سورة الصافات

(كلها مكية وهي مائة واثنتان وثمانون آية )

١

قول اللّه سبحانه وتعالى { والصافات صفا } قال ابن عباس رضي اللّه عنهما في قوله تعالى { والصافات صفا } أقسم اللّه تعالى بصفوف الملائكة الذين في السموات كصفوف المؤمنين في الصلاة

ويقال يعني صفوف الغزاة في الحرب كقوله عز وجل { صفا كأنهم بنيان مرصوص } [ الصف ٤ ] ويقال صفوف الأمم يوم القيامة كقوله عز وجل { وعرضوا على ربك صفا } [ الكهف ٤٨ ] ويقال الطيور بين السماء والأرض صافات بأجنحتها كقوله { والطير صافات } [ النور ٤١ ] ويقال صفوف الجماعات في المساجد وفي الآية بيان فضل الصفوف حيث أقسم اللّه بهن

٢

ثم قال عز وجل { فالزجرات زجرا } يعني الملائكة الذين يزجرون السحاب ويؤلفونه ويسوقونه إلى البلد الذي لا مطر بها

ويقال { فالزاجرات } يعني فالدافعات وهم الملائكة الذين يدفعون الشر عن بني آدم موكلون بذلك

ويقال { الزاجرات } يعني ما زجر اللّه تعالى في القرآن كقوله تعالى { لا تأكلوا الربوا } [ آل عمران ١٣٠ ] { ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم } [ النساء ٢ ] ويقال هي التوراة والإنجيل والزبور والفرقان وما كان من عند اللّه من كتب

ويقال { فالزاجرات زجرا } يعني هم الأنبياء والرسل والعلماء يزجرون الناس عن المعاصي والمناهي والمناكر

٣

{فالتاليات ذكرا } يعني الملائكة وهو جبريل يتلو القرآن على الأنبياء ويقال هم المؤمنون الذين يقرؤون القرآن

ويقال { فالتاليات ذكرا } قال هم الصبيان يتلون في الكتاب من الغدو العشي وأن اللّه تعالى يحول العذاب عن الخلق ما دامت تصعد هذه الأربعة إلى السماء أولها أذان المؤذنين والثاني تكبير المجاهدين والثالث تلبية الملبين والرابع صوت الصبيان في الكتاب

وروى مسروق عن عبد اللّه بن مسعود رضي اللّه عنه أنه قال { والصافات صفا } قال الملائكة { فالزاجرات زجرا } قال الملائكة { فالتاليات ذكرا } قال الملائكة وهكذا قال مجاهد قد أقسم اللّه بهذه الأشياء { إن إلهكم لواحد } ويقال

٤

أقسم بنفسه فكأنه يقول وخالق هذه الأشياء { إن إلهكم لواحد } يعني ربكم وخالقكم ورازقكم لواحد لا شريك له

٥

 {رب السموات } يعني الذي خلق السموات { والأرض وما بينهما } من خلق { ورب المشارق } يعني مشرق كل يوم وقال في آية أخرى { ورب المشرق والمغرب } أي ناحية المشرق وناحية المغرب

وقال في آية أخرى { رب المشرقين ورب المغربين } أي مشرق الشتاء ومشرق الصيف

وقال في هذه السورة { رب المشارق } أي مشرق كل يوم

٦

ثم قال { إنا زينا السماء الدنيا } يعني الأدنى وإنما سميت سماء الدنيا لأنها أقرب إلى الأرض { بزينة الكواكب } بضوء الكواكب

قرأ حمزة وعاصم في رواية حفص { بزينة } بالتنوين { الكواكب } بكسر الباء وقرأ عاصم في رواية أبي بكر { بزينة } بالتنوين { الكواكب } بالنصب جعل الكواكب بدلا من الزينة والمعنى إنا زينا السماء الدنيا بالكواكب ومن قرأ بالنصب أقام الزينة مقام التزيين فكأنه قال إنا زينا السماء الدنيا بتزيننا الكواكب فيكون الكواكب على معنى التفسير ومن قرأ بغير تنوين فهو على إضافة الزينة إلى الكواكب

وروي عن ابن عباس رضي اللّه عنهما أنه قال الكواكب معلقة بالسماء كالقناديل

ويقال إنها مركبة عليها كما تكون في الصناديق والأبواب

٧

ثم قال { وحفظا من كل شيطان مارد } يعني حفظ اللّه تعالى السماء بالكواكب من كل شيطان متمرد يعني شديدا يقال مرد يمرد إذا اشتد

٨

ثم قال { لا يسمعون } قرأ حمزة والكسائي وعاصم في رواية حفص { لا يسمعون } بنصب السين والتشديد والباقون { يسمعون } بنصب الياء وجزم السين مع التخفيف قمن قرأ بجزم السين فهو بمعنى يسمعون ومن قرأ بالتشديد فأصله يتسمعون فأدغمت التاء في السين وشددت يعني لكيلا يستمعون { إلى الملأ الأعلى } يعني إلى الكتبة { ويقذفون } يعني ويرمون { من كل جانب}

٩

 {دحورا } يعني طردا من كل ناحية من السماء وكانوا من قبل يستمعون إلى كلام الملائكة عليهم السلام

قال حدثنا الخليل بن أحمد قال حدثنا إسحاق بن إبراهيم قال حدثنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن الزهري عن علي بن الحسين عن ابن عباس قال بينما رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم جالس في نفر من أصحابه إذ رمي بنجم فاستنار فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ( ما كنتم تقولون لمثل هذا في الجاهلية ) قالوا يموت عظيم أو يولد عظيم فقال صلى اللّه عليه وسلم :

إنه لا يرمى لموت أحد ولا لحياته ولكن اللّه عز وجل إذا قضى أمرا يسبحه حملة العرش وأهل السماء السابعة

يقول ماذا قال ربكم فيخبرونهم فيستخبر أهل كل سماء أهل السماء الأخرى حتى ينتهي الخبر إلى السماء الدنيا فتخطف الجن ويرمون فيما جاؤوا به على وجهه فهو حق ولكنهم يزيدون فيه ويكذبون.

قال معمر قلت للزهري أو كان يرمى به في الجاهلية قال نعم

قال قالت الجن لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم { وأنا كنا نقعد منها مقعد للسمع } [ الجن ٩ ] فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا قال غلظ وشدد أمرها حيث بعث النبي صلى اللّه عليه وسلم وقوله { دحورا } يعني طردا بالشهب فيعيدونهم { ولهم عذاب واصب } يعني دائم يعني الشيطان لمن استمع ولمن لم يستمع في الآخرة

١٠

وقال مقاتل في الآية تقديم { إلا من خطف الخطفة } من الشياطين ويختطف يعني يستمع إلى الملأ الأعلى من كلام الملائكة عليهم السلام { فأتبعه شهاب ثاقب } والشهاب في اللغة كل أبيض ذي نور والثاقب المضيء

١١

قوله عز وجل { فاستفتهم } يعني سل أهل مكة وهذا سؤال تقدير لا سؤال استفهام

وقال تعالى { أهم أشد خلقا } بالبعث يعني بعثهم أشد { أم من خلقنا } يعني أم خلقهم في الابتداء

فقال { إنا خلقناهم من طين لازب } يعني خلقنا آدم وهم من نسله من طين حمئة

ويقال { لازب } أي لاصق

ويقال { لازب } يعني لازم إلا أن الباء تبدل من الميم لقرب مخرجيهما كما يقال سمد رأسه وسبد إذا استأصله واللازب واللاصق واحد

١٢

ثم قال { بل عجبت ويسخرون } قرأ حمزة والكسائي { عجبت } بضم التاء وقرأ الباقون { عجبت } بالنصب فمن قرأ بالنصب فالمعنى بل عجبت يا محمد من نزول الوحي عليك والكافرون يسخرون مكذبين لك ومن قرأ { بل عجبت } بالضم فهو إخبار عن اللّه تعالى

