سورة الشعراء(كلها مكية إلا آيات في آخرها وهي مائتان وسبع وعشرون آية ) ١قول اللّه سبحانه وتعالى { طسم } قرأ حمزة والكسائي وعاصم في رواية أبي بكر بإمالة الطاء وقرأ أبو عمرو وإبن كثير بالتفخيم وهما لغتان معروفتان عند العرب ويجوز كلاهما وقرأ نافع بين ذلك وقرأ حمزة بإظهار النون والباقون بالإدغام لتقارب مخرجهما ومن لم يدغم أراد التبيين وكلاهما جائز وأما التفسير فروى معمر عن قتادة أنه قال إسم من أسماء القرآن ويقال والطاء طوله والسين سناؤه والميم ملكه ومجده ويقال الطاء شجرة طوبى والسين سدرة المنتهى والميم محمد المصطفى صلى اللّه عليه وسلم وقال بعضهم عجزت العلماء عن تفسيرها ويقال هو قسم أقسم اللّه تعالى به ٢{تلك آيات الكتاب } يعني هذه آيات الكتاب ويقال { تلك آيات الكتاب } التي كنت وعدت في التوراة أن أنزلها على محمد صلى اللّه عليه وسلم { الكتاب المبين } يعني القرآن يبين لكم الحق من الباطل ٣{ لعلك باخع نفسك } يعني مهلك نفسك ويقال قاتل نفسك بالحزن { أن لا يكونوا مؤمنين } يعني إذا لم يصدقوا بالقرآن وذلك حين كذبه أهل مكة شق ذلك عليه وحزن بذلك فقال له ليس عليك سوى التبليغ ولا تقتل نفسك إن لم يؤمنوا ٤ثم قال عز وجل { إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية } يعني علامة { فظلت } يعني فصارت { أعناقهم لها خاضعين } يعني وننزل عليهم آية تضطرهم إلى أن يؤمنوا ولكنه لم يفعل لأنه لو فعل ذلك لذهبت المحنة فلم يستوجبوا الثواب إذا آمنوا بعد معاينة العذاب كمن آمن يوم القيامة لا ينفعه إيمانه لأنه قد ظهر له بالمعاينة ويقال { فظلت أعناقهم } يعني ساداتهم وكبراؤهم للآية { خاضعين } والأعناق الكبراء فإن قيل جمع الأعناق مؤنث وقال خاضعين ولم يقل خاضعات قيل له لأن الكلام إنصرف إلى المعنى فكأنه قال هم لها خاضعون ٥قوله تعالى { وما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث } وقد ذكرناه { إلا كانوا عنه معرضين } يعني مكذبين معرضين عن الإيمان به ٦{ فقد كذبوا } يعني كذبوا بالقرآن كما قال في آية أخرى { فقد كذبوا بالحق } [ الأنعام : ٥ ] ثم قال { فسيأتيهم أنباء } يعني أخبار { ما كانوا به يستهزئون } يعني يوم القيامة ويقال قد جاءهم بعض ذلك في الدنيا وهو القتل والقهر والغلبة ٧قوله عز وجل { أو لم يروا إلى الأرض } يعني أو لم ينظروا في عجائب الأرض ويتفكروا فيها { كم أنبتنا فيها من كل زوج كريم } يعني من كل نوع من النبات ويقال من كل لون حسن وقال القتبي الكريم يقع على الأنواع والكريم الشريف الفاضل قال اللّه تعالى { إن أكرمكم عند اللّه أتقاكم } [ الحجرات : ١٣ ] { ولقد كرمنا بني آدم } [ الإسراء : ٧٠ ] { ورب العرش العظيم } [ التوبة : ١٢٩ ] { وندخلكم مدخلا كريما } [ النساء : ٣١ ] { قالت يا أيها الملأ إني ألقي إلى كتاب كريم } [ النمل : ٢٩ ] أي شريف فاضل والكريم الصفوح وذلك من الشرف كما قال { فإن ربي غني كريم } [ النمل : ٤٠ ] { ما غرك بربك الكريم } [ الإنفطار : ٦ ] أي الصفوح والكريم الكثير كما قال { ورزق كريم } [ الأنفال : ٤ ] أي كثير والكريم الحسن وذلك من الشرف والفضل كما قال { من كل زوج كريم } [ الشعراء : ٧ ] أي حسن { وقل لهما قولا كريما } [ الإسراء : ٢٣ ] أي حسنا وروي عن الشعبي أنه قال { كم أنبتنا فيها } يعني بني آدم فمن دخل الجنة فهو كريم ومن دخل النار فهو لئيم ٨ثم قال عز وجل { إن في ذلك لآية } يعني في إختلاف النبات وألوانه { لآية } يعني لعبرة لأهل مكة أنه إله واحد ثم قال { وما كان أكثرهم مؤمنين } يعني مصدقين بالتوحيد ولو كان أكثرهم مؤمنين لم يعذبوا وقال مقاتل { وما كان أكثرهم مؤمنين } يعني وما كانوا مؤمنين بل كلهم كانوا كافرين ٩{ وإن ربك لهو العزيز } يعني المنيع بالنقمة لمن لم يجب الرسل { الرحيم } حيث لم يعجل بعقوبتهم ويقال رحيم بالمؤمنين ١٠قوله عز وجل { وإذ نادى ربك موسى } يعني أتل عليهم إذ نادى ربك موسى كما قال { واتل عليهم نبأ إبراهيم } وقال مقاتل { إذ نادى ربك موسى } يعني أمر ربك يا محمد موسى { أن ائت القوم الظالمين } يعني إذهب إلى القوم المشركين ١١{ قوم فرعون ألا يتقون } قال مقاتل يعني قل لهم ألا تتقون عبادة غيره وتوحدونه ويقال { ألا يتقون } يعني ألا يعبدون اللّه تعالى ١٢{ قال رب } يعني قال موسى يا رب { إني أخاف أن يكذبون } بما أقول ١٣{ ويضيق صدري } إذا كذبوني في رسالتك { ولا ينطلق لساني } لمهابته قرأ الحضرمي { ويضيق صدري ولا ينطلق } كلاهما بنصب القاف وجعله نصبا بأن ومعناه أخاف أن يكذبون وأن يضيق صدري وأن لا ينطلق لساني وقراءة العامة بالضم على معنى الإستئناف ثم قال { فأرسل إلى هارون } يعني أرسله معي لكي يكون عونا لي في أداء الرسالة ١٤ثم قال { ولهم علي ذنب } يعني قصاص بقتل القبطي { فأخاف أن يقتلون } وقال القتبي على معنى عندي أي لهم عندي ذنب ١٥{ قال } اللّه تعالى { كلا } أي لا تخف وقال الزجاج كلا ردع وتنبيه أي لا يقدرون على ذلك { فاذهبا بآياتنا } خاطب به موسى خاصة بأن يذهب مع أخيه بآياتنا التسع { إنا معكم مستمعون } يعني سامعين وقد بين ذلك في موضع آخر وهو قوله { أسمع وأرى } [ طه : ٤٦ ] والإستماع سبب للسمع فيعبر به عنه ١٦قوله عز وجل { فأتيا فرعون فقولا إنا رسول رب العالمين } يعني موسى وحده ويضاف الشيء إلى إثنين والمراد به أحدهما وقال القتبي الرسول يكون بمعنى الجمع كما يكون الضيف بمعنى الجمع { قال إن هؤلاء ضيفي } [ الحجر : ٦٨ ] وقال أبو عبيد رسول بمعنى رسالة ويقال رسول يعني به رسولين كقوله { إنا رسولا ربك } [ طه : ٤٧ ] فقال { إنا رسول رب العالمين } ١٧{ أن أرسل معنا بني إسرائيل } يعني قل لفرعون ذلك ولم يذكر إتيانه إلى فرعون لأن في الكلام دليلا عليه وقد بين في موضع آخر حيث قال { فلما جاءهم موسى بآياتنا بينات } [ القصص : ٣٦ ] وقال مقاتل { إنا رسول رب العالمين } وانقطع الكلام ثم إنطلق موسى وكان هارون بمصر فانطلقا إلى فرعون قال مقاتل فلم يأذن لهما سنة ثم أخبر البواب فرعون أن ها هنا إنسانا يذكر أنه رسول رب العالمين فقال ائذن له لعلنا نضحك منه وقال السدي لما أتى باب فرعون