سورة يوسفمكية وهي مائة وإحدى عشرة آية ١قوله تعالى { الر تلك } وذلك أن اليهود والنصارى قالوا لأصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم سلوا صاحبكم ما كان سبب إنتقال يعقوب وأولاده من كنعان إلى مصر ومبدأ أمرهم فنزل { الر } يقول أنا اللّه أرى وأسمع سؤالهم إياك يا محمد عن هذه القصة ويقال { الر } أنا اللّه أرى صنيع إخوة يوسف ومعاملتهم معه ويقال أنا اللّه أرى ما يرى الخلق وما لا يرى { تلك آيات الكتاب } يعني حججه وبراهينه ويقال هذه الآيات التي وعدتكم في التوراة أن أنزلها على محمد صلى اللّه عليه وسلم وعدهم بأن ينزل عليه كتابا في كثير من أوائل سورة حروف الهجاء { المبين } يعني مبين حلاله وحرامه ويقال بين فيه خبر يوسف وإخوته وروى معمر عن قتادة قال بين اللّه رشده وهداه ٢قوله تعالى { إنا أنزلناه قرآنا عربيا } يقول إنا أنزلنا جبريل ليقرأ على محمد صلى اللّه عليه وسلم القرآن بلسان العرب { لعلكم تعقلون } يعني لعلكم تفهمون ما فيه ٣ثم قال تعالى { نحن نقص عليك أحسن القصص } وذلك أن المسلمين قالوا لسلمان أخبرنا عن التوراة فإن فيها العجائب فأنزل اللّه تعالى { نحن نقص عليك أحسن القصص } في هذا القرآن ويقال لا يصح هذا لأن سلمان أسلم بالمدينة وهذه السورة مكية ولكن أصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم تمنوا نزول سورة عليهم لا يكون فيها أمر ونهي وأحكام وحدود فنزلت هذه السورة ويقال كانت اليهود تفاخروا بأن لهم قصة يوسف مذكورة في التوراة فنزلت هذه السورة أفصح من لغة اليهود فذهب إفتخارهم على المسلمين فقال تعالى { نحن نقص عليك أحسن القصص } سماه اللّه في إبتدائه أحسن القصص وفي آخره عبرة فقال { لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب } [ يوسف : ١١١ ] ويقال ينزل عليك جبريل بأحكم الخبر { بما أوحينا إليك } يقول بالذي أوحينا إليك { هذا القرآن وإن كنت من قبله لمن الغافلين } عن خبر يوسف لم تعلمه ٤قوله تعالى { إذ قال يوسف لأبيه يا أبت } أي نقص عليك { إذ قال يوسف لأبيه } ويقال معناه واذكر { إذ قال يوسف لأبيه } قرأ إبن عامر { يا أبت } بنصب التاء في جميع القرآن لأن أصلها يا أبتاه وقرأ الباقون بالكسر لأجل الإضافة { إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين } يعني رأيت في المنام أحد عشر كوكبا نزلت من السماء والشمس والقمر نزلا من السماء يسجدون لي وروي عن عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال الكواكب إخوته والشمس والقمر أبواه وقال معمر قال بعض أهل العلم أبوه وخالته وفي رواية الكلبي قال رؤياه كانت ليلة القدر في ليلة جمعة ٥قال تعالى { قال يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك } فلما قصها على أبيه إنتهره وزجره وقال ليوسف في السر إذا رأيت رؤيا بعد هذا فلا تقصها على إخوتك فذلك قوله تعالى { فيكيدوا لك كيدا } يعني يعملوا بك عملا ويحتالوا بك حيلة في هلاكك فإن قيل قوله { رأيتهم } هذا اللفظ يستعمل في العقلاء ولا يستعمل في غير العقلاء يقال رأيتها ورأيتهن فكيف قال ها هنا { رأيتهم } قيل له لأنه حكى عنها الفعل الذي يكون من العقلاء وهي السجدة فذكر باللفظ الذي يوصف به العقلاء { إن الشيطان للإنسان عدو مبين } ظاهر العداوة قرأ أبو جعفر القاريء المدني { أحد عشر } بجزم الدال وقراءة العامة { أحد عشر } بالنصب قال أبو عبيدة هكذا تقرؤها لأنها أعرف اللغتين والناس عليها ٦ثم قال { وكذلك يجتبيك ربك } يقول يصطفيك ويختارك بالنبوة ويقال بالحسن والجمال والمحبة في القلوب { ويعلمك من تأويل الأحاديث } يعني من تعبير الرؤيا ويقال هي الكتب المنزلة ويقال عواقب الأمور يعني يفهمك ويعلمك { من تأويل الأحاديث } حتى تكون عالما بعواقبها { ويتم نعمته عليك } يعني يثبتك على الإسلام ويقال بالنبوة والإسلام { وعلى آل يعقوب } يعني إخوة يوسف { كما أتمها على أبويك من قبل إبراهيم وإسحاق } وأكرمهما بالنبوة وثبتهما على الإسلام قال الزجاج وقد فسر له يعقوب الرؤيا فالتأويل أنه لما قال يوسف { إني رأيت أحد عشر كوكبا } تأول لأحد عشر نفسا لهم فضل وأنهم يستضاء بهم لأن الكواكب لا شيء أضوء منها وتأول الشمس والقمر أبويه فالقمر الأب والشمس الأم والكواكب إخوته فتأول ليوسف أنه يكون نبيا وأن إخوته يكونون أنبياء لأنه أعلمه أن اللّه تعالى يتم نعمته عليه وعلى إخوته كما أتمها على أبويه إبراهيم وإسحاق ويقال { كما أتمها على أبويك } حين رأى إبراهيم في المنام أنه يذبح إبنه فأمره اللّه تعالى أن يفديه وروي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه كان يجعل الجد أبا ثم يقرأ هذه الآية { كما أتمها على أبويك } ثم قال { إن ربك عليم حكيم } يعني { عليم } بما صنع به إخوته { حكيم } بما حكم من إتمام النعمة عليه ٧قوله تعالى { لقد كان في يوسف وإخوته آيات للسائلين } قرأ إبن كثير آية بلفظ الوحدان وهكذا قرأ مجاهد يعني فيه علامة لنبوة محمد صلى اللّه عليه وسلم وقرأ الباقون بلفظ الجماعة { آيات } وهذا موافق لمصحف الإمام عثمان حكى أبو عبيدة أنه رأى في مصحف الإمام هكذا ومعنى الآية أن في خبر يوسف وإخوته عبرة وموعظة لمن سأل عن أمرهم قال ابن عباس وذلك أن حبرا من أحبار اليهود دخل على النبي صلى اللّه عليه وسلم ذات يوم وكان قارئا للتوراة فوافق رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقرأ سورة يوسف كما أنزلت في التوراة فقال له الحبر يا محمد من علمكها فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم اللّه علمنيها فرجع الحبر إلى اليهود فقال لهم أتعلمون واللّه إن محمدا يقرأ في القرآن سورة يوسف كما أنزلت في التوراة فانطلق بنفر منهم حتى جاؤوا ودخلوا عليه فجعلوا يستمعون إلى قراءته ويتعجبون فقالوا يا محمد من علمكها قال اللّه علمنيها فنزلت { لقد كان في يوسف وإخوته آيات للسائلين } قال الشيخ وكان بدء أمرهم أن يعقوب عليه السلام كان مع خاله وكان لخاله إبنتان إحداهما يقال لها لايا ويقال لاوى وهي أكبرهما والأخرى راحيل وهي أصغرهما فخطب يعقوب إلى خاله بأن يزوجه إحداهما فقال له هل لك مال قال لا ولكن أعمل لك قال صداقها أن ترعى لي سبع سنين وفي بعض الروايات قال أن تخدمني سبع سنين وقال يعقوب أخدمك سبع سنين على أن تزوجني راحيل وهي شرطي قال ذلك بيني وبينك فرعى له يعقوب سبع سنين فلما قضى الأجل زفت إليه الكبرى وهي لايا فقال له يعقوب إنك خدعتني وإنما أردت راحيل فقال له خاله إنا لا ننكح الصغيرة قبل الكبيرة ولكن هلم فاعمل سبع سنين أخرى فأزوجك أختها وكان الناس في ذلك الزمان يجمعون بين الأختين إلى أن بعث اللّه موسى عليه السلام فرعى له سبع سنين أخرى فزوجه راحيل وكان خاله حين جهزها دفع إلى كل واحدة منهما أمة تخدمها فوهبتا الأمتين ليعقوب فولدت لايا أربعة بنين وولدت له راحيل إبنين وولدت كل واحدة من الأمتين ثلاثة بنين فجملة بنيه إثنا عشر سوى البنات قال الفقيه أبو الليث سمعت أهل التوراة يقولون إن أسماء أولاد يعقوب مثبتة في التوراة روبيل وشمعون ويهوذا ولاوي فهؤلاء من إمرأته لايا ويوسف وبنيامين من إمرأته الأخرى راحيل والستة الباقون من الأمتين يستر وبالعربية يساخر وزوبولون وبالعربية زبالون ودون وبالعربية دان ونفتال وبالعربية يفتاييل وحوذ وبالعربية حاذ وروى بعضهم هاذ بالهاء وأشير وبالعربية أشر فأراد يعقوب أن يخرج إلى بيت المقدس ولم يكن له نفقة وكان ليوسف خال له أصنام من ذهب فقالت لايا ليوسف إذهب واسرق من أصنامه فلعلنا نستنفق به فذهب يوسف وأخذ واحدا وكان يوسف أعطف على أبيه وكان أحب أولاده إليه فحسده إخوته مما رأوا من حب أبيه له ٨ورأى يوسف في المنام أن أحد عشر كوكبا والشمس والقمر ساجدين له فقالوا عند ذلك { ليوسف وأخوه } بنيامين { أحب إلى أبينا منا ونحن عصبة } يعني جماعة عشرة فهو يؤثرهما علينا في المنزلة والحب { إن أبانا لفي ضلال مبين } يقول في خطأ بين في حب يوسف وأخيه حيث قدم الصغيرين في المحبة علينا ونحن جماعة ونفعنا أكثر من نفعهما وقال مقاتل كان فضل حسن يوسف على الناس في زمانه كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب وقال القتبي العصبة ما بين العشرة إلى الأربعين ٩ثم قال بعضهم لبعض { إقتلوا يوسف أو إطرحوه أرضا } بعيدا من أبيكم { يخل لكم وجه أبيكم } يقول يقبل إليكم أبوكم بوجهه ويصف لكم وجهه ويقال يصلح حالكم عند أبيكم { وتكونوا من بعده قوما صالحين } يعني إذا غاب عنكم صلحت أحوالكم عند أبيكم بعد ذهاب يوسف ويقال وتكونوا من بعد هلاكه قوما تائبين إلى اللّه تعالى وقال بعض الحكماء هكذا يكون المؤمن يهيىء أمر التوبة قبل المعصية ١٠قوله تعالى { قال قائل منهم } يعني من إخوة يوسف لا تقتلوه يعني { لا تقتلوا يوسف } فإن قتله عظيم وقال الكلبي كان صاحب هذا القول يهوذا لم يكن أكبرهم في السن ولكن كان أعقلهم وقال قتادة والضحاك صاحب هذا القول روبيل وكان أكبر القوم سنا { وألقوه في غيابة الجب } يعني إطرحوه في أسفل الجب وقال الزجاج الغيابة كل ما غاب عنك أو غيبت شيئا عنك قرأ نافع { غيابات } بلفظ الجماعة وقرأ الباقون { غيابة الجب } لأن المعنى فيها على موضع واحد وروي عن أبي بن كعب أنه كان يقرأ { غيبة الجب } وقال الزجاج الجب البئر التي ليست بمطوية سميت جبا لأنها قطعت قطعا ولم يحدث فيها غير القطع ثم قال { يلتقطه بعض السيارة } يعني يأخذه بعض من يمر عليه من المسافرين { إن كنتم فاعلين } يعني إن كنتم لا بد فاعلين من الشر الذي تريدون وروي عن الحسن ومجاهد أنهما قرأ { تلتقطه } بالتاء ومعناه تلتقطه السيارة وينصرف إلى المعنى فلما قال لهم ذلك يهوذا أو روبيل أطاعوه بذلك وجاؤوا إلى أبيهم و ١١{ قالوا يا أبانا ما لك لا تأمنا على يوسف } بأن ترسله معنا { وإنا له لناصحون } يعني لحافظون ويقال محبون مشفقون قرأ أبو جعفر القارىء المدني { لا تأمنا } بجزم النون وقرأ الباقون { تأمنا } بإشمام النون إلى الرفع لأن أصلها تأمننا فأدغمت إحداهما في الأخرى وأقيم التشديد مقامها وبقي رفعه ١٢ثم قال { أرسله معنا غدا } يعني اخوة يوسف قالوا لأبيهم أرسل يوسف معنا إلى الغنم { يرتع ويلعب } قال مجاهد يحفظ بعضنا بعضا ونتحارس وقال قتادة ننشط ونسعى ونلهو وقال القتبي من قرأ بتسكين العين أي نأكل يقال رتعت الإبل إذا رعت ومن قرأ بكسر العين أراد به نتحارس ويرعى بعضنا بعضا أي يحفظ قرأ إبن كثير { نرتع } بالنون وكسر العين { ونلعب } بالنون وقرأ نافع { يرتع } بالياء وكسر العين وقرأ حمزة والكسائي وعاصم { يرتع ويلعب } بالياء وجزم العين وقرأ أبو عمرو وإبن عامر { نرتع ونلعب } بالنون وجزم العين واتفقوا في جزم الباء قال أبو عبيدة قلت لأبي عمرو كيف يقولون نلعب وهم أنبياء قال لم يكونوا يومئذ أنبياء قال