تفسير السمرقندي: بحر العلوم

أبو الليث نصر بن محمد بن إبراهيم السمرقندي

الفقيه الحنفي المتوفى سنة (ت ٣٧٥هـ ٩٨٥ م)

مقدمة المصنف

قال أخبرنا أبو الفضل جبريل بن أحمد اليوناني قال أنبأنا أبو محمد لقمان بن حكيم بن خلف الفرغاني بأوزكندة قال حدثنا الفقيه أبو الليث نصر بن محمد بن إبراهيم السمرقندي رحمة اللّه عليه قال أخبرنا أبو جعفر الكرابيسي قال حدثنا إبراهيم بن يوسف قال حدثنا وكيع عن سفيان الثوري عن أبي إسحاق عن مرة الهمذاني قال قال ابن مسعود رضي اللّه عنه ( من أراد العلم فليثر القرآن ) وفي رواية أخرى فليؤثر القرآن فإن فيه علم الأولين والآخرين وروي عن علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه أنه قال ما من شيء إلا وعلمه فى القرآن غير أن آراء الرجال تعجز عنه

حدثنا أبو جعفر محمد بن الفضل قال حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا إبراهيم بن يوسف قال حدثنا محمد بن الفضل عن عطاء بن السائب عن أبي عبد الرحمن السلمي قال حدثنا من كان يقرئنا من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ( أنهم كانوا يقرؤون على النبي صلّى اللّه عليه وسلّم عشر آيات فلا يأخذون في العشر الأخرى حتى يعلموا ما فيها من العلم والعمل )

قال حدثنا الفقيه أبو الليث رحمه اللّه حدثنا أبي قال حدثنا أبو بكر محمد بن أحمد المعلم قال حدثنا أبو عمران الفريابي قال حدثنا عبد الرحمن بن جبير قال حدثنا داود بن المخبر قال حدثنا عباد بن كثير عن عبد خير عن علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه أن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قال في خطبته ( أيها الناس قد بين اللّه لكم في محكم كتابه ما أحل لكم وما حرم عليكم فأحلوا حلاله وحرموا حرامه وآمنوا بمتشابهة واعملوا بمحكمه واعتبروا بأمثاله )

قال فلما أمر النبي صلّى اللّه عليه وسلّم بأن يحل حلاله ويحرم حرامه ثم لا يمكن أن يحل حلاله ويحرم حرامه إلا بعد ما يعلم تفسيره ولأن اللّه تعالى أنزل القرآن هدى للناس وجعله حجة على جميع الخلق لقوله تعالى { وأوحى إلى هذا القرءان لأنذركم به ومن بلغ } الأنعام ١٩ فلما كان القرآن حجة على العرب والعجم ثم لا يكون حجة عليهم إلا بعد أن يعلموا تفسيره وتأويله فدل ذلك على أن طلب تفسيره وتأويله واجب ولكن لا يجوز لأحد أن يفسر القرآن برأيه من ذات نفسه ما لم يتعلم أو يعرف وجوه اللغة وأحوال التنزيل لأنه روي في الخبر ما حدثنا به محمد بن الفضيل قال حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا إبراهيم بن يوسف قال حدثنا وكيع عن سفيان عن عبد الأعلى عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي اللّه عنهما عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم أنه قال ( من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار )

وروى أبو صالح عن ابن عباس رضي اللّه عنهما عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم أنه قال ( من فسر القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار )

قال الفقيه حدثنا محمد بن الفضيل قال حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا إبراهيم بن يوسف قال حدثنا أبو حفص عن ابن مجاهد قال قال رجل لأبي أنت الذي تفسر القرآن برأيك فبكى أبي ثم قال ( إني إذا لجرئ لقد حملت التفسير عن بضعة عشر رجلا من أصحاب النبي صلّى اللّه عليه وسلّم)

وروى عن أبي بكر الصديق رضي اللّه عنه أنه سئل عن قوله تعالى { وفكهة وأبا } عبس ٣١ فقال لا أدري ما الأب فقيل له قل من ذات نفسك يا خليفة رسول اللّه قال أي سماء تظلني وأي أرض تقلني إذا قلت في القرآن بما لا أعلم فإذا لم يعلم الرجل وجوه اللغة وأحوال التنزيل فتعلم التفسير وتكلف حفظه فلا بأس ويكون بذلك على سبيل الحكاية واللّه أعلم

 

سورة فاتحة

سورة فاتحة الكتاب مدنية وهي سبع آيات

١

بسم اللّه الرحمن الرحيم

حدثنا القاضي الخليل بن أحمد قال حدثنا السراج قال حدثنا قتيبة بن سعيد قال حدثنا خالد عن داود عن عامر ع قال: كان النبي صلّى اللّه عليه وسلّم يكتب باسمك اللّهم فلما نزل في سورة هود { بسم اللّه مجريها ومرسها } هود ٤١ كتب بسم اللّه فلما نزل في سورة بني إسرائيل { قل ادعوا اللّه أو ادعوا الرحمن } الإسراء ١١٠ كتب بسم اللّه الرحمن فلما نزل في سورة النمل { إنه من سليمن وإنه بسم اللّه الرحمن الرحيم } النمل ٣٠ كتب بسم اللّه الرحمن الرحيم

ففي هذا الخبر دليل على أنه ليس من أول كل سورة ولكنه بعض آية من كتاب اللّه تعالى من سورة النمل

فأما تفسير قوله { بسم اللّه } له يعني بدأت باسم اللّه ولكن لم يذكر بدأت لأن الحال ينبئ أنك مبتدئ فيستغنى عن ذكره وأصله باسم اللّه بالألف ولكن حذفت من الاسم لكثرة الاستعمال لأنها ألف وصل وليست بأصلية بدليل أنها تسقط عند التصغير فتقول سمي

