سورة لقمان

مكية وهي ثلاثون وأربع آيات

١

قول اللّه تبارك وتعالى { الم}

٢

{تلك آيات الكتاب } يعني هذه آيات الكتاب يعني القرآن { الحكيم } يعني المحكم من الباطل

ويقال أحكم حلاله وحرامه

ويقال محكم لا يرد عليه التناقض { هدى } يعني بيانا من الضلالة

٣

ويقال هاديا {} من الع ورحمة ذاب { للمحسنين } الذين يحسنون العمل وهم المؤمنون لأن كل مؤمن محسن قرأ حمزة { هدى ورحمة } بضم الهاء وقرأ الباقون بالنصب فمن قرأ بالضم فعلى الإضمار ومعناه هو هدى ورحمة على معنى تلك هدى ورحمة ومن نصب فهو على الحال يعني تلك آيات الكتاب في حال الهداية والرحمة

٤

ثم نعت المحسنين فقال عز وجل { الذين يقيمون الصلاة } يعني يقرون بها ويتمونها

{ ويؤتون الزكاة } يعني يقرون بها ويؤدونها { وهم بالآخرة } يعني بالبعث الذي فيه جزاء الأعمال { هم يوقنون } بأنها كائنة

٥

 { أولئك } يعني أهل هذه الصفة { على هدى من ربهم } يعني بيان من ربهم بين لهم طريقهم ووفقهم لذلك { وأولئك هم المفلحون } يعني الفائزين بالخير

٦

قوله عز وجل { ومن الناس من يشتري لهو الحديث } يعني من الناس ناس يشترون أباطيل الحديث وهو النضر بن الحارث كان يخرج إلى أرض فارس تاجرا ويشتري هنالك من أحاديثهم ويحمل إلى مكة ويقول لهم إن محمدا يحدثكم بالأحاديث طرفا منها وأنا أحدثكم بالحديث تاما { ليضل عن سبيل اللّه } يعني يصرف الناس عن دين عز وجل

ويقال يشتري جواري مغنيات

قال أبو الليث رحمه اللّه حدثني الثقة بإسناده عن أبي أمامة رضي اللّه عنه قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ( لا يحل بيع المغنيات ولا شراؤهن ولا التجارة فيهن وأكل أثمانهن حرام ) وفيه أنزل اللّه عز وجل هذه الآية { ومن الناس من يشتري لهو الحديث }

وروى مجاهد عن ابن عباس رضي اللّه عنه في قوله { ومن الناس من يشتري لهو الحديث } قال شراء المغنية

ويقال { لهو الحديث } ههنا الشرك يعني يختار الشرك على الإيمان ليضل عن سبيل اللّه عز وجل يعني ليصرف الناس بذلك عن سبيل اللّه { بغير علم } يعني بغير حجة { ويتخذها هزوا } يعني سبيل اللّه عز وجل لأن السبيل مؤنث كقوله تعالى { قل هذه سبيلي } [ يوسف ١٠٨ ] ويقال { ويتخذها هزوا } يعني آيات القرآن التي ذكر في أول السورة استهزاء بها حيث جعلها بمنزلة حديث رستم واسفنديار وقرأ إبن كثير وأبو عمرو { ليضل } بنصب الياء وقرأ الباقون بالضم فمن قرأ بالنصب فمعناه ليضل بذلك عن سبيل اللّه يعني بترك دين الإسلام ومن قرأ بالضم يعني يصرف الناس عن دين الإسلام ويصرف نفسه أيضا وقرأ حمزة والكسائي وعاصم في رواية حفص { ويتخذها } بنصب الذال وقرأ الباقون بالضم فمن نصبها ردها على قوله { ليضل } يعني لكي يضل ولكي { يتخذها هزوا } ومن قرأ بالضم ردها على قوله { ومن الناس من يشتري لهو الحديث } { ويتخذها } وقال { أولئك لهم عذاب مهين } يهانون به

