما عودتنى به قبل هذا من انواع اولآئك واصناف نعمائك واختم لى بخير وهدى ونور.

وبكل بر وسعادة وسرور وصل على نبيك النبيه الذى هو مفتاح الخيرات . ومصباح السائرين الى منازل القربات فى جنح الاوقات . وعلى آله واصحابه القاده . ومن تبعهم من السادة . وهذا وقد تم تحرير روح البيان.

فى تفسير القرءآن . فى مدة الوحى تقريبا لما ان قسى الاقدار رمتنى الى اقاصى اقطار الارض . وايدى الاسفار النائية تداولتنى من طول الى عرض . حتى اقامنى اللّه مقام الاتمام . فجاء باذن اللّه التمام . يوم الخميس الرابع عشر من جمادى الاولى المنتظم فى سلك شهور

سنة سبع عشرة ومائة ألف ... من هجرة من يرى من قدام وخلف

وقلت فى تاريخه نظاما

ان من جناب ذى المنن ... ختم تفسير الكتاب المستطاب

قال فى تاريخه حقى الفقير ... حامدا لله قد تم الكتاب

وقلت بحساب الحروف المنقوط ... وقع الختم بجود البارى

﴿ ٠