١٩

قوله تعالى { أو كصيب من السماء فيه ظلمات } يعني كمطر نزل من السماء فضرب لهم اللّه تعالى مثلا آخر لأن العرب كانوا يوضحون الكلام بذكر الأمثال فاللّه تعالى ضرب لهم الأمثال ليوضح عليهم الحجة فضرب لهم مثلا بالمستوقد النار ثم ضرب لهم مثلا آخر بالمطر

فإن قيل كلمة { أو } إنما تستعمل للشك فما معنى { أو } ها هنا

فقيل له { أو } قد تكون للتخيير فكأنه قال إن شئتم فاضربوا لهم مثلا بالمستوقد النار وإن شئتم فاضربوا لهم المثل بالمطر فأنتم مصيبون في ضرب المثل في الوجهين جميعا وهذا كما قال في آية أخرى { أو كظلمات في بحر لجي } النور ٤٠ فكذلك ها هنا { أو } للتخيير لا للشك

وقد قيل { أو } بمعنى الواو يعني وكصيب من السماء معناه مثلهم كرجل في مفازة في ليلة مظلمة فنزل مطر من السماء وفي المطر ظلمات { ورعد وبرق } والمطر هو القرآن لأن في المطر حياة الخلق وإصلاح الأرض فكذلك القرآن فيه هدى للناس وبيان من الضلالة وإصلاح الأرض فلهذا المعنى شبه القرآن بالمطر والظلمات هي الشدائد والمحن التي تصيب المسلمين والشبهات التي في القرآن والرعد هو الوعيد الذي ذكر للكفار والمنافقين في القرآن والبرق ما ظهر من علامات نبوة محمد صلّى اللّه عليه وسلّم ودلائله

وقوله تعالى { ويجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق } يعني يتصاممون عن استماع الحق ( حذر الموت ) يعني لحذر الموت والكلام إنما ينصب لنزع الخافض مثل قوله { واختار موسى قومه } الأعراف ١٥٥ أي من قومه فكذلك هاهنا { حذر الموت } يعني لحذر الموت ومعناه مخافة أن ينزل في القرآن شيء يظهر حالهم كما قال في آية أخرى { نظر بعضهم إلى بعض هل يراكم من أحد ثم انصرفوا } التوبة ١٢٧

قال بعضهم في الآية مضمر ومعناها يجعلون أصابعهم في آذانهم من الرعد ويغمضون أعينهم من الصواعق

وقال أهل اللغة الصاعقة صوت ينزل من السماء فيه نار فمن قال بهذا القول لا يحتاج إلى الإضمار في الآية يجعلون أصابعهم في آذانهم من خوف الصاعقة

ثم قال { واللّه محيط بالكافرين } يعني عالم بأعمالهم والإحاطة هي إدراك الشيء بكماله واللّه أعلم

﴿ ١٩