سورة الكهف

مكية وهي مائة وعشر آيات

١

قوله تعالى { الحمد للّه } يقول الشكر للّه والألوهية للّه { الذي أنزل على عبده الكتاب } أي أنزل على عبده محمدا صلى اللّه عليه وسلم القرآن { ولم يجعل له عوجا } أي لم ينزله متناقضا

٢

{ قيما } بل أنزله مستقيما ويقال في الآية تقديم ومعناه الحمد للّه الذي أنزل على عبده الكتاب قيما أي مستقيما { ولم يجعل له عوجا } أي لم ينزله مخالفا للتوراة والإنجيل قال أهل اللغة { عوجا } بكسر العين في الأقوال وبنصب العين في الأشخاص

ويقال في كلامه عوج وفي هذه الخشبة عوج { لينذر بأسا شديدا } أي لينذركم ببأس شديد كما قال { يخوف أولياءه } [ آل عمران : ١٧٥ ] أي بأوليائه وهذا قول القتبي وقال الزجاج أي لينذرهم بالعذاب البئيس { من لدنه } أي من قبله

ويقال { لينذر بأسا شديدا } أي يخوفهم بالعذاب الشديد بما في القرآن { من لدنه } أي من عنده قرأ عاصم في رواية أبي بكر { من لدنه } بجزم الدال وقرأ الباقون بالضم ومعناهما واحد { ويبشر المؤمنين } بالجنة ثم وصف المؤمنين فقال { الذين يعملون الصالحات } فيما بينهم وبين ربهم ثم بين الذي يبشرهم به فقال { أن لهم أجرا حسنا } في الجنة

٣

 { ماكثين فيه أبدا } أي مقيمين في الثواب والنعيم خالدا مخلدا و { ماكثين } منصوب على الحال في معنى خالدين

٤

{وينذر الذين قالوا } أي يخوف بالقرآن الذين قالوا { اتخذ اللّه ولدا } وهم المشركون والنصارى

٥

{ ما لهم به من علم } أي ليس لهم بذلك القول بيان ولا حجة { ولا لآبائهم } أي ولا حجة لآبائهم الذين مضوا فأخبر أنهم أخذوا دينهم من آبائهم بالتقليد لا بالحجة والبيان لأنهم قالوا كان آباؤنا على هذا { كبرت كلمة } أي عظمت الكلمة قرأ الحسن بالضم ومعناه عظمت كلمة وهي قولهم { اتخذ اللّه ولدا } [ البقرة : ١١٦ ] { كلمة } { تخرج من أفواههم } فصارت نصبا بالتفسير { إن يقولون إلا كذبا } أي ما يقولون إلا كذبا

٦

وقال { فلعلك باخع نفسك } أي قاتل نفسك أسفا وحزنا { على آثارهم } أي على أعمالهم { إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا } أي بهذا القرآن أسفا والأسف المبالغة في الحزن والغضب وهو منصوب لأنه مصدر في موضع الحال

٧

قال تعالى { إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها } أي ما على وجه الأرض من الرجال زينة لها أي للأرض ويقال جعلنا ما على الأرض من النبات والأشجار والأنهار زينة لها أي للأرض { لنبلوهم } أي لنختبرهم { أيهم أحسن عملا } أي أخلص ويقال أيهم أخلص في الزهد في الدنيا وأترك لها

٨

{ وإنا لجاعلون ما عليها } أي ما على الأرض في الآخرة من شيء من الزهرة { صعيدا جرزا } أي ترابا أملس لا نبات فيه وقال القتبي الصعيد المستوي قال

ويقال وجه الأرض ومنه يقال للتراب صعيد لأنه وجه الأرض والجرز الذي لا نبات فيه يقال أرض جرز وسنة جرز إذا كان فيه جدوبة

٩

قوله تعالى { أم حسبت أن أصحاب الكهف } أي غار في الجبل { والرقيم } الكتاب وقال قتادة دراهمهم وقال عكرمة عن ابن عباس قال كل القرآن أعلمه إلا أربعة غسلين وحنان والأواه والرقيم وقال القتبي { الرقيم } لوح كتب فيه خبر أصحاب الكهف ونصب على باب الكهف { والرقيم } الكتاب وهو فعيل بمعنى مفعول ومنه كتاب مرقوم أي مكتوب وقال الزجاج هو اسم الجبل الذي فيه الكهف وقال كعب الأحبار { الرقيم } اسم القرية

روي عن ابن عباس أن قريشا اجتمعوا وكان فيهم الوليد بن المغيرة والعاص بن وائل السهمي وأبو جهل بن هشام وأمية وأبي أبناء خلف والأسود بن عبد المطلب وسائر قريش فبعثوا منهم خمسة رهط إلى يهود يثرب أي يهود المدينة فسألوهم عن محمد وعن أمره وصفته وأنه خرج من بين أظهرنا ويزعم أنه نبي مرسل واسمه محمد وهو فقير يتيم فلما قدموا المدينة أتوا أحبارهم وعلماءهم فوجدوهم قد إجتمعوا في عيد لهم فسألوهم عنه ووصفوا لهم صفته فقالوا لهم نجده في التوراة كما وصفتموه لنا وهذا زمانه ولكن سلوه عن ثلاث خصال فإن أخبركم بخصلتين ولم يخبركم بالثالثة فاعلموا أنه نبي فاتبعوه فإنا قد سألنا مسيلمة الكذاب عن هؤلاء الخصال فلم يدر ما هن وقد زعمتم أنه يتعلم من مسيلمة الكذاب سلوه عن أصحاب الكهف أي قصوا عليه أمرهم وسلوه عن ذي القرنين إن كان ملكا وكان أمره كذا وكذا وسلوه عن الروح فإن أخبركم عن قليل أو كثير فهو كاذب ففرحوا بذلك فلما رجعوا وأخبروا أبا جهل ففرح وأتوه فقال أبو جهل إنا سائلوك عن ثلاث خصال فسألوه عن ذلك فقال لهم إرجعوا غدا أخبركم ولم يقل إن شاء اللّه فرجعوا ولم ينزل عليه جبريل إلى ثلاثة أيام وفي رواية الكلبي إلى خمسة عشر يوما وفي رواية الضحاك إلى أربعين يوما فجعلت قريش تقول يزعم محمد أنه يخبرنا غدا بما سألناه وقد مضى كذا وكذا يوما فشق ذلك على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ثم أتاه جبريل فقال لجبريل لقد علمت ما سألني عنه قومي فلم أبطأت علي فقال أنا عبد مثلك { وما نتنزل إلا بأمر ربك } [ مريم : ٦٤ ] وقال { ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء اللّه } [ الكهف : ٢٣ - ٢٤ ] وكان المشركون يقولون إن ربه قد ودعه وأبغضه فنزل { ما ودعك ربك وما قلى } [ الضحى : ٣ ] ونزل { أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم } { كانوا من آياتنا عجبا } فلما قرأ عليهم قالوا هذان ساحران يعني محمدا وموسى عليهما السلام ولم يصدقوه

وقوله { عجبا } يقول هم عجب وأمرهم أعجب وغيرهم مما خلقت أعجب منهم الشمس والقمر والجبال والسموات والأرض أعجب منهم

١٠

ثم بين أمرهم فقال تعالى { إذ أوى الفتية إلى الكهف } أي صاروا إليه وجعلوه مأواهم والفتية جمع فتى غلام وغلمة وصبي وصبية { فقالوا ربنا آتنا من لدنك رحمة } أي ثبتنا على الإسلام { وهيء لنا من أمرنا رشدا } أي هب لنا من أمرنا مخرجا

١١

قوله تعالى { فضربنا على آذانهم } أي أنمناهم وألقينا عليهم النوم وقال الزجاج { فضربنا على آذانهم } أي منعناهم أن يسمعوا لأن النائم إذا سمع انتبه { في الكهف سنين عددا } ويراد بذكر العدد التأكيد لأن الكثير يحتاج أن يعد وإنما صار نصبا لأنه مصدر

قال ابن عباس في حديث أصحاب الكهف أنه قال إن مدينة كانت بالروم ظهر عليها ملك من الملوك يقال له دقيانوس غلب على مدينتهم وأرضهم وكانت المدينة تسمى أفسوس فجعل يدعوهم إلى عبادة الأوثان ويقتلهم على ذلك فمن كفر باللّه واتبع دينه تركه فهدى اللّه شابا من أهل تلك المدينة إلى دين الإسلام فجعل يدعوهم سرا حتى تابعه على ذلك سبعة أغلمة ففطن لهم الملك فأرسل إليهم وأخذهم ودفعهم إلى آبائهم يحفظونهم حتى يرسل إليهم من يطلبهم من آبائهم فأرسل إليهم فهربوا فقالت آباؤهم واللّه لقد خرجوا من عندنا بالأمس فما ندري أين هم فمروا بغلام راع ومعه كلب له فدعوه إلى أمرهم فأعجبه ذلك فتابعهم عليه فمضى معهم واتبعه كلبه حتى أتوا غارا أي كهفا فدخلوا فيه ثم أرسلوا بعضهم إلى السوق ليشتري لهم طعاما من السوق فركب الملك والناس معه في طلبهم وهم يسألون عنهم فسمع رسولهم بذلك فعجل أن يشتري لهم كل الذي أرادوا فاشترى بعضه وأتاهم فأخبرهم أن الملك والناس في طلبهم فأكلوا ما أتاهم به ولم يشبعوا ثم ناموا على وجوههم فضرب اللّه على آذانهم بالنوم سنين عددا وسار الملك والناس معه حتى انتهوا إلى باب الكهف فوجدوا آثارهم داخلين ولم يجدوا آثارهم خارجين فدخلوا الكهف فأعمى اللّه عليهم فطلبوهم فلم يجدوا شيئا فقال الملك سدوا عليهم باب الكهف حتى يموتوا فيه فيكون قبرهم إن كانوا فيه ثم انصرف الملك والناس معه فعمد رجلان مسلمان يكتمان إيمانهما إلى لوح من رصاص فكتبا فيه أسماء الفتية وأسماء آبائهم ومدينتهم وأنهم خرجوا فرارا من دقيانوس الملك الكافر فمن ظهر عليهم يعلم بأنهم مسلمون وألزقاه في السد من داخل الكهف

وقال في رواية السدي في قصة أصحاب الكهف كان في المدينة فتية ليس منهم أحد يعرف صاحبه فخرج ملكهم مخرجا له وخرج الفتية ومنهم واحد له كلب وليس منهم أحد إلا وهو يقول في نفسه إن رأيت أحدا استضعفت دعوته إلى الإيمان باللّه فلما رجع الناس تخلف الفتية فاجتمعوا على باب المدينة وقد أغلق الباب دونهم فطلبوا أن يدخلوا فلم يفتح لهم فقال بعضهم إني أسر إليكم أمرا فإن تابعتموني عليه رشدتم فقص عليهم أمره فقالوا جميعا نحن على هذا

فذلك قوله عز وجل { إذ قاموا فقالوا ربنا رب السموات والأرض } الآية فصاروا إلى الكهف فدخلوه ورقدوا فيه ورقد الكلب بفناء الكهف فضرب اللّه على آذانهم بالنوم فلما فقدهم أهلوهم إنطلقوا إلى الملك فأخبروه فدعا بصخرة فكتب فيها أسماءهم وكتب فيها أنهم هلكوا في زمن كذا ثم ضربها في سور المدينة على الباب وهو الرقيم

