سورة المؤمنون

كلها مكية وهي مائة وسبع عشرة آية

قال حدثنا الفقيه أبو الليث حدثنا أبو جعفر قال حدثنا أبو بكر بن أبي سعيد قال حدثنا محمد بن علي بن طرخان قال حدثنا أبو بكر قال حدثنا عبد الرزاق عن يونس بن سليم عن زيد الأيلي عن الزهري عن عروة عن عبد الرحمن بن عبد القارىء عن عمر رضي اللّه عنه عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال لقد أنزلت علي عشر آيات من أقامهن دخل الجنة ثم قرأ

١

{ قد أفلح المؤمنون } إلى عشر آيات وروي عن كعب الأحبار قال إن اللّه تعالى لما خلق الجنة قال لها تكلمي فقالت { قد أفح المؤمنون }

وروى عن غيره أنها قالت أنا حرام على كل بخيل ومرائي وروي عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم نحو هذا وقوله { قد أفلح المؤمنون } أي سعد وفاز ونجا المصدقون بإيمانهم

٢

ثم نعتهم ووصف أعمالهم فقال { الذين هم في صلاتهم خاشعون } يعني متواضعين وقال الزهري سكون المرء في صلاته لا يلتفت يمينا ولا شمالا وقال الحسن البصري { خاشعون } أي خائفون

وروي عنه أنه قال { خاشعون } الذين لا يرفعون أيديهم في الصلاة إلا في التكبيرة الأولى

وروي عن علي رضي اللّه عنه أنه قال الخشوع في الصلاة أن لا تلتفت في صلاتك يمينا ولا شمالا وذكر عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه كان إذا قام في الصلاة رفع بصره إلى السماء فلما نزلت هذه الآية رمى بصره نحو مسجده وروي عن أبي هريرة أن النبي صلى اللّه عليه وسلم رأى رجلا يعبث بلحيته في الصلاة فقال لو خشع قلبه لخشعت جوارحه

٣

ثم قال عز وجل { والذين هم عن اللغو معرضون } يعني الحلف والباطل من الكلام تاركون قال قتادة كل كلام أو عمل لا يحتاج إليه فهو لغو ويقال الذين هم عن الشتم

والأذى معرضون كقوله عز وجل { وإذا مروا باللغو مروا كراما } [ الفرقان : ٧٢ ]

٤

ثم قال { والذين هم للزكاة فاعلون } يعني مؤدون

٥

 { والذين هم لفروجهم حافظون } عن الفواحش وعن ما لا يحل لهم

٦

ثم إستثنى فقال { إلا على أزواجهم } يعني على نسائهم الأربع وذكر عن الفراء أنه قال { على } بمعنى من يعني إلا من نسائهم مثنى وثلاث ورباع { أو ما ملكت أيمانهم } يعني الإماء { فإنهم غير ملومين } لا يلامون على الحلال

٧

 { فمن ابتغى وراء ذلك } يعني طلب بعد ذلك ما سوى نسائه وإمائه { فأولئك هم العادون } يعني المعتدين من الحلال إلى الحرام ويقال وأولئك هم الظالمون الجائرون الذين تعمدوا الظلم

٨

ثم قال { والذين هم لأماناتهم } يعني ما ائتمنوا عليه من أمر دينهم مما لا يطل ع عليه أحد ومما يأمن الناس بعضهم بعضا { وعهدهم } يعني وفاء بالعهد { راعون } يعني حافظين وأصل الرعي في اللغة القيام على إصلاح ما يتولاه قرأ إبن كثير { والذين هم لأمانتهم } بلفظ الوحدان وقرأ الباقون بلفظ الجمع يعني جميع الأمانات

٩

ثم قال عز وجل { والذين هم على صلاتهم } يعني على المواقيت { يحافظون } لا تشغلهم تجارة ولا بيع عن ذكر اللّه ويتمونها بركوعها وسجودها قرأ حمزة والكسائي { على صلاتهم } بلفظ الوحدان وقرأ الباقون { صلواتهم } بلفظ الجماعة ومعناهما واحد لأن الصلاة إسم جنس يقع على الواحد وعلى الأكثر فهذه الخصال صفة المؤمنين المخلصين في أعمالهم

١٠

ثم بين ثوابهم فقال عز وجل { أولئك هم الوارثون } يعني النازلين ثم بين ما يرثون وأين ينزلون

١١

فقال { الذين يرثون الفردوس } وهي البساتين بلغة الروم عليها حيطان ويقال لم يكن أحد من أهل الجنة إلا وله نصيب في الفردوس لأن هناك كلها بساتين وأشجار ويقال { أولئك هم الوارثون} يعني يرثون المنازل التي للكفار في الجنة

وروى أبو هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال ما منكم من أحد إلا وله منزلان منزل في الجنة ومنزل في النار فأما المؤمن فيبني منزله الذي له في الجنة بهدم منزله الذي له في النار وأما الكافر فيهدم منزله الذي له في الجنة ويبني منزله الذي له في النار ويقال الفردوس البستان الحسن { هم فيها خالدون } يعني في الجنة دائمون

وقال القتبي حدثني أبو حاتم السجستاني قال كنت عند الأخفش وعنده الثوري فقال يا أبا حاتم ما صنعت بكتاب المذكر والمؤنث قلت قد عملت فيه شيئا فقال ما تقول في الفردوس قلت مذكر قال فإن اللّه يقول { هم فيها خالدون } قلت أراد الجنة فأنث فقال يا غافل أما تسمع الناس يقولون أسألك الفردوس الأعلى فقلت يا نائم إنما الأعلى ها هنا أفعل وليس بفعلي

١٢

قوله تعالى { ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين } يعني آدم عليه السلام قال الكلبي ومقاتل السلالة إذا عصر الطين إنسل الطين والماء بين أصابعه وقال الكلبي { خلقنا الإنسان } يعني إبن آدم من نطفة سلت تلك النطفة من طين والطين آدم عليه السلام والنطفة ما يخرج من صلبه فيقع في رحم المرأة وقال الزجاج { سلالة من طين } أي من آدم والسلالة القليل من أن ينسل وكل مبني على فعالة فهو يراد به القليل مثل النخالة والعلامة والفصالة

١٣

 { ثم جعلناه } يعني ذرية آدم قال القتبي يقال للولد سلالة والنطفة سلالة وإنما سميت النطفة سلالة لأنها تنسل بين الصلب والترائب

١٤

 { ثم جعلناه نطفة } { نطفة في قرار مكين } يعني في مكان حريز حصين { ثم خلقنا النطفة علقة } أي حولنا الماء دما { فخلقنا العلقة مضغة } أي حولنا الدم مضغة { فخلقنا المضغة عظاما } أي خلقنا في المضغة عظاما { فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر } قال عكرمة وأبو العالية والشعبي معناه نفخ فيه الروح

وروى الأخفش عن زيد بن وهب عن عبد اللّه بن مسعود أنه قال إن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين ليلة ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يبعث اللّه عز وجل ملكا فيأمر بأن يكتب أجله وعمله ورزقه وشقي أو سعيد فهي أربع كلمات ثم ينفخ فيه الروح

