سورة طهوهي مكية مائة وثلاثون وخمس آيات ١قوله سبحانه وتعالى { طه } قرأ أهل الكوفة وحمزة والكسائي في رواية أبي بكر طه بكسر الطاء والهاء وقرأ إبن عامر وإبن كثير وعاصم في رواية حفص { طه } بنصب الطاء والهاء وقرأ نافع وسطا بين النصب والكسر وقرأ أبو عمرو وإبن العلاء بنصب الطاء وكسر الهاء قال ابن عباس رضي اللّه عنه في رواية أبي صالح لما نزل على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الوحي بمكة إجتهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في العبادة فاشتد عليه فجعل يصلي الليل كله حتى شق عليه ذلك ونحل جسمه وتغير لونه فقال أبو جهل وأصحابه إنك شقي فأتنا بآية أنه ليس مع إلهك إله فنزل { طه } يعني يا رجل بلسان عك وعنى به النبي صلى اللّه عليه وسلم وقال عكرمة والسدي هو بالنبطية وروى عكرمة عن ابن عباس أنه قال { طه } كقولك يا فلان ويقال إن النبي صلى اللّه عليه وسلم كان إذا صلى رفع رجلا ووضع أخرى فأنزل اللّه عز وجل { طه } يعني طىء الأرض بقدميك جميعا وقال مجاهد { طه } فواتح السورة ويقال طا طرب المؤمنين في الجنة وها هو أن الكافرين في النار ويقال طا طلب المؤمنين في الحرب وها هرب الكافرين ٢{ ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى } يعني لتتعب نفسك وتعيا ٣{ إلا تذكرة لمن يخشى } يقول لم ننزله إلا عظة لمن يسلم وقال القتبي في الآية تقديم يقول ما أنزلنا عليك القرآن إلا تذكرة لمن يخشى لا أن تشقى ٤ثم قال { تنزيلا } يعني نزل به جبريل عليه السلام { ممن خلق الأرض والسموات العلى } يعني نزل من عند خالق السموات والأرض { العلى } يعني الرفيع وقال أهل اللغة { العلى } جمع العليا تقول السماء العليا والسموات العلى ٥ثم قال { الرحمن على العرش استوى } أي إستولى حكمه ونفذ و { على العرش } يعني علا ويقال كان فوق العرش حين خلق السموات والأرض ويقال { استوى } إستولى وملك كما يقال إستوى فلان على بلد كذا يعني إستولى عليها وملكها فاللّه تعالى بين لخلقه قدرته وتمام ملكه أنه يملك العرش وله ما في السموات وما في الأرض فذلك ٦قوله تعالى { له ما في السموات وما في الأرض } أي من خلق { وما بينهما وما تحت الثرى } يعني ما تحت الأرض السابعة السفلى وروى أسباط عن السدي في قوله عز وجل { وما تحت الثرى } قال الصخرة التي تحت الأرض السابعة وهي صخرة خضراء وهي { سجين } التي فيها كتاب الكفار ويقال الثرى تراب رطب مقدار خمسمائة عام تحت الأرض ولولا ذلك لأحرقت النار الدنيا وما فيها وروي عن ابن عباس أنه قال بسطت الأرض على الحوت والحوت على الماء والماء على الصخرة الصخرة بين قرني الثور والثور على الثرى وما يعلم ما تحت الثرى إلا اللّه عز وجل ٧ثم قال عز وجل { وإن تجهر بالقول } يعني تعلن بالقول يعني بالقرآن { فإنه يعلم السر وأخفى } يعني ما أسررت في نفسك { وأخفى } يعني ما لم تحدث به نفسك وهذا قول الضحاك وقال ابن عباس هكذا وقال عكرمة السر ما حدث الرجل به أهله { وأخفى } ما تكلمت به نفسك وروى منصور بن عمار عن بعض الصحابة قال السر ما أسررت به في نفسك { وأخفى } من السر ما لم يطلع عليه أحد أنه كائن ٨ثم قال عز وجل { اللّه لا إله إلا هو } يعني هو اللّه الخالق الرزاق لا خالق ولا رازق غيره { له الأسماء الحسنى } يعني الصفات العلى ٩{ وهل أتاك حديث موسى } يعني خبر موسى عليه السلام في القرآن ثم أخبره ١٠فقال { إذ رأى نارا فقال لأهله أمكثوا } يعني إنزلوا مكانكم وقفوا { إني آنست نارا } يعني أبصرت نارا وذلك حين رجع من مدين مع أهله أصابهم البرد فرأى موسى نارا من البعد فقال لهم { أمكثوا إني آنست نارا } { لعلي آتيكم منها بقبس } يعني بشعلة وهو ما أقتبس من عود { أو أجد على النار هدى } يعني هاديا يدلنا على الطريق وكان موسى عليه السلام ضل الطريق وكانت ليلة مظلمة ١١{ فلما أتاها } يعني إنتهى إلى النار { نودي } يعني دعي { يا موسى } قال ابن عباس لما أتى النار فإذا هي نار بيضاء تستوقد من شجرة خضراء من أسفلها إلى أعلاها وهي خضراء فجعل يتعجب منها وقال في رواية وهب بن منبه فوقف وهو يطمع أن يسقط منها شيء فيقتبسه فلما طال ذلك أهوى إليها بضغث في يده وهو يريد أن يقتبس من لهبها فلما فعل ذلك مالت نحوه كأنها تريده فاستأخر عنها ثم عاد فطاف بها فنودي ١٢{ يا موسى إني أنا ربك فاخلع نعليك إنك بالوادي المقدس طوى } يعني المطهر قال مقاتل { طوى } إسم الوادي وقال مجاهد يعني طي الأرض حافيا قال عامة المفسرين إنما أمره أن يخلع نعليه لأنهما كانا من جلد حمار ميت وقال بعضهم أراد أن يصيب باطن قدميه من الوادي ليتبرك به وروي عن كعب الأحبار أنه كان جالسا في المسجد فجاء رجل يصلي فخلع نعليه ثم جاء آخر يصلي فخلع نعليه ثم جاء آخر فخلع نعليه فقال لهم كعب الأحبار أنبيكم صلى اللّه عليه وسلم أمركم بهذا قالوا لا قال فلم تخلعون نعالكم إذا صليتم قالوا سمعنا اللّه تعالى يقول { إخلع نعليك إنك بالوادي المقدس طوى } قال أتدرون من أي شيء كانتا نعليه قالوا لا قال إنما كانتا من جلد حمار ميت فأمره اللّه تعالى أن يخلعهما ليمسه القدس كله وقال عكرمة { إخلع نعليك إنك بالوادي المقدس طوى } قال لكي تمس راحة قدميه الأرض الطيبة قرأ إبن كثير وأبو عمرو { أني أنا ربك } بنصب الألف يعني بأني أنا ربك على معنى البناء وقرأ الباقون في { أنا ربك } بالكسر على معنى الإبتداء وقرأ حمزة { لأهله أمكثوا } بضم الهاء الثانية وقرأ الباقون بكسر الهاء وقرأ إبن كثير وأبو عمرو ونافع { طوى } بنصب الواو بغير تنوين وقرأ الباقون بالتنوين ١٣ثم قال عز وجل { وأنا إخترتك } يعني إصطفيتك للرسالة قرأ حمزة بكسر الألف وتشديد النون { وإنا إخترناك } بالنون بلفظ الجماعة والباقون بنصب الألف وتخفيف النون وبالتاء { أنا إخترتك } قال أبو عبيدة وبهذا نقرأ لموافقة الخط يعني بخط عثمان ثم قال { فاستمع لما يوحى } يعني إعمل بما تؤمر وتنهى ١٤ثم قال { إنني أنا اللّه لا إله إلا أنا فاعبدني } يعني أطعني واستقم على توحيدي { وأقم الصلاة لذكري } يعني لتذكرني فيها ويقال إن نسيت الصلاة فصلها إذا ذكرتها لأن اللّه تعالى يقول { وأقم الصلاة لذكري } وروى الزهري عن سعيد بن المسيب أن النبي صلى اللّه عليه وسلم حين نام عن الصلاة حتى طلعت الشمس قال من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها إن اللّه تعالى يقول { أقم الصلاة لذكري } قال بعضهم هذا خطاب لموسى عليه السلام وقال بعضهم هذا خطاب للنبي صلى اللّه عليه وسلم إلى قوله { واتبع هواه فتردى} ١٥ثم رجع إلى قصة موسى بقوله { إن الساعة آتية } يعني كائنة { أكاد أخفيها } يعني أسرها عن نفسي فكيف أعلنها لكم يا أهل مكة هكذا روي عن جماعة من المتقدمين وهكذا قال ابن عباس في رواية أبي صالح وقال القتبي كذلك في قراءة أبي { أخفيها } من نفسي وهكذا ورى جماعة من المتقدمين وروى طلحة عن عطاء { إن الساعة آتية أكاد أخفيها } عن نفسي وروي في إحدى الروايتين عن أبي بن كعب أنه كان يقول تقرأ { أكاد أخفيها } بنصب الألف يعني أكاد أظهرها وهي قراءة سعيد بن جبير قال أهل اللغة خفى يخفى أي أظهر وقال إمرؤ القيس ( خفاهن من إنفاقهن كأنما خفاهن من ودق سحاب مركب ) يذكر الفرس أنه إستخرج الفأرة من جحرهن كالمطر ثم قال { لتجزى كل نفس بما تسعى } يعني لتثاب كل نفس بما تعمل ١٦ثم قال عز وجل { فلا يصدنك عنها } يعني لا يصرفنك عنها يعني عن الإقرار بقيام الساعة { من لا يؤمن بها } يعني من لا يصدق بقيام الساعة { واتبع هواه فتردى } يعني فتهلك ويقال الردى الموت والهلاك ١٧ثم رجع إلى قصة موسى عليه السلام فقال عز وجل { وما تلك بيمينك يا موسى } يعني أي شيء الذي بيدك أو ما الذي بيدك وكان عالما بما في يده ولكن الحكمة في سؤاله لإزالة الوحشة عن موسى لأن موسى كان خائفا مستوحشا كرجل دخل على ملك وهو خائف فسأله عن شيء فتزول بعض الوحشة عنه بذلك ويستأنس بسؤاله وقال بعضهم إنما سأله تقريرا له أن ما في يده عصا لكيلا يخاف إذا صار ثعبانا ف ١٨{ قال } موسى { هي عصاي أتوكأ عليها } يعني أعتمد عليها إذا أعييت { وأهش بها على غنمي } يعني أخبط بها ورق الشجر لغنمي فإن قيل إنما سأله عما في يده ولم يسأله عما يصنع بها فلم أجاب موسى عن شيء لم يسأله عنه قيل له قد قال بعضهم في الآية إضمار يعني { وما تلك بيمينك يا موسى قال هي عصاي } فقال وما تصنع بها قال { أتوكأ عليها وأهش بها على غنمي } وقال بعضهم إنما خاف