وفي رواية وهب بن منبه قال جاء حواري من حواريي عيسى ابن مريم عليهما السلام إلى مدينة أصحاب الكهف فأراد أن يدخلها فقيل له إن على بابها صنما لا يدخلها أحد إلا سجد له فكره أن يدخلها وأتى حماما كان قريبا من تلك المدينة فكان يعمل فيه يعني أنه أجر نفسه من صاحب الحمام فرأى صاحب الحمام في حمامه البركة ودر عليه الرزق واجتمع إليه فتية من أهل المدينة فكان يخبرهم بخبر السماء والأرض وخبر الآخرة حتى آمنوا به وصدقوه وكانوا على مثل حاله في حسن الهيئة فكانوا في ذلك حتى جاء إبن الملك بإمرأة فدخل بها الحمام فماتا في الحمام جميعا فأتي الملك فقيل له صاحب الحمام قتل إبنك فالتمسه فلم يقدر عليه فقال من كان يصحبه فسموا الفتية فالتمسوهم فخرجوا من المدينة فمروا بصاحب لهم في زرع له وكان على مثل أمرهم فذكروا له أنهم التمسوا فانطلق معهم ومعه الكلب حتى آواهم الليل إلى الكهف فدخلوه وقالوا نبيت ها هنا الليلة ثم نصبح إن شاء اللّه فترون رأيكم فضرب على آذانهم فخرج الملك في أصحابه يتبعونهم حتى وجدوا آثارهم وقد دخلوا الكهف فلما أراد رجل منهم أن يدخل الكهف أرعب فلم يطق أحد أن يدخل عليهم فقال له قائل ألست لو كنت قدرت عليهم قتلتهم فسد عليهم باب الكهف ودعهم حتى يموتوا عطشا وجوعا ففعل ذلك

ثم أن راعيا إحتاج أن يبني حظيرة لغنمه فهدم ذلك السد وبنى عليه لغنمه فصار باب الكهف مفتوحا وكلما غزا ملك تلك المدينة فظهر عليها أظهر علامته إن كان مسلما أظهر علامة المسلمين وإن كان كافرا أظهر علامة المشركين ثم مات دقيانوس وملك ملك آخر مسلم فأظهر علامة المؤمنين بالمدينة وكان يقال له ستفاد الملك

ثم إن أصحاب الملك استيقظوا بعد ثلاثمائة سنة وتسع سنين فنظر واحد منهم إلى الشمس وقد دنت إلى الغروب ويقال عند زوال الشمس فقال { كم لبثتم } { قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم } فقال كبيرهم لا تختلفوا فإنه لم يختلف قوم إلا هلكوا

ثم قال الآخرون { فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة فلينظر أيها أزكى طعاما } [ الكهف : ١٩ ] أي أحل وأطهر لأنهم كانوا يذبحون الخنازير فدفعوا الدراهم إلى رجل يقال له تمليخا فخرج تملينا فلما إنتهى إلى باب الكهف رأى حجارة مكسرة على بابه فقال إن هذا شيء ما رأيناه بالأمس فلما خرج أنكر الطريق فدنا إلى باب المدينة فلم يعرفها فلما دخل المدينة لم يعرف أحدا من الناس فأشكل عليه فقال لعل هذه غير تلك المدينة فسأل إنسانا فقال أي مدينة هذه فقال أقسوس فقال لقد أصابني شر أو تغير عقلي فهذه مدينتنا ولا أعرفها ولا أعرف أحدا من أهلها فأخرج الدراهم وجاء إلى الخباز ودفعها إليه فأخذ الخباز الدراهم فأنكرها وقال من أين لك هذه الدراهم لقد وجدت كنزا لتخبرني وإلا رفعتك إلى الملك

وكان كل ملك يحدث بعد آخر تضرب دراهم على سكته وختمه فمن وجد معه دراهم غير تلك الدراهم علم أنه كنز فلما وجدوا معه تلك الدراهم قالوا هذا كنز فقال هذه الدراهم ما أخرجت من المدينة إلا أمس فظن الخباز أنه يتجانن عليه ليرسله فقال له لقد علمت أنك تتجانن علي لا أرسلك حتى تعطيني من هذا الكنز وإلا رفعتك إلى الملك

فاجتمع الناس عليه وذهبوا به إلى الملك فجعل تمليخا يبكي خوفا من الملك وأن يرفع إلى ملكهم الجبار الذي فر منه فلما أدخل على غيره سكن فقال له الملك من أين لك هذه الدراهم فقال خرجت بها عشية أمس أنا

وأصحاب لي فرارا من دقيانوس الملك فقال إنك رجل شاب وذلك الملك قد مضى عليه دهر طويل فما أنا بالذي أرسلك حتى تخبرني من أين لك هذه الدراهم فقص عليه أمره وأمر أصحابه فقال أناس من المسلمين قد أخبروا بقصتهم أن آباءنا أخبرونا أن فتية قد خرجوا بدينهم وهم مسلمون فرارا من دقيانوس الملك وإنا واللّه لا ندري ولعله صادق فاركب وانظر لعله شيء أراد اللّه أن يظهرك عليه أو يكون في ولايتك فركب الملك وركب معه الناس المسلم والكافر حتى إنتهوا إلى الكهف فلما رأى أصحابه الناس قد إنتهوا إليهم عانق بعضهم بعضا يبكون ولا يشكون إلا أنه الملك الجبار الكافر فقال لهم تمليخا أمكثوا حتى أدخل أولا فدخل عليهم فأخبرهم بالقصة

قال ابن عباس في رواية أبي صالح دخل عليهم الملك والناس فسألوهم عن أمرهم فقصوا عليهم قصتهم فنظروا فإذا اللوح الرصاص الذي كتبه المسلمان فيه أسماؤهم وأسماء آبائهم فقال الملك هم قوم هلكوا في زمن دقيانوس وأحياهم اللّه في زماني فلم يبق أحد من الكفار مع الملك إلا أسلموا كلهم إذا رأوهم فبينما هم يتحدثون إذ ماتوا كلهم

وقال في رواية سعيد بن جبير عن ابن عباس قال إن القوم لما انتهوا إلى الكهف قال لهم الفتى مكانكم حتى أدخل على أصحابي لا تهجموا عليهم فيفزعوا منكم فدخل فعمي عليهم المكان فلم يدروا أين ذهب ولم يقدروا على الدخول عليهم فقالوا { لنتخذن عليهم مسجدا } فجعلوا عليهم مسجدا وصاروا يصلون فيه فذلك قوله { فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددا}

١٢

{ ثم بعثناهم } أي أيقظناهم { لنعلم أي الحزبين } يعني أي الفريقين المسلم والكافر { أحصى } أي أحفظ { لما لبثوا أمدا } يعني لما مكثوا أجلا وكان المسلمان كتبا في اللوح فظهر لهم مقدار ما لبثوا فيه ولم يعلم الكفار مقدار ذلك

ويقال { أي الحزبين } يعني الذين كانوا مؤمنين قبل ذلك والذين أسلموا في ذلك الوقت

ويقال أي الفريقين أصدق قولا لأنهم قد إختلفوا في البعث منهم من كان ينكر ذلك فظهر لهم أن البعث حق

١٣

قوله تعالى { نحن نقص عليك نبأهم } أي ننزل عليك في القرآن خبر الفتية { بالحق } أي بالصدق { إنهم فتية آمنوا بربهم } أي صدقوا بتوحيد ربهم { وزدناهم هدى } أي يقينا وبصيرة في أمر دينهم

١٤

وقال عز وجل { وربطنا على قلوبهم } أي حفظنا قلوبهم على الإيمان

وقيل ألهمناهم الصبر حتى ثبتوا على دينهم { إذ قاموا } من نومهم

ويقال قاموا بإثبات الحجة ويقال خرجوا من عند الملك { فقالوا ربنا رب السموات والأرض لن ندعو من دونه إلها } أي لم نقل من دون اللّه ربا وإن فعلنا { فقد قلنا إذا شططا } أي كذبا وجورا

ويقال { شططا } أي علوا يقال قد أشط إذا علا في القول أي جاوز الحد

١٥

 { هؤلاء قومنا اتخذوا } أي عبدوا { من دونه آلهة لولا يأتون عليهم بسلطان بين } يعني هلا يأتون بحجة بينة على عبادة آلهتهم { فمن أظلم ممن افترى } أي إختلق { على اللّه كذبا } أن له شريكا

١٦

ثم قال { وإذ اعتزلتموهم } يقول بعضهم لبعض لو تركتموهم { وما يعبدون إلا اللّه } يعني لو تركتم ما يعبدون فلا يعبدون إلا اللّه

ويقال لو اعتزلتم عبادتهم إلا اللّه يعني قولهم اللّه خالقنا

ويقال { وإذ اعتزلتموهم } هذا قولهم

ثم قال حكاية عن قولهم فقال { وما يعبدون إلا اللّه } يعني أصحاب الكهف { فأووا إلى الكهف } أي فارجعوا إلى الكهف

ويقال فادخلوا الكهف { ينشر لكم ربكم من رحمته } أي يهب لكم ربكم من نعمته ويقال يبسط لكم من رزقه { ويهيىء لكم من أمركم مرفقا } أي يجعل لكم من أمركم الذي وقعتم فيه ما يرفق بكم ويصلحكم ويقال مخرجا ونجاة ورزقا

١٧

قوله تعالى { وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم } أي تميل وتنحرف عن كهفهم { ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم } أي تجاوزهم ويقال تتركهم وتمر بهم وأصل القرض القطع ومنه سمي المقراض { ذات الشمال } أي شمال الكهف { وهم في فجوة منه } أي في ناحية من الغار

ويقال في متسع منه فأخبر أنه بوأهم كهفا مستقبلا بنات نعش والشمس تميل عنه وتستدير طالعة وغاربة ولا تدخل عليهم فتؤذيهم بحرها ولا يحلفهم سمومها فيغير ألوانهم وتبلى أبدانهم وكانوا في متسع منه ينالهم نسيم الريح وينفي عنهم غمة الغار والغمة الهواء العفن ويجوز الرفع النصب { في فجوة منه } الغار وكربه

قوله { ذلك من آيات اللّه } أي ذلك الخبر والذكر ويقال ذلك الذي فعل بهم واختار لهم المكان الموافق من عجائب اللّه ولطفه وكرمه { من يهد اللّه فهو المهتد } أي من يوفقه اللّه للّهدى فهو المهتدي { ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا } أي موفقا يرشده إلى التوحيد قرأ نافع وإبن عامر وعاصم في رواية أبي بكر { من أمركم مرفقا } بنصب الميم وكسر الفاء والباقون بكسر الميم ونصب الفاء ومعناهما واحد وهو ما يرتفق به وقرأ إبن كثير ونافع وأبو عمرو { تزاور } بتشديد الزاي مع الألف لأن أصله تتزاور أي تميل فأدغم وشدد الزاي وقرأ إبن عامر { تزور } بجزم الزاي وتشديد الراء ومعنى ذلك كله واحد وهو الميل

١٨

قال اللّه تعالى { وتحسبهم أيقاظا وهم رقود } لأن عيونهم كانت مفتحة ويقال من كثرة تقلبهم ذات اليمين وذات الشمال { ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال } وذلك أن جبريل عليه السلام كان يقلبهم في كل سنة مرة لكيلا تأكل الأرض لحومهم وهو قول ابن عباس وقال مجاهد مكثوا ثلاثمائة عام على شق واحد وقلبوا في التسع سنين { وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد } أي مادا ذراعيه بفناء الباب { لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا } أي لو هجمت عليهم اليوم لأدبرت فرارا من هيئتهم

وروى سعيد بن جابر عن ابن عباس أنه قال غزا معاوية غزوة نحو الروم فمروا بالكهف الذي فيه أصحاب الكهف فقال معاوية لو كشفنا عن هؤلاء فنظرنا إليهم فقال ابن عباس قد منع اللّه ذلك عمن هو خير منك يعني قال للنبي صلى اللّه عليه وسلم { لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا } { ولملئت منهم رعبا } فقال معاوية لا أنتهي حتى أعلم علمهم فبعث أناسا فقال أذهبوا فادخلوا الكهف فلما ذهبوا ودخلوا بعث اللّه تعالى ريحا فأخرجتهم

١٩

وقال { وكذلك بعثناهم } أيقظناهم من نومهم { ليتساءلوا بينهم } ليتحدثوا { قال قائل منهم كم لبثتم } أي كم مكثتم في نومكم { قالوا لبثنا يوما } فلما رأوا الشمس قد زالت قالوا { أو بعض يوم قالوا ربكم أعلم بما لبثتم فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة }

وروى مجاهد عن ابن عباس قال كانت دراهم أصحاب الكهف مثل أخفاف الإبل

قرأ إبن كثير ونافع { ولملئت } بتشديد اللام وهي لغة لبعض العرب وقرأ الباقون بالتخفيف وهما لغتان وقرأ أبو عمرو وحمزة وعاصم في رواية أبي بكر { بورقكم } بجزم الراء وقرأ الباقون بالكسر وهما لغتان { فلينظر أيها أزكى طعاما } أي أطيب خبزا أو أحل ذبيحة وهذا قول ابن عباس ويقال أي أهلها أزكى طعاما وقال عكرمة أي أكثر وأرخص طعاما { فليأتكم برزق منه } أي بطعام منه ويقال { أزكى طعاما } أي لم يكن غصبا { وليتلطف } أي وليرفق في السؤال { ولا يشعرن بكم أحدا } أي لا يعلمن بمكانكم أحدا من الناس

٢٠

 { إنهم إن يظهروا عليكم } يعني إن يطلعوا عليكم { يرجموكم } يقتلوكم { أو يعيدوكم في ملتهم ولن تفلحوا إذا أبدا } أي لن تفوزوا ولن تسعدوا إذا أبدا إن عبدتم غير اللّه تعالى

٢١

{وكذلك أعثرنا عليهم } يقول أطلعنا الملك عليهم قال القتبي وأصله في اللغة أن من عثر بشيء نظر إليه حتى يعرفه فاستعير العثار مكان التبين والظهور { ليعلموا أن وعد اللّه حق } يعني البعث بعد الموت وذلك أن القوم كانوا مختلفين منهم من كان مقرأ بالبعث ومنهم من كان جاحدا فلما ظهر حالهم عرفوا أن البعث حق وأنه كائن { وأن الساعة لا ريب فيها إذ يتنازعون بينهم أمرهم } يعني إذ يختلفون فيما بينهم

وقال بعضهم اختلفوا في عددهم

وقال بعضهم اختلفوا فقال المؤمنون فيما بينهم نبني مسجدا وقالت النصارى نبني كنيسة فغلب عليهم المسلمون وبنوا المسجد فذلك قوله { فقالوا ابنوا عليهم بنيانا } أي مسجدا { ربهم أعلم بهم } أي عالم بهم { قال الذين غلبوا على أمرهم } الذين كانوا على دين أصحاب الكهف وهم المؤمنون { لنتخذن عليهم مسجدا } قال الزجاج فيه دليل أنه ظهر أمرهم وغلب الذين أقروا بالبعث على غيرهم لأنهم اتخذوا مسجدا والمسجد للمسلمين

٢٢

ثم قال تعالى { سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم } قال بعضهم اختلفوا في أمرهم ويقال هذا الإختلاف في زمن النبي صلى اللّه عليه وسلم فاختلفوا وذلك أن أهل نجران السيد والعاقب ومن معهما قدموا على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فكان السيد صارما يعقوبيا والعاقب نسطوريا وصنف منهم ملكانيا فسألهم النبي صلى اللّه عليه وسلم عن عدة أصحاب الكهف فقال السيد وأصحابه { ثلاثة رابعهم كلبهم } { ويقولون } أي العاقب وأصحابه { خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب } أي ظنا بالغيب { ويقولون } أي صنف منهم { سبعة وثامنهم كلبهم }

قال اللّه تعالى للنبي صلى اللّه عليه وسلم { قل ربي أعلم بعدتهم ما يعلمهم إلا قليل } وهذا إخبار من اللّه تعالى أن عدتهم سبعة قال ابن عباس وفي رواية أخرى أنه قال أظن القوم كانوا ثلاثة قال واحد منهم كم لبثتم فقال الثاني لبثنا يوما أو بعض يوم فقال الثالث ربكم أعلم بما لبثتم

وروي عن ابن عباس أنه قال إنهم سبعة وذكر أسماءهم فقال مكسلمينا وهو أكبرهم وتمليخا ومطرونس وسارينوس ونوانس وكفاشطهواس وبطنبورسوس وذكر في رواية وهب أسماؤهم بخلاف هذا إلا تمليخا فقد إتفقوا على اسمه وقال ابن عباس كان اسم الكلب قطمير وقال سعيد بن جبير كان إسمه فرفدين ويقال كان لونه خليج ويقال كان لونه غلبة بالفارسية ومعناه بالعربية أبلق وقال بعض المحدثين إن كلب أهل الكهف يكون معهم في الجنة

وقال بعضهم يصير ترابا مثل سائر الحيوانات وإنما الجنة للمؤمنين خاصة

ثم قال عز وجل { فلا تمار فيهم إلا مراء ظاهرا } قال قتادة { فلا تمار } يقول حسبك ما أعلمناك من خبرهم { ولا تستفت فيهم منهم أحدا } أي لا تسأل عن أصحاب الكهف من النصارى أحدا

٢٣

 { ولا تقولن لشيء } أردت أن أفعله { إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء اللّه } يعني إلا أن تستثني فتقول إن شاء اللّه { واذكر ربك إذا نسيت } يعني إذا نسيت الإستثناء فاذكرها بعد ما ذكرت واستثن وهذا في غير اليمين وأما في اليمين فاتفق الفقهاء من أهل الفتوى أن الإستثناء لا يكون موصولا إلا

رواية عن ابن عباس روى عنه مجاهد قال يستثني الرجل في يمينه متى ذكر ثم قرأ { واذكر ربك إذا نسيت } وهذه الرواية غير مأخوذة

وروى أبو هريرة عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه قال كان لسليمان بن داود مائة امرأة فقال لأطوفن الليلة عليهن جميعا وكل إمرأة تأتي بغلام يقاتل في سبيل اللّه ونسي أن يقول إن شاء اللّه فلم تأت واحدة منهن بشيء إلا امرأة واحدة أتت بشق غلام فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم والذي نفسي بيده لو قال إن شاء اللّه لولد له ذلك وكان دركا له في حاجته

٢٤

ثم قال تعالى { وقل عسى أن يهديني ربي } أي يرشدني { لأقرب } أي لأسرع { من هذا } الميعاد الذي وعدت لكم { رشدا } أي صوابا وهذا قول مقاتل وقال الزجاج معناه عسى ربي أن يعطيني من الآيات والدلائل على النبوة ما يكون أقرب في الرشد وأدل على قصة أصحاب الكهف قرأ إبن كثير ونافع وأبو عمرو { أن يهديني } بالياء عند الوصل وقرأ الباقون بحذف الياء

٢٥

قال تعالى { ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعا } قالت النصارى أما ثلاثمائة فقد عرفنا وأما تسعا فلا علم لنا فيه فنزل { وازدادوا تسعا } قرأ حمزة والكسائي { ثلاث مائة } بكسر الهاء بغير تنوين على معنى الإضافة وقرأ الباقون بالتنوين

٢٦

{ له غيب السموات والأرض } أي عالم بما لبثوا في رقودهم وقال الكلبي { أبصر به وأسمع } أي هو عالم بقصة أصحاب الكهف وغيرهم { ما لهم من دونه من ولي } أي أصحاب الكهف { ولا يشرك في حكمه أحدا } قرأ إبن عامر { ولا تشرك } بالتاء على معنى المخاطبة وقرأ الباقون بالياء ومعناه أنه قد جرى ذكر علمه وقدرته وأعلم أنه لا يشرك في حكمه أحدا كما قال { عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا } [ الجن : ٢٦ ] ومن قرأ بالتاء يقول لا تنسبن أحدا إلى عالم الغيب ومعناه أنه لا يجوز لأحد أن يحكم بين رجلين بغير حكم اللّه تعالى فيما حكم أو دل عليه حكم اللّه فليس لأحد أن يحكم من ذات نفسه

٢٧

ثم قال تعالى { واتل ما أوحي إليك } يقول اقرأ عليهم الذي أنزل إليك { من كتاب ربك } يعني القرآن { لا مبدل لكلماته } يقول لا مغير لنزول القرآن ولا خلف له ويقال ولا ينقص منه ولا يزاد فيه { ولن تجد من دونه ملتحدا } أي لا ملجأ يمنعك منه ويقال { ملتحدا } أي مانعا يمنعك ويقال معدلا وإنما سمي اللحد لحدا لأنه في ناحية ويقال معناه وإن زدت فيه أو نقصت منه لن تجد من عذابه ملجأ

٢٨

 { واصبر نفسك } يقول واحبس نفسك { مع الذين يدعون ربهم } أي يصلون للّه تعالى { بالغداة والعشي } يعني الصلوات الخمس

قال ابن عباس نزلت الآية في سلمان وصهيب وعمار بن ياسر وخباب بن الأرت وعامر بن فهيرة ونحوهم من الفقراء قالوا بينا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم جالس ذات يوم عنده سلمان على بساط منسق بالخوص أي منسوج إذ دخل عليه عيينة بن حصن الفزاري فجعل يدفعه بمرفقه وينحيه حتى أخرجه من البساط وكان على سلمان شملة قد عرق فيها فقال عيينة إن لنا شرفا فإذا دخلنا عليك فأخرج هذا أو أضربه فواللّه إنه ليؤذيني ريحه أما يؤذيك ريحه فإذا خرجنا من عندك فأدخلهم وأذن لهم بالدخول إن بدا لك أن يدخلوا عليك أو إجعل لنا مجلسا ولهم مجلسا فنزل { واصبر نفسك } الآية { يريدون وجهه } أي يطلبون رضاه

وقال { ولا تعد عيناك عنهم } أي لا تجاوزهم ويقال لا تحتقرهم ولا تزدرهم { تريد زينة الحياة الدنيا } أي ما قال عيينة بن حصن الفزاري وأمثاله { ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا } أي عن القرآن { واتبع هواه } في عبادة الأصنام { وكان أمره فرطا } أي ضياعا وقال السدي هلاكا قال أبو عبيدة ندما وقال القتبي أصله من العجلة والسبق قال المفسرون أي سرفا وقال الزجاج تفريطا وهو العجز

٢٩

ثم قال تعالى { وقل الحق من ربكم } أي القرآن { فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر } أي من شاء فليقل لا إله إلا اللّه ويقال معناه من شاء اللّه له الإيمان آمن ومن شاء اللّه له الكفر كفر ويقال { فمن شاء فليؤمن } من لفظه لفظ المشيئة والمراد به الأمر يعني آمنوا { ومن شاء فليكفر } لفظه لفظ المشيئة والمراد به الخبر ومعناه ومن كفر { إنا أعتدنا للظالمين نارا } يعني للكافرين { أحاط بهم سرادقها } يعني أن دخانها محيط بالكافرين قال الكلبي ومقاتل يخرج عنق من النار فيحيط بهم كالحظيرة

ثم قال { وإن يستغيثوا } من العطش { يغاثوا بماء كالمهل } أي أسود غليظا كرديء الزيت وهذا قول الكلبي والسدي وإبن جبير

وروى عكرمة عن ابن عباس مثله ويقال هو الصفر المذاب أو النحاس المذاب إذ بلغ غايته في الحر

وروى الضحاك عن إبن مسعود أنه أذاب فضة من بيت المال ثم بعث إلى أهل المسجد وقال من أحب أن ينظر إلى المهل فلينظر إلى هذا وقال مجاهد المهل القيح والدم الأسود كعكر الزيت { يشوي الوجوه } يعني إذا هوى به إلى فيه أنضج وجهه { بئس الشراب } المهل { وساءت مرتفقا } يقول بئس المنزل النار رفقاؤهم فيها الشياطين والكفار { وساءت مرتفقا } أي مجلسا وأصل الإرتفاق الإتكاء على المرفق

٣٠

قوله عز وجل { إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا } أي لا نبطل ثواب من أحسن عملا في الآخرة