٧

قوله عز وجل { وإذا تتلى عليه آياتنا } يعني إذا قرئ عليه القرآن { ولى مستكبرا } يعني أعرض مستكبرا عن الإيمان والقرآن { كأن لم يسمعها } يعني كأن لم يسمع ما في القرآن من الدلائل والعجائب { كأن في أذنيه وقرأ } أي ثقلا فلا يسمع القرآن يعني يتصامم { فبشره بعذاب أليم }فلما ذكر عقوبة الكافر ذكر على أثر ذلك ثواب المؤمنين

٨

فقال { إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات } الطاعات فيما بينهم وبين ربهم { لهم جنات النعيم } في الآخرة

٩

{ خالدين } يعني دائمين { فيها وعد اللّه حقا } أوجبه اللّه عز وجل لأهل هذه الصفة { وهو العزيز } في ملكه { الحكيم } حكم بالعذاب للكافرين والنعيم للمؤمنين

١٠

ثم بين علامة وحدانيته فقال عز وجل { خلق السموات بغير عمد ترونها } أي خلقها بغير عمد ترونها بأعينكم

ويقال معناه { بغير عمد ترونها } أنتم يعني لها عمد ولكن لا ترونها والعمد جماعة العماد

ثم قال { وألقى في الأرض رواسي } يعني الجبال الثوابت { أن تميد بكم } يعني لكيلا تزول بكم الأرض

ثم قال { وبث فيها } يعني وخلق فيها في الأرض ويقال وبسط فيها { من كل دابة وأنزلنا من السماء ماء فأنبتنا فيها من كل زوج كريم } وقد ذكرناه

١١

قوله عز وجل { هذا خلق اللّه } يقول هذا الذي خلقت أنا { فأروني ماذا خلق الذين من دونه } يعني الذين تدعونه إلها من دون اللّه يعني الأصنام

ويقال { هذا خلق اللّه } يعني مخلوق اللّه ويقال هذا صنع اللّه

ثم قال { بل الظالمون } يعني الكافرون { في ضلال مبين } يعني في خطأ بين لا يعتبرون ولا يتفكرون فيما خلق اللّه عز وجل فيعبدونه ويقال { في ضلال مبين } يعني في خسران بين

١٢

قوله عز وجل { ولقد آتينا لقمان الحكمة } وقال مجاهد يعني أعطينا لقمان العقل والفقه والإصابة في غير نبوة

ويقال أيضا الحكمة والعقل والإصابة في القول

وروي عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه قال ( ما زهد عبد في الدنيا إلا أثبت اللّه تعالى الحكمة في قلبه وأنطق بها لسانه وبصره عيوب الدنيا وعيوب نفسه وإذا رأيتم أخاكم قد زهد في الدنيا فاقتربوا إليه فاستمعوا منه فإنه يلقى الحكمة )

وقال السدي { ولقد آتينا لقمان الحكمة } النبوة

وعن عكرمة قال كان لقمان نبيا وعن وهب بن مبنه قال كان لقمان رجلا حكيما ولم يكن نبيا

وروي عن ابن عباس قال كان لقمان عبدا حبشيا ويقال إن أول ما ظهرت حكمته أن مولاه قال له يوما اذبح لنا هذه الشاة فذبحها

ثم قال أخرج منها أطيب مضغتين فيها فأخرج اللسان والقلب ثم مكث ما شاء اللّه

ثم قال له اذبح لنا هذه الشاة فذبحها فقال أخرج لنا أخبث مضغتين فيها فأخرج اللسان والقلب فسأله عن ذلك فقال لقمان إنه ليس شيء أطيب منهما إذا طابا ولا أخبث منهما إذا خبثا وذكر عن وهب بن منبه أن لقمان خير بين النبوة والحكمة فاختار الحكمة

فقال فبينما كان يعظ الناس يوما وهم مجتمعون عليه إذ مر به عظيم من عظماء بني إسرائيل

