سورة يونسمكية وهي مائة وتسع آيات ١قال اللّه عز وجل { الر } قال ابن عباس معناه أنا اللّه أرى وهكذا عن الضحاك وقد ذكرنا تفسير الحروف في أول سورة البقرة قرأ حمزة والكسائي وأبو عمرو وإبن عامر وعاصم في رواية أبي بكر { الر } بإمالة الراء وقرأ إبن كثير وحفص بنصب الراء وقرأ نافع بين ذلك { تلك آيات الكتاب } يعني هذه آيات الكتاب الذي أنزل عليك يا محمد ويقال تلك الآيات التي وعدتك يوم الميثاق أن أوحينا إليك الكتاب { الحكيم } قال مقاتل يعني المحكم من الباطل لا كذب فيه ولا إختلاف وقال الكلبي يعني أحكم بحلاله وحرامه ويقال { الكتاب الحكيم } يعني الحاكم على الكتب كلها ويقال { تلك آيات } يعني حجج وبراهين وهي التي إحتج بها النبي صلى اللّه عليه وسلم على دعواه ٢ثم قال تعالى { أكان للناس عجبا } لأن أهل مكة كانوا يتعجبون ويقولون { أبعث اللّه بشرا رسولا } فنزل { أكان للناس عجبا أن أوحينا إلى رجل منهم } يقول أعجب أهل مكة أن أختار عبدا من عبيدي وأرسله إلى عبادي من جنسهم وحسبهم حتى يقدروا أن ينظروا إليه فيعرفونه ولا ينكرونه ثم بين ما أوحى اللّه تعالى إليه فقال { أن أنذر الناس } يعني خوف أهل مكة بما في القرآن من الوعيد ويقال في الآية تقديم ومعناه تلك آيات الكتاب الحكيم للناس أكان عجبا أن أوحينا إلى رجل منهم أن أنذر الناس وقال عامة المفسرين على ظاهر التنزيل ثم قال { وبشر الذين آمنوا } أي بما في القرآن من الثواب في الجنة { أن لهم قدم صدق عند ربهم } قال مقاتل يعني بأن أعمالهم التي قدموها بين أيديهم ستكون خيرا عند ربهم وهي الجنة وقال ابن عباس يعني السعادة عند ربهم وهي الجنة وروي عن أبي سعيد الخدري أنه قال يعني شفاعة محمد صلى اللّه عليه وسلم لهم شفيع صدق عند ربهم وقال الحسن هي رضوان اللّه في الجنة وقال القتبي { قدم صدق } يعني عملا صالحا قدموه { قال الكافرون إن هذا لساحر مبين } قرأ نافع وأبو عمرو وإبن عامر { لسحر } بغير ألف يعني إن هذا القرآن لسحر مبين يعني كذب بين ظاهر وقرأ الباقون { لساحر مبين } يعني أن الذي يقرأ عليهم القرآن لساحر مبين فالساحر إسم والسحر فعل فإن قيل إذا قال الكفار هذا القول فما الحكمة في حكاية كلامهم في القرآن قيل له الحكمة فيه من وجوه أحدها أنهم كانوا يقولون قولا فيما بينهم فيظهر قولهم عند النبي صلى اللّه عليه وسلم فكان في ذلك علامة لنبوته لمن أيقن به والثاني أن في ذلك تعزية للنبي صلى اللّه عليه وسلم ليصبر على ذلك كما قال { فاصبر على ما يقولون } والثالث أن في ذلك تنبيها لمن بعده أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ولا يمتنع بما يسمع من المكروه ٣قوله تعالى { إن ربكم اللّه الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم إستوى على العرش } وقد ذكرناه ثم قال { يدبر الأمر } يعني يقضي القضاء وينظر في تدبير الخلق وروى الأعمش عن عمرو بن مرة عن إبن سابط قال مدبر أمر الدنيا أربعة جبريل وميكائيل وملك الموت وإسرافيل أما جبريل فعلى الرياح والوحي والجنود وأما ميكائيل فعلى النبات والمطر وأما ملك الموت فعلى الأنفس وأما إسرافيل فينزل إليهم بما يؤمرون { ما من شفيع إلا من بعد إذنه } لأن الكفار كانوا يعبدون الأصنام ويقولون هم شفعاؤنا عند اللّه وبعضهم كانوا يعبدون الملائكة فأخبر اللّه تعالى أنه لا شفاعة لأحد إلا بإذن اللّه ويقال { ما من شفيع إلا من بعد إذنه } يعني لا يشفع أحد لأحد يوم القيامة من الملائكة ولا من المرسلين إلا من بعد إذنه في الشفاعة لهم { ذلكم اللّه ربكم } يعني الذي يفعل هذا من خلق السموات والأرض وتدبير الخلق هو ربكم وخالقكم { فاعبدوه } فدل أولا على وحدانيته وتدبيره ثم أمرهم بالتوحيد والطاعة فقال { فاعبدوه } يعني وحدوه وأطيعوه { أفلا تذكرون } يعني أفلا تتعظون بالقرآن ويقال أفلا تتعظون بأن لا تعبدوا من لا يملك شيئا وتعبدون من يملك الدنيا وما فيها قرأ حمزة والكسائي وعاصم في رواية حفص { تذكرون } بالتخفيف وقرأ الباقون بالتشديد لأن أصله تتذكرون فأدغم إحدى التاءين في الذال وأقيم التشديد مقامه ٤ثم خوفهم فقال { إليه مرجعكم جميعا } يعني مرجع الخلائق كلهم يوم القيامة { وعد اللّه حقا } يعني البعث كائنا وصدقا وقال الزجاج { وعد اللّه } صار نصبا على معنى وعدكم اللّه وعدا لأن قوله { إليه مرجعكم } معناه الوعد بالرجوع إليه { إنه يبدؤا الخلق ثم يعيده } قال أهل اللغة الياء صلة ومعناه إنه بدأ الخلق ثم يعيده يعني خلق الخلق في الدنيا ثم يحييهم بعد الموت يوم القيامة { ليجزي الذين آمنوا } يعني لكي يثبت الذين آمنوا بالبعث بعد الموت { وعملوا الصالحات بالقسط } يعني عملوا الطاعات بالعدل وقال الضحاك يعني الذين قاموا بالعدل وأقاموا على توحيده يعطيهم من رياض الجنة حتى يرضوا { والذين كفروا } يعني ويجزي الذين كفروا ثم بين جزاءهم فقال تعالى { لهم شراب من حميم } يعني ماء حارا قد إنتهى حره { وعذاب أليم بما كانوا يكفرون } يعني يجحدون بالرسالة والكتاب ثم ذكرهم النعم لكي يستحيوا منه ولا يعبدوا غيره ٥فقال تعالى { هو الذي جعل الشمس ضياء } بالنهار { والقمر نورا } بالليل ويقال جعل الشمس ضياء مع الحر والقمر نورا بلا حر { وقدره منازل } يعني جعل الليل والنهار منازل يزيد أحدهما وينقص الآخر ولا يجاوزان المقدار الذي قدره ويقال { قدره } يعني القمر { منازل } كل ليلة بمنزلة من النجوم وهي ثمانية وعشرون منزلا في كل شهر وهذا كقوله { والقمر قدرناه منازل } [ يس : ٣٩ ] { لتعلموا عدد السنين والحساب } يعني لتعلموا بالقمر حساب السنين والشهور كقوله تعالى { يسئلونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس } [ البقرة : ١٨٩ ] ثم قال ( ما خلق اللّه ذلك إلا بالحق ) يعني لتعلموا عدد السنين والحساب ولتعتبروا وتعلموا أن له خالقا ومدبرا وهو قادر على أن يحيي الموتى ثم قال { يفصل الآيات } يعني يبين العلامات يعني علامة وحدانيته { لقوم يعلمون } يعني لمن كان له عقل وذهن وتمييز قرأ إبن كثير وأبو عمرو وعاصم في رواية حفص { يفصل الآيات } بالياء وقرأ الباقون بالنون ومعناهما قريب ٦قوله تعالى { إن في اختلاف الليل والنهار } وذلك أن أهل مكة قالوا للنبي صلى اللّه عليه وسلم إئتنا بعلامة كما أتت بها الأنبياء قومهم فنزل { إن في اختلاف الليل والنهار } يعني في مجيء الليل وذهاب النهار ومجيء النهار وذهاب الليل ويقال ما يأخذ النهار من الليل وما يأخذ الليل من النهار { وما خلق اللّه في السموات والأرض } من العجائب يعني فيما خلق اللّه { آيات } يعني علامات { لقوم يتقون } اللّه ويخشون عقوبته ويقال لقوم يتقون الشرك ٧ثم قال تعالى { إن الذين لا يرجون لقاءنا } يعني لا يخافون البعث بعد الموت ويقال لا يرجون ثوابنا بعد الموت { ورضوا بالحياة الدنيا } يعني إختاروا ما في الحياة الدنيا يعني على ثواب الآخرة { واطمأنوا بها } يقول ورضوا بها وسكنوا إليها وآثروها وفرحوا بها { والذين هم عن آياتنا غافلون } يعني عن محمد صلى اللّه عليه وسلم والقرآن معرضون فلا يؤمنون ويقال تاركين لها ومكذبين بها ويقال لم يتفكروا فيها ٨قوله تعالى { أولئك مأواهم النار } يعني أهل هذه الصفة مصيرهم إلى النار { بما كانوا يكسبون } يعني جزاء لكفرهم وتكذيبهم ٩ثم أنزل فيما أعد اللّه للمؤمنين فقال { إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم } وقال مقاتل يهديهم على الصراط إلى الجنة بالنور { بإيمانهم } يعني بتوحيدهم اللّه تعالى في الدنيا وقال الضحاك يدعوهم ربهم بإيمانهم إلى الجنة وقال الكلبي نحو هذا ويقال هذا على معنى التقديم ومعناه إن الذين يهديهم ربهم بإيمانهم حتى آمنوا وعملوا الصالحات ويقال يهديهم ربهم في الدنيا حتى يثبتهم على الإيمان ويدخلهم في الآخرة الجنة بإيمانهم ويقال ينجيهم ربهم بإيمانهم وقال الحسن يرحمهم ربهم بإيمانهم ثم قال تعالى { تجري من تحتهم الأنهار في جنات النعيم } ينتعمون فيها ثم قال { دعواهم فيها } يعني قولهم في الجنات { سبحانك اللّهم وتحيتهم فيها سلام } فهذه علامة بينهم وبين خدمهم في الجنة فإذا قالوا هذه المقالة جاءهم الخدم بالموائد ووضعوها بين أيديهم وأوتوا بما يشتهون فإذا فرغوا من الطعام قالوا الحمد للّه رب العالمين فذلك قوله تعالى { وآخر دعواهم أن الحمد للّه رب العالمين } يعني وآخر قولهم بعد ما فرغوا من الطعام أن يقولوا الحمد للّه رب العالمين { وتحيتهم فيها سلام } على معنى التقديم وقال الضحاك في ١٠قوله تعالى { دعواهم فيها سبحانك اللّهم } وذلك أن أهل الجنة إذا خلفوا القيامة وصاروا إلى دار الكرامة يكون فاتحة كلامهم سبحانك اللّهم على ما مننت به علينا { وتحيتهم فيها سلام } يقول يسلم عليهم الملائكة من اللّه تعالى ويقال يسلم بعضهم على بعض ويقال يسلمون على اللّه تعالى ويقال تحيتهم للّه تعالى بالسلام كقوله { تحيتهم يوم يلقونه سلام } [ الأحزاب : ٤٤ ] { وآخر دعواهم } يعني بعدما رأوا من الكرامات وبعد ما أكلوا من الطعام حمدوا اللّه تعالى على ما أعطاهم من الخير ١١قوله تعالى { ولو يعجل اللّه للناس الشر إستعجالهم بالخير } قال مقاتل وذلك حين تمنى النضر بن الحارث السهمي العذاب فنزل قوله { ولو يعجل اللّه للناس الشر } يقول له أستجيب لهم في الشر إستعجالهم بالخير يعني كما يحبون أن يستجاب لهم في الخير { لقضي إليهم أجلهم } في الدنيا بالهلاك وقال مجاهد والضحاك والكلبي { ولو يعجل اللّه للناس الشر } يعني العقوبة إذا دعا على نفسه وولده وعلى صاحبته أخزاك اللّه ولعنك اللّه كما يعجل لهم الخير إذا دعوه بالرحمة والرزق والعافية لماتوا وهلكوا وقال القتبي هذا من الإضمار ومعناه { لو يعجل اللّه للناس الشر } يعني إجابتهم بالشر { إستعجالهم بالخير } يعني كإجابتهم بالخير وإنما صار { إستعجالهم } نصبا على معنى مثل إستعجالهم قرأ إبن عامر { لقضى إليهم أجلهم } بالنصب يعني لقضى اللّه أجلهم لأنه إتصل بقوله { ولو يعجل اللّه } وقرأ الباقون { لقضي إليهم أجلهم } بالضم على معنى فعل ما لم يسم فاعله ثم قال { فنذر الذين لا يرجون لقاءنا } يعني