ضرب موسى عليه السلام عصاه على الباب ففزع من ذلك فرعون فأذن له في الدخول من ساعته فلما دخل عليه عرفه فأدى الرسالة فقال له فرعون { ألم نربك فينا وليدا } قال الفقيه أبو الليث رحمه اللّه أول ما بدأ فرعون بكلام السفلة ومن على نبي اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنما أطعمه ١٨فقال { ألم نربك فينا وليدا } يعني ألم تكن فينا صغيرا قد ربيناك { ولبثت فينا } يعني مكثت عندنا { من عمرك سنين } يعني ثلاثين سنة ١٩{ وفعلت فعلتك التي فعلت } يعني قتلت النفس التي قتلتها وقرأ في الشاذ { ف علتك } بكسر الفاء هي قراءة الشعبي وقراءة العامة بالنصب والنصب يقع على فعل واحد والكسر على المرات يعني قتلت مرة وهممت بالقتل ثانيا ثم قال { وأنت من الكافرين } أي من الكافرين بنعمتي ويقال كفرت بي حيث قتلت النفس ويقال وأنت من الجاحدين للقتل يعني لم تقر بالقتل فأخبره موسى أنه غير جاحد للقتل ٢٠{ قال فعلتها إذا } يعني قتلت النفس { وأنا من الضالين } عن النبوة كقوله { ووجدك ضالا فهدى } [ الضحى : ٧ ] ويقال من الجاهلين ولم أتعمد القتل قال القتبي أصل الضلالة العدول عن الحق ثم يكون لمعاني منها النسيان لأن الناس عادل عنه فكما قال ها هنا { فعلتها إذا وأنا من الضالين } أي من الناسين وكما قال { أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى } [ البقرة : ٢٨٢ ] ٢١ثم قال عز وجل { ففررت منكم } يعني هربت منكم إلى مدين { لما خفتكم } على نفسي أن تقتلوني { فوهب لي ربي حكما } قال الكلبي يعني النبوة وقال مقاتل يعني العلم والفهم { وجعلني من المرسلين } إليكم ٢٢ثم قال عز وجل { وتلك نعمة تمنها علي أن عبدت بني إسرائيل } يعني أو كان هذا نعمة تمنها علي أن عبدت بني إسرائيل فكأنه أنكر عليه فقال كيف تكون نعمتك التي تمن علي فإنك قد عبدت بني إسرائيل أي إستعبدتهم ولم تعبدني ويقال معناه { تلك نعمة } إنما صارت نعمة بتعبيدك بني إسرائيل لأنك لو لم تعبدهم لم تجعلني أمي في التابوت حتى صرت في بيتك ولكن إنما صارت نعمة لأجلك حيث عبدت بني إسرائيل وقال مقاتل { وتلك نعمة } تمنها علي يا فرعون بإحسانك إلي خاصة وبترك أبنائك أن عبدت بني إسرائيل وقال الكلبي يقول تستعبد بني إسرائيل وتمن علي بذلك ٢٣{ قال فرعون } لموسى { وما رب العالمين } منكرا له وهذا جواب لقوله { إنا رسول رب العالمين } فجاء بجواب قطع حجته ٢٤{ قال رب السموات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين } بتوحيد اللّه تعالى فعجز فرعون عن الجواب ٢٥{ فقال لمن حوله ألا تستمعون } إلى قول موسى عليه السلام قالوا له فما تقول يا موسى فجاء بحجة أخرى ليؤكد عليهم ٢٦{ قال ربكم } يعني أدعوكم إلى ربكم { ورب آبائكم الأولين } يعني إلى توحيد خالقكم وخالق آبائكم الأولين ٢٧{ قال } فرعون لجلسائه { إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون } ٢٨{قال } موسى عليه السلام ليس بمجنون مثلي أدعوكم إلى { رب المشرق والمغرب وما بينهما إن كنتم تعقلون } يعني إن كان لكم ذهن الإنسانية فلما عجز عن الجواب مال إلى العقوبة كما يفعل السلاطين ٢٩{ فقال لئن إتخذت إلها غيري } يعني لئن عبدت ربا غيري { لأجعلنك من المسجونين } يعني لأحبسنك في السجن قال ابن عباس وكان سجنه أشد من القتل ٣٠{ قال } موسى { أولو جئتك بشيء مبين } يعني ولو جئتك بحجة بينة يستبين لكم أمري ٣١{ قال } فرعون { فأت به } يعني فأرناه { إن كنت من الصادقين } بأنك رسول ٣٢{ فألقى عصاه } من يده { فإذا هي ثعبان مبين } يعني حية صفراء من أعظم الحيات ٣٣{ ونزع يده } يعني أخرج يده فقال لهم ما هذه فقالوا يدك فأدخلها في جيبه وأخرجها { فإذا هي بيضاء للناظرين } يعني لها شعاع غلب شعاع الشمس وانتشر الضوء حوالي مصر للناظرين لمن نظر إليها من غير برص فعجبوا من ذلك ٣٤قوله عز وجل { قال للملإ حوله إن هذا لساحر عليم } يعني قال فرعون لمن حوله من الرؤساء والأشراف وأصله في اللغة من ملأ قال بعضهم الملأ بما يراد بهم مائتان وخمسون وقال بعضهم ثلاثمائة وخمسون وهم جماعة الملي ويقال يملأ العين هيبة يعني إذا نظر إليها الناظر ٣٥ثم قال { يريد أن يخرجكم من أرضكم بسحره } يعني من أرض مصر { فماذا تأمرون } يعني تشيرون ٣٦{ قالوا أرجه وأخاه } يعني إحسبهما وأخرهما ولا تقتلهما ولا تؤمن بهما وأصله من التأخير يعني أخر أمرهما حتى تنظر ٣٧{ وابعث في المدائن حاشرين } يحشرون عليك السحرة { يأتوك بكل سحار عليم } يعني حاذقا ٣٨{ فجمع السحرة لميقات يوم معلوم } وهو يوم عيد لهم وهو يوم الزينة قال مقاتل هم إثنان وسبعون ساحرا ويقال سبعون ألفا وقال الزجاج ذكر أن السحرة كانوا إثني عشر ألفا ٣٩{ وقيل للناس } يعني أهل مصر { هل أنتم مجتمعون } للسحرة للميعاد ٤٠{ لعلنا نتبع السحرة } ١على أمرهم { إن كانوا هم الغالبين } ٤١قوله عز وجل { فلما جاء السحرة } يعني إلى الميقات { قالوا لفرعون أئن لنا لأجرا } يعني جعلا { إن كنا نحن الغالبين } يعني أتجازينا إن غلبناه ٤٢{ قال نعم } أجازيكم { وإنكم إذا لمن المقربين } يعني لكم مع الجائزة المنزلة والكرامة عندي ٤٣{ قال لهم موسى ألقوا ما أنتم ملقون } يعني إطرحوا ٤٤{ فألقوا حبالهم وعصيهم وقالوا إنا لنحن الغالبون } يعني نغلب موسى ٤٥{ فألقى موسى عصاه فإذا هي تلقف } يعني تلتقم وتبتلع { ما يأفكون } يعني ما يطرحون من الحبال والعصي ٤٦قوله عز وجل { فألقي السحرة ساجدين } أي خروا سجدا للّه تعالى ٤٩{ قالوا آمنا برب العالمين } فقال فرعون إياي تعنون ٥٠قالوا { رب موسى وهارون } يعني خالق موسى وهارون عليهما السلام { قال آمنتم له قبل أن آذن لكم إنه لكبيركم الذي علمكم السحر فلسوف تعلمون } ماذا أصنع بكم { لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم أجمعين } على شاطىء نهر مصر { قالوا } يعني السحرة { لا ضير } أي لا يضرنا ما فعلت بنا { إنا إلى ربنا منقلبون } يعني إلى خالقنا راجعون ٥١{ إنا نطمع } يعني نرجو { أن يغفر لنا خطايانا } يعني شركنا وسحرنا { أن كنا أول المؤمنين } يعني أول المصدقين من قوم فرعون وذكر عن الفراء أنه قال كانوا أول