فقال ما هذه الجماعة فقيل له جماعة اجتمعت على لقمان الحكيم فأقبل إليه فقال له ألست عبد بني فلان فقال نعم

فقال فما الذي بلغ بك ما أرى فقال صدق الحديث وأداء الأمانة وتركي ما لا يعنيني فانصرف عنه متعجبا وتركه

ثم قال { أن اشكر للّه } يعني جعلتك حكيما من حكماء اللّه { أن أشكر للّه } تعالى ويقال معناه { ولقد آتينا لقمان الحكمة } وقلنا له اشكر للّه بما أعطاك من الحكمة { ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه } يعني ثواب الشكر لنفسه { ومن كفر } جحد فلا يوحد ربه { فإن اللّه غني } عن خلقه وعن شكرهم { حميد } في فعاله

١٣

قوله عز وجل { وإذ قال لقمان لابنه } قال مقاتل كان اسم ابنه أنعم { وهو يعظه } ويقال معناه قال لابنه واعظا { يا بني لا تشرك باللّه إن الشرك لظلم عظيم } يعني ذنب عظيم لا يغفر أبدا وكان ابنه وامرأته كافرين فما زال بهما حتى أسلما

وقال مقاتل زعموا أنه كان ابن خالة أيوب وذكر القاسم بن عباد بإسناده عن عبد اللّه بن دينار أن لقمان قدم من سفر فلقيه غلامه قال ما فعل أبي قال قد مات

فقال ملكت أمري قال وما فعلت أمي قال قد ماتت قال ذهب همي قال فما فعلت أختي قال قد ماتت قال سترت عورتي قال فما فعلت امرأتي قال قد ماتت فقال جدد فراشي قال فما فعل أخي قال مات قال انقطع ظهري وفي رواية أخرى قال ما فعل أخي قال مات فقال انكسر جناحي

ثم قال فما فعل ابني قال مات فقال انصدع قلبي وقال وهب بن منبه كان لقمان عبدا حبشيا لرجل من بني إسرائيل في زمن داود عليه السلام فأعتقه وكان حبشيا أسود غليظ الشفتين والمنخرين غليظ العضدين والساقين وكان رجلا صالحا أبيض القلب وليس يصطفي اللّه عز وجل عباده على الحسن والجمال وإنما يصطفيهم على ما يعلم من غائب أمرهم قرأ عامر في رواية حفص وإبن كثير في إحدى الروايتين { يا بني } بالنصب وقرأ الباقون بالكسر وقد ذكرناه

١٤

قوله عز وجل { ووصينا الإنسان } فكأنه يقول آمركم بما أمر به لقمان لابنه بأن لا تشركوا باللّه شيئا وآمركم بأن تحسنوا إلى الوالدين فذلك قوله عز وجل { ووصينا الإنسان } يعني أمرناه بالإحسان { بوالديه } بعني أن يبر والديه ثم ذكر حق الأم وما لقيت من أمر الولد من الشدة فقال { حملته أمه وهنا على وهن } يعني ضعفا على ضعف لأن الحمل في الابتداء أيسر عليها فكلما ازداد الحمل يزيدها ضعفا على ضعف { وفصاله في عامين } يعني فطامه بعد سنتين من وقت الولادة { أن اشكر لي ولوالديك } يعني وصيناه وأمرناه بأن اشكر لي بما هديتك للإسلام واشكر لوالديك بما فعلا إليك ثم قال { إلي المصير } فأجازيك بعملك

١٥

ثم قال عز وجل { وإن جاهداك } يعني وإن قاتلاك يعني أن حرمة الوالدين وإن كانت عظيمة فلا يجوز للولد أن يطيعهما في المعصية

فقال { وإن جاهداك } يعني وإن قاتلاك

ويقال وإن أراداك { على أن تشرك بي ما ليس لك به علم } يعني ما ليس لك به حجة بأن معي شريكا { فلا تطعمها } في الشرك { وصاحبهما في الدنيا معروفا } يعني عاشرهما في الدنيا معروفا بالإحسان وإنما سمي الإحسان معروفا لأنه يعرفه كل واحد

