٢٥٩ثم قال عز وجل { أو كالذي مر على قرية } قال بعضهم معناه إحيائي ليس كإحياء نمروذ ولكن إحيائي كإحياء عزير عليه السلام أحييته بعد مائة عام وقال بعضهم هو معطوف على ما سبق من قوله { ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم } البقرة ٢٤٣ و { إلى الذي حاج إبراهيم في ربه } البقرة ٢٥٨ { أو كالذي مر على قرية } { أو } زيادة في الكلام قال مقاتل والذي مر على قرية هو عزيز بن شرخيا ويروى سرحبا وكان من علماء بني إسرائيل فمر بدير هرقل بين واسط والمدائن ويروى أن شرخيا كان على حمار فمر بها { وهي خاوية على عروشها } وقال الضحاك بن مزاحم هو عزيز النبي عليه السلام مر ببيت المقدس وقد خربها بخت نصر وقتل منهم سبعين ألفا وأسر منهم سبعين ألفا أي من بني إسرائيل فمر عزيز فقال { أنى يحيي هذه اللّه بعد موتها } وقال ابن عباس في رواية أبي صالح إن بخت نصر غزا بني إسرائيل فسبى منهم ناسا كثيرا فجاء بهم وفيهم عزير بن شرخيا كان من علماء بني إسرائيل فجاء بهم إلى بابل فخرج ذات يوم لحاجة له إلى دير هرقل على شاطئ دجلة فنزل تحت ظل شجرة وهو على حمار له فربط حماره تحت ظل الشجرة ثم طاف بالقرية فلم ير بها ساكنا { وهي خاوية على عروشها } يقول ساقط عروشها يقول ساقطة على سقوفها وذلك أن السقف يقع قبل الحيطان ثم الحيطان على السقف فهي خاوية على عروشها قال بعض أهل اللغة الخاوية الخالية وقال بعضهم بقيت حيطانها لا سقوف عليها فتناول من الفاكهة والتين والعنب ثم رجع إلى حماره فجلس يأكل من تلك الفاكهة ثم عصر من العنب فشربه ثم جعل فضل التين في سلة وفضل العصير في زق ثم نظر إلى القرى فتعجب من كثرة حملها وفناء أهلها ف { قال أنى يحيي هذه اللّه بعد موتها } فلم يشك في البعث ولكن أحب أن يريه اللّه كيف يحيي الموتى فلما تكلم عزير بذلك نام في ذلك الموضع { فأماته اللّه } في منامه { مائة عام } وأمات حماره { ثم بعثه } اللّه تعالى في آخر النهار ومنعه اللّه تعالى حال موته عن أبصار الناس والسباع والطير فلما بعثه اللّه تعالى سمع صوتا { قال } له { كم لبثت } أي كم مكثت في نومك يا عزيز { قال لبثت يوما } ثم نظر إلى الشمس وقد بقي منها شيء لم تغرب فقال { أو بعض يوم } { قال } له { بل لبثت مائة عام } يعني لبثت ميتا مائة عام ثم اخبره ليعتبر فقال { فانظر إلى طعامك } يعني الفاكهة { وشرابك } يعني العصير { لم يتسنه } يعني لم يتغير كقوله { من ماء غير ءاسن } محمد١٥ أي غير متغير ويقال { لم يتسنه } كأنه لم تأت عليه السنون قرأ حمزة وابن عامر وأبو عمرو { كم لبثت } بإدغام التاء وقرأ الباقون بإظهارها وقرأ الكسائي { لم يتسن } بغير هاء عند الوصل وأثبتت عن القطع وقرأ حمزة بحذف الهاء عند الوصل والقطع جميعا وقرأ الباقون بإثبات الهاء عند الوصل والقطع وقرأ نافع { أنا أحيي } بمد الألف وكذلك في جميع القرآن نحو هذا إلا في قوله { إن أنا إلا نذير } الأعراف١٨٨ وقرأ الباقون بغير مد ومعنى القراءتين في هذا كله واحد ثم نظر عزيز عليه السلام إلى حماره وقد بلي فنودي أن { أنظر إلى حمارك } فإذا هو عظام بيض تلوح وقد تفرقت أوصاله ثم سمع صوتا قال أيتها العظام البالية إني جاعل فيكن روحا فاجتمعن فسعى بعضها إلى بعض حتى استقر كل شيء في موضعه ثم بسط عليه الجلد ونفخ فيه الروح فإذا هو قائم ينهق فخر عزيز ساجدا للّه تعالى وقال عند ذلك أعلم أن اللّه على كل شيء قدير فذلك قوله تعالى { وانظر إلى حمارك ولنجعلك آية للناس } يعني عبرة للناس لأن أولاده قد صاروا شيوخا وهو قد كان شابا { وانظر إلى العظام كيف ننشزها } قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو بالراء وقرأ الباقون بالزاي فمن قرأ بالراء فمعناه كيف نحييها ونظيرها { أم اتخذوا ءالهة من الأرض هم ينشرون } الأنبياء٢١ يعني يبعثون الموتى ومن قرأ بالزاي يعني كيف يضم بعضها إلى بعض النشز ما ارتفع من الأرض وهذا كما جاء في الأثر الرضاع ما أنبت اللحم وأنشز العظم وقال أهل اللغة النشز الحركة يقال نشز الشيء إذا تحرك ونشزت المرأة عن زوجها والمراد ها هنا نضمها { ثم نكسوها لحما } { فلما تبين له قال أعلم أن اللّه } قرأ حمزة والكسائي { أعلم } بالجزم على معنى الأمر وقرأ الباقون { قال اعلم } على معنى الخبر عن نفسه علمت بالمعاينة ما كنت أعلمه قبل ذلك غيبا { أن اللّه على كل شيء قدير } من الإحياء وغيره وقال بعضهم أن عزيزا لما أحياه اللّه تعالى قال في نفسه كم لبثت قال لبثت يوما أو بعض يوم فلما رجع إلى منزله ولقيه أقرباؤه وحاسبوا غيبته فقالوا له بل لبثت مائة عام وهذا قول من قال إن هذا لم يكن عزيرا النبي عليه السلام بل رجل آخر سوى عزيز النبي عليه السلام |
﴿ ٢٥٩ ﴾