وقد أنكر قوم هذه القراءة وقالوا إن اللّه تعالى لا يعجب من شيء لأنه علم الأشياء قبل كونها وإنما يتعجب من سمع أو رأى شيئا لم يسمعه ولم يره ولكن الجواب أن يقال العجب من اللّه عز وجل بخلاف العجب من الآدميين ولا يكون على وجه التعجب ويكون على وجه الإنكار والاستعظام لذلك القول كما قال في آية أخرى { وإن تعجب فعجب قولهم } [ الرعد ٥ ]

وروى الأعمش عن سفيان بن سلمة فذكر ذلك لإبراهيم النخعي فقال إبراهيم أن شريحا كان يقرأ { بل عجبت } بالنصب ويقول إنما يعجب من لا يعلم وقال الأعمش فقلت ذلك لإبراهيم النخعي فقال إبراهيم إن شريحا كان معجبا برأيه وعبد اللّه بن مسعود كان أعلم منه وهو كان يقرؤها { بل عجبت } بالضم

وروي عن ابن عباس أنه كان يقرأ هكذا بالضم وهو اختيار أبي عبيدة

ثم قال { ويسخرون } يعني يسخرون حين سمعوا

١٣

 { وإذا ذكروا لا يذكرون } يعني إذا وعظوا بالقرآن لا يتعظون

١٤

 { وإذا رأوا آية } يعني علامة مثل انشقاق القمر { يستسخرون } يعني يستهزئون ويسخرون وقال أهل اللغة سخر واستسخر بمعنى واحد مثل قر واستقر

١٥

 { وقالوا إن هذا إلا سحر مبين } يعني بين

١٦

قوله عز وجل { أئذا متنا } يعني يقولون إذا متنا { وكنا ترابا وعظاما إئنا لمبعوثون } يعني لمحيون بعد الموت

١٧

 { أو آباؤنا الأولون}

١٨

 { قل } يا محمد { نعم وأنتم داخرون } يعني صاغرون

١٩

ثم قال عز وجل { فإنما هي زجرة واحدة } يعني صيحة ونفخة واحدة ولا يحتاج إلى الأخرى { فإذا هم } يعني الخلائق { ينظرون } يعني يخرجون من قبورهم وينظرون إلى السماء كيف غيرت والأرض كيف بدلت فلما عاينوا البعث ذكروا قول الرسل إن البعث حق

٢٠

( وقالوا يا ويلنا هذا يوم الدين ) يعني يوم الحساب

ويقال يوم الجزاء

٢١

فردت عليهم الحفظة ويقولون { هذا يوم الفصل الذي كنتم به تكذبون } أنه لا يكون

٢٢

ثم ينادي المنادي { احشروا الذين ظلموا } يعني سوقوا الذين كفروا { وأزواجهم } يعني وأشباههم ويقال وقرناءهم وضرباءهم

ويقال وأشياعهم وأعوانهم

ويقال وأمثالهم { وما كانوا يعبدون }

٢٣

{ من دون اللّه } يعني من الشياطين الذين أضلوهم

ويقال كل معبود وكل من يطاع في المعصية { فاهدوهم } يعني ادعوهم جميعا

ويقال اذهبوا بهم وسوقوهم جميعا { إلى صراط الجحيم } يعني إلى طريق الجحيم والجحيم ما عظم من النار

ويقال إلى وسط الجحيم

٢٤

فلما انطلق بهم إلى جهنم أرسل اللّه عز وجل ملكا يقول { وقفوهم } أي احبسوهم

{ إنهم مسؤولون } عن ترك قول لا إله إلا اللّه

ويقال في الآية تقديم يعني يقال لهم قفوا قبل ذلك فحبسوا وسئلوا ثم يساق بهم إلى الجحيم فيقال لهم

٢٥

 { ما لكم لا تناصرون } يعني لم ينصر بعضكم بعضا ولا يدفع بعضكم عن بعض كما كنتم تفعلون في الدنيا

٢٦

قوله عز وجل { بل هم اليوم مستسلمون } أي خاضعون ذليلون

٢٧

 { وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون } يعني يسأل ويخاصم بعضهم بعضا القادة والسفلة والعابد والمعبود ومتابعي الشيطان للشيطان

ويقال { يتساءلون } يعني يتلاومون

٢٨

{ قالوا } يعني السفلة للرؤساء { إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين } يعني من قبل الحق يعني الدين فزينتم لنا ضلالتنا

وروي عن الفراء أنه قال { اليمين } في اللغة القوة والقدرة ومعناه { إنكم كنتم تأتوننا } بأقوى الحيل وتزينون علينا أعمالنا

وقال الضحاك تقول السفلة للقادة إنكم قادرون وظاهرون علينا ونحن ضعفاء أذلاء في أيديكم

روى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال { تأتوننا عن اليمين } عن الحق يعني الكفار يقولون ذلك للشيطان

وقال القتبي إنما يقول هذا المشركون لقرنائهم من الشياطين { إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين } يعني عن أيماننا لأن إبليس قال { لأتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم } [ الأعراف ١٧ ] وقال المفسرون من أتاه الشيطان من قبل اليمين أتاه من قبل الدين ولبس عليه الحق

ومن أتاه من قبل الشمال أتاه من قبل الشهوات

ومن أتاه من بين يديه أتاه من قبل التكذيب بالقيامة

ومن أتاه من خلفه خوفه الفقر على نفسه وعلى من يخلف بعده فلم يصل رحما ولم يؤد زكاة

وقال المشركون لقرنائهم { إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين } في الدنيا من جهة الدين يعني أضللتمونا

٢٩

 { قالوا } قرناؤهم { بل لم تكونوا مؤمنين } أي لم تكونوا على حق فنشهد عليكم ونزيلكم عنه إلى الباطل

٣٠

 { وما كان لنا عليكم من سلطان } يعني من قدرة فنقهركم ويقال من ملك فنجبركم عليه { بل كنتم قوما طاغين } يعني كافرين عاصين

٣١

{ فحق علينا } يعني وجب علينا جميعا { قول ربنا } وهو السخط

ويقال { قول ربنا } يوم قال لإبليس { لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين } [ ص ٨٥ ] { إنا لذائقون } يعني العذاب جميعا في النار

٣٢

قوله عز وجل { فأغويناكم } يعني أضللناكم عن الهدى { إنا كنا غاوين } يعني ضالين

٣٣

يقول اللّه تعالى { فإنهم } يعني الكفار والشياطين { يومئذ } يعني يوم القيامة { في العذاب مشتركون } يعني شركاء في النار وفي العذاب

٣٤

{ إنا كذلك نفعل بالمجرمين } يعني هكذا نفعل بمن أشرك فنجمع بينهم وبين الذين أضلوهم في النار

٣٥

ثم أخبر عنهم فقال { إنهم كانوا } يعني في الدنيا { إذا قيل لهم لا إله إلا اللّه } يعني قولوا لا إله إلا اللّه { يستكبرون } عنها فلا يقولونها

٣٦

 { ويقولون أئنا لتاركوا آلهتنا } يعني أنترك عبادة آلهتنا { لشاعر } يعني لقول شاعر { مجنون } أي مغلوب على عقله

٣٧

يقول اللّه تعالى { بل جاء بالحق } يعني بالقرآن ويقال بأمر التوحيد ويقال جاء ببيان الحق { وصدق المرسلين } الذين قبله

قال مقاتل يعني صدق محمد صلى اللّه عليه وسلم بالمرسلين الذين قبله

وقال الكلبي وبتصديق المرسلين الذين قبله ومعناهما واحد

ويقال معناه جاء محمد صلى اللّه عليه وسلم بموافقة المرسلين عليهم السلام

٣٨

ثم قال { إنكم } يعني العابد والمعبود { لذائقوا العذاب الأليم } يعني لتصيبوا العذاب الوجيع الدائم