موسى بذلك لأنه أمره بأن يخلع نعليه فخاف أن يأمره بإلقاء عصاه فجعل يذكر منافع عصاه فقال { أتوكأ عليها وأهش بها على غنمي } { ولي فيها مآرب أخرى } يعني حوائج أخرى وواحدها مأربة وقال مقاتل كان موسى يحمل زاده على عصاه إذا سار وكان يركزها في الأرض فيخرج الماء وتضيء له بالليل بغير قمر فيهتدي على غنمه وروى أسباط عن السدي قال كانت عصا موسى من عود شجر آس من شجر الجنة وكان إستودعها إياه ملك من الملائكة في صورة إنسان يعني عند شعيب وقال علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه كانت عصا موسى من عود ورد من شجر الجنة إثني عشر ذراعا من ذراع موسى ١٩قوله تعالى { قال ألقها يا موسى } يعني ألق عصاك من يدك فظن موسى أنه يأمره بإلقائها على وجه الرفض فلم يجد بدا ٢٠{ فألقاها فإذا هي حية تسعى } يعني تسرح وتسير على بطنها رافعة رأسها فخاف موسى وولى هاربا ٢١{ قال } اللّه تعالى لموسى { خذها ولا تخف سنعيدها سيرتها الأولى } يعني سنجعلها عصا كما كانت أول مرة وأصل السيرة الطريقة كما يقال فلان على سيرة فلان أي على طريقته وإنما صار نصبا لنزع الخافض والمعنى سنعيدها إلى حالها الأولى فتناولها موسى فإذا هي عصا كما كانت ٢٢ثم قال عز وجل { واضمم يدك إلى جناحك } قال الكلبي الجناح أسفل الإبط يعني أدخل يدك تحت إبطك { تخرج بيضاء } لها شعاع يضيء كضوء الشمس { من غير سوء } يعني من غير برص { آية أخرى } يعني علامة أخرى مع العصا ٢٣{ لنريك من آياتنا الكبرى } يعني العظمى ومعناه لنريك الكبرى من آياتنا ولهذا لم يقل الكبريات لأنه وقع المعنى على واحدة ٢٤ثم قال تعالى { إذهب إلى فرعون إنه طغى } يعني علا وتكبر وادعى الربوبية يعني إذهب إليه وادعه إلى الإسلام ٢٥{ قال } موسى عليه السلام { رب إشرح لي صدري } يعني يا رب وسع لي قلبي حتى لا أخاف منه ويقال لين قلبي بالإسلام حتى أثبت عليه ٢٦{ ويسر لي أمري } يعني هون علي ما أمرتني به ٢٧{ واحلل عقدة من لساني } يعني إبسط العقدة أي الرثة من لساني ٢٨{ يفقهوا قولي } يعني يفهموا كلامي وذلك أن موسى عليه السلام في حال صغره رفعه فرعون في حجره فلطمه موسى لطمة ويقال أخذ بلحيته ومدها إلى الأرض فقال فرعون هذا من أعدائي الذين كنت أتخوف به فقالت إمرأته آسية بنت مزاحم صبي جاهل لا عقل له ضع له طستا من حلي وطستا من نار حتى نعلم ما يصنع فوضعوا له ذلك فجاء جبريل عليه السلام فأخذ يده فأهوى بها إلى النار فأخذ جمرة فوضعها في فيه فكانت الرثوثة من ذلك فذلك قوله عز وجل { يفقهوا قولي } ٢٩{واجعل لي وزيرا من أهلي} ٣٠{هارون } يعني إجعل لي معينا من أهلي يعني أخي هارون ٣١{ أشدد به أزري } حتى يكون قوة لي والأزر الظهر وجماعته أزر ويراد به القوة يقال آزرت فلانا على الأمر أي قويته عليه وإنما نصب { هارون } لوقوع الفعل عليه والمعنى إجعل هارون أخي وزيرا فصار الوزير المفعول الثاني { وأشركه في أمري } يعني في نبوتي قرأ إبن عامر { أشدد } بنصب الألف { وأشركه } بضم الألف على معنى الخبر عن نفسه أي أنا أفعل ذلك وإنما كان جزما على الجزاء في الأمر وقرأ الباقون { أشدد } بضم الألف ٣٢{ وأشركه } بنصب الألف على معنى الدعاء يعني اللّهم أشدد به أزري وأشركه في أمري قال أبو عبيدة بهذه القراءة نقرأ ويكون حرف إبن مسعود شاهدا لها وكان يقرأ { هارون أخي واشدد به أزري وأشركه في أمري } وفي حرف أبي { وأشركه في أمري واشدد به أزري } قال كأنه دعا ٣٣ثم قال { كي نسبحك كثيرا } يعني نصلي لك كثيرا ٣٤{ ونذكرك } باللسان { كثيرا } يعني على كل حال ٣٥{ إنك كنت بنا بصيرا } أي كنت عالما بنا في الأحوال كلها ٣٦{قال } اللّه تعالى { قد أوتيت سؤلك يا موسى } يعني أعطيناك ما سألته ٣٧ثم قال { ولقد مننا عليك مرة أخرى } يعني قد أكرمتك بكرامات قبل هذا من غير أن تسألني ثم بين له الكرامات والنعم ٣٨فقال { إذ أوحينا إلى أمك ما يوحى } أي ألهمنا أمك ما ألهمت ويقال { ما يوحى } على الحجر يعني كان إلهاما ولم يكن وحيا ٣٩{ أن إقذفيه في التابوت } يعني إجعلي موسى في التابوت ثم { فاقذفيه في اليم } يعني إطرحيه في البحر { فليلقه اليم بالساحل } يعني شاطىء البحر فإن قيل لم أمر بإلقائه في اليم قيل له إنما أمره بذلك لأن البحر يخفي عن المنجمين ما فيه فكان إلقاؤه لتجنيب حال موسى عليه السلام عن المنجمين لكيلا يأخذه فرعون ويقتله وقيل أراد أن يكون مع الماء لكيلا يخاف وقت عبوره البحر لاحقا وقيل أراد اللّه تعالى أن يري أمه حفظ اللّه تعالى له { يأخذه عدو لي وعدو له } يعني آل فرعون { وألقيت عليك محبة مني } يعني ألقيت محبتي عليك فكل من رآك أحبك { ولتصنع على عيني } يقول ما يصنع بك على منظر مني وبعلمي وبإرادتي { إذ تمشي أختك فتقول } لآل فرعون { هل أدلكم } يعني أرشدكم { على من يكفله } يعني يضمه ويحوطه ويرضعه { فرجعناك } يقول رددناك { إلى أمك كي تقر عينها } يعني لتطيب نفسها { ولا تحزن وقتلت نفسا فنجيناك من الغم } يعني من القود { وفتناك فتونا } يعني إبتليناك ببلاء بعد بلاء ويقال بنعمة على إثر نعمة قال أخبرني الثقة بإسناده عن سعيد بن جبير قال سألت ابن عباس عن قول اللّه عز وجل لموسى { وفتناك فتونا } فسألته عن الفتون ما هو فقال إستأنف النهار يا إبن جبير فإن له حديثا طويلا فلما أصبحت غدوت إلى ابن عباس ليخبرني ما وعدني من حديث الفتون فقال ابن عباس تذاكر فرعون وجلساؤه ما كان اللّه عز وجل وعد إبراهيم عليه السلام أن يجعل في ذريته أنبياء وملوكا فقال بعضهم إن بني إسرائيل لينتظرون ذلك ما يشكون فيه قال فرعون فكيف ترون فأتمروا وأجمعوا أمرهم على أن يبعث رجالا معهم الشغار يطوفون في بني إسرائيل فلا يجدون مولودا ذكرا إلا ذبحوه ففعلوا فلما رأوا أن الكبار من بني إسرائيل يموتون وأن الصغار يذبحون قالوا يوشك أن يفنى بنو إسرائيل فتصيروا إلى أن تباشروا من الأعمال والخدمة التي كانوا يكفونكم فاقتلوا عاما ودعوا عاما لا تقتلوا منهم أحدا فنشأت الصغار مكان من يموت من الكبار فإنهم لن يكثروا فتخافون مكاثرتهم إياكم فأجمعوا أمرهم على ذلك فحملت أم موسى بهارون في العام الذي لا يذبح فيه الغلمان فولدته علانية حتى إذا كان من قابل حملت بموسى فوقع في قلبها من الحزن والهم فذلك من الفتون يا إبن جبير فأدخل عليه في بطن أمه ما يراد به فأوحى اللّه تعالى إليها أن { لا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين } يعني أمر اللّه تعالى أم موسى إذا هي ولدته أن تجعله في التابوت ثم تلقيه في اليم فلما ولدته فعلت ما أمرت به حتى إذا توارى عنها إبنها أتاها الشيطان فقالت في نفسها ما فعلت بإبني لو ذبح عندي فواريته وكفنته كان أحب إلي من أن ألقيه بيدي إلى دواب البحر تأكله فانطلق به الماء حتى أرقى به عند فرضة مستقى جواري إمرأة فرعون فرأينه فأخذنه فهممن أن يفتحن التابوت فقال بعضهن لبعض إن في هذا مالا وإنا إن فتحناه لم تصدقنا إمرأة الملك بما وجدنا فيه فحملنه كهيئته حتى رفعنه إليها فلما فتحنه رأت فيه الغلام فألقى عليه منها محبة لم يلق مثلها على أحد قط من البشر { وأصبح فؤاد أم موسى فارغا } من ذكر كل شيء إلا ذكر موسى فلما سمع الذباحون بأمره أقبلوا إلى إمرأة فرعون بشفارهم يريدون أن يذبحوه وذلك من الفتون يا إبن جبير فقالت للذباحين إصبروا علي فإن هذا الواحد لا يزيد في بني إسرائيل لا ينقص فآتي به فرعون فأستوهبه منه إياه فإن وهبه لي فقد أحسنتم وأجملتم وإن أمر بذبحه لم أنهكم فلما أتت فرعون به قالت قرة عين لي ولك لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا فقال فرعون يكون لك فأما لي فلا حاجة لي فيه فقال ابن عباس قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم والذي يحلف به لو أقر فرعون بأن يكون قرة عين له لهداه اللّه عز وجل بموسى كما هدى به إمرأته قال فأرسلت إلى من حولها من كل إمرأة لها لبن لتختار له ظئرا فجعل كلما أخذته إمرأة منهن لترضعه لم يقبل من ثديها حتى أشفقت إمرأة فرعون أن يمتنع من اللبن فيموت فأحزنها ذلك ثم أمرت به فأخرج إلى السوق واجتمع الناس ترجو أن تجد له ظئرا تأخذه منها فلم يقبل فأصبحت أم موسى والهة فقالت لأخته قصي أثره فاطلبيه هل تسمعين له ذكرا أحي إبني أم قد أكلته الدواب في البحر فبصرت به عن جنب أي عن بعد والجنب أن يسمو بصر الإنسان إلى شيء بعيد وهي إلى جنبه لا تشعر به فقالت { هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون } [ القصص : ١٢ ] فقالوا وما يدريك ما نصحهم له وهل يعرفونه حتى شكوا في ذلك وذلك من الفتون يا إبن جبير فقالت نصحهم له وشفقتهم عليه لرغبتهم في الملك ورجاء منفعته فتركوها فانطلقت إلى أمها فأخبرتها بالخبر فجاءت فلما وضعته في حجرها نزا إلى ثديها فمصه حتى إمتلأ جنباه ريا فانطلق البشرى إلى إمرأة فرعون يبشرونها بأن قد وجدنا لإبنك ظئرا فأرسلت إليها فأتت بها وبه فلما رأت ما يصنع بها قالت لها أمكثي عندي ترضعين إبني فإني لم أحب مثل حبه شيئا قط قالت لا أستطيع أن أدع بيتي وولدي فيضيع فإن طابت نفسك أن تعطينيه فأذهب به إلى بيتي فيكون معي لا آلو خيرا إلا فعلت به وإلا فإني غير تاركة بيتي وولدي فرجعت بإبنها إلى بيتها من يومها فأنجزها اللّه عز وجل وعده وأنبته اللّه تعالى نباتا حسنا فلم تزل بنو إسرائيل تمتنع به من الظلم والسخرة فلما ترعرع أي كبر قالت إمرأة فرعون لأم موسى أريني إبني فواعدتها يوما وقالت لخزانها وقها رمتها لا يبقى منكم أحد إلا ويستقبل إبني بهدية وكرامة فلم تزل الهدايا والكرامات تستقبله من حيث خرج من بيت أمه إلى أن دخل إلى إمرأة فرعون فلما دخل عليها بجلته وأكرمته وفرحت به وأعجبها وبجلت أمه لأثرها عليه ثم قالت لأنطلق به إلى فرعون فليبجلنه وليكرمنه فلما دخلت به عليه جعلته في حجره فتناول موسى لحية فرعون ومدها إلى الأرض فقالت له الغواة من أعداء اللّه ألا ترى إلى ما وعد اللّه إبراهيم عليه السلام إنه يريد أن يصرعك وينزع عنك ملكك ويهلكك فأرسل إلى الذباحين ليذبحوه وذلك من الفتون يا إبن جبير فجاءت إمرأة فرعون تسعى إلى فرعون فقالت له ما بدا لك في هذا الصبي الذي وهبته لي فقال ألا ترينه إنه سيصرعني فقالت له إجعل بينك وبينه أمرا لتعرف فيه الحق إئت بجمرتين ولؤلؤتين فإن بطش باللؤلؤتين واجتنب الجمرتين علمت أنه يعقل وإن تناول الجمرتين فاعلم بأنه لا يؤثر الجمرتين على اللؤلؤتين وهو يعقل فقرب ذلك إليه فتناول الجمرتين فانتزعوهما منه مخافة أن تحرقا يديه فلما بلغ أشده وكان من الرجال لم يكن أحد من آل فرعون يخلص إلى أحد من بني إسرائيل بظلم ولا بسخرة فبينما هو يمشي في ناحية المدينة إذا هو برجلين يقتتلان أحدهما من بني إسرائيل والآخر من آل فرعون فاستغاثه الإسرائيلي على الفرعوني فغضب موسى واشتد غضبه فوكزه فقتله وليس يراهما أحد إلا اللّه عز وجل والإسرائيلي فأتى فرعون فقيل له إن بني إسرائيل قتلوا رجلا من آل فرعون فخذ لنا بحقنا فقال إئتوني بقاتله والذي يشهد عليه آخذ لكم بحقكم فبينما هم يطوفون لا يجدون شيئا وإذا موسى قد رأى من الغد الإسرائيلي يقاتل فرعونيا آخر فاستغاثه الإسرائيلي على الفرعوني وقد ندم موسى على ما كان منه بالأمس وكره الذي رأى فغضب على الإسرائيلي وهو يريد أن يبطش بالفرعوني فقال للإسرائيلي { إنك لغوي مبين } [ القصص : ١٨ ] فخاف الإسرائيلي وظن أنه يريد إياه فقال يا موسى { أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس } [ القصص : ١٩ ] فتتاركا فانطلق الفرعوني إلى قومه وأخبرهم بما سمع من الإسرائيلي من الخبر فأرسل فرعون إلى الذباحين ليقتلوا موسى فأخذ رسل فرعون في الطريق الأعظم يمشون على هيئتهم يطلبون موسى وجاء رجل من شيعة موسى فاختصر طريقا قريبا حتى سبقهم إلى موسى فأخبره الخبر وذلك من الفتون يا إبن جبير فخرج موسى متوجها نحو مدين لم يلق بلاء قبل ذلك وليس له بالطريق علم إلا حسن ظنه بربه تعالى فإنه قال { قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل } [ القصص : ٢٣ ] { ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من دونهم إمرأتين تذودان } [ القصص : ٢٣ ] يعني إنهما حابستان غنمهما فقال ما خطبكما معتزلتين لا تسقيان مع الناس قالتا ليس لنا قوة نزاحم القوم وإنما ننتظر فضول حياضهم فنسقي فسقى لهما موسى فجعل يغرف في الدلو ماء كثيرا حتى كان أول الرعاة فراغا فانصرفتا إلى أبيهما بغنمهما وانصرف موسى إلى شجرة فاستظل بها فاستنكر أبو الجاريتين سرعة صدورهما بغنمهما حفلا فقال إن لكما لشأنا اليوم فحدثاه بما صنع موسى فأمر إحداهما أن تدعوه له فأتته فدعته فلما دخل على شعيب عليه السلام فأخبره بالقصة قال { لا تخف نجوت من القوم الظالمين } [ القصص : ٢٥ ] أي ليس لفرعون ولا لقومه علينا سلطان ولسنا في مملكته { قالت إحداهما ياأبت إستأجره إن خير من إستأجرت القوي الأمين } [ القصص : ٢٦ ] فاحتملته الغيرة وقال ما يدريك ما أمانته وقوته فقالت أما قوته فما رأيت مثله حين سقى لنا الماء رجلا قط أقوى من ذلك في ذلك السقي منه وأما أمانته فإنه لما نظرني حين أقبلت إليه صوب رأسه ولم يرفعه ولم ينظر إلي حين بلغته رسالتك فقال لي إمشي خلفي وانعتي إلي الطريق يعني صفي لي ودليني على الطريق فسري عن أبيها فقال له { إني أريد أن أنكحك إحدى إبنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج فإن أتممت عشرا فمن عندك } [ القصص : ٢٧ ] فكان على موسى ثمان سنين واجبة وكانت سنتان عدة منه فلما قضى موسى الأجل وسار بأهله كان من أمره ما قص اللّه عليك في القرآن فشكا إلى ربه ما يتخوف من آل فرعون في القتيل وعقدة لسانه فإنه كان في لسانه عقدة تمنعه عن كثير من الكلام فسأل ربه أن يعينه بأخيه ليتكلم عنه بكثير مما لا يفصح به فأعطاه اللّه عز وجل سؤاله وحل عقدة من لسانه فاندفع موسى بالعصا فلقي هارون فانطلقا جميعا إلى فرعون وأقاما على بابه حينا لا يؤذن لهما بالدخول ثم أذن لهما بعد حجاب شديد فقالا إنا رسولا ربك قال فمن ربكما فأخبراه بالذي قص اللّه عز وجل في القرآن فقال ما تريدان فقال موسى أريد أن تؤمن باللّه تعالى وأن ترسل معنا بني إسرائيل فأبى عليه ذلك فقال { فأت بآية إن كنت من الصادقين } [ الشعراء : ١٥٤ ] فألقى عصاه فتحولت حية عظيمة فاغرة فاها مسرعة إلى فرعون فاقتحم فرعون عن سريره واستغاث بموسى أن يكفها عنه ففعل وأخرج يده من جيبه فرآها بيضاء من غير سوء ثم أعادها إلى كمه فصارت إلى لونها الأول فاستشار الملأ فيما رأى فقالوا إجمع لهما السحرة فإنهم بأرضك كثير فأرسل فرعون في المدائن فحشر له كل ساحر متعالم فلما أتوا فرعون قال بم يعمل هذان الساحران قالوا يعملان بالحيات فقالوا واللّه ما في الأرض قوم يعملون بالحيات التي نعمل فتواعدوا يوم الزينة وأن يحشر الناس ضحى ويوم الزينة هو اليوم الذي أظهر اللّه عز وجل موسى على فرعون والسحرة وهو يوم عاشوراء فقال الناس بعضهم لبعض إنطلقوا فلنحضر هذا الأمر فنتبع السحرة إن كانوا هم الغالبين يعنون بذلك موسى وهارون إستهزاء بهما قالت السحرة لموسى لقدرتهم بسحرهم { إما أن تلقي وأما أن نكون نحن الملقين } [ الأعراف : ١١٥ ] قال لهم موسى ألقوا فألقوا حبالهم وعصيهم فرأى موسى من سحرهم شيئا عظيما فأوجس في نفسه خيفة فأوحى اللّه تعالى إليه أن ألق عصاك فلما ألقاها صارت ثعبانا عظيما فاغرة فاها فجعلت تلتقم العصي والحبال حتى ما أبقت عصا ولا حبلا إلا إبتلعته فلما عرفت السحرة ذلك قالوا لو كان هذا ساحرا لم يبلغ من سحره كل هذا ولكن هذا أمر من أمر اللّه عز وجل فلما طال مكث موسى بمواعيد فرعون الكاذبة أمر اللّه تعالى موسى بالخروج بقومه فخرج بهم ليلا فلما أصبح فرعون فبعث في المدائن حاشرين وتبعهم بجنود عظيمة فنسي موسى أن يضرب بعصاه البحر فلما تراءى الجمعان وتقاربا قال قوم موسى إنا لمدركون إفعل ما أمرك اللّه عز وجل فتذكر موسى عليه السلام ما وعده اللّه عز وجل فضرب البحر بالعصا فانفلق البحر إثنتي عشرة فرقة فلما جاوز أصحاب موسى كلهم ودخل أصحاب فرعون كلهم إلتقى البحر عليهم فقال أصحاب موسى إنا نخاف أن لا يكون فرعون غرق فدعا موسى ربه فأخرجه حتى إستيقنوا فمضوا حتى أنزلهم منزلا ثم قال لهم أطيعوا هارون فإني إستخلفته عليكم وإني ذاهب إلى ربي وأجلهم ثلاثين يوما وقد صامهن أي صام موسى ليعلمهم وكره أن يكلمه ربه وريح فمه ريح فم الصائم فتناول موسى من نبات الأرض شيئا فمضغه فقال له ربه حين أتاه لم أفطرت وهو أعلم به قال رب إني كرهت أن أكلمك إلا وفمي طيب الريح قال اللّه عز وجل أو ما علمت يا موسى أن ريح فم الصائم عندي أطيب من ريح المسك إرجع حتى تصوم عشرة أيام ثم إئتني ففعل موسى الذي أمره ربه تبارك تعالى فلما رأى قوم موسى أنه لم يأتهم للأجل ساءهم ذلك وأخرج لهم السامري عجلا جسدا له خوار من حلي آل فرعون فتفرق بنو إسرائيل فقالت فرقة للسامري ما هذا قال هذا ربكم ولكن موسى أخطأ الطريق فقالوا لا