سورة المائدة

مدنية وهي مائة وعشرون آية

بسم اللّه الرحمن الرحيم

قال الفقيه الزاهد أبو الليث السمرقندي حدثنا الخليل بن أحمد قال حدثنا السراج قال حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي قال حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال حدثنا معاوية بن صالح عن أبي الزاهرية عن جبير بن نفير قال دخلت على عائشة رضي اللّه عنها فقالت هل تقرأ سورة المائدة فقلت نعم قالت فإنها من آخر ما أنزل اللّه تعالى على نبيه فما وجدتم فيها من حلال فاستحلوه وما وجدتم فيها من حرام فحرموه وقال الشعبي لم ينسخ من هذه السورة غير قوله { ولا الشهر الحرام ولا الهدى ولا القلائد } سورة المائدة ٢ الآية وقال بعضهم نسخ منها قوله { أو ءاخران من غيركم } سورة المائدة ١٠٦

١

قال اللّه سبحانه وتعالى { يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود }

فهذا نداء مدح والنداء في القرآن على سبع مراتب

نداء المدح مثل قوله تعالى { يا أيها النبي } { يا أيها الذين آمنوا } { يا أيها الرسل }

ونداء الذم مثل قوله تعالى { يا أيها الذين كفروا } { يأيها الذين هادوا } سورة الجمعة ٦

ونداء التنبيه مثل قوله { يا أيها الناس } ونداء الإضافة مثل قوله { يا عبادي }

ونداء النسبة مثل قوله { يا بني آدم } { يا بني إسرائيل }

ونداء الاسم مثل قوله { يا إبراهيم } { يا داود }

ونداء التعبير مثل قوله { يا أهل الكتاب } فهاهنا نداء المدح { يا أيها الذين آمنوا } وهو من جوامع الكلم لأنه قال { يا أيها الذين آمنوا } يعني صدقوا ولم يقل بأي شيء صدقوا معناه الذين صدقوا بوحدانية اللّه تعالى وصدقوا بمحمد صلّى اللّه عليه وسلّم وبالقرآن وصدقوا بجميع الرسل وبالبعث والحساب والجنة والنار وقال عبد اللّه بن مسعود كل مؤدب يحب أن يؤتى أدبه وإن أدب اللّه القرآن فإذا سمعت اللّه يقول { يا أيها الذين آمنوا } فأرعها سمعك فإنه خير مأمور به أو شر منهي عنه ويقال جميع ما في القرآن { يا أيها الذي آمنوا} نزل بالمدينة وكل ما يقال في القرآن { يا أيها الناس } نزل أكثر بمكة

وقد قيل نزل بالمدينة أيضا ويقال كل ما في القرآن { يا أيها الذين آمنوا } ذكر في الإنجيل يا أيها المساكين

ثم قال { أوفوا بالعقود } يعني أتموا الفرائض التي ذكر اللّه تعالى في القرآن وعقد على عباده ما أحل لهم وحرم عليهم أن يوفوا بها

وقال مقاتل { أوفوا بالعقود } يعني بالعهود التي بينكم وبين المشركين ويقال جميع العقود التي بينه وبين الناس والتي بينه وبين اللّه تعالى وهذا من جوامع الكلم لأنه اجتمع فيه ثلاثة أنواع من العقود أحدها العقود التي عقدها اللّه تعالى على عباده من الأوامر والنواهي والنوع الثاني العقود التي يعقدها الإنسان بينه وبين اللّه تعالى من النذور والأيمان وغير ذلك والنوع الثالث العقود التي بينه وبين الناس مثل البيوع والإجارات وغير ذلك فوجب الوفاء بهذه العقود كلها

ثم قال تعالى { أحلت لكم } يعني رخصت لكم { بهيمة الأنعام } والأنعام تشتمل على الإبل والبقر والغنم والوحش دليله على قوله تعالى { ومن الأنعم حمولة وفرشا } سورة الأنعام ١٤٢ ثم قال تعالى { ثمانية أزواج } وأما البهيمة فهي كل حي لا يميز وإنما قيل لها بهيمة لأنها أبهمت من أن تميز

ثم قال تعالى { إلا ما يتلى عليكم } يعني رخصت لكم الأنعام كلها إلا ما حرم عليكم في هذه السورة وهي الميتة والدم ولحم الخنزير وغير وذلك أنهم كانوا يحرمون السائبة والبحيرة فأخبر اللّه تعالى أنهما حلالان { إلا ما يتلى عليكم } يعني إلا ما بين لكم في هذه السورة

ثم قال { غير محلي الصيد وأنتم حرم } يعني أحلت لكم هذه الأشياء من غير أن تستحلوا الصيد وأنتم محرمون ثم قال { إن اللّه يحكم ما يريد } يعني يحل ما يشاء ويحرم ما يشاء لأنه أعرف بصلاح خلقه وما يصلحهم وما لا يصلحهم وليس لأحد أن يدخل في حكمه وهذا كقوله تعالى { ولا يشرك في حكمه أحدا } سورة الكهف ٢٦ وقال { لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون } سورة الأنبياء ٢٣

﴿ ١