٣١

ثم بين ثوابهم فقال { أولئك لهم جنات عدن } العدن الإقامة ويقال العدن بطنان الجنة وهي وسطها { تجري من تحتهم الأنهار يحلون فيها من أساور من ذهب ويلبسون ثيابا خضرا من سندس وإستبرق } السندس ما لطف من الديباج والإستبرق ما ثخن من الديباج وقال القتبي يقول قوم هو فارسي معرب أصله استبراك وقال الزجاج في قوله { إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات } يجوز أن يكون خبره { إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا } كأنه يقول إنا لا نضيع أجرهم ويحتمل أن يكون الجواب قوله { أولئك لهم جنات عدن } ويجوز أن يكون جوابه لم يذكر

وقد بين ثواب من أحسن عملا في موضع آخر وهو قوله { منهم مغفرة وأجرا عظيما } وقوله { أساور } جمع أسورة واحدها سوار والأسورة جمع الجمع { متكئين فيها على الأرائك } أي على السرر في الحجال ولا يكون أريكة إلا إذا اجتمعا على السرير والحجلة { نعم الثواب } الجنة { وحسنت مرتفقا } أي منزلا في الجنة قرناؤهم الأنبياء والصالحون

٣٢

ثم قال تعالى { واضرب لهم مثلا رجلين } أي صف لأهل مكة صفة رجلين أخوين من بني مخزوم أحدهما مؤمن واسمه أبو سلمة بن عبد الأسد والآخر كافر ويقال له أسود بن عبد الأسود وهما من هذه الأمة وآخرين أيضا من بني إسرائيل مؤمن وكافر فالمؤمن إسمه تمليخا ويقال يهوذا والكافر إسمه أبو قطروس هكذا

روي عن ابن عباس ويقال هذا المثل لجميع من آمن باللّه وجميع من كفر به

وروي عن إبن مسعود أنه قال كانا مشركين من بني إسرائيل أحدهما مؤمن والآخر كافر فاقتسما فأصاب كل واحد منهما أربعين ألف درهم

وروي عن ابن عباس أنه قال كانا أخوين ورث كل واحد منهما من أبيه أربعة آلاف دينار فالكافر أنفق ماله في زينة الدنيا نحو شراء المنازل والخدم والحيوان وأنفق المؤمن ماله في طاعة اللّه تعالى وتصدق على الفقراء والمساكين وذلك قوله تعالى { جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب } أي بساتين قال السدي كان بستانا واحدا عليه جدار واحد وكان في وسطه نهر فلذلك قال { جنتين } لمكان النهر الذي بينهما وسماه جنة للمكان الدائر الذي عليه { وحففناهما بنخل } يعني الجنتين

ثم قال { وجعلنا بينهما زرعا } أي مزرعا يقال كان حول البستان نخيل وأشجار وداخل الأشجار كروم وداخل الكروم موضع الزرع والرطاب ونحو ذلك { كلتا الجنتين آتت أكلها } أي أعطت وأخرجت حملها وثمارها { ولم تظلم منه شيئا } أي لم تنقص من ثمر الجنتين شيئا

٣٣

وقال الزجاج { كلتا الجنتين آتت أكلها } لأن لفظ كلتا واحد والمعنى أن كل واحدة منهما { آتت أكلها } يعني أعطت وأخرجت حملها وثمرتها { ولم تظلم منه شيئا } يعني لم ينقص من ثمر الجنتين شيئا ولو قال أتت لكان جائزا { وفجرنا خلالهما } أي أجرينا وسطها { نهرا } والنهر بنصب الهاء والجزم بمعنى واحد في اللغة إلا أن قراءة النصب أصح

٣٤

وقال { وكان له ثمر } قرأ أبو عمرو { ثمر } بضم الثاء وجزم الميم وقرأ الباقون غير عاصم بضم الثاء والميم ومعناهما واحد وقرأ عاصم بنصب الثاء والميم فمن قرأ بالنصب فهو ما يخرج من الشجر ومن قرأ بالضم فهو المال يقال قد أثمر فلان مالا ويقال الثمر جمع ثمار ويقال ثمرة وثمار وجمع الثمار ثمر { فقال لصاحبه } يعني قال الكافر للمؤمن { وهو يحاوره } أي يفاخره ويراجعه وذلك أن أخاه إحتاج فأتاه يسأله منه شيئا فلم يعطه شيئا وعاتبه بدفع ماله وذلك قوله تعالى { فقال لصاحبه وهو يحاوره } { أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا } يعني وأكثر خدما

٣٥

وقال { ودخل جنته } وهو آخذ بيد أخيه المسلم { وهو ظالم لنفسه } بالشرك فمن كفر باللّه فهو ظالم لنفسه لأنه أوجب لها العذاب الدائم

٣٦

 { قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا } لأن أخاه المؤمن عرض عليه الإيمان باللّه تعالى واليوم الآخر فأجابه الكافر ف { قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا } يعني لن تفنى هذه أبدا { وما أظن الساعة قائمة } أي كائنة { ولئن رددت إلى ربي } أي إن كان الأمر كما يقول ورجعت إلى ربي في الآخرة { لأجدن خيرا منها منقلبا } في الآخرة أي مرجعا قرأ إبن كثير ونافع وإبن عامر { خيرا منهما } لأنها كناية عن الجنتين وقرأ الباقون { منها } لأنه كناية عن قوله { ودخل جنته }

٣٧

{قال له صاحبه } أي أخاه المسلم { وهو يحاوره } أي يكلمه ويعظه في اللّه تعالى { أكفرت بالذي خلقك من تراب } يعني آدم عليه السلام { ثم من نطفة ثم سواك رجلا } يعني خلقك معتدل القامة

٣٨

قوله { لكنا هو اللّه ربي } قرأ إبن عامر ونافع في إحدى الروايتين { لكنا } بالألف وتشديد النون لأن أصله لكن أنا فأدغم فيه وقرأ الباقون { لكن } وفي مصحف الإمام { لكن أنا هو اللّه ربي } فهذا هو الأصل في اللغة ومعناه لكن أنا أقول هو اللّه ربي {ولا أشرك بربي أحدا}

٣٩

{ولولا إذ دخلت جنتك } يقول فهلا إذ دخلت بستانك { قلت ما شاء اللّه لا قوة إلا باللّه } يعني بقوة اللّه أعطانيها لا بقوتي

وروي عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه قال من أعطي خيرا من أهل أو مال فيقول عند ذلك ما شاء اللّه لا قوة إلا باللّه لم ير فيه ما يكره

ثم قال { إن ترن } يعني إن رأيتني { أنا أقل منك مالا وولدا } في الدنيا

٤٠

{ فعسى ربي أن يؤتين خيرا من جنتك } هذه في الآخرة { ويرسل عليها } أي على جنتك { حسبانا من السماء } أي نارا من السماء وهذا وقول الكلبي والضحاك ومقاتل وقال قتادة { حسبانا } أي مرامي واحدها حسبانة وقال الزجاج الحسبان أصله الحساب كقوله { الشمس والقمر بحسبان } [ الرحمن : ٥ ] أي بحساب وهكذا قال هنا { حسبانا } أي حسابا بما كسبت يداك وقال بعض أهل اللغة الحسبان في اللغة سهم فارق وهو ما يرمى به

ثم قال { فتصبح صعيدا زلقا } أي فتصير ترابا أملس لا نبات فيها

٤١

{ أو يصبح ماؤها غورا } أي غائرا يقال غار ماؤها فلم يقدر عليه { فلن تستطيع له طلبا } أي حيلة

٤٢

 { وأحيط بثمره } أي فأهلك جميع ماله والإختلاف في الثمر كما ذكرنا { فأصبح يقلب كفيه } أي يصفق يده على الأخرى ندامة { على ما أنفق فيها } من المال { وهي خاوية على عروشها } أي ساقطة على سقوفها { ويقول } في الآخرة { يا ليتني لم أشرك بربي أحدا } في الدنيا

٤٣

وقال { ولم تكن له فئة ينصرونه من دون اللّه } أي جندا وقوما وأعوانا يمنعونه من عذاب اللّه { وما كان منتصرا } أي ممتنعا هو بنفسه قرأ حمزة والكسائي { ولم يكن } بالياء بلفظ التذكير وقرأ الباقون بالتاء بلفظ التأنيث وقال الزجاج لو قال نصره لجاز وإنما ينصره على المعنى أي أقواما ينصرونه

٤٤

{ هنالك الولاية للّه الحق } أي عند ذلك وهو يوم القيامة يعني السلطان والحكم للّه الحق لا ينازعه أحد في ملكه يومئذ وهذا كقوله { والأمر يومئذ للّه } [ الإنفطار : ١٩ ] فمن قرأ { الحق } بكسر القاف جعله نعتا للّه ومن قرأ بالضم جعله نعتا للولاية قرأ حمزة { هنالك الولاية } بكسر الواو وضم القاف وقرأ الباقون { الولاية للّه الحق } { الولاية } بنصب الواو وكسر القاف

وقال بعضهم { الولاية } بالكسر والنصب لغتان وقيل بالكسر مصدر الوالي يقال والى بين الولاية وبالنصب مصدر الولي بين الولاية { هو خير ثوابا } أي خير من أثاب العبد { وخير عقبا } أي خير من أعقب قرأ حمزة وعاصم { عقبا } بجزم القاف وقرأ الباقون بضم القاف ومعناهما واحد وهو العاقبة فبين اللّه تعالى حال الأخوين في الدنيا وبين حالهما في الآخرة في سورة الصافات في قوله تعالى { قال قائل منهم إني كان لي قرين } [ الصافات : ٥١ ] إلى قوله { في سواء الجحيم } [ الصافات : ٥٥ ]

٤٥

ثم قال { واضرب لهم مثل الحياة الدنيا } أي للمشركين شبه ما في الدنيا من الزينة والزهرة { كماء أنزلناه من السماء } وهو المطر { فاختلط به نبات الأرض } أي إختلط الماء بالنبات لأن الماء إذا دخل في الأرض ينبت به النبات فكأنه إختلط به { فأصبح هشيما تذروه الرياح } وفي الآية مضمر ومعناه فاختلط الماء بنبات الأرض فنبت وحسن حتى إذا بلغ أرسل اللّه آفة فأيبسته فصار هشيما أي صار يابسا متكسرا بعد حسنه قال القتبي وأصله من هشمت الشيء إذا كسرته ومنه سمي الرجل هاشما { تذروه الرياح } أي ذرته الرياح كالرماد ولم يبق منه شيء فكذلك الدنيا في فنائها وزوالها تهلك إذا جاءت الآخرة وما فيها من الزهرة { وكان اللّه على كل شيء مقتدرا } أي قادرا من البعث وغيره قرأ حمزة والكسائي { الريح } بلفظ الوحدان وقرأ الباقون { الرياح } بلفظ الجماعة

٤٦

قوله تعالى { المال والبنون زينة الحياة الدنيا } أي غرورا لا يبقى كما لا يبقى الهشيم حين ذرته الريح وإنما يبقى في الآخرة { والباقيات الصالحات } أي الصلوات الخمس هكذا

روي عن أبي الهيثم ومسروق وقال مسروق { الباقيات الصالحات } هي الخمس صلوات وهي الحسنات يذهبن السيئات وكذلك قال إبن أبي مليكة

وروى سفيان الثوري عن منصور عن مجاهد في قوله { والباقيات الصالحات } قال سبحان اللّه والحمد للّه ولا إله إلا اللّه واللّه أكبر  

وروي عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه خرج على قومه وقال خذوا جنتكم قالوا يا رسول اللّه أمن عدو حضر قال لا بل من النار قالوا وما جنتنا من النار قال سبحان اللّه والحمد للّه ولا إله إلا اللّه واللّه أكبر ويقال كل طاعة يبقى ثوابها فهي الباقيات الصالحات الصلاة والصدقة والتسبيح وجميع الطاعات { خير عند ربك ثوابا وخير أملا } أي خير من هذه الزينة والغرور عند اللّه تعالى وخير ما يثبت اللّه العبد { وخير أملا } أي خير ما يوصل العبد الصلاة والتسبيح أي أفضل رجاء مما يرجو الكافر لأن ثواب الكافر النار ومرجعه إلى النار