مؤمني أهل دهرهم وقال الزجاج لا أحسبه عرف الرواية لأن الذين كانوا مع موسى روي في التفسير أنهم ستمائة ألف وسبعين ألفا ولكن معناه أول من آمن في هذه الساعة ٥٢قوله عز وجل { وأوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي } يعني ببني إسرائيل { إنكم متبعون } يعني يتبعكم فرعون وقومه ويقال أسرى يسري إسراء إذا سار ليلا يعني إذهب بهم بالليل ٥٣{ فأرسل فرعون في المدائن حاشرين } يحشرون الناس لقتال موسى عليه السلام ليخرج في طلبه ٥٤وقال { إن هؤلاء لشرذمة قليلون } يعني طائفة وعصبة وجماعة قليلون وقال الزجاج الشرذمة في كلام العرب القليل ويروى أنهم كانوا ستمائة ألف وسبعين ألفا ٥٥{ وإنهم لنا لغائظون } يعني لمبغضين ويقال { إنا لغائظون } يعني لمبغضين بخلافهم لنا وذهابهم بحلينا ٥٦ثم قال عز وجل { وإنا لجميع حاذرون } أي مودون شاكون في السلاح قرأ إبن كثير ونافع وأبو عمرو { حذرون } بغير ألف والباقون بالألف والحاذر المستعد والحذر المستيقظ ويقال الحاذر الذي يحذر في الفور والحذر الذي لا تلقاه إلا حذرا وروي عن إبن مسعود أنه كان يقرأ { حاذرون } بالألف وكان يقول يعني ذا أداة من السلاح ومعناه إنا قد أخذنا حذرنا من عدونا بسلاحنا ٥٧قال اللّه تعالى { فأخرجناهم } يعني فرعون وقومه { من جنات } يعني البساتين { وعيون } يعني الأنهار الجارية ٥٨{ وكنوز } يعني من الأموال الكثيرة { ومقام كريم } يعني المنازل الحسنة ويقال المنابر التي يعظم عليها فرعون قرأ أبو عمرو ونافع وعاصم { وعيون } بضم العين في جميع القرآن وقرأ الباقون بالكسر وهما لغتان وكلاهما جائز وقال بعضهم { فأخرجناهم من جنات وعيون } كلام فرعون إنا أخرجنا بني إسرائيل من أرض مصر والطريق الأول أشبه كما قال في موضع آخر { كم تركوا من جنات وعيون } [ الدخان : ٢٥ ] الآية ٥٩ثم قال { كذلك } يعني هكذا أفعل بمن عصاني ثم إستأنف فقال عز وجل { وأورثناها } ويقال كذلك أورثناها يعني هكذا أنزلنا فيها يعني في مساكن فرعون { بني إسرائيل } بعد ما غرق فرعون ٦٠ثم قال { فأتبعوهم مشرقين } يعني عند طلوع الشمس ٦١قوله عز وجل { فلما تراءى الجمعان } يعني تقاربا ورأى بعضهم بعضا وذلك أن فرعون أرسل في المدائن حاشرين ليحشروا الناس فركب وركب معه ألف ألف ومائتا ألف فارس سوى الرجالة أي المشاة فلما دنوا من عسكر موسى { قال أصحاب موسى } لموسى عليه السلام { إنا لمدركون } يعني يدركنا فرعون ٦٢{ قال } موسى { كلا } لا يدرككم { إن معي ربي سيهدين } يعني سينجيني ويهديني إلى طريق النجاة ٦٣قوله عز وجل { فأوحينا إلى موسى أن إضرب بعصاك البحر فانفلق } وفي الآية مضمر ومعناه فضربه بالعصا فانفلق البحر { فكان كل فرق كالطود العظيم } يعني كالجبل العظيم ٦٤{ وأزلفنا ثم الآخرين } يعني قربنا قوم فرعون إلى البحر وأدنيناهم إلى الغرق ومنه قوله تعالى { وأزلفت الجنة للمتقين } [ الشعراء : ٩٠ ] أي أدنيت وقربت وروي عن الحسن قال { وأزلفنا } يعني أهلكنا وقال غيره { وأزلفنا } أي جمعناهم في البحر حتى غرقوا وفيه قيل لجمع المزدلفة ٦٥{ وأنجينا موسى ومن معه أجمعين } يعني من البحر ٦٦{ ثم أغرقنا الآخرين } يعني فرعون وقومه وقد ذكرنا القصة في موضع آخر ٦٧ثم قال { إن في ذلك } يعني فيما صنع { لآية } يعني لعبرة لمن بعدهم { وما كان أكثرهم مؤمنين } يعني مصدقين يعني لو كان أكثرهم مؤمنين لم يهلكهم اللّه تعالى ٦٨{ وإن ربك لهو العزيز } بالنعمة { الرحيم } لمن تاب ٦٩قوله عز وجل { واتل عليهم نبأ إبراهيم } يعني أخبر أهل مكة خبر إبراهيم كيف قال لقومه ثم أخبرهم عن ذلك ٧٠فقال { إذ قال لأبيه وقومه ما تعبدون } وذلك أن إبراهيم عليه السلام لما ولدته أمه في الغار فلما خرج وكبر دخل المصر فأراد أن يعلم على أي مذهب هم وهكذا ينبغي للعاقل إذا دخل بلدة أن يسألهم عن مذهبهم فإن وجدهم على الإستقامة دخل معهم وإن وجدهم على غير الإستقامة أنكر عليهم فقال لهم إبراهيم { ما تعبدون } ٧١{ قالوا نعبد أصناما فنظل لها عاكفين } أي فنقيم عليها عابدين فأراد أن يبين عيب فعلهم فقال ٧٢{ قال هل يسمعونكم } يعني هل تجيبكم الآلهة سمى الإجابة سمعا لأن السمع سبب الإجابة { إذ تدعون } يعني هل يجيبونكم إذا دعوتموهم ٧٣{ أو ينفعونكم } إذا عبدتموهم { أو يضرون } يعني يضرونكم إن لم تعبدوهم ٧٤{ قالوا بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون } يعني وجدنا آباءنا يعبدونهم هكذا فنحن نعبدهم ٧٥{ قال } لهم إبراهيم عليه السلام { أفرأيتم ما كنتم تعبدون } اللفظ لفظ الإستفهام والمراد به الإعلام يعني إعلموا أن الذي كنتم تعبدون ٧٦{ أنتم وآباؤكم } وأجدادكم يعني معبودكم ومعبود آبائكم وأجدادكم { الأقدمون } يعني الماضين ٧٧{ فإنهم عدو لي } يعني هم أعدائي { إلا رب العالمين } يقال معناه إلا من يعبد رب العالمين ويقال كانوا يعبدون مع اللّه الآلهة فقال لهم جميع ما تعبدون من الآلهة فهو عدو لي إلا رب العالمين فإنه ليس بعدو لي ويقال معناه أتبرأ من أفعالكم وأقوالكم إلا الذي تقولون رب العالمين وهو قوله { ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولن اللّه } [ الزخرف : ٨٧ ] ويقال { إلا } بمعنى لكن ومعناه فإنهم عدو لي لكن رب العالمين يعني لكن أعبد رب العالمين ٧٨ثم وصف لهم رب العالمين فقال { الذي خلقني فهو يهدين } يعني يحفظني ويثبتني على الهدى ٧٩{ والذي هو يطعمني ويسقين } يعني هو الذي يرزقني ويرحمني ٨٠ثم قال { وإذ مرضت فهو يشفين } فقد أضاف سائر الأشياء إلى اللّه تعالى وأضاف المرض إلى نفسه لأن المرض بكسب يده كقوله عز وجل { وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم } [ الشورى : ٣٠ ] وفيه كفارة وإذا كان أصله من كسب نفسه أضافه إلى نفسه ٨١ثم قال { والذي يميتني ثم يحيين } يعني يميتني في الدنيا ويحييني للبعث ٨٢{ والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين } يعني أرجو أن يغفر خطيئتي وهو قوله { إني سقيم } [ الصافات : ٨٩ ] ويقال قوله { هذا ربي } [ الأنعام : ٧٨ ] ويقال ما كان نبي من الأنبياء عليهم السلام إلا وقد هم بزلة ٨٣ثم قال { رب هب لي حكما } يعني النبوة { وألحقني بالصالحين } يعني بالمرسلين في الجنة ٨٤{ واجعل لي لسان صدق في الآخرين } يعني الثناء الحسن في الباقين وإنما أراد بالثناء الحسن لكي يقتدوا به فيكون له مثل أجر من إقتدى به ٨٥{ واجعلني من ورثة جنة النعيم } يعني إجعلني ممن ينزل فيها ٨٦ثم قال { واغفر لأبي إنه كان من الضالين } يعني إهده إلى الحق من الضلالة والشرك يعني إنه كان من المشركين في الحال كقوله عز وجل { من كان في المهد صبيا } [ مريم : ٢٩ ] يعني من هو في الحال صبي ويقال إنه كان من الضالين حين فارقته كقوله { وكان وراءهم ملك } [ الكهف : ٧٩ ] وهذا الإستغفار حين كان وعده بالإسلام وقال مقاتل إن إبراهيم عليه السلام قد كذب ثلاث كذبات وأخطأ ثلاث خطيئات وأبتلي بثلاث بليات وسقط سقطة فأما الكذبات فقوله { إني سقيم } [ الصافات : ٨٩ ] وقوله { بل فعله كبيرهم هذا } [ الأنبياء : ٦٣ ] وقوله لسارة حين قال هي أختي والخطايا قوله للنجم القمر والشمس { هذا ربي } [ الأنعام : ٧٨ ] وأما البليات حين قذف في النار والختان والأمر بذبح الولد وسقط سقطة حين دعا لأبيه وهو مشرك وقال غيره لم يكذب ولم يخطىء ولم يسقط لأنه قال { إني سقيم } يعني سأسقم لأن كل آدمي سيصيبه السقم وقوله { بل فعله كبيرهم هذا } قد قرنه بالشرط وهو قوله { إن كانوا ينطقون } [ الأنبياء : ٦٣ ] وقوله لسارة هي أخته فكانت أخته في الدين وقوله { هذا ربي } كان على وجه الإسترشاد لا للتحقيق ويقال كان ذلك القول على سبيل الإنكار والزجر يعني أمثل هذا ربي وأما دعاؤه لأبيه فلوعدة وعدها إياه وقد بين اللّه تعالى بقوله { وما كان إستغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه } [ التوبة : ١١٤ ] يعني إن أباه وعده أنه سيؤمن فما دام حيا يرجو أو يدعو وإذا مات ضالا ترك الإستغفار ويقال إن إبراهيم كان وعده أن يستغفر له حيث قال { سأستغفر لك ربي } فاستغفر له ليكون منجز الوعد ٨٧ثم قال { ولا تخزني يوم يبعثون } يعني لا تعذبني يوم يبعثون من قبورهم إلى ها هنا كلام إبراهيم وقد إنقطع كلامه ٨٨ثم إن اللّه تبارك وتعالى وصف ذلك اليوم فقال { يوم لا ينفع مال ولا بنون } يعني يوم القيامة لا ينفع الذي خلفوه في الدنيا وأما المال الذي أنفقوا في الخير فإنه ينفعهم { ولا بنون } يعني للكفار لأنهم كانوا يقولون { نحن أكثر أموالا وأولادا } [ سبأ : ٣٥ ] فأخبر اللّه تعالى أنه لا ينفعهم في ذلك اليوم المال ولا البنون وأما المسلمون فينفعهم المال والبنون لأن المسلم إذا مات إبنه قبله يكون له ذخرا وأجرا في الجنة وإن تخلف بعده فإنه يذكره بصالح دعائه فينفعه ذلك ٨٩ثم قال { إلا من أتى اللّه بقلب سليم } يعني من جاء بقلب سليم يوم القيامة ينفعه المال والبنون ويقال { إلا من أتى اللّه بقلب سليم } فذلك الذي ينفعه والقلب السليم هو القلب المخلص وقال ابن عباس يعني بقلب خالص من الشرك وروى أبو أسامة عن عوف قال قلت لإبن سيرين ما القلب السليم قال أن تعلم أن اللّه عز وجل حق وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن اللّه يبعث من في القبور ويقال سليم من إعتقاد الباطل ويقال سليم من النفاق والهوى والبدعة وسئل أبو القاسم الحكيم عن القلب السليم فقال له ثلاث علامات أولها أن لا يؤذي أحدا والثاني أن لا يتأذى من أحد والثالث إذا إصطنع معروفا إلى أحد لم يتوقع منه المكافأة فإذا هو لم يؤذ أحدا فقد جاء بالورع وإذا لم يتأذ من أحد فقد جاء بالوفاء وإذا لم يتوقع المكافأة بالإصطناع فقد جاء بالإخلاص ٩٠ثم قال عز وجل { وأزلفت الجنة للمتقين } يعني قربت الجنة للمتقين الذين يتقون الشرك والفواحش يعني أن المتقين قربوا من الجنة ٩١ثم قال { وبرزت الجحيم } يعني والجحيم أظهرت وكشفت غطاءها { للغاوين } يعني للكافرين ويقال يؤتى بها في سبعين ألف زمام ٩٢{ وقيل لهم } يعني للكفار { أين ما كنتم تعبدون } يعني أين معبودكم الذين كنتم تعبدون ٩٣من دون اللّه { هل ينصرونكم } يعني هل يمنعونكم من العذاب { أو ينتصرون } يعني هل يمتنعون من العذاب فاعترفوا أنهم لا ينصرونهم ولا ينتصرون فأمر بهم في النار ويقال { أينما كنتم تعبدون من دون اللّه } يعني الشياطين لأنهم أطاعوها في المعصية فكأنهم عبدوها ٩٤قوله عز وجل { فكبكبوا فيها } يعني جمعوا فيها { هم والغاوون } ويقال { فكبكبوا فيها } فقذفوا من النار { هم والغاوون } يعني الكفار والآلهة والشياطين الذين أغووا بني آدم وهذا قول مقاتل ويقال { فكبكبوا فيها } يعني ألقي بعضهم على بعض وقال القتبي الأصل كببوا أي ألقوا على رؤوسهم فيها فأبدلت مكان إحدى الباءين كاف وقال الزجاج هو تكرير الإنكباب لأنه إذا ألقي ينكب مرة بعد مرة حتى يستقر فيها ويقال جمعوا فيها ومنه حديث جبريل عليه السلام أنه ينزل في كبكبة من الملائكة يعني جماعة من الملائكة عليهم السلام ٩٥ثم قال عز وجل { وجنود إبليس أجمعون } يعني جمعوا فيها جميعا ٩٦{ قالوا وهم فيها يختصمون } يعني الكفار والأصنام ويقال الكفار والشياطين ويقال الرؤساء والأتباع ومعناه قالوا وهم يختصمون فيها على معنى التقديم ٩٧{ تاللّه } يعني واللّه { إن كنا لفي ضلال مبين } يعني في خطأ بين ٩٨{ إذ نسويكم برب العالمين } يعني نطيعكم كما يطيع المؤمنون أمر اللّه عز وجل ٩٩{ وما أضلنا إلا المجرمون } يعني ما صرفنا عن الإيمان إلا الشياطين ويقال رؤساؤنا ويقال آباؤنا المشركون ١٠٠{ فما لنا من شافعين } يعني حيث يرون الأنبياء عليهم السلام يشفعون للمؤمنين والملائكة عليهم السلام يشفعون ولا يشفع أحد للكفار فيقولون ليس أحد يشفع لنا ١٠١{ ولا صديق حميم } يعني قريب يهمه أمرنا ١٠٢قوله عز وجل { فلو أن لنا كرة } يعني رجعة إلى الدنيا { فنكون من المؤمنين } يعني من المصدقين على دين الإسلام ١٠٣{ إن في ذلك لآية } يعني لعبرة لمن يعبد غير اللّه تعالى ليعلم أنه يتبرأ منه في الآخرة ولا ينفعه { وما كان أكثرهم مؤمنين } يعني الذين جمعوا في النار لم يكونوا مؤمنين ١٠٤{ وإن ربك لهو العزيز } بالنقمة لمن عبد غيره { الرحيم } بالمؤمنين ١٠٥قوله عز وجل { كذبت قوم نوح المرسلين } يعني نوحا عليه السلام وحده ويقال جميع الأنبياء