وروي عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال ( حسن المصاحبة أن يطعمهما إذا جاعا وأن يكسوهما إذا عريا )

ثم قال { واتبع سبيل من أناب إلي } يعني اتبع دين من أقبل إلي بالطاعة

{ ثم إلي مرجعكم } في الآخرة

وقال بعضهم إنما يتم الكلام عند قوله { واتبع سبيل من أناب إلي } يعني دين من أقبل علي الطاعة

ثم استأنف الكلام فقال { ثم إلي مرجعكم } تكرارا على وجه التأكيد { فأنبئكم بما كنتم تعلمون } يعني فأجازيكم بها

١٦

ثم رجع إلى حديث لقمان فقال { يا بني إنها إن تك } قال مقاتل وذلك أن ابن لقمان قال لأبيه يا أبتاه إن عملت بالخطيئة حيث لا يراني أحد فكيف يعلمها اللّه سبحانه وتعالى فرد عليه لقمان وقال { يا بني إنها إن تك } يعني الخطيئة { إن تك } { مثقال حبة من خردل } يعني وزن خردلة { فتكن في صخرة } أي الصخرة التي هي أسفل الأرضين

وقال بعضهم أراد بها كل صخرة لأنه قال بلفظ النكرة يعني ما في جوف الصخرة الصماء

وقال مقاتل هي الصخرة التي في أسفل الأرض وهي خضراء مجوفة

ثم قال { أو في السموات أو في الأرض يأت بها اللّه } يعني يجازي بها

ويقال { يأت بها اللّه } عند الميزان فيجازيه بها

ويقال هذا مثل لأعمال العباد { يأت بها اللّه } يعني يعطيه ثوابها عز وجل كقوله عز وجل { فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره } [ الزلزلة٧ ] يعني يرى ثوابه قرأ نافع { مثقال } بضم اللام وقرأ الباقون بالنصب فمن قرأه بالضم جعله اسم يكن ومن قرأ بالنصب جعله خبرا والاسم فيه مضمر ومعناه إن تكن صغيرة قدر مثقال حبة وإنما قال { إن تك } بلفظ التأنيث لأن المثقال أضيف إلى الحبة فكان المعنى للحبة

وقيل أراد به الخطيئة ومن قرأ بالضم جعله اسم تكن

ثم قال { إن اللّه لطيف خبير } يعني { لطيف } باستخراج تلك الحبة { خبير } بمكانها

وقال أهل اللغة اللطيف في اللغة يعبر به عن أشياء يقال للشيء الرقيق وللشيء الحسن لطيف وللشيء الصغير لطيف

ويقال للمشفق لطيف

١٧

ثم قال عز وجل { يا بني أقم الصلاة } يعني أتم الصلاة { وأمر بالمعروف } يعني التوحيد

ويقال أظهر العدل { وانه عن المنكر } وهو كل ما لا يعرف في شريعة ولا سنة ولا معروف في العقل

ثم قال { واصبر على ما أصابك } يعني إذا أمرت بالمعروف أو نهيت عن المنكر فأصابك من ذلك ذل أو هوان أو شدة فاصبر على ذلك ف { إن ذلك من عزم الأمور } يعني من حق الأمور

ويقال من واجب الأمور وصارت هذه الآية بيانا لهذه الأمة وإذنا لهم أن من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر ينبغي أن يصبر على ما يصيبه في ذلك إذا كان أمره ونهيه لوجه اللّه عز وجل لأنه قد أصابه ذلك في ذات اللّه عز وجل

١٨

ثم قال تعالى { ولا تصعر خدك للناس } قرأ إبن كثير وابن عامر وعاصم { ولا تصعر } بالتشديد بغير ألف وقرأ الباقون { ولا تصاعر } بالألف والتخفيف وهما لغتان ومعناهما واحد يقال صعر خده وصاعره ومعناهما الإعراض على جهة الكبر يعني لا تعرض بوجهك عن الناس متكبرا