نكذب بهذا حتى يرجع إلينا موسى وقالت فرقة هذا من عمل الشيطان وليس هذا بربنا وأشرب فرقة في قلوبهم التصديق وقال لهم هارون إنما فتنتم به وإن ربكم الرحمن فلما كلم اللّه عز وجل موسى أخبره بما لقي قومه بعده فرجع موسى إلى قومه غضبان أسفا وألقى الألواح وأخذ برأس أخيه كما قص اللّه عز وجل في هذه السورة وقال { وفتناك فتونا } يعني إختبرناك إختبارا ويقال أخلصناك إخلاصا كما قال تعالى { إنه كان مخلصا } [ مريم : ٥١ ] ٤٠ثم قال عز وجل { فلبثت سنين } أي عشر سنين { في أهل مدين } عند شعيب عليه السلام { ثم جئت على قدر يا موسى } يعني على وقت مقدور عليك يا موسى وهذا قول ابن عباس وقال مقاتل { على قدر } أي على ميقات ويقال على موعد ويقال على قدر من تكليمي إياك ويقال على قضاء قضيته ويقال على تمام الذي يوحى للأنبياء أربعين سنة ٤١{ واصطنعتك لنفسي } يعني إخترتك للرسالة والنبوة ولإقامة حجتي فقال موسى يا رب حسبي حسبي فقد تمت كرامتي ٤٢فقال اللّه عز وجل { إذهب أنت وأخوك بآياتي } يعني آياتي التسع { ولا تنيا في ذكري } يعني لا تفتروا ولا تضعفا ولا تعجزا عن أداء رسالتي ٤٣{ إذهبا إلى فرعون إنه طغى } يعني تكبر وعلا { فقولا له قولا لينا } يعني كلاما باللين والشفقة والرفق لأن الرؤساء بكلام اللين أقرب إلى الإنقياد من الكلام العنيف أي قولا له أيها الملك ويقال { فقولا له قولا لينا } لوجوب حقه عليك بما رباك وإن كان كافرا وروى أسباط عن السدي قال القول اللين أن موسى جاءه فقال له تسلم وتؤمن بما جئت به وتعبد رب العالمين على أن لك شبابا لا يهرم أبدا وتكون ملكا لا ينزع منك أبدا حتى تموت ولا ينتزع منك لذة الطعام والشراب والجماع أبدا حتى تموت فإذا مت دخلت الجنة قال فكأنه أعجبه ذلك وكان لا يقطع أمرا دون هامان وكان هامان غائبا فقال له فرعون إن لي من أوامره وهو غائب حتى يقدم أي لأشاوره فلم يلبث أن قدم هامان فقال له فرعون علمت بأن ذلك الرجل أتاني فقال هامان ومن ذلك الرجل فقال هو موسى قال فما قال فأخبره بالذي دعاه إليه قال فما قلت له قال لقد دعاني إلى أمر أعجبني فقال له هامان قد كنت أرى لك عقلا وأن لك رأيا بينا أنت رب أفتريد أن تكون مربوبا وبينا أن تعبد أفتريد أن تعبد غيرك فغلبه على رأيه فأبى ٤٤ثم قال تعالى { لعله يتذكر أو يخشى } يعني يتعظ أو يسلم وقال الزجاج لعل في اللغة ترجي وتطمع يقول لعله يصير إلى خير واللّه سبحانه وتعالى خاطب العباد بما يعقلون والمعنى عند سيبويه إذهبا على رجائكما وطمعكما وقد علم اللّه تعالى أنه لا يتذكر ولا يخشى إلا أن الحجة إنما تجب بإبائه وقال بعض الحكماء إذا أردت أن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر فعليك باللين لأنك لست بأفضل من موسى وهارون ولا الذي تأمره بالمعروف ليس بأسوأ من فرعون وقد أمرهما اللّه تعالى بأن يأمراه باللين فأنت أولى أن تأمر وتنهى باللين ٤٥ثم قال اللّه عز وجل { قالا } يعني موسى وهارون { ربنا إننا نخاف أن يفرط علينا } يعني أن يبادر بعقوبتنا يقال قد فرط منه أمر أي قد بدر منه قال النبي صلى اللّه عليه وسلم أنا فرطكم على الحوض ويقال { أن يفرط علينا } يعني أن يضر بنا { أو أن يطغى } يعني يقتلنا قال كان هذا القول من موسى وهارون حين رجع موسى إلى مصر وأوحى اللّه تعالى إليهما فقالا عند ذلك { إننا نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغى } وقال بعضهم قد قال اللّه عز وجل ذلك لموسى عند طور سيناء فأجابه موسى عن نفسه وعن هارون فأضاف القول إليهما جميعا ٤٦{ قال } اللّه عز وجل { لا تخافا } عقوبة فرعون عند أداء الرسالة { إنني معكما } أي معينكما { أسمع } ما نزل عليكما { وأرى } ما يصنع بكما ٤٧ثم قال عز وجل { فأتياه } يعني فاذهبا إلى فرعون { فقولا إنا رسولا ربك } قال الفقيه أبو الليث رحمه اللّه في الآية دليل أنه يجوز رواية الأخبار بالمعنى وإنما العبرة للمعنى دون اللفظ لأن اللّه تعالى حكى معنى واحدا بألفاظ مختلفة وقال في موضع آخر { فقولا إنا رسول رب العالمين } [ الشعراء : ١٦ ] وقال ها هنا { إنا رسولا ربك } وقال في آية أخرى { قالوا آمنا برب العالمين رب موسى وهارون } [ الأعراف : ١٢١ - ١٢٢ ] وقال في موضع { آمنا برب هارون وموسى } ثم قال تعالى { فأرسل معنا بني إسرائيل ولا تعذبهم } يعني لا تستعبدهم { قد جئناك بآية من ربك } يعني باليد والعصا { والسلام على من إتبع الهدى } يعني على من طلب الحق ورغب في الإسلام قال الزجاج { والسلام على من إتبع الهدى } معناه أن من إتبع الهدى فقد سلم من عذاب اللّه عز وجل وسخطه ٤٨قال عز وجل { إنا قد أوحي إلينا أن العذاب } يعني أن العذاب في الآخرة بالدوام { على من كذب } بالتوحيد { وتولى } عن التوحيد والإيمان ولم يذكر في الآية أنهما أتيا فرعون لأن في الكلام دليلا عليه حيث ذكر قول فرعون ومعناه أنهما أتيا فرعون وأديا إليه الرسالة وقالا { إنا رسولا ربك } لأن في الكلام دليلا عليه حيث ذكر قول فرعون ٤٩{ قال } فرعون { فمن ربكما يا موسى } ولم يقل من ربي تكبرا منه ٥٠{ قال } موسى { ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه } يعني شكله ويقال خلق لكل ذكر أنثى شبهه { ثم هدى } يعني ألهمه الأكل والشرب والجماع وقال القتبي الإهداء أصله الإرشاد كقوله { عسى ربي أن يهديني } [ القصص : ٢٢ ] ثم الإرشاد مرة يكون بالدعاء ومرة بالبيان وقد ذكرناه في سورة الأعراف ومرة بالإلهام كقوله { أعطى كل شيء خلقه } أي صورته { ثم هدى } أي ألهمه إتيان الإناث ويقال ألهمه طلب المرعى وتوقي المهالك وقال الحسن { أعطى كل شيء خلقه } ما يصلح له ثم هداه ثم أن موسى أخبره بالبعث والجزاء وأمر الآخرة ٥١وقال فرعون { فما بال القرون الأولى } يعني ما حال وما شأن القرون الماضية ٥٢{ قال } موسى { علمها عند ربي في كتاب } يعني في اللوح المحفوظ { لا يضل ربي } يعني لا يخفى على ربي { ولا ينسى } ما كان من أمرهم وقال مجاهد { لا يضل ربي } أي لا يخفى عليه شيء واحد قال السدي أي لا يغفل ولا يترك وكان الحسن يقرأ { لا يضل } بضم الياء يعني لا يضله اللّه يعني به الكتاب وإلى هذا الموضع حكاية كلام موسى ٥٣ثم إن اللّه عز وجل قال لمشركي مكة { الذي جعل لكم الأرض مهدا } أي موضع القرار وهو الرب الذي ذكر موسى لفرعون ودعاه إلى عبادته قرأ حمزة والكسائي وعاصم { مهدا } وقرأ الباقون { مهادا } يعني فراشا وبساطا قال أبو عبيدة المهد الفعل يقال مهدت مهدا والمهاد إسم الموضع { وسلك لكم فيها سبلا } يعني جعل لكم فيها طرقا { وأنزل من السماء ماء } يعني المطر { فأخرجنا به أزواجا } يعني أنبتنا بالمطر أصنافا وألوانا { من نبات شتى } مختلف ألوانه ٥٤{ كلوا وارعوا أنعامكم } اللفظ لفظ الأمر ومعناه معنى الخبر يعني لتأكلوا منه وترعوا أنعامكم { إن في ذلك } يعني إن في إختلاف النبات ألوانه وغير ذلك { لآيات } أي لعبرات { لأولي النهى } يعني لذوي العقول من الناس ٥٥قوله عز وجل { منها خلقناكم } يعني آدم عليه السلام خلقناه من الأرض { وفيها نعيدكم } بعد موتكم { ومنها نخرجكم } يعني نحييكم ونخرجكم من الأرض { تارة أخرى } ٥٦ثم رجع إلى قصة فرعون فقال { ولقد أرينه آياتنا كلها } يعني العلامات والدلائل { فكذب } بالآيات { وأبى } أن يسلم ٥٧{ قال } فرعون وقومه { أجئتنا لتخرجنا من أرضنا بسحرك يا موسى} ٥٨{فلنأتينك بسحر مثله فاجعل بيننا وبينك موعدا لا نخلفه نحن ولا أنت مكانا سوى} يعني لا نجاوزه مكانا سوى ذلك المكان وهذه قراءة نافع وأبي عمرو والكسائي وإبن كثير يقرؤون بالكسر وقرأ إبن عامر وعاصم وحمزة { سوى } بضم السين ومعناه الإنصاف وقال بعضهم سوى وسوى لغتان وقال مجاهد مكانا منصفا بينهم وقال السدي أي عدلا بينهم وقال القتبي أي وسطا بين الفريقين ٥٩قوله عز وجل { قال موعدكم يوم الزينة } يعني يوم عيد لهم وهو يوم النيروز وروي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال هو يوم عاشوراء { وأن يحشر الناس ضحى } يعني إذا حشر الناس واجتمعوا على وقت الضحى ٦٠{ فتولى فرعون } يعني رجع إلى أهله { فجمع كيده } يعني سحرته { ثم أتى } يعني أتى الميعاد قرأ بعضهم { يوم الزينة } بنصب الميم والمعنى يقع في { يوم الزينة } وقراءة العامة { يوم الزينة } رفع على معنى خبر الإبتداء ٦١ثم { قال لهم موسى ويلكم لا تفتروا على اللّه كذبا } يعني ضيق اللّه عليكم الدنيا لا تختلقوا على اللّه كذبا قال الزجاج { ويلكم } منصوب