بترك الذين لا يخافون البعث بعد الموت { في طغيانهم يعمهون } يعني يتحيرون ويترددون فيها مجازاة لهم ١٢قوله تعالى { وإذا مس الإنسان الضر } يقول إذ مس الكافر ما يكره من المرض والفقر والبلاء { دعانا } يقول أخلص في الدعاء إلينا { لجنبه } يعني وهو مطروح على جنبه إذا إشتد به المرض { أو قاعدا } إذا كانت العلة أهون { أو قائما } إذا بقي فيه أثر العلة ويقال دعانا في الأحوال كلها مضطجعا كان أو قائما أو قاعدا { فلما كشفنا عنه ضره } يعني فلما رفعنا عنه بلاءه { مر } يقول إستمر على ترك الدعاء ونسي الدعاء ويقال { مر } في العافية على ما كان عليه قبل أن يبتلى ولم يتعظ بما ناله { كأن لم يدعنا إلى ضر مسه } يعني إلى بلاء أصابه قبل ذلك فلم يشكره ويقال معناه أمن من أن يصيبه مثل الضر الذي دعا فيه حين مسه { كذلك زين للمسرفين ما كانوا يعملون } يعني المشركين { ما كانوا يعملون } يعني بالدعاء عند الشدة وترك الدعاء عند الرخاء ١٣قوله تعالى { ولقد أهلكنا القرون من قبلكم لما ظلموا } يعني أهلكناهم بالعذاب حين كذبوا الرسل أقاموا على كفرهم خوف أهل مكة بمثل عذاب الأمم الخالية لكيلا يكذبوا محمدا صلى اللّه عليه وسلم { وجاءتهم رسلهم بالبينات } يعني بالآيات بالأمر والنهي { وما كانوا ليؤمنوا } يعني لم يصدقوا الرسل ولم يرغبوا في الإيمان ويقال وما كانوا ليصدقوا بنزول العذاب بما كذبوا من قبل يوم الميثاق { كذلك نجزي } يعني نعاقب { القوم المجرمين } يعني الكافرين ١٤قوله تعالى { ثم جعلناكم خلائف } يعني جعلناكم يا أمة محمد صلى اللّه عليه وسلم { خلائف في الأرض من بعدهم } يعني من بعد هلاكهم { لننظر كيف تعملون } وهذا على معنى التهديد يعني إن كانت معاملتكم مثل معاملتهم في تكذيب الرسل أهلكتكم كما أهلكت تلك القرون ١٥قوله تعالى { وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات } يعني القرآن { قال الذين لا يرجون لقاءنا } يعني كفار قريش لما سمعوا القرآن قالوا { إئت بقرآن غير هذا أو بدله } يعني إمحه وانسخه فإنا نجد فيه تحريم عبادة الأوثان وما نحن عليه وهذا قول الضحاك وقال الكلبي { وإذا تتلى عليهم } يعني المستهزئين وكانوا خمسة رهط { قال الذين لا يرجون لقاءنا } يعني لا يخافون البعث بعد الموت { إئت بقرآن غير هذا أو بدله } إئت يا محمد أو إجعل مكان آية الرحمة آية العذاب ومكان آية العذاب آية الرحمة وقال الزجاج معناه إئت بقرآن ليس فيه ذكر البعث والنشور وليس فيه عيب آلهتنا أو بدل منه ذكر البعث والنشور قال اللّه تعالى { قل ما يكون لي } يعني قل ما يجوز لي { أن أبدله من تلقاء نفسي } يقول من قبل نفسي { إن أتبع إلا ما يوحى إلي } يعني لا أعمل إلا ما أومر به وأنزل علي من القرآن { إني أخاف إن عصيت ربي } يعني إني أعلم أن لو فعلت ما لم أؤمر به { عذاب يوم عظيم } يعني يوم القيامة قال مقاتل والكلبي نسختها { ليغفر لك اللّه ما تقدم من ذنبك وما تأخر } [ الفتح : ٢ ] ويقال هذا على وجه المثل ومعناه إني أعلم أن من عصى اللّه وخالف أمره له عذاب يوم عظيم يعني يصيبه العذاب { ولا أدراكم به } ولا أعلمكم به ومعناه أن اللّه تعالى لو لم يجعلني رسولا إليكم ما تلوته عليكم كما لم أتل عليكم قبل الوحي ويقال معناه لو رضي اللّه لكم ما أنتم عليه من الكفر والجهل ما بعثني إليكم رسولا قرأ أبو عمرو وحمزة ونافع في رواية ورش والكسائي { ولا أدريكم } بكسر الراء وقرأ الباقون بالنصب وهما لغتان ومعناهما واحد وعن الحسن أنه قرأ { ولا أدرأتكم } بالتاء قال أبو عبيدة ما أرى ذلك إلا غلطا منه في الرواية لأنه لا مخرج لها في العربية ١٦ثم قال { فقد لبثت فيكم عمرا من قبله } يعني إلى أربعين سنة من قبل هذا القرآن فهل سمعتموني أقرأ شيئا من هذا عليكم { أفلا تعقلون } أني لم أتقوله من تلقاء نفسي ولكنه هو القرآن الذي أوحى اللّه من عنده لأنه لو كان من تلقاء نفسي لسمعتم مني قبل هذا شيئا منه ١٧قوله تعالى { فمن أظلم ممن إفترى على اللّه كذبا } يعني من أشد في كفره ممن إختلق على اللّه كذبا أن معه شريكا { أو كذب بآياته } بمحمد صلى اللّه عليه وسلم والقرآن { إنه لا يفلح المجرمون } يعني المشركين وقال الضحاك { فمن أظلم ممن إفترى على اللّه كذبا } يعني مسيلمة الكذاب { إنه لا يفلح المجرمون } يعني أتباعه وأشياعه ونظراؤه ١٨قوله تعالى { ويعبدون من دون اللّه } يعني الأصنام { ما لا يضرهم } إن لم يعبدوها { ولا ينفعهم } إن عبدوها ولا تضرهم إن لم يعبدوها { ويقولون هؤلاء } يعني الأصنام { شفعاؤنا عند اللّه } يشفعون لنا في الآخرة { قل أتنبئون اللّه } يعني أتخبرون اللّه { بما لا يعلم } من الآلهة { في السموات ولا في الأرض } أنها تشفع لأحد يوم القيامة ويقال معناه أتخبرون اللّه بشفاعة آلهتكم أما علموا أنها لا تكون أبدا ويقال معناه أتشركون مع اللّه بجاهل لا يعلم ما في السموات ولا ما في الأرض ثم نزه نفسه عن الولد والشريك فقال تعالى { سبحانه } يعني تنزيها له { وتعالى } يعني إرتفع { عما يشركون } من الآلهة ويقال معناه هو أعلى وأجل من أن يوصف له شريك قرأ عاصم وأبو عمرو وإبن عامر { يشركون } بالياء على معنى المغايبة وقرأ الباقون بالتاء على وجه المخاطبة ١٩قوله تعالى { وما كان الناس إلا أمة واحدة } قال مقاتل وما كان الناس إلا على ملة واحدة يعني على عهد آدم وعلى عهد نوح من بعد الغرق كانوا كلهم مسلمين { فاختلفوا } في الدين بعد ذلك وروى إبن أبي نجيح عن مجاهد أنه قال { وما كان الناس إلا أمة واحدة } على عهد آدم فاختلفوا حين قتل أحد إبني آدم أخاه فتفرقوا مؤمنا وكافرا وقال الكلبي { وما كان الناس إلا أمة واحدة } كافرة على عهد إبراهيم فتفرقوا مؤمنا وكافرا وقال الزجاج { وما كان الناس } يعني العرب كانوا على الشرك قبل مجيء محمد صلى اللّه عليه وسلم فتفرقوا واختلفوا بعده فآمن بعضهم وكفر بعضهم وقال الزجاج وقيل أيضا { وما كان الناس إلا أمة واحدة } يعني ولدوا على الفطرة واختلفوا بعد الفطرة { ولو لا كلمة سبقت من ربك } أي لو أن اللّه جعل لهم أجلا للقضاء بينهم في اللوح المحفوظ بأن لا يعجل عقوبة العاصين ويتركهم لكي يتوبوا { لقضي بينهم } في وقت إختلافهم وقال مقاتل { ولو لا كلمة سبقت من ربك } بتأخير العذاب عنهم إلى يوم القيامة { لقضي بينهم } في الدنيا وقال الكلبي لولا أن اللّه تعالى أخبر هذه الأمة أن لا يهلكهم كما أهلك الذين من قبلهم { لقضى بينهم } في الدنيا { فيما فيه يختلفون } من الدين ٢٠قوله تعالى { ويقولون لولا أنزل عليه آية من ربه } وذلك حين قال عبد اللّه بن أمية { لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا } [ الإسراء : ٩٠ ] وسألته قريش أن يأتيهم بآية فقال اللّه تعالى لمحمد صلى اللّه عليه وسلم { فقل إنما الغيب للّه } أي نزول الآية من عند اللّه تعالى { فانتظروا } نزولها { إني معكم من المنتظرين } لنزولها ويقال فانتظروا بي الموت إني معكم من المنتظرين لهلاككم ٢١قوله تعالى { وإذا أذقنا الناس } يعني أصبنا الناس { رحمة } يعني المطر ويقال العافية { من بعد ضراء مستهم } من بعد القحط ويقال من بعد الشدة والبلاء أصابتهم { إذا لهم مكر في آياتنا } يعني تكذيبا بالقرآن ويقال تكذيبا بنعمة اللّه تعالى ويقولون سقينا بنوء كذا ولا يقولون هذا من رزق اللّه تعالى وقال القتبي { إذا لهم مكر في آياتنا } يعني قولهم بالطعن والحيلة ليجعلوا لتلك الرحمة سببا آخر { قل اللّه أسرع مكرا } يعني أشد عذابا وأشد أخذا { إن رسلنا } الحفظة { يكتبون ما تمكرون } يعني ما تقولون من التكذب ٢٢قوله تعالى { هو الذي يسيركم في البر والبحر } يعني يحملكم في البر على الدواب وفي البحر على السفن ويقال هو الذي يحفظكم إذا سافرتم في بر أو بحر قرأ إبن عامر { ينشركم } بالنون والشين من النشر يعني يبثكم والقراءة المعروفة { يسيركم } من التسيير يعني يسهل لكم السير { حتى إذا كنتم في الفلك } يعني في السفن { وجرين بهم بريح } يقال للسفينة الواحدة جرت وللجماعة جرين وإسم الفلك يقع على الواحد وعلى الجماعة ويكون مذكرا إذا أريد به الواحد ومؤنثا إذا أريد به الجماعة كقوله { في الفلك المشحون } [ يس : ٤١ ] وقال { والفلك التي تجري في البحر } [ البقرة : ١٦٤ ] ذكرا بلفظ التأنيث مرة وبلفظ التذكير مرة وفيه الدليل أن الكلام يكون بعضه على وجه المخاطبة وبعضه على وجه المغايبة كما قال ها هنا { حتى إذا كنتم في الفلك } ذكر بلفظ المخاطبة ثم قال { وجرين بهم } بلفظ المغايبة بريح { طيبة } يعني لينة ساكنة { وفرحوا بها } بالريح الطيبة { جاءتها } يعني السفينة { ريح عاصف } يعني شديدة { وجاءهم الموج من كل مكان } يعني من كل ناحية { وظنوا أنهم أحيط بهم } يعني علموا وأيقنوا أنه قد دنا هلاكهم وقال القتبي وأصل هذا أن العدو إذا أحاط بالقرية يقال دنا أهلها من الهلكة قال اللّه تعالى { وأحيط بثمره } [ الكهف : ٤٢ ] فصار ذلك كناية عن الهلاك { دعوا اللّه مخلصين له الدين } يعني إذا دنا هلاكهم أخلصوا للّه تعالى يعني بالدعاء وقالوا { لئن أنجيتنا من هذه } يعني من هذه الريح العاصف ويقال من هذه الأهوال { لنكونن من الشاكرين } يعني من الموحدين المطيعين { فلما أنجاهم إذا هم يبغون } يعني يعصون { في الأرض بغير الحق } يعني الدعاء إلى غير عبادة اللّه تعالى والعمل بالمعاصي والفساد ٢٣قوله تعالى { يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم } يعني إثم معصيتكم عليكم وهو كقوله { من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها } [ فصلت : ٤٦ ] ويقال مظالمكم فيما بينكم { على أنفسكم } يعني جنايتكم عليكم وهذا كما يقال في المثل المحسن سيجزى بإحسانه والمسيء ستكفيه مساويه يعني وباله يرجع إليه ثم قال { متاع الحياة الدنيا } يعني تمتعون فيها أيام حياتكم { ثم إلينا مرجعكم } ويقال عيشكم في الدنيا قليل ويقال عمر الدنيا في حياة الآخرة قليل { ثم إلينا مرجعكم } أي بعد الموت في الآخرة { فننبئكم } يعني نخبركم { بما كنتم تعملون } قرأ عاصم في رواية حفص { متاع } بالنصب ويكون نصبا على المصدر ومعناه