وقال مقاتل لا تعرض وجهك عن فقراء المسلمين وهكذا قال الكلبي وقال العتبي أصله الميل ويقال رجل أصعر إذا كان به داء فيميل رأسه وعنقه من ذلك إلى أحد الجانبين

ويقال معناه لا تكلم أحدا وأنت معرض عنه فإن ذلك من الجفاء والإذاء

١٩

ثم قال { ولا تمش في الأرض مرحا } يعني لا تمشي بالخيلاء والمرح والبطر والأشر كله واحد وهو أن يعظم نفسه في النعم { إن اللّه لا يحب كل مختال فخور } يعني مختالا في مشيته فخورا في نعم اللّه عز وجل

ثم قال عز وجل { واقصد في مشيك } يعني تواضع للّه تعالى في المشي ولا تختل في مشيتك

ويقال أسرع في مشيك لأن الإبطاء في المشي يكون من الخيلاء

{ واغضض من صوتك } يعني اخفض كلامك و { من } صلة في الكلام اخفض كلامك ولا تكن سفيها ثم ضرب للصوت الرفيع مثلا فقال { إن أنكر الأصوات } يعني أقبح الأصوات { لصوت الحمير } لشدة أصواتها وإنما ذكر صوت الحمير لأن صوت الحمار كان هو المعروف عند العرب وسائر الناس بالقبح وإن كان قد يكون ما سواه أقبح منه في بعض الحيوان وإنما ضرب اللّه المثل بما هو المعروف عند الناس

٢٠

قوله عز وجل { ألم تروا أن اللّه سخر لكم } يعني قل يا محمد لأهل مكة { ألم تروا أن اللّه } ذلل لكم { ما في السموات وما في الأرض } كل ذلك من اللّه تعالى يعني ومن قدرة اللّه ورحمته وحده لا شريك له { وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة } فالظاهرة التي يراها الناس والباطنة ما غاب عن الناس

ويقال النعم الظاهرة شهادة أن لا إله إلا اللّه وأما الباطنة فالمعروفة بالقلب

وقال مقاتل { ظاهرة } تسوية الخلق والرزق و { باطنة } تستر عن العيون وعن ابن عباس قال سألت النبي صلى اللّه عليه وسلم عن قوله { وأسبغ عليكم نعمة ظاهرة وباطنة } فقال ( الظاهرة الإسلام والباطنة ما ستر سوأتك ) قرأ نافع وأبو عمرو وعاصم في رواية حفص { نعمه } بنصب العين والميم وضم الهاء وقرأ الباقون { نعمه } بجزم العين ونصب الهاء والميم فمن قرأ { نعمه } بالجزم فهي نعمة واحدة وهي ما أعطاه اللّه من توحيده ومن قرأ { نعمه } فهو على معنى جميع ما أنعم اللّه عز وجل عليهم

ثم قال { ومن الناس من يجادل في اللّه } يعني يخاصم في دين اللّه عز وجل { بغير علم } يعني بغير حجة وهو النضر بن الحارث { ولا هدى } بغير بيان من اللّه عز وجل { ولا كتاب منير } يعني مضيئا فيه حجة

٢١

قوله عز وجل { وإذا قيل لهم } يعني لكفار مكة { اتبعوا ما أنزل اللّه } على نبيه من القرآن فآمنوا به وأحلو حلاله وحرموا حرامه { قالوا بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا } يقول اللّه عز وجل { أو لو كان الشيطان } يعني أو ليس الشيطان { يدعوهم إلى عذاب السعير } يعني يدعوهم إلى تقليد آبائهم بغير حجة فيصيروا إلى عذاب السعير