عليهم السلام لأن نوحا عليه السلام دعاهم إلى الإيمان بجميع الأنبياء والرسل عليهم السلام فلما كذبوه فقد كذبوا جميع الرسل ١٠٦{ إذ قال لهم أخوهم نوح } يعني نبيهم سماه أخوهم لأنه كان منهم وإبن أبيهم { ألا تتقون } يعني ألا تخافون اللّه تعالى فتوحدوه ١٠٧{ إني لكم رسول أمين } فيما بينكم وبين ربكم وجعلني اللّه عز وجل أمينا في أداء الرسالة إليكم ويقال إنه كان أمينا فيهم قبل أن يبعث ١٠٨{ فاتقوا اللّه } أي خافوا اللّه { وأطيعون } يعني فاتبعوني فيما أمركم به ١٠٩{ وما أسألكم عليه من أجر } يعني على الإيمان من أجر يعني أجرا { إن أجري } يعني ما ثوابي { إلا على رب العالمين} ١١٠{ فاتقوا اللّه وأطيعون } وقد ذكرناه ١١١قوله عز وجل { قالوا أنؤمن لك } يعني أنصدقك { واتبعك الأرذلون } يعني سفلتنا ويقال المساكين ويقال الضعفاء قرأ يعقوب الحضرمي { واتباعك الأرذلون } وهو جمع تابع ومعناه وأتباعك الأرذلون وقراءة العامة { واتبعك الأرذلون } بلفظ الماضي اتبعك من تبعك ١١٢{ قال } لهم نوح { وما علمي بما كانوا يعملون } يعني ما كنت أعلم أن اللّه تعالى يهديهم من بينكم ويدعكم ١١٣{ إن حسابهم إلا على ربي } يعني ما حسابهم إلا على ربي ويقال ما سرائرهم إلا عند ربي { لو تشعرون } أن اللّه تعالى علام الغيوب قالوا لنوح أطردهم حتى نؤمن بك قال لهم نوح ١١٤{ وما أنا بطارد المؤمنين} ١١٥{إن أنا إلا نذير مبين } إلا منذر لكم بلغة تعرفونها ١١٦{ قالوا لئن لم تنته يا نوح لتكونن من المرجومين } أي من المقتولين ويقال من المرجومين بالحجارة ١١٧قوله عز وجل { قال رب إن قومي كذبون } بالعذاب والتوحيد ١١٨{ فافتح بيني وبينهم فتحا } يعني إقض بيني وبينهم قضاء ويقال للقاضي فتاح وهذه لغة أهل اليمن { ونجني ومن معي من المؤمنين } من العذاب ومن أذى الكفار ١١٩{ فأنجيناه ومن معه في الفلك المشحون } يعني السفينة المملوءة الموقرة من الناس والأنعام وغير ذلك ١٢٠{ ثم أغرقنا بعد الباقين } يعني من بقي ممن لم يركب السفينة ولفظ البعد والقبل إذا كان بغير إضافة يكون بالرفع مثل قوله { للّه الأمر من قبل ومن بعد } [ الروم : ٤ ] وكقوله { ثم أغرقنا بعد الباقين } وإذا كانت بالإضافة يكون نصبا في موضع النصب كقوله { وأنشأنا بعدها قوما آخرين } [ الأنبياء : ١١ ] ١٢١ثم قال عز وجل { إن في ذلك لآية } يعني لعبرة لمن إستخف بفقراء المسلمين واستكبر عن قول الحق { وما كان أكثرهم مؤمنين } فلم يؤمن من قومه إلا ثمانون من الرجال والنساء ١٢٢{ وإن ربك لهو العزيز } بالنقمة لمن تعظم عن الإيمان واستخف بضعفاء المسلمين واستهزأ بهم { الرحيم } لمن تاب ١٢٣وقوله عز وجل { كذبت عاد المرسلين } يعني كذبوا هودا عليه السلام ١٢٤{ إذ قال لهم أخوهم هود ألا تتقون} ١٢٥{إني لكم رسول أمين} ١٢٦{فاتقوا اللّه وأطيعون} ١٢٧{وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين } وقد ذكرناه ١٢٨{ أتبنون بكل ريع } يعني بكل طريق { آية } علامة ويقال بكل شرف علما { تعبثون } يعني تلعبون ويقال تضربون فتأخذون المال ممن مر بكم وروي عن ابن عباس في قوله تعالى { آية تعبثون } يعني تبنون ما لا تسكنون وقال أهل اللغة كل لعب لا لذة فيه فهو عبث واللعب ما كان فيه لذة فهم إذا بنوا بناء ولا منفعة لهم فيه فكأنهم يعبثون ١٢٩ثم قال عز وجل { وتتخذون مصانع } يعني القصور وقال مجاهد المصانع قصور وحصون وقال القتبي المصانع البناء واحدها مصنعة ويقال الريع الإرتفاع من الأرض ومعناه أنكم تبنون البناء والقصور وتظنون أن ذلك يحصنكم من أقدار اللّه تعالى ويقال { وتتخذون مصانع } يعني الحياض { لعلكم تخلدون } يعني كأنكم تخلدون في الدنيا ١٣٠قوله عز وجل { وإذا بطشتم } يعني عاقبتم ويقال يعني ضربتم بالسوط وقتلتم بالسيف { بطشتم جبارين } يعني فعلتم كفعل الجبارين لأن الجبارين يضربون ويقتلون بغير حق وأصل البطش في اللغة هو الأخذ بالقهر والغلبة ١٣١{ فاتقوا اللّه وأطيعون } فيما آمركم به ١٣٢{ واتقوا الذي أمدكم } يعني أعطاكم { بما تعلمون } ما تعلمون من الخير ١٣٣ثم بين فقال { أمدكم بأنعام وبنين } يعني أعطاكم الأموال والبنين ١٣٤{ وجنات وعيون } يعني البساتين والأنهار الجارية فاعرفوا رب هذه النعمة واشكروه ليديم عليكم النعمة فإنكم إن لم تشكروه ف ١٣٥{ إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم } يعني أعلم أنه يصيبكم العذاب في الدنيا والآخرة ١٣٦قوله عز وجل { قالوا سواء علينا أوعظت } يعني نهيتنا وخوفتنا من العذاب { أم لم تكن من الواعظين } يعني من الناهين روي عن ابن عباس أنه قال هو الوعظ بعينه ١٣٧{ إن هذا إلا خلق الأولين } قرأ أبو عمرو والكسائي وإبن كثير { إن هذا إلا خلق } بنصب الخاء وقرأ الباقون بالضم فمن قرأ بالنصب فمعناه ما هذا العذاب الذي تذكره إلا أحاديث الأولين ويقال الإحياء بعد الموت لا يكون وإنما هذا خلق الأولين أنهم يعيشون ثم يموتون ١٣٨{ وما نحن بمعذبين } قال القتبي الخلق الكذب كقوله { إن هذا إلا إختلاق } [ ص : ٧ ] وكقوله { إن هذا إلا خلق الأولين } [ الشعراء : ١٣٧ ] أي خوضهم للكذب والعرب تقول للخرافات أحاديث الخلق قال وأصل الخلق التقدير وها هنا أراد به إختلافهم وكذبهم وأما من قرأ بضم الخاء فمعناه إن هذا إلا عادة الأولين والعادة أيضا تحتمل المعنيين مثل الأول ١٣٩ثم قال عز وجل { فكذبوه فأهلكناهم } يعني كذبوا هودا فأهلكناهم بالريح { إن في ذلك لآية } يعني لعبرة لمن يعمل عمل الجبارين ولا يقبل الموعظة { وما كان أكثرهم مؤمنين } يعني قوم عاد ولو كان أكثرهم لم يهلكهم اللّه تعالى ١٤٠{ وإن ربك لهو العزيز } يعني المنيع بالنقمة لمن يعمل عمل الجبارين ولا يقبل الموعظة وهو تخويف لهذه الأمة لكيلا يسلكوا مسالكهم { الرحيم } لمن تاب ورجع ١٤١قوله عز وجل { كذبت ثمود المرسلين } يعني صالحا ومن قبله من المرسلين عليهم السلام ١٤٢{ إذ قال لهم أخوهم } يعني نبيهم { صالح ألا تتقون } وقد ذكرناه ١٤٣{ إني لكم رسول أمين} ١٤٤{فاتقوا اللّه وأطيعون} ١٤٥{وما أسألكم عليه من أجر إن إجري إلا على رب العالمين } وقد ذكرناه ١٤٦{ أتتركون فيما ها هنا آمنين } يعني