وقال بعضهم معنى قوله { بسم اللّه } يعني بدأت بعون اللّه وتوفيقه وبركته وهذا تعليم من اللّه تعالى لعباده ليذكروا اسم اللّه تعالى عند افتتاح القراءة وغيرها حتى يكون الافتتاح ببركة اسم اللّه

وقوله { اللّه } هو اسم موضوع ليس له اشتقاق وهو أجل من أن يذكر له اشتقاق وهو قول الكسائي

قال أبو الليث رحمه اللّه هكذا سمعت أبا جعفر يقول روي عن محمد بن الحسن أنه قال هو اسم موضوع ليس له اشتقاق

وروي عن الضحاك أنه قال إنما سمي { اللّه } إلها لأن الخلق يألهون إليه فى قضاء حوائجهم ويتضرعون إليه عند شدائدهم وذكر عن الخليل بن أحمد البصري أنه قال لأن الخلق يألهون إليه بنصب اللام ويألهون بكسر اللام أيضا وهما لغتان

وقيل أيضا إنه إنما اشتق من الارتفاع فكانت العرب تقول للشيء المرتفع لاه وكانوا يقولون إذا طلعت الشمس طلعت لاهة وغربت لاهة

وقيل أيضا إنما سمي { اللّه } لأنه لا تدركه الأبصار ولاه معناه احتجب كما قال القائل

( لاه ربي عن الخلائق طرا لا يرى خالق الخلق وهو يرى )

وقيل إنما سمي { اللّه } لأنه يوله قلوب العباد بحبه بقوله { الرحمن} فالعاطف على جميع خلقه بالرزق لهم ولا يزيد فى رزق التقي لأجل تقواه ولا ينقص من رزق الفاجر لأجل فجوره وما كان فى لغة العرب على ميزان فعلان يراد به المبالغة في وصفه كما يقال شبعان من شبع وغضبان من غضب إذا امتلأ غضبا

فلهذا سمى نفسه رحمانا لأن رحمته وسعت كل شيء فلا يجوز أن يقال لغير اللّه تعالى الرحمن لأن هذا الوصف لا يوجد لغيره

وأما { الرحيم } فالرفيق بالمؤمنين خاصة يستر عليهم ذنوبهم في الدنيا ويرحمهم في الآخرة ويدخلهم الجنة

وقيل أيضا إنما سمى نفسه رحيما لأنه لا يكلف عباده جميع ما لا يطيقون وكل ملك يكلف عباده جميع ما لا يطيقون فليس برحيم

وروي عن علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه أنه قال في قوله { بسم اللّه } ( اسمه شفاء من كل دواء ) وعون على كل داء

وأما { الرحمن } فهو عون لمن آمن به فهو اسم لم يسم به غيره

وأما { الرحيم } فلمن تاب وآمن وعمل صالحا وقد فسره بعضهم على الحروف

وروى عبد الرحمن المدني عن عبد اللّه بن عمر أن عثمان بن عفان رضي اللّه عنهم سأل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن التفسير { بسم اللّه الرحمن الرحيم } فقال أما ( الباء فبلاء اللّه وروحه ونضرته وبهاؤه وأما السين فسناء اللّه وأما الميم فملك اللّه وأما اللّه فلا إله غيره وأما الرحمن فالعاطف على البر والفاجر من خلقه وأما الرحيم فالرفيق بالمؤمنين خاصة )

وروي عن كعب الأحبار أنه قال ( الباء بهاؤه والسين سناؤه فلا شيء أعلى منه والميم ملكه وهو على كل شيء قدير فلا شيء يعازه )

وقد قيل إن كل حرف هو افتتاح اسم من أسمائه فالباء مفتاح اسمه بصير والسين مفتاح اسمه سميع والميم مفتاح اسمه مليك

وقيل مجيد والألف مفتاح اسمه اللّه واللام مفتاح اسمه لطيف والهاء مفتاح اسمه هادي والراء مفتاح اسمه رزاق والحاء مفتاح اسمه حليم والنون مفتاح اسمه نور ومعنى هذا كله ودعاء اللّه تعالى عند الافتتاح

روي عن مجاهد أنه قال سورة فاتحة الكتاب مدنية

وروى أبو صالح عن ابن عباس أنه قال هي مكية ويقال نصفها نزل بمكة ونصفها نزل بالمدينة

قال الفقيه رحمه اللّه حدثنا الحاكم أبو الفضل محمد بن الحسين الحدادي قال حدثنا أبو حامد المروزي قال حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال حدثنا عمر بن يونس قال حدثنا جهضم بن عبد اللّه بن العلاء عن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إن في كتاب اللّه لسورة ما أنزل اللّه على نبي مثلها فسأله أبي بن كعب عنها فقال ( إني لأرجو أن لا تخرج من الباب حتى تعلمها ) فجعلت أتبطأ ثم سأله أبي عنها فقال كيف تقرأ في صلاتك قال بأم الكتاب فقال والذي نفسي بيده ما أنزل اللّه في التوراة والإنجيل والقرآن مثلها وإنها السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أعطيته

وقال بعضهم السبع المثاني هي السبع الطوال البقرة وآل عمران والخمس التي بعدها وقال أكثر أهل العلم هي سورة الفاتحة وإنما سميت السبع المثاني لأنها سبع آيات وإنما سميت المثاني لأنها تثنى بقراءتها في كل صلاة

وقيل إنما سماها مثاني لذكر القصص فيها مرتين

﴿ ١