الفقيه أبو الليث لم يريدوا به اللعب الذي هو منهي عنه وإنما أرادوا به المطايبة في خروجهم وفيه دليل أن القوم إذا خرجوا من المصر فلا بأس بالمطايبة والمزاح في غير مأثم ويقال { نرتع ونلعب } يعني نجيء ونذهب حتى نتشجع ونترحل ويقال حتى نجمع النفع والسرور { وإنا له لحافظون } لا يصيبه أذى ولا مكروه وإنا مشفقون عليه { قال } لهم يعقوب { إني ليحزنني أن تذهبوا به } يعني إن ذهابكم به ليحزنني قرأ نافع { ليحزنني } بضم الياء وكسر الزاي وقرأ الباقون بنصب الياء وضم الزاي ومعناهما واحد ١٣ثم قال { وأخاف أن يأكله الذئب } يعني أخاف أن تضيعوه فيأكله الذئب { وأنتم عنه غافلون } يعني مشغولين بأمركم قرأ أبو عمرو والكسائي ونافع في رواية ورش { الذيب } بغير همز وقرأ الباقون بالهمز وهما لغتان وروي عن بعض الصحابة أنه قال لا ينبغي أن يلقن الخصم حجته لأن إخوة يوسف كانوا لا يعلمون أن الذئب يأكل الناس إلى أن قال لهم يعقوب ذلك وإنما قال ذلك يعقوب لأنه رأى في المنام ذئبا كان يعدو على يوسف فأنجاه بنفسه ١٤{قالوا } يعني إخوة يوسف { لئن أكله الذئب ونحن عصبة } يعني جماعة عشرة { إنا إذا لخاسرون } يعني لعاجزين فلما قالوا ذلك رضي بخروجه معهم فبعثه معهم وأوصاهم عند خروجه أن يحسنوا إليه ويتعاهدوا أمره ويردوه إذا طلب الرجوع فقبلوا ذلك منه ويقال إنه أبى أن يرسله معهم حتى أتوا يوسف فقالوا له أطلب من أبيك ليبعثك معنا وطلب يوسف ذلك من أبيه فبعثه معهم ١٥قال { فلما ذهبوا به } يعني فلما برزوا به إلى البرية { وأجمعوا أن يجعلوه في غيابة الجب } يقول واتفقوا أن يلقوه في أسفل الجب ثم أظهروا له العداوة فجعل أحدهم يضربه فيستغيث بالآخر فيضربه الآخر فجعل لا يرى منهم رحيما فضربوه حتى كادوا أن يقتلوه فقال يهوذا أليس قد أعطيتموني موثقا أن لا تقتلوه قوله { فلما ذهبوا به وأجمعوا أن يجعلوه في غيابة الجب } أي فانطلقوا به إلى الجب وهي بئر على رأس فرسخين من كنعان ويقال أربع فراسخ فجعلوا يدلونه في البئر فيتعلق بشفة البئر فربطوا يديه ونزعوا قميصه فقال يا إخوتاه ردوا علي قميصي أتوارى في الجب فقالوا له أدع الأحد عشر كوكبا والشمس والقمر يؤنسوك فدلوه في البئر حتى إذا بلغ نصفها ألقوه وأرادوا أن يموت وكان في البئر ماء فسقط فيه ثم أوى إلى صخرة في البئر وقام عليها وجعل يبكي فجاءه جبريل يؤنسه ويطعمه قال اللّه تعالى { وأوحينا إليه لتنبئنهم بأمرهم هذا } أي لتخبرهم بصنيعهم { وهم لا يشعرون } يعني تخبرهم بأمورهم أو بصنيعهم هذا بمصر { وهم لا يشعرون } يعني لا يعرفونك بمصر ويقال معناه { وأوحينا إليه لتنبئنهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون } أن اللّه تعالى أوحى إليه وهم لا يعرفونه ويقال لما أرادوا أن يلقوه في البئر تعلق بإخوته فقال له جبريل لا تتعلق بهم فإنك تنجو من البئر فألقوه حتى وقع في قعرها فارتفع حجر حتى قام عليه ثم إنهم أخذوا جديا من الغنم فذبحوه ثم لطخوا القميص بدمه ١٦ثم أقبلوا إلى أبيهم كما قال اللّه تعالى { وجاؤوا أباهم عشاء يبكون } يعني بعد العصر فلما سمع يعقوب أصواتهم فزع وقال يا بني ما لكم ١٧{ قالوا يا أبانا إنا ذهبنا نستبق } يعني نتصيد ويقال ننتضل أي يسابق بعضنا البعض في الرمي { وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب } فلما قالوا هذا القول بكى يعقوب وصاح بأعلى صوته ثم قال أين قميصه فأخذ القميص وبكى ثم قال إن هذا الذئب كان بإبني رحيما كيف أكل لحمه ولم يخرق قميصه وروى سماك عن عامر أنه قال في قميص يوسف ثلاث آيات حين قد قميصه من دبر وحين ألقي على وجه أبيه فارتد بصيرا وحين جاؤوا على قميصه بدم كذب علم أن الذئب لو أكله لخرق قميصه فقال لهم كذبتهم فقالوا له { وما أنت بمؤمن لنا } يعني بمصدق لنا في مقالتنا { ولو كنا صادقين } في مقالتنا ١٨{ وجاؤوا على قميصه بدم كذب } يعني بدم السخلة ولم يكن دم يوسف ويقال بدم كذب أي مكذوب به وقرأ بعضهم { بدم كدب } بالدال يعني بدم طري فأروه القميص بالدم ليعرف به وهي قراءة شاذة وقراءة العامة بالذال وقال يعقوب { قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا } يقول زينت واشتهت لكم أنفسكم أمرا فضيعتموا يوسف { فصبر جميل } يعني علي صبر جميل بلا جزع ويقال معناه لا حيلة لي إلا الصبر ويقال معناه فصبري صبر جميل وروي عن بعض الصحابة أنه كان يقرأ { فصبرا جميلا } يعني أصبر صبرا جميلا وروي عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه سئل عن قوله { فصبر جميل } قال صبر لا شكوى فيه ومن بث فلم يصبر ثم قال { واللّه المستعان على ما تصفون } يقول أستعين باللّه وأطلب العون من اللّه وأستعين باللّه على ما تقولون وتكذبون من أمر يوسف ١٩قوله تعالى { وجاءت سيارة } أي قافلة يمرون من قبل مدين إلى مصر فنزلوا بقرب البئر { فأرسلوا واردهم } أي طالب مائهم ويقال أرسل كل قوم ساقيهم يستقي لهم الماء فجاء مالك بن دعر إلى الجب الذي فيه يوسف { فأدلى دلوه } يقول أرخى وأرسل دلوه في البئر فتعلق يوسف بالدلو فنظر مالك بن دعر فإذا هو بغلام أحسن ما يكون من الغلمان { قال يا بشرى هذا غلام } قرأ إبن كثير ونافع وأبو عمرو وإبن عامر { يا بشراي } بالألف والياء ونصب الياء وقرأ عاصم { يا بشرى } بنصب الراء وسكون الياء وقرأ نافع في رواية ورش بالألف والياء مع السكون وكذلك يقرأونه في { مثواي } و { محياي } و { عصاي } بسكون بالياء وقرأ حمزة والكسائي { يا بشري } بغير ألف وسكون الياء وكسر الراء فمن قرأ { يا بشراي } يكون بمعنى الإضافة إلى نفسه ومن قرأ { يا بشرى } يكون على معنى تنبيه المخاطبين كقوله يا عجبا وإنما أراد به اعجبوا ومن قرأ { يا بشرى } كأنه إسم رجل دعاه بإسمه بشرى وقال أبو عبيدة هذه القراءة تقرأ لأنها تجمع المعنيين إن أراد به الإسم أو أراد به البشرى بعينها وقال السدي تعلق يوسف بالحبل فخرج فلما رآه صاحب الدلو نادى رجلا من أصحابه يقال له البشرى وقال يا بشراي هذا غلام وقال قتادة وغيره إنه بشر واردهم حين وجد يوسف ثم قال { وأسروه بضاعة } يعني التجار بعضهم بعضا وقال بعضهم لبعض أكتموه عن أصحابكم لكيلا يسألوكم فيه بشركة فإن قالوا لكم ما هذا الغلام قولوا إستبضعنا بعض أهل الماء لنبيعه لهم بمصر فذلك قوله { وأسروه بضاعة } يعني أسروه وأعلنوه بضاعة فرجع إخوته بعد ثلاثة أيام فرأوا يوسف في أيديهم فقالوا هذا غلام أبق منا منذ ثلاثة أيام فقالوا لهم ما بال هذا الغلام لا يشبه العبيد وإنما هو يشبهكم فقالوا إنما ولد في حجرنا وإنه إبن وليدة منا أمرتنا ببيعه وقالوا ليوسف بلسانهم لئن أنكرت أنك عبد لنا لنأخذنك ونقتلنك أترى أنا نرجع بك إلى يعقوب أبدا وقد أخبرناه أن الذئب قد أكلك فقال يا إخوتاه إرجعوا بي إلى أبي وأنا ضامن لكم رضاه وأنا لا أذكر له هذا أبدا فأبوا عليه فذلك قوله تعالى { واللّه عليم بما يعملون } يعني بما يصنع به إخوته ٢٠قوله تعالى { وشروه بثمن } يعني باعوه { بثمن بخس } يعني ظلما وحراما لم يحل بيعه ويقال { بثمن بخس } أي بدراهم رديئة ويقال البخس الخسيس { دراهم معدودة } أي يسير عددها وقال مجاهد البخس القليل والمعدودة عشرون درهما وقال كان في ذلك الزمان ما كان فوق الأوقية وزنوه وزنا وما كان دون الأوقية عدوه عدا وقال بعضهم باعوه بعشرة دراهم لأن إسم الدرهم يقع على ما بين الثلاثة إلى العشرة فأصاب كل واحد منهم درهما وروي عن الضحاك أنه قال باعوه باثني عشر درهما وقال إبن مسعود بيع بعشرين درهما وقال عكرمة البخس أربعون درهما وقال بعضهم لم يبعه إخوته ولكن الذين وردوا الماء وجدوه في البئر وأخرجوه من البئر فباعوه بثمن بخس { دراهم معدودة } وهو قول المعتزلة لأن مذهبهم أن الأنبياء معصومون عن الكبيرة قبل النبوة لأن الكبيرة عندهم تخرج المؤمن عن الإيمان وعند أهل السنة الكبيرة لا تخرج المؤمن عن الإيمان وجاز جريان المعصية قبل النبوة وقال عامة المفسرين إن إخوته باعوه وروي عن ابن عباس أن إخوته باعوه بعشرين درهما وكتب يهوذا شراءه على رجل منهم ثم قال { وكانوا فيه من الزاهدين } يعني الذين اشتروه لم يعلموا بحاله وقصته ويقال يعني إخوة يوسف في ثمنه لم يكونوا محتاجين إليه ثم إن مالك بن دعر لما أدخله مصر باعه قال مقاتل باعه بعشرين دينارا ونعلين وحلة وقال الكلبي بعشرين درهما ونعلين وحلة وقال بعضهم باعه بوزنه فضة وقال بعضهم باعه بوزنه ذهبا وقال وهب بن منبه باعه مالك بن دعر بعدما عرضه في بيع من يزيد ثلاثة أيام فزاد الناس بعضهم على بعض حتى بلغ ثمنه بحيث لا يقدر أحد عليه فاشتراه عزيز مصر وكان خازن الملك وصاحب جنوده لامرأته زليخا بوزنه مرة مسكا ومرة لؤلؤا ومرة ذهبا ومرة فضة ومرة حللا وسلم كلها ٢١قوله تعالى { وقال الذي اشتراه من مصر لامرأته } قال ابن عباس كان إسمه قوطيفر وهو العزيز قال لامرأته واسمها زليخا { أكرمي مثواه } يعني منزله وولايته { عسى أن ينفعنا } في ضياعنا وغلاتنا على وجه التبرك به { أو نتخذه ولدا } يقول نتبناه فيكون إبنا لنا وروى أبو إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد اللّه بن مسعود قال أفرس الناس ثلاثة العزيز حين قال لامرأته { أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا } وبنت شعيب التي قالت { يا أبت إستأجره إن خير من إستأجرت القوي الأمين } [ القصص : ٢٦ ] وأبو بكر حين تفرس في عمر رضي اللّه عنها وولاه من بعده قال اللّه تعالى { وكذلك مكنا ليوسف في الأرض } يعني في أرض مصر وهي أربعون فرسخا في أربعين فرسخا { ولنعلمه من تأويل الأحاديث } يعني كي يلهمه تعبير الرؤيا وغير ذلك من العلوم { واللّه غالب على أمره } إذا أمر بشيء لا يقدر أحد أن يرد أمر اللّه تعالى إذا أراد بأحد من خلقه ويقال { واللّه غالب على أمره } يعني واللّه متم ليتم أمر يوسف الذي هو كائن { ولكن أكثر الناس لا يعلمون } يعني أهل مصر ويقال يعني أهل مكة لا يعلمون أن اللّه تعالى غالب على أمره ٢٢قوله تعالى { ولما بلغ أشده } يعني يوسف تمت قوة نفسه وعقله ويقال بلغ مبلغ الرجال ويقال الأشد بلوغ ثلاثين سنة وقال الضحاك يعني بلغ ثلاثا ثلاثين سنة ويقال الأشد ما بين ثمانية عشرة سنة إلى ثلاثين سنة ويقال إلى ست وثلاثين سنة ويقال من خمسة عشر إلى ثمان وثلاثين سنة { آتيناه حكما وعلما } يقول أكرمناه بالنبوة والعلم والفهم والفقه فجعلناه حكيما وعليما { وكذلك نجزي المحسنين } يعني هكذا نكافىء من أحسن ويقال هكذا نجزي المخلصين في العمل بالفهم والعلم ٢٣قوله تعالى { وراودته التي هو في بيتها عن نفسه } يعني راودته عما أرادت عليه مما تريد النساء من الرجال فعلم بذلك ذكر الفاحشة الذي راودته عليه ومعناه طلبت إليه أن يمكنها من نفسه يعني إمرأة العزيز وإسمها زليخا { وغلقت الأبواب } عليها وعلى يوسف وجعلت تغمزه