٣٩

 { وما تجزون } في الآخرة { إلا ما كنتم تعملون } يعني إلا بما كنتم تعملون في الدنيا من المعاصي والشرك

٤٠

ثم استثنى المؤمنين فقال عز وجل { إلا عباد اللّه المخلصين } يعني الموحدين ويقال { إلا } بمعنى لكن يعني لكن { عباد اللّه المخلصين }

٤١

ثم قال { أولئك لهم رزق معلوم } يعني طعاما معلوما معروفا حين يشتهونه على قدر غدوة وعشية

٤٢

ثم بين الرزق فقال { فواكه } يعني ألوان الفاكهة { وهم مكرمون } بالثواب ويقال منعمون

٤٣

{ في جنات النعيم }

٤٤

 {على سرر متقابلين } في الزيارة

٤٥

{ يطاف عليهم } يعني يطوف خدمهم عليهم { بكأس من معين } خمرا جاريا من معين يعني الطاهر الجاري

٤٦

{ بيضاء } يعني بخمرة توجب اللذة

{ بيضاء لذة } يعني شهوة { للشاربين}

٤٧

{لا فيها غول } يعني ليس فيها أثم ويقال لا غائلة لها ولا يوجع منها الرأس

وروى شريك عن سالم قال { لا فيها غول } أي لا مكروه فيها ولا أذى

وقال القتبي { لا فيها غول } أي لا تغتال عقولهم فتذهب بها

يقال الخمر غول للحلم والحرب غول للنفوس والغول البعد { ولاهم عنها ينزفون } قرأ حمزة والكسائي { ينزفون } بكسر الزاي وقرأ الباقون بالنصب فمن قرأ بالنصب فمعناه لا يذهب عقولهم شربها ويقال للسكران نزيف ومنزوف إذا زال عقله ومن قرأ بالكسر فله معنيان أحدهما لا ينفد شرابهم أبدا والثاني أنهم لا يسكرون

٤٨

ثم قال عز وجل { وعندهم قاصرات الطرف عين } يعني غاضات الأعين عن غير أزواجهن يعني قصرن طرفهن على أزواجهن وقنعن بهم ولا يبغين بهم بدلا

ثم قال { عين } أي حسان الأعين شدة البياض في شدة السواد

ويقال لواحدة العين عيناء يعني كبيرة العين

ويقال الحسن العيناء التي سواد عينها أكثر من بياضها

٤٩

ثم قال { كأنهن بيض مكنون } يعني إنهن أحسن بياضا من بيض النعام والعرب تشبه النساء ببيض النعام يقال لا يكون لون البياض في شيء أحسن من بيض النعام

وقال قتادة البيض التي لم تلوثه الأيدي ويقال البيض أراد به القشر الداخل من البيض المكنون قد خبئ وكنن من القر والحر

٥٠

 { فأقبل بعضهم على بعض يتساءلون } يعني يسأل بعضهم بعضا عن حاله في الدنيا

٥١

قوله عز وجل { قال قائل منهم } يعني من أهل الجنة { إني كان لي قرين } وهو الذي بين اللّه تعالى أمرهما في سورة الكهف { جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب } [ الكهف ٣٢ ] فكانا أخوين أو شريكين وأنفق أحدهما ماله في أمر الآخرة واتخذ الآخر لنفسه ضياعا وخدما واحتاج المؤمن إلى شيء فجاء إلى أخيه الكافر يسأله فقال له الكافر ما صنعت بمالك فأخبره أنه قدمه إلى الآخرة

٥٢

فقال له الكافر { أئنك لمن المصدقين } يعني إنك ممن يصدق بالبعث وطلب منه أن يدخل في دينه ولم يقض حاجته فذلك قوله { إئنك لمن المصدقين } يعني بالبعث بعد الموت

٥٣

قوله عز وجل { أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمدينون } يعني لمحاسبون

٥٤

فيقول المؤمن لأصحابه في الجنة { قال هل أنتم مطلعون } حتى ننظر إلى حاله وإلى منزله فيقول أصحابه اطلع أنت فإنك أعرف به منا

٥٥

{ فاطلع } يعني فنظر في النار { فرآه في سواء الجحيم } يعني رأى أخاه في وسط الجحيم أسود الوجه مزرق العين فيقول المؤمن عند ذلك

٥٦

{ قال تاللّه إن كدت لتردين } يعني واللّه لقد هممت لتغويني ولتضلني

ويقال { لتردين } أي لتهلكني يقال أرديت فلانا أي أهلكته والردى الموت والهلاك

وقال القتبي في قوله { إنا لمدينون } أي مجازون بأعمالنا يقال دنته بما صنع أي جازيته

٥٧

ثم قال عز وجل { ولولا نعمة ربي } يعني لولا ما أنعم اللّه علي بالإسلام { لكنت من المحضرين } معك في النار

٥٨

ثم أقبل المؤمن على أصحابه في الجنة فقال يا أهل الجنة { أفما نحن بميتين }

٥٩

{ إلا موتتنا الأولى } اللفظ لفظ الاستفهام والمراد به النفي يعني لا نموت أبدا سوى موتتنا الأولى وذلك حين يذبح الموت فيأمنوا من الموت

{ وما نحن بمعذبين } يعني لم نكن من المعذبين مثل أهل النار

٦٠

قال اللّه عز وجل { إن هذا لهو الفوز العظيم } يعني النجاة الوافرة فازوا بالجنة ونجوا من النار

٦١

 { لمثل هذا } يعني لمثل هذا الثواب والنعم والخلود { فليعمل العاملون } يعني فليبادر المبادرون

ويقال فليجتهد المجتهدون

ويقال فليحتمل المحتملون الأذى لأنه فد حفت الجنة بالمكاره

٦٢

ثم قال { أذلك خير نزلا } يعني الذي وصفت في الجنة خير ثوابا

ويقال رزقا

ويقال منزلا { أم شجرة الزقوم } للكافرين

٦٣

 { إنا جعلناها فتنة للظالمين } يعني بلاء للمشركين

قال قتادة زادتهم تكذيبا فقالوا يخبركم محمد أن في النار شجرة والنار تحرق الشجرة وقال مجاهد { إنا جعلناها فتنة } قول أبي جهل إنما الزقوم التمر والزبد فقال لجاريته زقمينا فزقمته فأخبر اللّه تعالى عن الزقوم أنه لا يشبه النخل ولا طلعها كطلع النخل فقال { أذلك خير نزلا } يعني نعيم الجنة وما فيها من اللذات { خير نزلا } أي طعاما { أم شجرة الزقوم } لأهل النار قوله عز وجل { إنا جعلناها فتنة للظالمين }

٦٤

ثم وصف الشجرة فقال { إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم } يعني في وسط الجحيم

٦٥

{ طلعها } يعني ثمرتها { كأنه رؤوس الشياطين } يعني رؤوس الحيات قبيح في النظر

ويقال هو نبت لا يكون شيء من النبات أقبح منه وهو يشبه الحسك فيبقى في الجلود

ويقال هي رؤوس الشياطين بعينها وذلك أن العرب إذا وصفت الشيء بالقبح تقول كأنه شيطان

٦٦

ثم وصف أكلهم فقال { فإنهم لآكلون منها } يعني من ثمرها { فمالئون منها البطون } وهو جماعة المالئ يعني يملؤون منها البطون

قال الفقيه أبو الليث رحمه اللّه حدثنا الفقيه أبو جعفر قال حدثنا محمد بن عقيل قال حدثنا عباس الدوري قال حدثنا وهب بن جرير عن شعبة عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ( أيها الناس اتقوا اللّه ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون فلو أن قطرة من الزقوم قطرت في الأرض لأمرت على أهل الدنيا معيشتهم فكيف بمن هو طعامه وشرابه منه وليس له طعام غيره)