وروي عن عطاء عن ابن عباس في قوله { ثم أنشأناه خلقا آخر } قال نفخ فيه الروح

وروى إبن نجيح عن مجاهد { ثم أنشأناه خلقا آخر } قال حين إستوى شابا

وروى معمر عن قتادة { ثم أنشأناه خلقا آخر } قال هو نبات الشعر والأسنان

وقال بعضهم هو نفخ الروح ويقال ذكرا أو أنثى ويقال معناه { ثم أنشأناه خلقا آخر } يعني الجلد

وروي عن عطاء عن ابن عباس أنه قال ينفخ فيه الروح

وروي عن عبد اللّه بن مسعود أنه كان يقرأ ثم أنشأته خلقا آخر

{ فتبارك اللّه أحسن الخالقين } يعني أحكم المصورين

وروى أبو صالح عن عبد اللّه بن عباس قال كان عبد اللّه بن سعيد بن أبي سرح يكتب هذه الآيات للنبي صلى اللّه عليه وسلم فلما انتهى إلى قوله { ثم أنشأناه خلقا آخر } عجب من تفضل الإنسان أي من تفضيل خلق الإنسان فقال { فتبارك اللّه أحسن الخالقين } فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم أكتب هكذا أنزلت فشك عند ذلك وقال لئن كان محمد صادقا فيما يقول إنه يوحى إليه فقد أوحي إلي كما أوحي إليه ولئن قال من ذات نفسه فلقد قلت مثل ما قال فكفر باللّه تعالى وقال مقاتل والزجاج كان عمر رضي اللّه عنه عند رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذ أنزلت عليه هذه الآية فقال عمر { فتبارك اللّه أحسن الخالقين } فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم هكذا أنزلت علي فكأنه أجرى على لسانه هذه الآية قبل قراءة النبي صلى اللّه عليه وسلم وقد قيل إن الحكاية الأولى غير صحيحة لأن إرتداد عبد اللّه بن أبي سرح كان بالمدينة وهذه الآية مكية قرأ إبن عامر وعاصم في رواية أبي بكر { فخلقنا المضغة عظما فكسونا العظم لحما } وقرأ الباقون { عظاما } بالألف ومعناهما واحد لأن الواحد يغني عن الجنس

١٥

قوله تعالى { ثم إنكم بعد ذلك لميتون } يعني تموتون عند إنقضاء آجالكم

١٦

{ ثم إنكم يوم القيامة تبعثون } يعني تحيون بعد الموت فذكر أول الخلق لأنهم كانوا مقرين بذلك ثم أثبت الموت لأنهم كانوا يشاهدونه ثم أثبت البعث الذي كانوا ينكرونه ثم ذكر قدرته

١٧

 فقال عز وجل { ولقد خلقنا فوقكم سبع طرائق } يعني سبع سموات بعضها فوق بعض كالقبة وقال مقاتل والكلبي غلظ كل سماء مسيرة خمسمائة عام وبين كل سماءين كذلك

وقال أهل اللغة الطرائق واحدها طريقة ويقال طارقت الشيء يعني إذا جعلت بعضه فوق بعض وإنما سمي الطرائق لأن بعضها فوق بعض

ثم قال { وما كنا عن الخلق غافلين } أي عن خلقهن عاجزين تاركين ويقال لكل سماء طريقة لأن على كل سماء ملائكة عبادتهم مخالفة لعبادة ملائكة السماء الأخرى يعني لكل أهل سماء طريقة من العبادة { وما كنا عن الخلق غافلين } أي لم نكن نغفل عن حفظهن كما قال { وجعلنا السماء سقفا محفوظا } [ الأنبياء : ٣٢ ]

١٨

قوله عز وجل { وأنزلنا من السماء ماء بقدر } يعني بوزن ويقال { بقدر } ما يكفيهم لمعايشهم ويقال { بقدر } يعني كل سنة تمطر بقدر السنة الأولى كما روي عن إبن مسعود أنه قال ليست سنة بأمطر من سنة ولكن اللّه عز وجل يصرفه حيث يشاء ويقال { وأنزلنا من السماء ماء } أي أربعة أنهار تخرج من الجنة دجلة والفرات وسيحان وجيحان { فأسكناه في الأرض } يعني فأدخلناه في الأرض ويقال جعلناه ثابتا فيها من الغدران والعيون والركايا { وإنا على ذهاب به لقادرون } يعني يغور في الأرض فلا يقدر عليه كقوله عز وجل { إن أصبح ماؤكم غورا } [ الملك : ٣٠ ]

١٩

 { فأنشأنا لكم به جنات } يعني وأخرجنا بالماء جنات يعني الخضرة ويقال جعلنا لكم بالماء البساتين { من نخيل وأعناب } يعني الكروم { لكم فيها فواكه كثيرة } يعني ألوان الفواكه سوى النخيل والأعناب { ومنها تأكلون }

٢٠

ثم قال عز وجل { وشجرة } يعني وأنبتنا شجرة ويقال خلقنا شجرة { تخرج من طور سيناء } قال قتادة طور سيناء جبل حسن وقال الكلبي جبل ذو شجرة وقال مجاهد الطور جبل والسيناء حجارة وقال القتبي الطور جبل والسيناء إسم وقال مقاتل خلقنا في الجبل الحسن الذي كلم اللّه تعالى عليه موسى عليه السلام وقرأ إبن كثير وأبو عمر ونافع { طور سيناء } بكسر السين وقرأ الباقون بالنصب ومعناهما واحد

ثم قال { تنبت بالدهن } يعني تخرج بالدهن قرأ إبن كثير وأبو عمرو { تنبت } بضم التاء وكسر الباء يعني تخرج الدهن وقرأ الباقون { تنبت } بنصب التاء وضم الباء وهو إختيار أبي عبيد أي تنبت معه الدهن كما يقال جاءني فلان بالسيف أي معه السيف { وصبغ للآكلين } يعني الزيت يصطبغ به وجعل اللّه عز وجل في هذه الشجرة إداما ودهنا وهي صبغ للآكلين

٢١

ثم قال عز وجل { وإن لكم في الأنعام لعبرة } يعني في الإبل والبقر والغنم معتبر لمن يعتبر فيها يقال العبر بأوقار والمعتبر بمثقال { نسقيكم مما في بطونها } يعني من ألبانها وهي تخرج من بين فرث ودم قرأ نافع وإبن عامر وعاصم في رواية أبي بكر { نسقيكم } بنصب النون وقرأ الباقون بالضم وهذا مثل ما في سورة النحل

ثم قال { ولكم فيها منافع كثيرة } يعني في ظهورها وأصوافها وألبانها وأشعارها { ومنها تأكلون } يعني من لبنها ولحومها وأولادها

٢٢

{ وعليها وعلى الفلك تحملون } يعني على الأنعام في المفازة وعلى السفينة في البحر تسافرون

٢٣

قوله عز وجل { ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه } يعني أرسلناه إلى قومه كما أرسلناك إلى قومك