٤٧

وقال تعالى { ويوم نسير الجبال } أي نزيلها عن وجه الأرض ونسيرها كما نسير السحاب كقوله { وهي تمر مر السحاب } [ النمل : ٨٨ ] { وترى الأرض بارزة } أي ظاهرة من تحت الجبال ويقال { بارزة } أي خالية مما فيها من الكنوز والأموات كما قال { وألقت ما فيها وتخلت } [ الإنشقاق : ٤ ] قرأ إبن كثير وأبو عمرو وإبن عامر { ويوم تسير الجبال } بالتاء مع الضمة ونصب الياء وضم اللام على معنى فعل ما لم يسم فاعله وقرأ الباقون { نسير } بالنون ونصب اللام كما قال { وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا } أي لم نترك منهم أحدا ولا نخلف منهم أحدا

٤٨

{ وعرضوا على ربك صفا } يقول جميعا كقوله { ثم ائتوا صفا } [ طه : ٦٤ ] أي جميعا يقول اللّه تعالى ذكره { لقد جئتمونا } فرادى عراة حفاة { كما خلقناكم أول مرة } بلا أهل ولا مال { بل زعمتم } أي قد قلتم في الدنيا { أن لن نجعل لكم موعدا } أي لن نبعثكم في الآخرة

٤٩

وقال تعالى { ووضع الكتاب } أي وضع كتاب كل إمرىء منهم بيمينه أو بشماله { فترى المجرمين } أي المشركين والمنافقين والعاصين { مشفقين مما فيه } أي خائفين مما في الكتاب من الإحصاء { ويقولون يا ويلتنا } يا ندامتنا { مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة } يعني الزلل والكبائر ويقال تبسما وضحكا { إلا أحصاها } يقول حفظها عليهم { ووجدوا ما عملوا } في الكتاب { حاضرا } من خير أو شر مكتوبا { ولا يظلم ربك أحدا } أي لا ينقص من ثواب أعمالهم ولا يزيد في سيئاتهم

٥٠

قوله تعالى { وإذ قلنا للملائكة } الذين كانوا في الأرض مع إبليس { اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن } قال بعضهم كان أصله من الجن فلحق بالملائكة وجعل يتعبد معهم وقال مقاتل كان من الجن وهو جنس من الملائكة يقال لهم الجن

روي عن ابن عباس أنه كان من الملائكة الذين هم خزان الجنان ويقال { كان من الجن } أي صار من الجن كقوله { فكان من المغرقين } [ هود : ٤٣ ] { ففسق عن أمر ربه } أي تعظم من طاعة ربه وخرج عن طريق ربه يقال فسقت الرطبة إذا خرجت من قشرها { أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني } أفتطيعونه وتتركون أمر اللّه { وهم لكم عدو } أي أعداء كقوله { هم العدو فاحذرهم } [ المنافقون : ٤ ] { بئس للظالمين بدلا } أي بئس ما استبدلوا عبادة الشيطان بعبادة اللّه تعالى ويقال بئس ما أستبدلوا بولاية اللّه تعالى ولاية الشيطان

٥١

ثم قال { ما أشهدتهم خلق السموات والأرض } أي ما استعنت بهم على خلق السموات والأرض يعني إبليس وذريته { ولا خلق أنفسهم } أي ولا استعنت بهم على خلق أنفسهم { وما كنت متخذ المضلين } أي ما كنت أتخذ الذين يضلون الناس عونا يعني الشياطين { عضدا }

٥٢

{ويوم يقول نادوا شركائي } أي لعبده الأوثان وهو يوم القيامة { نادوا شركائي } أي أدعوا آلهتكم { الذين زعمتم } في الدنيا أنهم لي شركاء ليمنعوكم مني من عذابي { فدعوهم } يعني الآلهة { فلم يستجيبوا لهم } أي لم يجيبوهم { وجعلنا بينهم موبقا } قال مجاهد واد في جهنم وهكذا

قال مقاتل وقال القتبي أي مهلكا بينهم وبين آلهتهم في جهنم ومنه يقال أوبقته ذنوبه ويقال موعدا

وقال الزجاج وجعلنا بينهم من العذاب ما يوبقهم أي وجعلنا بينهم وبين شركائهم الذين أضلوهم { موبقا } أي مهلكا قرأ حمزة ويوم { نقول } بالنون وقرأ الباقون بالياء

٥٣

ثم قال { ورأى المجرمون النار } أي رآها المشركون من مكان بعيد { فظنوا } أي علموا واستيقنوا { أنهم مواقعوها } أي داخلوها { ولم يجدوا عنها مصرفا } أي معدلا ولا ملجأ ولا مفرا يرجعون إليه

٥٤

قوله تعالى { ولقد صرفنا } أي بينا { في هذا القرآن للناس من كل مثل } أي من كل وجه ونوع ليتعظوا فلم يتعظوا ويقال بينا من كل وجه يحتاجون إليه { وكان الإنسان أكثر شيء جدلا } من أمر الباطل يعني من أمر البعث مثل أبي بن خلف وأصحابه

قال الفقيه حدثنا الخليل بن أحمد قال حدثنا يحيى بن محمد الصاعد قال حدثنا العباس بن محمد الدوري قال حدثنا محمد بن بشر قال حدثنا الحجاج بن دينار قال عن أبي غالب عن أبي أمامة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل والدليل على أن الإنسان أراد به الكافر ما قال في سياق الآية { ويجادل الذين كفروا بالباطل } الآية

٥٥

ثم قال { وما منع الناس أن يؤمنوا } يقول لم يمنع المشركون أن يصدقوا { إذ جاءهم الهدى } يعني الرسول والكتاب والدلائل والحجج قوله { ويستغفروا ربهم } أي وما منعهم من الإستغفار والرجوع عن شركهم { إلا أن تأتيهم سنة الأولين } أي عذاب الأمم الخالية { أو يأتيهم العذاب قبلا } أي عيانا بالسيف قرأ عاصم وحمزة والكسائي { قبلا } بضم القاف والباء وقرأ الباقون بكسر القاف ونصب الباء فمن قرأ بالضم فهو بمعنى فعل من

قبل أي مما يقابلهم ويجوز أن يكون جمع قبيل هو أن يأتيهم العذاب أنواعا ومن قرأ بالكسر معناه عيانا

٥٦

وقال { وما نرسل المرسلين إلا مبشرين } أي للمؤمنين بالجنة { ومنذرين } أي للكافرين بالنار { ويجادل الذين كفروا بالباطل } أي يخاصموا بالباطل { ليدحضوا به } أي ليزيلوا ويذهبوا به { الحق } ومنه يقال حجة داحضة إذا زالت عن المحجة وقال مقاتل { ليدحضوا به } أي ليبطلوا به الحق يعني القرآن والإسلام يعني يريدون أن يفعلوا إن قدروا عليه { واتخذوا آياتي } يعني القرآن { وما أنذروا } أي وما خوفوا به { هزوا } أي سخرية

٥٧

قوله تعالى { ومن أظلم } أي فلا أحد أظلم ويقال أشد في كفره { ممن ذكر بآيات ربه } أي وعظ بالقرآن { فأعرض عنها } يقول فكذب بها ولم يؤمن بها { ونسي ما قدمت يداه } أي نسي ذنوبه التي أسلفها { إنا جعلنا على قلوبهم أكنة } أي جعلنا أعمالهم على قلوبهم أكنة { أن يفقهوه } أي لكيلا يعرفوه ولا يفهموه { وفي آذانهم وقرأ } أي صمما وثقلا مجازاة لكفرهم { وإن تدعهم إلى الهدى } أي إلى الإسلام { فلن يهتدوا } أي لن يؤمنوا { إذا أبدا }

٥٨

{ وربك الغفور } أي المتجاوز إن رجعوا { ذو الرحمة } أي بتأخير العذاب عنهم { لو يؤاخذهم بما كسبوا } أي لو يعاقبهم بكفرهم { لعجل لهم العذاب } في الدنيا { بل لهم موعد } أي أجلا { لن يجدوا من دونه موئلا } أي ملجأ يلجؤون إليه ولا منجى منه

٥٩

قوله عز وجل { وتلك القرى } أي أهلها يعني { أهلكناهم لما ظلموا } يعني القرون الماضية حين أقاموا وثبتوا على كفرهم { وجعلنا لمهلكهم موعدا } أي لهلاكهم أجلا يهلكون فيه قرأ عاصم في رواية أبي بكر { لمهلكهم } بنصب الميم واللام وقرأ عاصم في رواية حفص بنصب الميم وكسر اللام وقرأ الباقون بضم الميم ونصب اللام ومعنى ذلك كله واحد

قال الزجاج يكون للمصدر ويجوز للوقت وإن كان مصدرا فمعناه جعلنا لوقت هلاكهم أجلا وإن كان للوقت فمعناه جعلنا لوقت هلاكهم أجلا

٦٠

ثم قال تعالى { وإذ قال موسى لفتاه } أي لتلميذه وهو يوشع بن نون وقال أهل الكتاب إنما هو موسى بن إفراتيم بن يوسف بن يعقوب وذكر عن القتبي أنه قال زعم أهل التوراة أنه موسى بن ميشا بن يوسف بن يعقوب وقال عامة المفسرين هو موسى بن عمران الذي هو أخو هارون

قال الفقيه رضي اللّه عنه حدثنا الخليل بن أحمد قال حدثنا أبو العباس قال حدثنا محمد بن يحيى قال حدثنا أبو المغيرة قال حدثنا الأوزاعي عن الزهري عن عبيد اللّه بن منبه أن ابن عباس تمارى هو وجبر بن قيس الفزاري في صاحب موسى الذي سأل موسى السبيل إليه قال ابن عباس هو الخضر إذ مر أبي بن كعب فناداه ابن عباس فقال تماريت أنا وهذا في صاحب موسى فقال سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بينا موسى في ملإ بني إسرائيل إذ قام إليه رجل فقال هل تعلم أحدا أعلم منك فقال لا فأوحى اللّه إليه بل عبدي الخضر فسأل موسى السبيل إلى لقائه فجعل اللّه له الحوت آية فقال إذا فقدت الحوت فارجع فإنك ستلقاه فكان من شأنهما ما قص اللّه تعالى في القرآن

وروى سعيد بن جبير قال قلت لابن عباس إن نوف البكالي زعم أن موسى نبي بني إسرائيل ليس هو موسى صاحب الخضر فقال ابن عباس كذب عدو اللّه أخبرنا أبي بن كعب أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال قام موسى خطيبا في بني اسرائيل وذكر نحو الحديث الأول

وروى أسباط عن السدي قال بلغنا أن موسى بن عمران نبي اللّه خطب خطبة فأبلغ فيها فدخله بعض العجب وتعجبت بنو إسرائيل لبلاغته فقالوا يا نبي اللّه هل تعلم أحدا أبلغ منك فأوحى اللّه تعالى إليه أن لي عبدا في الأرض هو أعلم منك فاطلبه قال وما علامته قال تنطلق معك بزاد فإذا تعبت في سفرك أي أعييت وفقدت زادك فعند ذلك تلقاه فانطلق موسى وفتاه يوشع بن نون وحملا معهما خبزا وحوتا فذلك قوله تعالى { وإذ قال موسى لفتاه لا أبرح } قال الكلبي وإنما سماه موسى فتى لأنه كان يخدمه ويتبعه ويتعلم منه وكان يوشع من أشراف بني إسرائيل وهو الذي إستخلفه موسى على بني إسرائيل وقال مقاتل كان فتاه يوشع بن نون وهو إبن أخت موسى من سبط يوسف

قوله { لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين } أي بحر الملح وهو بحر فارس وبحر الروم والبحر العذب وقد قيل معناه آتي الموضع الذي يجتمع فيه بين العالمين يعني موسى والخضر وهما بحران في العلم والتفسير الأول أصح لأنه ذكر بعد هذا حديث البحر { أو أمضي حقبا } أي زمانا ودهرا وقال الكلبي الحقب الواحد ثمانون سنة