٢٢

 قوله عز وجل { ومن يسلم وجهه إلى اللّه } أي يخلص دينه

ويقال يخلص عمله للّه { وهو محسن } يعني موحد

ويقال ذكر الوجه وأراد به هو يعني ومن أخلص نفسه للّه عز وجل بالتوحيد وبأعمال نفسه وهو محسن في عمله قرأ عبد الرحمن السلمي { ومن يسلم } بنصب السين وتشديد اللام من سلم يسلم وقراءة العامة { ومن يسلم } بجزم السين وتخفيف اللام من سلم يسلم { فقد استمسك بالعروة الوثقى } يعني قد أخذ بالثقة { وإلى اللّه عاقبة الأمور } يعني إليه مرجع وعواقب الأمور

ويقال مصير العباد إليه فيجازيهم بأعمالهم .

قوله عز وجل { ومن كفر فلا يحزنك كفره } وذلك أنهم لما كذبوا بالقرآن وقالوا إنه يقول من تلقاء نفسه شق ذلك على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم

٢٣

فنزل { ومن كفر } بالقرآن { فلا يحزنك كفره } { إلينا مرجعهم } يعني إلينا مصيرهم { فننبئهم بما عملوا } يعني يجازيهم بجحودهم { إن اللّه عليم بذات الصدور } بما في قلبك من الحزن مما قالوا وقال الكلبي { إن اللّه عليم بذات الصدور } من خير أو شر

٢٤

ثم قال عز وجل { نمتعهم قليلا } يعني يسيرا في الدنيا فكل ما هو فان فهو قليل { ثم نضطرهم } يعني نلجئهم { إلى عذاب غليظ } يعني شديد لا يفتر عنهم

٢٥

قوله عز وجل { ولئن سألتهم } يعني الكفار { من خلق السموات والأرض ليقولون اللّه قل الحمد للّه } على إقراركم { بل أكثرهم } يعني الكفار { لا يعلمون } يعني لا يصدقون

٢٦

ثم قال عز وجل { للّه ما في السموات والأرض } من الخلق { إن اللّه هو الغني } عن عبادة خلقه { الحميد } في فعاله

ويقال حميد أي محمود يعني يحمد ويشكر

٢٧

قوله عز وجل { ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام } الآية

قال قتادة ذلك أن المشركين قالوا هذا كلام يوشك أن ينفد وينقطع فنزل قوله تعالى { ولو أن ما في الأرض } الآية قال ابن عباس في رواية أبي صالح إن اليهود أعداء اللّه سألوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن الروح فنزل { قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلى قليلا } [ الإسراء ٨٥ ] قالوا كيف تقول هذا وأنت تزعم أن من أوتي الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا فكيف يجتمع علم قليل وخير كثير فنزل

{ ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام } يقول لو أن تبرى الشجر وتجعل أقلاما

{ والبحر يمده من بعده سبعة أبحر } تكون كلها مدادا يكتب بها علم اللّه عز وجل لانكسرت الأقلام ولنفد المداد ولم ينفد علم اللّه تعالى فما أعطاكم اللّه من العلم قليل فيما عنده من العلم قرأ أبو عمرو { والبحر يمده } بنصب الراء وقرأ الباقون بالضم فمن قرأ بالنصب نصبه لأن معناه ولو أن ما في الأرض ولو أن البحر يمده ومن قرأ بالضم فهو على الاستئناف

{ والبحر يمده } يعني أمد إلى كل بحر مثله ما نفدت

{ ما نفدت كلمات اللّه } يعني علمه وعجائبه

ويقال معاني كلمات اللّه لأن لكل آية ولكل كلمة من المعاني ما لا يدرك ولا يحصى

ويقال { ما نفدت كلمات اللّه } لأن كلمات اللّه لا تدرك ما تكلم به في الأزل

ثم قال { إن اللّه عزيز } بالنقمة على الكافر { حكيم } حكم أنه ليس لعلمه غاية وأن العلم للخلق غاية

