سورة السجدة

مكية وهي ثلاثون وتسع آيات

١

قوله تبارك وتعالى { آلم }

٢

{تنزيل الكتاب } يعني المنزل من اللّه عز وجل القرآن على معنى التقديم يعني أن هذا الكتاب تنزيل من اللّه عز وجل و { الكتاب } هو التنزيل

ويقال معناه نزل به جبريل عليه السلام بهذا التنزيل { الكتاب } يعني القرآن { لا ريب فيه } يعني لا شك فيه أنه { من رب العالمين }فلما نزله جبريل عليه السلام جحده قريش وقالوا إنما يقوله من تلقاء نفسه

٣

فنزل { أم يقولون افتراه } يعني أيقولون اختلقه من ذات نفسه

وقال أهل اللغة فرى يفري إذا قطعه للإصلاح وأفرى يفري إذا قطعه للاستهلاك فأكذبهم اللّه عز وجل فقال { بل هو الحق من ربك } يعني القرآن ولو لم يكن من اللّه عز وجل لم يكن حقا وكان باطلا

ويقال { بل هو الحق من ربك } يعني نزل من عند ربك { لتنذر قوما } يعني كفار قريش { ما أتاهم من نذير من قبلك } يعني لم يأتهم في عصرك ولكن أتاهم من قبل لأن الأنبياء المتقدمين عليهم السلام كانوا إلى جميع الناس

ويقال معناه لم يشاهدوا نذيرا قبلك وإنما الإنذار قد كان سبق لأنه قال { وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا } [ الإسراء ١٥ ] وقد سبق الرسل

ويقال { ما آتاهم من نذير من قبلك } يعني من قومهم من قريش

ثم قال { لعلهم يهتدون } يعني يهتدون من الضلالة وأصل الإنذار هو الإعلام يقال أنذر العدو إذا أعلمه

٤

ثم دل على نفسه بصنعه فقال عز وجل { اللّه الذي خلق السموات والأرض وما بينهما } من السحاب والرياح وغيره { في ستة أيام } ولو شاء خلقها في ساعة واحدة لفعل ولكنه خلقها في ستة أيام ليدل على التأني

ويقال خلقها في ستة أيام لتكون الأيام أصلا عند الناس { ثم استوى على العرش } فيها تقديم يعني خلق العرش قبل السموات

ويقال علا فوق العرش من غير أن يوصف بالاستقرار على العرش ويقال استوى أمره على بريته فوق عرشه كما استوى أمره وسلطانه وعظمته دون عرشه وسمائه ( ما لكم من دونه من ولي ) يعني من قريب ينفعكم في الآخرة

{ ولا شفيع } من الملائكة { أفلا تتذكرون } يعني أفلا تتعظون فيما ذكره من صفته فتوحدونه

٥

ثم قال عز وجل { يدبر الأمر } يقول يقضي القضاء { من السماء إلى الأرض } يعني يبعث الملائكة من السماء بالقضاء إلى الأرض { ثم يعرج إليه } يعني يصعد إليه

قال أبو الليث رحمه اللّه حدثنا عمرو بن محمد بإسناده عن الأعمش عن عمرو بن مرة عن عبد الرحمن بن سابط

قال يدبر أمر الدنيا أربعة جبرائيل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل

 أما جبرائيل فموكل بالرياح والجنود

وأما ميكائيل فموكل بالنبات والقطر

وأما ملك الموت فموكل بقبض الأرواح

وأما إسرافيل فهو ينزل بالأمور عليهم فذلك قوله عز وجل { يدبر الأمر من السماء إلى الأرض }

ثم قال { ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره } يعني في يوم واحد من أيام الدنيا كان مقدار ذلك اليوم { ألف سنة مما تعدون } أنتم

وقال القتبي معناه يقضي في السماء وينزله مع الملائكة إلى الأرض فتوقعه الملائكة عليهم السلام في الأرض