٦١

{ فلما بلغا مجمع بينهما } أي موسى ويوشع بن نون مجمع البحرين جلسا على شاطىء البحر فأصابا من طعامهما ونام موسى وجعل يوشع يتوضأ من عين على شاطىء البحر فانتضح من ذلك الماء على الحوت الملح فحيي فعاش الحوت وكانت تلك العين عين الحياة لا تصيب شيئا إلا عاش فوثب الحوت في الماء فجعل الحوت يضرب بذنبه في الماء فلا يضرب في ذنبه في الماء إلا يبس فأراد يوشع أن يخبر موسى بذلك فلما استيقظ موسى نسي يوشع أن يخبر موسى فذلك قوله { نسيا حوتهما } يعني أن يوشع نسي أن يخبر موسى عن خبر الحوت { فاتخذ سبيله في البحر سربا } قال الفراء أي أخذ طريقه يبسا وقال القتبي اتخذ طريقه في البحر مذهبا ومسلكا فذهبا عن ذلك الموضع في غدوتهما حتى أصابهما التعب ولم ينصب موسى في سفره حتى كان يومئذ فنصب فقال لفتاه يوشع

٦٢

قوله { فلما جاوزا قال لفتاه } يوشع { آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا } أي مشقة وتعبا

٦٣

 { قال } يوشع لموسى { أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة } أي حين نزلنا عند الصخرة { فإني نسيت الحوت } يقول نسيت أن أذكر لك أمر الحوت { وما أنسانيه إلا الشيطان أن اذكره } لك وأمره { واتخذ سبيله في البحر } أي طريقه { عجبا } قال بعضهم { عجبا } هو من كلام موسى

وقال بعضهم من كلام يوشع قال { عجبا } وذلك أن يوشع لما أخبره فقال موسى عجبا فكأنه قال أعجب عجبا

وقال بعضهم هو كلام يوشع { قال إتخذ سبيله في البحر عجبا } أي يبسا وذلك حين يبس له الماء وأثره في الماء

٦٤

ف { قال } موسى { ذلك ما كنا نبغ } أي نطلب من حاجتنا { فارتدا } أي رجعا { على آثارهما قصصا } يقتصان أثر طريقهما الذي جاء فيه وإنما سمي قاصا لأنه يقص أثر الأمم ومعناه أنهما رجعا في الطريق الذي سلكاه فلما انتهيا إلى الصخرة حيث قام الحوت أراه يوشع مكان الحوت وأثره في الماء فجب موسى من أثره فأبصر رجلا عند الصخرة قائما يصلي وعليه مدرعة صوف وكساء صوف فلما فرغ من صلاته قال موسى السلام عليك فقال وعليك السلام يا نبي بني إسرائيل قال ومن أخبرك أني نبي بني إسرائيل قال أخبرني الذي أخبرك بمكاني فذلك

٦٥

 قوله { فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا } أي أعطيناه النبوة ( وعلمناه من لدنا علما ) أي علم بعض الكوائن روي عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في قصة الخضر في بعض الأخبار فقال كان إبن ملك من الملوك فأراد أبوه أن يستخلفه من بعده فلم يقبل وهرب منه ولحق بجزائر البحر فطلبه أبوه فلم يقدر علي

٦٦

ثم قال { قال له موسى هل أتبعك } أي أصحبك { على أن تعلمن مما علمت رشدا } أي هدى وصوابا قرأ أبو عمرو وإبن عامر { رشدا } بالنصب وقرأ الباقون بالضم وأختلف عن عاصم ونافع ومعناهما واحد فقال له الخضر إن لك فيما في التوراة كفاية من طلب العلم في بني إسرائيل وفضل وإنك سترى مني أشياء تنكرها ولا ينبغي للرجل الصالح أن يرى شيئا منكرا لا يغيره فذلك

٦٧

قوله تعالى { قال إنك لن تستطيع معي صبرا } يعني إنك ترى مني أشياء لا تصبر عليها

٦٨

 { وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا } أي ما لم تعلم به علما ويقال معناه كيف تصبر على ما ظاهره منكر

٦٩

{ قال } موسى { ستجدني إن شاء اللّه صابرا ولا أعصي لك أمرا } أي لا أترك أمرك فيما أمرتني { قال } الخضر { فإن إتبعتني } أي صحبتني { فلا تسألني عن شيء } فعلت { حتى أحدث لك منه ذكرا } أي حتى أخبرك منه خبرا يعني إن أنكرته فلا تعجل علي بالمسألة فأمر موسى يوشع أن يرجع إلى بني إسرائيل وأقام موسى مع الخضر

٧٠

قرأ نافع { فلا تسألني } بتشديد النون مع إثبات الياء والتشديد للتأكيد والنهي وقرأ إبن عامر { فلا تسألن } بتشديد النون بغير ياء لأن الكسرة تدل عليه وقرأ الباقون { فلا تسألني } بالتخفيف وإثبات الياء وقرأ بعضهم بالتخفيف بغير ياء

٧١

ثم قال { فانطلقا } يعني موسى والخضر وذلك أن موسى رد يوشع إلى بني إسرائيل وذهب موسى مع الخضر { حتى إذا ركبا في السفينة } وذلك أنهما لما أتيا السفينة قال أهل السفينة لا يدخل علينا هذان الرجلان فإنا لا نعرفهما ونخاف على متاعنا منهما فقال الملاح بل سيماهما سيما الزهاد فحملهما في السفينة بغير نول أي مجانا فأخذ الخضر فأسا لما ركبا السفينة وجعل يثقب السفينة ويخرقها فقال أهل السفينة اللّه اللّه لا تخرق سفينتنا فنغرق فقال موسى حملنا بغير نول وتخرق السفينة وتغرق أهلها فذلك قوله { حتى إذا ركبا في السفينة } { خرقها } أي ثقبها { قال } موسى { أخرقتها لتغرق أهلها } قرأ حمزة والكسائي { ليغرق } بالياء والنصب { أهلها } بضم اللام وقرأ الباقون بالتاء والضم وكسر الراء والنصب في اللام فمن قرأ بنصب التاء فالأهل هو المفعول { لقد جئت شيئا إمرا } أي منكرا شديدا قال القتبي { إمرا } أي داهية وكذلك { نكرا } إلا أن النكر أشد إستعظاما بالعين وإنكارا بالقلب

٧٢

قوله تعالى { قال } له الخضر { ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا } روي عن ابن عباس أنه قال قال له موسى يا عبد اللّه إنه لا يحل لك أن تخرق سفينة القوم فتغرقهم فلم يكلمه الخضر وجعل يخرق السفينة حتى خرقها فتنحى موسى وجلس فقال وما كنت أصنع إن أتبع هذا الرجل يظلم هؤلاء القوم وقد كنت في بني إسرائيل أقرأ عليهم كتاب اللّه غدوة وعشية ويقبلون مني فتركتهم وصحبت هذا الرجل الذي يظلم هؤلاء القوم فقال الخضر يا موسى أتدري ما حدثت به نفسك فقال موسى ما هو قال الخضر قلت كنت في بني إسرائيل أتلو عليهم كتاب اللّه غدوة وعشية يقبلونه مني فتركتهم وصحبت هذا الرجل الذي يظلم هؤلاء القوم

ثم قال له { ألم أقل لك إنك لا تستطيع معي صبرا } قال فجاء عصفور فوقع على جانب السفينة فنقر من البحر نقرة من الماء ثم طار فقال الخضر واللّه ما ذهبت أنا وأنت من العلم في علم اللّه تعالى إلا مثل ما يغرف هذا العصفور من الماء من هذا البحر

٧٣

 { قال } موسى { لا تؤاخذني بما نسيت } أي بما تركت من وصيتك وقال ابن عباس هذا من معاريض الكلام لأن موسى لم ينس ولكن قال { لا تؤاخذني بما نسيت } يعني إذا كان مني نسيان فلا تؤاخذني به { ولا ترهقني من أمري عسرا } يعني لا تكلفني من أمري شدة

٧٤

 { فانطلقا } أي خرجا من السفينة ومضيا { حتى إذا لقيا غلاما } قال الكلبي كان إسمه خشنوذ وقال غيره كان إسمه خربث بن كاذرى فقتله أي أخذ برأسه قرعه قال ابن عباس في رواية أبي صالح كان رجلا إلا أنه لم يهتك بعد وكان كافرا يقطع الطريق وقال سعيد بن جبير في رواية ابن عباس كان صبيا غير مدرك فمر بغلمان يلعبون فأخذ برأس غلام منهم فقطعه وقال في بعض الروايات خنقه فذلك قوله { فقتله } وروي أن نجدة الحروري كتب إلى ابن عباس أن النبي نهى عن قتل الصبيان في دار الحرب وأن صاحب موسى قد قتل صبيا فكتب إليه ابن عباس إنك لو علمت من الصبيان ما علم صاحب موسى جاز لك أن تقتلهم

{ قال } له موسى { أقتلت نفسا زكية بغير نفس } أي طاهرة بغير ذنب ويقال { زكية } لم تجن عليك { بغير نفس } يقول بغير دم وجب عليها قرأ إبن كثير ونافع وأبو عمرو { زاكية } بالألف وقرأ الباقون بغير ألف ومعناهما واحد مثل قاسية وقسية وقال القتبي الزكية المطهرة التي لم تذنب قط { لقد جئت شيئا نكرا } أي منكرا أي أمرا فظيعا قال القتبي إنما قال ها هنا { نكرا } لأن قتل النفس أشد إستعظاما من خرق السفينة وقال الزجاج { نكرا } أقل من إمرا لأن إغراقه من في السفينة كان أعظم عنده من قتل النفس الواحدة

٧٥

{ قال } الخضر { ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا } وقد زاد هنا { لك } للتأكيد قيل لأنه سبق منه الزجر مرة

٧٦

 { قال } موسى { إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني } يعني إن طلبت صحبتك فلا تتابعني وقد قرىء { فلا تصحبني } أبدا { قد بلغت من لدني عذرا } يقول قد أعذرت فيما بيني وبينك في الصحبة

٧٧

{فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية } قال ابن عباس وهي أنطاكية { إستطعما أهلها } أي إستضافا

قال بعضهم سألاهم

وقال بعضهم لم يسألاهم ولكن كان نزولهما بين ظهرانيهم بمنزلة السؤال منهما { فأبوا أن يضيفوهما } يعني لم يطعموهما { فوجدا فيها جدارا } يعني في تلك القرية { يريد أن ينقض } وهذا كلام مجاز لأن الجدار لا يكون له إرادة ومعناه كاد أن يسقط { فأقامه } يعني سواه الخضر { قال } موسى { لو شئت لاتخذت عليه أجرا } أي جعلا خبزا تأكله قرأ إبن كثير وأبو عمرو { لتخذت } بغير ألف وكسر الخاء والباقون { لاتخذت } ومعناهما واحد وقرأ نافع { من لدني } بنصب اللام وضم الدال وتخفيف النون وقرأ حمزة والكسائي وإبن كثير وأبو عمرو { من لدني } بتشديد النون وهي اللغة المعروفة والأول لغة لبعض العرب واختلف الروايات عن عاصم

٧٨

 { قال } الخضر { هذا فراق بيني وبينك } أي هذا شرط الفراق بيني وبينك وأنت حكمت على نفسك { سأنبئك بتأويل } أي بتفسير { ما لم تستطع عليه صبرا } أي تعلم ما رأيتني أصنع فأنكرت لتعرف أهلها وتأويله

٧٩

قال تعالى { أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر } أي يؤاجرون في البحر ويكسبون قوتهم { فأردت أن أعيبها } أي أجعلها معيبة { وكان وراءهم ملك } أي أمامهم ملك

روي عن ابن عباس أنه كان يقرأ وكان أمامهم ملك { يأخذ كل سفينة غصبا } وكان إبن مسعود يقرأ أيضا كل سفينة صالحة غصبا أي كل سفينة بغير عيب وكان إسم الملك جلندى يعني أنها لو كانت بغير عيب أخذها الملك فإذا كانت مع العيب تبقى للمساكين