تمتعون متاع الحياة الدنيا وقرأ الباقون بالضم { متاع } ومعناه هو متاع الحياة الدنيا ٢٤ثم ضرب للحياة الدنيا مثلا فقال { إنما مثل الحياة الدنيا } يعني في فنائها وبقائها { كماء أنزلناه من السماء } يعني المطر { فاختلط به نبات الأرض } يعني يدخل الماء في الأرض فينبت به النبات فاتصل كل واحد بالآخر فاختلط { مما يأكل الناس والأنعام } يعني مما يأكل الناس من الحبوب والثمار ومما تأكل الدواب والأنعام من العشب والكلأ { حتى إذا أخذت الأرض زخرفها } يعني زينتها { وازينت } يعني حسنت بألوان النبات وأصله تزينت فحذفت التاء وأقيم التشديد مقامها وهذا كقوله { أدراكم } [ الحاقة : ٣ ] وأصله تدارك ثم قال { وظن أهلها } يعني وحسب أهل الزرع { أنهم قادرون عليها } يعني على غلاتها وأنها ستتم لهم الآن { أتاها أمرنا } يعني عذابنا { ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا } قال أبو عبيدة الحصيد المستأصل ويقال الحصيد كحصيد السيف { كأن لم تغن بالأمس } يعني صار كأن لم يكن بالأمس فكذلك الدنيا والإنسان يجمع المال ويشتري الضياع ويبني البنيان فيظن أنه قد نال مقصوده فيأتيه الموت فيصير كأنه لم يكن أو رجل ولد له مولود فإذا بلغ فظن أنه قد نال به مقصوده فيموت ويصير كأنه لم يكن { كذلك نفصل الآيات } يعني نبين علامات غرور الدنيا وزوالها لكيلا يغتروا ونبين بقاء الآخرة ليطلبوها { لقوم يتفكرون } بأمثال القرآن ويعتبرون بها ٢٥قوله تعالى { واللّه يدعو إلى دار السلام } يعني يدعو إلى عمل الجنة { ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم} وهو الدين القيم ويقال إن عطاءه على وجهين خاص وعام فأما العطاء الخاص فالتوفيق والعصمة واليقين وأما العطاء العام فالصحة والنعمة والفراغ والأمن والدعوة هنا عامة والهداية خاصة فقد دعا جميع الناس بقوله تعالى { واللّه يدعو إلى دار السلام } ثم قال { ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم } فجعل الهداية خاصا لأنها فضله وفضل اللّه يؤتيه من يشاء وقال قتادة { واللّه يدعو إلى دار السلام } واللّه هو السلام وداره الجنة ويقال السلام هو السلامة وإنما سميت الجنة دار السلام لأنها سالمة من الآفات والأمراض وغير ذلك روى أبو أيوب عن أبي قلابة عن أنس أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال نامت عيني وعقل قلبي وسمعت أذني ثم قيل لي إن سيدا بنى دارا وصنع مائدة وأرسل داعيا فمن أجاب الداعي دخل الدار وأكل من المائدة ورضي عنه السيد ومن لم يجب الداعي لم يدخل الدار ولم يأكل من المأدبة ولم يرض عنه السيد فاللّه تعالى هو السيد والدار الإسلام والمأدبة الجنة والداعي محمد صلى اللّه عليه وسلم { ويهدي من يشاء } يعني يكرم من يشاء بالمعرفة من كان أهلا لذلك { إلى صراط مستقيم } يعني إلى دين الإسلام ٢٦قوله تعالى { للذين أحسنوا الحسنى } للذين وحدوا اللّه وأطاعوه في الدنيا لهم الجنة في الآخرة { وزيادة } يعني فضلا قال عامة المفسرين هي النظر إلى وجه اللّه تعالى وهكذا روي عن النبي صلى اللّه عليه وسلم وعن أبي بكر الصديق وحذيفة بن اليمان وأبي موسى الأشعري وغيرهم قال الفقيه حدثنا الخليل بن أحمد قال حدثنا أبو العباس السراج قال حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي قال حدثنا عفان بن مسلم عن حماد بن سلمة عن ثابت البناني عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال تلا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم هذه الآية { للذين أحسنوا الحسنى وزيادة } قال إذا دخل أهل الجنة الجنة ودخل أهل النار النار نادى مناد يا أهل الجنة إن لكم عند ربكم موعدا يحب أن ينجزكموه فيقولون وما هو الموعد ألم يثقل موازيننا وبيض وجوهنا وأدخلنا الجنة ونجانا من النار قال ثم يكشف الحجاب فينظرون إلى اللّه تعالى فواللّه ما أعطاهم شيئا أحب إليهم من النظر إلى وجه اللّه تعالى قال الفقيه رضي اللّه عنه وأخبرنا الثقة بإسناده عن أبي بكر الصديق رضي اللّه عنه وحذيفة قالا الزيادة النظر إلى وجه اللّه تعالى وعن أبي موسى الأشعري قال الحسنى هي الجنة والزيادة النظر إلى وجه اللّه تعالى وعن عامر بن سعد وعن قتادة وعن عبد الرحمن بن أبي ليلى وعن عكرمة مثله قال الفقيه سمعت محمد بن الفضل العابد قال سمعت علي بن عاصم قال أجمع أهل السنة والجماعة أن اللّه تعالى لم يره أحد من خلقه وأن أهل الجنة يرونه يوم القيامة وقال الزجاج القول في النظر إلى وجه اللّه تعالى كثير في القرآن وفي التفسير مروي بالأسانيد الصحاح أنه لا شك في ذلك وقال مجاهد { للذين أحسنوا الحسنى وزيادة } قال الحسنى مثلها والزيادة المغفرة والرضوان وروي عن علقمة قال الحسنى مثلها وزيادة عشر أمثالها ويقال الحسنى الجنة وما فيها من الكرامة والزيادة ما يأتيهم كل يوم من التحف والكرامات من اللّه تعالى فيأتيهم رسول اللّه فيقول لهم أنا رضيت عنكم فهل رضيتم عني ثم قال تعالى { ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة } يعني لا يعلو ولا يغشى وجوههم { قتر } يعني سواد وهو كسوف الوجوه عند معاينة النار ويقال حزن { ولا ذلة } يعني ولا مذلة { أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون } يعني دائمين لا يموتون فيها ولا يخرجون منها ٢٧ثم بين حال أهل النار فقال تعالى { والذين كسبوا السيئات } يعني أشركوا باللّه وعبدوا الأصنام والشمس والقمر والملائكة فهذا كله من السيئات { جزاء سيئة بمثلها } بلا زيادة يعني لا يزاد على ذلك وهذا موصول بما قبله فكأنه قال { وللذين أحسنوا الحسنى وزيادة } { والذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها } بلا زيادة وهذا كقوله تعالى { من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها } [ الأنعام : ١٦٠ ] ويقال { جزاء سيئة بمثلها } يعني جزاء الشرك النار فلا ذنب أعظم من الشرك ولا عذاب أشد من النار فيكون العذاب موافقا لسيئاتهم كقوله تعالى { جزاء وفاقا } [ النبأ : ٢٦ ] أي موافقا لشركهم ثم قال تعالى { وترهقهم ذلة } يعني يغشى وجوههم المذلة يعني سواد الوجوه والعذاب { ما لهم من اللّه من عاصم } يعني مانع يمنعهم من عذاب اللّه ثم وصف سواد وجوههم فقال { كأنما أغشيت وجوههم قطعا من الليل مظلما } يعني سواد الليل مظلما ويقال { قطعا من الليل } يعني بعضا من الليل وساعة منه قال الفقيه حدثنا الفقيه أبو جعفر قال حدثنا محمد بن عقيل قال حدثنا العباس الدوري قال حدثنا يحيى بن أبي بكر عن شريك عن عاصم عن أبي صالح عن أبي هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أوقد على النار ألف سنة حتى إحمرت ثم أوقد عليها ألف سنة حتى إبيضت ثم أوقد عليها ألف سنة حتى إسودت فهي سوداء كالليل المظلم قرأ إبن كثير والكسائي { قطعا } بجزم الطاء وهو إسم ما قطع منه يعني طائفة من الليل قرأ الباقون { قطعا } بنصب الطاء يعني جمع قطعة وإنما أراد به سواد الليل { مظلما } صار نصبا للحال أي في حالة الظلام { أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون } أي مقيمون ٢٨قوله تعالى { ويوم نحشرهم جميعا } هذا كله في يوم نجمعهم جميعا يعني الكفار وآلهتهم { ثم نقول للذين أشركوا مكانكم أنتم وشركاؤكم } يعني قفوا أنتم وآلهتكم ويقال الرؤساء والأتباع { فزيلنا بينهم } يعني ميزنا وفرقنا بين المشركين وبين آلهتهم وأصله في اللغة من زال يزول وأزلته وزيلته بمعنى واحد ويقال فرقنا ما بينهم من التواصل والألفة يعني بين الرؤساء والأتباع ويقال يأمر اللّه تعالى أن تلحق كل أمة بما كانوا يعبدون من دون اللّه فيفرق بين أهل الملل فذلك قوله { فزيلنا بينهم } يعني بين أهل الشرك وأهل الإسلام ٢٩ثم قال للمشركين ماذا كنتم تعبدون فينكرون ويحلفون ثم يقرون بعدما يختم على أفواههم وتشد أعضاؤهم أنهم كان يعبدون الأصنام { وقال شركاؤهم } يعني آلهتهم لمن عبدها { ما كنتم إيانا تعبدون } في الدنيا بأمرنا ولا نعلم بعبادتكم إيانا ولم تكن فينا روح فنعقل عبادتكم إيانا فيقول من عبدها قد عبدناكم وأمرتمونا فأطعناكم فقالت الآلهة { فكفى باللّه شهيدا } يعني عالما { بيننا وبينكم إن كنا عن عبادتكم لغافلين } يعني ولم نعلم أنكم تعبدوننا والفائدة في إحضار الأصنام أن يظهر عند المشركين ضعف معبودهم فيزيدهم حسرة على ذلك ٣٠ثم قال تعالى { هنالك تبلو كل نفس } قرأ حمزة والكسائي { تتلوا كل نفس } بالتاءين يعني عند ذلك تقر كل نفس برة أو فاجرة { ما أسلفت } يعني ما عملت من خير أو شر وهذا قوله { يوم ندعوا كل أناس بإمامهم } [ الإسراء : ٧١ ] ويقال تتلو يعني تتبع كقوله تعالى { والقمر إذا تلاها } [ الشمس : ٢ ] يعني يتبعها وقرأ الباقون { تبلو } بالتاء والباء يعني عند ذلك تجد ويقال تظهر كقوله { يوم تبلى السرائر } [ الطارق : ٩ ] وقال القتبي أي يختبر ثم قال { وردوا إلى اللّه مولاهم الحق } يعني رجعوا في الآخرة إلى اللّه مولاهم الحق { وضل عنهم } يعني إشتغل عنهم آلهتهم بأنفسهم { ما كانوا يفترون } يعني يختلفون من الكذب الأوثان فلا يكون لهم شفاعة ويقال بطل إفتراؤهم وإضمحل ٣١قوله تعالى { قل من يرزقكم من السماء } يعني قل يا محمد للمشركين من يرزقكم من السماء المطر ومن { والأرض } النبات { أمن يملك السمع والأبصار } يعني يخلق لكم السمع والأبصار { ومن يخرج الحي من الميت } يعني ومن يقدر أن يخرج الحي من الميت يعني الفرخ من البيضة { ويخرج الميت من الحي } يعني البيضة من الطير والنطفة من الإنسان والمؤمن من الكافر والكافر من المؤمن { ومن يدبر الأمر } يعني من يقدر أن يدبر الأمر بين الخلق وينظر في تدبير الخلائق ويقال من يرسل الملائكة بالأمر { فسيقولون اللّه } يفعل ذلك كله لا الأصنام لأن الأصنام لم يكن لهم قدرة في هذه الأشياء { فقل أفلا تتقون } الشرك فتوحدونه إذ تعلمون أنه لا يقدر أحد أن يفعل هذه الأشياء إلا اللّه تبارك وتعالى ويقال { أفلا تتقون } أي تطيعون اللّه الذي يملك ذلك ٣٢ثم قال تعالى { فذلكم اللّه ربكم الحق } وغيرة من الآلهة باطل ليس بشيء { فماذا بعد الحق إلا الضلال } يعني فما عبادتكم بعد ترك عبادة اللّه تعالى إلا عبادة الشيطان ويقال فماذا بعد التوحيد إلا الشرك { فأنى تصرفون } يعني فمن أين تمتنعون عن الإيمان باللّه ويقال { فأنى تصرفون } عن هذا الأمر بعد المعرفة وقال مقاتل فمن أين تعدلون به غيره ويقال كيف ترجعون عن هذا الإقرار ٣٣ثم قال { كذلك حقت كلمة ربك } يعني هكذا وجبت كلمة العذاب من ربك كقوله { ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين } [ الزمر : ٧١ ] ويقال وجبت كلمة ربك وهو قوله { لأملأن جهنم } [ الأعراف : ١٨ ] وقوله تعالى { على الذين فسقوا } يعني كفروا بربهم { أنهم لا يؤمنون } يعني لا يصدقون بعلم اللّه تعالى السابق فيهم ويقال { إنهم لا يؤمنون } يعني لأنهم لا يؤمنون فوجب عليهم العذاب بترك إيمانهم قرأ نافع وإبن عامر { كلمات ربك } بلفظ الجماعة وقرأ الباقون { كلمة ربك } وكذلك الإختلاف في قوله { إن الذين حقت عليهم كلمت ربك } [ يونس : ٩٦ ] ٣٤قوله تعالى { قل هل من شركائكم من يبدأ الخلق ثم يعيده } يعني أصنامكم التي تعبدونها هل يقدرون أن يخلقوا خلقا من غير شيء ثم يبعثونهم في الآخرة كما يفعل اللّه تعالى فإن أجابوك وإلا ف { قل اللّه يبدأ الخلق ثم يعيده } يعني إن معبودكم لا يستطيع ذلك { فأنى تؤفكون } يعني من أين تكذبون ٣٥{ قل هل من شركائكم من يهدي إلى الحق } يقول هل يقدر أحد من آلهتكم أن يهدي إلى الحق يقول يدعو الخلق إلى الإسلام فإن قالوا لا { قل اللّه يهدي للحق } يعني يدعو الخلق إلى الإسلام ويوفق من كان أهلا لذلك { أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع } يقول من يدعو إلى الحق أحق أن يعمل بأمره ويعبد { أمن لا يهدي } طريقا ولا يهتدي { إلا أن يهدى } يعني يمشي بنفسه إلا أن يحمل من مكان إلى مكان قرأ نافع وأبو عمرو { أمن لا يهدي } بجزم الهاء وتشديد الدال لأن أصله في اللغة يهتدي فأدغم التاء في الدال وأقيم التشديد مقامه وقرأ إبن كثير وإبن عامر ونافع في رواية ورش { يهدي } بنصب الهاء وتشديد الدال لأن حركة التاء وقعت على الهاء وقرأ عاصم في رواية حفص { يهدي } بفتح الياء وكسر الهاء وتشديد الدال لأنه لما إجتمع الساكنان حرك أحدهما بالكسر وقرأ عاصم في رواية أبي بكر { يهدي } بكسر الياء والهاء وتشديد الدال فأتبع الكسرة الكسرة وقرأ حمزة والكسائي { يهدي } بجزم الهاء وتخفيف الدال ويكون معناه لا يهتدي قال الكسائي قوم من العرب يقول هديت الطريق بمعنى إهتديت فهذه خمس من القراءات في هذه الآية ثم قال { فما لكم كيف تحكمون } يعني كيف تقضون لأنفسكم يعني تقولون قولا ثم ترجعون عنه ويقال { ما لكم } كلام تام فكأنه قيل لهم فأي شيء لكم في عبادة الأوثان ثم قيل لهم { كيف تحكمون } أي على أي حال تحكمون ويقال معناه كيف تعبدون آلهتكم بلا حجة ولا تعبدون اللّه ولا توحدونه بعد هذا البيان لكم ٣٦ثم قال { وما يتبع أكثرهم إلا ظنا } يعني لا يستيقنون أن اللات والعزى آلهة إلا بالظن ومعناه أنهم يتركون عبادة اللّه وهو الحق لأنهم يقرون بأن اللّه خالقهم فيتركون الحق ويتبعون الظن { إن الظن لا يغني من الحق شيئا } يعني علمهم لا يغني من عذاب اللّه شيئا ويقال { وما يتبع أكثرهم } يعني ما قذف الشيطان في أوهامهم لا يستطيعون أن يدفعوا الباطل بالحق ويقال { وما يتبع } يعني وما يعمل أكثرهم { إلا ظنا } يظنون في غير يقين وهم الرؤساء وأما السفلة فيطيعون رؤساءهم { إن الظن لا يغني من الحق شيئا } { إن اللّه عليم بما يفعلون } من عبادتهم الأصنام وما يقولون من القول المختلق والكذب ٣٧ثم قال { وما كان هذا القرآن أن يفترى } يعني لهذا القرآن أن يختلق { من دون اللّه } تعالى وقال القتبي أي وما كان هذا القرآن أن يضاف إلى غير اللّه أو يختلق { ولكن تصديق الذي بين يديه } يعني نزل بتصديق الذي بين يديه من التوراة والإنجيل ويقال معناه ولكن بتصديق النبي الذي أنزل القرآن { الذي بين يديه } يعني الذي هو قبل سماعكم لأن القرآن تصديق لما جاء من أنباء الأمم السابقة وأقاصيص أنبيائهم { وتفصيل الكتاب } يعني بيان كل شيء ويقال بيان الحلال والحرام { لا ريب فيه } يعني لا شك فيه عند المؤمنين إنه نزل من عند { رب العالمين } ٣٨قوله تعالى { أم يقولون } يعني أيقولون إفتراه وهم كفار مكة { إفتراه } يقول تقوله من تلقاء ذات نفسه { قل فأتوا بسورة مثله } يعني مثل القرآن { وادعوا } يعني إستعينوا على ذلك { من استطعتم } ممن تعبدون { من دون اللّه إن كنتم صادقين } بأنه تقوله من تلقاء نفسه فلما قال لهم ذلك سكتوا ولم يجيبوا فنزل قوله { بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه } يعني بما لم يعلموا بعلمه يعني القرآن لم يعلموا بما فيه ويقال لم يعلموا ما عليهم بتكذيبهم { ولما يأتهم تأويله } يعني ولما يأتهم عاقبة ما وعدوا في هذا القرآن يعني سيأتيهم ما وعد لهم وهو كائن في الدنيا بالعذاب وفي الآخرة بالنار ٣٩ثم قال { كذلك كذب الذين من قبلهم } يعني هكذا كذب الأمم الخالية رسلهم { فانظر كيف كان عاقبة الظالمين } يعني كيف صار جزاء المكذبين لرسلهم فيه تعزية لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وحث له على الصبر وتخويف لهم بالعقوبة ٤٠قوله تعالى { ومنهم من يؤمن به } يعني بالقرآن { ومنهم من لا يؤمن به وربك أعلم بالمفسدين } يعني بعقوبة من لم يؤمن به قال مقاتل { ومنهم من يؤمن به } من أهل الكتاب { ومنهم من لا يؤمن به } من أهل مكة وقال الكلبي { ومنهم من يؤمن به } من اليهود يعني يؤمن به من قبل موته ولا يموت حتى يقر به { ومنهم من لا يؤمن به } يعني بعلم اللّه تعالى السابق فيه وقال الزجاج معناه { ومنهم من يؤمن } أي يعلم أنه حق فيصدق بقلبه ويعاند فيظهر الكفر { ومنهم من لا يؤمن به } أي يشك ولا يصدق ٤١قوله تعالى { وإن كذبوك } يعني المشركين بما أتيتهم به { فقل لي عملي } يعني ديني { ولكم عملكم } يعني دينكم { أنتم بريئون مما أعمل } وأدين { وأنا بريء مما تعملون } وتدينون به غير اللّه وهذا قبل أن يؤمر بالقتال ولما نزلت آية القتال نسخت هذه الآية ٤٢ثم قال تعالى { ومنهم من يستمعون إليك } قال الكلبي نزلت في شأن اليهود قدموا مكة وكانوا يسمعون قراءة القرآن فيعجبون به ويشتهونه وتغلب عليهم الشقاوة ولا يسلمون قال اللّه تعالى { أفأنت تسمع الصم } يعني تفقه الكافر الذي لا يعقل الموعظة وقال الضحاك { ومنهم من يستمعون إليك } وذلك أن كفار قريش دخلوا المسجد الحرام والنبي صلى اللّه عليه وسلم قائم عند المقام يصلي وهو يقرأ سورة طه قال الوليد بن المغيرة يا معشر قريش إنما يتلو محمد ليأخذ بقلوبكم فقال أبو جهل وأصحابه لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه فنزل { أفأنت تسمع الصم } وذلك أنهم صموا عن الحق ويقال { أفأنت تسمع الصم } يعني من يتصامم ولا يستمع إليك { ولو كانوا لا يعقلون } يقول فإن كانوا مع ذلك لا يرغبون في الحق ٤٣{ ومنهم من ينظر إليك } يعني بغير رغبة { أفأنت تهدي العمي } يقول أفأنت ترشد من يتعامى { ولو كانوا لا يبصرون } الحق ولا يرغبون فيه قال القتبي هذا من جوامع الكلم حيث بين فضل السمع والبصر حيث جعل مع الصم فقدان العقل ولم يجعل مع العمى إلا فقدان البصر ٤٤ثم قال تعالى { إن اللّه لا يظلم الناس شيئا } يقول لا ينقص من أجور الناس شيئا ولا يحمل عليهم من أوزار غيرهم { ولكن الناس أنفسهم يظلمون } يعني يضرون أنفسهم بتركهم الحق قرأ حمزة والكسائي { ولكن الناس } بكسر النون مع التخفيف وضم السين وقرأ الباقون { ولكن الناس } بالنصب ٤٥قوله تعالى { ويوم يحشرهم } يقول يجمعهم في الآخرة { كأن لم يلبثوا إلا ساعة من النهار } قال الكلبي كأن لم يلبثوا في قبورهم إلا ساعة من النهار وقال الضحاك كأن لم يلبثوا في القبور إلا ما بين العصر إلى غروب الشمس أو ما بين صلاة الغداة إلى طلوع الشمس ويقال يعني بين النفختين لأنه يرفع عنهم العذاب فيما بين ذلك وقال مقاتل كأن لم يلبثوا في الدنيا إلا ساعة من النهار { يتعارفون بينهم } قال الكلبي يعني يتعارفون بينهم حين خرجوا من قبورهم ثم تنقطع عنهم المعرفة فلا يعرف أحد أحدا وقال الضحاك يتعارفون بينهم حين خرجوا وذلك أن أهل الإيمان يبعثون يوم القيامة على ما كانوا عليه في الدنيا من التواصل والتراحم يعرف بعضهم بعضا محسنهم لمسيئهم وأما أهل الشرك فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون قال اللّه تعالى { قد خسر الذين كذبوا بلقاء اللّه } يعني بالبعث بعد الموت { وما كانوا مهتدين } يقول لم يكونوا مؤمنين في الدنيا ٤٦وقال تعالى { وأما نرينك بعض الذي نعدهم } من العذاب { أو نتوفينك } قبل أن نريك { فإلينا مرجعهم } يعني مصيرهم في الآخرة وروي عن عبد اللّه بن عباس وجابر بن عبد اللّه أنهما قالا أخبر اللّه تعالى نبيه صلى اللّه عليه وسلم أن يستخلف أمته من بعده { ثم اللّه شهيد } في الآخرة { على ما يفعلون } في الدنيا من الكفر والتكذيب ٤٧قوله تعالى { ولكل أمة رسول } يعني لأهل كل دين رسول أتاهم { فإذا جاء رسولهم } يعني فأبلغهم فكذبوه { قضي بينهم } وبين رسولهم { بالقسط } يعني بالعدل { وهم لا يظلمون } يعني لا ينقصون من ثواب أعمالهم شيئا وقال مجاهد { فإذا جاء رسولهم } يعني يوم القيامة { قضي بينهم } بالعدل { وهم لا يظلمون } ٤٨قوله تعالى { ويقولون متى هذا الوعد } وهو قوله تعالى { فأما نرينك بعض الذي نعدهم } { إن كنتم صادقين } أن العذاب ينزل بنا { قل } يا محمد { لا أملك لنفسي ضرا ولا نفعا } يعني ليس في يدي دفع مضرة ولا جر منفعة { إلا ما شاء اللّه } أن يقويني عليه قال مقاتل معناه قل لا أملك لنفسي أن أدفع عنها سوءا حين ينزل ولا أن أسوق إليها خيرا إلا ما شاء اللّه فيصيبني فكيف أملك على نزول العذاب بكم وقال القتبي الضر بضم الضاد الشدة والبلاء كقوله { وإن يمسسك اللّه بضر } [ الأنعام : ١٧ ] وكقوله { ثم إذا كشف الضر عنكم } [ النحل : ٥٤ ] والضر بفتح الضاد ضد النفع ومنه ٤٩قوله تعالى { قل لا أملك لنفسي ضر ولا نفعا } [ يونس : ٤٩ ] يعني قل لا أملك جر نفع ولا دفع ضر ثم قال { لكل أمة أجل فإذا جاء أجلهم } يعني وقتنا ويقال { لكل أمة أجل } أي مهلة ويقال أجل الموت بالعذاب { فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون } يعني لا يتأخرون عنه ساعة ولا يتقدمون عنه ساعة فكذلك هذه الأمة إذا نزل بهم العذاب لا يتأخر عنهم ساعة ٥٠قوله تعالى { قل أرأيتم } يا أهل مكة { إن أتاكم عذابه } يعني عذاب اللّه تعالى { بياتا } ليلا كما جاء إلى قوم لوط { أو نهارا } يعني مجاهرة كما جاء إلى قوم شعيب عليه السلام { ماذا يستعجل منه المجرمون } يقول بأي شيء يستعجل منه المجرمون يعني المشركين ويقال ماذا ينفعهم إستعجالهم منه أي من عذاب اللّه ٥١قوله تعالى { أثم إذا ما وقع آمنتم به } يعني إذا وقع العذاب صدقتم به يعني بالعذاب ويقال صدقتم باللّه تعالى { الآن } يعني يقال لهم آمنتم بالعذاب حين لا ينفعكم { وقد كنتم به تستعجلون } وهذا اللفظ لفظ الإستفهام والمراد به التهديد ٥٢قوله تعالى { ثم قيل للذين ظلموا } يعني قالت لهم خزنة جهنم { ذوقوا عذاب الخلد } الذي لا ينقطع { هل تجزون } يقول هل تثابون { إلا بما كنتم تكسبون } من الكفر والتكذيب ٥٣قوله تعالى { ويستنبئونك أحق هو } قال قتادة ومقاتل وذلك أن حيي بن أخطب حين قدم مكة قال للنبي صلى اللّه عليه وسلم أحق هذا العذاب قال اللّه تعالى لنبيه صلى اللّه عليه وسلم { قل أي وربي } يعني أي واللّه إنه لكائن ويقال معناه ويسألونك عن البعث أحق هو ويسألونك عن دينك أحق هو { قل أي وربي } يعني قل يا محمد نعم { إنه لحق } يعني العذاب نازل بكم إن لم تؤمنوا { وما أنتم بمعجزين } بفائتين من العذاب حتى يجزيكم به ٥٤ثم أخبر عن حالهم حين نزل بهم العذاب فقال تعالى { ولو أن لكل نفس ظلمت }يعني كفرت وأشركت باللّه تعالى { ما في الأرض } يعني لو كان لها ما في الأرض { جميعا } يعني النفس { لافتدت به } يعني النفس لافتدت من سوء العذاب أي لا ينفعها لها ولا يقبل منها { وأسروا الندامة } يعني أخفوا الندامة يعني أن القادة أخفوا الندامة من السفلة { لما رأوا العذاب } حين نزل بهم العذاب وعاينوه وشاهدوه { وقضي بينهم بالقسط } بين القادة والسفلة بالعدل ويقال { قضي بينهم } يعني الخلق بالعدل فيعطي ثوابهم على قدر أعمالهم ويقال يقضي بين الكفار بالعدل وبين المؤمنين بالفضل ثم قال { وهم لا يظلمون } يعني لا ينقصون من ثواب أعمالهم شيئا ٥٥ثم بين إستغناءه عن عبادة الخلق وقدرته عليهم فقال { إلا إن للّه ما في السموات والأرض } يعني كلهم عبيده وإماؤه وهو قادر عليهم ويقال كل شيء يدل على توحيده وأن له صانعا { ألا إن وعد اللّه حق } يعني بالبعث بعد الموت هو كائن { ولكن أكثرهم لا يعلمون } يعني لا يصدقون به ٥٦ثم قال تعالى { هو يحيي ويميت وإليه ترجعون } في الآخرة فيجازيكم بأعمالكم ٥٧قوله تعالى { يا أيها الناس } يعني يا أهل مكة ويقال جميع الناس { قد جاءتكم موعظة من ربكم } يعني نهيا من ربكم عن الشرك على لسان نبيكم صلى اللّه عليه وسلم { وشفاء لما في الصدور } يعني القرآن شفاء للقلوب من الشرك ويقال شفاء من العمى لأن فيه بيان الحلال والحرام { وهدى } من الضلالة ويقال صوابا وبيانا { ورحمة للمؤمنين } يعني القرآن نعمة من اللّه تعالى على المؤمنين يمنع العذاب عمن آمن وعمل بما فيه ٥٨قوله تعالى { قل بفضل اللّه } يعني قل يا محمد للمؤمنين بفضل اللّه والإسلام { وبرحمته } القرآن وروي عن ابن عباس أنه { بفضل اللّه } يعني القرآن { وبرحمته } الإسلام يعني بنعمته عليكم إذ أكرمكم بالإسلام والقرآن وهكذا قال أبو سعيد الخدري وقال الضحاك ومجاهد بفضل القرآن وبرحمته الإسلام وقال مقاتل بفضل اللّه الإسلام وبرحمته القرآن وعن الحسن مثله وقال القتبي مثله { فبذلك فليفرحوا } يعني بالقرآن والإيمان { هو خير مما يجمعون } من الأموال قرأ إبن عامر { فبذلك فلتفرحوا هو خير مما تجمعون } بالتاء كلاهما على معنى المخاطبة وقرأ الباقون بالياء على معنى المغايبة ٥٩قوله تعالى { قل أرأيتم ما أنزل اللّه لكم من رزق } في الكتاب ويقال من السماء ويقال ما أعطاكم اللّه من الرزق والحرث والأنعام والبحيرة والسائبة وبين في كتاب اللّه تحليلها { فجعلتم منه حراما وحلالا } يعني حراما على النساء وحلالا على الرجال { قل اللّه أذن لكم } يعني اللّه عز وجل أمركم بتحريمه وبتحليله { أم على اللّه تفترون } يعني تختلقون على اللّه كذبا ما لم يقله ولم يأمر به ويقال { قل آللّه أذن لكم } أي أمركم بتحريمه فقالوا بلى أمرنا بها فقال اللّه تعالى { أم على اللّه تفترون } يعني على اللّه تختلقون ٦٠ثم قال تعالى { وما ظن الذين يفترون على اللّه الكذب } يعني وما ظنهم حين ينزل بهم العذاب { يوم القيامة } وكيف ينجون منه { إن اللّه لذو فضل على الناس } يعني لذو من على الناس بتأخير العذاب عنهم { ولكن أكثرهم لا يشكرون } نعمة اللّه تعالى عليهم بتأخير العذاب عنهم ٦١قوله تعالى { وما تكون في شأن } يقول وما تكون يا محمد في أمر من الأمور { وما تتلوا منه من قرآن } يعني وما تقرأ من اللّه من قرآن يعني مما أوحي إليك فخاطب النبي صلى اللّه عليه وسلم وخاطب أمته أيضا فقال تعالى { ولا تعلمون من عمل إلا كنا عليكم شهودا } يعني عالما بكم وبأعمالكم فلا تنسوه ويقال إلا جعل عليكم شاهدا من الملائكة وهم الحفظة { إذ تفيضون فيه } يعني حين تأخذون في قراءة القرآن ويقال حين تخوضون فيه { وما يعزب عن ربك } قرأ الكسائي { وما يعزب } بكسر الزاي وقرأ الباقون بالضم وهما لغتان وهكذا روي عن الفراء يعني وما يغيب { عن ربك من مثقال ذرة } قال الكلبي الذرة هي النملة الحميراء وقال مقاتل أصغر نملة في الأرض ويقال الذرة ما يرى في شعاع الشمس والمثقال عبارة عن الوزن يعني لا يغيب عنه وزن الذرة { في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك } يعني ولا أخف من وزن الذرة { ولا أكبر } يعني ولا أثقل من وزن الذرة ويقال لا أقل منه ولا أعظم { إلا في كتاب مبين } يعني مكتوبا في اللوح المحفوظ قرأ حمزة { ولا أصغر من ذلك ولا أكبر } بضم الراءين ومعناه ولا يغيب عنه أصغر من ذلك ولا أكبر منه فيصير رفعا لأنه فاعل وقرأ الباقون بالنصب لأن معناه ولا قوله تعالى { يا أيها الناس } يعني يا أهل مكة ويقال جميع الناس { قد جاءتكم موعظة من ربكم } يعني نهيا من ربكم عن الشرك على لسان نبيكم صلى اللّه عليه وسلم { وشفاء لما في الصدور } يعني القرآن شفاء للقلوب من الشرك ويقال شفاء من العمى لأن فيه بيان الحلال والحرام { وهدى } من الضلالة ويقال صوابا وبيانا { ورحمة للمؤمنين } يعني القرآن نعمة من اللّه تعالى على المؤمنين يمنع العذاب عمن آمن وعمل بما فيه قوله تعالى { قل بفضل اللّه } يعني قل يا محمد للمؤمنين بفضل اللّه والإسلام { وبرحمته } القرآن وروي عن ابن عباس أنه { بفضل اللّه } يعني القرآن { وبرحمته } الإسلام يعني بنعمته عليكم إذ أكرمكم بالإسلام والقرآن وهكذا قال أبو سعيد الخدري وقال الضحاك ومجاهد بفضل القرآن وبرحمته الإسلام وقال مقاتل بفضل اللّه الإسلام وبرحمته القرآن وعن الحسن مثله وقال القتبي مثله { فبذلك فليفرحوا } يعني بالقرآن والإيمان { هو خير مما يجمعون } من الأموال قرأ إبن عامر { فبذلك فلتفرحوا هو خير مما تجمعون } بالتاء كلاهما على معنى المخاطبة وقرأ الباقون بالياء على معنى المغايبة قوله تعالى { قل أرأيتم ما أنزل اللّه لكم من رزق } في الكتاب ويقال من السماء ويقال ما أعطاكم اللّه من الرزق والحرث والأنعام والبحيرة والسائبة وبين في كتاب اللّه تحليلها { فجعلتم منه حراما وحلالا } يعني حراما على النساء وحلالا على الرجال { قل اللّه أذن لكم } يعني اللّه عز وجل أمركم بتحريمه وبتحليله { أم على اللّه تفترون } يعني تختلقون على اللّه كذبا ما لم يقله ولم يأمر به ويقال { قل آللّه أذن لكم } أي أمركم بتحريمه فقالوا بلى أمرنا بها فقال اللّه تعالى { أم على اللّه تفترون } يعني على اللّه تختلقون ثم قال تعالى { وما ظن الذين يفترون على اللّه الكذب } يعني وما ظنهم حين ينزل بهم العذاب { يوم القيامة } وكيف ينجون منه { إن اللّه لذو فضل على الناس } يعني لذو من على الناس بتأخير العذاب عنهم { ولكن أكثرهم لا يشكرون } نعمة اللّه تعالى عليهم بتأخير العذاب عنهم قوله تعالى { وما تكون في شأن } يقول وما تكون يا محمد في أمر من الأمور { وما تتلوا منه من قرآن } يعني وما تقرأ من اللّه من قرآن يعني مما أوحي إليك فخاطب النبي صلى اللّه عليه وسلم وخاطب أمته أيضا فقال تعالى { ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا } يعني عالما بكم وبأعمالكم فلا تنسوه ويقال إلا جعل عليكم شاهدا من الملائكة وهم الحفظة { إذ تفيضون فيه } يعني حين تأخذون في قراءة القرآن ويقال حين تخوضون فيه { وما يعزب عن ربك } قرأ الكسائي { وما يعزب } بكسر الزاي وقرأ الباقون بالضم وهما لغتان وهكذا روي عن الفراء يعني وما يغيب { عن ربك من مثقال ذرة } قال الكلبي الذرة هي النملة الحميراء وقال مقاتل أصغر نملة في الأرض ويقال الذرة ما يرى في شعاع الشمس والمثقال عبارة عن الوزن يعني لا يغيب عنه وزن الذرة { في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك } يعني ولا أخف من وزن الذرة { ولا أكبر } يعني ولا أثقل من وزن الذرة ويقال لا أقل منه ولا أعظم { إلا في كتاب مبين } يعني مكتوبا في اللوح المحفوظ قرأ حمزة { ولا أصغر من ذلك ولا أكبر } بضم الراءين ومعناه ولا يغيب عنه أصغر من ذلك ولا أكبر منه فيصير رفعا لأنه فاعل وقرأ الباقون بالنصب لأن معناه ولا يغيب عنه بمثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا بمثقال ذرة أصغر من ذلك فموضعه خفض إلا أنه لا ينصرف فصار نصبا ٦٢قوله تعالى { ألا إن أولياء اللّه } يعني المؤمنين ويقال أحباء اللّه وهم حملة القرآن والعلم ويقال الذين يجتنبون الذنوب في الخلوات ويعلمون أن اللّه تعالى مطلع عليهم وروي عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه سئل عن أولياء اللّه تعالى فقال هم الذين أدامو ذكر اللّه تعالى وقال وهب بن