فإن قيل إيش الحكمة في تكرار القصص

قيل له لأن في كل قصة كررها ألفاظا وفوائد ونكتا ما ليس في الأخرى ونظمها سوى نظم الأخرى وقال الحسن للقصة ظهر وبطن فالظهر خبر يخبرهم والبطن عظة تعظهم ويقال إنما كررها تأكيدا للحجة والعظة كما أنه كرر الدلائل ويكفي دليل واحد لمن يستدل به تفضلا من اللّه تعالى ورحمة منه

فقال تعالى { ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فقال يا قوم أعبدوا اللّه } يعني أطيعوا اللّه عز وجل ووحدوه { ما لكم من إله غيره } يعني ليس لكم رب سواه { أفلا تتقون } عبادة غير اللّه تعالى فتوحدونه يعني إتقوه ووحدوه

٢٤

قوله عز وجل { فقال الملأ الذين كفروا } يعني الأشراف الذين كفروا {من قومه ما هذا إلا بشر مثلكم } يعني خلقا آدميا مثلكم { يريد أن يتفضل عليكم } بالرسالة ويقال { يريد أن يتفضل عليكم } يعني يريد أن يجعل لنفسه فضلا عليكم بالرسالة { ولو شاء اللّه لأنزل ملائكة } أي لو شاء أن يرسل إلينا رسولا لأنزل ملائكة { ما سمعنا بهذا } يعني ما يدعونا إليه من التوحيد { في آبائنا الأولين}

٢٥

{ إن هو إلا رجل به جنة } أي الجنون { فتربصوا به حتى حين } يعني إنتظروا به حتى يتبين لكم أمره وصدقه من كذبه ويقال { حتى حين } يعني حتى يموت فتنجوا منه

٢٦

فلما أبوا على نوح عليه السلام دعا عليهم { قال رب أنصرني } يعني أعني عليهم بالعذاب { بما كذبون } يعني بتحقيق قولي في العذاب لأنه أنذر قومه بالعذاب فكذبوه

٢٧

قوله عز وجل { فأوحينا إليه أن إصنع الفلك بأعيننا } يعني إعمل السفينة بأعيننا يعني بمنظر منا وبعلمنا ثم قال { ووحينا } يعني بوحينا إليك وأمرنا { فإذا جاء أمرنا }

يعني عذابنا { وفار التنور } يعني بنبع الماء من أسفل التنور { فاسلك فيها } يعني فأدخل في السفينة { من كل زوجين إثنين } يعني من كل حيوان صنفين ولونين ذكرا وأنثى { وأهلك } يعني وأدخل فيها أهلك { إلا من سبق عليه القول منهم } يعني إلا من وجب عليه العذاب وهو إبنه كنعان { ولا تخاطبني في الذين ظلموا } يعني ولا تراجعني بالدعاء في الذين كفروا وهو إبنه { إنهم مغرقون } بالطوفان قرأ عاصم في رواية حفص { من كل زوجين } بتنوين اللام وقرأ الباقون بغير تنوين

٢٨

ثم قال عز وجل { فإذا إستويت أنت } يعني ركبت السفينة { أنت ومن معك على الفلك } يعني في السفينة { فقل الحمد للّه } يعني الشكر للّه { الذي نجانا من القوم الظالمين } يعني المشركين

٢٩

قوله عز وجل { وقل رب أنزلني } يعني إذا نزلت من السفينة إلى البر فقل { رب أنزلني منزلا مباركا } قرأ عاصم في رواية أبي بكر { منزلا } بنصب الميم وكسر الزاي يعني موضع النزول وقرأ الباقون { منزلا } بضم الميم ونصب الزاي وهو إختيار أبي عبيد وهو المصدر من أنزل ينزل فصار بمعنى أنزلني إنزالا مباركا { وأنت خير المنزلين } من غيرك وقد قرأ في الشاذ { وأنت خير المنزلين } بنصب الزاي يعني أن اللّه تعالى قال لنوح عليه السلام قل هذا القول حتى تكون خير المنزلين

٣٠

ثم قال عز وجل { إن في ذلك } يعني في إهلاك قوم نوح { لآيات } يعني لعبرا لمن بعدهم { وإن كنا لمبتلين } يعني وقد كنا لمختبرين بالغرق ويقال بالطاعة والمعصية { وإن } بمعنى قد كقوله { وإن كان مكرهم } [ إبراهيم : ٤٦ ] يعني وقد كان مكرهم

٣١

قوله عز وجل { ثم أنشأنا من بعدهم } أي خلقنا من بعدهم { قرنا آخرين } وهم قوم هود

٣٢

 { فأرسلنا فيهم رسولا منهم } يعني نبيهم هودا عليه السلام { أن أعبدوا اللّه } يعني قال لهم هود إحمدوا اللّه وأطيعوه { ما لكم من إله غيره أفلا تتقون } يعني إتقوه اللفظ لفظ الإستفهام والمراد به الأمر

٣٣

قوله عز وجل { وقال الملأ من قومه الذين كفروا وكذبوا بلقاء الآخرة } يعني بالبعث

بعد الموت { وأترفناهم } يعني أنعمنا عليهم ويقال وسعنا عليهم حتى أترفوا { في الحياة الدنيا ما هذا } يعني قالوا ما هذا { إلا بشر } يعني آدميا { مثلكم يأكل مما تأكلون منه } يعني كما تأكلون منه { ويشرب مما تشربون } يعني كما تشربون

٣٤

 { ولئن أطعتم بشرا } يعني آدميا { مثلكم إنكم إذا لخاسرون } أي لمغبونون

٣٥

{ أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا } أي صرتم ترابا { وعظاما أنكم مخرجون } يعني محيون

٣٦

قوله عز وجل { هيهات هيهات } قرأ أبو جعفر المدني { هيهات هيهات } كلاهما بكسر التاء قال أبو عبيد قراءتها بالنصب لأنه أظهر اللغتين وأفشاهما

وقال بعضهم قد قرئ هذا الحرف بسبع قراءات بالكسر والنصب والرفع والتنوين وغير التنوين والسكون وهذه كلمة يعبر بها عن البعد يعني بعيدا بعيدا ومعناه أنهم قالوا هذا لا يكون أبدا يعني البعث { لما توعدون } يعني بعيدا بعيدا لما توعدون

٣٧

 { إن هي } يعني ما هي { إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا } يعني نحيا ونموت على وجه التقديم ويقال معناه يموت الآباء وتعيش الأبناء { وما نحن بمبعوثين } يعني لا نبعث بعد الموت

٣٨

{ إن هو } يعني ما هو { إلا رجل إفترى على اللّه كذبا وما نحن له بمؤمنين } يعني بمصدقين فلما كذبوه دعا عليهم

٣٩

{ قال رب أنصرني } يعني قال هود أعني عليهم بالعذاب { بما كذبون }

٤٠

{ قال } اللّه تعالى { عما قليل } يعني عن قريب و { ما } صلة كقوله { فبما رحمة من اللّه } [ آل عمران : ١٥٩ ] { ليصبحن نادمين } يعني ليصيرن نادمين فأخبر اللّه تعالى عن معاملة الذين كانوا من قبل مع أنبيائهم وسوء جزائهم وأذاهم لأنبيائهم ليصبر النبي صلى اللّه عليه وسلم على أذى قومه