على أن ألزمهم اللّه ويلا قال ويجوز أن يكون على النداء كما قال { ياويلتنا } [ الكهف : ٤٩ ] { فيسحتكم بعذاب } يعني يأخذكم بعذاب ويهلككم قرأ حمزة والكسائي وعاصم في رواية حفص { فيسحتكم } بضم الياء وكسر الحاء وقرأ الباقون { فيسحتكم } بالنصب وهما لغتان يقال سحته وأسحته إذا إستأصله وأهلكه { وقد خاب } يعني خسر { من إفترى } يعني إختلق على اللّه كذبا ٦٢قال عز وجل { فتنازعوا أمرهم بينهم } يعني تناظروا أمرهم بينهم يعني إختلفوا فيما بينهم سرا من فرعون وهم السحرة وقالوا فيما بينهم إن كان ما يقول موسى حقا واجبا فيكون الغلبة لموسى فذلك قوله عز وجل { فتنازعوا أمرهم بينهم } يعني تناظروا أمرهم بينهم { وأسروا النجوى } يعني أخفوا الكلام ٦٣{ قالوا إن هذان لساحران } يعني موسى وهارون { يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما } قرأ أبو عمرو { إن هذين لساحران } لأن { إن } تنصب ما بعدها وقرأ إبن كثير وعاصم في رواية حفص { إن هذان } بجزم إن وتشديد نون هذان عند إبن كثير خاصة وقرأ الباقون { إن } بالنصب والتشديد { هذان لساحران } بالتخفيف وقال أبو عبيد نقرأ بهذا ورأيت في مصحف عثمان رضي اللّه عنه بهذا اللفظ { وإن هذين لساحران } { إن هاذين } ليس فيه ألف وهكذا رأيت رفع الإثنين في جميع المصاحف بإسقاط الألف وإذا كتبوا بالنصب والخفض كتبوها بالياء وحكى الكسائي عن أبي الحارث بن كعب وخثعم وزيد وأهل تلك الناحية الرفع مكان النصب وقال القائل ( أي قلوص راكب تراها طاروا علاهن فطر علاها ) وقال آخر ( إن أباها وأبا أباها قد بلغا في المجد غايتاها ) وقال آخر ( فمن يك أمسى بالمدينة رحلة فإني وقيار بها لغريب ) وروى وكيع عن الأعمش عن إبراهيم قالوا كانوا يرون أن الألف والياء في القراءة سواء { إن هاذان لساحران } و { إن هاذين لساحرين } سواء وفي مصحف عبد اللّه { إن هاذان ساحران } وفي مصحف أبي { إن هذان إلا ساحران } ثم قال اللّه عز وجل { ويذهبا بطريقتكم المثلى } يقول برجالكم الأمثل فالأمثل يقول ليغلبا على الرجال من أهل العقول والشرف وقال القتبي يقال هؤلاء طريقة القوم أي أشرافهم ويقال أراد سنتكم ودينكم وقال الزجاج معناه يذهبا بأهل طريقتكم كما قال { وسئل القرية } [ يوسف : ٨٢ ] ٦٤ثم قال عز وجل { فأجمعوا كيدكم } قرأ أبو عمرو { فاجمعوا } بجزم الألف ونصب الميم يعني جيئوا بكل كيد تقدرون عليه لا تبقوا منه شيئا وقرأ الباقون { فاجمعوا } بقطع الألف وكسر الميم ومعناه ليكن عزمكم كلكم على الكيد مجمعا عليه ولا تختلفوا فتخذلوا وقال أبو عبيدة بهذا نقرأ لأن الناس عليها ولصحتها في العربية يقال أجمعت الأمر واجتمعت عليه وإنما يقال جمعت الشيء المتفرق فتجمع ثم قال { ثم ائتوا صفا } يعني جميعا قال أبو عبيد الصف المصلى وقال الزجاج { ثم ائتوا صفا } يعني الموضع الذي تجتمعون فيه لعيدكم وصلاتكم قال ويجوز أن يكون قوله ثم ائتوا مصطفين مجتمعين ليكون أنظم لأمركم وأشد لهيبتكم { وقد أفلح اليوم } يعني قد فاز ونجا اليوم { من إستعلى } أي من علا بالغلبة ٦٥ثم جمع فرعون بينهم وبين موسى عليه السلام ف { قالوا يا موسى } يعني السحرة { إما أن تلقي } يعني أن تطرح عصاك على الأرض { وأما أن نكون أول من ألقى } إلى الأرض ٦٦{ قال } لهم موسى { بل ألقوا } فألقوا في الكلام مضمر { فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه } يعني تراءت إلى موسى { من سحرهم أنها تسعى } يعني كأنها حيات تسير وروي عن الحسن أنه كان يقرأ بالتاء { تخيل } لأن جمع العصي مؤنث وقراءة العامة بالياء يعني سعيها ٦٧ثم قال { فأوجس في نفسه خيفة موسى } يعني أضمر في قلبه الخوف وخاف أن لا يظفر به إن صنع القوم مثل ما صنع ويقال خاف من الحيات من جهة الطبع { قلنا لا تخف } يعني أوحى اللّه تعالى إلى موسى عليه السلام أن لا تخف { إنك أنت الأعلى } يعني الغالب و { فأوجس } أي أحس ووجد خوفا من سحرهم ٦٨فقال تعالى { لا تخف إنك أنت الأعلى } عليهم بالظفر والغلبة ٦٩قوله عز وجل { وألق ما في يمينك } يعني إطرح ما في يمينك من العصا { تلقف ما صنعوا } يعني تلقم ما عملوا { إنما صنعوا كيد ساحر } يعني عمل سحر قرأ عاصم في رواية حفص { تلقف } بالجزم والتخفيف وقرأ إبن كثير في الروايتين { تلقف } بالنصب والتشديد وضم الفاء وقرأ الباقون بجزم الفاء وتشديد القاف لأنه جواب الأمر وقرأ حمزة والكسائي { كيد سحر } بغير ألف وقرأ الباقون { كيد ساحر } وقال أبو عبيد بهذا نقرأ لأن إضافة الكيد إلى الرجل أولى من إضافته إلى السحر وقرأ بعضهم { كيد سحر } بنصب الدال جعله نصبا لوقوع الفعل عليه وهو قوله تعالى { صنعوا } وهذا كما يقول إنما ضربت زيدا وقراءة العامة بالضم لأنه خبر إن وما إسم ومعناه إن الذي صنعوا كيد سحر { ولا يفلح الساحر حيث أتى } أي حيثما عمل ويقال لا يفوز حيثما كان وذهب ٧٠قوله عز وجل { فألقي السحرة سجدا } يعني من سرعة ما سجدوا كأنهم ألقوا وهذا قول الأخفش وقال الفراء والقتبي وقعوا للسجود { قالوا آمنا برب هارون وموسى } يعني صدقنا به ٧١{ قال } لهم فرعون { آمنتم له قبل أن آذن لكم } يعني قبل أن آمركم { إنه لكبيركم } يعني موسى لعالمكم { الذي علمكم السحر } وإنما أراد به التلبيس على قومه لأنه علم أنهم لم يتعلموا من موسى وإنما علموا السحر قبل قدوم موسى وقبل ولادته ثم قال { فلأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف } اليد اليمنى والرجل اليسرى { ولأصلبنكم في جذوع النخل } يعني على أصول النخل على شاطىء النيل { ولتعلمن أينا أشد عذابا وأبقى } يعني وأدوم أنا أم رب موسى ٧٢قوله { قالوا لن نؤثرك } أي لن نختار عبادتك وطاعتك ولن نتبع دينك { على ما جاءنا من البينات } يعني على دين اللّه بعدما جاءنا من العلامات { والذي فطرنا } يعني ولا عبادتك على عبادة الذي خلقنا ويقال هو على معنى القسم أي لن نختارك ودينك والذي فطرنا { فاقض ما أنت قاض } يقول إصنع ما أنت صانع فاحكم فينا من القطع والصلب ما شئت { إنما تقضي هذه الحياة الدنيا } يقول لست بحاكم علينا ولا تملكنا إلا في الدنيا ما دام الروح فينا ٧٣قوله تعالى { إنا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا } يعني ما عملنا في حال الشرك { وما أكرهتنا عليه من السحر } يعني ليغفر لنا ما أجبرتنا عليه من السحر ويروى أن فرعون أكرههم على تعلم السحر { واللّه خير وأبقى } يعني اللّه خير لنا منك وأدوم وثواب اللّه عز وجل خير من عطائك وأبقى مما وعدتنا به من التعذيب ٧٤قوله تعالى { إنه من يأت ربه مجرما } أي مشركا وإن للتأكيد والهاء للعماد وهذا قول اللّه تعالى عز وجل للنبي صلى اللّه عليه وسلم إنه من يأت ربه يوم القيامة كافرا { فإن له جهنم لا يموت فيها ولا يحيى } يعني لا يموت فيستريح من العذاب ولا يحيى حياة تنفعه ٧٥قوله عز وجل { ومن يأته مؤمنا } يعني يأتي يوم القيامة مؤمنا يعني مصدقا { قد عمل الصالحات } يعني الطاعات { فأولئك لهم الدرجات العلى } يعني الفضائل في الجنة ٧٦ثم قال عز وجل { جنات عدن } يعني هي جنات عدن { تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها } يعني دائمين في الجنة { وذلك جزاء من تزكى } يعني ثواب من وحد ٧٧قوله تعالى { ولقد أوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي } يعني سر بعبادي ليلا { فاضرب لهم طريقا } يعني بين لهم طريقا { في البحر يبسا } يعني يابسا { لا تخاف دركا } يعني إدراك فرعون { ولا تخشى } الغرق قرأ حمزة { لا تخف دركا } على معنى النهي يعني لا تخف أن يدركك فرعون وقرأ الباقون { لا تخاف } بالألف ومعناه لست تخاف وقال أبو عبيد بهذا نقرأ لأن من قرأ بالجزم يلزم أن يخشى لأنه حرف معطوف على الذي قبله ٧٨ثم قال { فأتبعهم فرعون بجنوده } يعني لحقهم فرعون بجموعه { فغشيهم من اليم ما غشيهم } يعني أصابهم من البحر ما أصابهم ويقال علاهم من البحر ما علاهم حين إلتقى البحر عليهم ٧٩ويقال فغشيهم من البحر ما غرقهم { وأضل فرعون قومه وما هدى } يعني أهلكهم وما نجا بنفسه ويقال أضلهم بحمله إياهم على الضلالة { وما هدى } يعني ما هداهم إلى الرشاد وهذا رد لقوله { إتبعون أهدكم سبيل الرشاد } [ غافر : ٣٨ ] ويقال { وما هدى } يعني ما هداه إلى الصواب ٨٠ثم ذكر نعمته على بني إسرائيل فقال عز وجل { يا بني إسرائيل قد أنجيناكم من عدوكم } يعني فرعون { وواعدناكم جانب الطور الأيمن } يعني يمين موسى { ونزلنا عليكم