٢قوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر اللّه } الشعائر ما جعله اللّه تعالى علاما الطاعات وأحدها شعيرة ومعناه لا تستحلوا شيئا من ترك المناسك كلها مما أمر اللّه تعالى من أمر الحج وهو السعي بين الصفا والمروة والخروج إلى عرفات ورومي الجمار والطواف واستلام الحجر وغير ذلك وذلك أن الأنصار كانوا لا يسعون بين الصفا والمروة وكان أهل مكة لا يخرجون إلى عرفات وكان أهل اليمن يرجعون من عرفات فأمر اللّه تعالى في هذه السورة بأن لا يتركوا شيئا من أمور المناسك ثم قال { ولا الشهر الحرام } يعني لا تستحلوا القتل في الشهر الحرام { ولا الهدي ولا القلائد } يقول لا تتعرضوا له ولا تستحلوه وذلك أن أهل الجاهلية كانوا إذا خرجوا إلى مكة وكانوا إذا قلدوا الهدي أمنوا بذلك ومن يكن له هدي جعل في عنق راحلته قلادة ومن لم يكن معه راحله جعل في عنقه قلادة من شعر أو وبر فيأمن بذلك فإذا رجع من مكة جعل شيئا من لحاء شجر مكة في عنق راحلته فيأمن بذلك ليعرف انه كان حاجا فأمرهم اللّه تعالى بأن لا يستحلوا ذلك يعني من فعل ذلك لا يتعرض له ثم قال { ولا آمين } يقول ولا تستحلوا قاصدين { البيت الحرام } نزلت في شريح بن ضبيعة بن شرحبيل اليماني دخل على النبي صلّى اللّه عليه وسلّم وكلمه فلما خرج من عنده مر بسرح لأهل المدنية فساقها وانتهى إلى اليمامة ثم خرج من هناك نحو مكة ومعه تجارة عظيمة فهم أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بأن يخرجوا إليه ويغيروا على أمواله فنزل { ولا آمين البيت الحرام } { يبتغون فضلا من ربهم } يعني الربح في المال { ورضوانا } يعني يطلبون بحجهم راضون ربهم فلا يرضى عنهم حتى يؤمنوا ثم نسخ بقوله { فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم } سورة التوبة ٥ ولم ينسخ قوله { لا تحلوا شعائر اللّه } ولكنها محكمة فوجب إتمام أمور المناسك ولهذا قال أصحابنا إن الرجل إذا دخل في الحج ثم أفسده فعليه أن يأتي بجميع أفعال الحج ولا يجوز أن يترك شيئا منها ثم عليه القضاء في السنة الثانية ونسخ قوله { ولا الشهر الحرام } فيجوز القتال في الشهر الحرام بقوله { فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم } ( سورة التوبة ٥ ) ولم ينسخ قوله { لا تحلوا شعائر اللّه } ولكنها محكمة فوجب إتمام أمور المناسك ولهذا قال أصحابنا إن الرجل إذا دخل في الحج ثم افسده فعليه أن يأتي بجميع افعال الحج ولا يجوز أن يترك شيئا منها ثم عليه القضاء في السنة الثانية ونسخ قوله { ولا الشهر الحرام } فيجوز القتال في الشهر الحرام بقوله { وقتلوا المشركين كافة } سورة التوبة ٣٦ وقوله تعالى { ولا الهدي ولا القلائد } فهو محكم أيضا ولم ينسخ فكل من قلد الهدي وتوجه إلى مكة ونوى الإحرام صار محرما ولا يجوز له أن يحل بدليل هذه الآية فهذه الأحكام معطوفة بعضها على بعض بعضها منسوخة وبعضها محكمة فإن قيل قد قال { يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا } فأخبر أنهم يطلبون رضوا ن ربهم ولم يذكر أن طلبهم كان باطلا قيل له لأنه لم يذكر في لفظ الآية أمر الكفار وإنما بين النهي عن التعرض للذين يقصدون البيت فإن كان الذي قصد كافرا فقد بين في آية أخرى أنه لم يقبل منه وإن لم يذكرها هاهنا وهو قوله { ومن يكفر بالإيمن فقد حبط عمله } سورة المائدة ٥ وقال تعالى { وإذا حللتم فاصطادوا } يعني إذا حللتم من إحرامكم فاصطادوا إن شئتم فهذه رخصة بلفظ الأمر كقوله { فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض } سورة الجمعة ١٠ كقوله { وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم } سورة البقرة ١٨٧ الآية وقال الضحاك { وإذا حللتم } يعني إذا خرجتم من إحرامكم أو خرجتم من حرم اللّه تعالى وأمنة فاصطادوا ثم قال تعالى { ولا يجرمنكم شنآن قوم } يقول ولا يحملنكم عداوة كفار مكة { أن صدوكم عن المسجد الحرام } يعني عام الحديبية { أن تعتدوا } على حجاج اليمامة من المشركين فتستحلوا منهم وفي الآية دليل أن المكافأة لا تجوز من غير جنس الذي فعل به وتكون تلك المكافأة اعتداء لأن اللّه تعالى قال { ولا يجرمنكم شنآن قوم } يعني بغض قوم وعداوتهم { أن تعتدوا } يعني أن تجاوزوا الحد في المكافأة قرأ ابن عامر وعاصم في رواية أبي بكر { شنآن } بجزم النون وقرأ الباقون { شنآن } بالنصب وقال القتبي لا يقال في المصادر فعلان وإنما يقال ذلك في الصفات مثل عطشان وسكران وفي المصادر يقال فعلان مثل طيران ولهفان وشنآن وقرأ ابن كثير وأبو عمرو { إن صدوكم } بكسر الألف على معنى الابتداء وقرأ الباقون { أن صدوكم } بالنصب على معنى البناء ثم قال تعالى { وتعاونوا على البر والتقوى } يعني تحاثوا على أمر اللّه تعالى واعملوا به وروي عن ابن عباس البر ما أمر اللّه تعالى به والتقوى ما نهى اللّه عنه يقول تحاثوا على أمر اللّه واعملوا به وانتهوا عما نهى اللّه تعالى عنه وامتنعوا عنه وهذا موافق لما روي عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنه قال الدال على الخير كفاعله وقد قيل الدال على الشر كصانعه ثم قال { ولا تعاونوا على الإثم والعدوان } قال القتبي العدوان على وجهين عدوان في السبيل كقوله { فلا عدون إلا على الظالمين } سورة البقرة ١٩٣ وكقوله { فلا عدون على } سورة القصص ٢٨ والثاني عدوان في الظلم كقوله { فلا تتنجوا بالإثم } سورة المجادلة ٩ وكقوله { ولا تعاونوا على الإثم والعدون } سورة المائدة ٢ يعني به حجاج أهل اليمامة وصارت الآية عامة في جميع الناس ثم قال { واتقوا اللّه } يعني واخشوا اللّه وأطيعوه فيما أمركم به { إن اللّه شديد العقاب } يعني إذا عاقب |
﴿ ٢ ﴾