منبه قال الحواريون لعيسى ابن مريم يا روح اللّه من أولياء اللّه قال الذين نظروا إلى باطن الدنيا حين نظر الناس إلى ظاهرها ونظروا إلى أجل الدنيا حين نظر الناس إلى عاجلها فأحبوا ذكر الموت وأماتوا ذكر الحياة ويحبون اللّه تعالى ويحبون ذكره وقال الضحاك { ألا إن أولياء اللّه } يعني المخلصين للّه { لا خوف عليهم } يعني لا يخافون من أهوال يوم القيامة { ولا هم يحزنون } حين زفرت جهنم ٦٣ثم نعتهم فقال تعالى { الذين آمنوا وكانوا يتقون } يعني أقروا وصدقوا بوحدانية اللّه تعالى ويتقون الشرك والفواحش { لهم البشرى في الحياة الدنيا } يعني البشارة وهي الرؤيا الصالحة يراها العبد المسلم لنفسه أو يرى له غيره وروي عن عبد اللّه بن عمر عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال الرؤيا الصالحة جزء من سبعين جزءا من النبوة وفي خبر آخر من أربعين جزءا من النبوة وفي خبر آخر من ستة وأربعين جزءا وروى عطاء بن يسار عن رجل كان يفتي بالبصرة قال سألت أبا الدرداء عن هذه الآية { لهم البشرى في الحياة الدنيا } قال أبو الدرداء ما سألني أحد منذ سألت عنها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال ما سألني عنها أحد قبلك هي الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له ثم قال { وفي الآخرة } الجنة وعن عبادة بن الصامت أنه سأل النبي صلى اللّه عليه وسلم فأجابه بمثل ذلك ويقال { لهم البشرى في الحياة الدنيا } يعني عند الموت تبشرهم الملائكة كما قال في آية أخرى { تنزل عليكم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون } { وفي الآخرة } تبشرهم الملائكة حين يخرجون من قبورهم { لا تبديل لكلمات اللّه } يقول لا تغيير ولا تحويل ٦٤لقول اللّه لأن قوله حق بأن { لهم البشرى في الحياة الدنيا } ويقال { لا تبديل لكلمات اللّه } يعني لا خلف لمواعيده التي وعد في القرآن { ذلك هو الفوز العظيم } يعني الثواب الوافر ويقال النجاة الوافرة ٦٥قوله تعالى { ولا يحزنك قولهم } يقول يا محمد لا يحزنك تكذيبهم { إن العزة للّه جميعا } يعني بأن النعمة والقدرة للّه تعالى وجميع من يتعزز إنما هو بإذن اللّه تعالى { هو السميع العليم } يعني { السميع } لمقالتهم { العليم } بهم وبعقوبتهم على ترك توحيدهم ٦٦ثم قال { ألا إن للّه من في السموات ومن في الأرض } يعني من الخلق كلهم عبيده وإماؤه { وما يتبع الذين يدعون من دون اللّه شركاء } يعني وما يعبد الذين يعبدون من دون اللّه الأوثان والأصنام ولم يأت بجوابه وجوابه مضمر ومعناه وما هم لي شركاء ولا نفع لهم في عبادتهم { إن يتبعون إلا الظن } يقول ما يعبدون الأصنام إلا بالظن { وإن هم إلا يخرصون } يقول وما هم إلا يكذبون يقول ما أمرهم اللّه تعالى بعبادتها ولا تكون لهم شفاعة ٦٧ثم دل بصنعه على وحدانيته فقال تعالى { هو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه } يعني خلق لكم الليل لتقروا فيه من النصب والتعب { والنهار مبصرا } يعني خلق النهار مطلبا للمعيشة { إن في ذلك } يعني في تقلب الليل والنهار { لآيات } يعني لعبرات وعلامات لوحدانية اللّه { لقوم يسمعون } يعني المواعظ ٦٨ثم رجع إلى ذكر كفار مكة فقال تعالى { قالوا إتخذ اللّه ولدا } حين قالوا الملائكة بنات اللّه تعالى { سبحانه } نزه نفسه عن الولد فقال { هو الغني } عن الولد { له ما في السموات وما في الأرض } من الخلق كلهم عبيده وإماؤه { إن عندكم من سلطان بهذا } يعني ما عندكم من حجة بهذا القول { أتقولون على اللّه مالا تعلمون } بغير حجة ٦٩قوله تعالى { قل إن الذين يفترون على اللّه الكذب } بأن له ولدا { لا يفلحون } يعني لا يأمنون من عذابه ولا ينجون منه { متاع } قليل يعني منفعتهم ٧٠{ في الدنيا } قليل { ثم إلينا مرجعهم } يعني مصيرهم في الآخرة { ثم نذيقهم } يعني نصيبهم العذاب الشديد { بما كانوا يكفرون } أي بكفرهم ٧١قوله تعالى { واتل عليهم نبأ نوح } فإن لم تعتبروا بذلك فاتل عليهم يعني إقرأ عليهم خبر نوح في القرآن { إذ قال لقومه يا قوم إن كان كبر عليكم } يعني عظم وثقل عليكم { مقامي } يعني طول مقامي فيكم { وتذكيري بآيات اللّه } يعني وعظي لكم باللّه تعالى وهو ما قال اللّه تعالى في سورة نوح { إستغفروا ربكم إنه كان غفارا } [ نوح : ١٠ ] إلى قوله { الذي خلق سبع سموات طباقا } [ الملك : ٣ ] الآية فلما وعظهم بذلك أرادوا قتله حين قالوا { لئن لم تنته يانوح لتكونن من المرجومين } [ الشعراء : ٢٦ ] يعني من المقتولين بالحجارة فقال لهم نوح { إن كان كبر عليكم مقامي } فيكم وعظتي لكم { فعلى اللّه توكلت } يقول وثقت وفوضت أمري إلى اللّه تعالى { فأجمعوا أمركم } يعني كيدكم ويقال قولكم وعملكم { وشركاءكم } يعني وادعوا شركاءكم { ثم لا يكن أمركم عليكم غمة } يقول أظهروا أمركم فلا تكتموه يعني القتل وقال القتبي الغم والغمة واحد كما يقال كربة وكرب يعني لا يكون أمركم غما عليكم { ثم إقضوا إلي } يعني إمضوا إلي ويقال إعملوا ما تريدون كقوله تعالى { فاقض ما أنت قاض } [ طه : ٧٢ ] { ولا تنظرون } يعني ولا تمهلون يعني إقضوا إلي ما أنتم قاضون واستعينوا بآلهتكم ويقال إعملوا بما في أنفسكم من الشر وروي عن نافع أنه قرأ { فاجمعوا } بالوصل والجزم من جمعت وقرأ الباقون { فاجمعوا } بالقطع من الإجماع وقرأ الحسن البصري ويعقوب الحضرمي { شركاؤكم } بالرفع يعني أين شركاؤكم ليجمعوا أمرهم معكم ويعينوكم ٧٢{ فإن توليتم } يعني أعرضتم وأبيتم عن الإيمان وأبيتم أن تقبلوا ما أتيتكم به ونهيتكم عنه { فما سألتكم من أجر } يعني ما سألتكم بذلك أجرا في الدنيا ومعناه إن أعرضتم عن الإيمان لا يضرني لأني لا أطلب منكم بذلك أجرا في الدنيا { إن أجري إلا على اللّه وأمرت أن أكون من المسلمين } يعني وأمرت أن أستقيم على التوحيد مع المسلمين ٧٣قوله تعالى { فكذبوه } بالعذاب بأنه غير نازل بهم { فنجيناه ومن معه في الفلك } من الغرق { وجعلناهم خلائف } يعني خلفاء من بعد هلاك كفارهم { وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا } يعني أهلكنا الذين كذبوا نوحا بما أتاهم به { فانظر كيف كان عاقبة المنذرين } يعني كيف كان آخر أمر من أنذرهم الرسل فلم يؤمنوا ٧٤قوله تعالى { ثم بعثنا من بعده } أي من بعد هلاك قوم نوح { رسلا إلى قومهم } مثل هود وصالح وإبراهيم وإسماعيل واسحاق ويعقوب عليهم السلام { فجاؤوهم بالبينات } يعني بالأمر والنهي ويقال بالآيات والعلامات { فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل } قال مقاتل يعني ما كان كفار مكة ليصدقوا بالعذاب أنه نازل بهم كما لم يصدق به أوائلهم من قبل كفار مكة وقال الكلبي { فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا به } عند الميثاق حين أخرجهم من صلب آدم وقال { فما كانوا ليؤمنوا } يعني أولئك القوم ما بعد دعاهم الرسل بما كذبوا به من قبل أن يأتيهم الرسل { كذلك نطبع على قلوب المعتدين } يعني نختم على قلوبهم المتجاوزين من الحلال وإلى الحرام ويقال صار تكذيبهم طبعا على قلوبهم فمنعهم عن الإيمان ٧٥قوله تعالى { ثم بعثنا من بعدهم } أي من بعد الرسل { موسى وهارون إلى فرعون وملئه بآياتنا } التسع ثم قال { فاستكبروا } يعني تكبروا عن الإيمان { وكانوا قوما مجرمين } يعني مشركين ٧٦قوله تعالى { فلما جاءهم الحق } يعني ظهر لهم الحق { من عندنا } من عند اللّه تعالى { قالوا إن هذا لسحر مبين } يعني الذي أتيتنا به كذب بين ٧٧{ قال موسى أتقولون للحق لما جاءكم أسحر هذا } وفي الآية مضمر ومعناه أتقولون للحق لما جاءكم إنه سحر ثم قال أسحر هذا يعني أيكون مثل هذا سحرا فليس ذلك بسحر ولكن ذلك علامة النبوة { ولا يفلح الساحرون } في الدنيا والآخرة ويقال لا ظفر لهم ٧٨قوله تعالى { قالوا أجئتنا لتلفتنا } يعني قال فرعون وقومه لموسى { أجئتنا } يعني لتصرفنا وتصدنا { عما وجدنا عليه آباءنا } يقول عما كان يعبد آباؤنا { وتكون لكما الكبرياء } يعني السلطان والشرف والملك { في الأرض } يعني في أرض مصر { وما نحن لكما بمؤمنين } يعني بمصدقين بأنكما رسولا رب العالمين ٧٩ثم قال { وقال فرعون ائتوني بكل ساحر عليم } يعني حاذقا بالسحر قرأ حمزة والكساني { سحار } على معنى المبالغة وقرأ الباقون { بكل ساحر } ٨٠{ فلما جاء السحرة قال لهم موسى ألقوا ما أنتم ملقون } يعني إطرحوا ما في أيديكم من العصي والحبال إلى الأرض { فلما ألقوا } ما معهم من الحبال والعصي إلى الأرض { قال موسى ما جئتم به السحر } يعني العمل الذي عملتم به هو السحر { إن اللّه سيبطله } يعني سيهلكه { إن اللّه لا يصلح عمل المفسدين } يعني لا يرضى عمل المفسدين قرأ أبو عمرو السحر بالمد على وجه الإستفهام ويكون معناه ٨١{ قال موسى ما جئتم به } يعني ما الذي جئتم به وتم الكلام ثم قال { السحر إن اللّه سيبطله إن اللّه لا يصلح عمل المفسدين } يعني عمل السحرة ٨٢قوله تعالى { ويحق اللّه الحق بكلماته } يعني يظهر دينه الإسلام بتحقيقه وبنصرته { ولو كره المجرمون } يعني فرعون وقومه ٨٣قال اللّه تعالى { فما آمن لموسى } يعني ما صدق بموسى { إلا ذرية من قومه } يعني قبيلته من قومه الذين كانت أمهاتهم من بني إسرائيل وآباؤهم من القبط وروى مقاتل عن ابن عباس أنه قال { إلا ذرية من قومه } يعني من قوم موسى وهم بنو إسرائيل وهم ستمائة ألف وكان يعقوب حين ركب إلى مصر من كنعان في إثنين وسبعين إنسانا فتوالدوا بمصر حتى بلغوا ستمائة ألف ويقال { إلا ذرية من قومه } يعني خربيل وهو الذي قال في آية أخرى { وقال رجل مؤمن من ءال فرعون } [ غافر : ٢٨ ] ثم قال تعالى { على خوف من فرعون وملائهم } أي فما أمن لموسى خوفا من فرعون { وملأهم } أي قومهم إشارة إلى فرعون بلفظ الجماعة كقوله { فإلم يستجيبوا لكم } [ هود : ١٤ ] يعني محمدا صلى اللّه عليه وسلم خاصة { أن يفتنهم } يعني يقتلهم { وإن فرعون لعال في الأرض } يعني لعات ويقال لغالب ويقال المخالف والمتكبر في أرض مصر { وإنه لمن المسرفين } يعني لمن المشركين روى موسى بن عبيدة عن محمد بن المنكدر قال عاش فرعون ثلاثمائة سنة منها