٦٨

قوله عز وجل { ثم إن لهم عليها لشوبا من حميم } يعني خلطا من حميم من ماء حار في جهنم { ثم إن مرجعهم لإلى الجحيم } يعني مصيرهم إلى النار

٦٩

ثم بين المعنى الذي به يستوجبون العقوبة فقال { إنهم ألفوا } يعني وجدوا { آباءهم ضالين } عن الهدى

٧٠

 { فهم على آثارهم يهرعون } يعني يسعون في مثل أعمال آبائهم والإهراع في اللغة المشي بين مشيتين وقال مجاهد كهيئة الهرولة

٧١

ثم قال عز وجل { ولقد ضل قبلهم } يعني أضل إبليس قبلهم

{ أكثر الأولين } يعني من الأمم الخالية ولم يذكر إبليس لأن في الكلام دليلا عليه فاكتفى بالإشارة ومثل هذا كثير في القرآن

٧٢

ثم قال عز وجل { ولقد أرسلنا فيهم منذرين } يعني رسلا ينذرونهم كما أرسلناك إلى قومك فكذبوهم بالعذاب كما كذبك قومك فعذبهم اللّه تعالى في الدنيا

٧٣

{ فانظر كيف كان عاقبة المنذرين } يعني آخر أمر من أنذر فلم يؤمن

٧٤

{ إلا عباد اللّه المخلصين } يعني الموحدين المطيعين فإنهم لم يعذبوا

٧٥

قوله عز وجل { ولقد نادانا نوح } يعني دعا نوح ربه على قومه وهو قوله { إني مغلوب فانتصر } [ القمر ١٠ ] { فلنعم المجيبون } يعني نعم المجيب أنا

٧٦

 { ونجيناه وأهله من الكرب العظيم } يعني من الهول الشديد وهو الغرق

٧٧

قوله { وجعلنا ذريته هم الباقين } لأن الذي حمل معه من الناس ثمانون رجلا وامرأة غرقوا كلهم ولم يبق إلا ولده سام وحام ويافث

قال الفقيه أبو الليث رحمه اللّه حدثنا أبو جعفر قال حدثنا أبو القاسم الصفار ذكر بإسناده عن سمرة بن جندب إن النبي صلى اللّه عليه وسلم ( قال سام أبو العرب وحام أبو الحبش ويافث أبو الروم )

٧٨

ثم قال تعالى { وتركنا عليه في الآخرين } يعني أبقينا عليه ذكرا حسنا في الباقين من الأمم وهذا قول القتبي

وقال مقاتل يعني أثنينا على نوح بعد موته ثناء حسنا

٧٩

ثم قال عز وجل { سلام على نوح في العالمين } يعني السعادة والبركة على نوح من بين العالمين

٨٠

 { إنا كذلك نجزي المحسنين } يعني هكذا نجزي كل محسن

٨١

 { إنه من عبادنا المؤمنين } يعني المصدقين بالتوحيد

٨٢

 { ثم أغرقنا الآخرين } يعني قومه الكافرين

٨٣

قوله عز وجل { وإن من شيعته لإبراهيم } قال مقاتل يعني إبراهيم من شيعة نوح عليه السلام وعلى ملته

وقال الكلبي يعني من شيعة محمد صلى اللّه عليه وسلم لأن إبراهيم على دينه ومنهاجه وذكر عن الفراء أنه قال هذا جائز وإن كان إبراهيم قبله كما قال { حملنا ذريتهم } [ يس ٤١ ] يعني آباءهم ذريته الذين هو منهم

٨٤

قوله عز وجل { إذ جاء ربه بقلب سليم } يعني إبراهيم دعا ربه { بقلب سليم } أي خالص

ويقال { إذ جاء ربه } يعني أقبل على طاعة اللّه تعالى { بقلب سليم } يعني بقلب خالص ويقال { إذ جاء ربه بقلب سليم } أي مخلص ويقال { سليم } من الشرك

٨٥

 { إذ قال لأبيه وقومه ماذا تعبدون } يعني إيش الذي تعبدون

ويقال معناه لماذا تعبدون هذه الأوثان

٨٦

قوله عز وجل { أئفكا آلهة } يعني أكذبا آلهة { دون اللّه تريدون } عبادتها

٨٧

 { فما ظنكم برب العالمين } إذا عبدتم غيره فما ظنكم به إذ لقيتموه

٨٨

{ فنظر نظرة في النجوم } قال مقاتل يعني في الكواكب ويقال { فنظر نظرة في النجوم } أي في أمر النجوم وذلك أنه رأى كوكبا قد طلع

٨٩

{ فقال إني سقيم } أي سأسقم يقال فكر فكرة في النجوم { فقال إني سقيم } يعني مطعونا وهو قول سعيد بن جبير والضحاك

وقال القتبي نظر في الحساب لأنه لو نظر إلى الكواكب لقال نظر نظرة إلى النجوم وإنما يقال نظر فيه إذا نظر في الحساب { فقال إني سقيم } أي سأمرض غدا وكانوا يتطيرون من المريض فلما سمعوا ذلك منه هربوا

٩٠

فذلك قوله { فتولوا عنه مدبرين }

قال الفقيه أبو الليث رحمه اللّه حدثنا الخليل بن أحمد قال حدثنا خزيمة قال حدثنا عيسى بن إبراهيم قال حدثنا ابن وهب عن جرير بن حازم عن أيوب السجستاني عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال:

لم يكذب إبراهيم النبي عليه السلام قط إلا ثلاث كذبات ثنتين في ذات اللّه قوله { إني سقيم } وقوله { بل فعله كبيرهم هذا } [ الأنبياء ٦٣ ] وواحدة في شأن سارة ذلك أنه قدم أرض جبار ومعه سارة وكانت أحسن النساء فقال لها إن هذا الجبار إن علم أنك إمرأتي يغلبني عليك

فإن سألك فأخبريه أنك أختي في الإسلام فإني لا أعلم في الأرض مسلما غيري وغيرك فلما دخل الأرض رآها بعض أهل الجبار فأتاه فقال له لقد دخل اليوم أرضك امرأة لا ينبغي أن تكون إلا لك

فأرسل إليها فأتي بها فقام إبراهيم إلى الصلاة فلما أدخلت عليه لم يتمالك أن بسط يده إليها فقبضت يده قبضة شديدة

فقال لها ادعي اللّه أن يطلق يدي ولا أضرك ففعلت

فعاد فقبضت يده أشد من القبضة الأولى فقال لها مثل ذلك ففعلت

فعاد فقبضت أشد من القبضتين الأوليين فقال لها ادعي اللّه أن يطلق يدي ولك علي ألا أضرك ففعلت فأطلقت يده

فدعا الذي جاء بها فقال له إنك أتيتني بشيطان ولم تأتني بإنسان فأخرجها من أرضي وأعطاها هاجر فأقبلت تمشي حتى جاءت إلى إبراهيم فلما رآها إبراهيم انصرف من الصلاة فقال لها مهيم يعني ما الخبر فقالت خيرا كفيت الفاجر وأخدمني خادما.