المن والسلوى } حيث كانوا في التيه ٨١{ كلوا من طيبات ما رزقناكم } يعني قال لهم كلوا من حلالات ما رزقناكم يعني أعطيناكم قرأ حمزة والكسائي { أنجيتكم وواعدتكم ما رزقتكم } الثلاثة كلها بالتاء وقرأ إبن كثير وعاصم ونافع وإبن عامر الثلاثة بالألف والنون وقرأ أبو عمرو بالتاء إلا قوله { وواعدناكم } ثم قال { ولا تطغوا فيه } أي لا ترفعوا منه شيئا للغد { فيحل عليكم غضبي } يعني فيجب وينزل عليكم عذابي { ومن يحلل عليه غضبي } يعني ومن يجب وينزل عليه غضبي { فقد هوى } يعني هلك وتردى في النار قرأ الكسائي { فيحل } بضم الحاء من يحلل بضم اللام والباقون كلاهما بالكسر فمن قرأ بالضم يعني ينزل ومن قرأ بالكسر يعني يجب ٨٢ثم قال عز وجل { وإني لغفار لمن تاب وآمن } يعني رجع من الشرك والذنوب { وآمن } يعني صدق باللّه ورسله { وعمل صالحا } يعني خالصا فيما بينه وبين ربه { ثم اهتدى } يعني علم أن لعمله ثوابا وهذا قول مقاتل وروى جويبر عن الضحاك { ثم إهتدى } أي ثم إستقام وروى وكيع عن سفيان قال { ثم إهتدى } أي مات على ذلك وقال ابن عباس { ثم إهتدى } أي مات على السنة ٨٣قوله عز وجل { وما أعجلك عن قومك يا موسى } وذلك أن موسى لما انتهى إلى الجبل وخلف السبعين رجلا الذين إختارهم عجل موسى عليه السلام شوقا إلى كلام ربه وأمرهم بأن يتبعوه إلى الجبل فقال اللّه تعالى لموسى عليه السلام { وما أعجلك عن قومك يا موسى } يعني ما أسبقك عن قومك وتركت أصحابك خلفك ٨٤{ قال هم أولاء على أثري } ويحتمل أن يكون { أولاء } صلة يعني هم على أثري أي يجيئون من بعدي { وعجلت إليك رب لترضى } يعني لكي يزداد رضاك عني ٨٥قوله عز وجل { قال فإنا قد فتنا قومك من بعدك } وهذا على وجه الإختصار لأنه لم يذكر ما جرى من القصة لأنه ذكر في موضع آخر فها هنا إختصر الكلام وقال { فإنا قد فتنا قومك } يعني إبتلينا قومك من بعد إنطلاقك إلى الجبل { وأضلهم السامري } يعني أمرهم السامري بعبادة العجل ٨٦{ فرجع موسى إلى قومه غضبان أسفا } أي حزينا وقال القتبي { أسفا } أي شديد الغضب فلما دخل المحلة رآهم حول العجل فأبصر ما يصنعون حوله { قال يا قوم ألم يعدكم ربكم وعدا حسنا } يعني وعدا صدقا ومعناه وعد اللّه عز وجل بأن يدفع الكتاب إلى موسى عليه السلام ليقرأه عليهم ويهتدوا به { أفطال عليكم العهد } يعني طالت عليكم المدة { أم أردتم أن يحل عليكم } يعني يجب { غضب } يعني سخط { من ربكم فأخلفتم موعدي } يعني بترك عبادة اللّه عز وجل ٨٧{ قالوا ما أخلفنا موعدك بملكنا } يعني ما تعمدنا ذلك قرأ حمزة والكسائي { بملكنا } بضم الميم يعني ما فعلناه بسلطان كان لنا ولا قدرة وقرأ إبن كثير وأبو عمرو وإبن عامر { بملكنا } بكسر الميم والملك ما حوته اليد وقرأ نافع وعاصم { بملكنا } بنصب الميم وهو بمعنى الملك { ولكنا حملنا أوزارا } يعني آثاما { من زينة القوم } يعني من حلي آل فرعون ويقال { أوزارا } يعني أحمالا { فقذفناها } يعني فطرحناها في النار قرأ حمزة والكسائي وأبو عمرو وعاصم في رواية أبي بكر { حملنا } بالنصب والتخفيف وقرأ الباقون { حملنا } بضم الحاء وتشديد الميم على فعل ما لم يسم فاعله { فكذلك ألقى السامري } يعني ألقاها في النار كما ألقينا وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال كان السامري من أهل قرية يعبدون البقرة فدخل في بني إسرائيل فأظهر الإسلام معهم وفي قلبه حب عبادة البقر فابتلى اللّه عز وجل به بني إسرائيل فكشف له عن بصره فرأى أثر فرس جبريل عليه السلام فأخذ من أثرها وقد كان هارون قال لبني إسرائيل إنكم قد تحملتم من حلي آل فرعون وأمتعتهم معكم وهي نجسة فتطهروا منها وأوقدوا لهم نارا ثم قل لهم أحرقوها فيها فجعلوا يأتون بالحلي والأمتعة فيقذفونها في النار فانسبك الحلي وأقبل السامري وفي يده تلك القبضة من أثر فرس الرسول يعني جبريل عليه السلام فوقف فقال يا نبي اللّه ألقها فيه فقال نعم وهارون لا يظن إلا أنه من الحلي الذي يأتي به بنو إسرائيل فقذفها فيه وقال كن عجلا جسدا له خوار وقال السدي جاء جبريل ليذهب بموسى إلى ربه عز وجل وجبريل عليه السلام على فرس فبصر به السامري ويقال إن ذلك الفرس فرس الحياة فأخذ قبضة من أثر حافر الفرس فلما ألقى التراب في الحلي تفرخ عجلا جسدا له خوار فذلك ٨٨قوله { فقالوا هذا إلهكم وإله موسى } وقال بعضهم كان السامري من بين إسرائيل وقد ولدته أمه في غار مخافة أن يذبح فرباه جبريل عليه السلام في الغار حتى كبر فلما رأى جبريل على فرس الحياة عرفه لأنه قد كان رباه في صغره فأخذ قبضة من تراب من أثر حافر فرسه ثم ألقاها في جوف العجل فصار عجلا له خوار يعني صوت وقال مجاهد خوار العجل كان هفيف الريح إذا دخلت جوفه وهكذا روي عن علي بن أبي طالب وإحدى الروايتين عن ابن عباس رضي اللّه عنه أنه قال صار عجلا له لحم ودم وخرج منه الصوت مرة واحدة فقال { هذا إلهكم } يعني قال السامري وإله موسى { فنسي } يعني أخطأ موسى الطريق وروى عكرمة عن ابن عباس في قوله { فنسي } يعني قال نسي موسى أن يخبركم بأن هذا إله وقال قتادة هذا إلهكم وإله موسى ولكن موسى نسي ربه عندكم ٨٩قال اللّه تعالى { أفلا يرون ألا يرجع إليهم قولا } يعني لم يكن لهم عقل يعلموا أنه لم يكن إلههم حيث لا يكلمهم ولا يجيبهم { ولا يملك لهم ضرا ولا نفعا } يعني لا يقدر على دفع مضرة ولا جر منفعة ٩٠قوله تعالى { ولقد قال لهم هارون من قبل } يعني من قبل مجيء موسى إليهم { يا قوم إنما فتنتم به} يعني إنما إبتليتم بعبادة العجل { وإن ربكم الرحمن } يعني إلهكم الرحمن { فاتبعوني } يعني إتبعوا ديني { وأطيعوا أمري } يعني قولي ٩١قوله تعالى { قالوا لن نبرح عليه } يعني لا نزال على عبادة العجل { عاكفين } يعني مقيمين { حتى يرجع إلينا موسى } فلما جاءهم موسى ٩٢{ قال يا هارون ما منعك إذ رأيتهم ضلوا } يعني أخطؤوا الطريق بعبادة العجل ٩٣{ ألا تتبعني } يعني أن لا تتبع أمري في وصيتي فتناجزهم الحرب { أفعصيت أمري } يعني أفتركت وصيتي ٩٤{ قال } له موسى ذلك بعدما أخذ بشعر رأسه ولحيته فقال هارون عليه السلام { يا إبن أم } قرأ حمزة والكسائي وإبن عامر وعاصم في رواية أبي بكر { يا إبن أم } بكسر الميم على معنى الإضافة وقرأ الباقون بالنصب بمنزلة إسم واحد { لا تأخذ بلحيتي ولا } بشعر { برأسي } { إني خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل } يعني جعلتهم فرقتين وألقيت بينهم الحرب { ولم ترقب قولي } يعني لم تنتظر قدومي ٩٥ثم أقبل على السامري فقال له { قال فما خطبك يا سامري } يقول ما شأنك وما الذي حملك على ما صنعت ٩٦{ قال } السامري { بصرت بما لم يبصروا به } قرأ حمزة والكسائي بالتاء على معنى المخاطبة وقرأ الباقون بالياء عل معنى المغايبة { بصرت بما لم يبصروا به } يعني رأيت ما لم يروا وعلمت ما لم يعلموا به يعني بني إسرائيل قال موسى ما الذي رأيت دون بني إسرائيل فقال رأيت جبريل عليه السلام على فرس الحياة وهو قوله { فقبضت قبضة من أثر الرسول } يعني من أثر فرس جبريل وفي قراءة عبد اللّه بن مسعود رضي اللّه عنه { فقبصت قبصة } بالصاد وروي عن الحسن أنه قرأ { فقبضت قبضة } بالصاد وهو الأخذ بأطراف الأصابع وقراءة الجماعة { فقبضت قبضة } بالضاد وهو القبض بالكف { فنبذتها } يعني فطرحتها في العجل ثم قال { وكذلك سولت لي نفسي } أي زينت فلا تلمني بهذا الفعل ولمهم بعبادتهم إياه ٩٧{ قال } له موسى عليه السلام { فاذهب فإن لك في الحياة } يعني عقوبتك في الدنيا { أن تقول لا مساس } يعني لا أمس أحدا ولا يمسني أحد ويقال إبتلي بالوسواس وأصل الوسواس من ذلك الوقت ويقال معناه لن تخالط أحدا ولن يخالطك أحد فنفاه عن قومه { وإن لك موعدا } في الآخرة { لن تخلفه } قرأ إبن كثير وأبو عمرو { لن تخلفه } بكسر اللام يعني لن تغيب عنه ومعناه تبعث يوم القيامة لا تقدر على غير ذلك ولا تخلفه وقرأ الباقون { تخلفه } بنصب اللام يعني لن تؤخر ولن تجاوز عنه ويقال معناه يكافئك اللّه تعالى على ما فعلت واللّه لا يخلف الميعاد ثم قال { وانظر إلى إلهك الذي ظلت عليه عاكفا } يعني عابدا { لنحرقنه } روى معمر عن قتادة قال في حرف إبن مسعود { وانظر إلى إلهك الذي ظلت عليه عاكفا لنذبحنه ثم لنحرقنه } وقرأ الحسن { لنحرقنه } بالتخفيف وقراءة العامة بالتشديد ونصب الحاء ومعناه أنه يحرق مرة بعد مرة وقرأ أبو جعفر المدني { لنحرقنه } بنصب النون وضم الراء ومعناه لنبردنه بالمبارد ويقال حرقه