٢٨

ثم قال عز وجل { ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة } قال مقاتل نزلت في أبي بن خلف وابني أسد منبه ونبيه كلاهما ابني أسد قالوا إن اللّه عز وجل خلقنا أطوارا نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم يقول إنه نبعث في ساعة واحدة فقال اللّه عز وجل { ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة } أيها الناس جميعا يقال ههنا مضمر فكأنه يقول إلا كخلق نفس واحدة وكبعث نفس واحدة

ويقال معناه قدرته على بعث الخلق أجمعين وعلى خلق الخلق أجمعين كقدرته على خلق نفس واحدة

ويقال { إلا كنفس واحدة } أي إلا كخلق آدم عليه السلام

ثم قال { إن اللّه سميع } لمقالتهم { بصير } بهم

٢٩

قوله عز وجل { ألم تر أن اللّه يولج الليل في النهار } يعني انتقاص كل واحد منها بصاحبه

ويقال يدخل الليل في النهار والنهار في الليل { وسخر الشمس والقمر } يعني وذللّه ما لبني آدم { كل يجري لأجل مسمى } يعني يجريان في السماء إلى يوم القيامة وهو الأجل المسمى

ويقال يجري كل واحد منهما إلى أجله في الغروب حتى ينتهى إلى وقت نهايته { وأن اللّه بما تعملون خبير }روي عن أبي عمرو في إحدى الروايتين أنه قرأ { يعملون } بالياء بلفظ المغايبة وقرأ الباقون بالتاء على معنى المخاطبة

٣٠

ثم قال عز وجل { ذلك } يعني هذا الذي ذكر من صنع اللّه عز وجل في النهار والليل والشمس والقمر { بأن اللّه هو الحق } يعني ليعلموا أن اللّه هو الحق وأن عبادته هي الحق { وأن ما يدعون من دونه الباطل } يعني أن ما تدعون من دون اللّه عز وجل من الآلهة لا يقدرون على شيء من ذلك يعني لا تنفعك عبادتها قرأ حمزة والكسائي وأبو عمرو وعاصم في رواية حفص { وأن ما يدعون } بالياء على معنى الخبر وقرأ الباقون بالتاء على معنى المخاطبة لهم ثم عظم نفسه فقال تعالى { وأن اللّه هو العلي الكبير } يعني ليعلموا أن اللّه هو الرفيع الكبير يعني العظيم وهو الذي يعظم ويحمد

٣١

ثم بين قدرته فقال عز وجل { ألم تر أن الفلك } يعني السفن { تجري في البحر بنعمة اللّه } أي برحمة اللّه لمنفعة الخلق { ليريكم من آياته } يعني من علامات وحدانيته

ويقال من عجائبه { إن في ذلك } يعني إن الذي ترون في البحر { لآيات } يعني لعبرات { لكل صبار } على أمر اللّه عز وجل عند البلاء

ويقال الذي يصبر في الأحوال كلها { شكورا } للّه عز وجل في نعمه

ويقال { لكل صبار شكور } يعني لكل مؤمن موحد وإنما وصفه بأفضل خصلتين في المؤمن لأن أفضل خصال المؤمن الصبر والشكر والصبار هو للمبالغة في الصبر والشكور على ميزان فعول هو للمبالغة في الشكر

وروي عن قتادة أنه قال إن أحب العباد إلى اللّه عز وجل من إذا أعطي شكر وإذا ابتلي صبر

فأعلم اللّه عز وجل أن المتفكر المعتبر في خلق السموات والأرض هو الصبار والشكور

٣٢

قوله عز وجل { وإذا غشيهم موج كالظلل } يعني أتاهم موج كما يقال من غشي سدد السلطان يجلس ويقم

ويقال علاهم

ويقال غطاهم موج كالظلل يعني كالسحاب

ويقال كالجبال وهو جمع ظلة يعني يأتيهم الموج بعضه فوق بعض وله سواد لكثرته

{ دعوا اللّه مخلصين له الدين } يعني أخلصوا له بالدعوة { فلما نجاهم إلى البر } يعني إلى القرار { فمنهم مقتصد } يعني فمنهم من يؤمن ومنهم من يكفر ولا يؤمن .