٤١

ثم أخبر عن عاقبة أمرهم فقال تعالى { فأخذتهم الصيحة بالحق } يعني العذاب وهو الريح العقيم ويقال وهي صيحة جبريل عليه السلام { فجعلناهم غثاء } يعني يابسا ويقال هلكى كالغثاء وهو جمع غثاء وهو ما على السيل من الزبد لأنه يذهب ويتفرق وقال الزجاج الغثاء البالي من ورق الشجر أي جعلناه يبسا كيابس الغثاء ويقال الغثاء النبات اليابس كقوله { فجعله غثاء أحوى } [ الأعلى : ٥ ]

ثم قال { فبعدا } يعني سحقا ونكسا { للقوم الظالمين } يعني بعدا من رحمة اللّه تعالى

٤٢

قوله عز وجل { ثم أنشأنا } يعني خلقنا { من بعدهم قرونا آخرين }

٤٣

 {ما تسبق من أمة أجلها } وفي الآية مضمر ومعناه فأهلكناهم بالعذاب في الدنيا { ما تسبق من أمة } يعني ما يتقدم ولا تموت قبل أجلها طرفة عين { وما يستأخرون } بعد أجلهم طرفة عين

٤٤

قوله عز وجل { ثم أرسلنا رسلنا تترا } يعني بعضها على إثر بعض قرأ إبن كثير وأبو عمرو { تترى } بالتنوين وقرأ حمزة والكسائي بكسر الراء بغير تنوين وقرأ الباقون بنصب الراء وبغير تنوين وهو التواتر قال مقاتل كل ما في القرآن تترى ومدرارا وأبابيل ومردفين يعني بعضها على إثر بعض قال القتبي أصل تترى وترا فقلبت الواو تاء كما قلبوها في التقوى والتخمة وأصلها وترا والتخمة وأصلها أوخمت

ثم قال عز وجل { كلما جاء أمة رسولها كذبوه فأتبعنا بعضهم بعضا } بالهلاك الأول فالأول { فجعلناهم أحاديث } أي أخبارا وعبرا لمن بعدهم ويقال { فجعلناهم أحاديث } لمن بعدهم يتحدثون بأمرهم وشأنهم وقال الكلبي ولو بقي واحد منهم لم يكونوا أحاديث { فبعدا } للّهالك ويقال فسحقا { لقوم لا يؤمنون } يعني لا يصدقون

٤٥

قوله عز وجل { ثم أرسلنا موسى وأخاه هارون بآياتنا } التسع { وسلطان مبين } يعني بحجة بينة

٤٦

 { إلى فرعون وملائه } أي قومه { فاستكبروا } يعني تعظموا عن الإيمان والطاعة { وكانوا قوما عالين } يعني متكبرين

٤٧

{ فقالوا أنؤمن } يعني أنصدق { لبشرين مثلنا } يعني خلقين آدميين { وقومهما لنا عابدون } يعني مستهزئين ذليلين

٤٨

 { فكذبوهما } يعني موسى وهارون عليهما السلام { فكانوا من المهلكين } يعني صاروا مغرقين في البحر

٤٩

قوله عز وجل { ولقد آتينا موسى الكتاب } يعني التوراة { لعلهم يهتدون } يعني لكي يهتدوا يعني بني إسرائيل

٥٠

قوله تعالى { وجعلنا إبن مريم وأمه آية } يعني عبرة وعلامة لبني إسرائيل ولم يقل آيتين وقد ذكرناه

ثم قال { وآويناهما إلى ربوة } وذلك أنهما لما ولدت عيسى عليه السلام هم قومها إن يرجموها فخرجت من بيت المقدس إلى أرض دمشق والربوة المكان المرتفع { ذات قرار ومعين } يعني أرضا مستوية { ومعين } يعني الماء الجاري الطاهر وهو مفعول من العين وأصله معيون كما يقال ثوب مخيط وقال سعيد بن المسيب الربوة هي دمشق ويقال هي بيت المقدس لأنها أقرب إلى السموات من سائر الأرض ويقال إنها الرملة وفلسطين قرأ إبن عامر وعاصم { ربوة } بنصب الراء وقرأ الباقون بالضم ومعناهما واحد

٥١

قوله عز وجل { يا أيها الرسل } يعني محمدا صلى اللّه عليه وسلم وإنما خاطب به النبي صلى اللّه عليه وسلم وأراد به النبي صلى اللّه عليه وسلم وأمته كما يجيء في مخاطبتهم { كلوا من الطيبات } يعني من الحلالات قال الفقيه أبو الليث رحمه اللّه حدثنا الخليل بن أحمد قال حدثنا إبن صاعد قال حدثنا أحمد بن منصور قال حدثنا الفضل بن دكين قال حدثنا الفضل بن مرزوق قال أخبرني عدي بن ثابت عن أبي حازم عن أبي هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يا أيها الناس إن اللّه طيب لا يقبل إلا طيبا وإن اللّه تعالى أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال { يا أيها الرسل كلوا من الطيبات } وقال { يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم } [ البقرة : ٥٧ ] ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك وقال الزجاج خوطب بهذا النبي صلى اللّه عليه وسلم فقيل { يا أيها الرسل } وتضمن هذا الخطاب أن الرسل عليهم السلام جميعا كذا أمروا قال ويروى أن عيسى عليه السلام كان يأكل من غزل أمه وكان رزق النبي صلى اللّه عليه وسلم من الغنيمة وأطيب الطيبات الغنائم

ثم قال تعالى { واعملوا صالحا } يعني خالصا { إني بما تعملون عليم } يعني قبل أن تعملوا

٥٢

قوله عز وجل { وإن هذه أمتكم أمة واحدة } يعني دينكم الذي أنتم عليه يعني ملة الإسلام دين واحد عليه كانت الأنبياء عليهم السلام والمؤمنون { وأنا ربكم فاتقون } يعني أنا شرعته لكم فأطيعون قرأ إبن كثير ونافع وأبو عمرو { أن } بنصب الألف وتشديد النون وقرأ إبن عامر بنصب الألف وسكون النون وقرأ الباقون بكسر الألف والتشديد على معنى الإبتداء

٥٣

ثم قال عز وجل { فتقطعوا أمرهم بينهم } يقول فرقوا دينهم وتفرقوا في دينهم ومعناه أن دين اللّه تعالى واحد فجعلوه أديانا مختلفة زبرا قرأ إبن عامر { زبرا } بنصب الباء أي قطعا وفرقا وقرأ نافع وأبو عمرو وعاصم وحمزة والكسائي { زبرا } بضم الباء أي كتبا معناه جعلوا دينهم كتبا مختلفة ويقال فتقطعوا كتاب اللّه وحرفوه وغيروه { كل حزب بما لديهم فرحون } يعني بما هم عليه من الدين معجبون راضون به