فقال أبو هريرة فتلك أمكم يا بني ماء السماء يعني نسل العرب منها لأنه روي في الخبر أنها وهبت هاجر من إبراهيم فولد منها إسماعيل ويقال { فتولوا عنه مدبرين } يعني أعرضوا عنه ذاهبين إلى عيدهم

٩١

قوله عز وجل { فراغ إلى آلهتهم } يعني مال إلى أصنامهم

ويقال دخل بيوت الأصنام فرأى بين أيديهم طعاما { فقال ألا تأكلون } فلم يجيبوه

٩٢

 فقال { ما لكم لا تنطقون }

٩٣

{ فراغ عليهم ضربا باليمين } يعني أقبل يضربهم بيمينه

ويقال يضربهم باليمين التي حلف وهو قوله { وتاللّه لأكيدن أصنامكم } [ الأنبياء ٥٧ ] ويقال ضربهم { باليمين }يعني يضربهم بالقوة واليمين كناية عنها لأن القوة في اليمين

٩٤

 { فأقبلوا إليه يزفون } يعني يسرعون

٩٥

 { قال } إبراهيم عليه السلام { أتعبدون ما تنحتون } بأيديكم من الأصنام

قرأ حمزة { يزفون } بضم الياء وقرأ الباقون بالنصب فمن قرأ بالنصب فأصله من زفيف النعام وهو ابتداء عدوه ومن قرأ بضم يصيروا إلى الزفيف ويدخلون في الزفيف وكلا القراءتين يرجع إلى معنى واحد وهو الإسراع في المشي

٩٦

ثم قال عز وجل { واللّه خلقكم وما تعملون } يعني وما تنحتون به بأيديكم من الأصنام ومعناه تتركون عبادة من خلقكم وخلق ما تعملون وتعبدون غيره

٩٧

{ قالوا ابنوا له بنيانا } يعني أتونا { فألقوه في الجحيم } يعني في النار العظيمة

٩٨

{ فأرادوا به كيدا } يعني أرادوا حرقه وقتله { فجعلناهم الأسفلين } يعني الآخرين ويقال الأذلين وعلاهم إبراهيم فلم يلبثوا إلا يسيرا حتى أهلكهم اللّه عز وجل

٩٩

ثم قال { وقال إني ذاهب إلى ربي } يعني إني مهاجر إلى طاعة ربي

وقال مقاتل يعني من بابل إلى بيت المقدس

ويقال من أرض حران إلى بيت المقدس

{ سيهدين } يعني يحفظني ويقال إني مهاجر إلى ربي يعني مقبل إلى طاعة ربي { سيهدين } أي سيرشدني ربي ويقال سيعينني

١٠٠

قوله عز وجل { رب هب لي من الصالحين } يعني يا رب أعطني ولدا صالحا من المسلمين

١٠١

 { فبشرناه بغلام حليم } يعني حليم في صغره عليم في كبره

١٠٢

قوله عز وجل { فلما بلغ معه السعي } أي الحج ويقال إلى الجبل { قال } إبراهيم عليه السلام لابنه { يا بني إني أرى في المنام }

قال مقاتل هو إسحاق

وقال الكلبي هو إسماعيل

وروى معمر عن الزهري أنه قال في قوله { فبشرناه بغلام حليم فلما بلغ معه السعي } قال ابن عباس هو إسماعيل وكان ذلك بمنى وقال كعب هو إسحاق وكان ذلك ببيت المقدس

وقال مجاهد وابن عمر ومحمد بن كعب القرظي هو إسماعيل

وروي عن علي بن أبي طالب أنه قال هو إسحاق وهكذا روي عن ابن عباس وعكرمة

وقتادة وأبو هريرة وعبد اللّه بن سلام رضي اللّه عنهم وهكذا قال أهل الكتابين كلهم والذي قال هو إسماعيل احتج بالكتاب والخبر

أما الكتاب فهو أنه لما ذكر قصة الذبح قال على أثر ذلك { وبشرناه بإسحاق نبيا }

وأما الخبر فما روي عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه قال ( أنا ابن الذبيحين ) يعني أباه عبد اللّه بن عبد المطلب وإسماعيل بن إبراهيم

وأما الذي يقول هو إسحاق فيحتج بما روي في الخبر أنه ذكر نسبة يوسف فقال كان يوسف أشرف نسبا يوسف صديق اللّه بن يعقوب إسرائيل اللّه بن إسحاق ذبيح اللّه بن إبراهيم خليل اللّه قد اختلفوا فيه هذا الاختلاف واللّه أعلم بالصواب

والظاهر عند العامة هو إسحاق

فذلك قوله { يابني إني أرى في المنام أني أذبحك } فظاهر اللفظ أنه رأى في المنام أنه يذبحه ولكن معناه { إني أرى في المنام } أني قد أمرت بذبحك بدليل ما قال في سياق الآية { يا أبت أفعل ما تؤمر }

وروي في الخبر أنه رأى في المنام أنه قيل له إن اللّه يأمرك أن تذبح ولدك فاستيقظ خائفا وقال أعوذ باللّه من الشيطان الرجيم

ثم رأى في المنام في الليلة الثانية والثالثة مثل ذلك فاستيقظ وضم ابنه إلى نفسه وجعل يبكي حتى أصبح فانقاد لأمر اللّه تعالى وقال لامرأته سارة إني أريد أن أخرج إلى طاعة ربي فابعثي ابني معي فجهزته وبعثته معه قال كعب الأحبار فقال الشيطان إن لم أفتن هؤلاء عند هذه لم أفتنهم أبدا

فلما خرج إبراهيم بابنه ليذبحه فذهب الشيطان ودخل على سارة فقال أين ذهب إبراهيم بابنك فقالت غدا به لبعض حاجته

قال إنه لم يغد به لحاجته ولكنه إنما ذهب به ليذبحه فقالت ولم يذبحه قال يزعم أن ربه أمره بذلك

فقالت قد أحسن أن يطيع ربه فخرج في أثرهما فقال للغلام أين يذهب بك أبوك قال لبعض حاجته

قال فإنه لا يذهب بك لحاجته ولكنه إنما يذهب بك ليذبحك

فقال ولم يذبحني قال يزعم أن ربه أمره بذلك

قال فواللّه لئن كان اللّه أمره بذلك ليفعلن

فتركه ولحق بإبراهيم فقال أين غدوت بابنك قال لحاجة

قال فإنك لم تغد به لحاجة وإنما غدوت به لتذبحه

قال ولم أذبحه قال تزعم أن اللّه تعالى أمرك بذلك

قال فواللّه لئن كان اللّه أمرني بذلك لأفعلن

فتركه وأيس من أن يطاع

١٠٣

قوله عز وجل { فلما أسلما وتله للجبين وناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين إن هذا لهو البلاء المبين وفديناه بذبح عظيم } فأوحى اللّه تعالى إلى إسحاق أن ادع فإن لك دعوة مستجابة

فقال إسحاق اللّه م إني أعوذ أن تستجيب لي في أيما عبد من الأولين والآخرين لقيك لا يشرك بك شيئا أن تدخله الجنة

وقال مجاهد إن إبراهيم عليه السلام لما أراد أن يذبح ابنه بالسكين قال ابنه يا أبت خذ بناصيتي واجلس بين كتفي حتى لا أوذيك إذا أصابني حد السكين ولا تذبحني وأنت تنظر في وجهي عسى أن ترحمني واجعل وجهي إلى الأرض ففعل إبراهيم

فلما أمر السكينة على حلقه انقلبت فقال يا أبت ما لك قال قد انقلبت السكين

قال فاطعن بها طعنا

قال فطعن فانثنت

قال فعرف اللّه عز وجل الصدق منه ففداه بذبح عظيم وقال هو إسحاق

وروى أسباط عن السدي قال كان من شأن إسحاق حين أراد أبوه أن يذبحه أنه ركب مع أبيه في حاجة فأعجبه شبابه وحسن هيئته وكان إبراهيم حين بشر بإسحاق قبل أن يولد له قال هو إذا للّه ذبيح

فقيل لإبراهيم في منامه قد نذرت للّه نذرا ف بنذرك فلما أصبح قال { يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك } يقول قد أمرت بذبحك { قال يا أبت أفعل ما تؤمر } قال فانطلق معي وأخبر أمك أنك تنطلق إلى أخوالك وأخذ إبراهيم معه حبلا ومدية يعني السكين