في هذا الخير والسعة آمنين من الموت ١٤٧{ في جنات وعيون } يعني البساتين والأنهار ويقال العيون ها هنا الآثار لأن قوم صالح لم يكن لهم أنهار جارية ويقال كانت لهم بالشتاء آبار وكانوا يسكنون في الجبال وفي أيام الصيف كانوا يخرجون إلى القصور والكروم والأنهار ١٤٨ثم قال عز وجل { وزروع ونخل طلعها هضيم } قال مقاتل يعني متراكبا بعضه على بعض وقال القتبي الهضيم الطلع قبل أن تنشق عنه القشر يريد أنه منضم متكثر يقال رجل أهضم الكشحين إذا كان منضما ويقال { هضيم } أي طري لين ويقال { هضيم } متهشهش في الفم ١٤٩{ وتنحتون من الجبال بيوتا فارهين } قرأ أبو عمرو وإبن كثير ونافع { فرهين } بغير ألف وقرأ الباقون { فارهين } بالألف فمن قرأ { فرهين } فهو بمعنى أشرين بطرين وهو الطغيان في النعمة وإنما صار نصبا على الحال ومن قرأ { فارهين } يعني حاذقين ١٥٠{ فاتقوا اللّه وأطيعون } فيما آمركم به ١٥١قوله عز وجل { ولا تطيعوا أمر المسرفين } يعني قول المشركين وهم تسعة رهط ١٥٢{ الذين } كانوا { يفسدون في الأرض ولا يصلحون } يعني لا يأمرون بالصلاح ولا يطيعونه فأجابه قومه ١٥٣{ قالوا إنما أنت من المسحرين } يعني من المخلوقين ويقال ذو سحر والسحر هو الدية يعني إنك مثلنا وروي عن ابن عباس أنه قال { من المسحرين } أي من المخلوقين وقال أما سمعت قول لبيد ( فإن تسألينا فيم نحن فإننا عصافير من هذا الأنام المسحر ) ويقال { إنما أنت من المسحرين } يعني سوقة مثلنا والسوقة إذا كان دون الملوك ١٥٤ثم قال { ما أنت إلا بشر مثلنا } يعني آدمي مثلنا { فأت بآية إن كنت من الصادقين } أنك رسول اللّه تعالى ١٥٥{ قال هذه ناقة لها شرب } والشرب في اللغة النصيب من الماء والشرب بضم الشين المصدر والشرب بنصب الشين جماعة الشراب فكان للناقة شرب يوم ولهم شرب يوم فذلك قوله { ولكم شرب يوم معلوم... }
١٥٦{ولا تمسوها بسوء } يعني لا تصيبوها بعقر يعني لا تقتلوها فإنكم إن قتلتموها { فيأخذكم عذاب يوم عظيم } يعني صيحة جبريل عليه السلام ١٥٧{ فعقروها } يعني قتلوا الناقة { فأصبحوا نادمين } يعني فصاروا نادمين على عقرها ١٥٨قوله عز وجل { فأخذهم العذاب } يعني عاقبهم اللّه تعالى بالعذاب { إن في ذلك لآية } يعني لعبرة لمن يعظم آيات اللّه تعالى وكانت الناقة علامة لنبوة صالح عليه السلام فلما أهلكوها ولم يعظموها صاروا نادمين والقرآن علامة لنبوة النبي صلى اللّه عليه وسلم فمن رفضه ولم يعمل بما فيه ولم يعظمه يصير نادما غدا ويصيبه العذاب { وما كان أكثرهم مؤمنين } يعني قوم صالح عليهم السلام ١٥٩{ وإن ربك لهو العزيز } يعني المنيع بالنقمة لمن لم يعظم آيات اللّه تعالى { الرحيم } لمن تاب ورجع ١٦٠قوله عز وجل { كذبت قوم لوط المرسلين } يعني لوطا وغيره ١٦١{ إذ قال لهم أخوهم لوط ألا تتقون} ١٦٢{إني لكم رسول أمين} ١٦٣{فاتقوا اللّه وأطيعون} ١٦٤{وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين } وقد ذكرناه ١٦٥{أتأتون الذكران من العالمين } يعني أتجامعون الرجال من بين العالمين ١٦٦{ وتذرون } يعني وتتركون { ما خلق لكم ربكم من أزواجكم } يعني من نسائكم { بل أنتم قوم عادون } يعني معتدين من الحلال إلى الحرام ١٦٧{ قالوا لئن لم تنته يا لوط } من مقالتك { لتكونن من المخرجين } من قريتنا ١٦٨{ قال } لوط { إني لعملكم من القالين } يعني من المبغضين ويقال قليت الرجل إذا بغضته ومنه قوله { ما ودعك ربك وما قلى } [ الضحى : ٣ ] ١٦٩قوله عز وجل { رب نجني وأهلي مما يعملون } من الفواحش ١٧٠{ فنجيناه وأهله أجمعين} ١٧١{إلا عجوزا في الغابرين } يعني الباقين في العذاب يعني وامرأته ويقال إن هذا من أسماء الأضداد يقال غبر الشيء إذا مضى وغبر الشيء إذا بقي وقال بعض أهل اللغة القالي التارك للشيء الكاره له غاية الكراهة ١٧٢{ ثم دمرنا الآخرين } يعني أهلكنا الباقين ١٧٣{ وأمطرنا عليهم مطرا } يعني الحجارة { فساء مطر المنذرين } يعني بئس مطر من أنذر فلم يؤمن ١٧٤{ إن في ذلك لآية } يعني لعبرة لمن عمل الفواحش أي وارتكب الحرام { وما كان أكثرهم مؤمنين } ١٧٥{وإن ربك لهو العزيز } بالنعمة لمن إرتكب الفواحش وعمل الحرام { الرحيم } لمن تاب ١٧٦قوله عز وجل { كذب أصحاب الأيكة } قرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي { الأيكة } بكسر الهاء وبالألف وقرأ الباقون { ليكة } بغير ألف ونصب الهاء لأن ليكة إسم بلد ولا تنصرف من قرأ { الأيكة } فلأنها عرفت بالألف واللام فيصير خفضا بالإضافة وقرىء في الشاذ ليكة بكسر الهاء بغير ألف لأن الأصحاب مضاف إلى ليكة فصار إسما واحدا ويقال { الأيكة } هي الشجرة الملتفة يقال أيك وأيكة مثل أجم وأجمة ويقال شجرة الدوم وهو شجر المقل { كذب أصحاب الأيكة المرسلين } ١٧٧ثم قال عز وجل { إذ قال لهم شعي ب } ولم يقل أخوهم قال بعضهم كان شعيب بعث إلى قومين أحدهما مدين وكان شعيب منهم فسماه أخاهم حيث قال { وإلى مدين أخاهم شعيبا } [ هود : ٨٤ ] والآخر أصحاب الأيكة ولم يكن شعيب عليه السلام منهم فلم يقل أخوهم وقال بعضهم كان مدين والأيكة واحدا وهو الغيضة بقرب مدين فذكره في موضع أخوهم ولم يذكره في الآخر ١٧٨ثم قال { ألا تتقون } يعني ألا تخافون اللّه تعالى فتوحدوه { إني لكم رسول أمين} ١٧٩{فاتقوا اللّه وأطيعون} ١٨٠{وما أسألكم عليه من أجر أن أجري إلا على رب العالمين } وقد ذكرناه ١٨١ثم قال عز وجل { أوفوا الكيل } لا تنقصوها { ولا تكونوا من المخسرين } يعني من الناقصين في الكيل والوزن وفي هذا دليل على أنه أراد بهذا أهل مدين لأنه ذكر في تلك الآية { وأوفوا الكيل والميزان } [ الأنعام : ١٥٢ ] كما ذكرها هنا ١٨٢ثم قال { وزنوا بالقسطاس المستقيم } يعني بميزان العدل بلغة الروم ويقال هو القبان { ولا تبخسوا الناس أشياءهم } يعني لا تنقصوا الناس حقوقهم قرأ حمزة والكسائي وعاصم في رواية حفص { بالقسطاس } بكسر القاف وقرأ الباقون بالضم وهما لغتان ١٨٣ثم قال { ولا تعثوا في الأرض مفسدين } يعني لا تسعوا فيها بالمعاصي يقال عثا يعثو وعاث يعيث وعثى يعثي إذا ظهر الفساد ١٨٤ثم قال عز وجل { واتقوا الذي خلقكم والجبلة الأولين } يعني الخليقة