٥٤

قوله عز وجل { فذرهم في غمرتهم } يعني أتركهم في جهالتهم { حتى حين } يعني إلى حين يأتيهم ما وعدوا به من العذاب

٥٥

ثم قال { أيحسبون } يعني أيظنون وهم أهل الفرق { أنما نمدهم به } يعني أن الذي نزيدهم به { من مال وبنين } في الدنيا { نسارع لهم في الخيرات } يعني هو خير لهم في الآخرة قرأ بعضهم { يسارع } بالياء ونصب الراء على معنى فعل ما لم يسم فاعله وقراءة العامة { نسارع } بالنون وكسر الراء يعني يظنون أنا نسارع لهم في الخيرات بزيادة المال والولد بل هو إستدراج لهم

وروي في الخبر أن اللّه تعالى أوحى إلى نبي من الأنبياء عليهم السلام أيفرح عبدي أن أبسط له في الدنيا وهو أبعد له مني ويجزع عبدي المؤمن أن أقبض منه الدنيا وهو أقرب له مني

ثم قال { أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين } وقد تم الكلام يعني أيظنون أن ذلك خيرا لهم في الدنيا

ثم قال { نسارع لهم في الخيرات } { بل لا يشعرون } أن ذلك فتنة لهم ويقال { إنما نمدهم به من مال وبنين } وقد تم الكلام يعني أيظنون أن ذلك خير لهم في الدنيا

٥٦

ثم قال عز وجل { نسارع لهم في الخيرات } يعني نبادرهم في الطاعات وهو خير لهم أي في الآخرة { بل لا يشعرون } أن ذلك مكر بهم وشر لهم في الآخرة ثم ذكر المؤمنين

٥٧

فقال عز وجل { إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون } يعني خائفين من عذابه ويقال هذا عطف على قوله { والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون* والذين هم على صلواتهم يحافظون} و {الذين هم من خشية ربهم مشفقون}

٥٨

ثم قال { والذين هم بآيات ربهم يؤمنون } يعني بمحمد صلى اللّه عليه وسلم والقرآن يصدقون

٥٩

قوله { والذين هم بربهم لا يشركون } يعني لا يشركون معه غيره ولكنهم يوحدون ربهم ويقال { بربهم لا يشركون } هو أن يقول لولا فلان ما وجدت هذا

٦٠

ثم قال { والذين يؤتون ما آتوا } يعني يعطون ما أعطوا من الصدقة والخير { وقلوبهم وجلة } يعني خائفة وروى سالم بن مغول عن عبد الرحمن بن سعيد الهمداني أن عائشة رضي اللّه عنها سألت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن هذه الآية { والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة } هم الذين يشربون الخمر ويسرقون ويزنون قال لا يا بنت أبي بكر ولكنهم هم الذين يصومون ويتصدقون ويصلون

وروي عن أبي بكر بن خلف أنه قال دخلت أنا وعبيد بن عمير على عائشة رضي اللّه عنها فقلنا يا أم المؤمنين كيف تقرئين { والذين يؤتون ما آتوا } قالت سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقرأ { والذين يؤتون ما آتوا } فقلت يا نبي اللّه هو الرجل الذي يسرق ويشرب الخمر قال لا يا بنت أبي بكر هو الرجل الذي يصوم ويصلي ويتصدق ويخاف أن لا يقبل منه وقال الزجاج من قرأ { يؤتون ما آتوا } معناه يعطون ما أعطوا ويخافون أن لا يقبل منهم ومن قرأ { يأتون ما أتوا } أي يعملون من الخيرات ما يعملون ويخافون مع إجتهادهم أنهم مقصرون

ثم قال تعالى { أنهم إلى ربهم راجعون } يعني لأنهم إلى ربهم راجعون ومعناه يعملون ويوقنون أنهم يبعثون بعد الموت

٦١

قوله عز وجل { أولئك يسارعون في الخيرات } يعني يبادرون في الطاعات من الأعمال الصالحة { وهم لها سابقون } يعني هم لها عاملون يعني الخيرات وقال الزجاج فيه قولان أحدهما معناه هم إليها سابقون كقوله عز وجل { بأن ربك أوحى لها } [ الزلزلة : ٥ ] يعني إليها ويجوز { هم لها سابقون } أي لأجلها أي من أجل إكتسابها كقولك أنا أكرم فلانا لك أي من أجلك

٦٢

قوله عز وجل { ولا نكلف نفسا إلا وسعها } يعني بقدر طاقتها { ولدينا كتاب } يعني وعندنا نسخة أعمالهم التي يعملون وهي التي تكتب الحفظة عليهم { ينطق بالحق } يعني يشهد عليهم بالصدق وقال الكلبي { ولا نكلف نفسا إلا وسعها } أي طاقتها فمن لم يستطع أن يصلي قائما فليصل قاعدا { وعندنا كتاب ينطق بالحق } وهو الذكر يعني اللوح المحفوظ { وهم لا يظلمون } يعني لا يزاد في سيئاتهم ولا ينقص من حسناتهم

٦٣

 { بل قلوبهم في غمرة من هذا } يعني في غفلة من الإيمان بهذا القرآن ويقال هم في غفلة من هذا الذي وصفنا من كتابة الأعمال { ولهم أعمال من دون ذلك } قال مقاتل يقول لهم أعمال خبيثة دون الشرك { هم لها عاملون } أي لتلك الأعمال لا محالة التي في اللوح المحفوظ

وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال ذكر اللّه تعالى { الذين هم من خشية ربهم مشفقون } ثم قال للكفار { بل قلوبهم في غمرة من هذا } ثم رجع إلى المؤمنين فقال { ولهم أعمال من دون ذلك } الأعمال التي عددت هم لها عاملون

٦٤

ثم قال عز وجل { حتى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب } يعني أغنياءهم وجبابرتهم بالعذاب قال مجاهد يعني بالسيوف يوم بدر وقال الكلبي بالجوع سبع سنين حتى أكلوا الجيف { إذا هم يجأرون } أي يصيحون ويتضرعون إلى اللّه تعالى حين نزل بهم العذاب ويقال يدعون ويستغيثون

٦٥

يقول اللّه تعالى { لا تجأروا اليوم } يعني لا تضجوا ولا تتضرعوا اليوم { إنكم منا لا تنصرون } يعني من عذابنا لا تمنعون

٦٦

قوله عز وجل { قد كانت آياتي تتلى عليكم } أي تقرأ وتعرض عليكم { فكنتم على أعقابكم تنكصون } أي ترجعون إلى الشرك وتميلون إليه