{ ثم يعرج إلى السماء } فيكون نزولها ورجوعها في يوم واحد مقدار المسير على قدر سيرنا { ألف سنة } لأن بعد ما بين السماء والأرض خمسمائة عام فيكون نزوله وصعوده ألف سنة في يوم واحد

وروى جويبر عن الضحاك { في يوم كان مقداره ألف سنة } قال يصعد الملك إلى السماء مسيرة خمسمائة عام ويهبط مسيرة خمسمائة عام في كل يوم من أيامكم وهو مسيرة ألف سنة

٦

ثم قال عز وجل { ذلك عالم الغيب } يعني ذلك الذي يفعل هذا هو { عالم الغيب والشهادة } يعني ما غاب من العباد وما شاهدوه

ويقال عالم بما كان وبما يكون

ويقال عالم السر والعلانية

ويقال عالم بأمر الآخرة وأمر الدنيا { العزيز } في ملكه { الرحيم } بخلقه

٧

قوله عز وجل { الذي أحسن كل شيء خلقه } قرأ إبن كثير وأبو عمرو وابن عامر { خلقه } بجزم اللام وقرأ الباقون بالنصب فمن قرأ بالجزم فمعناه الذي أحسن كل شيء

وروي عن عكرمة عن ابن عباس أنه قال الإنسان في خلقه حسن والخنزير في خلقه حسن وكل شيء في خلقه حسن

ومن قرأ بالنصب فعلى فعل الماضي يعني خلق كل شيء على إرادته وخلق الإنسان في أحسن تقويم

ويقال الذي علم خلق كل شيء خلقه يعني علم كيف خلق

ويقال هل تحسن شيئا يعني تعلم ومعناه الذي علم خلق كل شيء خلقه

ويقال الحسن عبارة عن الزينة يعني الذي زين كل شيء خلقه وأتقنه كما قال { صنع اللّه الذي أتقن كل شيء } [ النمل ٨٨ ]

ثم قال { وبدأ خلق الإنسان من طين } يعني خلق آدم عليه السلام من طين من أديم الأرض

٨

 { ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين } يعني خلق ذريته من سلالة من النطفة التي تنسل من الإنسان وقال أهل اللغة كل شيء على ميزان فعالة فهو ما فضل من شيء يقال نشارة ونخالة

٩

ثم رجع إلى آدم عليه السلام فقال عز وجل { ثم سواه } يعني سوى خلقه { ونفخ فيه من روحه }ثم رجع إلى ذريته فقال { وجعل لكم السمع والأبصار } ويقال هذا كله في صفة الذرية يعني ثم { جعل نسله من سلالة من ماء مهين } يعني من نطفة ضعيفة { ثم سواه } يعني جمع خلقه في رحم أمه { ونفخ فيه من روحه } يعني جعل فيه الروح بأمره { وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة }

ثم قال { قليلا ما تشكرون } يعني لا تشكرون رب هذه النعم على حسن خلقكم فتوحدوه فلا تستعملوا سمعكم وأفئدتكم إلا في طاعتي

ويقال { ما } ههنا صلة فكأنه يقول تشكرونه قليلا

ويقال { ما } بمعنى الذي فكأنه قال فقليل الذي تشكرون وقد يكون الكلام بعضه بلفظ المغايبة وبعضه بلفظ المخاطبة كما قال ها هنا { ثم جعل نسله } { ثم سواه ونفخ فيه من روحه } بلفظ المغايبة

ثم قال { وجعل لكم } بلفظ المخاطبة

١٠

ثم قال عز وجل { وقالوا أئذا ضللنا في الأرض } يعني هلكنا وصرنا ترابا { أئنا لفي خلق جديد } يعني أنبعث بعد الموت وأصله ضل الماء في اللبن إذا غاب وهلك

وروي عن الحسن البصري رحمه اللّه أنه قرأ { أئذا صللنا } بالصاد وتفسيره النتن يقال صل اللحم إذا أنتن وقراءة العامة بالضاد المعجمة أي هلكنا وقرأ ابن عامر { وقالوا إذا ضللنا } بغير استفهام { أئنا لفي خلق جديد } على وجه الاستفهام قال لأنهم كانوا يقرون بالموت ويشاهدونه وإنما أنكروا البعث ويكون الاستفهام في البعث دون الموت

