سورة النساء

سورة النساء مدنية وهي مائة وست وسبعون آية

بسم اللّه الرحمن الرحيم

١

قوله تعالى { يا أيها الناس } قال ابن عباس رضي اللّه عنه في قوله تعالى { يا أيها الناس } يعني الناس عامة وقد يكون { يا أيها الناس } خاصا لأهل مكة وفي هذا الموضع عام لجميع الناس { اتقوا ربكم } يعني اخشوا ربكم ويقال أطيعوا ربكم ويقال احذروا المعاصي لكي تنجوا من عقوبة ربكم ويقال وحدوا ربكم ولا تشركوا به شيئا

ثم دل على وحدانيته ونفسه بصنعه فقال { الذي خلقكم من نفس واحدة } يعني آدم { وخلق منها زوجها } يعني من نفس آدم زوجها حواء وذلك أن اللّه تعالى لما خلق آدم وأسكنه الجنة ألقى عليه النوم فكان آدم بين النائم واليقظان فخلق من ضلع من أضلاعه اليسرى حواء فلما استيقظ قيل له من هذه يا آدم قال إمرأة لأنها خلقت من المرء فقيل ما اسمها قال حواء لأنها خلقت من حي وقد قيل إنما سميت حواء لأنه كان على شفتيها حوة وقيل لأن لونها كان يضرب إلى السمرة فسميت حواء من قولك أحوى كقوله تعالى { فجعله غثاء أحوى } الأعلى ٥

ثم قال تعالى { وبث منهما رجالا كثيرا ونساء } يعني خلق منهما أي من آدم وحواء رجالا كثيرا ونساء كثيرة قال مقاتل يعني خلق منهما ألف ذرية من الناس يعني من صلبه

ثم قال { واتقوا اللّه } يعني أطيعوا اللّه { الذين تساءلون به } قرأ حمزة والكسائي وعاصم وأبو عمرو في رواية هارون { تسألون } بغير تشديد وقرأ الباقون بالتشديد فمن قرأ بالتشديد لأن أصله تتساءلون فأدغم إحدى التاءين في السين وأقيم التشديد مقامه ومن قرأ بالتخفيف فالأصل أيضا تتساءلون فحذف إحدى التاءين لاجتماع الحرفين من جنس واحد للتخفيف

ثم قال تعالى { والأرحام } قرأ حمزة بكسر الميم والباقون بنصب الميم ومعناه واتقوا اللّه الذي تسألون به الحاجات يعني الذي يسأل الناس بعضهم بعضا فيقول الرجل للرجل أسألك باللّه وأنشدك باللّه { والأرحام } يقول واتقوه في ذوي الأرحام فصلوها ولا

تقطعوها وأما من قرأ بالكسر معناه أسألك باللّه وبالرحم أن تعطيني شيئا وقال الزجاج من قرأ بالخفض فخطأ في العربية وفي أمر الدين أما الخطأ في العربية لأن الاسم يعطف على الاسم المفصح به ولا يعطف على المكنى به إلا في اضطرار الشعر كقول القائل

( قد كنت من قبل تهجونا وتفضحنا فما لنا بك والأيام من عجب )

وأما في غير الشعر فلا يستعمل وأما الخطأ الذي في الدين لأن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قال لا تحلفوا بآبائكم فمن حلف فليحلف باللّه أو ليذر فالسؤال بالأرحام أمر عظيم لأنه تحليف بها ولكن روي عن إبراهيم النخعي أنه كان يقرأ أيضا بالخفض أيضا

ثم قال { إن اللّه كان عليكم رقيبا } يعني حفيظا لأعمالكم يسألكم عنها فيما أمركم به وروى أبو هريرة عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنه قال ما من عمل حسنة أسرع ثوابا من صلة الرحم وما من عمل سيئة أسرع عقوبة من البغي واليمين الفاجرة تدع الديار بلاقع وروي عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنه قال إن اللّه لما خلق الرحم قال له صل من وصلك واقطع من قطعك ويقال الرحم مشتق من الرحمة فمن قطعها فليس له من رحمة اللّه تعالى نصيب وقال صلّى اللّه عليه وسلّم الرحم معلق بالعرش فمن قطعها قطعني ومن وصلها وصلني

﴿ ١