٦٧

 { مستكبرين به } أي متعظمين ويقال { تنكصون } أي تقيمون عليه { مستكبرين به } يعني بالبيت صار هذا كناية من غير أن يسبق ذكر البيت لأن ذلك البيت كان معروفا عندهم وقال مجاهد { مستكبرين به } أي بمكة بالبلد { سامرا } بالليل لجلسائهم { تهجرون } بالقول الذي في القرآن ويقال { تهجرون } يعني تتكلمون بالفحش وسب النبي صلى اللّه عليه وسلم وهذا كما قال صلى اللّه عليه وسلم زوروها يعني المقابر ولا تقولوا هجرا يعني فحشا وقال القتبي { مستكبرين به } يعني بالبيت العتيق تهجرون به ويقولون نحن أهله سامرا والسمر حديث الليل وقال أهل اللغة السمر في اللغة ظل القمر ولهذا سمي حديث الليل سمرا لأنهم كانوا يجتمعون في ظل القمر ويتحدثون قرأ نافع { سامرا تهجرون } بضم التاء وكسر الجيم وقرأ الباقون بنصب التاء وضم الجيم وقال أبو عبيد هذه القراءة أحب إلينا فيكون من الصدود والهجران كقوله { فكنتم على أعقابكم تنكصون } [ المؤمنون : ٦٦ ] يعني تهجرون القرآن ولا تؤمنون به ومن قرأ { تهجرون } أراد الإفحاش في المنطق وقد فسرها بعضهم على الشرك

٦٨

ثم قال عز وجل { أفلم يدبروا القول } أصله يتدبروا فأدغم التاء في الدال يعني ألم يتفكروا في القرآن { أم جاءهم } من الأمان { ما لم يأت آباءهم الأولين } معناه جاءهم الذي لم يجئ آباءهم الأولين وهذا كقوله { لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم } [ يس : ٦ ] وقال الكلبي { أم جاءهم ما لم يأت آباءهم الأولين } من البراءة من العذاب

٦٩

ثم قال تعالى { أم لم يعرفوا رسولهم } يعني نسبة رسولهم { فهم له منكرون } يعني جاحدين قال أبو صالح عرفوه ولكن حسدوه

٧٠

{ أم يقولون به جنة } يعني بل يقولون به جنون { بل جاءهم بالحق } يعني الرسول صلى اللّه عليه وسلم بالرسالة والقرآن من عند اللّه عز وجل أن لا تعبدوا إلا اللّه { وأكثرهم للحق كارهون } يعني جاحدين مكذبين وهم الكفار

٧١

قوله عز وجل { ولو إتبع الحق أهواءهم } والحق هو اللّه تعالى يعني لو إتبع اللّه أهواءهم أي مرادهم { لفسدت السموات والأرض ومن فيهن } يعني لهلكت لأن أهواءهم ومرادهم مختلفة ويقال لو كانت الآلهة بأهوائهم كما قالوا لفسدت السموات كقوله { لو كان فيهما آلهة إلا اللّه لفسدتا } [ الأنبياء : ٢٢ ]

ثم قال { بل أتيناهم بذكرهم } يعني أنزلنا إليهم جبريل عليه السلام بعزهم وشرفهم لأن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم منهم { فهم عن ذكرهم معرضون } يعني عن القرآن أي تاركوه لا يؤمنون به

٧٢

 { أم تسألهم خرجا } قرأ حمزة والكسائي { خراجا } { فخراج ربك خير } يعني فثواب ربك خير ويقال قوت ربك من الحلال خير من جعلهم وثوابهم { وهو خير الرازقين } أي أفضل الرازقين

٧٣

قوله عز وجل { وإنك لتدعوهم إلى صراط مستقيم } يعني دين مستقيم وهو الإسلام لا عوج فيه

٧٤

{ وإن الذين لا يؤمنون بالآخرة } يعني لا يصدقون بالبعث { عن الصراط لناكبون } أي عن الدين لعادلون ومائلون

٧٥

قوله { ولو رحمناهم وكشفنا ما بهم من ضر } يعني من الجوع الذي أصابهم { للجوا } أي مضوا وتمادوا { في طغيانهم يعمهون } يعني في ضلالتهم يترددون

٧٦

قوله عز وجل { ولقد أخذناهم بالعذاب } يعني بالجوع { فما استكانوا لربهم } يعني ما تضعضعوا وما خضعوا لربهم { وما يتضرعون } يقول ما يرغبون إلى اللّه في الدعاء وبالطاعة

٧٧

 { حتى إذا فتحنا عليهم بابا ذا عذاب شديد } يعني نفتح عليهم قال السدي هو فتح مكة { إذا هم فيه مبلسون } قال أبلسوا يومئذ وتغيرت ألوانهم حين ينظرون أصنامهم تكسرت وقال عكرمة { ذا عذاب شديد } يعني فتح مكة ويقال الجوع الشديد { إذا هم فيه مبلسون } أي آيسون من كل خير ورزق

٧٨

قوله عز وجل { وهو الذي أنشأ لكم السمع والأبصار والأفئدة } فهذه الأشياء من النعم { قليلا ما تشكرون } يعني أنتم لا تشكرون ويقال شكركم فيما صنع إليكم قليل

٧٩

 { وهو الذي ذرأكم } يعني خلقكم في الأرض { وإليه تحشرون } في الآخرة

٨٠

{ وهو الذي يحيي ويميت } أي يحيي الموتي ويميت الأحياء { وله إختلاف الليل والنهار } أي ذهاب الليل ومجيء النهار { أفلا تعقلون } أمر اللّه ويقال أفلا تعقلون توحيد ربكم فيما ترون من صنعه فتعتبرون

٨١

ثم قال عز وجل { بل قالوا مثل ما قالوا الأولون } يعني كذبوا مثل ما كذب الأولون

٨٢

{ قالوا أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعوثون}

٨٣

{ لقد وعدنا نحن وآباؤنا هذا من قبل } يعني هذا القول { إن هذا } يعني ما هذا { إلا أساطير الأولين } يعني أحاديثهم وكذبهم

٨٤

قوله عز وجل { قل } لكفار مكة { لمن الأرض ومن فيها } من الخلق { إن كنتم تعلمون } أن أحدا يفعل ذلك غير اللّه فأجيبوني

٨٥

{ سيقولون للّه قل أفلا تذكرون } يعني تتعظون فتطيعونه وتوحدونه

٨٦

{ قل من رب السموات السبع ورب العرش العظيم سيقولون للّه } وكلهم قرؤوا الأول بغير ألف وأما الآخر فإن كلهم قرؤوا بغير ألف غير أبي عمرو فإنه قرأ اللّه والباقون للّه قال أبو عبيد وجدت في مصحف الإمام كلها بغير ألف قال وحدثني عاصم الجحدري أن أول من قرأ هاتين الألفين نصر بن عاصم الليثي فأما من قرأ { اللّه } فهو ظاهر لأنه جواب السائل عما يسأل ومن قرأ { للّه } فله مخرج في العربية سهل وهو ما حكى

٨٧

الكسائي عن العرب أنه يقال للرجل من رب هذه الدار فيقول لفلان يعني هي لفلان والمعنى في ذلك أنه إذا قيل من صاحب هذه الدار فكأنه يقول لمن هذه الدار وإذا قال المجيب هي لفلان أو قال فلان فهو جائز ولو كان الأول { اللّه } لكان يجوز في اللغة ولكنه لم يقرأ والإختلاف في الآخرين