ثم ذكر المشرك الذي ينقض العهد فقال { وما يجحد بآياتنا } يعني لا يترك العهد { إلا كل ختار كفور } يعني غدار بالعهد

{ كفور } للّه عز وجل في نعمه وقال القتبي الختر أقبح الغدر { كفور } على ميزان فعول وإنما يذكر هذا اللفظ إذا صار عادة له كما يقال ظلوم وقد ذكر الكافر بأقبح خصلتين فيه كما ذكر المؤمن بأحسن خصلتين فيه وهو قوله { صبار شكور }

٣٣

قوله عز وجل { يا أيها الناس اتقوا ربكم } يعني وحدوه وأطيعوه { واخشوا } يعني واخشوا عذاب يوم { يوما لا يجزي والد عن ولده } يعني ولا ينفع والد عن ولده

ويقال لا يقضي والد عن ولده ما عليه { ولا مولود } يعني ولا الولد { هو جاز عن والده شيئا } يعني لا يقدر الولد أن ينفع والده شيئا وهذا في الكفار خاصة

وأما المؤمن فإنه ينفع كما قال في آية أخرى { ألحقنا بهم ذريتهم } [ الطور٢١ ]

ثم قال { إن وعد اللّه حق } يعني البعث بعد الموت كائن لا خلف فيه { فلا تغرنكم الحياة الدنيا } يعني لا يغرنكم ما في الدنيا من زينتها وزهرتها فتركنوا إليها وتطمئنوا بها وتتركوا الآخرة والعمل لها { ولا يغرنكم باللّه الغرور } يعني لا يغرنكم الشيطان عن طاعة اللّه عز وجل

ويقال كل مضل هو الشيطان

وقال أهل اللغة { الغرور } بنصب الغين هو الشيطان وبالضم أباطيل الدنيا

٣٤

قوله عز وجل { إن اللّه عنده علم الساعة } قال مقاتل نزلت في رجل يقال له الوليد بن عمرو من أهل البادية أتى النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال إن أرضنا أجدبت فمتى ينزل الغيث وتركت امرأتي حبلى فماذا تلد وقد علمت أين ولدت فبأي أرض أموت وقد علمت ما عملت اليوم فماذا أنا عامل غدا ومتى الساعة فنزل { إن اللّه عنده علم الساعة } يعني علم القيامة لا يعلمه غيره { وينزل الغيث } يعني وهو الذي ينزل الغيث متى شاء { ويعلم ما في الأرحام } من ذكر وأنثى { وما تدري نفس ماذا تكسب غدا } أي ماذا تعمل غدا { وما تدري نفس بأي أرض تموت } في سهل أو جبل

وروي عن ابن عمر عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال ( مفاتيح الغيب خمس لا يعلمها إلا اللّه فقرأ { إن اللّه عنده علم الساعة } ) الآية

وقال ابن عباس كل شيء أوتي نبيكم إلا مفاتيح الغيب الخمس { إن اللّه عنده علم الساعة } إلى آخر السورة

وقالت عائشة رضي اللّه عنها ( من حدثكم بأنه يعلم ما في غد فقد كذب ) ثم قرأت { وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت } يعني بأي مكان تموت وبأي قدم تؤخذ وبأي نفس ينقضي أجله

وروى شهر بن حوشب قال دخل ملك الموت على سليمان بن داود عليهما السلام فقال رجل من جلسائه لسليمان من هذا فقال هو ملك الموت

فقال لقد رأيته ينظر إلي كأنه يريدني فأريد أن تحملني على الريح حتى تلقيني بالهند ففعل ثم أتى ملك الموت إلى سليمان فسأله عن نظره ذلك فقال إني كنت أعجب أني كنت أمرت أن أقبض روحه في آخر النهار بالهند وهو عندك

ثم قال تعالى { إن اللّه عليم خبير } يعني بهذه الأشياء التي ذكرها

﴿ ٠