وأحرقه { ثم لننسفنه في اليم نسفا } يعني لنذرينه في البحر ذروا والنسف التذرية ٩٨ثم قال موسى عليه السلام { إنما إلهكم اللّه الذي لا إله إلا هو } يعني أن العجل ليس بإلهكم وإنما إلهكم اللّه الذي لا إله إلا هو { وسع كل شيء علما } يعني أحاط علمه بكل شيء وهو عالم بما كان وما يكون ٩٩قال اللّه تعالى للنبي صلى اللّه عليه وسلم { كذلك نقص عليك من أنباء ما قد سبق } يعني هكذا نقص عليك من أخبار ما مضى { وقد آتيناك } يعني أعطيناك { من لدنا ذكرا } يعني أكرمناك من عندنا بالقرآن ١٠٠قوله عز وجل { من أعرض عنه } يعني من كفر بالقرآن { فإنه يحمل يوم القيامة وزرا } يعني حملا من الذنوب ١٠١{ خالدين فيه } يعني دائمين في عقوبة الوزر { وساء لهم يوم القيامة حملا } يعني بئس الحمل الوزر وبئس ما يحملون من الذنوب ١٠٢قوله عز وجل { يوم ينفخ في الصور } يعني في يوم ينفخ في الصور وهو يوم القيامة قرأ أبو عمرو { ويوم ننفخ في الصور } بالنون واحتج بقوله { ونحشر المجرمين } وقرأ الباقون بالياء قال أبو عبيدة وبهذا نقرأ لأن النافخ ملك قد إلتقم الصور وأما الحشر فاللّه عز وجل يحشرهم قال أبو عبيدة معناه ينفخ الأرواح في الصور وخالفه غيره ثم قال و { نحشر المجرمين } أي المشركين { يومئذ زرقا } يعني عطاشا ويقال عميا ويقال زرق الأعين وروي عن سعيد بن جبير أن رجلا قال لابن عباس إن اللّه يقول في موضع { ونحشر المجرمين يومئذ زرقا } { ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما } [ الإسراء : ٩٧ ] فقال ابن عباس إن يوم القيامة له حالات في حال زرقا وفي حال عميا وقال القتبي { زرقا } أي تبيض عيونهم من العمى أي ذهب السواد والناظر وقال الزجاج يقال عطاشا لأن من شدة العطش يتغير سواد الأعين حتى تزرق ١٠٣ثم قال { يتخافتون بينهم } يعني يتسارون فيما بينهم { إن لبثتم } يعني ما مكثتم بعد الموت في القبور { إلا عشرا } يعني عشرة أيام ويقال عشر ساعات ١٠٤يقول اللّه عز وجل { نحن أعلم بما يقولون إذ يقول أمثلهم طريقة } يعني أوفاهم عقلا ويقال أعدلهم رأيا عند أنفسهم { إن لبثتم } يعني ما مكثتم في القبور { إلا يوما } ١٠٥قوله عز وجل { ويسألونك عن الجبال } وذلك أن بني ثقيف من أهل مكة قالوا يا رسول اللّه كيف تكون الجبال يوم القيامة فنزل { يسألونك } يعني عن أمر الجبال { فقل ينسفها ربي نسفا } يعني يقلعها ربي قلعا من أمكنتها والنسف التذرية أي تصيير الجبال كالهباء المنثور ١٠٦{ فيذرها قاعا صفصفا } قال القتبي القاع واحدة القيعة وهي الأرض التي يعلوها السراب كالماء والصفصف المستوي وقال السدي القاع الأملس والصفصف المستوي ١٠٧{ لا ترى فيها عوجا ولا أمتا } يعني لا ترى فيها صعودا ولا هبوطا ويقال لا ترى فيها أودية و { لا أمتا } يعني ولا شخوصا والأمت في كلام العرب ما نشز من الأرض ١٠٨ثم قال عز وجل { يومئذ يتبعون الداعي } يعني يقصدون نحو الداعي { لا عوج له } يعني لا عوج لهم عنه ومعناه لا يميلون يمينا ولا شمالا { وخشعت الأصوات } يعني ذلت وسكنت وخفضت الكلمات { للرحمن } يعني لهيبة الرحمن { فلا تسمع إلا همسا } يعني كلاما خفيا ويقال صوت الأقدام كهمس الإبل ١٠٩قوله عز وجل { يومئذ لا تنفع الشفاعة } يعني عنده { إلا من أذن له الرحمن } في الشفاعة { ورضي له قولا } يعني إذا قال بإخلاص القلب لا إله إلا اللّه في الدنيا ١١٠{ يعلم ما بين أيديهم } من أمر الآخرة { وما خلفهم } من أمر الدنيا { ولا يحيطون به علما } يعني لا يدركون علم اللّه تعالى ١١١{ وعنت الوجوه } قال قتادة رحمه اللّه ذلت الوجوه { للحي القيوم } وقال القتبي رحمه اللّه أصله من عنته أي حبسته ومنه قيل للأسير عان وقال الزجاج رحمه اللّه عنت أي خضعت يقال عنا يعنو أي خضع { وقد خاب } يعني خسر { من حمل ظلما } يعني شركا ١١٢ثم قال { ومن يعمل من الصالحات } يعني من يعمل من الطاعات { ومن } للصلة والزينة { وهو مؤمن } يعمل وهو مؤمن مع عمله لأن العمل لا يقبل بغير إيمان { فلا يخاف ظلما ولا هضما } قال قتادة { ظلما } أي لا يزداد في سيئاته ولا ينقص من حسناته أي لا يهضم قال السدي رحمه اللّه الظلم أن يؤخذ لما لم يعمل والهضم النقصان من حقه قال القتبي ومنه قيل هضيم الكشحين أي ضامر الجنبين وهضمني الطعام أي أمرأني ويهضمني حقي قرأ إبن كثير { فلا يخف ظلما } على معنى النهي وقرأ الباقون { فلا يخاف } على معنى الخبر ١١٣ثم قال عز وجل { وكذلك أنزلنا قرآنا عربيا } يعني هكذا أنزلنا عليك جبريل ليقرأ عليك القرآن على لغة العرب { وصرفنا فيه من الوعيد } يعني بينا في القرآن من أخبار الأمم الماضية وما أصابهم بذنوبهم { لعلهم يتقون } يعني لكي يتقوا الشرك { أو يحدث لهم ذكرا } يعني يحدث الوعيد بهذا القرآن أو هذا القرآن لهم إعتبارا فيذكر به عذاب اللّه للأمم فيعتبروا وهذا قول مقاتل ويقال { أو يحدث لهم ذكرا } أي يحدد الوعيد بذكر القرآن العذاب فيزجرهم عن المعاصي ويقال { أو يحدث لهم ذكرا } أي شرفا والذكر الشرف ١١٤ثم قال عز وجل { فتعالى اللّه الملك الحق } يعني إرتفع وتعظم عن الشريك والولد { الملك الحق } أهل الربوبية ويقال { فتعالى اللّه الملك الحق } يعني إرتفع وتعظم من أن يزيد في سيئات أحد وينقص من حسناته { الملك الحق } الذي يعدل بين الخلق ثم قال { ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه } وذلك أن جبريل عليه السلام كان إذا قرأ القرآن على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان يتعجل النبي صلى اللّه عليه وسلم بقراءته قبل أن يتم جبريل عليه السلام تلاوته مخافة أن لا يحفظ فنزل { ولا تعجل بالقرآن من قبل } أن يفرغ جبريل عليه السلام قراءته فيكون في الآية تعليم حفظ الأدب وهو الإستماع إلى من يتعلم منه وهذا مثل قوله { لا تحرك به لسانك لتعجل به } [ القيامة : ١٦ ] روى جرير بن حازم عن الحسن أن رجلا لطم إمرأته فجاءت تلتمس القصاص فجعل النبي صلى اللّه عليه وسلم بينهما القصاص قبل أن ينزل القرآن فنزل { ولا تعجل بالقرآن } الآية أي لا تعجل بالقصاص قبل أن ينزل عليك القرآن فنزل قوله عز وجل { الرجال قوامون على النساء بما فضل اللّه } [ النساء : ٣٤ ] وكان الحسن يقرأ { من قبل أن يقضي إليك وحيه } بالنصب يعني من قبل أن ينزل إليك الوحي وقراءة العامة { يقضى إليك وحيه } بالرفع على فعل ما لم يسم فاعله ومعنى القرائتين واحد ثم قال { وقل رب زدني علما } يعني زدني علما بالقرآن معناه زدني فهما في معناه ١١٥قوله عز وجل { ولقد عهدنا إلى آدم من قبل } يعني أمرنا آدم عليه السلام بترك أكل الشجرة من قبل يعني من قبل محمد صلى اللّه عليه وسلم { فنسي } يعني فترك أمرنا { ولم نجد له عزما } قال حفظا لما أمر به روى سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال { عهدنا إلى آدم من قبل فنسي } أي فترك أمرنا { ولم نجد له عزما } أي حزما وقال قتادة صبرا وقال السدي مثله وقال عطية { ولم نجد له عزما } أي حفظا بما أمر به وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال عهد إلى آدم فنسي فسمي الإنسان وقال القتبي النسيان ضد الحفظ كقوله تعالى { فإني نسيت الحوت } [ الكهف : ٦٣ ] والنسيان الترك كقوله { ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي } وكقوله { فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا } [ السجدة : ٣٢ ] وكقوله { ولا تنسوا الفضل بينكم } ١١٦ثم قال عز وجل { وإذ قلنا للملائكة إسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى } أي تعظم عن السجود ١١٧{ فقلنا يا آدم إن هذا عدو لك ولزوجك } يعني إبليس عدو لك ولزوجك حواء فاحذروا منه { فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى } يعني فتتعب وتتعنى بعمل كفيك ولا تأكل إلا كدا بعد النعمة وقال سعيد بن جبير لما هبط آدم من الجنة وكلف العمل فكان يمسح العرق عن جبينه فذلك قوله { فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى } وهو العرق الذي مسحه من الجبين ١١٨ثم قال عز وجل { إن لك أن لا تجوع فيها ولا تعرى } يعني أن حالك ما دمت في الجنة لا تجوع فيها ولا تعرى من الثياب ١١٩{ وأنك لا تظمأ فيها } يعني لا تعطش في الجنة { ولا تضحى } يعني لا يصيبك الضحى وهو حر الشمس قرأ نافع وعاصم في رواية أبي بكر { وإنك } بالكسر على معنى الإبتداء وقرأ الباقون { وأنك } بالنصب على معنى البناء ١٢٠قوله عز وجل { فوسوس إليه الشيطان قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد } من أكل منها خلد ولم يمت { وملك لا يبلى } يعني هل أدلك عل ملك لا يفنى فهو أكل الشجرة ١٢١{ فأكلا منها } يعني من الشجرة وقد ذكرنا تفسير الشجرة في سورة البقرة { فبدت لهما سوآتهما } أي ظهرت لهما عوراتهما { وطفقا } يعني عمدا { يخصفان } يعني يلزقان { عليهما من ورق الجنة وعصى آدم ربه } يعني ترك أمر ربه بأكله من الشجرة { فغوى } أخطأ ولم يصب بأكله ما أراد وما وعد له من الخلود ١٢٢{ ثم اجتباه ربه } يعني إصطفاه ربه واختاره بالنبوة { فتاب عليه } يعني تجاوز عنه وقبل توبته { وهدى } يعني هداه اللّه تعالى للتوبة بكلمات تلقاها أي آدم عليه السلام ١٢٣قوله عز وجل { قال إهبطا منها جميعا } يعني من الجنة آدم وحواء وإبليس والحية { فأما يأتينكم مني هدى } يعني يا ذرية آدم سيأتيكم مني الكتاب والرسل خاطبه به وعنى ذريته { فمن إتبع هداي } يعني أطاع كتابي ورسلي { فلا يضل } باتباعه إياهما في الدنيا { ولا يشقى } في الآخرة وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال من قرأ القرآن واتبع ما فيه هداه اللّه عز وجل من الضلالة ووقاه اللّه عز وجل يوم القيامة سوء الحساب فذلك قوله تعالى { فمن إتبع هداي فلا يضل ولا يشقى } ١٢٤ثم قال عز وجل { ومن أعرض عن ذكري } يعني عن القرآن والرسل ولم يؤمن وقال مقاتل من أعرض عن الإيمان { فإن له معيشة ضنكا } يعني معيشة ضيقة روي عن إبن مسعود وأبي سعيد الخدري أنهما قالا { معيشة ضنكا } يقول عذاب القبر وروى أبو سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم في قوله { معيشة ضنكا } قال عذاب القبر { ونحشره يوم القيامة أعمى } أي أعمى عن الحجة وقال ابن عباس وذلك حين يخرج من القبر خرج بصيرا فإذا سيق إلى المحشر عمي قال عكرمة رحمه اللّه في قوله { ونحشره يوم القيامة أعمى } قال عمي عليه عن كل شيء إلا جهنم وقال الضحاك في قوله { معيشة ضنكا } قال كسب الخبيث وقال السدي { معيشة ضنكا } قال معيشة القبر حين يأتيه الملكان وقال قتادة الضنك الضيق يقول ضنكا في النار ١٢٥قوله عز وجل { قال رب لم حشرتني أعمى } قال مجاهد { لم حشرتني أعمى } لا حجة لي { وقد كنت بصيرا } بالحجة في الدنيا ويقال { لم حشرتني أعمى } أي أعمى العينين { وقد كنت بصيرا } في الدنيا { قال كذلك أتتك آياتنا } يعني الرسول والقرآن { فنسيتها } وتركت العمل بها ولم تؤمن بها { وكذلك اليوم تنسى } أي تترك في النار ويقال { كذلك أتتك آياتنا فنسيتها } أي تعلمت القرآن فنسيته وتركته وقال السدي { وكذلك اليوم تنسى } أي تترك في النار وتترك عن الخير ١٢٧ثم قال عز وجل { وكذلك نجزي من أسرف } يعني هكذا نعاقب من أشرك باللّه { ولم يؤمن بآيات ربه } يعني بمحمد صلى اللّه عليه وسلم والقرآن { ولعذاب الآخرة أشد وأبقى } يعني وأدوم ١٢٨قوله عز وجل { أفلم يهد لهم } يعني أفلم يتبين لقومك { كم أهلكنا قبلهم من القرون يمشون في مساكنهم } يعني يمرون على منازلهم { إن في ذلك } يعني في هلاكهم { لآيات } يعني لعبرات { لأولي النهى } يعني لذوي العقول من الناس ١٢٩{ ولولا كلمة سبقت من ربك لكان لزاما وأجل مسمى } وهذا مقدم ومؤخر يقول { ولولا كلمة سبقت } بتأخير العذاب عن هذه الأمة { إلى أجل مسمى } أي إلى يوم القيامة أي { لكان لزاما } أي لأخذتهم بالعذاب كما أخذت من كان قبلهم من الأمم عند التكذيب ولكن نؤخرهم إلى يوم القيامة { وهو أجل مسمى } وقال القتبي معناه ولولا أن اللّه عز وجل جعل الجزاء يوم القيامة وسبقت بذلك كلماته لكان العذاب ملازما لا يفارقهم وقال في الآية تقديم أي ولولا كلمة سبقت من ربك وأجل مسمى لكان العذاب لازما ١٣٠ثم قال عز وجل { فاصبر على ما يقولون } يعني على ما يقول أهل مكة من تكذيبهم إياك { وسبح بحمد ربك } يعني صل لربك وبحمد ربك وبأمر ربك { قبل طلوع الشمس } يعني صلاة الفجر { وقبل غروبها } يعني صلاة العصر ويقال صلاة الظهر والعصر وروى جرير عن عبد اللّه البجلي عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه قال سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر لا تضامون في رؤيته يعني لا تزدحمون مأخوذ من الضم أي لا ينضم بعضكم إلى بعض في رؤيته بظهوره كما في رؤية الهلال ويروى { لا تضامون } بالتخفيف وهو الضم أي الظلم أي لا يظلم بعضكم في رؤيته بأن يراه البعض دون البعض فإن إستطعتم أن لا تغلبوا عن الصلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا ثم قرأ هذه الآية { فسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها } على معنى التأكيد للتكرار ثم قال { ومن آناء الليل } يعني ساعات الليل { فسبح } يعني صلاة المغرب والعشاء { وأطراف النهار } يعني غدوة وعشية على معنى التأكيد للتكرار { لعلك ترضى } يعني لعلك تعطى من الشفاعة حتى ترضى قرأ الكسائي وعاصم في رواية أبي بكر { ترضى } بضم التاء على فعل ما لم يسم فاعله وقرأ الباقون بالنصب يعني ترضى أنت وقال أبو عبيدة وبالقراءة الأولى نقرأ يعني بالضم لأن فيها معنيين أحدهما ترضى أي تعطى الرضا والأخرى ترضى أي يرضاك اللّه وتصديقه قوله تعالى { وكان عند ربه مرضيا } [ مريم : ٥٥ ] وليس في الأخرى وهي القراءة بالنصب إلا وجه واحد ١٣١ثم قال عز وجل { ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به } يعني لا تنظر بالرغبة إلى ما أعطينا رجالا منهم من الأموال والأولاد { زهرة الحياة الدنيا } يعني فإنه زينة الدنيا { لنفتنهم فيه } يعني لنبتليهم بالمال وقلة الشكر { ورزق ربك خير وأبقى } يعني جنة ربك { خير } من هذه الزينة التي في الدنيا { وأبقى } أي وأدوم قال الفقيه أبو الليث رحمه اللّه حدثنا محمد بن الفضل قال حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا إبراهيم بن يوسف قال حدثنا وكيع عن موسى بن عبيدة عن يزيد بن عبد اللّه عن أبي رافع قال نزل برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ضيف فبعثني إلى يهودي أن يبيعنا أو يسلفنا إلى أجل فقال اليهودي لا واللّه إلا برهن فرجعت إليه فأخبرته فقال لو باعني أو أسلفني لقضيته وإني لأمين في السماء وأمين في الأرض إذهب بدرعي الحديدي فذهبت بها فنزل من بعد هذه الآية يعزيه عن الدنيا { ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم } إلى آخر الآية ١٣٢وقال عز وجل { وأمر أهلك بالصلاة } يعني قومك وأهلك وأهل بيتك بالصلاة { واصطبر عليها } يعني إصبر على ما أصابك فيها من الشدة روى عبد الرزاق عن معمر عن رجل أن النبي صلى اللّه عليه وسلم كان إذا دخل عليه نقص في الرزق أي الضيق في الرزق أمر أهله بالصلاة ثم قرأ { وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها } { لا نسألك رزقا } يعني لخلقنا ولا أن ترزق نفسك إنما نسألك العبادة { نحن نرزقك } في الدنيا ما دمت حيا فيها { والعاقبة للتقوى } يعني الجنة للمتقين ١٣٣{ وقالوا } يعني الكفار { لولا يأتينا بآية من ربه } يعني هلا يأتينا محمد صلى اللّه عليه وسلم بعلامة لنبوته قال اللّه تعالى { أو لم تأتهم بينة } يعني بيان { ما في الصحف الأولى } يعني ما في التوراة والإنجيل حتى يجدوا نعته فيه وهذا كقوله عز وجل { فسئل الذين يقرؤون الكتاب من قبلك } [ يونس : ٩٤ ] ١٣٤ثم قال عز وجل { ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله } يقول لو أن أهل مكة أهلكناهم قبل محمد صلى اللّه عليه وسلم والقرآن { لقالوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك من قبل أن نذل ونخزى } يعني من قبل أن نعذب ١٣٥ثم قال عز وجل { قل كل متربص } يعني منتظر لهلاك صاحبه أنا وأنتم وقال مقاتل كان كفار مكة قد قالوا نتربص بمحمد صلى اللّه عليه وسلم { ريب المنون } [ الطور : ٣٠ ] يعنون الموت ووعدهم النبي صلى اللّه عليه وسلم العذاب فأنزل اللّه تعالى { قل كل متربص } يعني أنتم متربصون بمحمد صلى اللّه عليه وسلم الموت ومحمد صلى اللّه عليه وسلم متربص بكم العذاب فأنزل اللّه تعالى { قل كل متربص } { فتربصوا } يقول إنتظروا { فستعلمون } إذا نزل بكم العذاب { من أصحاب الصراط السوي } يعني العدل { ومن إهتدى } منا ومنكم قرأ نافع وأبو عمرو وعاصم { أولم تأتهم } بالتاء لأن لفظ البينة مؤنث والباقون { أولم يأتهم } بالياء لأن معناه البيان واللّه سبحانه وتعالى أعلم وصل اللّه على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم |
﴿ ٠ ﴾