سورة الزمرمكية وهي سبعون وخمس آيات ١قول اللّه تعالى { تنزل الكتاب من اللّه } يعني القرآن صار رفعا بالابتداء وخبره { من اللّه } تعالى { العزيز }أي نزل الكتاب من عند { اللّه العزيز } يعني المنيع بالنقمة { الحكيم } في أمره ومعناه نزل جبريل بهذا القرآن من عند اللّه { العزيز الحكيم } وقال بعضهم صار رفعا لمضمر فيه ومعناه هذا الكتاب تنزيل ٢قوله تعالى { إنا أنزلنا إليك الكتاب } يعني أنزلنا إليك جبريل بالكتاب { بالحق فاعبد اللّه مخلصا له الدين } يعني استقم على التوحيد وعلى عبادة اللّه تعالى مخلصا وإنما خاطبه والمراد به قومه يعني وحدوا اللّه تعالى ولا تقولوا مع اللّه شريكا ٣ثم قال { ألا للّه الدين الخالص } يعني له الولاية والوحدانية ويقال له { الدين الخالص } والخالص هو دين الإسلام فلا يقبل غيره من الأديان لأن غيره من الأديان ليس هو بخالص سوى دين الإسلام قوله عز وجل { والذين اتخذوا من دونه أولياء } يعني عبدوا من دونه أربابا وأوثانا { ما نعبدهم } يعني يقولون ما نعبدهم وروي عن عبد اللّه بن مسعود وأبي بن كعب أنهما كانا يقرآن { والذين اتخذوا من دونه ما نعبدهم } على وجه الإضمار لان في الكلام دليلا عليه { إلا ليقربونا إلى اللّه زلفى } يعني ليشفعوا لنا ويقربونا عند اللّه ويقال { ليقربونا إلى اللّه زلفى } يعني منزلة يقول اللّه تعالى { إن اللّه يحكم بينهم } يعني يقضي بينهم يوم القيامة { فيما هم فيه يختلفون } من الدين ثم قال عز وجل { إن اللّه لا يهدي من هو كاذب } يعني لا يرشد إلى دينه { من هو كاذب } يعني في قوله الملائكة بنات اللّه وعيسى ابن اللّه { كفار } يعني كفروا باللّه بعبادتهم إياهم ويقال معناه لا يوفق لتوحيده من هو كاذب على اللّه حتى يترك كذبه ويرغب في دين اللّه ٤قوله عز وجل { لو أراد اللّه أن يتخذ ولدا } كما قلتم { لاصطفى } يعني لاختار من الولد { مما يخلق ما يشاء } من خلقه إن فعل ذلك ثم قال { سبحانه } نزه نفسه عن الولد وعن الشريك { هو اللّه الواحد القهار } يعني الذي لا شريك له { القهار } يعني القاهر لخلقه ثم بين ما يدل على توحيده ويعجز عنه المخلوقون ٥قوله عز وجل { خلق السموات والأرض بالحق } يعني للحق ولم يخلقهما باطلا لغير شيء { يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل } قال مجاهد يعني يدور الليل على النهار { ويكور النهار على الليل } يعني يدور النهار على الليل وقال مقاتل { يكور } يعني يسلط عليه وهو انتقاص كل واحد منهما من صاحبه وقال الكلبي { يكور } يعني يزيد من النهار إلى الليل فيكون الليل أطول من النهار ويزيد من الليل في النهار فيكون النهار أطول من الليل هذا يأخذ من هذا وهذا يأخذ من هذا وقال القتبي { يكور } يعني يدخل هذا على هذا وأصل التكوير اللف والجمع ومنه كور العمامة ومنه قوله { إذ الشمس كورت } [ التكوير ١ ] وقال { وسخر الشمس والقمر } يعني ذلك ضوء الشمس والقمر للخلق { كل يجري لأجل مسمى } يعني إلى أقصى منازله ويقال إلى يوم القيامة { ألا هو العزيز الغفار } يعني { العزيز } بالنقمة لمن لم يتب { الغفار } لمن تاب ويقال { العزيز } في ملكه { الغفار } لخلقه بتأخير العذاب ٦قوله عز وجل { خلقكم من نفس واحدة } يعني من نفس آدم عليه السلام { ثم جعل منها زوجها } حواء { وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج } يعني ثمانية أصناف وقد فسرناه في سورة الأنعام سورة الأنعام { يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق } يعني نطفة ثم علقة ثم مضغة حالا بعد حال { في ظلمات ثلاث } يعني ظلمة البطن وظلمة الرحم وظلمة المشيمة وهو الذي يكون فيه الولد في الرحم فتخرج بعد ما يخرج الولد { ذلكم اللّه ربكم } يعني الذي خلق هذه الأشياء هو ربكم { له الملك لا إله إلا هو فأنى تصرفون } يعني من أين تكذبون على اللّه ومن أين تعدلون عنه إلى غيره بعدما علموا أنه خالق هذه الأشياء ٧ثم قال { إن تكفروا } يعني أن تجحدوا وحدانيته { فإن اللّه غني عنكم } يعني عن إقراركم وعبادتكم { ولا يرضى لعباده الكفر } قال الكلبي يعني ليس يرضى من دينه الكفر ويقال { لا يرضى لعباده الكفر } وهو ما قاله لإبليس { إن عبادي ليس لك عليهم سلطان } [ الحجر ٤٢ ] ويقال { لا يرضى لعباده الكفر } يعني بشيء من عبادة الكفر { وإن تشكروا يرضه لكم } يعني إن تؤمنوا باللّه وتوحدوه { يرضه لكم } يعني يقبله منكم لأنه دينه { ولا تزر وازرة وزر أخرى } يعني لا يؤاخذ أحد بذنب غيره { ثم إلى ربكم مرجعكم } يعني مصيركم في الآخرة { فينبئكم } يعني فيخبركم { بما كنتم تعملون } من خير أو شر فيجازيكم { إنه عليم بذات الصدور } يعني عالما بما في ضمائر قلوبهم ٨قوله عز وجل { وإذا مس الإنسان ضر } يعني أصاب الكافر شدة في جسده { دعا ربه منيبا إليه } يعني مقبلا إليه بدعائه { ثم إذا خوله نعمة منه } قال مقاتل يعني أعطاه وقال الكلبي يعني بدله العافية مكان البلاء { نسي } ترك الدعاء الذي { ما كان يدعو إليه من قبل } ويتضرع به { وجعل للّه أندادا } يعني يصف للّه شريكا { ليضل عن سبيله } قرأ إبن كثير وأبو عمرو { ليضل } بنصب الياء وهو من ضل يضل يعني ترك الهدى وقرأ الباقون { ليظل } بالضم يعني ليضل الناس ويقال ليضل نفسه بعبادة غير اللّه ويصرفهم عن سبيل اللّه يعني عن دين اللّه { قل تمتع بكفرك قليلا } يعني عش في الدنيا مع كفرك قليلا { إنك من أصحاب النار } يعني من أهل النار ٩قوله عز وجل { أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما } وأصل القنوت هو القيام ثم سمي المصلي فانتا لأنه بالقيام يكون ومعناه أمن هو مصل كمن لا يكون مصليا على وجه الإضمار وروي عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال ( مثل المجاهد في سبيل اللّه كمثل القانت القائم ) يعني المصلي القائم قرأ إبن كثير ونافع وحمزة { أمن } بالتخفيف وقرأ الباقون بالتشديد فمن قرأ بالتخفيف فقد روي عن الفراء أنه قال معناه يا من هو قانت كما تقول في الكلام فلان لا يصوم ولا يصلي فيا من يصلي ويصوم أبشر فكأنه قال يا من هو قانت أبشر ومن قرأ بالتشديد فإنه يريد به معنى الذي ومعناه الذي هو من أصحاب النار فهذا أفضل أم الذي هو قانت آناء الليل يعني ساعات الليل في الصلاة ساجدا وقائما يعني في الصلاة { يحذر الآخرة } يعني يخاف عذاب الآخرة { ويرجو رحمة ربه } يعني مغفرة اللّه تعالى { قل هل يستوي الذين يعلمون } وهم المؤمنون { والذين لا يعلمون } وهم الكفار في الثواب والطاعة ويقال { قل هل يستوي الذين يعلمون } يعني يصدقون بما وعد اللّه في الآخرة من الثواب { والذين لا يعلمون } يعني لا يصدقون ويقال معناه قل هل يستوي العالم والجاهل فكما لا يستوي العالم والجاهل كذلك لا يستوي المطيع والعاصي { إنما يتذكر أولو الألباب } يعني يعتبر في صنعي وقدرتي من له عقل وذهن ١٠قوله عز وجل { قل يا عباد الذين آمنوا } يعني أصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم { اتقوا ربكم } يعني اخشوا ربكم في صغير الأمور وكبيرها واثبتوا على التوحيد ثم قال { للذين أحسنوا في هذه الدنيا } يعني من عمل بالطاعة في الدنيا { حسنة } له الجنة في الآخرة ويقال { للذين أحسنوا } يعني شهدوا أن لا إله إلا اللّه في الدنيا { حسنة } يعني لهم الجنة في الآخرة ويقال { للذين أحسنوا } أي ثبتوا على إيمانهم فلهم الجنة قوله { وأرض اللّه واسعة } قال مقاتل يعني الجنة واسعة وقال الكلبي { وأرض اللّه واسعة } يعني المدينة فتهاجروا فيها يعني انتقلوا إليها واعملوا لآخرتكم { إنما يوفى الصابرون أجرهم } يعني الذين يصبرون على طاعة اللّه في الدنيا جزاؤهم وثوابهم { بغير حساب } يعني بلا عدد ولا انقطاع وروى سفيان عن عبد الملك بن عمير عن جندب بن عبد اللّه أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال ( أنا فرطكم على الحوض ) قال سفيان لما نزل { من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها } [ الأنعام ١٦٠ ] قال النبي صلى اللّه عليه وسلم ( رب زد أمتي ) فنزل { مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل اللّه كمثل حبة أنبتت سبع سنابل } [ البقرة ٢٦١ ] قال ( رب زد أمتي ) فنزل { من ذا الذي يقرض اللّه قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة } [ البقرة ٢٤٥ ] فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم ( رب زد أمتي ) فنزل { إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب } فانتهى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ١١قوله عز وجل { قل إني أمرت أن أعبد اللّه مخلصا له الدين } وذلك أن كفار قريش قالوا للنبي صلى اللّه عليه وسلم ألا تنظر إلى ملة أبيك عبد اللّه وملة جدك عبد المطلب وسادات قومك يعبدون الأصنام فنزل { قل } يا نبي اللّه صلى اللّه عليه وسلم { إني أمرت أن أعبد اللّه مخلصا له الدين } يعني التوحيد ١٢{ وأمرت لأن أكون أول المسلمين } من أهل بلدي ١٣قوله عز وجل { قل إني أخاف إن عصيت ربي } وعبدت غيره ينزل علي { عذاب يوم عظيم } يعني في يوم القيامة ١٤{ قل اللّه أعبد } يعني أعبد اللّه { مخلصا له ديني } يعني توحيدي { فاعبدوا ما شئتم من دونه } من الآلهة وهذا كقوله { لكم دينكم ولي دين } [ الكافرون ٦ ] ويقال { فاعبدوا ما شئتم من دونه } لفظه لفظ التخيير والأمر والمراد به التهديد والتخويف كقوله { اعملوا ما شئتم من دونه } وكقوله { قل تمتع بكفرك قليلا } ويقال قد بين اللّه ثواب المؤمنين وعقوبة الكافرين ١٥ثم قال { فاعبدوا ما شئتم من دونه } وذلك قبل أن يؤمر بالقتال فلما أيسوا منه أن يرجع إلى دينهم قالوا خسرت إن خالفت دين آبائك فقال اللّه تعالى { قل إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة } يعني إن الخاسرون أنتم لا أنا ويقال { الذين خسروا أنفسهم } بفوات الدرجات ولزوم الدركات { ألا ذلك هو الخسران المبين } يعني الظاهر حيث خسروا وأهلهم وأزواجهم يعني في الجنة ١٦قوله عز وجل { لهم من فوقهم ظلل من النار } يعني أطباقا من نار { ومن تحتهم ظلل } يعني مهادا من نار أو معناه أن فوقهم نار وتحتهم نار { ذلك يخوف اللّه به عباده } أي ذلك الذي ذكر يخوف اللّه به عباده في القرآن لكي يؤمنوا { يا عباد فاتقون } أي فوحدوني وأطيعوني ١٧قوله عز وجل { والذين اجتنبوا الطاغوت } قال مقاتل يعني اجتنبوا عبادة الأوثان وقال الكلبي { الطاغوت } يعني الكهنة { أن يعبدوها } يعني أن يطيعوها ورجعوا إلى عبادة ربهم { وأنابوا إلى اللّه } يعني أقبلوا إلى طاعة اللّه ويقال رجعوا من عبادة الأوثان إلى عبادة اللّه { لهم البشرى } يعني الجنة ويقال الملائكة يبشرونهم في الآخرة { فبشر عباد } ١٨{ الذين يستمعون القول } يعني القرآن { فيتبعون أحسنه } يعني يعملون بحلاله وينتهون عن حرامه وقال الكلبي يعني يجلس الرجل مع القوم فيستمع الأحاديث في محاسن ومساوئ فيتبع أحسنه فيأخذ المحاسن فيحدث بها ويدع مساوئه ويقال يستمعون القرآن ويتبعون أحسن ما فيه وهو القصاص والعفو يأخذ العفو لقوله { ولئن صبرتم لهو خير للصابرين } [ النحل ١٢٦ ] وقال بعضهم يسمع النداء فيجيب ويسرع إلى الجماعة وقال بعضهم يسمع الناسخ والمنسوخ والمحكم من القرآن فيعمل بالمحكم ويؤمن بالناسخ والمنسوخ ثم قال { أولئك الذين هداهم اللّه } أي وفقهم اللّه لمحاسن الأمور ويقال { هداهم اللّه } أي أكرمهم اللّه تعالى بدين التوحيد { وأولئك هم أولو الألباب } يعني ذوي العقول ١٩قوله عز وجل { أفمن حق عليه كلمة العذاب } يعني وجب له العذاب ويقال أفمن سبق في علم اللّه تعالى أنه في النار كمن لا يجب عليه الوعيد { أفأنت تنقذ من في النار } يعني تستنقذ من هو في علم اللّه تعالى أنه يكون في النار بعمله الخبيث ويقال من وجب له النار وقدرت عليه النار ٢٠ثم ذكر حال المتقين فقال عز من قائل { لكن الذين اتقوا ربهم } يعني وحدوا ربهم وأطاعوه { لهم غرف من فوقها غرف مبنية } في الجنة وهي العلالي غرف مبنية مرتفعة بعضها فوق بعض { تجري من تحتها الأنهار وعد اللّه } في القرآن { لا يخلف اللّه الميعاد } ٢١قوله عز وجل { ألم تر أن اللّه أنزل من السماء ماء فسلكه } أي فأدخله في الأرض يعني جاريا في الأرض فجعله { ينابيع } يعني عيونا في الأرض تنبع ويقال { فسلكه ينابيع في الأرض } يعني جاريا في الأرض وهي تجري فيها ويقال جعل فيها أنهارا وعيونا { ثم يخرج به زرعا مختلفا ألوانه } أحمر وأصفر وأخضر { ثم يهيج فتراه مصفرا } يعني يتغير فتراه { مصفرا } يعني يابسا بعد الخضرة ويقال { ثم يهيج } يعني ييبس ويقال { يهيج } أي يتم ويشتد من هاج يهيج أي تم يتم { فتراه مصفرا } متغيرا عن حاله { ثم يجعله حطاما } قال القتبي { حطاما } مثل الرفات والفتات وقال الزجاج الحطام ما تفتت وتكسر من النبت وقال مقاتل { حطاما } يعني هالكا { إن في ذلك لذكرى } أي فيما ذكر لعظة { لأولي الألباب } يعني لذوي العقول من الناس ٢٢قوله عز وجل { أفمن شرح اللّه صدره للإسلام } يعني وسع اللّه قلبه للإسلام ويقال لين اللّه قلبه لقبول التوحيد { فهو على نور من ربه } يعني على هدى من اللّه تعالى وجوابه مضمر يعني أفمن شرح اللّه صدره للإسلام فاهتدى كمن طبع على قلبه وختم على قلبه فلم يهتد ويقال { فهو على نور من ربه } يعني القرآن لأن فيه بيان الحلال والحرام فهو على نور من ربه لمن تمسك به ويقال { على نور } يعني التوحيد والمعرفة وروي في الخبر أنه لما نزلت هذه الآية { أفمن شرح اللّه صدره للإسلام } قالوا فكيف ذلك يا رسول اللّه قال ( إذا دخل النور في القلب انفسح وانشرح ) قالوا فهل لذلك علامة قال ( نعم التجافي عن دار الغرور والإنابة إلى دار الخلود والاستعداد للموت قبل نزوله ) ثم قال { فويل } يعني الشدة من العذاب { للقاسية قلوبهم } يعني لمن قست ويبست قلوبهم { من ذكر اللّه } تعالى ويقال القاسية الخالية من الخير { أولئك } يعني أهل هذه الصفة { في ضلال مبين } أي في خطأ { مبين } أي بين ٢٣قوله عز وجل { اللّه نزل أحسن الحديث } يعني أحكم الحديث وهو القرآن وذلك أن المسلمين قالوا لبعض مؤمني أهل الكتاب نحو عبد اللّه بن سلام أخبرنا عن التوراة فإن فيها علم الأولين والآخرين فأنزل اللّه تعالى { اللّه نزل أحسن الحديث } يعني أنزل عليكم أحسن الحديث وهو القرآن ويقال { أحسن الحديث } يعني أحسن من سائر الكتب لأن سائر الكتب صارت منسوخة بالقرآن { كتابا متشابها } يعني يشبه بعضه بعضا ولا يختلف ويقال { متشابها } يعني موافقا لسائر الكتب في التوحيد وفي بعض الشرائع وروي عن الحسن البصري أنه قال { متشابها } يعني خيارا لا رذالة فيه ويقال { متشابها } اشتبه على الناس تأويله ثم قال { مثاني } يعني أن الأنباء والقصص تثنى فيه ويقال سمي { مثاني } لأن فيه سورة المثاني يعني سورة الفاتحة { الحمد للّه رب العالمين } ثم قال { تقشعر منه } يعني ترتعد مما فيه من الوعيد { جلود الذين يخشون ربهم } ويقال { تقشعر منه } يعني تتحرك مما في القرآن من الوعيد ويقال ترتعد منه الفرائص { ثم تلين جلودهم وقلوبهم } يعني بعد الاقشعرار { إلى ذكر اللّه } من آية الرحمة والمغفرة يعني إذا قرأت آيات الرجاء والرحمة تطمئن قلوبهم وتسكن { ذلك } يعني القرآن { هدى اللّه يهدي به } يعني بالقرآن { من يشاء } اللّه أن يهديه إلى دينه { ومن يضلل اللّه } عن دينه { فما له من هاد } يعني لا يقدر أحد أن يهديه بعد خذلان اللّه تعالى ٢٤قوله عز وجل { أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب } يعني أفمن يدفع بوجهه شدة العذاب وجوابه مضمر يعني هل يكون حاله كحال من هو في الجنة يعني ليس الضال الذي تصل النار إلى وجهه كالمهتدي الذي لا تصل النار إلى وجهه ليسا سواء وقال أهل اللغة أصل الاتقاء في اللغة الإوتقاء وهو التستر يعني وجهه إلى النار كالذي لا يفعل ذلك به وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال { أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب } يعني يجر على وجهه في النار قال وهذا كقوله { أفمن يلقى في النار خير أم من يأتي ءامنا يوم القيامة } [ فصلت ٤٠ ] ويقال { أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب } معناه أنه يلقى في النار مغلولا لا يتهيأ له أن يتقي النار إلا بوجهه { يوم القيامة وقيل للظالمين } يعني للكافرين { ذوقوا ما كنتم تكسبون } من التكذيب ٢٥قوله عز وجل { كذب الذين من قبلهم } يعني من قبل قومك رسلهم { فأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون } يعني لا يعلمون ولا يحتسبون وهم غافلون ٢٦{ فأذاقهم اللّه الخزي } يعني العذاب { في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أكبر } يعني أعظم مما عذبوا به في الدنيا { لو كانوا يعلمون } ولكنهم لا يعلمون ٢٧قوله عز وجل { ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل } يعني بينا في هذا القرآن من كل شيء وقد بين بعضه مفسرا وبعضه مبهما مجملا { لعلهم يتذكرون } لكي يتعظوا { قرآنا عربيا } يعني أنزلناه قرآنا أي عربيا بلغة العرب { غير ذي عوج } يعني ليس بمختلف ولكنه مستقيم ويقال غير ذي نقض ويقال غير ذي عيب ويقال { غير ذي عوج } أي غير مخلوق قال أبو الليث رحمه اللّه حدثنا محمد بن داود قال حدثنا محمد بن أحمد باستراباذ قال حدثنا أبو حاتم الداري عن سليمان بن داود العتكي عن يعقوب بن محمد بن عبد اللّه الأشعري عن جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ٢٨قال في قوله تعالى { قرآنا عربيا غير ذي عوج } قال غير مخلوق { لعلهم يتقون } أي لكي يتقوا الشرك ٢٩قوله عز وجل { ضرب اللّه مثلا } أي بين شبها { رجلا فيه شركاء متشاكسون } أي عبدا بين موالي مختلفين يأمره هذا بأمر وينهاه هذا عنه ويقال { متشاكسون } أي مختلفين يتنازعون { ورجلا سلما لرجل } أي خالصا لرجل لا شركة فيه لأحد قرأ إبن كثير وأبو عمر { سالما } بالألف وكسر اللام وقرأ الباقون { سلما } بغير ألف ونصب السين فمن قرأ { سالما } فهو اسم الفاعل على معنى سلم فهو سالم ومعناه الخالص ومن قرأ { سلما } فهو مصدر فكأنه أراد به رجلا ذا سلم لرجل ومعنى الآية هل يستوي من عبد آلهة مختلفة كمن عبد ربا واحدا وقال قتادة الرجل الكافر والشركاء الشياطين والآلهة ورجلا سلما المؤمن يعمل للّه تعالى وحده وقال بعضهم هذه المثل للراغب والزاهد فالراغب شغلته أمور مختلفة فلا يتفرغ لعبادة ربه فإذا كان في العبادة فقلبه مشغول بها والزاهد قد يتفرغ عن جميع أشغال الدنيا فهو يعبد ربه خوفا وطمعا { هل يستويان مثلا } يعني عنده في المنزلة يوم القيامة { الحمد للّه } قال مقاتل { الحمد للّه } حين خصهم يقال { الحمد للّه } على تفضيل من اختاره على من اشتغل بما دونه ويقال يعني قولوا الحمد للّه { بل أكثرهم لا يعلمون } أن عبادة رب واحد خير من عبادة أرباب شتى ويقال { لا يعلمون } أنهما لا يستويان ويقال { لا يعلمون } توحيد ربهم ٣٠قوله تعالى { إنك ميت وإنهم ميتون } ذلك أن كفار قريش قالوا { نتربص به ريب المنون } [ الطور ٣٠ ] يعني ننتظر موت محمد عليه السلام فنزل { إنك ميت وإنهم ميتون } يعني أنت ستموت وهم سيموتون ويقال { إنك ميت وإنهم ميتون } يعني إنك لميت لا محالة وإنهم لميتون لا محالة والشيء إذا قرب من الشيء سمي باسمه فالخلق كلهم إذا كانوا بقرب من الموت فكل واحد منهم يموت لا محالة فسماهم ميتين ٣١{ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون } أي تتكلمون بحججكم الكافر مع المؤمن والظالم مع المظلوم فإن قيل قد قال في آية أخرى { لا تختصموا لدي } [ ق ٢٨ ] قيل له إن في يوم القيامة ساعات كثيرة وأحوالها مختلفة مرة يختصمون ومرة لا يختصمون كما أنه قال فهم لا يتساءلون وقال في آية أخرى { وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون } [ الصافات ٢٧ ] يعني في حال يتساءلون وفي حال لا يتساءلون وهذا كما قال في موضع آخر { فيومئذ لا يسئل عن ذنبه إنس ولا جان } [ الرحمن ٣٩ ] وقال في آية أخرى { فوربك لنسئلنهم أجمعين } [ الحجر ٩٢ ] وكما قال في آية أخرى لا يتكلمون وفي آية أخرى أنهم يتكلمون ونحو هذا كثير في القرآن وروي عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه قال: لا تزال الخصومة بين الناس يوم القيامة حتى تتخاصم الروح والجسد فيقول الجسد إنما كنت بمنزلة جزع ملقى لا أستطيع شيئا وتقول الروح إنما كنت ريحا لا أستطيع أن أعمل شيئا فضرب لهما مثل الأعمى والمقعد فحمل الأعمى المقعد فيدله المقعد ببصره ويحمله الأعمى برجليه. وقال أبو جعفر الرازي عن الربيع عن أنس قال سألت أبا العالية عن قوله { لا تختصموا لدي } ثم قال { ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون } فكيف هذا قال أما قوله { لا تختصمون لدي } فهو لأهل الشرك وأما قوله { ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون } فهو لأهل القبلة يختصمون في مظالم ما بينهم ٣٢قوله تعالى { فمن أظلم } يعني فلا أحد أظلم { ممن كذب على اللّه } بأن معه شريكا { وكذب بالصدق إذ جاءه } يعني بالقرآن والتوحيد ويقال { وكذب بالصدق } يعني بالصادق وهو النبي صلى اللّه عليه وسلم { أليس في جهنم مثوى للكافرين } يعني مأوى للذين يكفرون بالقرآن فاللفظ لفظ الاستفهام والمراد به التحقيق كقوله { أليس اللّه بأحكم الحاكمين } [ التين ٨ ] قوله تعالى { والذي جاء بالصدق } أي بالقرآن { وصدق به } أي أصحابه ويقال { وصدق به } المؤمنون ٣٣وقال القتبي { والذي جاء بالصدق وصدق به } هو في موضع جماعة ومعناه والذين جاؤوا بالصدق وصدقوا به وهذا موافق لخبر ابن مسعود وقال قتادة والشعبي ومقاتل والكلبي { والذي جاء بالصدق } يعني النبي صلى اللّه عليه وسلم { وصدق به } يعني المؤمنون وذكر عن علي رضي اللّه عنه أنه قال { والذي جاء بالصدق } يعني النبي صلى اللّه عليه وسلم { وصدق به } يعني أبو بكر { أولئك هم المتقون } الذين اتقوا الشرك والفواحش وقرأ بعضهم { وصدق } بالتخفيف يعني النبي صلى اللّه عليه وسلم قرأ على الناس كما أنزل عليه ولم يزد في الوحي شيئا ولم ينقص من الوحي شيئا ٣٤ثم قال { لهم ما يشاؤون عند ربهم } يعني لهم ما يريدون ويحبون في الجنة { ذلك جزاء المحسنين } أي ثواب الموحدين المطيعين المخلصين ٣٥قوله تعالى { ليكفر اللّه عنهم } يعني ليمحو عنهم ويغفر لهم { أسوأ الذي عملوا } يعني أقبح ما عملوا مخالفا للتوحيد { ويجزيهم أجرهم } يعني ثوابهم { بأحسن الذي كانوا يعملون } يعني يجزيهم بالمحاسن ولا يجزيهم بالمساوئ لأنه ليس لهم ذنب ولا خطايا فلا يجزيهم بمساوئهم ٣٦قوله عز وجل { أليس اللّه بكاف عبده } قرأ حمزة والكسائي { عباده } بالألف بلفظ الجماعة يعني الذين صدقوا النبي صلى اللّه عليه وسلم وبالقرآن والباقون { عبده } بغير ألف يعني النبي صلى اللّه عليه وسلم { ويخوفونك بالذين من دونه } يعني بالذين يعبدون من دونه وذلك أن كفار مكة قالوا للنبي صلى اللّه عليه وسلم لا تزال تقع في آلهتنا فاتق كيلا يصيبك منها معرة أو سوء فنزل { أليس اللّه بكاف عبده } الآية وروى معمر عن قتادة قال بعث النبي صلى اللّه عليه وسلم خالد بن الوليد إلى العزى ليكسرها فمشى إليها بالفأس فقال له قيمها يا خالد احذر فإن لها شدة لا يقوم لها أحد فمشى إليها خالد فهشم أنفها بالفأس ويقال { أليس اللّه بكاف عبده } يعني الأنبياء عليهم السلام ٣٧ثم قال { ومن يضلل اللّه فما له من هاد } يعني من يخذله اللّه عن الهدى فما له من مرشد ولا ناصر { ومن يهد اللّه فما له من مضل } يعني ليس له أحد يخذله { أليس اللّه بعزيز ذي انتقام } يعني عزيزا في ملكه { ذي انتقام } من عدوه ٣٨قوله عز وجل { ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن اللّه } فعل ذلك { قل أفرأيتم ما تدعون من دون اللّه } يعني ما تعبدون من دون اللّه من الآلهة { إن أرادني اللّه بضر } يعني إن أصابني اللّه ببلاء ومرض في جسدي وضيق في معيشتي أو عذاب في الآخرة { هل هن كاشفات ضره } يعني هل تقدر الأصنام على دفع ذلك عني { أو أرادني برحمة } أي بنعمة وعافية وخير { هل هن ممسكات رحمته } يعني هل تقدر الأصنام منع الرحمة عني قرأ أبو عمر { كاشفات } بالتنوين { ضره } بالنصب { ممسكات } بالتنوين { رحمته } بالنصب وقرأ الباقون بغير تنوين وكسر ما بعده على وجه الإضافة فمن قرأ بالتنوين نصب { ضره } { ورحمته } لأنه مفعول به قوله تعالى { قل حسبي اللّه } يعني يكفيني اللّه من شر آلهتكم ويقال { حسبي اللّه } يعني أثق به { عليه توكلت } أي فوضت أمري إلى اللّه { عليه يتوكل المتوكلون } أي يثق به الواثقون فأنا متوكل وعليه توكلت ٣٩قوله عز وجل { قل يا قوم اعملوا على مكانتكم } يعني في منازلكم ويقال { على مكانتكم } أي على قدر طاقتكم وجهدكم { إني عامل } في إهلاككم لأنهم قالوا له إن لم تسكت عن آلهتنا نعمل في إهلاكك فنزل { قل يا قوم اعملوا على مكانتكم } إهلاكي في مكانتكم { إني عامل } { فسوف تعلمون } من نجا ومن هلك قرأ عاصم في رواية أبي بكر { مكاناتكم } بلفظ الجماعة والباقون { مكانتكم } والمكانة والمكان واحد ٤٠قوله عز وجل { من يأتيه عذاب يخزيه } أي من يأتيه عذاب اللّه يهلكه { ويحل عليه عذاب مقيم } يعني دائم لا ينقطع أبدا ٤١قوله عز وجل { إنا أنزلنا عليك الكتاب للناس بالحق } يعني أنزلنا عليك جبريل بالقرآن { للناس بالحق } يعني لتدعو الناس إلى الحق وهو التوحيد { فمن اهتدى } أي وحد وصدق بالقرآن وعمل بما فيه فإنما يهتدي لنفسه أي ثواب الهدى لنفسه { ومن ضل فإنما يضل عليها } يعني أعرض ولم يؤمن بالقرآن فقد أوجب العقوبة على نفسه { وما أنت عليهم بوكيل } يعني ما أنت يا محمد عليهم بحفيظ ويقال بمسلط وهذا قبل أن يؤمر بالقتال ٤٢قوله عز وجل { اللّه يتوفى الأنفس حين موتها } قال الكلبي اللّه تعالى يقبض الأنفس عند موتها { والتي لم تمت في منامها } فيقبض نفسها إذا نامت أيضا { فيمسك التي قضى عليها الموت } فلا يردها { ويرسل الأخرى } التي لم تبلغ أجلها { إلى أجل مسمى } يردها إلى أجلها وقال مقاتل { اللّه يتوفى الأنفس } عند أجلها والتي قضى عليها الموت فيمسكها عن الجسد على وجه التقديم { والتي لم تمت في منامها } فتلك الأخرى التي أرسلها لتعود إلى الجسد إلى أجل مسمى وقال سعيد بن جبير اللّه يقبض أنفس الأحياء والأموات فيمسك أنفس الأموات ويرسل أنفس الأحياء إلى أجل مسمى ثم قال { إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون } أي يعتبرون قرأ حمزة والكسائي { قضي عليها } بضم القاف وكسر الضاد وفتح الياء وبضم التاء في الموت على فعل ما لم يسم فاعله والباقون {قضى عليها } بالنصب يعني قضى اللّه عليها الموت ونصب الموت لأنه مفعول به ٤٣وقال عز وجل { أم اتخذوا من دون اللّه } الميم صلة ومعناه اتخذوا فاللفظ لفظ الاستفهام والمراد به التوبيخ والزجر فقال { أم اتخذوا من دون اللّه } { شفعاء } يعني يعبدون الأصنام لكي تشفع لهم { قل أو لو كانوا لا يملكون شيئا ولا يعقلون } يعني يعبدونهم وإن كانوا لا يعقلون شيئا ٤٤ثم قال { قل للّه الشفاعة جميعا } قل يا محمد للّه الأمر والإذن في الشفاعة وهذا كقوله { من ذا الذي يشفع عنده } [ البقرة ٢٥٥ ] وكما قال { يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له } [ طه ١٠٠ ] ثم قال { له ملك السموات والأرض } يعني