١٤

قوله تعالى { ومن الذين قالوا إنا نصارى } وذلك أن اللّه تعالى لما ذكر حال اليهود ونقضهم الميثاق فقال على أثر ذلك إن النصارى لم يكونوا أحسن معاملة من اليهود ثم بين معاملتهم فقال { ومن الذين قالوا إنا نصارى } { أخذنا ميثاقهم } في الإنجيل بأن يتبعوا قول محمد صلّى اللّه عليه وسلّم { فنسوا حظا مما ذكروا به } يعني تركوا نصيبا مما أمروا به في الإنجيل من اتباع قول محمد صلّى اللّه عليه وسلّم ويقال نقضوا العهد كما نقض اليهود ويقال إنما سموا أنفسهم النصارى لأنهم نزلوا قرية يقال لها ناصرة نزل فيها عيسى عليه السلام فنزلوا هناك وتواثقوا بينهم ويقال إنما سموا النصارى لقول عيسى عليه السلام { من أنصارى إلى اللّه قال الحواريون نحن أنصار اللّه } آل عمران ٥٢والصف١٤

ثم قال { فأغرينا بينهم العداوة } يعني ألقينا الإغراء في أصل اللغة الإلصاق يقال أغريت الرجل إغراء إذا الصقت به ويقال إن { العداوة } ألقاها بينهم إنسان يقال له بولس كان بينه وبين النصارى قتال وكان يهوديا فقتل منهم خلقا كثيرا فأراد ان يحتال بحيلة يلقي بينهم القتال ليقتل بعضهم بعضا فجاء إلى النصارى وجعل نفسه أعور وقال لهم أتعرفوني فقالوا أنت الذي قتلت منا وفعلت ما فعلت فقال قد فعلت ذلك كله وأنا تائب لأني رأيت عيسى ابن مريم في المنام نزل من السماء فلطم وجهي لطمة وفقأ عيني فقال لي أي شيء تريد من قومي فقبلت يده فتبت على يده وإنما جئتكم لأكون بين أظهركم وأعلمكم شرائع دينكم كما علمني عيسى عليه السلام في المنام فاتخذوا له غرفة فصعد تلك الغرفة وفتح كوة إلى الناس في الحائط وكان يتعبد في الغرفة وربما كانوا يجتمعون إليه ويسألونه ويجيبهم من تلك الكوة وربما يأمرهم حتى يجتمعوا فيناديهم من تلك الكوة ويقول لهم قولا كان في الظاهر منكرا وينكرون عليه فكان يفسر ذلك القول بتفسير يعجبهم ذلك فانقادوا كلهم له وكانوا يقبلون قوله بما يأمرهم به فقال يوما من الأيام اجتمعوا فإنه حضرني علم فأجتمعوا فقال لهم أليس قد خلق اللّه تعالى هذه الأشياء في الدنيا كلها لمنفعة بني آدم قالوا نعم فقال لم تحرمون على أنفسكم هذه الأشياء يعني الخمر والخنزير وقد خلق لكم ما في الأرض جميعا فأخذوا بقوله واستحلوا الخمر والخنزير فلما مضى على ذلك أيام دعاهم وقال حضرني علم فاجتمعوا وقال لهم من أي ناحية تطلع الشمس فقالوا من قبل المشرق فقال ومن أي ناحية يطلع القمر والنجوم فقالوا من قبل المشرق فقال ومن يرسلهم من قبل المشرق قالوا اللّه تعالى فقال فاعلموا أن اللّه من قبل المشرق فإن صليتم له فصلوا إليه فحول صلاتهم إلى المشرق فلما مضت على ذلك أيام دعا طائفة منهم وأمرهم بأن يدخلوا

عليه الغرفة وقال لهم إني أريد أن أجعل نفسي الليلة قربانا لأجل عيسى وق

حضرني علم وأنا أريد ان أخبركم في السر لتحفظوا عني وتدعوا الناس إلى ذلك ويقال أيضا إنه أصبح يوما وفتح عينه الأخرى ثم دعاهم وقال لهم جاءني عيسى عليه السلام الليلة وقال قد رضيت عنك فمسح يده على عيني فبرئت فالآن أريد أن أجعل نفسي قربانا ثم قال لهم هل يستطيع أحد أن يحيي الموتى ويبرئ الأكمه والأبرص إلا اللّه تبارك وتعالى فقالوا لا فقال إن عيسى عليه السلام قد فعل هذه الأشياء فاعلموا بأنه هو اللّه فخرجوا من عنده ثم دعا طائفة أخرى فأخبرهم بذلك أيضا وقال أنه كان أبنه ثم دعا بالطائفة الثالثة وأخبرهم بأنه ثالث ثلاثة وأخبرهم بأنه يريد أن يجعل نفسه الليلة قربانا فلما كان في بعض الليل خرج من بين ظهرانيهم فأصبحوا وجعلوا كل فريق منهم يقول قد علمني كذا وكذا وقال الفريق الآخر أنت كاذب بل علمني كذا وكذا فوقع بينهم القتال فاقتتلوا وقتلوا خلقا كثيرا وبقيت العداوة بينهم { إلى يوم القيامة } وهم ثلاث فرق فرقة منهم النسطورية قالوا المسيح ابن اللّه وصنف منهم يقال لهم الماريعقوبية قالوا إن اللّه هو المسيح وصنف منهم يقال لهم الملكانية قالوا إن اللّه ثالث ثلاثة المسيح وأمه واللّه فأغرى بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة ويقال ألقى بينهم العداوة بالجدال والخصومات في الدين وقال معاوية بن قرة إياكم وهذه الخصومات في الدين فإنها تحبط الأعمال ثم قال { وسوف ينبئهم اللّه بما كانوا يصنعون } يعني ينبئهم في الآخرة الذي هو على الحق

﴿ ١٤