ثم قال عز وجل { بل هم بلقاء ربهم كافرون } يعني بالبعث جاحدون فلا يؤمنون به

١١

قوله عز وجل { قل يتوفاكم } يعني يقبض أرواحكم { ملك الموت } واسمه عزرائيل

وروي في الخبر أن له وجوها أربعة فوجه من نار يقبض به أرواح الكفار ووجه من ظلمة يقبض به أرواح المنافقين ووجه من لحم يقبض به أرواح المؤمنين ووجه من نور يقبض به أرواح الأنبياء والصديقين عليهم

وروى جابر بن زيد أن ملك الموت كان يقبض الأرواح بغير وجه فأقبل الناس يسبونه ويلعنونهفشكى إلى ربه عز وجل فوضع اللّه عز وجل الأمراض والأوجاع فقالوا مات فلان بكذا وكذا { الذي وكل بكم ثم إلى ربكم ترجعون } بعد الموت أحياء فيجازيكم بأعمالكم

١٢

ثم قال عز وجل { ولو ترى إذ المجرمون } يعني المشركين { ناكسو رؤوسهم عند ربهم } استحياء من ربهم بأعمالهم يقولون { ربنا أبصرنا } الهدى { وسمعنا } الإيمان

ويقال { أبصرنا } يوم القيامة بالمعاينة { وسمعنا } يعني أيقنوا حين لم ينفعهم يقينهم { فارجعنا } إلى الدنيا { نعمل صالحا إنا موقنون } يعني أيقنا بالقيامة

ويقال { إنا موقنون } يعني قد آمنا ولكن لا ينفعهم وقد حذف الجواب لأن في الكلام دليلا ومعناه ولو ترى يا محمد ذلك لرأيت ما تعتبر به غاية الاعتبار

١٣

يقول اللّه تعالى { ولو شئنا لأتينا } يعني لأعطينا { كل نفس هداها ولكن حق القول مني } يعني وجب العذاب مني

ويقال ولكن سبق القول بالعذاب وهو قوله { لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين } من كفار الإنس ومن كفار الجن أجمعين

١٤

فتقول لهم الخزنة { فذوقوا بما نسيتم } يعني ذوقوا العذاب بما تركتم { لقاء يومكم هذا } يعني تركتم العمل بحضور يومكم هذا قال القتبي النسيان ضد الحفظ والنسيان الترك

فقوله { فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا } أي تركتم الإيمان بلقاء هذا اليوم { إنا نسيناكم } يعني تركناكم في العذاب

ويقال نجازيكم بنسيانكم كما قال اللّه عز وجل { نسوا اللّه فنسيهم } [ التوبة٦٧ ] { وذوقوا عذاب الخلد } الذي لا ينقطع أبدا { بما كنتم تعملون } من الكفر

 

١٥

ثم قال عز وجل { إنما يؤمن بآياتنا } يعني يصدق بآياتنا يعني بالعذاب { الذين إذا ذكروا بها } يعني وعظوا بها يعني بآيات اللّه عز وجل { خروا سجدا } على وجوههم { وسبحوا بحمد ربهم } يقول وذكروا اللّه عز وجل بأمره { وهم لا يستكبرون } عن السجود كفعل الكفار

ويقال { الذين إذا ذكروا } يعني دعوا إلى الصلوات الخمس أتوها فصلوها ولا يستكبرون عنها

١٦

قوله عز وجل { تتجافى جنوبهم } قال مقاتل نزلت في الأنصار كانت منازلهم بعيدة من المسجد فإذا صلوا المغرب كرهوا أن ينصرفوا مخافة أن تفوتهم صلاة العشاء في الجماعة فكانوا يصلون ما بين المغرب والعشاء