وتمازحه ويوسف يعظها باللّه ويزجرها وروي عن ابن عباس أنه قال كان يوسف إذا تبسم رئيت النور في ضواحكه وإذا تكلم رأيت شعاع النور في كلامه يذهب من بين يديه ولا يستطيع آدمي أن ينعت نعته فقالت له يا يوسف ما أحسن عينيك قال هما أول شيء يسيلان إلى الأرض من جسدي ثم قالت يا يوسف ما أحسن ديباج وجهك قال هو للتراب يأكله ثم قالت يا يوسف ما أحسن شعرك قال هو أول ما ينتثر من جسدي { وقالت } يا يوسف { هيت لك } قرأ حمزة والكسائي وعاصم { هيت لك } بنصب الهاء والتاء بمعنى أقبل ويقال هلم إلي والعرب تقول هيت فلان لفلان إذا دعاه وصاح به وهكذا قرأ إبن مسعود وابن عباس والحسن وقرأ إبن عامر في رواية هشام { هئت } بكسر الهاء وبالهمز وضم التاء بمعنى تهيأت لك وقرأ إبن كثير { هيت } لك بنصب الهاء وضم التاء ومعناه أنا لك وأنا فداؤك وقرأ نافع وإبن عامر في إحدى الروايتين { هيت } بكسر الهاء ونصب التاء بغير همز { قال معاذ اللّه } قال يوسف أعوذ باللّه أن أعصيه وأخونه { إنه ربي أحسن مثواي } يعني إنه سيدي الذي إشتراني أحسن إكرامي فلم أكن لأفعل بإمرأته ذلك { إنه لا يفلح الظالمون } يعني لا ينجو الزناة من عذاب اللّه تعالى وفي هذه الآية دليل أن معرفة الإحسان واجب لأن يوسف إمتنع عنها لأجل شيئين لأجل المعصية والظلم ولأجل إحسان الزوج إليه ٢٤قوله تعالى { ولقد همت به وهم بها } روى حماد بن سلمة عن الكلبي أنه قال كان من همها أنها دعته إلى نفسها واضطجعت وهم بها بالموعظة والتخويف من اللّه تعالى وقيل إنه حل سراويله وجلس بين رجليها { لولا أن رأى برهان ربه } يقول مثل له يعقوب في الحائط عاضا على شفتيه فاستحيا فتنحى بنفسه وقال وهب بن منبه لم تزل تخدعه حتى هم بها ودخل معها في فراشها فنودي من السماء مهلا يا يوسف فإنك لو وقعت في خطيئة محي إسمك عن ديوان النبوة وروى إبن أبي مليكة عن ابن عباس أنه سئل عن قوله { لقد همت به وهم بها } ما بلغ من همه قال أطلق هميانه فنودي يا يوسف لا تكن كالطائر له ريش فزنى فسقط ريشه ويقال كان همها هم إرادة وشهوة وهمه هم إضطرار وغلبة وقال بعضهم كان همه حديث النفس والفكر وهما مرفوعان وقال بعضهم { هم بها } يعني يضربها وقال بعضهم يعني هم بالفرار عنها وقال بعضهم { ولقد همت به } تم الكلام ثم قال { وهم بها لولا أن رأى برهان ربه } يعني لما رأى البرهان لم يهم بها فقد قيل هذه الأقاويل واللّه أعلم وقد روي في الخبر أنه ليس من نبي إلا وقد أخطأ أو هم بخطيئة غير يحيى بن زكريا ولكنهم كانوا معصومين من الفواحش وقوله تعالى { لولا أن رأى برهان ربه } روى سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال مثل له يعقوب فضرب بيده على صدره فخرجت شهوته من أنامله وقال محمد بن كعب { لولا أن رأى برهان ربه } قال لولا أن قرأ القرآن من تحريم الزنى وذلك أنه إستقبل بكتاب للّه { ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا } [ الإسراء : ٣٢ ] قال اللّه تعالى { كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء } يقول هكذا صرفت السوء والفحشاء عن يوسف بالبرهان حين إستعاذ إلي بقوله معاذ اللّه ثم قال { إنه من عبادنا المخلصين } بالتوحيد والطاعة قرأ إبن كثير وأبو عمرو وإبن عامر { المخلصين } بكسر اللام ومعناه ما ذكرناه وقرأ الباقون { المخلصين } بالنصب يعني المعصومين من الذنوب والفواحش ويقال أخلصه اللّه بالنبوة والرسالة والإسلام ٢٥قوله تعالى { واستبقا الباب } يعني تبادرا إلى الباب يعني يوسف وزليخا أما يوس فاستبق ليخرج من الباب وأما زليخا فاستبقت لتغلق الباب فأدركته قبل أن يخرج من الباب فتعلقت به قبل أن يخرج من الباب { وقدت قميصه من دبر } يعني مزقت وخرقت قميصه من خلفه { وألفيا سيدها } يعني صادفا ووجدا سيدها { لدى الباب } يعني زوجها عند الباب { قالت ما جزاء من أراد بأهلك سوءا } يعني قالت لزوجها { ما جزاء } يعني ما عقاب { من أراد بأهلك سوءا } يعني قصد بها الزنى { إلا أن يسجن } يعني يحبس في السجن { أو عذاب أليم } يعني يضرب ضربا وجيعا وذلك أن الزوج قال لهما ما شأنكما قالت له زليخا كنت نائمة في الفراش عريانة فجاء هذا الغلام العبراني وكشف عن ثيابي وراودني عن نفسي فدفعته عن نفسي فانشق قميصه ٢٦{ قال } يوسف بل { هي راودتني عن نفسي } يعني دعتني إلى نفسها { وشهد شاهد من أهلها } قال مجاهد قميصه شاهد أنه قد قد من دبر فظهر أن الذنب كان لها بتلك العلامة وروي عن عكرمة عن ابن عباس أنه قال كان صبي في المهد لم يتكلم بعد فتكلم وقال { إن كان قد قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين } الآية وقال قتادة كان رجلا حكيم من أهلها ويقال كان رجل من خواص الملك وروي عن عكرمة أنه قيل له إنه صبي قال لا ولكنه رجل حكيم وقال الحسن ولكن كان رجلا له رأي فقال برأيه وروى أبو صالح عن ابن عباس أنه قال كان زوجها على الباب مع إبن عم لها يقال له تمليخا وكان رجلا حكيما فقال قد سمعنا الإشتداد والجلبة من وراء الباب ولا ندري أيكما قدام صاحبه فقال إبن عمها إن كان قد شق القميص من قدامه فأنت صادقة فيما قلت وإن كان مشقوقا من خلفه فهو صادق فنظروا إلى قميصه فإذا هو مشقوق من خلفه فذلك قوله تعالى { وشهد شاهد من أهلها إن كان قميصه قد من قبل فصدقت } يعني زليخا { وهو } يعني يوسف { من الكاذبين } ٢٧{ وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت } يعني زليخا { وهو } يعني يوسف { من الصادقين } وذلك أن الرجل لا يأتيها إلا مقبلا ٢٨{ فلما رأى قميصه قد من دبر } يعني مقدودا من دبر { قال } إبن عمها { إنه من كيدكن } يعني من صنيعكن ويقال قال الزوج { إن كيدكن عظيم } يعني صنيعكن عظيم يخلص إلى البريء والسقيم والصالح والطالح وفي هذه الآية دليل أن القضاء بشهادة الحال جائز وقال بعض الحكماء سمى اللّه كيد الشيطان ضعيفا وسمى كيد النساء عظيما لأن كيد الشيطان بالوسوسة والخيال وكيد النساء بالمواجهة والعيان ٢٩ثم أقبل على يوسف فقال { يوسف أعرض عن هذا } يعني يا يوسف أعرض عن هذا القول ولا تذكره واكتم هذا الحديث ثم أقبل عليها فقال { واستغفري لذنبك } يعني توبي وارجعي عن ذنبك ويقال إبن عمها هو الذي قال لها واستغفري لذنبك واعتذري إلى زوجك من ذنبك { إنك كنت من الخاطئين } يعني من المذنبين وفشا ذلك الخبر في مصر وتحدثت النساء فيما بينهن ٣٠قوله تعالى { وقال نسوة في المدينة } قال الكلبي هن أربع نسوة إمرأة ساقية يعني ساقي الملك وامرأة الخباز وامرأة صاحب السجن وامرأة صاحب دوابه ويقال هن خمس خامستهن امرأة صاحب الملك ويقال أربعون إمرأة ويقال جماعة كثيرة من النساء إجتمعن في موضع وقلن فيما بينهن { إمرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه } يعني تطلب عبدها وتدعوه إلى نفسها { قد شغفها حبا } قال الحسن يعني قد شق شغاف قلبها حبه وقال عامر الشعبي الشغوف المحب والمشغوف المحبوب وقال القتبي { قد شغفها حبا } أي بلغ الحب شغافها وهو غلاف القلب ومن قرأ { قد شغفها } أي فتنها من قولك فلان شغوف بفلانة ويقال شغف الشيء الشيء إذا علاه { قد شغفها } أي علاها ويقال أهلكها فلا تعقل غيره { إنا لنراها في ضلال مبين } يعني في خطأ بين ويقال في عشق بين فلا تعقل غيره ٣١قوله تعالى { فلما سمعت بمكرهن } يعني سمعت زليخا بمقالتهن وإنما سمي قولهن مكرا واللّه أعلم لأن قولهن لم يكن على وجع النصيحة والنهي عن المنكر ولكن كان على وجه الشماتة والتعيير { أرسلت إليهن } فدعتهن { وأعدت لهن متكأ } يعني إتخذت لهن وسائد يتكئن عليها لجلوسهن وذلك أنها إتخذت ضيافة ودعت النسوة ووضعت الوسائد لجلوسهن وقال الفراء من قرأ { متكأ } غير مهموز فإنه الأترج وكذلك قال ابن عباس روى منصور عن مجاهد أنه قال من قرأ مثقلة قال يعني الطعام ومن قرأ مخففة قال الأترج ويقال الزماورد وهو نوع من التمر وقال عكرمة كل شيء يقطع بالسكين { وآتت كل واحدة منهن سكينا } يعني أعطت زليخا كل واحدة من النسوة سكينا وأمرت يوسف بأن يلبس أحسن ثيابه وزينته أحسن الزينة { وقالت أخرج عليهن } يعني أخرج على النساء فخرج عليهن روى أبو الأحوص عن إبن مسعود قال أوتي يوسف وأمه ثلث حسن الناس في الوجه والبياض وغير ذلك وكانت المرأة إذا رأت يوسف غطى وجهه مخافة أن تفتن به فلما خرج يوسف إلى النسوة غطى وجهه فنظرن إليه { فلما رأينه أكبرنه } يقول أعظمنه أي أعظمن شأنه وتحيرن وبقين مدهوشات طائرة عقولهن { وقطعن أيديهن } يقول حززن وخدشن أيديهن بالسكين ولم يشعرن بذلك { وقلن حاش للّه } يعني معاذ اللّه { ما هذا بشرا } قرأ بعضهم بالرفع { ما هذا بشر } وقرأ بعضهم { ما هذا ببشر } يعني مثل هذا لا يكون بشرا وقراءة العامة { ما هذا بشرا } بنصب الراء والتنوين لأنه خبر ما ولأنه صار نصبا لنزع الخافض ومعناه { ما هذا بشرا } يعني مثل هذا لا يكون آدميا { إن هذا إلا ملك كريم } يعني على ربه فإن قيل إنهن لم يرين الملك فكيف شبهنه بشيء لم يرينه قيل له لأن المعروف عند الناس أنهم إذا وصفوا أحدا بالحسن يقولون هذا يشبه الملك كما أنهم إذا وصفوا أحدا بالقبح يقولون هو كالشيطان وإن لم يروا الشيطان قرأ أبو عمرو { حاشا للّه } بالألف وقرأ الباقون بغير ألف وكذلك الذي بعده ٣٢{ قالت } زليخا للنسوة { فذلكن الذي لمتنني فيه } يقول عذلتني فيه وعبتني فيه فهل عذرتنني فقلن لها أنت معذورة قالت { ولقد راودته عن نفسه } يعني طلبت إليه أن يمكنني من نفسه { فاستعصم } أي فامتنع بنفسه مني { ولئن لم يفعل ما آمره ليسجنن } يعني أحبسه في السجن { وليكونا من الصاغرين } يعني من المهانين بالسجن ويقال من المذلين وقرأ بعضهم { ليكونن } بتشديد النون وهذا خلاف مصحف الإمام وقراءة العامة { وليكونا } لأن النون الخفيفة تبدل منها في الوقف بالألف ٣٣قال يوسف { رب } يقول يا سيدي { السجن أحب إلي مما يدعونني } النسوة { إليه } من العمل القبيح قرأ بعضهم { قال رب السجن } بنصب السين على معنى المصدر يقال سجنته سجنا وهي قراءة شاذة وقراءة العامة الكسر يعني نزول بيت السجن أحب إلي مما يدعونني إليه يعني به إمرأة العزيز خاصة ويقال أراد به النسوة اللاتي حضرن هناك لأنهن قلن له أطع مولاتك ولا تخالفها فإن لها عليك حقا وقد إشترتك بمالها وهي تحسن إليك وتحبك وتطلب هواك فقال { رب السجن أحب إلي } وقال بعض الحكماء لو أنه قال رب العافية أحب إلي لعافاه اللّه تعالى ولكن لما نجا بدينه لم يبال بما أصابه في اللّه ثم قال { وإلا تصرف عني كيدهن } يعني إذا لم تصرف عني عملهن وشرهن { أصب إليهن } أي أمل إليهن { وأكن من الجاهلين } يعني من المذنبين ٣٤قوله تعالى { فاستجاب له ربه } فيما دعاه يوسف { فصرف عنه كيدهن } يعني فعلهن وشرهن { إنه هو السميع العليم } يسمع لمن دعاه ويقال { السميع } للدعاء فيما دعاه يوسف { العليم } به ثم إن المرأة قالت لزوجها إن هذا الغلام العبراني لا يقلع عني وقد فضحني في الناس يعتذر إليهم ويخبرهم ويقول أنني راودته عن نفسه ولست أطيق أن أعتذر بعذري فأما أن تأذن لي فأخرج فأعتذر إلى الناس وأخبرهم بحالي وأما أن تحبسه حتى ينقطع حديثه فذلك ٣٥قوله تعالى { ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات } يعني ثم بدا للزوج من بعد ما رأى شق القميص وقضاء إبن عمها بينهما { ليسجننه حتى حين } قال الكلبي فسجنه خمس سنين ويقال { حتى حين } يعني إلى يوم من الأيام أو إلى وقت من الأوقات ٣٦قوله تعالى { ودخل معه السجن فتيان } يعني حبس معه في السجن الخباز والساقي عبدان لملك غضب عليهما يعني صاحب شرابه وصاحب مطبخه { قال أحدهما } ليوسف { إني أراني } في المنام { أعصر خمرا } يعني عنبا بلغة عمان قال الضحاك إن ناسا من العرب يسمون العنب خمرا ويقال معناه أعصر العنب الذي يكون عصيره خمرا وذلك أنه قال رأيت في المنام كأني دخلت كرما فيه حبلة حسنة فيها ثلاث من القضبان وفي القضبان ثلاثة عناقيد عنب قد أينع وبلغ فأخذته وعصرته في الكأس ثم أتيت به الملك فسقيته { وقال الآخر إني أراني أحمل فوق رأسي خبزا } يقول رأيت في المنام كأني أحمل فوق رأسي ثلاث سلال خبزا { تأكل الطير منه نبئنا بتأويله } يقول أخبرنا بتفسير هذه الرؤيا { إنا نراك من المحسنين } أي من الموحدين وذلك أنه ينصر المظلوم ويعين الضعيف وكان يداوي مرضاهم ويعزي مكروبهم فإذا إحتاج واحد منهم قام وجمع له شيئا ويقال { إنا نراك من المحسنين } يعني من الصادقين في القول ويقال كان متعبدا لربه ويقال كان أهل السجن يجتمعون عنده ويسألونه أشياء فيخبرهم فقالا { إنا نراك من المحسنين } يعني نراك عالما وقد أحسنت العل ٣٧{ قال } لهما يوسف { لا يأتيكما طعام ترزقانه } يعني تطعمانه { إلا نبأتكما بتأويله } يقول أخبرتكما بتفسيره وألوانه { قبل أن يأتيكما } الطعام وإنما أراد بذلك أن يبين لهما علامة نبوته وهذا مثل قول عيسى عليه السلام لقومه { وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم } [ آل عمران : ٤٩ ] فلما أخبر يوسف بذلك قالا وكيف تعلم ولست بساحر ولا عراف ولا كاهن قال يوسف { ذلكما مما علمني ربي } أراد أن يبين لهما علامة نبوته لكي يسلما ثم قال { إني تركت } يعني تبرأت من { ملة قوم } يعني دين قوم { لا يؤمنون باللّه }أي لا يصدقون بوحدانية اللّه { وهم بالآخرة هم كافرون } يعني بالبعث جاحدون ٣٨ثم قال تعالى { واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب } يعني إتبعت دينهم { ما كان لنا } أي ما جاز لنا { أن نشرك باللّه من شيء } من الآلهة { ذلك من فضل اللّه } يعني ويقال ذلك الإرسال الذي أرسل إليه بالنبوة من فضل اللّه { علينا وعلى الناس } يعني المؤمنين { ولكن أكثر الناس } يعني أهل مصر { لا يشكرون } النعمة ٣٩ثم دعاهما إلى الإسلام فقال { يا صاحبي السجن } يعني الخباز والساقي { أأرباب متفرقون } أي الآلهة وعبادتها { خير أم } عبادة { اللّه الواحد القهار } ٤٠ثم قال { ما تعبدون من دونه } أي من الآلهة { إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل اللّه بها من سلطان } يعني لا عذر ولا حجة بعبادتكم إياها { إن الحكم } يعني ما القضاء فيكم { إلا للّه } في الدنيا والآخرة { أمر ألا تعبدوا إلا إياه } يعني أمر في الكتاب أن لا تطيعوا في التوحيد إلا إياه { ذلك الدين القيم } يعني هذا التوحيد هو الدين المستقيم وهو دين الإسلام الذي لا عوج فيه { ولكن أكثر الناس لا يعلمون } أن دين اللّه هو الإسلام ثم أخبرهما بتأويل الرؤيا بعد ما نصحهما ودعاهما إلى الإسلام وأخذ عليهما الحجة ٤١فقال { يا صاحبي السجن أما أحدكما فيسقي ربه خمرا } وهو الساقي قال له يوسف تكون في السجن ثلاثة أيام ثم تخرج فتكون على عملك وتسقي سيدك خمرا وقرأ بعضهم { فيسقي } بضم الياء من أسقيته إذا جعلت له سقيا يعني تتخذ الشراب الذي تسقي للملك قراءة العامة { فيسقي } بنصب الياء يقال سقيته إذا ناولته ثم بين تأويل رؤيا الآخر فقال { وأما الآخر } وهو الخباز { فيصلب } يعني يخرج من السجن بعد ثلاثة أيام ويصلب { فتأكل الطير من رأسه } فلما أخبرهما يوسف بتأويل الرؤيا قالا ما رأينا شيئا فقال لهما يوسف عليه السلام { قضي الأمر الذي كنتم فيه تستفتيان } يعني تسألان رأيتماها أو لم ترياها قلتما لي وقلت لكما فكذلك يكون وروى إبراهيم النخعي عن علقمة عن عبد اللّه بن مسعود أنه قال إنهما كان يتحاكما ليجرباه فلما أول رؤياهما قالا إنما كنا نلعب قال يوسف { قضي الأمر الذي فيه تستفتيان } ٤٢قوله تعالى { وقال للذي ظن أنه ناج منهما } يعني قال يوسف عليه السلام للذي علم أنه ينجو من السجن والقتل وهو الساقي { أذكرني عند ربك } قال يوسف للساقي إذا دعاك الملك وسقيته فاذكرني عنده فإني مظلوم قد عدا علي إخوتي فباعوني { فأنساه الشيطان ذكر ربه } يعني أنسى الشيطان يوسف أن يستغيث باللّه تعالى فاستغاث بالملك وقال الفراء أنسى الشيطان الساقي أن يذكر يوسف عند الملك وروى إبن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى { فأنساه الشيطان } قال هو يوسف أنساه الشيطان ذكر ربه وأمره بذكر الملك وابتغى الفرج من عنده { فلبث في السجن بضع سنين } بقوله { أذكرني عند ربك } وروى معمر عن قتادة أنه قال بلغني أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال لو لم يستعن يوسف على ربه لما لبث في السجن طول ما لبث وروي عن أبي عبيدة أنه قال البضع ما دون نصف العقد يعني من واحد إلى أربعة وقال الأصمعي ما بين الثلاث إلى التسع هكذا قال قطرب والسدي وروى منصور عن مجاهد قال البضع ما بين الثلاث إلى السبع وذكر عبد العزيز بن عمر الكندي أن يوسف رأى جبريل في السجن فقال له يا أخا المنذرين ما لي أراك بين الخاطئين فقال له جبريل يا طاهر الطاهرين رب العزة يقرئك السلام ويقول أما إستحييت مني إذا إستشفعت بالآدميين فبعزتي لألبثنك في السجن بضع سنين قال بعضهم بضع سنين أي سبع سنين سوى الخمس الذي مكث فيه وذلك إثنتا عشرة سنة وقال بعضهم جميع ما أقام فيه سبع سنين وقال بعضهم ثماني عشرة سنة ثم إن الملك رأى في المنام واسم الملك ريان بن الوليد فذلك ٤٣قوله تعالى { وقال الملك إني أرى } يعني رأيت في المنام { سبع بقرات سمان } خرجن من نهر مصر ثم خرج من بعدهن { سبع بقرات عجاف } هزلى فابتلع العجاف السمان فدخلن في بطونهن فلم ير منهن شيء ورأيت { وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات } يعني سنبلات أخر يابسات { يا أيها الملأ } يعني العرافين والسحرة والكهنة { أفتوني في رؤياي } يعني عبروا رؤياي وبينوا تفسيرها { إن كنتم للرؤيا تعبرون } أي تفسرون ٤٤{ قالوا أضغاث أحلام } يعني أباطيل أحلام مختلطة { وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين } يعني ليس للرؤيا المختلطة عندنا تفسير وقال أهل اللغة كل رؤيا لا تأويل لها فهي { أضغاث أحلام } أي أباطيل أحلام مختلطة واحدها ضغث ٤٥قوله تعالى { وقال الذي نجا منهما } وهو الساقي { وادكر بعد أمة } يعني تذكر بعد حين أي بعد سبع سنين وقال الزجاج أصل { إدكر } إدتكر ولكن التاء أبدلت بالدال وأدغم الدال في الدال وقال القتبي الأمة الصنف من الناس والجماعة كقوله تعالى { إلا أمم أمثالكم } [ الأنعام : ٣٨ ] ثم تستعمل الأمة في الأشياء المختلفة يقال للإمام أمة كقوله { إن إبراهيم كان أمة } [ النحل : ١٢٠ ] لأنه سبب للإجتماع ويسمى الدين أمة كقوله { إنا وجدنا آباءنا على أمة } [ الزخرف : ٢٢ ] أي على دين لأن القوم يجتمعون على دين واحد فيقام ذلك اللفظ مقامه ويسمى الحين أمة كقوله { وادكر بعد أمة } وكقوله { إلى أمة معدودة } [ هود : ٨ ] وإنما سمي الحين أيضا أمة لأن الأمة من الناس ينقرضون في حين فيقام الأمة مقام الحين وقرأ بعضهم { وادكر بعد أمة } يعني بعد نسيان يقال أمهت أي نسيت وقال الفراء يقال رجل مأموه كأنه ليس معه عقل فلما تذكر الساقي حال يوسف جاء وجثا بين يدي الملك وقال { أنا أنبئكم بتأويله } يعني بتأويل ما رأيت من الرؤيا وروي عن الحسن أنه كان يقرأ { أنا آتيكم بتأويله } وقراءة العامة { أنبئكم بتأويله } فقال وما يدريك يا غلام ولست بمعبر ولا كاهن فقص عليه أمره الذي كان وقت كونه في السجن برؤيته الرؤيا وتعبير يوسف لها وصدق تعبيره على نحو ما وصفه له وأخبره بحال يوسف وحكمته وعلمه وفهمه قال { فأرسلون } يعني أرسلني أيها الملك إلى { يوسف } خاطبه بلفظ الجماعة كما يخاطب الملوك فأرسله الملك فلما جاء إلى يوسف في السجن فدخل عليه واعتذر إليه بما أنساه الشيطان ذكر ربه ٤٦وقال { يوسف أيها الصديق } يعني يا يوسف أيها الصديق و { الصديق }الكثير الصدق يعني أيها الصادق فيما عبرت لنا { أفتنا في سبع بقرات سمان يأكلهن } أي يبتلعهن { سبع عجاف } هزلى { وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات لعلي أرجع إلى الناس } يعني إلى أهل مصر { لعلهم يعلمون } قدرك ومنزلتك ويقال أرجع إلى الناس يعني إلى الملك لكي يعلم مكانك فيكون ذلك سببا لخلاصك إذا علم تعبير رؤياه فعبر يوسف رؤياه وهو في الحبس فقال أما السبع البقرات السمان فهي سبع سنين خصب أما السبع العجاف فهي سبع سنين شدة وقحط ولا يكون في أرض مصر البر وأما السبع السنبلات الخضر فهي الخصب واليابسات هي القحط ٤٧{قال تزرعون سبع سنين دأبا } يعني إزرعوا سبع سنين { دأبا } يعني دائما { فما حصدتم } من الزرع { فذروه في سنبله } يعني في كعبرته فهو أبقى لكم لكي لا يأكله السوس إذا كانت في الكعبرة { إلا قليلا مما تأكلون } يعني تدرسون بقدر ما تحتاجون إليه فتأكلون ٤٨{ثم يأتي من بعد ذلك } الخصب { سبع شداد } يعني القحط سنين مجدبات { يأكلن ما قدمتم لهن } يعني ما وراء السبع السنين ويقال { ما قدمتم } يعني ما جمعتم لهن { إلا قليلا مما تحصنون } يعني تدخرون وتخزنون ٤٩{ ثم يأتي من بعد ذلك } القحط { عام فيه يغاث الناس } يعني يمطر الناس والغيث المطر ويقال هو من الإغاثة يعني يغاثون بسعة الرزق { وفيه يعصرون } يعني ينجون من الشدة ويقال يعصرون العنب والزيتون قرأ حمزة والكسائي { تعصرون } بالتاء على معنى المخاطبة وقرأ الباقون بالياء على معنى المغايبة يعني الناس وقرأ بعضهم { يعصرون } بضم الياء ونصب الصاد يعني يمطرون من قوله تعالى { وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجا } [ النبأ : ١٤ ] فرجع الساقي إلى الملك وأخبره بذلك ٥٠قال تعالى { وقال الملك ائتوني به } قال بعضهم كان الملك رأى الرؤيا ونسيها فأتاه يوسف فأخبره بما رأى وأخبره بتفسيره ولكن في ظاهر الآية دليل أن الملك كان ذاكرا لرؤياه وأن يوسف عبر رؤياه وهو في السجن قبل أن ينتهي إلى الملك { وقال