١٥

قوله عز وجل: { لَقَدْ كَانَ لِسَبَأٍ} قرىء بالنصب والكسر وقد ذكرناه من قبل فمن قرأ بالكسر والتنوين جعله إسم أب القبيلة ومن قرأ بالنصب جعله أرضاً والأول أشبه لأنه روي عن النبي - صلى اللّه عليه وسلم - أنه سئل عن سبأ فقال { هو اسم رجل } ويقال هو سبأ بن يشخب بن يغرب بن قحطان

وروي عن ابن عباس أنه قال هي من قرى اليمن بعث عز وجل ثلاثة عشر نبياً - عليهم السلام - إلى ثلاث عشر قرية باليمن اتبع بعضهم بعضاً حتى اجتمعت الرسل في آل سبأ وقرية أخرى فأتوهم فذكروهم نعم اللّه عز وجل وخوفهم عقابه،

وروى أسباط عن السدي قال: كانت أرضهم أرضاً خصيبة وكانت المرأة تخرج على رأسها مكيلاً فلا ترجع حتى تملأ مكتلها من أنواع الفاكهة من غير أن تمد يدها وكان الماء يأتيهم من مسيرة عشرة أيام حتى يحبس بين جبلين وكانوا قد ردموا ردماً بين جبلين فحبسوا الماء وكان يأتيهم من السيول فيسقون بساتينهم وأشجارهم، ويقال: كان لهم وادي وكان للوادي ثلاث درفات فإذا كثر الماء فتحوا الدرفة العليا، وإذا انتقص فتحوا الدرفة الوسطى، وإذا قل الماء فتحوا الدرفة السفلى فأخصبوا وكثرت أموالهم واتخذوا من الجنان ما شاؤا فلما أحبوا ذلك وكذبوا رسلهم بعث اللّه عز وجل عليهم جرذاً فنقب ذلك الردم بجنب بستان رجل منهم يقال له عمران بن عامر وهو أب الأنصار والأزد وغسان وخزاعة ويسمون المنسأة العرم فدخل البستان فإذا هو ينقب العرم وقد سال فأمر به فسد ثم نظر إلى الجرزة تنقل أولادها من أصل الجبل إلى أعلاه وكان كاهناً فقال ما تنقل هذه الجرزة أولادها من أصل الجبل إلى أعلاه إلا وقد حضر هلاك هذه البلدة فدعى إبن أخ له فقال إذا رأيتني جلست في جماعة قومي فائتني فقل أي عم أعطني ميراثي من أبي فإني سأقول وهل ترك أبوك شيئاً فاردد علي وكذبني فإذا كذبتني فإني سألطمك فالطمني فقال أي عم ما كنت لأفعل هذا بك، قال: بلى، فلما رأى لعمه في ذلك هوى قال أفعل ما تأمرني، ففعل، فقال عمران بن عامر للّه علي كذا وكذا أن أسكن هذه البلاد من يشتري ما لي فلما عرفوا منه الجد قال هذا أعطيك كذا فنظر إلى أجودهم صفقة فقال عجل إلى مالي فقد حلفت أن لا أبيت بها فعجل إليه ماله وارتحل من يومه حتى شخص عنهم فاتسع ذلك الخرق حتى انهدم وغرق بلادهم وتفرقوا في البلدان فذلك قوله لقد كان لسبأ { فِى مَسْكَنِهِمْ} قرأ الكسائي في مسكنهم بكسر الكاف والنون وقرأ حمزة وعاصم في رواية حفص مسكنهم بنصب الكاف وكسر النون وقرأ الباقون مساكنهم بالألف والمسكن بنصب الكاف وكسره واحد، وهما لغتان مثل مطلع ومطلع والمساكين جمع مسكين

وقد قيل المسكن جمع المساكين لقد كان في منازلهم وقرياتهم { ءايَةً} أي علامة ظاهرة لوحدانيتي { جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ} يعني بستانان عن يمين الوادي وعن شماله وإنما أراد بالبستان البساتين ويقال بساتين عن يمين الطريق وبساتين عن شماله فأرسل اللّه تعالى إليهم الرسل فذكروهم النعم فقيل لهم { كُلُواْ مِن رّزْقِ رَبّكُمْ} يعني من فضل ربكم { وَٱشْكُرُواْ لَهُ} فيما رزقكم { بَلْدَةٌ طَيّبَةٌ} يعني: هذه بلدة طيبة لينة بلا سبخة { وَرَبٌّ غَفُورٌ} لمن تاب من الشرك

﴿ ١٥