خزائن السموات والأرض ويقال نفاذ الأمر في السموات والأرض وله نفاذ الأمر في السموات والأرض { ثم إليه ترجعون } في الآخرة ٤٥وقال { وإذا ذكر اللّه وحده اشمأزت } إذا قيل لهم قولوا لا إله إلا اللّه { اشمأزت } قال مقاتل يعني انقبضت عن التوحيد وقال الكلبي أعرضت ونفرت وقال القتبي العرب تقول اشمأز قلبي من فلان أي نفر منه { قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة } يعني لا يصدقون بيوم القيامة { وإذا ذكر الذين من دونه } يعني الآلهة { إذا هم يستبشرون } بذكرها وذلك أنه حين قرأ النبي صلى اللّه عليه وسلم سورة النجم وذكر آلهتهم استبشروا ٤٦قال اللّه تعالى للنبي صلى اللّه عليه وسلم { قل اللّه م فاطر السموات والأرض } صار نصبا بالنداء يعني يا خالق السموات والأرض { عالم الغيب والشهادة } يعني عالما بما غاب عن العباد وما لم يغب عنهم ويقال عالما بما مضى وما لم يمض وما هو كائن ويقال عالم السر والعلانية { أنت تحكم بين عبادك } يعني أنت تقضي في الآخرة بين عبادك { فيما كانوا فيه يختلفون } من أمر الدين ٤٧قوله عز وجل { ولو أن للذين ظلموا } أي كفروا { ما في الأرض جميعا ومثله معه } أي مثل ما في الأرض { لافتدوا به } يعني لفادوا به أنفسهم { من سوء العذاب } يعني من شدة العذاب { يوم القيامة }وفي الآية مضمر أي لا يقبل منهم ذلك { وبدا لهم من اللّه } أي ظهر لهم حين بعثوا من قبورهم { ما لم يكونوا يحتسبون } في الدنيا أنه نازل بهم يعني يعملون أعمالا يظنون أن لهم فيها ثوابا فلم تنفعهم مع شركهم فظهرت لهم العقوبة مكان الثواب ٤٨قوله عز وجل { وبدا لهم سيئات ما كسبوا } يعني عقوبات ما عملوا { وحاق بهم } يعني نزل بهم عقوبة { ما كانوا به يستهزئون } يعني باستهزائهم بالمسلمين ويقال باستهزائهم بالرسول والكتاب والعذاب ٤٩قوله عز وجل { فإذا مس الإنسان ضر دعانا } يعني أصاب الكافر شدة وبلاء وهو أبو جهل ويقال جميع الكفار { دعانا } يعني أخلص في الدعاء { ثم إذا خولناه } يعني بدلناه نعمة وأعطيناه مكانها عافية { نعمة منا قال إنما أوتيته على علم } يعني على علم عندي { بل هي فتنة } يعني بلية وعطية يبتلى بها العبد ليشكر أو ليكفر { ولكن أكثرهم لا يعلمون } أن إعطائي ذلك بلية وفتنة ذلك لأنه علم أني أهل لذلك ويقال معناه على علم عندي بالدواء { بل هي فتنة } أي بلية ٥٠قوله عز وجل { قد قالها الذين من قبلهم } يعني قال تلك الكلمة الذين من قبل كفار مكة مثل قارون وأشباهه { فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون } يعني لم ينفعهم ما كانوا يجمعون من الأموال ٥١{ فأصابهم سيئات ما كسبوا } أي عقوبات ما عملوا { والذين ظلموا من هؤلاء } يعني من أهل مكة { سيصيبهم سيئات ما كسبوا } يعني عقوبات ما عملوا مثل ما أصاب الذين من قبلهم { وما هم بمعجزين } أي غير فائتين من عذاب اللّه ٥٢ثم قال { أو لم يعلموا أن اللّه يبسط الرزق لمن يشاء } أي يوسع الزرق لمن يشاء { ويقدر } أي يقتر على من يشاء { إن في ذلك } يعني في القبض والبسط { لآيات } لعلامات لوحدانيتي { لقوم يؤمنون } أي يصدقون بتوحيد اللّه تعالى ٥٣قوله عز وجل { قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم } يعني أسرفوا بالذنوب على أنفسهم قرأ نافع وإبن كثير وعاصم وابن عامر { قل يا عبادي } بفتح الياء والباقون بالإرسال وهما لغتان ومعناهما واحد { لا تقنطوا من رحمة اللّه } يعني لا تيأسوا من رحمة اللّه { إن اللّه يغفر الذنوب جميعا } الكبائر وغير الكبائر إذا تبتم { إنه هو الغفور } لمن تاب { الرحيم } بعد التوبة لهم وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال أصاب قوم في الشرك ذنوبا عظاما وكانوا يخافون أن لا يغفر اللّه لهم فدعاهم اللّه تعالى بهذه الآية { يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة اللّه } وقال مجاهد { يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم } بقتل الأنفس في الجاهلية وقال في رواية الكلبي نزلت الآية في شأن وحشي يعني أسرفوا على أنفسهم بالقتل والشرك والزنى لا تيأسوا { من رحمة اللّه إن اللّه يغفر الذنوب جميعا } لمن تاب وقال ابن مسعود أرجى آية في كتاب اللّه عز وجل هذه الآية وهكذا قال عبد اللّه بن عمرو بن العاص وروي عن عكرمة عن ابن عباس أنه قال فيها عظة ٥٤قوله تعالى { وأنيبوا إلى ربكم } يعني أقبلوا وارجعوا إلى ربكم بالطاعة { وأسلموا له } يعني أقروا وأخلصوا له بالتوحيد { من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون } أي لا تمنعون مما نزل بكم ٥٥قوله تعالى { واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم } قال الكلبي هذا القرآن أحسن ما أنزل إليهم يعني اتبعوا ما أمرتم به ويقال أحلوا حلاله وحرموا حرامه { من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة } أي فجأة { وأنتم لا تشعرون } بنزوله ٥٦قوله تعالى { أن تقول نفس } يعني لكي لا تقول نفس ويقال معناه اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم خوفا قبل أن تصيروا إلى حال الندامة وتقول نفس { يا حسرتي } يعني يا ندامتا { على ما فرطت في جنب اللّه } يعني تركت وضيعت من طاعة اللّه وقال مقاتل يعني ما ضيعت من ذكر اللّه ويقال يا ندامتاه على ما فرطت في أمر اللّه { وإن كنت لمن الساخرين } يعني كنت من المستهزئين بالقرآن في الدنيا ويقال قد كنت من اللاهين يعني المستهزئين بالقرآن في