ثم قال { قل أفلا تتقون } عبادة غير اللّه تعالى فتوحدوه

٨٨

قوله عز وجل { قل من بيده ملكوت كل شيء } يعني خزائن كل شيء { وهو يجير ولا يجار عليه } يعني يقضي ولا يقضى عليه ويقال وهو يؤمن من العذاب ولا يؤمن عليه أي ليس له أحد يؤمن الكفار من عذابه { إن كنتم تعلمون}

٨٩

{ سيقولون للّه قل فأنى تسحرون } يعني من الذين تصرفون عن الإسلام وعن الحق

٩٠

ثم قال عز وجل { بل أتيناهم بالحق } قال الكلبي يعني القرآن وقال مقاتل يعني جئناهم بالتوحيد { وإنهم لكاذبون } في قولهم إن الملائكة عليهم السلام كذا وكذا

٩١

ثم قال عز وجل { ما اتخذ اللّه من ولد وما كان معه من إله } أي من شريك { إذا لذهب } يعني لو كان معه آلهة لذهب { كل إله بما خلق } يعني لاستولى كل إله بما خلق وجمع لنفسه ما خلق { ولعلا بعضهم على بعض } يعني ولغلب بعضهم على بعض كفعل ملوك أهل الدنيا يلتمس بعضهم قهر بعض ويقال إستولى على ما خلق دون صاحبه ولغلب بعضهم على بعض { سبحان اللّه عما يصفون } من الكذب

٩٢

قوله عز وجل { عالم الغيب والشهادة } يعني عالم السر والعلانية ويقال عالم بما مضى وما هو كائن { فتعالى اللّه عما يشركون } يعني هو أجل وأعلى مما يوصف له من الشريك والولد قرأ إبن كثير وأبو عمرو وإبن عامر وعاصم في رواية حفص { عالم الغيب } بكسر الميم على معنى النعت لقوله { سبحان اللّه } وقرأ الباقون بالضم على معنى الإبتداء

٩٣

قوله { قل رب إما تريني ما يوعدون } من العذاب و { ما } صلة ويقال إن أريتني عذابهم

٩٤

 { رب فلا تجعلني في القوم الظالمين } يعني أخرجني منهم قبل أن تعذبهم فلا تعذبني معهم بذنوبهم

٩٥

 { وإنا على أن نريك ما نعدهم } من العذاب { لقادرون } قال الكلبي هذا أمر قد كان بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم شهده أصحابه وقد مضى بعد الفتنة التي وقعت في الصحابة بعد قتل عثمان رضي اللّه عنه وذكر أن النبي صلى اللّه عليه وسلم لم ير بعد نزول هذه الآية ضاحكا ولا مبتسما وقال مقاتل { وإنا على أن نريك ما نعدهم لقادرون } يعني يوم بدر ويقال يوم فتح مكة ويقال قل { رب إما تريني ما يوعدون } يعني الفتنة { رب فلا تجعلني في القوم الظالمين } يعني مع الفئة الباغية وهذا كقوله { واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة } [ الأنفال : ٢٥ ] وذكر عن الزبير أنه كان إذا قرأ هذه الآية يقول قد حذرنا اللّه تعالى فلم نحذر

٩٦

ثم قال عز وجل { إدفع بالتي هي أحسن السيئة } يعني إدفع بحلمك جهلهم ويقال بالكلام الحسن الكلام القبيح ويقال إدفع بقول لا إله إلا اللّه الشرك من أهل مكة ثم قال { نحن أعلم بما يصفون } يعني بما يقولون من الكذب ويقال معناه نحن أعلم بما يقولون فلا تعجل أنت أيضا

٩٧

{ وقل أعوذ بك من همزات الشياطين } يعني أعتصم بك من نزغات الشيطان وضرباته ووساوسه

٩٨

 ثم قال { وأعوذ بك رب أن يحضرون } يعني قل رب أعوذ بك من قبل أن يحضرني الشياطين عند تلاوة القرآن ويقال { يحضرون } عند الموت ويقال عند الصلاة وأصله أن يحضرونني إلا أنه يكتب { يحضرون } بحذف إحدى النونين للتخفيف

٩٩

قوله عز وجل { حتى إذا جاء أحدهم الموت } يعني أمهلهم وأجلهم حتى إذا حضر أحدهم الموت وهم الكفار { قال رب إرجعون } يعني يقول لملك الموت وأعوانه يا سيدي ردني ويقال يدعو اللّه تعالى ويقول يا رب إرجعون ويقال إنما قال بلفظ الجماعة لأن العرب تخاطب جليل الشأن بلفظ الجماعة ويقال معناه يا رب مرهم ليرجعوني إلى الدنيا

١٠٠

 { لعلي أعمل صالحا } يعني خالصا { فيما تركت } في الدنيا

قال اللّه تعالى { كلا } وهو رد عليهم يعني أنه لا يرد إلى الدنيا

ثم قال { إنها كلمة هو قائلها } يعني يقولها ولا تنفعه

ثم قال { ومن ورائهم برزخ } يعني من بعدهم القبر { إلى يوم يبعثون } والبرزخ ما بين الدنيا والآخرة ويقال بين كل شيئين حاجز فهو برزخ ويقال هو بين النفختين وقال قتادة البرزخ بقية الدنيا وقال الحسن القبر بين الدنيا والآخرة

١٠١

قوله عز وجل { فإذا نفخ في الصور } يعني النفخة الأخيرة { فلا أنساب بينهم } يعني لا ينفعهم { يومئذ } النسب { ولا يتساءلون } عن ذلك فهذه حالات لا يتساءلون في موضع ويتساءلون في موضع آخر

١٠٢

{ فمن ثقلت موازينه } يعني رجحت حسناته على سيئاته { فأولئك هم المفلحون } يعني الناجون في الآخرة

١٠٣

 { ومن خفت موازينه } يعني رجحت سيئاته على حسناته { فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون }

١٠٤

قوله تعالى { تلفح وجوههم النار } يعني تنفح قال أهل اللغة النفح واللفح بمعنى واحد إلا أن اللفح أشد تأثيرا وهو الدفع يعني تضرب وجوههم النار { وهم فيها } يعني في النار { كالحون } يعني كلحت وعبست وجوههم والكالح الذي قد قلصت شفتاه عن أسنانه ونحو ما ترى من رؤوس الغنم مشوية إذا بدت الأسنان يعني كلحت وجوههم فلم تلتق شفاههم وقال إبن مسعود كالرأس النضيج

١٠٥

ثم قال { ألم تكن آياتي تتلى عليكم } يعني ألم يكن يقرأ عليكم القرآن فيه بيان هذا اليوم وما هو كائن فيه { فكنتم بها تكذبون } يعني بالآيات

١٠٦

قوله عز وجل { قالوا ربنا } يعني الكفار { غلبت علينا شقوتنا } التي كتبت علينا والتي قدرت علينا في اللوح المحفوظ { وكنا قوما ضالين } عن الهدى قرأ حمزة والكسائي { شقاوتنا } بنصب الشين والألف وقرأ الباقون { شقوتنا } بكسر الشين وسكون القاف بغير ألف