الملك إئتوني به } يعني بيوسف { فلما جاءه الرسول } برسالة الملك أن الملك يدعوك { قال } يوسف للرسول { إرجع إلى ربك } يعني إلى سيدك وهو الملك { فاسأله ما بال النسوة التي قطعن أيديهن } يعن سله حتى يتبين له أني مظلوم في حبسي أو ظالم { إن ربي بكيدهن عليم } يعني إن سيدي وخالقي عالم بما كان منهن قال حدثنا الخليل بن أحمد قال حدثنا إبراهيم الدبيلي قال حدثنا أبو عبيد اللّه عن سفيان عن عمرو بن دينار عن عكرمة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لولا الكلمة التي قال يوسف { للذي ظن أنه ناج منهما أذكرني عند ربك } ما لبث في السجن طول ما لبث ولقد عجبت من يوسف وكرمه وصبره واللّه لو كنت أنا الذي دعيت إلى الخروج لبادرتهم إلى الباب ولكن أحب أن يكون له العذر بقوله { فلما جاءه الرسول قال إرجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة التي قطعن أيديهن } قال ابن عباس لو خرج يوسف حين دعي لم يزل في قلب الملك منه شيء فلذلك { قال إرجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة } ٥١قوله تعالى { قال ما خطبكن } وذلك أن الملك أرسل إلى النسوة وجمعهن ثم سألهن فقال { ما خطبكن } يعني ما حالكن وشأنكن في أمركن { إذ راودتن يوسف عن نفسه } يعني طلبت إمرأة العزيز إلى يوسف المراودة عن نفسه هل ليوسف في ذلك ذنب فأخبرن الملك ببراءة يوسف فقال { قلن حاش للّه } يعني معاذ اللّه { ما علمنا عليه من سوء } يعني ما رأينا منه شيئا من الفاحشة ولم يكن له ذنب فلما رأت إمرأة العزيز أن النسوة شهدن عليها إعترفت على نفسها وأقرت بذلك فذلك قوله تعالى { قالت إمرأة العزيز الآن حصحص الحق } يعني ظهر الحق ووضح ويقال إستبان قال الزجاج إشتقاقه في اللغة من الحصة أي بانت حصة الحق وجهته من حصة الباطل ومن جهته { أنا راودته عن نفسه } يعني طلبت إليه أن يمكنني من نفسه { وإنه لمن الصادقين } إنه لم يراودني وهو صادق فيما قال ذلك اليوم حيث قال هي راودتني عن نفسي قال يوسف عند ذلك إنما فعلت { ذلك ليعلم } العزيز { أني لم أخنه بالغيب } يعني لم أخنه في إمرأته إذا غاب عني فذلك ٥٢قوله { ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب وأن اللّه لا يهدي كيد الخائنين } يعني لا يرضى عمل الزانين وروى إسماعيل بن سالم عن أبي صالح قال { ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب } قال هو يوسف لم يخن العزيز في إمرأته وروى عكرمة عن ابن عباس رضي اللّه عنه أنه لما قال يوسف { ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب } قال له جبريل عند ذلك ولا يوم هممت بما هممت به قال يوسف عليه السلام ٥٣{ وما أبرىء نفسي } يعني من الهم الذي هممت به { إن النفس لأمارة بالسوء } يعني بالمعصية ويقال القلب آمر للجسد بالسوء والإثم يقال في اللغة إذا أمرت النفس بشيء فهي آمرة وإذا أكثرت الأمر يقال هي أمارة فقال { إن النفس لأمارة بالسوء } يعني مائلة إلى الشهوات { إلا من رحم ربي } أي إلا من عصمه اللّه تعالى من المعصية { إن ربي غفور } للّهم الذي هممت به { رحيم } حين تاب وعصمني وغفر لي ٥٤قوله تعالى { وقال الملك ائتوني به أستخلصه لنفسي } يعني أجعله في خاصه نفسي فلما خرج يوسف من السجن ودع أهل السجن ودعا لهم وقال اللّهم اعطف قلوب الصالحين عليهم ولا تستر الأخبار عليهم فمن ثم تقع الأخبار عند أهل السجن قبل أن تقع عند عامة الناس ولما دخل يوسف على الملك وكان الملك يتكلم بسبعين لسانا فأجابه يوسف بذلك كله ثم تكلم يوسف بالعبرانية فلم يحسنها الملك فقال ما هذا اللسان يا يوسف قال هذا لسان آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب عليهم السلام ثم كلمه بالعربية فلم يحسنها الملك فقال ما هذا اللسان فقال لسان عمي إسماعيل { فلما كلمه قال إنك اليوم لدينا مكين أمين } في المنزلة { أمين } على ما وكلتك ٥٥قال له يوسف عليه السلام { إجعلني على خزائن الأرض } يعني على خراج مصر { إني حفيظ } للتدبير ويقال { حفيظ } بما وكلت به { عليم } بجميع الألسن ويقال { عليم } بأخذها ووضعها مواضعها وإنما سأل ذلك صلاحا للخلق لأنه علم أنه ليس أحد يقوم بإصلاح ذلك الأمر مثله ويقال { حفيظ عليم } يعني عليما بساعة الجوع وكان الملك يأكل في كل يوم نصف النهار فلما كانت الليلة التي قضى اللّه بالقحط فيها أمر يوسف بأن يتخذ طعام الملك بالليل فلما أصبح الملك قال الجوع الجوع فأتي بطعام مهيء قال وما يدريكم بذلك قالوا أمرنا بذلك يوسف ففوض الملك أموره كلها إلى يوسف وهو ٥٦قوله تعالى { وكذلك مكنا ليوسف } يعني صنعنا ليوسف { في الأرض } يعني أرض مصر { يتبوأ منها } يعني ينزل منها { حيث يشاء } قرأ إبن كثير { حيث نشاء } بالنون يعني حيث يشاء اللّه وقرأ الباقون بالياء { حيث يشاء } يوسف { نصيب برحمتنا من نشاء } نختص بنعمتنا النبوة والإسلام والنجاة من نشاء { ولا نضيع أجر المحسنين } يعني لا نبطل ثواب الموحدين حتى نوفيه جزاءه في الدنيا ومع ذلك له ثواب في الآخرة فذلك ٥٧قوله تعالى { ولأجر الآخرة خير }يعني ثواب الآخرة أفضل مما أعطي في الدنيا { للذين آمنوا } أي صدقوا بوحدانية اللّه تعالى { وكانوا يتقون } الشرك وروي في الخبر أن زوج زليخا مات وبقيت إمرأته زليخا فجلست يوما على الطريق فمر عليها يوسف في حشمه فقالت زليخا الحمد للّه الذي جعل العبد ملكا بطاعته وجعل الملك مملوكا بمعصيته وتزوجها يوسف فوجدها عذراء وأخبرت أن زوجها كان عنينا لم يصل إليها ثم وقع القحط بالناس حتى أكلوا جميع ما في أيديهم واحتاجوا إلى ما عند يوسف وكان يوسف قد جمع في وقت الخصب مقدار ما يكفي السنين المجدبة للأكل والبيع فجعل الناس يعطونه أموالهم العروض والرقيق والعقار وغير ذلك ويأخذون منه الطعام ووقع القحط بأرض كنعان حتى أصاب آل يعقوب الحاجة إلى الطعام فقال يعقوب لبنيه إنهم يزعمون أن بمصر ملكا يبيع الطعام فخرج بنو يعقوب وهم عشرة نحو مصر حتى أتوا يوسف فدخلوا عليه وعليه زي الملوك فلم يعرفوه فعرفهم يوسف وكلموه بالعبرانية فأرسل يوسف إلى الترجمان وهو يعلم لسانهم ولكنه أراد أن يشتبه عليهم فذلك ٥٨قوله تعالى { وجاء إخوة يوسف فدخلوا عليه فعرفهم } يعني عرف يوسف أنهم إخوته { وهم له منكرون } يعني لم يعرفوا أنه يوسف لأنهم كانوا فارقوه في حال الصغر وكان يوسف عليه زي الملوك بخلاف ما كانوا كانوا رأوه في حال الصغر روى أسباط عن السدي وغيره قال إستعمله الملك على مصر وكان صاحب أمره الذي يلي البيع والتجارة فبعث يعقوب بنيه إلى مصر فلما دخلوا على يوسف عرفهم فلما نظر إليهم قال أخبروني ما أمركم فإني أنكر شأنكم قالوا نحن قوم من أرض الشام قال فما جاء بكم قالوا جئنا نمتار طعاما قال كأنكم عيون كم أنتم قالوا عشرة قال أنتم عشرة آلاف كل رجل منكم أمير ألف رجل فأخبروني خبركم قالوا إنا إخوة بنو رجل صديق وإنا كنا إثني عشر فكان أبونا يحب أخا لنا وهو هلك في الغنم ووجدنا قميصه ملطخا بالدم فأتينا به أبانا فكان أحبنا إلى أبينا منا قال فإلى من سكن منكم أبوكم بعده قالوا إلى أخ له أصغر منه قال فكيف تخبروني أنه صديق وهو يختار الصغير منكم دون الكبير وكيف تخبروني أنه هلك وبقي قميصه فلو كان اللصوص قتلوه لأخذوا قميصه ولو كان الذئب أكله لمزق قميصه فإذا كلامكم متناقض إحبسوهم ثم قال إن كنتم صادقين في مقالتكم فخلفوا عندي بعضكم وأتوني بأخيكم هذا حتى أنظر إليه { فإن لم تأتوني به فلا كيل لكم عندي ولا تقربون } قالوا إختر أينا شئت فارتهن شمعون ثم أمر يوسف بوفاء كيلهم فذلك ٥٩قوله تعالى { ولما جهزهم بجهازهم } يعني كال لهم كيلهم وأعطى كل واحد منهم حمل بعير ثم { قال ائتوني بأخ لكم من أبيكم ألا ترون أني أوف الكيل وأنا خير المنزلين } يعني أفضل من يضيف ٦٠ويكرم الذي نزل به { فإن لم تأتوني به } يعني بأخيكم { فلا كيل لكم عندي } فيما تستقبلون { ولا تقربون } يعني ولا تستقبلوا إلي مرة أخرى فإني لا أعطي لكم الطعام قال الزجاج القراءة بالكسر يعني بكسر النون وهو الوجه ويجوز { ولا تقربون } بفتح النون لأنها نون الجماعة كما قال { فبم تبشرون } [ الحجر : ٥٤ ] بفتح النون قال ويكون { ولا تقربون } لفظه لفظ الخبر ومعناه معنى النهي ٦١قوله تعالى { قالوا سنراود عنه أباه } يعني سنطلب من أبيه أن يبعثه معنا { وإنا لفاعلون } يعني لصانعون ذلك فنطلبه من أبيه ليبعثه ويقال وإنا لضامنون ذلك ٦٢{ وقال لفتيانه } قرأ حمزة والكسائي وعاصم في رواية حفص { لفتيانه } بالألف والنون وقرأ الباقون { لفتيته } فقال أهل اللغة الفتيان والفتية بمعنى واحد وهم الغلمان والخدم يعني قال يوسف لغلمانه وقومه الذين يكيلون يعني الطعام { واجعلوا بضاعتهم في رحالهم } يعني دسوا دراهمهم في رحالهم يعني في جواليقهم { لعلهم يعرفونها } يعني يعرفون كرامتي عليهم { إذا انقلبوا } يعني إذا رجعوا { إلى أهلهم لعلهم يرجعون } الثانية قال الفراء فيها قولان أحدهما أن يوسف خاف ألا يكون عند أبيهم دراهم فجعل البضاعة في رحالهم لعلهم يرجعون ولا يتأخرون عن الرجوع بسبب الدراهم والآخر أنهم إذا عرفوا بضاعتهم وقد إكتالوا الطعام ردوها عليه ولا يستحلون إمساكها لأنهم أنبياء اللّه تعالى لا يستحلون إمساك مال الغير ٦٣{ فلما رجعوا إلى أبيهم قالوا يا أبانا منع منا الكيل } فيما نستقبل يعني الحنطة وأخبروه بالقصة قالوا { فأرسل معنا أخانا } بنيامين { نكتل } يعني يشتري هو ويكيلون لنا { وإنا له لحافظون } من الضيعة حتى نرده إليك قرأ حمزة والكسائي { يكتل } بالياء وقرأ الباقون بالنون فمن قرأ بالياء يعني هو يكتال لنفسه لأنهم كانوا لا يبيعون من كل رجل إلا وقرأ واحد ومن قرأ بالنون فمعناه أن الملك قد أخبر أنه لا كيل لنا في المستقبل فلو أرسلته معنا فإنا نكتال منه فلما أخبروه بذلك ٦٤{ قال } يعقوب عليه السلام { هل آمنكم عليه } يعني هل أئتمنكم عليه { إلا كما أمنتكم على أخيه } يوسف { من قبل } ومعناه هكذا قلتم لي في أمر يوسف ولا أقدر أن آخذ عليكم من العهد أكثر ما أخذت عليكم في يوسف من قبل قرأ إبن مسعود هل تحفظونه إلا كما حفظتم من قبل أخاه يوسف { فاللّه خير حافظا } منكم إن أرسلته معكم { وهو أرحم الراحمين } حين خلصه من الجوع ولا بد من أن أرسله قرأ حمزة والكسائي وعاصم في رواية حفص { حافظا } بالألف وقرأ الباقون { حفظا } بغير ألف والحافظ الإسم والحفظ المصدر ٦٥قوله تعالى { ولما فتحوا متاعهم } يعني أوعيتهم وجواليقهم { وجدوا بضاعتهم } يعني دراهمهم { ردت إليهم قالوا } لأبيهم { يا أبانا ما نبغي } يعني ما نكذب إنه ألطف علينا وأكرمنا { هذه بضاعتنا } أي دراهمنا { ردت إلينا ونمير أهلنا } يعني نمتار لأهلنا يعني مار أهله وأمار لأهله إذا حمل إليهم قوتهم من غير بلده يعني أبعثه معنا لكي نحمل الطعام لأهلنا { ونحفظ أخانا } من