فقال له يا أبتاه حدها فإنه أهون للموت

فانطلق به حتى أتى به جبلا من جبال الشام فأضجعه وربط يديه ورجليه فقال له إسحاق يا أبتاه شد رباطي لكي لا أضطرب فيصيب الدم ثيابك فتراه سارة فتحزن

فبكى إبراهيم بكاء شديدا وأخذ الشفرة فوضعها على حلقه وضرب اللّه تعالى على حلقه صفيحة نحاس فجعل يحز فلا تصنع شيئا

فلما رأى إبراهيم ذلك قلبه على وجهه فضرب اللّه تعالى على قفاه صفيحة نحاس وبكيا حتى ابتلت الأرض من دموعهما

فجعل يحز فلا تقطع شيئا فنودي { أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا } ودونك هذا الكبش فهو فداه

فالتفت إبراهيم فإذا هو بكبش أبيض أملح ينحط من الجبل وقد كان رعي في الجنة أربعين خريفا فخلى عن ابنه وأخذ الكبش فذبحه

وقال وهب بن منبه قال إبراهيم لإسحاق { يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر } ثم قال يا أبت إني أوصيك بثلاثة أشياء

قال وكان إسحاق في ذلك اليوم ابن سبع سنين

أحدهما أن تربط يدي لكيلا أضرب فأؤذيك والثاني أن تجعل وجهي إلى الأرض لكيلا تنظر إلى وجهي وترحمني والثالث أن تذهب بقميصي إلى أمي ليكون القميص عندها تذكرة مني فذلك قوله { فلما بلع معه السعي قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى } قرأ حمزة والكسائي { ماذا ترى } بضم التاء يعني ماذا ترى من صبرك

ويقال معناه ماذا تشير

وقرأ الباقون بالنصب وهو من الرأي يعني ماذا ترى من صبرك

ويقال معناه ماذا تشير فيما أمر اللّه به

ويقال هو من المشورة والرأي قال أبو عبيد بالنصب تقرأ لأن هذا في موضع المشورة والرأي والآخر يستعمل في رؤية العين { قال يا أبت أفعل ما تؤمر ستجدني إن شاء اللّه من الصابرين } على الذبح

قوله عز وجل { فلما أسلما } يعني اتفقا على أمر اللّه تعالى قال قتادة أسلم هذا نفسه للّه تعالى وأسلم هذا ابنه للّه تعالى

وروي عن ابن مسعود رضي اللّه عنه أنه قرأ { فلما سلما } يعني رضيا { وتله للجبين } يعني صرعه على جبينه أي على وجهه

وقال القتبي { وتله للجبين } يعني جعل إحدى جبينيه على الأرض وهما جبينان والجبهة بينهما { وناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا }

وقال القتبي الواو زيادة ومعناه فلما أسلما وتله للجبين ناديناه وهذا كما قال امرئ القيس

( فلما أجزنا ساحة الحي وانتحى  بنا بطن خبت ذي قفاف عقنقل )

يعني انتحى والواو زيادة

وقال بعضهم في الآية مضمر ومعناه { فلما أسلما } وسلما { وتله للجبين } وذكر عن الخليل بن أحمد أنه سئل عن هذه الآية فقال ليس لنا في كتاب اللّه عز وجل تكلم

فقيل له فما مثله في العربية فقال قول امرئ القيس فلما أجزنا ساحة الحي أجزنا وانتحى بنا

كذلك قوله { أسلما } سلما { وتله للجبين }

١٠٤

 { وناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا } يعني أوفيت الوعد وائتمرت ما أمرت

١٠٥

يقول اللّه تعالى { إنا كذلك نجزي المحسنين } كما فعلت يا إبراهيم

وقد { فديناه بذبح عظيم }

١٠٦

قوله عز وجل { إن هذا لهو البلاء المبين } يعني الاختبار البين

١٠٧

ثم قال { وفديناه بذبح عظيم } يعني بكبش عظيم والذبح بكسر الذال اسم لما يذبح وبالنصب مصدر

وروي عن ابن عباس أنه قال حدثني من رأى قرني الكبش معلقين في الكعبة وهو الكبش الذي ذبحه إبراهيم عن إسماعيل عليهما السلام

١٠٨

ثم قال عز وجل { وتركنا عليه في الآخرين } قال الثناء الحسن { سلام على إبراهيم } يعني سلام اللّه على إبراهيم

ويقال هذا موصول بالأول يعني { وتركنا عليه في الأخرين }

١٠٩

{ سلام على إبراهيم } يعني أثنينا ثناء عليه السلام في الآخرين

١١٠

ثم قال { كذلك نجزي المحسنين}

١١١

{ إنه من عبادنا المؤمنين } يعني المصدقين المخلصين

١١٢

ثم قال عز وجل { وبشرناه بإسحاق } قال ابن عباس بشرنا بإسحاق بعدما أمر بذبح إسماعيل وكان أكبر من إسحاق بثلاث عشرة سنة

ويقال { وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين } يعني بشرناه بنبوة إسحاق بعدما أمر بذبح إسحاق عليه السلام

١١٣

ثم قال عز وجل { وباركنا عليه وعلى إسحاق } يعني على إبراهيم وعلى إسحاق { وباركنا } أي النماء والزيادة في الأموال والأولاد فكان من صلبه ذرية لا تحصى { ومن ذريتهما محسن } مثل موسى وهارون وداود وسليمان وعيسى عليهم السلام ومؤمنو أهل الكتاب { وظالم لنفسه مبين } يعني الذين كفروا بآيات اللّه عز وجل

وروي عن ابن عباس أنه قال قد رعى الكبش في الجنة أربعين خريفا

وقال بعضهم هي الشاة التي تقرب بها هابيل ابن آدم عليهما السلام فتقبل منه قربانه ورفع إلى السماء حيا ثم جعل بدلا عن ذبح إسماعيل أو إسحاق عليهما السلام

ويقال هي الشاة التي خلقها اللّه تعالى لأجله

وقال بعضهم إنها وعلة من البر يعني بقرة وحش من البر جبلية

١١٤

قوله عز وجل { ولقد مننا على موسى وهارون } يعني أنعمنا عليهما بالنبوة

١١٥

{ ونجيناهما وقومهما من الكرب العظيم } يعني من الغرق

١١٦

 { ونصرناهم } يعني موسى وقومه { فكانوا هم الغالبين } بالحجة على فرعون

١١٧

{ وآتيناهما } يعني موسى وهارون { الكتاب المستبين } يعني المبين قد بين فيه الحلال والحرام

١١٨

{ وهديناهما الصراط المستقيم } يعني ثبتناهما على دين الإسلام

١١٩

 { وتركنا عليهما في الآخرين } يعني الثناء الحسن في الباقين

١٢٠

 { سلام على موسى وهارون } يعني السلام منا والمغفرة عليهما

١٢١

 { إنا كذلك نجزي المحسنين } أي نكافئ المحسنين

١٢٢

 { إنهما من عبادنا المؤمنين } يعني من المرسلين

١٢٣

قوله عز وجل { وإن إلياس لمن المرسلين } يعني نبي من أنبياء بني إسرائيل عليهم السلام وقال بعضهم إنه إدريس عليه السلام

وروي عن ابن مسعود أنه كان يقرأ { وإن إدريس لمن المرسلين سلام على إدريس }

وقال بعضهم إلياس هو الخضر عليه السلام

وقال بعضهم إلياس غير الخضر وإلياس صاحب البراري والخضر صاحب الجزائر ويجتمعان

في كل يوم عرفة بعرفات

ويقال هو من سبط يوشع بن نون بعثه اللّه تعالى إلى أهل بعلبك فكذبوه فأهلكهم اللّه تعالى بالقحط

