١٨٠

قوله تعالى { ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم اللّه من فضله } يعني بما أعطاهم اللّه من المال يبخلون ويمنعون الزكاة والصدقة وصلة الأرحام فلا تظنوا ان ذلك { هو خير لهم}

{بل هو شر لهم} يعني البخل شر لهم ويقال الفضل شر لهم { سيطوقون } يقول سيوثقون { ما بخلوا به } من الزكاة كهيئة الطوق

وروي عن ابن عباس أنه قال يأتي كنز أحدهم شجاعا أقرع له زبيبتان طوقا في عنقه تلدغ خديه ويقول أنا الزكاة التي بخلت بي في الدنيا

وروي عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم نحو هذا فذلك قوله تعالى { سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة } ويقال هو طوق من نار في عنقه ويقال هو على وجه المثل يعني وبال ذلك في عنقهم كما قال في آية أخرى { وكل إنسن ألزمنه طيره فى عنقه } الأسراء١٣

ثم قال { وللّه ميراث السموات والأرض } يعني إذا هلك الخلق كلهم أهل السموات من الملائكة وأهل الأرض من الإنس والجن وسائر الخلق ويبقى رب العالمين ثم يقول { لمن الملك اليوم } غافر١٦ فلا يجيبه أحد فيرد على نفسه فيقول { للّه الوحد القهار } يوسف٣٩ وغيرها فذلك قوله { وللّه ميراث السموات } يعني يهلك أهل السموات والأرض ولم يبق لأحد ملك وإنما سمي ميراثا على وجه المجاز لأن القرآن بلغة العرب وكانوا يعرفون أن من رجع الملك إليه يكون ميراثا على وجه المجاز وأما في الحقيقة فليس بميراث لأن الوراث في الحقيقة هو الذي يرث شيئا لم يكن يملكه من قبل واللّه عز وجل مالكهما وكانت السموات وما فيها والأرض وما فيها له وإنما كانت الأموال عارية عند أربابها فإذا ماتوا رجعت العارية إلى صاحبها الذي كانت له في الأصل ومعنى الآية أن اللّه تعالى أمر عباده أن ينفقوا ولا يبخلوا قبل أن يموتوا ويتركوا المال ميراثا للّه تعالى ولا ينفعهم إلا ما أنفقوا

ثم قال تعالى { واللّه بما تعملون خبير } يعني عالم بمن يؤدي الزكاة وبمن يمنعها فيجازي كل نفس بما عملت قرأ ابن كثير وأبو عمرو { يعملون } بالياء والباقون بالتاء على وجه المخاطبة

﴿ ١٨٠