مائتين وعشرين سنة لم ير مكروها ودعاه موسى عليه السلام ثمانين سنة ٨٤{وقال موسى يا قوم إن كنتم آمنتم باللّه فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين } يعني ثقوا باللّه وذلك حين قالوا له { أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا } [ الأعراف : ١٢٩ ] ٨٥فلما قال لهم هذا موسى عليه السلام { قالوا على اللّه توكلنا } يعني فوضنا أمرنا إليه { ربنا لا تجعلنا فتنة } يقول بلية وعبرة { للقوم الظالمين } يعني لا تنصرهم علينا قال مجاهد يعني لا تعذبنا بأيدي قوم فرعون ولا بعذاب من عندك فيقولوا لو كانوا على الحق ما عذبوا وما سلطنا عليهم فيفتنوا بنا ٨٦{ ونجنا برحمتك } يعني بنعمتك { من القوم الكافرين } يعني فرعون وقومه ٨٧قال اللّه تعالى { وأوحينا إلى موسى وأخيه } هارون وذلك لما منعهم فرعون وقومه الصلاة علانية وخربوا مساجدهم { أن تبوءا لقومكما بيوتا } يعني إتخذوا لقومكما بمصر مساجد في جوف البيوت { واجعلوا بيوتكم قبلة } يعني مساجد فتصلون فيها ويقال { واجعلوا بيوتكم قبلة } أي حولوا بيوتكم نحو القبلة وقال مجاهد كانوا يصلون في البيع فأمرهم أن يصلوا في البيوت وقال إبراهيم النخعي كانوا خائفين فأمرهم بالصلاة في بيوتهم وكان إبراهيم النخعي خائفا من الحجاج وكان يصلي في بيته ثم قال تعالى { وأقيموا الصلاة } يعني أتموها بركوعها وسجودها ولم يأمرهم بالزكاة لأن فرعون قد إستعبدهم وأخذ أموالهم فلم يكن لهم مال يجب عليهم الزكاة فيه ثم قال للنبي صلى اللّه عليه وسلم { وبشر المؤمنين } يعني المصدقين بتوحيد اللّه تعالى بالجنة قرأ عاصم في رواية حفص { أن تبويا } بلا همز لأنه كره همزة بين حرفين فجعلها ياء وقرأ الباقون بغير ياء بالهمزة إلا أنه روي عن حمزة أنه كان يهمز ٨٨قوله تعالى { وقال موسى ربنا إنك آتيت فرعون وملأه } وذلك أن أهل مصر لما عذبوا بالطوفان والجراد والسنين قالوا { لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك } [ الأعراف : ١٣٤ ] ثم نكثوا العهد ولم يؤمنوا فغضب موسى عليهم ودعا اللّه تعالى عليهم وقال { ربنا إنك آتيت فرعون وملأه } يعني أعطيت فرعون وملأه زينة يعني الأشراف من قومه أعطيتهم { زينة وأموالا في الحياة الدنيا ربنا ليضلوا } أي ربنا أعطيتهم ليضلوا { عن سبيلك } يعني عن دينك الإسلام قرأ أهل الكوفة وعاصم وحمزة الكسائي { ليضلوا } بضم الياء يعني ليضلوا الناس ويصرفونهم عن دينك وقرأ الباقون { ليضلوا } بنصب الياء يعني يرجعون عن دينك ويمتنعون عنه { ربنا إطمس على أموالهم } يعني غير دراهمهم ودنانيرهم وذلك حين وعد فرعون لموسى بأن يؤمن ويرسل معه بني إسرائيل ثم نقض العهد فدعا عليهم موسى عليه السلام وروى معمر عن قتادة في قوله تعالى { ربنا إطمس على أموالهم } قال بلغنا أن حروثا لهم صارت حجارة وعن السدي أنه قال صارت دراهمهم ودنانيرهم حجارة وعن أبي العالية أنه قال صارت أموالهم حجارة وقال مجاهد في قوله تعالى { ربنا إطمس على أموالهم } يعني أهلكها وقال القتبي في قوله { ربنا إطمس } يعني أهلكها وهو من قولك طمس الطريق إذا عفى ودرس ثم قال تعالى { واشدد على قلوبهم } أي إقسها ويقال إطبع قلوبهم وأمتهم على الكفر ولا توفقهم للإيمان يعني لكي { لا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم } وهو الغرق فدعا موسى عليه السلام وأمن هارون ٨٩قال اللّه { قد أجيبت دعوتكما } قال ومحمد بن كعب القرظي { قد أجبت دعوتكما } دعا موسى وأمن هارون وعن أبي العالية وعكرمة وأبي صالح مثله وعن أبي هريرة مثله وعن أنس بن مالك أنه قال كنا عند رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال إن اللّه تعالى أعطاني خصالا ثلاثا أعطاني صلاة بالصفوف وأعطاني تحية إنها تحية أهل الجنة وأعطاني التأمين ولم يعط أحدا من النبيين قبلي إلا أن يكون اللّه تعالى أعطاه لهارون يدعو موسى ويؤمن هارون قال مقاتل فمكث موسى بعد هذه الدعوة أربعين سنة وهكذا روى الضحاك إن الإجابة ظهرت بعد أربعين سنة وقال بعضهم بعد أربعين يوما وقال بعضهم كان هذا الدعاء حين خرج موسى ببني إسرائيل وأيس من إيمانهم ثم قال اللّه تعالى { فاستقيما } أي قال لموسى وهارون { إستقيما } على الرسالة والدعوة وإستقيما على ما أمرتكما { ولا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون } يعني طريق فرعون وآله من أهل مصر وروى إبن ذكوان عن إبن عامر أنه قرأ { تتبعان } بجزم التاء ونصب الباء وقرأ الباقون { تتبعان } بنصب التاء والتشديد وكسر الباء ومعناهما واحد وهذه النون أدخلت مؤكدة ٩٠ثم قال تعالى { وجاوزنا ببني إسرائيل البحر } يعني بحر القلزم ويقال هو نهر مصر وهو النيل { فأتبعهم فرعون وجنوده } يعني لحقهم وقال القتبي أتبعت القوم أي لحقتهم وتبعتهم كنت في أثرهم ثم قال { بغيا } يعني تكبرا { وعدوا } يعني ظلما ويقال { بغيا } في المقالة حيث قال { إن هؤلاء لشرذمة قليلون } [ الشعراء : ١٨ ] { وعدوا } يعني أعتدي عليهم وأرادوا قتلهم { حتى إذا أدركه الغرق } يعني كربة الموت ويقال ألجمه الماء ويقال بلغه الموت والأجل وذلك أن بني إسرائيل لما رأوا فرعون ومن معه قالوا هذا فرعون وقد كنا نلقى منه ما نلقى فكيف بنا وأين المخرج في البحر فأوحى اللّه إلى موسى { أن إضرب بعصاك البحر } [ الشعراء : ٦٣ ] فضرب فصار إثني عشر طريقا يابسا فلما إنتهى فرعون إلى البحر فرآها قد يبست فقال لقومه إن البحر قد يبس خوفا مني فصدقوه وهو قوله { وأضل فرعون قومه وما هدى } [ طه : ٧٩ ] ولما جاوز قوم موسى ودخل قوم فرعون فلما هم أولهم أن يخرج من البحر ودخل آخرهم طم عليهم البحر فغرقهم و { قال } فرعون عند ذلك { آمنت } أي صدقت { أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين } على دينهم ويقال أنا ممن المخلصين على التوحيد قرأ حمزة والكسائي { إنه } بالكسر على معنى الإبتداء الباقون بالنصب على معنى البناء أي صدقت بإنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل قال اللّه تعالى { الآن وقد عصيت قبل } يعني أتؤمن في هذا الوقت حين عاينت العذاب وقد عصيت { قبل } يعني قبل نزول العذاب وهذا موافق لقوله تعالى { وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن } [ النساء : ١٨ ] الآية ويقال إن جبريل هو الذي قال له { الآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين } يعني من الكافرين قال الفقيه أبو الليث حدثنا الفقيه أبو جعفر قال حدثنا علي بن أحمد قال حدثنا نصر بن يحيى قال حدثنا أبو مطيع عن الحسن بن دينار عن حميد بن هلال قال كان جبريل عليه السلام يناجي النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال له ذات يوم يا محمد ما غاظني عبد من عباد اللّه تعالى مثل ما غاظني فرعون لما أدركه الغرق قال { آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل } فخشيت أن تدركه الرحمة فضربت بيدي في البحر فأخذت كفا من حمئه وربما قال من طينه فكبسته في فيه فما نبس بكلمة ٩٢قوله تعالى { فاليوم ننجيك ببدنك } يقول نخرجك من البحر بجسدك وقال أبو عبيدة نلقيك على نجوة من الأرض والنجوة من الأرض ما إرتفع منها { ببدنك } أي وحدك { لتكون لمن خلفك آية } يعني عبرة لمن بعدك من الكفار لكيلا يدعوا الربوبية وقال قتادة لما أغرق اللّه فرعون لم تصدق طائفة من الناس بذلك فأخرجه اللّه تعالى من البحر ليكون لهم عظة وآية { وإن كثيرا من الناس عن آياتنا } يعني عن هلاك فرعون { لغافلون } يخالفون ولا يعتبرون ٩٣ثم قال تعالى { ولقد بوأنا بني إسرائيل } يعني أنزلنا بني إسرائيل { مبوأ صدق } يعني منزل صدق وهو أرض مصر وذلك أن اللّه تعالى قد وعد لهم بأن يورثهم أرض مصر فلما غرق فرعون رجع موسى عليه السلام ببني إسرائيل إلى أرض مصر فنزلوا بها وسكنوا الديار ويقال { مبوأ صدق } يعني أرضا كريمة يعني أرض الأردن وفلسطين ويقال منزلا حسنا وقال قتادة أرض الشام ويقال الأرض المقدسة { ورزقناهم من الطيبات } يعني من ميراث أهل مصر وأهل الشام { فما اختلفوا حتى جاءهم العلم } فما اختلفوا في الدين حتى جاءهم الكتاب يعني جاءهم موسى عليه السلام بعلم التوراة فاختلفوا من بعد يوشع بن نون ويقال فما اختلفوا في أمر محمد صلى اللّه عليه وسلم حتى جاءهم العلم يعني خرج النبي صلى اللّه عليه وسلم وجاء بالقرآن إليهم لأنهم لم يزالوا مؤمنين به وذلك أنهم يجدونه مكتوبا عندهم فلما جاءهم محمد صلى اللّه عليه وسلم جحدوا به بعد العلم { إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون } من الذين آمن به بعضهم وكفر به بعضهم ٩٤قوله تعالى { فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك } واللّه أعلم أنه لم يشك ولا يشك ولكن أراد أن يقول ما أشك كما قال لعيسى { أأنت قلت للناس } علم أنه لم يقل ولكن أراد أن يقول ما قلت لهم وذلك أن كفار قريش قالوا إن هذا الوحي يلقيه إليه الشيطان فأنزل اللّه تعالى { فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك } من القرآن { فاسأل الذين يقرأون الكتاب من قبلك } يعني مؤمني أهل الكتاب فسيخبرونك أنه مكتوب عندهم في التوراة فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لا أسأل أحدا ولا أشك فيه بل أشهد أنه الحق وقال القتبي فيه تأويلان أحدهما أن تكون المخاطبة للنبي صلى اللّه عليه وسلم والمراد فيه غيره من الشكاك لأن القرآن نزل عليه بمذاهب العرب وهم يخاطبون الرجل بشيء ويريدون به غيره كما قالوا إياك أعني واسمعي يا جارية وكقوله { يا أيها النبي إتق اللّه ولا تطع الكافرين والمنافقين } [ الأحزاب : ١ ] أراد به الأمة يدلك عليه قوله تعالى في آخره { إن اللّه كان بما تعملون خبيرا } [ النساء : ٩٤ ] وكقوله { وسئل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن إلهة يعبدون } [ الزخرف : ٤٥ ] ووجه آخر أن الناس كانوا على ثلاث مراتب منهم من كان مؤمنا ومنهم من كان كافرا ومنهم من كان شاكا وإنما خاطب بهذا الشاك ثم قال تعالى { لقد جاءك الحق من ربك } يعني القرآن { فلا تكونن من الممترين } يعني من