١٣

ثم قال عز وجل { قد كان لكم آية } يعني عبرة { في فئتين } أي جمعين يعني جمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه وجمع كفار أهل مكة { التقتا فئة تقاتل في سبيل اللّه وأخرى كافرة يرونهم مثليهم } قرأ نافع { ترونهم } على معنى المخاطبة والباقون بالياء على معنى الخبر وذكر عن الفراء أنه قال كان الكفار ثلاثة أمثال المسلمين لأن المسلمين كانوا ثلاثمائة ونيفا وكان الكفار تسعمائة ونيفا

وقوله { مثليهم } يعني ثلاثة أمثالهم والمعنى في ذلك عن طريق اللغة أن الإنسان إذا كان عنده ألف درهم يقول احتاج إلى مثليها فإنه يحتاج إلى ثلاثة آلاف درهم وقال الزجاج هذا القول لا يصح في اللغة ولا في المعنى ولكن المسلمين يرونهم مثليهم في العدد لكي لا يجبنوا لأنه أعلمهم أن المائة تغلب المائتين فأراهم في { رأي العين } أن المشركين مثلهم في العدد لكي لا يجبنوا وهذا كما قال في آية أخرى { وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلا ويقللكم في أعينهم } الأنفال ٤٤ وذلك أن المشركين كانوا تسعمائة فأرى المسلمين أنهم ستمائة لكي لا يجبنوا وأرى الكفار أن المسلمين أقل من ثلاثمائة ثم ألقى مع ذلك في قلوبهم الرعب حتى انهزموا فكان في ذلك دلالة من الدلالات فمن قرأ بالياء فمعناه خطاب لليهود إن لكم آية وعلامة حيث رأيتم غلبة المسلمين على الكفار مع قلة المسلمين وكثرة الكفار

فإن قيل اليهود لم يكونوا حضورا في ذلك الوقت فكيف يرون ذلك

قيل له إذا انتشر الخبر فيهم وعلموا ذلك صار كالمعاينة ولأن لهم جواسيس عند المسلمين فيخبرون اليهود فصار كأنهم رأوا ذلك ومن قرأ بالتاء فمعناه أن المسلمين يرون الكفار مثليهم

ويقال إن المشركين حين خرجوا من مكة كانوا ألفا وثلاثمائة رجل فلما وجدوا العير سالمة رجع مع العير ثلاثمائة وخمسون وتخلف تسعمائة وخمسون للحرب وكان أبو

سفيان بن حرب مع ذلك العير فرجع إلى مكة وحثهم على الخروج ولم يكن حاضرا وقت الحرب وإنما قال الكلبي في كتابه نزلت في جمع أبي سفيان وأصحابه لأن أبا سفيان هو الذي حثهم على الخروج ولم يخرج معهم

ثم قال تعالى { واللّه يؤيد بنصره من يشاء } يعني يقوي بنصرته وهم أهل بدر فأرسل إليهم الملائكة وهزم المشركين { إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار } يعني لمن ينصر الحق

﴿ ١٣