وقال اللّه عز وجل لإلياس سلني أعطك قال ترفعني إليك فرفعه اللّه تعالى إليه وجعله أرضيا سماويا إنسيا ملكيا يطير مع الملائكة فذلك

١٢٤

قوله تعالى { إذ قال لقومه ألا تتقون } اللفظ لفظ الاستفهام والمراد به الأمر يعني اتقوا اللّه تعالى { أتدعون بعلا وتذرون } ربا

روى عكرمة عن ابن عباس قال البعل الصنم

١٢٥

وقال مجاهد { أتعدون بعلا } قال ربا

وروى جويبر عن الضحاك قال مر رجل وهو يقول من يعرف بعل البقرة

فقال رجل أنا بعلها فقال له ابن عباس إنك زوج البقرة فقال الرجل يا ابن عباس أما سمعت قول اللّه تعالى يقول { أتدعون بعلا } يعني ربا وأنا ربها ويقال البعل كان اسم ذلك الصنم خاصة الذي كان لهم ويقال كان صنما من ذهب فقال لهم { أتدعون بعلا } أي الصنم { وتذرون أحسن الخالقين } الذي خلقكم يعني تتركون عبادة اللّه

١٢٦

 { اللّه ربكم } قرأ حمزة والكسائي وعاصم في رواية حفص { اللّه ربكم } { ورب آبائكم } كلها بالنصب وقرأ الباقون كلها بالضم { اللّه ربكم ورب آبائكم }فمن قرأ بالنصب يرده إلى قوله { وتذرون أحسن الخالقين اللّه ربكم ورب } على صفة أحسن ومن قرأ بالضم فهو على معنى الاستئناف فكأنه قال هو اللّه ربكم ورب آبائكم الأولين

١٢٧

ثم قال عز وجل { فكذبوه } يعني إلياس { فإنهم لمحضرون } النار

١٢٨

{ إلا عباد اللّه المخلصين } فإنهم لا يحضرون النار

١٢٩

{ وتركنا عليه في الآخرين } يعني الثناء الحسن { سلام على إل ياسين } قرأ نافع وابن عامر

١٣٠

 { سلام على آل ياسين } وقرأ الباقين { إلياسين }ومن قرأ { آل ياسين } يعني محمدا صلى اللّه عليه وسلم ويقال آل محمد فياسين اسم والال مضاف إليه وآل الرجل أتباعه

وقيل أهله ومن قرأ { إلياسين } فله طريقان أحدهما أنه جمع الياس ومعناه الياس وأمته من المؤمنين

كما يقال رأيت المهالبة يعني بني المهلب والثاني أن يكون لغتان إلياس وإلياسين مثل ميكال وميكائيل

١٣١

ثم قال { إنا كذلك نجزي المحسنين }

١٣٢

{ إنه من عبادنا المؤمنين } وقد ذكرناه

١٣٣

قوله عز وجل { وإن لوطا لمن المرسلين }

١٣٤

وقوله { إذ نجيناه وأهله أجمعين }

١٣٥

{ إلا عجوزا في الغابرين }

١٣٦

{ ثم دمرنا الآخرين } وقد ذكرناه

١٣٧

ثم قال عز وجل { وإنكم لتمرون عليهم مصبحين } يعني يا أهل مكة لتمرون على قرياتهم إذا سافرتم بالليل والنهار وذلك

١٣٨

 قوله { وبالليل أفلا تعقلون } يعني أليس لكم ذهن الإنسانية فتعتبروا

١٣٩

قوله عز وجل { وإن يونس لمن المرسلين } يعني من جملة المرسلين

١٤٠

 { إذ أبق } يعني إذ فزع ويقال إذ هرب

ويقال خرج { إلى الفلك المشحون } يعني الموقد من الناس والدواب

١٤١

ويقال المجهز الذي قد فرغ من جهازه { فساهم } يعني اقترعوا وقد ذكرت قصته في سورة الأنبياء عليهم السلام { فكان من المدحضين } يعني من المقروعين والمدحض في اللغة هو المغلوب في الحجة وأصله من دحض الرجل إذ زل من مكانه

١٤٢

{ فالتقمه الحوت } يعني ابتلعه الحوت { وهو مليم } يعني يلوم نفسه قال أهل اللغة المليم الذي استوجب اللوم سواء لأمره أو لا والملوم الذي يلام سواء استوجب اللوم أم لا

١٤٣

ثم قال عز وجل { فلولا أنه كان من المسبحين } قال مقاتل والكلبي لولا أنه كان من المصلين قبل ذلك ويقال { لولا أنه كان من المسبحين } في بطن الحوت

١٤٤

 { للبث } أي لمكث { في بطنه } ولكان بطنه قبره { إلى يوم يبعثون } يعني إلى يوم القيامة

١٤٥

قوله عز وجل { فنبذناه بالعراء } يعني نبذه الحوت على ساحل البحر ويقال بالفضاء على ظاهر الأرض

وقال أهل اللغة العراء هو المكان الخالي من البناء والشجر والنبات فكأنه من عرى الشيء { وهو سقيم } يعني مريض وذكر في الخبر أنه لم يبق له لحم ولا ظفر ولا شعر فألقاه على الأرض كهيئة الطفل لا قوة له وقد كان مكث في بطن الحوت أربعين يوما

١٤٦

{ وأنبتنا عليه شجرة من يقطين } قال مقاتل يعني من قرع وهكذا قال قتادة ومجاهد

وقال أهل اللغة كل شيء ينبت بسطا فهو يقطين وهكذا قال الكلبي وذكر في الخبر أن وعلة كانت تختلف إليه ويشرب من لبنها فكان تحت ظل اليقطين ويشرب من لبن الوعلة حتى تقوى ثم يبست تلك الشجرة فاغتم لذلك وحزن حزنا شديدا وبكى فأوحى اللّه تعالى إليه إنك قد اغتممت بسبب هذه الشجرة فكيف لم تغتم بهلاك مائة ألف أو يزيدون

١٤٧

قال { وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون } يعني كما أرسلناه قبل ذلك إلى قومه وهم مائة ألف يعني أهل نينوى { أو يزيدون }يعني بل يزيدون ويقال يعني ويزيدون وكانوا مائة وعشرين ألفا

١٤٨

 { فآمنوا } لما جاءهم العذاب أقروا وصدقوا فصرف اللّه عنهم العذاب فذلك قوله { فمتعناهم إلى حين } يعني أبقيناهم إلى منتهى آجالهم فخرج يونس عليه السلام فمر بجانب مدينة نينوى فرأى هناك غلاما يرعى فقال ممن أنت يا غلام فقال من قوم يونس

فقال فإذا رجعت إليهم فأخبرهم بأنك قد رأيت يونس

فقال الغلام إنه من يحدث ولم تكن له بينة قتلوه فقال له يونس عليه السلام تشهد لك هذه البقعة وهذه الشجرة فدخل وقال للملك إني رأيت يونس عليه السلام يقرئك السلام فلم يصدقوه حتى خرجوا وشهدت الشجرة والبقعة

قال عبد اللّه بن مسعود رضي اللّه عنه فأخذ الملك بيدي الغلام وقال أنت أحق بالملك مني فأقام الغلام أميرهم أربعين سنة

١٤٩

قوله عز وجل { فاستفتهم } يعني سل أهل مكة { ألربك البنات }

قال مقاتل وذلك أن جنسا من الملائكة يقال لهم الجن منهم إبليس قال بعض الكفار إن اللّه عز وجل اتخذهم بناتا لنفسه فقال لهم أبو بكر رضي اللّه عنه فمن أمهم فقالوا سروات الجن فذلك قوله { ألربك البنات ولهم البنون } يعني يختارون له البنات ولأنفسهم البنين