الشاكين { ولا تكونن من الذين كذبوا بآيات اللّه } يعني بالكتاب وبالرسل { فتكون من الخاسرين } يعني من المغبونين قوله تعالى { إن الذين حقت عليهم كلمة ربك } يعني وجبت عليهم كلمة ربك بالسخط وقدر عليهم الكفر { لا يؤمنون } يعني لا يصدقون بالقرآن أنه من اللّه تعالى { ولو جاءتهم كل آية } يعني علامة { حتى يروا العذاب الأليم } يعني الهلاك في الدنيا والعذاب في الآخرة قرأ نافع وإبن عامر { كلمات ربك } وقرأ الباقون { كلمة ربك } ٩٨قوله تعالى { فلولا كانت قرية آمنت } يقول لم يكن أهل قرية كافرة آمنت عند نزول العذاب { فنفعها إيمانها } وقبل منها الإيمان ودفع عنهم العذاب { إلا قوم يونس } عليه السلام قال مقاتل { فلولا } على ثلاثة أوجه الأول { لولا } يعني فلم مثل قوله تعالى { فلولا كانت قرية آمنت } { فلولا كان من القرون } الثاني { فلولا } يعني فهلا كقوله { فلولا إذ جاءهم بأسنا } [ الأنعام : ٤٣ ] { فلولا إن كنتم غير مدينين } [ الواقعة : ٨٦ ] والثالث { فلولا } يعني فلوما كقوله { ولولا فضل اللّه عليكم ورحمته } [ النساء : ٨٣ ] { فلولا أنه كان من المسبحين } [ الصافات : ١٤٣ ] ويقال { فلولا } ها هنا بمعنى فهلا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها ومعناه فهلا آمنت في وقت ينفعها إيمانها فأعلم اللّه تعالى أن الإيمان لا ينفع عند وقوع العذاب ثم قال { إلا قوم يونس } معناه لكن قوم يونس { لما آمنوا كشفنا عنهم } يعني أنهم آمنوا قبل المعاينة فكشفنا عنهم وروى إبن أبي نجيح عن مجاهد قال { فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها } كما نفع يونس وعن قتادة إن قوم يونس عليه السلام خرجوا ونزلوا على تل فدعوا اللّه تعالى أربعين ليلة حتى تاب اللّه عليهم وروي عن بعض الصحابة رضوان اللّه عليهم أن يونس بعثه اللّه تعالى إلى قومه فدعاهم إلى عبادة اللّه تعالى وترك ما هم فيه من الكفر فأبوا فدعا ربه فقال يا رب قد دعوتهم فأبوا فأوحى اللّه تعالى إليه أن إدعهم فإن أجابوك وإلا فأعلمهم أن العذاب يأتيهم إلى ثلاثة أيام فدعاهم فلم يجيبوه فأخبرهم بالعذاب فقالوا ما جربنا عليه كذبة مذ كان معنا فإن لم يلبث معكم وخرج من عندكم فاحتالوا لأنفسكم فلما كان بعض الليل خرج يونس من بينهم فلما كان اليوم الثالث رأوا حمرة وسوادا في السماء كهيئة النار والدخان فظنوا أن العذاب نازل بهم فجعلوا يطلبون يونس فلم يجدوه فلما كان آخر النهار أيسوا من يونس وجعل يهبط السواد والحمرة فقال قائل منهم إن لم تجدوا يونس عليه السلام فإنكم تجدون رب يونس فادعوه وتضرعوا إليه فخرجوا من القرية إلى الصحراء وأخرجوا النساء والصبيان والبهائم وفرقوا بين كل إنسان وولده وبين كل بهيمة وولدها ثم عجوا إلى اللّه تعالى مؤمنين به مصدقين وارتفعت أصوات الرجال والنساء والصبيان وخوار البهائم وأولادها واختلطت الأصوات وقربت منهم الحمرة والدخان حتى غشي السواد سطوحهم وبلغهم حر النار فلما عرف اللّه تعالى منهم صدق التوبة رفع عنهم العذاب بعدما كان غشيهم فذلك قوله تعالى { فلولا كانت قرية آمنت } يعني لم يكن أهل قرية آمنت { فنفعها إيمانها } عند نزول العذاب { إلا قوم يونس لما آمنوا } يعني صدقوا بالألسن والقلوب عرف اللّه تعالى منهم الصدق { كشفنا عنهم } يعني رفعنا وصرفنا عنهم { عذاب الخزي في الحياة الدنيا } يعني عذاب الهون { ومتعناهم إلى حين } يعني إلى منتهى آجالهم وفي هذه الآية تخويف وتهديد لكفار مكة ولجميع الكفار إلى يوم القيامة أنهم إن لم يؤمنوا ينزل بهم العذاب فلا ينفعهم إيمانهم عند نزول العذاب ٩٩قوله تعالى { ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا } يعني وفقهم لذلك وهداهم ويقال في الآية مضمر ومعناه ولو شاء ربك أن يؤمنوا لآمنوا كلهم جميعا { أفأنت تكره الناس } يعني الكفار { حتى يكونوا مؤمنين } ويقال هو عمه أبو طالب ولها وجه آخر { ولو شاء ربك } لأراهم علامة ليضطروا إلى الإيمان كما فعل بقوم يونس ولكن لم يفعل ذلك لأن الدنيا دار إبتلاء ومحنة ١٠٠ثم قال تعالى { وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن اللّه } يعني بإرادة اللّه تعالى وتوفيقه { ويجعل الرجس } يعني الكفر { على الذين لا يعقلون } يعني يترك حلاوة الكفر في قلوب الذين لا يرغبون في الإيمان ويقال { ويجعل الرجس } يعني الإثم ويقال { الرجس } يعني العذاب قرأ عاصم في رواية أبي بكر { ونجعل الرجس } بالنون وقرأ الباقون بالياء ثم أخبر أنه لا عذر لمن تخلف عن الإيمان لأنه قد بين العلامات ١٠١قوله تعالى { قل أنظروا ماذا في السموات والأرض } من الدلائل من الشمس والقمر والنجوم { و } ما في { الأرض } من الجبال والبحار والأشجار والثمار فاعتبروا به ثم قال حين لم يعتبروا به { وما تغني الآيات } يعني ما تنفع العلامات التي في السموات والأرض { والنذر } يعني الرسل { عن قوم لا يؤمنون } يعني لا يرغبون في الإيمان ولا يطلبون الحق وقال أبو العالية لا تنفع الآيات والرسل { عن قوم لا يؤمنون } أي علم اللّه في سابق علمه أنهم لا يؤمنون ويقال { عن } ها هنا صلة ومعناه وما تغني الآيات والنذر قوما لا يؤمنون يعني علم اللّه في الأزل أنهم لا يؤمنون ١٠٢ثم خوفهم فقال تعالى { فهل ينتظرون إلا مثل أيام الذين خلوا من قبلهم } يعني أن يصيبهم العذاب مثل ما أصاب الأمم الخالية { قل فانتظروا } يعني إنتظروا العذاب { إني معكم من المنتظرين } ويقال إنتظروا لهلاكي فإني معكم من المنتظرين لهلاتكم ١٠٣قوله تعالى { ثم ننجي رسلنا } يعني أنجيناهم من العذاب والهلاك { والذين آمنوا } معهم إنصرف هذا إلى قوله { مثل أيام الذين خلوا من قبلهم ثم ننجي رسلنا } يعني أنجيناهم من العذاب { والذين آمنوا } يعني أنجيناهم معهم ومعناه إذا جاءهم العذاب ينجي اللّه تعالى محمدا صلى اللّه عليه وسلم ومن آمن معه كما أنجى سائر الرسل والذين آمنوا معهم { كذلك حقا علينا } يعني هكذا واجب علينا { ننج المؤمنين } من العذاب قرأ الكسائي وعاصم في رواية حفص { ثم ننجي } بجزم النون وتخفيف الجيم وقرأ الباقون { ننجي } بالنصب والتشديد وكذلك في قوله { ننج } المؤمنين ومعناها واحد نجيته وأنجيته ١٠٤ثم قال عز وجل { قل يا أيها الناس } يعني يا أهل مكة وذلك حين دعوه إلى دين آبائهم فقال { إن كنتم في شك من ديني } الإسلام وترجون أن أرجع إلى دينكم وأترك هذا الدين فلا أفعل ذلك وهو قوله { فلا أعبد الذين تعبدون من دون اللّه } من الآلهة ويقال معناه إن كنتم في شك من ديني فأنا مستيقن في دينكم ومعبودكم أنهما باطلان { فلا أعبد الذين تعبدون من دون اللّه } { ولكن أعبد اللّه } يعني أوحده وأطيعه { الذي يتوفاكم } يعني يميتكم عند إنقضاء آجالكم { وأمرت أن أكون من المؤمنين } يعني مع المؤمنين على دينهم ولا أرجع عن ذلك ١٠٥قوله تعالى { وأن أقم وجهك } يعني إن اللّه تعالى قال لي في القرآن أن أخلص عملك ودينك { للدين حنيفا } يعني إستقم على التوحيد مخلصا { ولا تكونن من المشركين } أو يقال وأمرت أن أكون من المسلمين إلى ها هنا أمر النبي صلى اللّه عليه وسلم أن يقول ذلك للكفار وقد تم الكلام إلى هذا الموضع ثم قال اللّه تعالى للنبي صلى اللّه عليه وسلم بهذا أمرتك { وأن أقم وجهك للدين حنيفا } يعني وأمرتك أن تخلص عملك ودينك { للدين حنيفا } يعني إستقم على ذلك مستقيما والحنف في اللغة هو الميل والإقبال على شيء لا يرجع عنه أبدا لهذا سمي الرجل أحنف إذا كان أصابع رجليه مائلا بعضها إلى بعض ١٠٦ثم قال تعالى { ولا تدع من دون اللّه } يعني لا تعبد غير اللّه { ما لا ينفعك ولا يضرك } يعني ما لا ينفعك إن عبدته ولا يضرك إن عصيته وتركت عبادته { فإن فعلت } ذلك يعني فإن عبدت غير اللّه { فإنك إذا من الظالمين } يعني الضارين أنفسهم ١٠٧قوله تعالى { وإن يمسسك اللّه بضر } يعني إن يصيبك اللّه بشدة أو بلاء { فلا كاشف له إلا هو } يعني لا دافع لذلك الضر إلا هو يعني لا تقدر الأصنام على دفع الضر عنك { وإن يردك بخير } يعني إن يصبك بسعة في الرزق وصحة في الجسم { فلا راد لفضله } يعني لا مانع لعطائه { يصيب به } يعني بالفضل { من يشاء من عباده } من كان أهلا لذلك { وهو الغفور } لذنوب المؤمنين { الرحيم } بهم فأعلم اللّه تعالى أنه كاشف الضر ومعطي الفضل في الدنيا وهو الغفور في الآخرة للمؤمنين الرحيم بقبول حسناتهم قال الفقيه رضي اللّه عنه حدثنا محمد بن الفضل قال حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا إبراهيم بن يوسف قال حدثنا شيخ بصري عن الحسن أنه قال قال عامر بن قيس ما أبالي ما أصابني من الدنيا وما فاتني منها بعد ثلاث آيات ذكرهن اللّه تعالى في كتابه قوله { وإن يمسسك اللّه بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يردك فلا راد لفضله } وقوله { ما يفتح اللّه للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده } [ فاطر : ٢ ] وقوله { وما من دابة في الأرض إلا على اللّه رزقها } [ هود : ٦ ] ١٠٨قوله تعالى { قل يا أيها الناس } يعني يا أهل مكة { قد جاءكم الحق من ربكم } يعني محمدا صلى اللّه عليه وسلم والقرآن { فمن إهتدى } يعني من آمن بمحمد صلى اللّه عليه وسلم والقرآن { فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل } يعني ومن كفر ولم يؤمن به { فإنما يضل عليها } يعني جنايته على نفسه وإثم الضلالة على نفسه { وما أنا عليكم بوكيل } يعني لست عليكم بمسلط وهذا قبل الأمر بالقتال ١٠٩ثم قال تعالى { واتبع ما يوحى إليك } يعني إن لم يصدقوك فاعمل بما أنزل إليك من القرآن { واصبر } على تكذيبهم { حتى يحكم اللّه } يعني يقضي اللّه تعالى بعذابهم في الدنيا وفي الآخرة { وهو خير الحاكمين } يعني أعدل العادلين ويقال { واصبر حتى يحكم اللّه } يعني حتى يأمر اللّه تعالى المؤمنين بقتالهم ويقال { فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه } يعني من إجتهد حتى إهتدى فإنما يهتدي لنفسه { ومن ضل فإنما يضل عليها } يعني ومن تغافل عن الحق حتى ضل فعقوبته عليها واللّه أعلى وأعلم وصلى اللّه على سيدنا محمد |
﴿ ٠ ﴾