قال الفقيه أبو الليث فيه دليل أن للوصي أن ينقض مال اليتيم إذا رأى فيه صلاحا وهو أنه لو كانت له دار نفيسة فخاف أن يطمع فيها بعض السلاطين فأراد أن يخرب بعضها ليبقيها لليتيم جاز

وروي عن أبي يوسف أنه كان يجيز مصانعة الوصي في مال اليتيم وهو يدفع من ماله شيئا إلى السلطان ليدفعه عن بقية ماله

٨٠

ثم قال { وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما } أي يقول يكلفهما { طغيانا وكفرا } يقول تماديا وإثما ومعصية

٨١

 { فأردنا أن يبدلهما } قرأ نافع وأبو عمرو { يبدلهما } بتشديد الدال وقرأ الباقون بالتخفيف ومعناهما واحد يقال بدل وأبدل بمعنى واحد أي يعطيهما ولدا غير هذا الولد { ربهما خيرا منه } أي أفضل { زكاة } أي ولدا صالحا { وأقرب رحما } أي أوصل رحما ويقال رحما ويقال أقرب رحمة وعطفا عليهما قال الكلبي فولدت إمرأته جارية فتزوجها نبي من الأنبياء فهدى اللّه على يده أمة من الأمم

٨٢

ثم قال { وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة } أحدهما أصرم والآخر صريم { وكان تحته كنز لهما } قال الكلبي أي مالا لهما وقال مقاتل ومجاهد كل شيء في القرآن من كنز فهو مال غير ها هنا فإنه الصحف التي فيها علم وقال الضحاك { كنز لهما } أي علم لهما

قال الفقيه حدثني أبي بإسناده عن أنس بن مالك قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وجد تحت الجدار الذي قال اللّه تعالى { وكان تحته كنز لهما } لوح من ذهب والذهب لا يصدأ ولا ينقص مكتوب فيه بسم اللّه الرحمن الرحيم عجبت لمن يوقن بالموت كيف يفرح وعجبت لمن يوقن بالقدر كيف يحزن وعجبت لمن يوقن بزوال الدنيا وتقلبها بأهلها كيف يطمئن إليها لا إله إلا اللّه محمد رسول اللّه روي عن ابن عباس أنه قال كان في اللوح خمس كلمات وذكر نحوه

قوله { وكان أبوهما صالحا } ذا أمانة واسمه كاشح فحفظا بصلاح أبيها ولم يذكر منهما صلاحا روي عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه قال إن اللّه تعالى ليصلح بصلاح الرجل أهله وولده وأهل دويرته وأهل الدويرات حوله { فأراد ربك أن يبلغا أشدهما } أي يبلغا مبلغ الرجال { ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك } أي نعمة من ربك { وما فعلته عن أمري } أي من قبل نفسي ولكن اللّه أمرني به { ذلك تأويل } أي تفسير { ما لم تستطع عليه صبرا } تستطع وتسطع بمعنى واحد يقال اسطاع واستطاع

قال الفقيه رضي اللّه عنه حدثنا الخليل بن أحمد قال حدثنا أبو العباس أحمد بن محمد الدوري قال حدثنا الحجاج الأعور قال حدثنا حمزة الزيات عن أبي إسحاق عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن أبي بن كعب قال كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذا دعا لأحد بدأ بنفسه وقال رحمة اللّه علينا وعلى موسى فلو كان صبر لقص اللّه علينا من خبرهما وفي رواية أخرى لقص اللّه علينا من خبرهما العجائب فلما أراد موسى أن يرجع قال للخضر أوصني فقال له الخضر إياك واللجاجة ولا تمش في غير حاجة ولا تضحك من غير عجب ولا تعير الخطائين بخطاياهم وابك على خطيئتك يا ابن عمران قال مجاهد إنما سمي الخضر خضرا لأنه لا يكون بأرض إلا إخضرت

٨٣

ثم قال تعالى { ويسألونك عن ذي القرنين } وكان إسمه إسكندر

وروي عن وهب بن منبه أنه قيل له لم سمي ذا القرنين فقال أختلف فيه أهل الكتاب فقال بعضهم لأنه ملك الروم وفارس

وقال بعضهم لأنه كان في رأسه شبه القرنين

وقال بعضهم لأنه بلغ قرني الشمس مشرقها ومغربها فسماه الملك الذي عند قاف ذا القرنين ويقال رأى في المنام أنه دنا من الشمس وأخذ منها فقص رؤياه على قومه فسموه ذا القرنين وقال الزجاج سمي ذا القرنين لأنه كان له ضفيرتان وعن علي بن أبي طالب كرم اللّه وجهه أنه قال ضرب على قرني رأسه

وقيل لأنه بلغ قطر الأرض وقال عكرمة كان ذو القرنين نبيا ولقمان نبيا والخضر نبيا

وروى مجاهد عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص كان ذو القرنين نبيا

وروي عن علي بن أبي طالب أنه سئل عن ذي القرنين فقال كان رجلا صالحا وهكذا قال ابن عباس وجمعة من الصحابة أن ذا القرنين كان رجلا صالحا ولقمان كان رجلا حكيما

وروي عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه سئل عن ذي القرنين فقال هو ملك يسيح في الأرض وقال مجاهد ملك الأرض أربعة إثنان مؤمنان وإثنان كافران أما المؤمنان فسليمان بن داود وذو القرنين وأما الكافران فالنمروذ بن كنعان وبختنصر

قال تعالى { قل سأتلوا عليكم منه ذكرا } أي خبرا وعلما من

٨٤

اللّه تعالى { إنا مكنا له في الأرض } أي ملكناه وأعطيناه { وآتيناه من كل شيء سببا } أي علما ويقال أعطيناه علم الوصول إلى كل شيء يحتاج إليه من الحروف وغيرها ويقال علما بالطريق { فاتبع سببا } أي أخذ طريقا فسار إلى المغرب { حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة } قرأ إبن عامر وحمزة والكسائي وعاصم في رواية أبي بكر { حامئة } بالألف وقرأ الباقون { حمئة } بغير ألف فمن قرأ { حامئة } يعني جائرة ومن قرأ بغير ألف يعني من طينة سوداء منتنة

وروي أن معاوية قرأ { في عين حامة } فقال ابن عباس ما نقرؤها إلا حمئة فسأل معاوية عبد اللّه بن عمرو كيف تقرؤها فقال كما قرأتها قال ابن عباس في بيتي نزل القرآن فبعث معاوية إلى كعب يسأله أين تجد الشمس تغرب في التوراة قال في ماء وطين وقال في مدرة سوداء قال القتبي { حمئة } ذات حمات والحامية حارة وقرأ إبن كثير وأبو عمرو ونافع

٨٥

 { فاتبع } بتشديد التاء وكذلك ما بعده وقرأ الباقون فأتبع بنصب الألف وجزم التاء بغير تشديد

٨٦

{ ووجد عندها قوما } أي عند العين التي تغرب فيها الشمس مؤمنين وكافرين فظهر عليهم { قلنا يا ذا القرنين } قال مقاتل أوصى اللّه تعالى إليه وقال ابن عباس ألهمه اللّه تعالى { إما أن تعذب } يعني أن تقتل من كان كافرا { وأما أن تتخذ فيهم حسنا } يعني تنعم عليهم وتغفر لمن كان مؤمنا

وقال بعضهم كانوا كلهم كفارا قيل له إما أن تعذب من لم يؤمن وأما أن تتخذ فيهم حسنا لمن آمن

٨٧

{ قال } ذو القرنين { أما من ظلم } أي كفر باللّه { فسوف نعذبه } أي نقتله إن لم يتب { ثم يرد إلى ربه } في الآخرة { فيعذبه } في النار { عذابا نكرا } يقول شديدا

٨٨

 { وأما من آمن } يقول صدق باللّه { وعمل صالحا } فيما بينه وبين اللّه تعالى { فله جزاء الحسنى } قرأ حمزة والكسائي وعاصم في رواية حفص { جزاء } بنصب الألف والتنوين وقرأ الباقون بضم الألف بغير تنوين فمن قرأ بالنصب فمعناه أن له الحسنى جزاء صار الجزاء نصبا للحال ومن قرأ بالضم جزاء للإضافة بغير جزاء إحسانه { وسنقول له من أمرنا يسرا } أي سنعد له في الدنيا معروفا عدة حسنة معروفة ويقال وسنقول له قولا جميلا

٨٩

ثم قال { ثم أتبع سببا } أي أخذ طريقا وقال القتبي السبب أصله الحبل ثم كل شيء توصلت به إلى موضع أو حاجة فهو سبب تقول فلان سببي إليك أي وصلتي وتسمى الطريق سببا لأنه يصل إلى الموضع الذي يريده

٩٠

{حتى إذا بلغ مطلع الشمس وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم من دونها سترا } أي لم يكن لهم من دون الشمس شيء يظلهم لا شجر ولا جبل ولا ثوب إلا عراة عماة عن الحق وكانوا في مكان لا يستقر عليه البناء وقال قتادة يقال إنهم الزنج وكانوا في مكان لا ينبت فيه نبات وكانوا يدخلون سربا إذا طلعت الشمس حتى تزول عنهم ويخرجون في معايشهم

٩١

 { كذلك } يعني هكذا بلغ مطلع الشمس أيضا كما بلغ مغربها ثم أستأنف فقال { وقد أحطنا بما لديه خبرا } أي بما عنده علما وهذا قول مقاتل { كذلك } أي كما أخبرتك بهذا الخبر كذلك كان علمنا محيطا به قبل ذلك

٩٢

{ ثم أتبع سببا } أي أخذ طريقا

٩٣

ثم قال { حتى إذا بلغ بين السدين } أي بين الجبلين قرأ نافع وعاصم في رواية أبي بكر { السدين } بضم السين وكذلك الثاني والذي في سورة يس وروى حفص عن عاصم أنه نصب كله وإبن كثير وأبو عمرو نصبا ها هنا ورفعا في يس وحمزة والكسائي رفعا بين السدين ونصبا ما سوى ذلك وقال بعض أهل اللغة ما كان مسدودا خلقة فهو سد بالنصب وما كان بعمل الناس فهو سد بالضم

وروي عن ابن عباس ومجاهد وقيل إن المراد ها هنا طرفا الجبل { وجد من دونهما } أي من قبل الجبلين { قوما لا يكادون يفقهون قولا } أي كلاما غير كلامهم ولسانا غير لسانهم قرأ حمزة والكسائي { يفقهون } بضم الياء وكسر القاف يعني أن كلامهم لا يفهمه أحد غيرهم وقرأ الباقون { يفقهون } بالنصب يعني أنهم لا يفقهون قول غيرهم

٩٤

{ قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض } أي يخرجون إلى أرضنا ويأكلون رطبنا ويحملون يابسنا ويقتلون أولادنا وكان يأجوج رجلا ومأجوج رجلا وكانا أخوين من بني يافث بن نوح فكثر نسلهما فنسب إليهما ويقال سمي يأجوج ومأجوج لكثرتهم وازدحامهم لأنهم يموجون بعضهم في بعض { فهل نجعل لك خرجا } قرأ عاصم { يأجوج ومأجوج } بهمز الألف وقرأ الباقون بغير همز وقرأ حمزة والكسائي { خراجا } بالألف وقرأ الباقون { خرجا } بغير ألف ويقال الخراج هو الضريبة والخرج هو الجعل ويقال أحدهما إسم والآخر مصدر { على أن تجعل بيننا سدا } أي حاجزا

٩٥

ف { قال } ذو القرنين { ما مكني فيه ربي خير } قرأ إبن كثير { ما مكنني } بنونين وهو الأصل في اللغة وقرأ الباقون { مكني } فأدغم إحدى النونين في الأخرى وأقيم التشديد مقامه أي ما ملكني وأعطاني فيه ربي من القوة والمال خير من جعلكم ويقال ما يعطيني اللّه تعالى في الآخرة من الثواب خير من جعلكم في الدنيا { فأعينوني بقوة } قالوا وما تريد قال آلة العمل وهي آلة الحدادين { أجعل بينكم وبينهم ردما } قالوا وما هي