١٥٠

ثم قال { أم خلقنا الملائكة إناثا وهم شاهدون } يعني كانوا شاهدين حاضرين حين خلقهم بناتا

١٥١

{ ألا إنهم من إفكهم } يعني من كذبهم { ليقولون }

١٥٢

{ ولد اللّه وإنهم لكاذبون } في قلوبهم

١٥٣

ثم قال عز وجل { أصطفى البنات على البنين } وذكر عن نافع أنه قرأ بإسقاط الألف في الوصل وهو قوله { لكاذبون اصطفى } وبكسرها في الابتداء وجعلها ألف الوصل ولم يجعلها ألف القطع ولا ألف الاستفهام ومعناها أن اللّه عز وجل حكى عن الكفار أنهم يزعمون أن الملائكة بنات اللّه وأنهم من إفكهم ليقولون اصطفى البنات على البنين

وقرأ الباقون { لكاذبون اصطفى } بإثبات الألف على معنى الاستفهام فلفظه لفظ الاستفهام والمراد به الزجر

١٥٤

ثم قال عز وجل { ما لكم كيف تحكمون } يعني كيف تقضون بالحق

١٥٥

 { أفلا تذكرون } أنه لا يختار البنات على البنين

١٥٦

 { أم لكم سلطان مبين } يعني ألكم حجة بينة

ويقال ألكم عذر بين في كتاب اللّه أنزل اللّه إليكم بأن الملائكة بناته

١٥٧

{ فأتوا بكتابكم } يعني أي بعذركم وحجتكم { إن كنتم صادقين } في مقالتكم

١٥٨

ثم قال عز وجل { وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا } يعني وصفوا بين الرب وبين الملائكة نسبا حين زعموا أنهم بناته

ويقال جعلوا بينه وبين إبليس قرابة

وروى جويبر عن الضحاك قال قالت قريش إن إبليس أخو الرحمن وقال عكرمة { وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا } قالوا الملائكة بنات اللّه وجعلوهم من الجن وهكذا قال القتبي

ثم قال { ولقد علمت الجنة } قال مقاتل والكلبي يعني علمت الملائكة الذين قالوا إنهم البنات { إنهم لمحضرون } أن من قال إنهم بناته لمحضرون في النار

ويقال لو علمت الملائكة أنهم لو قالوا بذلك أدخلوا النار

١٥٩

ثم قال اللّه عز وجل { سبحان اللّه عما يصفون } يعني تنزيها للّه عما يصف الكفار ثم استثنى على معنى التقديم والتأخير يعني فقال { إنهم لمحضرون }

١٦٠

{ إلا عباد اللّه المخلصين } يعني الموحدين فإنهم لا يحضرون النار

ويقال بغير تقديم وتأخير ومعناه { سبحانه عما يصنعون إلا عباد اللّه المخلصين } يعني الموحدين فإنهم لا يقولون ذلك

١٦١

ثم قال عز وجل { فإنكم وما تعبدون}

١٦٢

{ما أنتم عليه بفاتنين } يعني ما أنتم عليه بمضلين أحدا بآلهتكم

١٦٣

 { إلا من هو صال الجحيم } يعني إلا من قدر اللّه له أن يصلى الجحيم

ويقال إلا من كان في علم اللّه تعالى أنه يصلى الجحيم ويقال إلا من قدر عليه الضلالة وعلم ذلك منه وأنتم لا تقدرون على الضلالة وعلى الهدى

١٦٤

قوله عز وجل { وما منا إلا له مقام معلوم } يعني قل يا جبريل لمحمد صلى اللّه عليه وسلم

{ وما منا } معشر الملائكة { إلا له مقام معلوم } يعني مصلى معروفا في السماء يصلي فيه ويعبد اللّه تعالى فيه

١٦٥

 { وإنا لنحن الصافون } يعني صفوف الملائكة في السموات

وروي مسروق عن ابن مسعود قال إن في السموات لسماء ما فيها موضع شبر إلا وعليه جبهة ملك ساجد أو قدماه ثم قرأ { وإنا لنحن الصافون }

وروي عن مجاهد عن أبي ذر عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه قال ( أطت السماء وحق لها أن تئط ما فيها موضع شبر إلا وفيه جبهة ملك ساجد )

ويقال إن جبريل عليه السلام جاء إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال له { إنك تقوم أدنى من ثلثي اليل ونصفه وثلثه } [ المزمل ٢٠ ] { وما منا إلا له مقام معلوم } في السموات يعبد اللّه عز وجل فيه

١٦٦

 { وإنا لنحن المسبحون } يعني المصلين

١٦٧

 { وإن كانوا ليقولون لو أن عندنا } يعني إن أهل مكة كانوا يقولون لو أتانا بكتاب مثل اليهود والنصارى لكنا نؤمن فذلك

١٦٨

 قوله عز وجل { لو أن عندنا ذكرا من الأولين } يعني لو جاءنا رسول

١٦٩

{ لكنا عباد اللّه المخلصين } يعني الموحدين فلما جاءهم محمد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كفروا به يعني بمحمد صلى اللّه عليه وسلم

ويقال يعني بالقرآن

١٧٠

{ فكفروا به فسوف يعلمون } يعني يعرفون في الآخرة ويقال هذا وعيد لهم

ويقال في الدنيا

١٧١

قوله عز وجل { ولقد سبقت كلمتنا } يعني قد مضت كلمتنا بالنصرة { لعبادنا } { المرسلين } يعني الأنبياء عليهم السلام وهو قوله عز وجل { كتب اللّه لأغلبن أنا ورسلي } [ المجادلة ٢١ ]

١٧٢

{ إنهم لهم المنصورون } في الدنيا على أعدائهم

١٧٣

{ وإن جندنا لهم الغالبون } يعني المؤمنين أهل ديننا

ويقال رسلنا لهم الغالبون في الدنيا بالغلبة والحجة في الآخرة

١٧٤

 { فتول عنهم } يعني فأعرض عنهم إلى نزول العذاب وكان ذلك قبل أن يؤمر بالقتال { حتى حين } قال الكلبي إلى فتح مكة

١٧٥

ويقال إلى أن تؤمر بالقتال { وأبصرهم } يعني أعلمهم ذلك { فسوف يبصرون } يعني يرون ماذا يفعل بهم إذا نزل بهم العذاب

١٧٦

{ أفبعذابنا يستعجلون } يعني أفبعذاب مثلي { يستعجلون }

١٧٧

 { فإذا نزل بساحتهم } يعني بقربهم وحضرتهم { فساء صباح المنذرين } يعني بئس الصباح صباح من أنذر بالعقاب

وروي عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه لما نزل بقرب خيبر قال ( هلكت خيبر إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين ) يعني من أنذرتهم فلم يؤمنوا

١٧٨

قوله عز وجل { وتول عنهم حتى حين }

١٧٩

{ وأبصر فسوف يبصرون } وقد تكرر الكلام للتأكيد والمبالغة في الحجة ثم نزه نفسه عما قالت الكفار

١٨٠

فقال عز وجل { سبحان ربك } يا محمد رب العزة والقدرة { عما يصفون } يعني عما يقولون وقرئ في الشاذ { رب العزة } ويكون نصبا على المدح وفي الشاذ قرئ { رب العزة } بالرفع على معنى هو رب العزة وقراءة العامة بالكسر على معنى النعت

١٨١

ثم قال عز وجل { وسلام على المرسلين } بتبليغ الرسالة ففي الآية دليل وتنبيه للمؤمنين بالتسليم على جميع الرسل عليهم الصلاة والسلام

١٨٢

ثم قال { والحمد للّه رب العالمين } على هلاك الكافرين الذين لم يوحدوا ربهم ويقال حمد الرب نفسه ليكون دليلا لعباده ليحمدوه سبحانه وتعالى والحمد للّه رب العالمي

﴿ ٠