٣٦

قوله تعالى { واعبدوا اللّه } قال بعضهم هذا الخطاب للكفار { واعبدوا اللّه } يعني وحدوا اللّه { ولا تشركوا به شيئا } يعني لا تثبتوا على الشرك ويقال الخطاب للمؤمنين { اعبدوا اللّه } يعني اثبتوا على التوحيد ولا تشركوا به ويقال { اعبدوا اللّه } يعني أطيعوا اللّه فيما أمركم به وأخلصوا له الأعمال { ولا تشركوا به شيئا } ويقال هذا الخطاب للمؤمنين وللمنافقين وللكفار فأمر المؤمنين بالطاعة والمنافقين بالإخلاص والكفار بالتوحيد وروى عكرمة عن ابن عباس أنه قال كل عبادة في القرآن إنما يعني بها التوحيد ويقال هذه الآيات محكمات في جميع الكتب وذكر فيها أحكاما كانت تعرف عن طريق العقل وإن لم ينزل به القرآن وهو قوله تعالى { واعبدوا اللّه ولا تشركوا به شيئا } { وبالوالدين إحسانا } يعني احسنوا إلى الوالدين { وبذى القربى } يعني صلوا القرابات { واليتامى } يعني أحسنوا إلى اليتامى ويقال هذا للأوصياء بالقيام على أموالهم ثم قال { والمساكين } يعني عليكم بإطعام المساكين ثم قال { والجار ذي القربى } أي عليكم بالإحسان إلى الجار الذي بينك وبينه قرابه فله ثلاثة حقوق هكذا روي عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم أن قال الجيران ثلاثة جار له ثلاثة حقوق وجار له حقان وجار له حق واحد فأما الجار الذي له ثلاثة حقوق فلجار القريب المسلم فله حق الجوار وحق القرابة وحق الإسلام والجار الذي له حقان وهو الجار المسلم الأجنبي فله حق الإسلام وحق الجوار والجار الذي له حق واحد هو الجار الكافر له حق الجوار

ثم قال تعالى { والجار الجنب } يعني الجار الذي لا قرابة بينهما وهو من قوم آخري

{ والصاحب بالجنب } يعني الرفيق في السفر وروي عن معاذ بن جبل أنه قال الصاحب بالجنب يعني المرأة ثم قال { وابن السبيل } يعني الضيف ينزل عليكم فأحسنوا إليه وحقه ثلاثة أيام وما زاد على ذلك فهو صدقة ثم قال { وما ملكت أيمانكم } من الخدم أحسنوا إليهم وقد روي في الخبر أطعموهم مما تأكلون وألبسوهم مما تلبسون ولا تكلفوهم ما لا يطيقون فإنهم لحم ودم وخلق أمثالكم رواه علي عن أبي طالب عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنه قال اللّه اللّه فيما ملكت أيمانكم وذكر الحديث

وروي عن أنس بن مالك عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم أنه قال ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه وما زال يوصيني بالنساء حتى ظننت أنه سيحرم طلاقهن وما زال يوصيني بالمماليك حتى ظننت أنه سيجعل لهم مدة إذا انتهوا إليها أعتقوا وما زال يوصيني بالسواك حتى خشيت أن يخفي فمي عن الأسنان وما زال يوصيني بقيام الليل حتى ظننت أن خيار أمتي لا ينامون ليلا

ثم قال تعالى { إن اللّه لا يحب من كان مختالا فخورا } يعني من كان { مختالا } في مشيه { فخورا } على الناس وهذا قول الكلبي وقال القتبي المختال ذو الخيلاء والكبر وهذا قريب من الأول ويقال { فخورا } في نعم اللّه لا يشكره ويتكبر على الناس

﴿ ٣٦