الدنيا وقال أبو عبيدة في جنب اللّه وذات اللّه واحد ٥٧ثم قال عز وجل { أو تقول } يعني قبل أن تقول { لو أن اللّه هداني } بالمعرفة { لكنت من المتقين } أي من الموحدين يعني لو بين لي الحق من الباطل لكنت من المؤمنين ٥٨{ أو تقول حين ترى العذاب } يعني من قبل أن تقول { لو أن لي كرة } أي رجعة إلى الدنيا { فأكون من المحسنين } يعني من الموحدين ٥٩يقول اللّه تعالى { بلى قد جاءتك آياتي } يعني القرآن { فكذبت بها واستكبرت } أي تكبرت وتجبرت عن الإيمان بها { وكنت من الكافرين }قرأ عاصم الجحدري { بلى قد جاءتك آياتي } يعني القرآن { فكذبت بها واستكبرت وكنت } كلها بالكسر وهو اختيار ابن مسعود وصالح وتابعه من قراء سمرقند وإنما قرأ بالكسر لأنه سبق ذكر النفس والنفس مؤنث وقراءة العامة كلها بالنصب لأنه انصرف إلى المعنى يعني يقال للكافر ٦٠قوله تعالى { ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على اللّه } يعني قالوا بأن للّه شريكا { وجوههم مسودة } صار { وجوههم } رفعا بالابتداء ويقال معناه مسودة وجوههم { أليس في جهنم مثوى للمتكبرين } يعني مأوى للذين تكبروا عن الإيمان ٦١{ وينجي اللّه الذين اتقوا بمفازتهم } يعني ينجي اللّه الذين اتقوا الشرك من جهنم قال الكلبي ومقاتل يعني بأعمالهم الحسنة لا يصيبهم العذاب وقال القتبي يعني بمنجاتهم قرأ حمزة والكسائي { بمفازاتهم } بالألف وكذلك عاصم في رواية أبي بكر والباقون { بمفازتهم } بغير ألف والمفازة الفوز والسعادة والفلاح والمفازات جمع { لا يمسهم السوء } أي لا يصيبهم العذاب { ولا هم يحزنون } في الآخرة ٦٢يقول اللّه تعالى { اللّه خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل } يعني حفيظ ويقال كفيل بأرزاقهم ٦٣قوله تعالى { له مقاليد السموات والأرض } يعني مفاتيح السموات والأرض ويعني خزائن السموات والأرض وهو المطر والنبات وقال القتبي المقاليد المفاتيح يعني مفاتيحها وخزائنها وواحدها إقليد وقال ويقال إنها فارسية معربة إكليد { والذين كفروا بآيات اللّه } يعني بمحمد صلى اللّه عليه وسلم وبالقرآن { أولئك هم الخاسرون } يعني اختاروا العقوبة على الثواب ٦٤قوله عز وجل { قل أفغير اللّه تأمروني } قرأ ابن عامر { تأمرونني } بنونين وقرأ نافع { تأمروني } بنون واحد والتخفيف والباقون بنون واحدة والتشديد وأصله تأمرونني كما روي عن ابن عامر إلا أنه أدغم إحداهما في الأخرى وشدد وتركها نافع على التخفيف { أعبد أيها الجاهلون } يعني أيها المشركون تأمروني أن أعبد غير اللّه ٦٥قوله { ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك } يعني الأنبياء بالتوحيد { لئن أشركت ليحبطن عملك } يعني ثوابك وإن كنت كريما علي فلو أشركت باللّه { ليحبطن عملك } { ولتكونن من الخاسرين } في الآخرة فكيف لو أشرك غيرك فاللّه تعالى علم أن النبي صلى اللّه عليه وسلم لا يشرك باللّه ولكنه أراد تنبيها لأمته أن من أشرك باللّه حبط عمله وإن كان كريما على اللّه قوله عز وجل { بل اللّه فاعبد } يعني استقم على عبادة اللّه وتوحيده ٦٦وقال مقاتل { بل اللّه فاعبد } أي فوحد اللّه تعالى وقال الكلبي يعني أطع اللّه تعالى { وكن من الشاكرين } على ما أنعم اللّه عليك من النبوة والرسالة ويقال هذا الخطاب لجميع المؤمنين أمرهم بأن يشكروا اللّه تعالى على ما أنعم عليهم وأكرمهم بمعرفته ووفقهم لدينه ٦٧{ وما قدروا اللّه حق قدره } أي ما عظموا اللّه حق عظمته ولا وصفوه حق صفته ولا عرفوا اللّه حق معرفته وذلك أن اليهود والمشركين وصفوا اللّه تعالى بما لا يليق بصفاته فنزل { وما قدروا اللّه حق قدره } وفيه تنبيه للمؤمنين لكيلا يقولوا مثل مقالتهم ويعظموا اللّه حق عظمته ويصفوه حق صفته { ليس كمثله شيء وهو السميع البصير } [ الشورى ١١ ] ثم قال { والأرض جميعا قبضته يوم القيامة } أي في قدرته وملكه وسلطانه لا سلطان لأحد عليها وهذا كقوله { مالك يوم الدين } [ الفاتحة ٤ ] وقال القتبي { في قبضته } أي في ملكه نحو قولك للرجل هذا في يدك وقبضتك يعني في ملكك { والسموات مطويات بيمينه } أي بقدرته ويقال في الآية تقديم معناه { والسموات مطويات بيمينه } يوم القيامة أي في يوم القيامة ويقال { بيمينه } يعني عن يمين العرش وقال القتبي { بيمينه } أي بقدرته نحو قوله { أو ما ملكت أيمانهم } [ الأحزاب ٥٠ ] يعني ما كانت لهم عليه قدرة وليس الملك لليمين دون الشمال ويقال اليمين هاهنا الحلف لأنه حلف بعزته وجلاله ليطوين السموات والأرض ثم نزه نفسه سبحانه وتعالى فقال { سبحانه وتعالى عما يشركون } يعني عما يصفون له من الشريك ٦٨{ ونفح في الصور } روي عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه سئل عن الصور فقال ( هو القرن وإن عظم دائرته مثل ما بين السماء والأرض فينفخ نفخة فيفزع الخلق ثم ينفخ نفخة أخرى فيموت أهل السموات والأرض فإذا كان وقت النفخة الثالثة تجمعت الأرواح كلها في الصور ثم ينفخ النفخة الثالثة فتخرج الأرواح كلها كالنحل وكالزنابير وتأتي كل روح إلى جسدها ) فذلك قوله تعالى { فصعق من في السموات ومن في الأرض } يعني يموت من في السموات ومن في الأرض { إلا من شاء اللّه } يعني جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت ويقال أرواح الشهداء وروي عن سعيد بن جبير أنه قال استثنى اللّه تعالى الشهداء حول العرش متقلدين سيوفهم وقال بعضهم النفخة نفختان وروى أبو هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال ( ينفخ في الصور ثلاث نفخات الأولى نفخة الفزع والثانية نفخة الصعق والثالثة نفخة القيام لرب العالمين ) وهو قوله { ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون } أي ينظرون ماذا يأمرهم ويقال ينظرون إلى السماء كيف غيرت وينظرون إلى الأرض كيف بدلت وينظرون إلى الداعي كيف يدعوهم إلى الحساب وينظرون فيما عملوا في الدنيا وينظرون إلى الآباء والأمهات كيف ذهبت شفقتهم عنهم واشتغلوا بأنفسهم وينظرون إلى خصمائهم ماذا يفعلون بهم ٦٩قوله تعالى { وأشرقت الأرض } يعني أضاءت { بنور ربها } أي بعدل ربها ويقال { وأشرقت } وجوه من على الأرض بمعرفة ربها وأظلم وجوه من على الأرض بنكرة ربها وقال بعضهم هذا من المكتوم الذي لا يفسر { ووضع الكتاب } يعني ووضع الحساب ويقال ووضع الكتاب في أيدي الخلق في أيمانهم وشمائلهم { وجيء بالنبيين والشهداء وقضى بينهم بالحق } أي بين الخلق بالعدل بين الظالم والمظلوم وبين الرسل وقومهم { وهم لا يظلمون } أي لا ينقصون من ثواب أعمالهم شيئا ٧٠ثم قال { ووفيت } أي وفرت { كل نفس ما عملت } أي جزاء ما عملت من خير أو شر { وهو أعلم بما يفعلون } لأنه قد سبق ذكر قوله { وجيء بالنبين والشهداء } ثم أخبر أنه لم يدع الشهداء ليشهدوا بما يعلموا بل هو أعلم بما يفعلون وإنما يدعو الشهداء لتأكيد الحجة عليهم ٧١قوله عز وجل { وسيق الذين كفروا } أي يساق الذين كفروا { إلى جهنم زمرا } يعني أمة أمة فوجا فوجا وواحدتها زمرة { حتى إذا جاؤوها } يعني جهنم { فتحت أبوابها } وقال أصحاب اللغة جهنم في أصل اللغة جهنام وهي بئر لا قعر لها فحذفت الألف وشددت النون فسميت جهنم قرأ حمزة والكسائي وعاصم { فتحت } بتخفيف التاء وقرأ الباقون بالتشديد فمن قرأ بالتشديد فلتكثير الفعل ومن قرأ بالتخفيف فعلى الفعل الواحد وكذلك الاختلاف في الثني الذي بعده { وقال لهم خزنتها } يعني خزنة جهنم وواحدها خازن وقال القتبي الواو قد تزاد في الكلام والمراد به حذفه كقوله { حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون واقترب الوعد الحق } [ الأنبياء ٩٦ ] يعني اقترب وكقوله { وقال لهم خزنتها } [ الزمر ٧١ ] يعني قال لهم وهذا في كلام العرب ظاهر كما قال امرؤ القيس ( فلم أجزنا ساحة الحي وانتحى ) يعني انتحى بغير واو ثم قال { ألم يأتكم رسل منكم } يعني آدميا مثلكم تفهمون كلامه { يتلون عليكم آيات ربكم } يعني يقرؤون عليكم ما أوحي إليهم { وينذرونكم لقاء يومكم هذا } يعني أنهم يخوفونكم بهذا اليوم فكأنه يقول لهم يا أشقياء ألم يأتكم رسل منكم فأجابوه { قالوا بلى } فيقرون بذلك في وقت لا ينفعهم الإقرار ولو كان قولهم بلى في الدنيا لكان ينفعهم ولكنهم قالوا بلى في وقت لا ينفعهم { ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين } أي وجبت كلمة العذاب في علم اللّه السابق أنهم من أهل النار ويقال وجبت كلمة العذاب وهي قوله اللّه تعالى { لأملأن جهنم } [ الأعراف ١٨ وغيرها ] ٧٢{ قيل ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها } يعني دائمين فيها { فبئس مثوى المتكبرين } يعني بئس موضع القرار لمن تكبر عن الإيمان ٧٣ثم بين حال المؤمنين المطيعين فقال عز وجل { وسبق الذين اتقوا ربهم } يعني اتقوا الشرك والفواحش { إلى الجنة زمرا } يعني فوجا فوجا بعضهم قبل الحساب اليسير وبعضهم بعد الحساب الشديد على قدر مراتبهم { حتى إذا جاؤوها وفتحت أبوابها } يعني وقد فتحت أبوابها { وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين } أي فزتم ونجوتم ويقال طابت لكم الجنة وقال بعض أهل العربية في الآية دليل على أن أبواب الجنة ثمانية لأنه قد ذكر بالواو وإنما يذكر بالواو إذا بلغ الحساب ثمانية كما قال في آية أخرى { سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم } [ الكهف ٢٢ ] فذكر الواو عند الثمانية وكما قال { التائبون العابدون } [ التوبة ١١٢ ] فذكرها كلها بغير واو فلما انتهى إلى الثمانية قال { والناهون عن المنكر } [ التوبة ١١٢ ] وقال في آية أخرى { مسلمات مؤمنات } [ التحريم ٥ ] ثم قال عند الثمانية { وأبكارا } [ التحريم ٥ ] وعرف أن أبوب جهنم سبعة بالآية وهي قوله { لها سبعة أبواب } [ الحجر ٤٤ ] وقال أكثر أهل اللغة ليس في الآية دليل لأن الواو قد تكون عند الثمانية وقد تكون عند غيرها ولكن عرف أن أبوابها ثمانية بالأخبار ٧٤ثم لما دخلوا الجنة حمدوا اللّه تعالى { وقالوا الحمد للّه } يعني الشكر للّه { الذي صدقنا وعده } يعني أنجز لنا وعده على لسان رسله { وأورثنا الأرض } يعني أنزلنا أرض الجنة { نتبوأ من الجنة حيث نشاء } أي ننزل في الجنة ونستقر فيها حيث نشاء ونشتهي { فنعم أجر العاملين } أي ثواب الموحدين المطيعين ٧٥قوله عز وجل { وترى الملائكة حافين } يعني ترى يا محمد الملائكة يوم القيامة محدقين { من حول العرش يسبحون بحمد ربهم } أي يسبحونه ويحمدونه { وقضي بينهم بالحق } أي بين الخلق وهو تأكيد لما سبق من قوله { وجائ بالنبين والشهداء وقضى بينهم بالحق } [ الزمر ٦٩ ] { وقيل الحمد للّه رب العالمين } يعني لما قضي بينهم بالحق وميزوا من الكفار حمدوا للّه تعالى وقالوا الحمد للّه رب العالمين الذي قضى بيننا بالحق ونجانا من القوم الظالمين وقال مقاتل ابتدأ الدنيا بالحمد للّه رب العالمين وهو قوله { الحمد للّه الذي خلق السموات والأرض } وختمها بقوله { الحمد للّه رب العالمين } |
﴿ ٠ ﴾