٤٩

ثم قال تعالى { ورسولا إلى بني إسرائيل } نصب { رسولا } لمعنيين أحدهما يجعله رسولا إلى بني إسرائيل والثاني ويكلم الناس وعطف رسولا أي في حال رسالته إلى بني إسرائيل دليله أنه قال { أني قد جئتكم بآية من ربكم } ثم أخبر عن أداء رسالته بعدما أوحى إليه في حال الكبر حيث قال لقومه { قد جئتكم بآية من ربكم } يعني علامة لنبوتي ثم بين العلامة فقال { إني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن اللّه } ويقال إن الناس سألوه عنه على وجه التعنت فقالوا له اخلق لنا خفاشا واجعل فيه روحا إن

كنت صادقا في مقالتك فأخذ طينا وجعل منه خفاشا ثم نفخ فيه فإذا هو يطير بين السماء والأرض وكان تسوية الطين والنفخ من عيسى عليه السلام والخلق من اللّه تعالى كما أن النفخ في مريم من جبريل عليه السلام والخلق من اللّه تعالى ويقال إنما طلبوا منه خلق خفاش لأنه أعجب من سائر الخلق ومن عجائبه أنه لحم ودم يطير بغير ريش ويلد كما يلد الحيوان ولا يبيض كما تبيض سائر الطيور ويكون له الضرع يخرج منه اللبن ولا يبصر في ضوء النهار ولا في ظلمة الليل وإنما يرى في ساعتين بعد غروب الشمس ساعة وبعد طلوع الفجر ساعة قبل أن يسفر جدا ويضحك كما يضحك الإنسان ويحيض كما تحيض المرأة فلما أن رأوا ذلك منه ضحكوا وقالوا هذا سحر

ثم قال تعالى { وأبرىء الأكمه والأبرص } { الأكمه } الذي ولد أعمى فقالوا إن لنا أطباء يفعلون مثل هذا فذهبوا إلى جالينوس وأخبروه بذلك فقال جالينوس إذا ولد أعمى لا يبصر بالعلاج والأبرص إذا كان بحال إذا غرزت الإبرة لا يخرج الدم منه لا يبرأ بالعلاج فرجعوا إلى عيسى عليه السلام وجاؤوا بالأكمه والأبرص فمسح يده عليهما فأبصر الأعمى وبرئ الأبرص فآمن به بعضهم وجحد بعضهم وقالوا هذا سحر

ثم قال تعالى { وأحيي الموتى بإذن اللّه } فأخبروا بذلك جالينوس فقال الميت لا يعيش ولا يحيي بالعلاج فإن كان هو يحيي الموتى فهو نبي وليس بطبيب وطلبوا منه أن يحيي الموتى فأحيا أربعة نفر أحدهم عازر وكان صديقا له فبلغه أنه مات فذهب مع أصحابه وقد دفن وأتى عليه أيام فدعا اللّه فقام بإذن اللّه تعالى وودكه يقطر فعاش وولد له والثاني ابن العجوز مر به وهو يحمل على سرير فدعا اللّه فقام بإذن اللّه تعالى ولبس ثيابه وحمل السرير على عنقه ورجع إلى أهله والثالث بنت من بنات العاشر ماتت وأتى عليها ليلة فدعا اللّه تعالى فعاشت بعد ذلك وولد لها والرابع سام بن نوح لأن القوم قالوا له أنك تحيي من كان موته قريبا فلعلهم لم يموتوا وأصابتهم سكته فأحيي لنا سام بن نوح فقال دلوني على قبره فخرج وخرج القوم معه حتى انتهوا إلى قبره فدعا اللّه تعالى فخرج من قبره قد شاب رأسه فقال له عيسى عليه السلام كيف شاب رأسك ولم يكن في زمانكم شيب فقال يا نبي اللّه إنك لما دعوتني سمعت صوتا يقول أجب روح اللّه فظننت أن القيامه قد قامت فمن هول ذلك شاب رأسي فسأله عن النزع فقال له يا نبي اللّه إن مرارة النزع لم تذهب عن حنجرتي وقد كان من وقت موته أكثر من أربعة آلاف سنة ثم قال للقوم صدقوه فإنه نبي فآمن به بعضهم وكذبه بعضهم وقالوا هذا ساحر فأرنا آية أخرى نعلم أنك صادق فأخبرنا بما نأكل في بيوتنا وما ندخر للغد فأخبرهم فقال يا فلان أنت أكلت كذا وكذا وأنت أكلت كذا وكذا وادخرت

كذا وكذا فذلك قوله { وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم } للغد فمنهم من آمن به ومنهم من كفر

ويقال إن اللّه بعث كل نبي إلى قومه وأظهر لهم نوع ما كانوا يعرفونه فكان في زمن موسى عليه السلام الغالب عليهم السحر فبين لهم من جنس ذلك ليعرفوا أن ذلك ليس بسحر وأنه من اللّه تعالى وكان الغالب في زمن عيسى عليه السلام علم الطب فجاءهم عيسى بما عجز الأطباء عنه فعرف الأطباء أن ذلك ليس من الطب وكان في زمن نبينا عليه السلام الفصاحة والشعر فجاءهم بقرآن عجز الفصحاء والشعراء عن إتيان مثله

قوله تعالى { إن في ذلك لآية لكم } يعني فيما صنع عيسى عليه السلام علامة لنبوته { إن كنتم مؤمنين } أي مصدقين أنه نبي قرأ نافع { فيكون طائرا } وكذلك في سورة المائدة وقرأ الباقون بغير ألف ومعناهما واحد ويقال الطائر واحد والطير جماعة

﴿ ٤٩