الأولين ١٨٥{ قالوا إنما أنت من المسحرين} ١٨٦{وما أنت إلا بشر مثلنا } وقد ذكرناه { وإن نظنك لمن الكاذبين } يعني ما نظنك إلا من الكاذبين ١٨٧{ فأسقط علينا كسفا من السماء } أي جانبا من السماء وقرئ { كسفا } بنصب السين أي قطعا وهو جمع كسفة { إن كنت من الصادقين} ١٨٨{ قال } شعيب عليه السلام { ربي أعلم } من غيره { بما تعملون } من نقصان الكيل ١٨٩{ فكذبوه } ثانية { فأخذهم عذاب يوم الظلة } لأنه أصابهم حر شديد فخرجوا إلى الغيضة فاستظلوا بها فأرسل عليهم نارا فأحرقت الغيضة فاحترقوا كلهم { إنه كان عذاب يوم عظيم } صار العذاب نصبا لأنه خبر كان ١٩٠{ إن في ذلك لآية } يعني لعبرة لمن نقص في الكيل والوزن { وما كان أكثرهم مؤمنين } يعني قوم شعيب ١٩١{ وإن ربك لهو العزيز } بالنقمة لمن نقص الكيل والوزن { الرحيم } لمن تاب ورجع ١٩٢قوله عز وجل { وإنه لتنزيل رب العالمين } يعني القرآن ويقال إنه إشارة إلى ما ذكر في أول السورة { تلك آيات الكتاب المبين } وأنه يعني الكتاب لتنزيل رب العالمين ١٩٣{ نزل به الروح الأمين } قرأ حمزة والكسائي وإبن عامر وعاصم في رواية أبي بكر { نزل } بالتشديد وقرأ الباقون بالتخفيف فمن قرأ بالتشديد فمعناه نزل اللّه تعالى بالقرآن الروح الأمين يعني جبريل عليه السلام نصب الروح لوقوع الفعل عليه يعني أنزل اللّه تعالى جبريل بالقرآن ومن قرأ بالتخفيف فمعناه نزل جبريل عليه السلام بالقرآن فجعل الروح رفعا لأنه فاعل ١٩٤ثم قال { على قلبك } أي نزله عليك ليثبت به قلبك ويقال أي لكي يحفظ به قلبك ويقال { على قلبك } أي نزل على قدر فهمك وحفظك ويقال أي نزله عليك فوعاه قلبك وثبت فيه فلا تنساه أبدا كما قال { سنقرئك فلا تنسى } [ الأعلى : ٦ ] ويقال { على قلبك } يعني على موافقة قلبك ومرادك { لتكون من المنذرين } يعني من المخوفين بالقرآن للكفار من النار ١٩٥ثم قال عز وجل { بلسان عربي مبين } يعين يبين لهم بلغتهم ويقال بلغة قريش وهوازن وكان لسانهما أفصح قال مقاتل وذلك أنهم كانوا يقولون إنه يعلمه أبو فكيهة وكان أعجميا روميا فأخبر أن القرآن بلغة قريش ١٩٦{ وإنه لفي زبر الأولين } يعني أمر محمد صلى اللّه عليه وسلم ونعته وصفته في كتب الأولين كما قال { يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل } [ الأعراف : ١٥٧ ] والزبر الكتب واحدها زبور مثل رسل ورسول ويقال إنه يعني القرآن { لفي زبر الأولين } يعني بعضه كان في كتب الأولين ويقال نعت القرآن وخبره كان في كتب الأولين ١٩٧ثم قال عز وجل { أو لم يكن لهم آية } قرأ إبن عامر وحده { تكن } و { آية } بالضم وقرأ الباقون بالياء بلفظ التذكير { آية } بالنصب فمن قرأ بلفظ التذكير والنصب جعل { أن يعلمه } إسم كان وجعل { آية } خبر كان والمعنى أو لم يكن لهم علم علماء بني إسرائيل على جهة المعنى ومن قرأ بلفظ التأنيث والضم جعل { آية } هي الإسم { وأن يعلمه } خبر تكن ومعنى القراءتين واحد وذلك أن كفار مكة بعثوا رسولا إلى يهود المدينة وسألوهم عن بعثته فقالوا هذا زمان خروجه ونعته كذا فنزل { أو لم يكن لهم آية } يعني لكفار مكة { آية } يعني علامة { أن يعلمه علماء بني إسرائيل } يعني إن هذا علامة لهم ليؤمنوا به ١٩٨ثم قال { ولو نزلناه على بعض الأعجمين } يعني القرآن لو نزلناه بالعبرانية على رجل ليس بعربي اللسان من العبرانيين ١٩٩{ فقرأه عليهم } يعني على كفار مكة { ما كانوا به مؤمنين } يعني بالقرآن فهذا منة من اللّه تعالى حيث خاطبهم بلغتهم ليفهموه وقال القتبي في قوله { على بعض الأعجمين } يقال رجل أعجمي إذا كان في لسانه عجمة وإن كان من العرب ورجل عجمي بغير ألف إذا كان من العجم وإن كان فصيح اللسان ٢٠٠ثم قال عز وجل { كذلك سلكناه } يعني جعلنا التكذيب بالقرآن { في قلوب المجرمين } يعني المشركين مجازاة لهم أي طبع على قلوبهم وسلك فيها التكذيب ويقال جعل حلاوة الكفر في قلوبهم ٢٠١{ لا يؤمنون } يعني بالقرآن ويقال بمحمد صلى اللّه عليه وسلم { حتى يروا العذاب الأليم } في الدنيا والآخرة ٢٠٢{ فيأتيهم بغتة } يعني يأتيهم العذاب فجأة { وهم لا يشعرون } به فيتمنون الرجعة والنظرة ٢٠٣{ فيقولوا هل نحن منظرون } فلما وعدهم العذاب قالوا فأين العذاب تكذيبا به يقول اللّه تعالى ٢٠٤{ أفبعذابنا يستعجلون } يعني أبمثل عذابنا يستهزئون ٢٠٥ثم قال { أفرأيت إن متعناهم سنين } يعني سنين الدنيا كلها ويقال سنين كثيرة ٢٠٦{ ثم جاءهم ما كانوا يوعدون } من العذاب ٢٠٧قال عز وجل { ما أغنى عنهم } يعني ما ينفعهم { ما كانوا يمتعون } في الدنيا ٢٠٨ثم خوفهم فقال { وما أهلكنا من قرية } يعني من أهل قرية فيما خلا { إلا لها منذرون } يعني رسلا ينذرونهم ٢٠٩{ ذكرى } يعني العذاب تذكرة وتفكرا قال بعضهم إن { ذكرى } في موضع النصب وقال بعضهم في موضع رفع أما من قال في موضع النصب فيقول لها منذرون يذكرونهم ذكرى يعني يعظونهم عظة ومن قال إنه في موضع رفع فيقول لها منذرون هم ذكرى { وما كنا ظالمين } يعني بإهلاكنا إياهم ٢١٠ثم قال عز وجل { وما تنزلت به الشياطين } روي عن الحسن أنه قرأ { وما تنزلت به الشياطنون } شبهه بقوله كافرون ومسلمون قال أبو عبيدة وهذا وهم لأن واحدها شيطان والنون فيه أصليه أما مسلمون وكافرون فالنون فيهما زائدة في الجمع لأن واحدهما مسلم وكافر وقال بعضهم هذا غلط على الحسن لأنه كان فصيحا لا يخفى عليه وإنما الغلط من الراوي ومعنى الآية أن المشركين كانوا يقولون إن الشيطان هو الذي يقرأ عليه قال اللّه تعالى ردا لقولهم { وما تنزلت به الشياطين } ٢١١{ وما ينبغي لهم } يعني وما جاز لهم { وما يستطيعون } ذلك وقد حيل بينهم وبين السمع وقد روي عن ابن عباس أنه قال لا يستطيعون أن يحملوا القرآن ولو فعلوا ذلك لاحترقوا ٢١٢ثم قال عز وجل { إنهم عن السمع لمعزولون } يعني إنهم عن الإستماع لمحجوبون وممنوعون ٢١٣ثم قال { فلا تدع مع اللّه إلها آخر } وذلك حين دعي إلى دين آبائه فأخبره اللّه تعالى أنه لو إتخذ إلها آخر عذبه اللّه تعالى وإن كان كريما عليه كقوله { لئن أشركت ليحبطن عملك } [ الزمر : ٦٥ ] فكيف بغيره وروي في الخبر أن اللّه تعالى أوحى إلى نبي