ويقال الذي يصلي العشاء والفجر بجماعة وقال أنس بن مالك الذي يصلي ما بين المغرب والعشاء وهو صلاة الليل كما جاء في الخبر قال النبي صلى اللّه عليه وسلم ( ركعة في الليل خير من ألف ركعة في النهار )

قال أبو الليث رحمه اللّه حدثنا الخليل بن أحمد قال حدثنا السراج

قال حدثنا إبراهيم بن إسحق عن شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد العبسية عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه قال: يحشر الناس يوم القيامة في صعيد واحد فيسمعهم الداعي وينقدهم البصر ثم ينادي مناد سيعلم أهل الجمع اليوم من أولى بالكرم فأين الذين يحمدون اللّه عز وجل على كل حال فيقومون وهم قليل فيدخلون الجنة بغير حساب

ثم ينادي مناد أين الذين لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر اللّه فيقومون وهم قليل فيدخلون الجنة بغير حساب

ثم ينادي مناد أين الذين تتجافى جنوبهم عن المضاجع فيقومون وهم قليل فيدخلون الجنة بغير حساب ثم يؤمر بسائر الناس فيحاسبون.

فذلك قوله عز وجل { تتجافى جنوبهم عن المضاجع } يعني يصلون بالليل ويقومون عن فرشهم { يدعون ربهم خوفا وطعما } { خوفا } من عذابه { وطمعا } في رحمته { ومما رزقناهم ينفقون } يعني يتصدقون من أموالهم يعني صدقة التطوع لأنه قرية كصلاة التطوع

ويقال يعني الزكاة المفروضة والأول أراد به العشاء والفجر

١٧

ثم بين ثوابهم فقال عز وجل { فلا تعلم نفس ما أخفي لهم } يعني ما أعد لهم { من قرة أعين } يعني من الثواب في الجنة

ويقال من طيبة النفس

وروى أبو هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال ( يقول اللّه عز وجل أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ) قال أبو هريرة اقرؤوا إن شئتم { فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين }

قال مقاتل قيل لابن عباس ما الذي أخفي لهم قال في جنة عدن ما لم يكن في جناتهم قرأ حمزة { ما أخفي } بسكون الياء وقرأ الباقون بنصبها فمن قرأ بالسكون فهو على معنى الخبر عن نفسه فكأنه قال { فلا تعلم نفس ما أخفي لهم } يعني الجزاء الذي أخفي لهم ويشهد قراءة عبد اللّه بن مسعود { ما يخفى لهم } ومن قرأ بالنصب فهو على فعل ما لم يسم فاعله على معنى أفعل وقرئ في الشاذ { وما أخفي } يعني وما أخفى اللّه عز وجل لهم

ثم قال { جزاء بما كانوا يعملون } يعني جزاء لأعمالهم

١٨

قوله عز وجل { أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون } يعني لا يستوون عند اللّه عز وجل في الفضل

نزلت الآية في علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه والوليد بن عقبة بن أبي معيط وذلك انه جرى بينهما كلام فقال الوليد لعلي بأي شيء تفاخرني أنا واللّه أحد منك سنانا وأبسط منك لسانا وأملأ منك في الكتيبة عينا يعني أكون أملأ مكانا في العسكر

فقال له علي رضي اللّه عنه اسكت فإنك فاسق فنزل { أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون }

وقال الزجاج نزلت في عقبة بن أبي معيط قال ويجوز في اللغة لا يستويان ولم يقرأ والقراءة { لا يستوون } ومعناهما لا يستوي المؤمنون والكافرون

١٩

ثم بين مصير كلا الفريقين فقال تعالى { أما الذين آمنوا } أي أقروا باللّه ورسوله والقرآن { وعملوا الصالحات } يعني الطاعات { فلهم جنات المأوى نزلا } يعني يأوي إليها المؤمنون

