١٤

 ثم قال عز وجل { فلما قَضَيْنَا عَلَيْهِ ٱلْمَوْتَ} يعني: على سليمان - عليه الصلاة والسلام - فكان سليمان يبني في بيت المقدس فرأى أن ذلك لا يتم إلا بالجن فأمرهم بالعمل وقال لأهله لا تخبروهم بموتي فكان قائماً في الصلاة متكئاً على عصاه، وكان سليمان - عليه الصلاة والسلام - يطول الصلاة فكان الجن إذا حضروا رأوه قائماً فرجعوا ويقولون إنه قائم يصلي فيقبلون على أعمالهم،

وروى إبراهيم بن الحكم عن أبيه عن عكرمة قال كان سليمان - عليه السلام - إذا مر بشجرة يعني: بشيء من نبات الأرض قال لها ما شأنك فتخبره الشجرة أنها كذا وكذا، ولمنفعة كذا وكذا فيدفعها إلى الناس حتى ينتفعوا بها فمر بشجرة فقال لها ما إسمك يا شجرة فقالت أنا خرنوبة فقال ما شأنك قالت أنا لخراب المسجد فتعصى سليمان منها عصا فكانت الجن يقولون للإنس إنا نعلم الغيب وإن سليمان سأل اللّه عز وجل أن يخفي موته فلما قضى اللّه عز وجل على سليمان الموت لم تدر الجن ولا الإنس ولا أحد كيف مات ولم يطلع أحد على موته والجن تعمل بأشد ما كانوا عليه، حتى خرّ سليمان - عليه السلام - فنظروا كيف مات فلم يدروا فنظروا إلى العصا فرأوا العصا قد أكلت يعني: قد أكل منها وفي العصا أرضة فنظروا إلى أين أكلت الأرض من العصا فجعلوا له علماً ثم ردوا الأرض فيها فأكلت شهراً ثم نظروا كم أكلت في ذلك الشهر ثم قاسوها بما أكلت من قبل فكان لموته أثني عشر شهراً فتبيّن للجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين فقالت الجن: إن لها علينا حقاً يعني: الأرضة فهم يبلغونها الماء فلا يزال لها طينة رطبة فذلك قوله { فلما قَضَيْنَا عَلَيْهِ ٱلْمَوْتَ} { مَا دَلَّهُمْ عَلَىٰ مَوْتِهِ} يعني: ما دل على موت سليمان { إِلاَّ دَابَّةُ الأَرْضِ} يعني: الأرضة { تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ} يعني: عصاه قرأ نافع وأبو عمرو منساية بلا همز وقرأ الباقون بالهمز فمن قرأ بالهمز فهو من نسأ ينسأ إذا زجر الدابة ثم تسمى عصاه منسأة لأنه يزجر بها الدَّابَة ومن قرأ بغير همز فقد حذف الهمزة للتخفيف وكلاهما جائز { فلما خَرَّ} يعني: سقط - عليه السلام - { تَبَيَّنَتِ ٱلْجِنُّ} علم الإنس أن الجن لا يعلمون الغيب، ويقال: تبينت الجن يعني: ظهر لهم أنهم لو علموا الغيب يعني: { أَن لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ ٱلْغَيْبَ مَا لَبِثُواْ فِى ٱلْعَذَابِ ٱلْمُهِينِ} فتفرقوا عن ذلك قرأ حمزة من عبادي الشكور بسكون الياء وقرأ الباقون بالنصب وهما لغتان وكلاهما جائز.

﴿ ١٤