من أنبياء بني إسرائيل يقال له أرميا بأن يخبر قومه بأن يرجعوا عن المعصية فإنهم إن لم يرجعوا أهلكتهم فقال أرميا يا رب إنهم أولاد أنبيائك أولاد إبراهيم وإسحاق ويعقوب عليهم السلام أفتهلكهم بذنوبهم قال اللّه تعالى وإنما أكرمت أنبيائي لأنهم أطاعوني ولو أنهم عصوني لعذبتهم وإن كان إبراهيم خليلي ويقال { فلا تدع مع اللّه إلها آخر } الخطاب للنبي صلى اللّه عليه وسلم المراد به غيره لأنه علم أن النبي صلى اللّه عليه وسلم لا يتخذ إلها آخر ثم قال { فتكون من المعذبين } إن عبدت غيري فتكون من الهالكين ٢١٤قوله عز وجل { وأنذر عشيرتك الأقربين } يعني خوف أقرباءك بالنار لكي يؤمنوا ويثبتوا على الإيمان من كان منهم مؤمنا وروى هشام عن الحسن قال لما نزلت هذه الآية { وأنذر عشيرتك الأقربين } جمع النبي صلى اللّه عليه وسلم أهل بيته فقال لهم يا بني هاشم يا بني عبد المطلب تعلمون أني رسول اللّه إليكم وأني لا أملك لكم من اللّه شيئا لي عملي ولكم عملكم وإنما أوليائي منكم المتقون فلا أعرفن ما جاء الناس يوم القيامة بالآخرة وجئتم بالدنيا تحملونها على رقابكم وذكر السدي هكذا ثم قال ألا فاتقوا النار ولو بشق تمرة وروي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال لما نزل { وأنذر عشيرتك الأقربين } أتى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الصفا فصعد عليه ثم نادى بأعلى صوته يا صباحاه فاجتمع الناس فقال صلى اللّه عليه وسلم يا بني عبد المطلب يا بني هاشم أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلا بسفح هذا الجبل تريد أن تغير عليكم أصدقتموني قالوا نعم قال فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد فقال أبو لهب تبا لك سائر اليوم وما دعوتنا إلا لهذا فنزل { تبت يدا أبي لهب وتب } [ المسد : ١ ] ٢١٥ثم قال عز وجل { واخفض جناحك } يعني لين جانبك { لمن إتبعك من المؤمنين } يعني من المصدقين بك ٢١٦{ فإن عصوك } قال مقاتل فيها تقديم يعني الأقربين فإن خالفوك { فقل إني بريء مما تعملون } من الشرك ٢١٧ثم قال { وتوكل على العزيز الرحيم } قرأ نافع وإبن عامر { فتوكل } بالفاء لأنه متصل بالكلام الأول ودخلت الفاء للجزاء وقرأ الباقون { وتوكل } بالواو على وجه العطف { وتوكل على العزيز الرحيم } يعني ثق باللّه وفوض جميع أمورك إلى العزيز الرحيم { الذي يراك حين تقوم } في الصلاة وحدك { وتقلبك في الساجدين } يعني وحين تصلي في الجماعة وقال عكرمة { وتقلبك في الساجدين } قال في حال القيام والركوع والسجود يعني يرى قيامك وركوعك وسجودك ويراك مع المصلين ٢١٨ويقال الذي يراك حين تقوم من منامك للصلاة بالليل ويقال حين تقوم وتدعو الناس إلى شهادة أن لا إله إلا اللّه ٢١٩ويقال { وتقلبك في الساجدين } يعني تقلبك في أصلاب الآباء وأرحام الأمهات من آدم إلى نوح وإلى إبراهيم وإلى من بعده صلوات اللّه عليهم ٢٢٠قوله عز وجل { إنه هو السميع العليم } يعني بآبائهم وبأعمالهم ٢٢١قوله عز وجل { هل أنبئكم } يعني هل أخبركم { على من تنزل الشياطين } هذا موصول بقوله { وما تنزلت به الشياطين } ٢٢٢{ تنزل على كل أفاك أثيم } يعني كذاب صاحب الإثم فاجر القلب الأفاك الكذاب والأثيم الفاجر يعني به كهنة الكفار ٢٢٣{ يلقون السمع } يعني يلقون بآذانهم إلى السمع من السماء لكلام الملائكة عليهم السلام { وأكثرهم كاذبون } يعني حين يخبرون الكهنة وروى معمر عن الزهري عن عائشة رضي اللّه عنها أنها قالت الشياطين تسترق السمع فتجيء بكلمة حق فتقذفها في أذن وليها فيزيد فيها أكثر من مائة كذبة وهذا كان قبل أن يحجبوا من السماء ٢٢٤ثم قال عز وجل { والشعراء يتبعهم الغاوون } قال قتادة ومجاهد يتبعهم الشياطين وقال في رواية الكلبي الغاوون هم الرواة الذين كانوا يروون هجاء النبي صلى اللّه عليه وسلم وأصحابه ويقال { الغاوون } هم الضالون ويقال شعراء الكفار كانوا يهجون رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فيتبعهم الكفار ٢٢٥ثم قال عز وجل { ألم تر أنهم في كل واد يهيمون } يعني في كل وجه وفن يذهبون ويخوضون يأخذون مرة يذمون ومرة يمدحون وذكر عن القتبي أنه قال { في كل واد يهيمون } من القول وفي كل مذهب يذهبون كما تذهب البهائم على وجهها وقال غيره هام الرجل والبعير إذا مضى على وجهه لا يدري أن يذهب فكذلك الشاعر يأخذ كلامه لا يدري أين ينتهي قرأ نافع وحده { يتبعهم } بجزم التاء والتخفيف وقرأ الباقون { يتبعهم } بنصب التاء والتشديد وهما بمعنى واحد يتبعهم ويتبعهم ٢٢٦ثم قال { وأنهم يقولون ما لا يفعلون } يعني أن الشعراء يقولون قد فعلنا كذا وكذا وقلنا كذا فيمدحون بذلك أنفسهم وهم كذبة ثم إستثنى شعراء المسلمين حسان بن ثابت وعبد اللّه بن رواحة وكعب بن مالك رضي اللّه عنهم ٢٢٧فقال عز وجل { إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا اللّه كثيرا } يعني ذكروا اللّه في أشعارهم ويقال وذكروا اللّه عز وجل في الأحوال كلها { وانتصروا من بعد ما ظلموا } يعني إنتصر شعراء المسلمين من شعراء الكافرين فكافؤوهم والبادئ أظلم ويقال إنتصروا من أهل مكة من بعدما أخرجوا لأن الحرب تكون بالسيف وباللسان فأذن القتال بالشعر كما أذن بالسيف إذ فيه قهرهم ثم أوعد شعراء الكافرين فقال تعالى { وسيعلم الذين ظلموا } يعني الذين هجوا المسلمين { أي منقلب ينقلبون } يعني أي مرجع يرجعون إليه في الآخرة يعني إلى الخسران والنار ويقال هاتان الآيتان مدنيتان وذكر أنه لما نزل { والشعراء يتبعهم الغاوون } جاء عبد اللّه بن رواحة وحسان بن ثابت وهما يبكيان فقرأ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم { والشعراء } إلى قوله { إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات } فقال صلى اللّه عليه وسلم هذا أنتم { وانتصروا من بعد ما ظلموا } أنتم وروي عن عكرمة قال عن ابن عباس أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال إن من الشعر لحكمة وإن من الشعراء لحكماء وفي رواية أخرى إن من الشعر لحكما وإن من البيان لسحرا واللّه سبحانه وتعالى أعلم وصلى اللّه على سيدنا محمد وآله وسلم |
﴿ ٠ ﴾