الضيعة { ونزداد كيل بعير } أي حمل بعير من أجله روى الأعمش عن إبراهيم عن علقمة أنه كان يقرأ { ردت إلينا } بكسر الراء لأن أصله رددت فأدغمت إحدى الدالين في الأخرى ونقل الكسر إلى الراء وهي قراءة شاذة ثم قال { ذلك كيل يسير } يعني سريع لا حبس فيه إن أرسلته معنا ويقال ذلك أمر هين الذي نسأل منك ٦٦وقال لهم يعقوب { لن أرسله معكم حتى تؤتون موثقا من اللّه } يعني تعطوني عهدا وثيقا من اللّه { لتأتنني به إلا أن يحاط بكم } قال الكلبي إلا أن ينزل بكم أمر من السماء أو من الأرض وروى معمر عن قتادة أنه قال إلا أن تغلبوا حتى لا تطيقوا ذلك وقال مجاهد { إلا أن يحاط بكم } يعني تهلكوا جميعا وقال الفراء إلا أن يأتيكم من أمر اللّه تعالى ما يعذركم { فلما آتوه موثقهم } يعني أعطوه عهودهم { قال } يعقوب { اللّه على ما نقول وكيل } يعني كفيلا ويقال شهيدا ٦٧ثم قال تعالى { قال يا بني لا تدخلوا من باب واحد } يعني قال يعقوب لبنيه حين أرادوا الخروج يا بني لا تدخلوا من باب واحد يعني إذا دخلتم مصر فلا تدخلوا من سكة واحدة ومن طريق واحد ويقال من درب واحد { وادخلوا من أبواب متفرقة } يعني من سكك متفرقة ومن طرق شتى لكي لا يظن بكم أحد أنكم جواسيس ويقال خاف يعقوب عليهم العين لجمالهم وقوتهم وهم كلهم بنو رجل واحد فإن قيل أليس هذا بمنزلة الطيرة وقد نهي عن الطيرة قيل له لا ولكن أمر العين حق وروي عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه كان يرقي من العين ويتعوذ منها للحسن والحسين ثم قال { وما أغني عنكم من اللّه } يعني من قضاء اللّه { من شيء إن الحكم } يعني ما القضاء { إلا للّه } إن شاء أصابكم العين وإن شاء لم يصبكم { عليه توكلت } يعني فوضت أمري وأمركم إليه { وعليه فليتوكل المتوكلون } يعني فليثق الواثقون ٦٨قوله تعالى { ولما دخلوا من حيث أمرهم أبوهم } من السكك المتفرقة { ما كان يغني عنهم من اللّه من شيء } يعني حذرهم لا يغني من قضاء اللّه من شيء يعني إن العين لو قدرت أن تصيبهم لأصابتهم وهم متفرقون كما تصيبهم وهم مجتمعون ثم قال { إلا حاجة في نفس يعقوب } يعني حزازة في قلبه وهي الحزن { قضاها } يعني أبداها وتكلم بها ويقال معناه لكن لحاجة في نفس يعقوب قضاها { وإنه لذو علم لما علمناه } يعني علم يعقوب أنه لا يصيبهم إلا ما أراد اللّه تعالى وقدر عليهم وعلم أن دخولهم في سكك متفرقة لا ينفعهم من قضاء اللّه تعالى من شيء ويقال معناه أنه عالم بما علمناه ويقال { لذو علم لما علمناه } أي لتعليمنا إياه ويقال لذو حظ لما علمناه ثم قال { ولكن أكثر الناس لا يعلمون } أنه لا يصيبهم إلا ما قدر اللّه تعالى عليهم ٦٩قوله تعالى { ولما دخلوا على يوسف } يعني إخوته { آوى إليه أخاه } يعني ضم إليه أخاه بنيامين { قال إني أنا أخوك } قال بعضهم أخبره في السر أنه أخوه وقال بعضهم لم يخبره ولكن معناها إني لك كأخيك الهالك فأنزلهم يوسف منزلا وأجرى عليهم الطعام والشراب فلما كان الليل أتاهم بالفرش وقال لينام كل أخوين منكم على فراش واحد ففعلوا وبقي الغلام وحده فقال يوسف هذا ينام معي على فراشي فبات معه يوسف يشم ريحه ويقال لما كان عند الطعام أمر كل إثنين أن يأكلا في قصعة واحدة وبقي بنيامين وحده فبكى وقال لو كان أخي في الأحياء لأكلت معه فقال له يوسف إني أنا أخوك يعني بمنزلة أخيك { فلا تبتئس بما كانوا يعملون } يقول لا تحزن بما يعيرون يوسف وأخاه بشيء ٧٠قوله تعالى { فلما جهزهم بجهازهم } يعني كال لهم كيلهم { جعل السقاية } يعني وضع ودس الإناء { في رحل أخيه } بنيامين فخرجوا وحملوا الطعام وذهبوا فخرج يوسف على أثرهم حتى أدركهم { ثم أذن مؤذن } يعني نادى مناد بينهم واسم المنادي أفرايم من فتيان يوسف قال { أيتها العير إنكم لسارقون } إناء الملك فانقطعت ظهورهم وساء ظنهم ٧١قوله تعالى { قالوا وأقبلوا عليهم } يعني وأقبلوا إليهم وقالوا { ماذا تفقدون } يعني ماذا تطلبون { قالوا } يعني قال المنادي والغلمان { نفقد صواع الملك } قال قتادة ( صواع ) إناء الملك الذي يشرب فيه وقال عكرمة هو إناء من فضة وقال سعيد بن جبير هو المكوك الفارسي الذي يلتقي طرفاه وكانت الأعاجم تشرب فيه وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال كان إناء من فضة مثل المكوك وكان للعباس واحد منها في الجاهلية ٧٢وروي عن أبي هريرة أنه قرأ { صاع الملك } يعني الصاع الذي يكال به الحنطة وقرأ بعضهم { صوع الملك } وقرأ يحيى بن عمرو { صوغ الملك } بالغين يعني إناء مصوغا وقراءة العامة { صواع الملك } يعني الإناء وهي المشربة من فضة وكان الشرب في إناء الفضة مباحا في الشريعة الأولى وأما في شريعتنا فالشراب في إناء الفضة حرام ثم قال { ولمن جاء به حمل بعير } يعني قال المنادي من جاء بالصوع فله حمل بعير من بر { وأنا به زعيم } أي أنا كفيل بتسليم ذلك إليه لأن الملك يتهمني في ذلك ٧٣{ فقالوا } أي أخوة يوسف { تاللّه } واللّه { لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الأرض } يعني ما جئنا لنعمل بالمعاصي في أرض مصر ونخون أحدا { وما كنا سارقين } وكان الحكم في أرض مصر للسارق الضرب والتضمين وكان الحكم بأرض كنعان أنهم يأخذون السارق ويسترقونه ففوضوا الحكم إلى بني يعقوب ليحكموا بحكم بلادهم ٧٤{ قالوا } يعني المؤذن وأصحابه لأولاد يعقوب { فما جزاؤه } يعني فما جزاء السارق { إن كنتم كاذبين} ٧٥{قالوا } يعني إخوة يوسف { جزاؤه } يعني عقابه { من وجد في رحله } يعني في وعائه { فهو جزاؤه } يعني الإستعباد جزاء سرقته { كذلك نجزي الظالمين } يعني هكذا نعاقب السارق في سنة آل يعقوب ٧٦ثم قال { فبدأ } يعني المنادي ويقال يوسف { بأوعيتهم } يعني أوعية إخوته وطلب في أوعيتهم { قبل وعاء أخيه } فلم يجد فيها شيئا وروى معمر عن قتادة أنه قال كلما فتح متاع رجل إستغفر اللّه تائبا مما صنع حتى بقي متاع الغلام فقال ما أظن هذا أخذ شيئا قالوا بلى فاستبرأه فطلب فوجد فيه فاستخرجها من وعاء أخيه فلما إستخرجت من رحله إنقطعت ظهور القوم وتحيروا وقالوا يا بنيامين لا يزال لنا منكم بلاء ما لقينا من إبني راحيل فقال بنيامين بل لقي إبنا راحيل منكم فأما يوسف فقد فعلتم به ما فعلتم وأما أنا فسرقتموني قالوا فمن جعل الإناء في متاعك قال الذي جعل الدراهم في متاعكم فسكتوا فذلك قوله { ثم استخرجها من وعاء أخيه كذلك كدنا ليوسف } يعني كذلك صنعنا ليوسف والكيد الحيلة يعني كذلك إحتلنا له وألهمناه الحيلة ثم قال { ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك } يعني في قضاء ملك مصر لأنه لم يكن في قضائه أن يستعبد الرجل في سرقته ثم قال { إلا أن يشاء اللّه } يعني وقد شاء اللّه أن يأخذه بقضاء أبيه ويقال ما كان يقدر أن يأخذ في ولاية الملك بغير حكم إلا بمشيئة اللّه تعالى ويقال إلا أن يشاء اللّه ذلك ليوسف ثم قال { نرفع درجات من نشاء } يعني من نشاء بالفضائل وقرأ أهل الكوفة { نرفع درجات } بتنوين التاء وقرأ الباقون { درجات من نشاء } بغير تنوين على معنى الإضافة { وفوق كل ذي علم عليم } يعني ليس من عالم إلا وفوقه أعلم منه حتى ينتهي العلم إلى اللّه تعالى وروى وكيع عن أبي معشر عن محمد بن كعب أن رجلا سأل عليا عن مسألة فقال فيها قولا فقال الرجل ليس هو كذا ولكنه كذا فقال علي أصبت وأخطأت وفوق كل ذي علم عليم وروي عن سعيد بن جبير أن ابن عباس حدث بحديث فقال رجل عنده الحمد للّه { وفوق كل ذي علم عليم } فقال ابن عباس إن اللّه تعالى هو العالم وهو فوق كل عالم ٧٧ثم قال تعالى { قالوا إن يسرق } يعني قال إخوة يوسف إن يسرق بنيامين { فقد سرق أخ له من قبل } يعنون يوسف { فأسرها يوسف } يعني فأضمر الكلمة يوسف { في نفسه } أي في قلبه { ولم يبدها لهم } يعني لم يعلن لهم جوابا { قال أنتم شر مكانا } يعني صنيعا من يوسف لأن يوسف سرق الوثن وأنتم تسرقون الصواع وذلك أن يوسف كان سرق صنما من ثم قال { فبدأ } يعني المنادي ويقال يوسف { بأوعيتهم } يعني أوعية إخوته وطلب في أوعيتهم { قبل وعاء أخيه } فلم يجد فيها شيئا وروى معمر عن قتادة أنه قال كلما فتح متاع رجل إستغفر اللّه تائبا مما صنع حتى بقي متاع الغلام فقال ما أظن هذا أخذ شيئا قالوا بلى فاستبرأه فطلب فوجد فيه فاستخرجها من وعاء أخيه فلما إستخرجت من رحله إنقطعت ظهور القوم وتحيروا وقالوا يا بنيامين لا يزال لنا منكم بلاء ما لقينا من إبني راحيل فقال بنيامين بل لقي إبنا راحيل منكم فأما يوسف فقد فعلتم به ما فعلتم وأما أنا فسرقتموني قالوا فمن جعل الإناء في متاعك قال الذي جعل الدراهم في متاعكم فسكتوا فذلك قوله { ثم استخرجها من وعاء أخيه كذلك كدنا ليوسف } يعني كذلك صنعنا ليوسف والكيد الحيلة يعني كذلك إحتلنا له وألهمناه الحيلة ثم قال { ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك } يعني في قضاء ملك مصر لأنه لم يكن في قضائه أن يستعبد الرجل في سرقته ثم قال { إلا أن يشاء اللّه } يعني وقد شاء اللّه أن يأخذه بقضاء أبيه ويقال ما كان يقدر أن يأخذ في ولاية الملك بغير حكم إلا بمشيئة اللّه تعالى ويقال إلا أن يشاء اللّه ذلك ليوسف ثم قال { نرفع درجات من نشاء } يعني من نشاء بالفضائل وقرأ أهل الكوفة { نرفع درجات } بتنوين التاء وقرأ الباقون { درجات من نشاء } بغير تنوين على معنى الإضافة { وفوق كل ذي علم عليم } يعني ليس من عالم إلا وفوقه أعلم منه حتى ينتهي العلم إلى اللّه تعالى وروى وكيع عن أبي معشر عن محمد بن كعب أن رجلا سأل عليا عن مسألة فقال فيها قولا فقال الرجل ليس هو كذا ولكنه كذا فقال علي أصبت وأخطأت { وفوق كل ذي علم عليم} وروي عن سعيد بن جبير أن ابن عباس حدث بحديث فقال رجل عنده الحمد للّه { وفوق كل ذي علم عليم } فقال ابن عباس إن اللّه تعالى هو العالم وهو فوق كل عالم ثم قال تعالى { قالوا إن يسرق } يعني قال إخوة يوسف إن يسرق بنيامين { فقد سرق أخ له من قبل } يعنون يوسف { فأسرها يوسف } يعني فأضمر الكلمة يوسف { في نفسه } أي في قلبه { ولم يبدها لهم } يعني لم يعلن لهم جوابا { قال أنتم شر مكانا } يعني صنيعا من يوسف لأن يوسف سرق الوثن وأنتم تسرقون الصواع وذلك أن يوسف كان سرق صنما من ذهب من خاله لاوي وقال قتادة ذكر لنا أنه سرق صنما كان لجده أبي أمه فعيروه بذلك { فقال أنتم شر مكانا } لأن سرقتكم قد ظهرت وسرقة أخيه لم تظهر إلا بقولكم ولا ندري أنتم صادقون في مقالتكم أم لا { واللّه أعلم بما تصفون } يعني بما تقولون وروى عكرمة عن ابن عباس قال عوقب يوسف ثلاث مرات حين هم بها فسجن وحين قال { أذكرني عند ربك فلبث في السجن بضع سنين } وحين قال { إنكم لسارقون } فردوا عليه وقالوا فقد سرق أخ له من قبل ٧٨قوله تعالى { قالوا يا أيها العزيز إن له أبا شيخا كبيرا } يعني ضعيفا حزينا على إبن له مفقود { فخذ أحدنا مكانه } رهنا { إنا نراك من المحسنين } إن فعلت ذلك إلينا فقد أحسنت إلينا الإحسان كله ويقال { إنا نراك من المحسنين } إلى من أتاك من الآفاق فأحسن إلينا فقال يوسف عليه السلام ٧٩{ قال معاذ اللّه } يعني أعوذ باللّه { أن نأخذ } رهنا { إلا من وجدنا متاعنا عنده إنا إذا لظالمون } لو أخذنا غيره ٨٠قوله تعالى { فلما إستيأسوا منه } يعني أيسوا من بنيامين أن يرد عليهم ويقال أيسوا من الملك أن يقضي حاجتهم { خلصوا نجيا } يعني إعتزلوا يتناجون بينهم ليس فيهم غيرهم { قال كبيرهم } يعني كبيرهم في العقل وهو يهوذا ولم يكن أكبرهم في السن وهذا في رواية الكلبي ومقاتل وقال في قوله تعالى { كبيرهم } أي أعلمهم وهو شمعون وكان رئيسهم وقال في قوله تعالى { كبيرهم } أي كبيرهم في السن روبيل وهو الذي أشار إليهم ألا يقتلوه { ألم تعلموا أن أباكم قد أخذ عليكم موثقا من اللّه } يعني عهدا من اللّه في هذا الغلام { لتأتنني به } أي لتردنه إلي { ومن قبل ما فرطتم في يوسف } يعني ما تركتم وضيعتم العهد في أمر يوسف من قبل هذا الغلام { فلن أبرح الأرض } يعني فلن أترك أرض مصر { حتى يأذن لي ربي } أي حتى يبعث إلي أحدا أن آتيه { أو يحكم اللّه لي } فيرد علي أخي بنيامين { وهو خير الحاكمين } يعني أعدل العادلين وأفصل الفاصلين وروى أسباط عن السدي أنه قال كان بنو يعقوب إذا غضبوا لم يطاقوا فغضب روبيل فقال أيها الملك واللّه لتتركنا أو لأصيحن صيحة لا تبقى إمرأة حامل إلا ألقت ما في بطنها وقامت كل شعرة في جسده فخرجت من ثيابه وقال ابن عباس كان يهوذا إذا غضب وصاح لم تسمع صوته إمرأة حامل إلا وضعت حملها وتقوم كل شعرة في جسده فلا يسكن حتى يضع بعض آل يعقوب يده عليه فيسكن فقال يوسف لإبن له صغير إذهب وضع يدك عليه فذهب ووضع يده عليه فسكن غضبه فقال إن في هذا الدار أحدا من آل يعقوب ٨١ثم قال لإخوته { إرجعوا إلى أبيكم } يعني قال يهوذا { فقولوا يا أبانا إن ابنك سرق } أي سرق الصواع يعني إناء الملك وروي عن ابن عباس أنه كان يقرأ { إن إبنك سرق } بضم السين وكسر الراء مع التشديد يعني إتهم بالسرقة { وما شهدنا إلا بما علمنا } أي وما قلنا إلا ما رأينا حين أخرج من رحله { وما كنا للغيب حافظين } يعني وما كنا نرى أنه سرق ولو علمنا ما ذهبنا به ويقال إنا لم نطلع على أنه سرق ولكنهم سرقوه ٨٢قوله تعالى { واسأل القرية التي كنا فيها } يعني سل أهل القرية قال الكلبي وهي قرية من قرى مصر ويقال هي مصر بعينها ويقال هو المنزل الذي أذن المؤذن فيه إنكم لسارقون { والعير التي أقبلنا فيها } يعني سل أهل العير الذين كانوا معنا من أرض كنعان { وإنا لصادقون } في قولنا فرجعوا إلى يعقوب بذلك القول فاتهمهم يعقوب فقال كلما خرجتم من عندي نقصتم واحدا ذهبتم مرة فنقصتم يوسف وذهبتم مرة فنقصتم شمعون وذهبتم الآن ونقصتم بنيامين فقد صرتم كالذئاب يأكل بعضهم بعضا ٨٣ثم قال تعالى { قال بل سولت لكم أنفسهم أمرا } يعني قال يعقوب إشتهت وزينت لكم قلوبكم { أمرا } فصنعتموه { فصبر جميل } يعني علي صبر جميل حسن من غير جزع لا أشكو فيه إلى أحد { عسى اللّه أن يأتيني بهم جميعا } يعني لعل اللّه أن يرد علي يوسف ويهوذا وبنيامين { إنه هو العليم } بمكانهم { الحكيم } أن يحكم بردهم علي ٨٤قوله تعالى { وتولى عنهم } يعني أعرض عن بنيه وخرج عنهم { وقال يا أسفى على يوسف } يعني يا حزنا على يوسف والأسف أشد الحسرة { وابيضت عيناه من الحزن } يعني من البكاء { فهو كظيم } يعني مغموما مكروبا يتردد الحزن في جوفه والكظيم والكاظم بمعنى واحد مثل القدير والقادر وهو الممسك على حزنه لا يظهره ولا يشكوه وروي عن الحسن أنه قال مكث يعقوب ثمانين سنة ما تجف دموعه ولا يفارق قلبه الحزن يوما وما كان على الأرض يومئذ أحد أكرم على اللّه منه قال وألقي يوسف في الجب وهو يومئذ إبن سبع سنين وغاب عن أبيه ثمانين سنة وعاش بعدما جمع اللّه شمله ثلاثا وعشرين سنة وروي عن ابن عباس أنه قال غاب يوسف عنه إثنين وعشرين سنة وقال سعيد بن جبير ما أعطيت أمة من الأمم { إنا للّه وإنا إليه راجعون } [ البقرة : ١٥٦ ] غير هذه الأمة ولو كان أوتيها أحد قبلكم لأوتيها يعقوب حين قال { يا أسفى على يوسف } وروي عن إبراهيم بن ميسرة أنه قال لو أن اللّه أدخلني الجنة لعاتبت يوسف بما فعل بأبيه حيث لم يكتب إليه كتابا ولم يعلمه حاله ليسكن ما به من الغم ٨٥قوله تعالى { قالوا تاللّه تفتأ تذكر يوسف } يعني أن بنيه قالوا ليعقوب لا تزال تذكر يوسف { حتى تكون حرضا } أي دنفا من الوجع ويقال حتى تبلى وتهرم وقال القتبي لا تحذف من الكلام ويراد به إثباتها لقوله { تفتؤ } أي لا تفتأ أي لا تزال تذكر يوسف كقوله { أن تحبط أعمالكم } [ الحجرات : ٢ ] أي لكيلا تحبط أعمالكم { حتى تكون حرضا } وقال الربيع بن أنس حتى تكون باليا يابس الجلد وقال محمد بن إسحاق { حتى تكون حرضا } يعني لا عقل لك { أو تكون من الهالكين } يعني من الميتين وقال مجاهد الحرض ما دون الموت والهالك الميت { قال } يعقوب { إنما أشكو بثي وحزني } يعني همي وغمي { إلى اللّه } لما رأى من فظاظتهم وسوء لفظهم ولا أشكو ذلك إليكم وقال القتبي البث أشد الحزن إنما سمي الحزن البث لأن صاحبه لا يصبر عليه حتى يبثه أي يفشوه ٨٦ثم قال { وأعلم من اللّه مالا تعلمون } أن يوسف حي وليس بميت وإنما كان يعلم ذلك من تحقيق رؤيا يوسف حين رأى في المنام أحد عشر كوكبا أن ذلك سيكون ويقال إن يعقوب رأى ملك الموت في المنام وسأله هل قبضت روح قرة عيني يوسف قال لا ولكن هو في الدنيا حي فلذلك قال { وأعلم من اللّه ما لا تعلمون } ٨٧ثم قال تعالى { يا بني إذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه } يعني إنطلقوا إلى مصر فاطلبوا خبر يوسف { وأخيه } قالو له أما بنيامين فلا نترك الجهد في أمره وأما يوسف فإنه ميت وإنا لا نطلب الأموات فقال لهم يعقوب { ولا تيأسوا من روح اللّه } يعني لا تقنطوا من رحمة اللّه { إنه لا ييأس من روح اللّه إلا القوم الكافرون } يعني الجاحدين لنعمة اللّه ٨٨قوله تعالى { فلما دخلوا عليه } يعني رجعوا إلى يوسف ودخلوا عليه { قالوا يا أيها العزيز مسنا وأهلنا الضر } يعني أصابنا وأهلنا الجوع { وجئنا ببضاعة مزجاة } قال الحسن يعني قليلة وقال المزجاة النفاية وكان لا يؤخذ في الطعام إلا جيدا في ذلك الوقت لأن الطعام كان عزيزا فلا يؤخذ فيها إلا الجيد وعن عبد اللّه بن الحارث في قوله { وجئنا ببضاعة مزجاة } قال متاع الأعراب الصوف والسمن واللبن ونحو ذلك وعن ابن عباس قال يعني جئنا بدراهم رديئة وقال سعيد بن جبير بدراهم زيوف { فأوف لنا الكيل } يعني أتمم لنا الكيل { وتصدق علينا } يعني وتصدق علينا ما بين الثمنين يعني ما بين الجيد والرديء { إن اللّه يجزي المتصدقين } يعني يثيبهم في الآخرة بما صنعوا وقال ابن عباس لو علموا أنه مسلم لقالوا إن اللّه يجزيك بالصدقة يعني إنه كان يلبس عليهم فلا يعرفون حاله ومذهبه فأخرج يوسف الكتاب الذي كان كتبه يهوذا حين باعوا يوسف ودفعه إليهم فعرف يهوذا خطه وقالوا نحن بعنا هذا الغلام إذ كنا نرعى الغنم فقال لهم ظلمتم وبعتم الحر فدعا يوسف بالسيافين وأمرهم بأن يقتلوا إخوته جميعا فاستغاثوا كلهم وصرخوا وقالوا إن لم ترحمنا فارحم الشيخ الضعيف فإنه قد جزع على ولد واحد فكيف إن هلك أولاده كلهم ٨٩{ قال } لهم يوسف { هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون } يعني مذنبون ووصف لهم ما فعلوا به ٩٠{ قالوا أإنك لأنت يوسف } قرأ إبن كثير { إنك لأنت يوسف } بهمزة واحدة وكسر الألف يعني حققوا أنه يوسف وقرأ حمزة والكسائي وعاصم وإبن عامر { أإنك } بهمزتين على معنى الإستفهام يعني إنك يوسف أم لا وقرأ نافع وأبو عمرو { آينك } بهمزة واحدة مع المد ومعناه مثل الأول على معنى الإستفهام { قال أنا يوسف وهذا أخي قد من اللّه علينا } يعني أنعم علينا بالصبر { إنه من يتق } اللّه تعالى { ويصبر } على البلاء { فإن اللّه لا يضيع أجر المحسنين } أي ثواب الصابرين ٩١قوله تعالى { قالوا تاللّه لقد آثرك اللّه علينا } يعني إخوة يوسف إعتذروا إليه فقالوا لقد فضلك اللّه علينا واختارك { وإن كنا لخاطئين } يقول وقد كنا لعاصين للّه تعالى فيما صنعنا بك ٩٢{ قال } يوسف عليه السلام { لا تثريب عليكم اليوم } يعني لا تعيير عليكم اليوم ولا عيب ولا عار عليكم وأصل التثريب الإفساد ويقال ثرب الأمر علينا إذا أفسد ثم قال { يغفر اللّه لكم } فيما فعلتم { وهو أرحم الراحمين } من غيره ٩٣ثم قال تعالى { إذهبوا بقميصي هذا } وروي عن وهب بن منبه قال كان القميص من الجنة وهو القميص الذي ألبس جبريل لإبراهيم حين ألقي في النار فبردت عليه النار فصار عند إسحاق ثم صار عند يعقوب فجعله يعقوب في عوذه وعلقه في عنق يوسف فكان معه حين ألقي في الجب ونزع عنه قميصه فبشره جبريل وألبسه في الجب وكان القميص معه وقال لإخوته { اذهبوا بقميصي هذا } { فألقوه على وجه أبي يأت بصيرا } أي يعود إليه بصره وذلك أنه سألهم فقال ما فعل أبي بعدي قالوا لما فارقه بنيامين عمي من الحزن قال { إذهبوا بقميصي هذا } فألقوه على وجه أبي يأت بصيرا كما كان أول مرة ثم قال { وائتوني بأهلكم أجمعين } فاختلفوا فيما بينهم فقال كل واحد منهم أنا أذهب به فقال يوسف يذهب به الذي ذهب بقميصي الأول فقال يهوذا أنا ذهبت بالقميص الأول وهو ملطخ بالدم وأخبرته بأنه قد أكله الذئب وأنا اليوم أذهب بالقميص فأخبره أنه حي وأفرحه كما أحزنته وأمر لهم بالهدايا والدواب والرواحل فتوجهوا نحو كنعان ٩٤قوله تعالى { ولما فصلت العير } يعني خرجت العير من مصر { قال أبوهم إني لأجد ريح يوسف } قال ابن عباس لما خرجت العير هاجت ريح فجاءت بريح قميص يوسف من مسيرة ثمان ليال فقال يعقوب إني لأشم ريح يوسف { لولا أن تفندون } يقول لولا أن تعيروني وتجهلوني يقال فنده الهرم إذا خلط في كلامه ٩٥{ قالوا تاللّه إنك لفي ضلالك القديم } يعني ولد ولده قالوا ليعقوب إنك مختلط في الكلام كما كنت في القديم من ذكر يوسف ٩٦قوله تعالى { فلما أن جاء البشير } يعني جاء يهوذا بالبشارة { ألقاه على وجهه } يعني دفع القميص إليه ووضعه على وجهه فذلك قوله تعالى { فارتد بصيرا } يعني رجع بصيرا كما كان { قال } يعقوب لولد ولده { ألم أقل لكم إني أعلم من اللّه ما لا تعلمون } ويقال قال لولده ألم أقل لكم حين قلت لكم { إنما أشكو بثي وحزني إلى اللّه وأعلم من اللّه ما لا تعلمون} أن يوسف في الأحياء ٩٧{ قالوا يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا } فاعتذروا إليه لما فعلوا به وطلبوا منه أن يستغفر لهم واعترفوا بذنبهم أنهم كانوا خاطئين حيث قالوا { إنا كنا خاطئين } ٩٨{ قال } لهم يعقوب عليه السلام { سوف أستغفر لكم } يعني عند السحر أستغفر لكم ويقال معناه سوف أستغفر لكم إن