١٣قوله عز وجل { واضرب لهم مثلا } أي وصف لهم شبها { أصحاب القرية } أهل القرية وهي أنطاكية { إذ جاءها المرسلون } يعني رسل عيسى عليهم السلام { إذ أرسلنا إليهم اثنين } قال مقاتل هما تومان وطالوس { فكذبوهما فعززنا بثالث } يعني قويناهما بثالث وهو شمعون رضي اللّه عنه وقرأ عاصم في رواية أبي بكر { فعززنا } بالتخفيف ومعناهما غلبنا نقول عزه يعزه إذا غلبه ومنه قوله تعالى { وعزني في الخطاب } [ ص ٢٣ ] يعني غلبني في القول وقرأ الباقون { فعززنا } بالتشديد ومعناه قوينا وشددنا الرسالة برسول ثالث وذلك أن عيسى ابن مريم عليهما السلام بعث رسولين إلى أنطاكية وإنما كان إرساله بإذن اللّه عز وجل فأضاف إليه حيث قال { إذ أرسلنا إليهم اثنين } ثم بعث بعد ذلك شمعون وروي في بعض الروايات أن عيسى عليه السلام أوصى إلى الحواريين أن يتفرقوا في البلدان ثم رفع عيسى إلى السماء وكان مجيء الرسل بعدما رفع عيسى وفي بعض الروايات أنه أرسل الرسل ثم رفع وكان للرسل من المعجزة ما للأنبياء عليهم السلام بدعاء عيسى عليه السلام فلما جاء الرسولان الأولان ودخلا أنطاكية وجعلا يناديان فيها بالإيمان بالرحمن يدعوان إلى الإيمان باللّه عز وجل ويزجران أهلها عن عبادة الأصنام والشيطان فأخذوهما شرط الملك وأتوا بهما إلى الملك فلما دخلا على الملك قالا إن الأوثان التي تعبدون ليست بشيء وإن إلهكم اللّه الذي في السماء وأن من مات منكم صار إلى النار فغضب الملك وجلدهما وسجنهما ثم حضر شمعون ودخل أنطاكية وجاء إلى السجن فقال للسجان ائذن لي حتى أدخل السجن فإني أريد أن أدفع إلى كل واحد فهما كسرة خبز فأذن له فدخل وجعل يعطي لكل واحد كسرة خبز حتى انتهى إلى صاحبيه فقال لهما إني أريد أن آتي الملك وأطلب فكاكما حتى أخلصكما فإنكما لم تأتيا الأمر من قبل وجهه ألم تعلما أنكما لا تطاعان إلا بالرفق واللطف وأن مثلكما مثل امرأة لم تلد زمانا من دهرها ثم ولدت غلاما فأسرعت لشبابه فأطعمته الخبز قبل أوانه فغض بلقمة فمات فكذلك دعوتكما هذا الملك قبل أوان الدعاء فأصابكما البلاء ثم انطلق شمعون وتركهما فقعد حتى إذا دخلوا بيت الأصنام دخل في صلاتهم فقام بين يدي تلك الأصنام يصلي ويتضرع ويسجد للّه تعالى ولا يشكون أنه على ملتهم وأنه إنما يدعو آلهتهم ففعل ذلك أياما فذكروا ذلك للملك فدعاه وكلمه وقال له من أين أنت فقال أنا رجل من بني إسرائيل وقد انقرضوا وكنت بقيتهم وجئت إلى أصحابك آنس بكم وأسكن إليكم فسأله الملك عن أشياء فوجده حسن الرأي فلبث فيهم ما شاء اللّه فلما رأى أمره قد استقام قال يا أيها الملك قد بلغني أنك سجنت رجلين منذ زمان يدعوانك إلى غير إلهك فهل لك أن تدعوهما فأسمع كلاهما وأخاصمهما عنك فقال الملك نعم فدعاهما وأقيما بين يديه فقال لهما شمعون أخبراني عن إلهكما فقالا إنه يبرئ الأكمه والأبرص فدعي برجل ولد أعمى فدعوا اللّه تعالى فأبصر الأعمى قال شمعون فأنا أفعل مثل ذلك فأتي بآخر فدعا شمعون رضي اللّه عنه فبرئ فقال لهما شمعون لا فضل لكما علي بهذا ثم أتي برجل أبرص فدعا شمعون فبرئ وفعل شمعون بآخر مثل ذلك فقال لهما شمعون فهل عندكما شيء غير هذا فقالا نعم إن ربنا يحيي الميت فقال شمعون أنا لا أقدر على ذلك ثم قال للملك هل لك أن تأتي بالصنم فلعله يحيي الميت فيكون لك الفضل عليهما ولإلاهك فقال الملك إنك تعلم أنه لا يسمع ولا يبصر فكيف يحيي الموتى ثم قال له شمعون سلهما هل يستطيعان أن يفعلا مثل ما قالا فقال الملك عندما ميت قد مات منذ سبعة أيام وكان لأبيه ضيعة قد خرج إليها وأهله ينتظرون قدومه واستأذنوا في دفنه فأمرهم أن يؤخروه حتى يحضر أبوه فأمرهم بإحضار ذلك الميت فلم يزالا يدعوان اللّه تعالى وشمعون يعينهما بالدعاء في نفسه حتى أحياه اللّه تعالى فقال شمعون أنا أشهد أنهما صادقان وأن إلههما حق فاجتمع أهل المصر وقالوا إن كلمتهم كانت واحدة فرجموهم بالحجارة وجاء أب الغلام فأسلم وقتل أب الغلام أيضا وهو حبيب النجار ثم إن اللّه عز وجل بعث جبريل عليه السلام فصاح صيحة فماتوا كلهم فذلك |
﴿ ١٣ ﴾