ويقال يأوي إليها أرواح الشهداء وهو أصح في اللغة

ثم قال { نزلا } يعني رزقا والنزل في اللغة هو الرزق

ويقال { نزلا } يعني منزلا { بما كانوا يعملون } يعني بأعمالهم

٢٠

ثم بين مصير الفاسقين فقال { وأما الذين فسقوا } يعني عصوا ولم يتوبوا { فمأواهم النار } ويقال { فسقوا } يعني نافقوا وهو الوليد بن عتبة ومن كان مثل حاله { فمأواهم النار } يعني مصيرهم إلى النار ومرجعهم إليها { كلما أرادوا أن يخرجوا منها } يعني من النار

{ أعيدوا فيها } ويقال إن جهنم إذا جاشت ألقتهم في أعلى الباب فطمعوا في الخروج منها فتلقاهم الخزنة بمقامع فتضربهم فتهوي بهم إلى قعرها وتقول لهم { وقيل لهم ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون } وقال في آية أخرى { ذوقوا عذاب النار التي كنتم بها تكذبون } [ سبأ٤٢ ] بلفظ التأنيث لأنه أراد به النار وهي مؤنثة

وههنا قال { الذي كنتم به تكذبون } بلفظ التذكير لأنه أراد به العذاب وهو مذكر

٢١

ثم قال عز وجل وجن { ولنذيقنهم من العذاب الأدنى } وهو المصيبات والقتل والجوع { دون العذاب الأكبر } وهو عذاب النار يعني إن لم يتوبوا

ويقال { العذاب الأدنى } هو السجن في الدنيا للفاسقين والعذاب الأكبر النار إن لم يتوبوا

ويقال { العذاب الأدنى } عذاب القبر وقال إبراهيم يعني سنين جدب أصابتهم

وقال أبو العالية مصيبات في الدنيا { لعلهم يرجعون } يعني يتوبون

٢٢

قوله عز وجل { ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه } يعني وعظ بآيات ربه بالقرآن { ثم أعرض عنها } يعني عن الإيمان بها ولم يؤمن بها { إنا من المجرمين منتقمون } بالعذاب يعني منتصرون

٢٣

ثم قال عز وجل { ولقد آتينا موسى الكتاب } يعني أعطينا موسى التوراة { فلا تكن في مرية من لقائه } قال مقاتل يعني فلا تكن في شك من لقاء موسى التوراة فإن اللّه عز وجل ألقى عليه الكتاب وقال في رواية الكلبي { فلا تكن في مرية } من لقاء موسى عليه السلام فلقيه ليلة أسري به في بيت المقدس يعني النبي صلى اللّه عليه وسلم لقي موسى عليه السلام هناك

ويقال لقيه في السماء وذكر الخبر المعروف أنه فرض على النبي صلى اللّه عليه وسلم خمسون صلاة

فقال له موسى عليه السلام ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك فلم يزل يرجع حتى حط اللّه عز وجل إلى الخمس ويقال { فلا تكن في مرية من لقائه } يعني من لقاء اللّه عز وجل وهو البعث بعد الموت

ويقال { فلا تكن في مرية من لقائه } يعني لا تشكن أنك تلقى موسى يوم القيامة

٢٤

ثم قال عز وجل { وجعلناه هدى لبني إسرائيل } يعني جعلنا التوراة بيانا لهم وهدى من الضلالة

ويقال { وجعلناه هدى } يعني جعلنا موسى هاديا لنبي إسرائيل يدعوهم { وجعلنا منهم أئمة } يعني وجعلنا من بني إسرائيل قادة في الخير { يهدون بأمرنا } يعني يدعون الناس إلى أمر اللّه عز وجل { لما صبروا } قرأ حمزة والكسائي { لما صبروا } بكسر اللام والتخفف وقرأ الباقون { بالنصب والتشديد فمن قرأ بالتشديد لما صبروا } أي حين صبروا ويقال هو حكاية المجازاة يعني لما صبروا جعلناهم أئمة ومن قرأ بالتخفيف { لما صبروا } أي بما صبروا وتشهد لها قراءة ابن مسعود كان يقرأ { بما صبروا }