شاء اللّه على وجه التقديم في قوله { وقال ادخلوا مصر إن شاء اللّه آمنين } فأخر الإستغفار إلى أن قدموا مصر فاستغفر لهم ليلة الجمعة عند السحر { إنه هو الغفور الرحيم } لمن تاب ورجع وندم على ما فعل فخرجوا كلهم بأثقالهم وأهاليهم ومواشيهم وكانوا اثنين وسبعين رأسا وروى أبو عبيدة عن عبد اللّه بن مسعود أنه قال كان أهل بيت يعقوب حين دخلوا مصر ثلاثة وسبعين إنسانا رجالهم ونساؤهم فخرجوا مع موسى عليه السلام وهم ستمائة ألف وسبعون ألفا فلما دنوا من مصر خرج يوسف بجماعته وحاشيته حتى أدخلهم مصر ٩٩قوله تعالى { فلما دخلوا على يوسف آوى إليه } أي ضم إليه { أبويه وقال ادخلوا مصر إن شاء اللّه آمنين } قال أبو عبيدة هذا من كلام يعقوب حيث قال سوف أستغفر لكم إن شاء اللّه وكذلك قال إبن جريج ويقال هذا من كلام يوسف قال لهم حين دخلوا مصر انزلوا بأرض مصر ويقال إنما قال لهم قبل أن يدخلوها { ادخلوا مصر إن شاء اللّه آمنين } من الجوع ويقال من الخوف لأنها أرض الجبابرة ١٠٠قوله تعالى { ورفع أبويه على العرش } يعني على السرير أحدهما عن يمينه والآخر عن شماله قال مقاتل يعني أباه وخالته وكانت أمه راحيل قد ماتت وخالته تحت يعقوب أبيه وعن وهب بن منبه قال أبوه وخالته وعن سفيان الثوري مثله وهو قول ابن عباس وروي عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال الخالة أم ويقال إن أمه راحيل قد ماتت في ولادة بنيامين ولذلك سمي بنيامين واليامين وجع الولادة بلسانهم ثم قال { وخروا له سجدا } على وجه التقديم يعني { وخروا له سجدا } { ورفع أبويه على العرش } وكانت تحيتهم أن يسجد الوضيع للشريف فسجد له إخوته وأبوه وخالته { وقال } يعني يوسف عند ذلك { يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل } يعني هذا السجود تحقيق رؤياي من قبله { قد جعلها ربي حقا } يعني جعل رؤياي صدقا ويقال كائنا وروي { وقال } يعني يوسف عند ذلك { يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل } يعني هذا السجود تحقيق رؤياي من قبله { قد جعلها ربي حقا } يعني جعل رؤياي صدقا ويقال كائنا وروي عن ابن عباس أنه قال كان بين رؤياه وبين ذلك اثنان وعشرون سنة وروى أبو عثمان النهدي عن سلمان أنه قال كان بين رؤياه وبين أن رأى تأويلها أربعون سنة وعن عبد اللّه بن شداد بن الهاد أنه قال وقعت رؤيا يوسف بعد أربعين سنة وإليه ينتهي الرؤيا وقال السدي كان بينهما تسع وثلاثون سنة وقال حين رأى رؤياه كان يوسف ابن تسع سنين فظهر تأويلها وهو إبن أربعين سنة ثم قال تعالى { وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن وجاء بكم من البدو } يعني جاء بكم معافين سالمين من البادية يعني أرض كنعان و { من بعد أن نزغ الشيطان } يعني من بعد أن أفسد وألقى الشيطان { بيني وبين إخوتي إن ربي لطيف لما يشاء } من الفرقة والجماعة ويقال { لطيف } في فعاله إن يشأ فرق وإن يشأ جمع { إنه هو العليم } بما صنعوا { الحكيم } إذ رد علي أبي وجمع بيني وبين إخوتي ١٠١قوله تعالى { رب قد آتيتني من الملك } قال الفقيه أبو الليث رحمه اللّه إن اللّه تعالى مدح يوسف في هذه السورة في ثمانية مواضع أولها أن أخوته لما فعلوا به ما فعلوا صرف العداوة من إخوته إلى الشيطان فقال { من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي } والثاني حين راودته المرأة قال { إنه ربي أحسن مثواي } فعرف حرمة سيده ولم يهتك حرمته الثالث { قال رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه } فاختار السجن على الشهوة الحرام والرابع قال { وما أبرىء نفسي إن النفس لأمارة بالسوء } بعد ما ظهر أن الذنب كان من غيره والخامس لما اعتذر إليه إخوته قال لهم { لا تثريب عليكم واليوم } والسادس أنه بعث القميص على يد إخوته كما أدخلوا على أبيهم الحزن في الإبتداء أراد أن يدخلوا عليه السرور فقال { اذهبوا بقميصي هذا } والسابع لما لقي أباه لم يذكر عنده ما لقي من الشدة وإنما ذكر المحاسن حيث قال { يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن وجاء بكم من البدو } والثامن لما تم أمره تمنى الموت وترك الدنيا قال { رب قد آتيتني من الملك } أي أعطيتني من الملك يعني بعض الملك وهو ملك مصر { وعلمتني من تأويل الأحاديث } يعني بعض التأويل ويقال { من } هاهنا لإبانة الجنس لا للتبعيض ومعناه { رب قد آتيتني من الملك وعلمتني تأويل الأحاديث } يعني تعبير الرؤيا { فاطر السموات والأرض } يعني خالق السموات والأرض { أنت وليي في الدنيا والآخرة } يعني ولي نعمتي في الدنيا والآخرة ويقال أنت حافظي وناصري وربي في الدنيا والآخرة { توفني مسلما } يعني أمتني مخلصا بتوحيدك { وألحقني بالصالحين } يعني بآبائي المرسلين ويقال عاش يعقوب في أرض مصر سبع عشرة سنة وكان عمره مائة وسبعا وأربعين سنة وعاش يوسف بعده ثلاثا وعشرين سنة ومات يوسف وهو ابن مائة وعشرين سنة ويقال إبن مائة وعشر سنين وأوصى يعقوب بأن يدفن عند آبائه فحمل إلى الأرض المقدسة فدفن مع أخيه عيصو بن إسحاق عليهم السلام فلما مات يوسف أرادوا أن يحملوه إلى الأرض المقدسة فلم يتركهم أهل مصر واختلفوا في دفنه وأراد أهل كل محلة أن يدفن في مقابرهم وكاد أن يقع بينهم قتال حتى إصطلحوا واتفقوا على أن يدفن عند قسمة مياههم في أعلى مصر لكي يصيب بركته أهل مصر وكان هناك إلى زمن موسى عليه السلام فرفعه موسى وحمله إلى الأرض المقدسة ووضعه عند آبائه وقد كان يوسف أوصى إلى بني إسرائيل أن يحملوا عظامه من أرض مصر إذا خرجوا من أرض مصر ١٠٢قوله تعالى { ذلك من أنباء الغيب } يقول من أخبار ما غاب عنك علمه يا محمد { نوحيه إليك } يعني ننزل عليك جبريل بالقرآن ليقرأه عليك { وما كنت لديهم } يعني وما كنت عند إخوة يوسف { إذ أجمعوا أمرهم } يعني قولهم أن يطرحوا يوسف في البئر { وهم يمكرون } أي يحتالون ليوسف ١٠٣ثم قال { وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين } في الآية تقديم ومعناه وما أكثر الناس بمؤمنين ولو حرصت لعلم اللّه السابق فيهم ويقال { ولو حرصت بمؤمنين } يعني من قدرت عليه الكفر وعلمت أنه أهل لذلك لا يؤمن بك ١٠٤ثم قال تعالى { وما تسألهم عليه من أجر } يعني على الإيمان يعني إن لم يجيبوك فلا تبال لأنهم لا ينقصون من رزق ربك شيئا { إن هو } يعني ما هذا القرآن { إلا ذكر للعالمين } من الجن والإنس ١٠٥قوله تعالى { وكأين من آية } يعني وكم من علامة { في السموات والأرض } يعني الشمس والقمر والنجوم وفي الأرض الأمم الخالية والأشياء التي خلقت في الأرض { يمرون عليها وهم عنها معرضون } يعني مكذبين لا يتفكرون فيما قال ١٠٦ثم قال تعالى { وما يؤمن أكثرهم باللّه إلا وهم مشركون } قال ابن عباس قال اللّه تعالى { ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن اللّه } فهذا إيمان منهم ثم هم يشركون وقال القتبي وهم في غيره مشركون قد يكون في معان فمن الإيمان تصديق ببعض وتكذيب ببعض قال اللّه تعالى { وما يؤمن أكثرهم باللّه إلا وهم مشركون } [ يوسف : ١٠٦ ] يعني مقرون أن اللّه خالقهم وهم مع ذلك يجعلون للّه شريكا وقال الضحاك كانوا مشركين في تلبيتهم وقال عكرمة يعلمون أنه ربهم وهم مشركون به من دونه ١٠٧ثم قال تعالى { أفأمنوا } يعني أهل مكة { أن تأتيهم غاشية } يعني يغشاهم العذاب ويقال غاشية قطعة { من عذاب اللّه } في الدنيا { أو تأتيهم الساعة بغتة } يعني فجأة { وهم لا يشعرون } بقيامها ١٠٨{ قل } يا محمد { هذه سبيلي } يعني ديني الإسلام ويقال هذه دعوتي { أدعوا } الخلق { إلى اللّه } تعالى ويقال أدعوكم إلى توحيد اللّه وعبادته { على بصيرة } أي على يقين وحقيقة ويقال على بيان { أنا ومن اتبعني } يعني من اتبعني على ديني فهو أيضا على بصيرة { وسبحان اللّه } تنزيها له عن الشرك { وما أنا من المشركين } على دينهم ١٠٩قوله تعالى { وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم } يعني الأنبياء كانوا من الآدميين ولم يكونوا من الملائكة قرأ عاصم في رواية حفص { نوحي إليهم } بالنون وقرأ الباقون بالياء { يوحى إليهم } ومعناهما واحد { من أهل القرى } يعني منسوبين إليها ثم أمرهم بأن يعتبروا فقال تعالى { أفلم يسيروا } يعني يسافروا { في الأرض } ويقال يقرؤوا القرآن { فينظروا } يعني يعتبروا { كيف كان عاقبة الذين من قبلهم } يعني كيف كان آخر المنذرين من قبلهم من الأمم الخالية { ولدار الآخرة } وهي الجنة { خير للذين اتقوا } الشرك { أفلا تعقلون } أن الآخرة أفضل من الدنيا ثم رجع إلى حديث الرسل الذين كذبهم قومهم ١١٠فقال تعالى { حتى إذا إستيأس الرسل } يعني أيسوا من إيمان قومهم أن يؤمنوا { وظنوا أنهم قد كذبوا } قرأ أهل الكوفة عاصم وحمزة والكسائي { كذبوا } بتخفيف الذال وقرأ الباقون بالتشديد وروى الأعمش عن أبي الضحى عن ابن عباس أنه قرأ { كذبوا } بتخفيف الذال ويقال لما أيست الرسل أن يستجيب لهم قومهم وظن قومهم أن الرسل قد كذبوهم جاءهم بالنصرة وروى ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس أنه قال { حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا } قال كانوا بشرا فضعفوا وسئموا وظنوا أنهم قد كذبوا وأشار بيده إلى السماء قال ابن أبي مليكة فذكرت ذلك لعروة فقال قالت عائشة رضي اللّه عنها معاذ اللّه ما حدث رسوله شيئا إلا وعلم اللّه أنه سيكون قبل أن يموت قالت ولكن نزل بالأنبياء البلاء حتى خافوا أن يكون من معهم من المؤمنين كذبوهم وكانت تقرأ { قد كذبوا } بالتشديد وعن عائشة قالت استيأس الرسل ممن كذبهم من قومهم أن يصدقوهم وظنوا أن من قد آمن بهم من قومهم قد كذبوهم وقال القتبي الذي قالت عائشة أحسنها في الظاهر وأولاها بأنبياء اللّه تعالى { جاءهم نصرنا } أي للأنبياء بالنصرة ثم قال { فنجي من نشاء } يعني من آمن بالأنبياء قرأ عاصم وابن عامر { فنجي من نشاء } بنون واحدة مع التشديد وقرأ الباقون بالنونين إلا أن من قرأ بنون واحدة أدغم إحداهما في الأخرى ثم قال { ولا يرد بأسنا } يعني عذابنا { عن القوم المجرمين } يعني الكافرين ١١١قوله تعالى { لقد كان في قصصهم } يعني في قصة يوسف وإخوته { عبرة لأولى الألباب } يعني لذوي العقول يعني عجيبة لمن له عقل لكيلا يحسد أحد أحدا ويقال لمن أراد أن يعتبر بيوسف ويقتدي به ولا يكافىء أحدا بسيئة ويقال { عبرة } يعني دلالة لنبوة محمد صلى اللّه عليه وسلم لمن أراد أن يؤمن به { ما كان حديثا يفترى } يعني مثل هذا الكلام لا يكون اختلافا وكذبا { ولكن تصديق الذي بين يديه } من الكتب التوراة والإنجيل { وتفصيل كل شيء } يعني بيان الحلال والحرام { وهدى } من الضلالة { ورحمة } يعني رحمة من العذاب { لقوم يؤمنون } يعني يصدقون بتوحيد اللّه تعالى وبمحمد صلى اللّه عليه وسلم وبالقرآن واللّه أعلم |
﴿ ٠ ﴾