وروي عن إبن مسعود { شقاوتنا } و { شقوتنا } ومعناهما قريب

١٠٧

 { ربنا أخرجنا منها } يعني من النار { فإن عدنا } إلى الكفر والتكذيب { فإنا ظالمون } أي فحينئذ يقول اللّه

١٠٨

تعالى { إخسئوا فيها } يعني إصغروا فيها واسكتوا أي كونوا صاغرين { ولا تكلمون } أي ولا تكلموني بعد ذلك قال الفقيه أبو الليث رحمه اللّه حدثنا محمد بن الفضل قال حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا إبراهيم بن يوسف قال حدثنا أبو حفص عن سعيد عن قتادة عن أبي أيوب الأزدي عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص قال إن أهل النار ليدعون مالكا فلا يجيبهم أربعين عاما ثم يرد عليهم إنكم ماكثون ثم يدعون ربهم ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون فلا يجيبهم مقدار ما كانت الدنيا مرتين ثم يجيبهم { إخسئوا فيها ولا تكلمون } فواللّه ما نبس القوم بعد هذا بكلمة إلا الزفير والشهيق

وروي عن ابن عباس أنه قال لما قال اللّه تعالى { إخسئوا فيها ولا تكلمون } فانطبقت أفواههم وانكسرت ألسنتهم فمن الأجواف يعوون كعواء الكلب ويقال { إخسئوا } أي تباعدوا تباعد سخط يقال خسأت الكلب إذا زجرته ليتباعد

١٠٩

ثم بين لهم السبب الذي إستحقوا تلك العقوبة به فقال { إنه كان فريق من عبادي يقولون } وهم المؤمنون { ربنا أمنا } أي صدقنا { فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الراحمين }

١١٠

قوله عز وجل { فاتخذتموهم سخريا } يعني هزوا { حتى أنسوكم ذكري } يعني أنساكم الهزء بهم العمل بطاعتي { وكنتم منهم تضحكون } في الدنيا قرأ عاصم وإبن عامر وإبن كثير وأبو عمرو { سخريا } بكسر السين وكذلك في سورة ص وكانوا يقرؤون في الزخرف بالرفع قالوا لأن في هذين الموضعين من الإستهزاء وهناك في الزخرف من السخرة والعبودية فما كان من الإستهزاء فهو بالكسر وما كان من التسخير فهو بالضم وقرأ حمزة والكسائي ونافع { سخريا } كل ذلك بالضم وقال أبو عبيد هكذا نقرأ لأنهن يرجعن إلى معنى واحد وهما لغتان سخري وسخري وذكر عن الخليل وعن سيبويه أن كلاهما واحد

١١١

قوله عز وجل { إني جزيتهم اليوم بما صبروا } يعني جعلت جزاءهم الجنة وهم المؤمنون بما صبروا يعني بصبرهم على الأذى وعلى أمر اللّه تعالى { أنهم هم الفائزون } يعني الناجين قرأ حمزة والكسائي { إنهم } بكسر الألف على معنى الإبتداء والمعنى إني جزيتهم ثم أخبر فقال { إنهم هم الفائزون } وقال أبو عبيد وقرأ الباقون { أنهم } بالنصب أني جزيتهم لأنهم هم الفائزون وقال أبو عبيد الكسر أحب إلي على إبتداء المدح من اللّه تعالى

١١٢

قوله عز وجل { قال كم لبثتم في الأرض عدد سنين } يعني في القبر ويقال في الدنيا ويروى عن ابن عباس في بعض الروايات أنه قال لا أدري في الأرض أم في القبر وقال مقاتل { كم لبثتم } في القبر عدد سنين

١١٣

{ قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم فاسأل العادين } قال الأعمش يعني الحافظين وقال مقاتل يعني ملك الموت وأعوانه وقال قتادة يعني فاسأل الحساب وقال مجاهد يعني الملائكة عليهم السلام وهكذا قال السدي

١١٤

 { قال إن لبثتم } في القبر أو في الدنيا { إلا قليلا لو أنكم كنتم تعلمون } يعني لو كنتم تصدقون أنبيائي عليهم السلام في الدنيا لعرفتم أنكم ما مكثتم في القبور إلا قليلا قرأ حمزة والكسائي وإبن كثير { قل كم لبثتم } على معنى الأمر وكذلك قوله { قل إن لبثتم } وقرأ الباقون { قال } بالألف وقرأ حمزة والكسائي { فسل العادين } بغير همز وقرأ الباقون { فاسأل } بالهمزة

١١٥

قوله تعالى { أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا } أي لعبا وباطلا لغير شيء يعني أظننتم أنكم لا تعذبون بما فعلتم { وأنكم إلينا لا ترجعون } بعد الموت قرأ حمزة والكسائي { لا ترجعون } بنصب التاء وكسر الجيم وقرأ الباقون بضم التاء ونصب الجيم { لا ترجعون } وكذلك التي في القصص قالوا لأنها من مرجع الآخرة وما كان من مرجع الدنيا فقد إتفقوا في فتحه مثل قوله { ولا إلى أهلهم يرجعون } [ يس : ٥٠ ] قال أبو عبيد وبالفتح نقرأ لأنهم إتفقوا في قوله تعالى { أنهم لا يرجعون } [ الأنبياء : ٩٥ ] وقال إنهم لا يرجعون وقال { أنهم إلى ربهم راجعون } [ المؤمنون : ٦٠ ] كقوله { إنا للّه وإنا إليه راجعون } [ البقرة : ١٥٦ ] فأضاف الفعل إليهم

١١٦

ثم قال عز وجل { فتعالى اللّه الملك الحق } يقول إرتفع وتعظم من أن يكون خلق شيئا عبثا وإنما خلق لأمر كائن ثم وحد نفسه فقال { لا إله إلا هو رب العرش الكريم } يعني السرير الحسن

١١٧

قوله عز وجل { ومن يدع مع اللّه إلها آخر لا برهان له به } يقول لا حجة له بالكفر ولا عذر يوم القيامة { فإنما حسابه عند ربه } في الآخرة يعني عذابه { إنه لا يفلح الكافرون } يعني لا يأمن الكافرون من عذابه ويقال معناه جزاء كل كافر أنه لا يفلح الكافرون في الآخرة عند ربهم

١١٨

قوله عز وجل { وقل رب إغفر وارحم } يعني تجاوز عني { وأنت خير الراحمين } يعني من الأبوين وهذا قول الحسن ويقال من غيرك ويقال إنما حسابه عند ربه فيجازيه كما قال { ثم إن علينا حسابهم } [ الغاشية : ٢٦ ] { وقل رب إغفر وارحم } فأمر النبي صلى اللّه عليه وسلم بأن يستغفر للمؤمنين ويسأل لهم المغفرة ويقال أمره بأن يستغفر لنفسه ليعلم أنه محتاج إلى الإستغفار كما روي عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال أني أستغفر اللّه ربي وأتوب إلى اللّه في كل يوم سبعين مرة أو قال مائة مرة واللّه سبحانه وتعالى أعلم

﴿ ٠