٩٦

 قال { آتوني زبر الحديد } أي قطع الحديد { أجعل بينكم وبينهم سدا } قرأ عاصم في إحدى الروايتين { إيتوني } على معنى جيئوني وقرأ الباقون { آتوني } بمد الألف أي أعطوني فأتوه بقطع الحديد فبناه

{ حتى إذا ساوى بين الصدفين } قرأ إبن كثير وأبو عمرو وإبن عامر { الصدفين } بضم الصاد والدال وقرأ عاصم في رواية أبي بكر { الصدفين } بضم الصاد وجزم الدال وقرأ الباقون بنصب الصاد والدال وهما ناحيتا الجبل فأخذ قطع الحديد وجعل بينهما حطبا وفحما ووضع المنافخ وقال أنفخوا فنفخوه حتى صار كهيئة النار ثم أتى بالصفر ويقال بالنحاس فأذابه وأفرغ عليه حتى صار جبلا من حديد ونحاس فذلك قوله { حتى إذا ساوى بين الصدفين } أي بين الجبلين { قال أنفخوا } فنفخوا { حتى إذا جعله نارا } أي صير الحديد نارا { قال آتوني أفرغ عليه قطرا } وهو الصفر المذاب أصبب عليه قرأ عاصم في رواية أبي بكر وحمزة { قال أئتوني } بجزم الألف والباقون بالمد,

٩٧

 { فما إسطاعوا } أي فما قدروا { أن يظهروه } يعني أن يعلوا فوق السد { وما استطاعوا له نقبا } أي ما قدروا على نقب السد ويقال { ما استطاعوا له نقبا } أي ما تحت السد في الأرض لأنه بناه في الأرض إلى السماء

قال الفقيه رضي اللّه عنه حدثنا عمرو بن محمد قال حدثنا أبو بكر الواسطي قال حدثنا إبراهيم بن يوسف قال حدثنا أبو حفص عن سعيد عن قتادة عن أبي رافع عن أبي هريرة رضي اللّه عنه أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال إن يأجوج ومأجوج يحفرون الردم في كل يوم حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس قال الذين عليهم إرجعوا فسنحفره غدا فيعيده اللّه كما كان حتى إذا بلغت مدتهم قال الذين عليهم إرجعوا فسنحفره غدا إن شاء اللّه تعالى فيعودون إليه فإذا هو كهيئته حين تركوه فيحفرونه ويخرجون على الناس فيستقون المياه وتحصن الناس في حصونهم فيبعث اللّه عليهم نغفا في أقفيتهم فيهلكهم اللّه بها

وروى أبو صالح عن ابن عباس أن يأجوج ومأجوج لا يموت الرجل منهم حتى يلد لصلبه ألف إبن وذكر أن يأجوج ومأجوج كما ذكرنا وهما إبنا يافث بن نوح فإذا إنكسر السد وذلك عند إقتراب الساعة يخرجون فيمرون ببحيرة طبرية بأرض الشام وهي مملوءة ماء فيشربها أولهم ثم يمر آخرهم فيقولون لقد كان ها هنا مرة ماء قال والسد نحو بنات نعش ثم يمرون بالبحر فيأكلون ما في جوفه من سمك وسرطان وسلحفاة أو دابة ثم يأكلون ورق الشجر ويأكلون ما في الأرض من شيء ويهرب الناس منهم فيقتلون من قدروا عليه ولا يستطيعون أن يأتوا أربعة مساجد المسجد الحرام ومسجد المدينة ومسجد بيت المقدس ومسجد طور سيناء ثم لا يرون على الأرض غيرهم ثم يقولون لقد قتلنا أهل الأرض وبقي أهل السماء فيرمون سهامهم نحو السماء فتصيب الطير في جو السماء فترجع سهامهم مختضبة بالدماء فيقولون لقد قتلنا أهل السماء وأهل الأرض ولم يبق غيرنا فيبعث اللّه تعالى عليهم دودا يسمى النغف فيدخل في آذانهم فيقتلهم فتنتن الأرض من جيفهم ثم يرسل اللّه تعالى السما أربعين يوما حتى يحمل السيل جيفهم فيرميها إلى البحر ويعود البحر كما كان قرأ حمزة { فما اسطاعوا } بتشديد الطاء والباقون بالتخفيف

٩٨

فلما فرغ ذو القرنين من بناء السد { قال هذا رحمة من ربي } أي هذا السد رحمة من ربي عليكم { فإذا جاء وعد ربي } يقول إذا جاء أجل ربي { جعله دكاء } يعني كسرا قرأ أهل الكوفة { دكاء } بالمد وقرأ الباقون بالتنوين قال القتبي { جعله دكا } أي ألقصه بالأرض وقرأ الباقون بالتنوين { دكا } إذا لم يكن لها سنام { وكان وعد ربي حقا } أي صدقا وكائنا بخروجهم

٩٩

ثم قال { وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض } أي يجول في بعض وراء السد { ونفخ في الصور } قال أبو عبيدة تنفخ الأرواح في الصور وقال عامة المفسرين يعني ينفخ إسرافيل في الصور وهذا موافق لما روي عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه قال كيف أنعم وصاحب القرن قد إلتقمه وحنا جبهته عليه وينتظر متى يؤمر فينفخ فيه { فجمعناهم جمعا } أي يوم القيامة نجمع يأجوج ومأجوج وجميع الخلق

١٠٠

 { وعرضنا جهنم يومئذ } أي كشفنا الغطاء عنها قبل دخولهم جهنم { للكافرين عرضا } أي كشفا ويكون المصدر لتأكيد الكلام ثم نعت الكافرين

١٠١

فقال { الذين كانت أعينهم } أي أعين الكافرين { في غطاء عن ذكري } أي في عمى عن التوحيد والقرآن فلم يؤمنوا { وكانوا لا يستطيعون سمعا } أي إستماعا إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم من بغضه وعداوته

١٠٢

قوله تعالى { أفحسب الذين كفروا أن يتخذوا عبادي من دوني أولياء } يعني أن يعبدوا غيري ومعناه لا يحسبن الكافرون بأن يتخذوا أولياء يعبدون معي شيئا لأن المشركين كانوا يدعون بعض المؤمنين إلى الشرك وهذا كقوله { إن عبادي ليس لك عليهم سلطان } [ الحجر : ٤٢ ] ويقال ومعناه أفيظن الذين كفروا أن يعبدوا عبادي يعني الملائكة وعزيرا والمسيح { من دوني أولياء } يعني أربابا ومعناه يظنون أنهم لو إتخذوهم أربابا تنفعهم عبادتهم ويفوتون من عذابي

ثم بين عذابهم فقال { إنا إعتدنا جهنم للكافرين نزلا } أي منزلا روي عن علي بن أبي طالب أنه قرأ { أفحسب الذين كفروا } بجزم السين وضم الباء ومعناه أيكفيهم مني ومن طاعتي أن يتخذوا عبادي من دوني أولياء فحسبهم جهنم { إنا إعتدنا جهنم للكافرين نزلا } أي منزلا

١٠٣

وقال { قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا } يعني الخاسرين أعمالهم

١٠٤

{ الذين ضل سعيهم } أي بطلت أعمالهم { في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا } أي يظنون أنهم يفعلون فعلا حسنا قال علي بن أبي طالب هم الخوارج

وهكذا روي عن أبي أمامة الباهلي وروي عن سلمان الفارسي أنه قال هم رهبان النصارى أهل الصوامع وهكذا

١٠٥

 قال مقاتل { أولئك الذين كفروا بآيات ربهم } أي بمحمد صلى اللّه عليه وسلم والقرآن { ولقائه } أي البعث بعد الموت { فحبطت أعمالهم } أي بطلت حسناتهم { فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا } أي لا توزن أعمالهم مثقال ذرة ويقال لا نقيم لأعمالهم ميزانا

١٠٦

{ ذلك جزاؤهم } أي هكذا عقوبتهم { جهنم بما كفروا واتخذوا آياتي ورسلي } أي القرآن ومحمدا صلى اللّه عليه وسلم { هزوا } أي إستهزاء

١٠٧

وقال تعالى { إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا } أي منزلا وقال مقاتل { الفردوس } بلغة الروم البساتين عليها الحيطان وقال السدي الأعناب بالنبطية

وروى الحسن عن سمرة بن جندب قال الفردوس ربوة خضراء من الجنة هي أعلاها وأحسنها وقال الكلبي جنات الفردوس من أدنى الجنان منزلا

وروى أبو أمامة الباهلي قال الفردوس سرة الجنة أي أوسطها

١٠٨

{ خالدين فيها } أي دائمين فيها { لا يبغون عنها حولا } أي تحولا رضوا بها وبثوابها وقال بعض المفسرين تمام النعمة أنهم لا يتمنون التحول لأنهم لو تمنوا التحول عنها لتنغص النعم عليهم

١٠٩

قوله تعالى { قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي } وذلك أن اليهود قالوا يزعم محمد أن من أوتي الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا ثم يزعم ويقول { وما أوتيتم من العلم إلا قليلا } [ الإسراء : ٨٥ ] فكيف نوافق الخير الكثير مع العلم القليل فنزل قل يا محمد { لو كان البحر مدادا لكلمات ربي } يكتب به { لنفد البحر } وتكسرت الأقلام { قبل أن تنفذ كلمات ربي } أي لا تنفذ كلمات ربي كما قال في آية أخرى { ما نفدت كلمات اللّه } [ لقمان : ٢٧ ] { ولو جئنا بمثله مددا } أي بمثل البحر وقرأ بعضهم { ولو جئنا بمثله مدادا } وقراءة العامة { مددا } ومعناهما واحد { ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا } [ البقرة : ٢٦٩ ] وهو قليل عند علم اللّه تعالى

١١٠

قوله تعالى { قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فمن كان يرجوا لقاء ربه } أي من يخاف البعث بعد الموت { فليعمل عملا صالحا } أي خالصا فيما بينه وبين اللّه تعالى { ولا يشرك } أي لا يخلط ولا يرائي { بعبادة ربه أحدا } وقال سعيد بن جبير { فمن كان يرجو } أي من كان يرجو ثواب ربه

وروي عن مجاهد أن رجلا جاء إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم وقال إني أتصدق بالصدقة وألتمس بها وجه اللّه وأحب أن يقال لي خيرا فنزل { فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا } قرأ حمزة والكسائي وإبن عامر في إحدى الروايتين { أن ينفد } بالياء بلفظ التذكير وقرأ الباقون بالتاء بلفظ التأنيث لأن الفعل إذا كان مقدما على الإسم يجوز التأنيث والتذكير

قال الفقيه حدثنا أبو الحسن أحمد بن عمران قال حدثنا أبو شهاب قال حدثنا غنام بن يوسف قال حدثنا أبو عبد اللّه المديني عن مخلد بن عبد الواحد عن الخليل عن علي بن زيد بن جدعان عن زر بن حبيش عن أبي بن كعب قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من قرأ سورة الكهف فهو معصوم ثمانية أيام من كل فتنة تكون فإن خرج الدجال في تلك الثمانية أيام عصمه اللّه من فتنة الدجال ومن قرأ الآية التي في آخرها { قل إنما أنا بشر مثلكم } إلى الخاتمة حين يأخذ مضجعه كان له نور يتلألأ في مضجعه إلى مكة حشو ذلك النور ملائكة يصلون عليه حتى يقوم من مضجعه وإن كان مضجعه بمكة فتلاها كان له نور يتلألأ من مضجعه إلى البيت المعمور حشو ذلك النور ملائكة يصلون عليه ويستغفرون له حتى يستيقظ من نومه إلى غير ذلك مما ورد في فضلها من الأخبار والآثار وصلى اللّه على سيدنا محمد النبي المختار وعلى آله وصحابته الأطهار صلاة وسلاما دائمين ما تعاقب الليل والنهار آمين آمين آمين والحمد للّه رب العالمين

﴿ ٠