ويقال معناه كما صبروا عن الدنيا وصبروا على دينهم فلم يرجعوا عنه

ويقال معناه وجعلناهم أئمة بصبرهم { وكانوا بآياتنا يوقنون } يعني يصدقون بالعلامات التي أعطي موسى

٢٥

ثم قال عز وجل { إن ربك هو يفصل بينهم } يعني يقضي بينهم { يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون } من الدين

٢٦

ثم خوف كفار مكة فقال عز وجل { أو لم يهد لهم } يعني أو لم يبين لهم اللّه تعالى وقرئ في الشاذ { أو لم نهد لهم } بالنون وقرأ العامة بالياء

{ كم أهلكنا } يعني أو لم نبين لهم الهلاك { من قبلهم من القرون } يعني قوم لوط وصالح وهود { يمشون في مساكنهم } يعني يمرون في منازلهم { إن في ذلك لآيات } يعني في إهلاكهم { لآيات } لعبرات { أفلا يسمعون } أي أفلا يسمعون المواعظ فيعتبرون بها

٢٧

ثم قال عز وجل { أو لم يروا أنا نسوق الماء إلى الأرض الجرز } يعني اليابسة الملساء التي ليس فيها نبات يقال أرض جرز أي أرض جدب للتي لا نبات فيها يقال جرزت الجراد إذا أكلت وتركت الأرض جرزا { فنخرج به زرعا } يعني نخرج بالماء النبات { تأكل منه أنعامهم } أي من الكلأ والعشب والتبن { وأنفسهم } من الحبوب والثمار { أفلا يبصرون } هذه العجائب فيوحدوا ربهم

٢٨

قوله عز وجل { ويقولون متى هذا الفتح } قال مقاتل أي متى هذا القضاء وهو البعث وقال قتادة { الفتح } القضاء

وقال مجاهد { الفتح } يوم القيامة { إن كنتم صادقين } تكذيبا منهم يعنون به النبي صلى اللّه عليه وسلم

٢٩

ثم قال عز وجل { قل } يا محمد { يوم الفتح } يعني يوم القيامة { لا ينفع الذين كفروا إيمانهم } قال في رواية الكلبي إن أصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم كانوا يتذاكرون فيما بينهم وهم بمكة قبل فتح مكة لهم وكان ناس من بني خزيمة كانوا إذا سمعوا ذلك منهم يستهزئون بهم ويقولون لهم متى فتحكم هذا الذين كنتم تزعمون ويقولون فنزل

{ متى هذا الفتح } يا أصحاب محمد إن كنتم صادقين

{ قل } يا محمد { يوم الفتح } يعني فتح مكة { لا ينفع الذين كفروا إيمانهم } من القتل { ولا هم ينظرون } حتى يقتلوا وذلك أن النبي صلى اللّه عليه وسلم لما فتح مكة بعث خالد بن الوليد إلى بني خزيمة وقد كانت بينه وبينهم إحنة في الجاهلية يعني الحقد فقالوا قد أسلمنا

فقال لهم انزلوا فنزلوا فوضع فيهم السلاح فقتل منهم وأسر فبلغ ذلك النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال اللّهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد بن الوليد فبعث إليهم علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه بالدية من غنائم خيبر فذلك قوله تعالى { قل يوم الفتح لا ينفع الذين كفروا إيمانهم } من القتل { ولاهم ينظرون } يعني يؤجلون

٣٠

ثم قال عز وجل { فأعرض عنهم } يا محمد { وانتظر } لهم فتح مكة ويقال العذاب { إنهم منتظرون } بهلاكك

وروى أبو الزبير عن جابر بن عبد اللّه أن النبي صلى اللّه عليه وسلم كان لا ينام حتى يقرأ آلم تنزيل وتبارك الذي بيده الملك

وروى أبي بن كعب عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال ( من قرأ آلم السجدة وتبارك الذي بيده الملك فكأنما أحيى ليلة القدر ) واللّه أعلم وصلى اللّه على سيدنا محمد وآله وسلم

﴿ ٠