سورة غافرمكية وهي ثمانون وخمس آيات ١قوله تبارك وتعالى { حم } روي عن ابن عباس قال الحواميم كلها مكية وهكذا روي عن محمد بن الحنفية وقال ابن مسعود إن { حم } ديباج القرآن وروي عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال ( من أراد أن يرتع في رياض الجنة فليقرأ الحواميم ) وقال قتادة { حم } اسم من أسماء القرآن ويقال اسم من أسماء اللّه ويقال قسم أقسم اللّه بحم ويقال معناه قضى بما هو كائن ويقال { حم } الأمر قدر قدر وقضى وتم وقرأ إبن كثير وحفص عن عاصم { حم } بفتح الحاء وقرأ أبو عمرو ونافع بين الفتح والكسر والباقون بالكسر وكل ذلك جائز في اللغة ٢ثم قال { تنزيل الكتاب من اللّه } يعني هذا القرآن الذي يقرأه عليكم محمد صلى اللّه عليه وسلم هو من عند اللّه { العزيز } في سلطانه وملكه { العليم } بخلقه وبأعمالهم ٣{ غافر الذنب } لمن يقول لا إله إلا اللّه مخلصا يستر عليه ذنوبه { وقابل التوب } لمن رجع وتاب { شديد العقاب } لمن مات على الشرك ولم يقل لا إله إلا اللّه { ذي الطول } يعني ذي الفضل على عباده والطول في اللغة التفضل يقال طل علي برحمتك أي تفضل وقال مقاتل { ذي الطول } يعني ذي الغنى عمن لم يوحده ثم وحد نفسه فقال { لا إله إلا هو إليه المصير } يعني إليه مصير العباد ومرجعهم في الآخرة فيجازيهم بأعمالهم ٤قوله عز وجل { ما يجادل في آيات اللّه } يعني ما يخاصم في آيات اللّه بالتكذيب { إلا الذين كفروا فلا يغررك تقلبهم في البلاد } يعني ذهابهم ومجيئهم في أسفارهم وتجاراتهم فإنهم ليسوا على شيء من الدين وقال مقاتل { تقلبهم } يعني ما هم فيه من السعة في الرزق ثم خوفهم ليحذروا فقال عز وجل ٥{ كذبت قبلهم قوم نوح والأحزاب من بعدهم } يعني الأمم من بعد قوم نوح { وهمت كل أمة برسولهم ليأخذوه } يعني أرادوا أن يقتلوه { وجادلوا بالباطل } يعني بالشرك { ليدحضوا به الحق } يعني ليبطلوا به دين الحق وهو دين الإسلام والذي جاء به الرسل { فأخذتهم } أي عاقبتهم { فكيف كان عقاب } يعني كيف رأيت عذابي لهم أليس قد وجدوه حقا ٦قوله تعالى { وكذلك حقت كلمت ربك } يعني سبقت ووجبت كلمة ربك { على الذين كفروا } بالعذاب { أنهم أصحاب النار } يعني يصيرون إليها قرأ نافع وابن عامر { كلمات ربك } بلفظ الجماعة والباقون { كلمة ربك } بلفظ الواحد وهي عبارة عن الجنس والجنس يقع على الواحد وعلى الجماعة وقرئ في الشاذ { إنهم } بالكسر على معنى الابتداء وقراءة العامة بالنصب على معنى البناء ٧قوله عز وجل { الذين يحملون العرش } وهم الملائكة { ومن حوله } من المقربين { يسبحون بحمد ربهم } يعني يسبحون اللّه تعالى ويحمدونه { ويؤمنون به } أي يصدقون باللّه { ويستغفرون للذين آمنوا } يعني المؤمنين وفي الآية دليل فضل المؤمنين وبيانه أن الملائكة مشتغلون بالدعاء لهم ٨ثم وصف دعاءهم للمؤمنين وهو قولهم { ربنا } يقولون يا ربنا { وسعت كل شيء رحمة وعلما } يعني يا ربنا رحمتك واسعة وعلمك محيط بكل شيء ويقال معناه ملأت كل شيء نعمة وعلما على ما فيها من الخلق روى قتادة عن مطرف بن عبد اللّه بن الشخير قال وجدنا أنصح عباد اللّه لعباد اللّه الملائكة ووجدنا أغش عباد اللّه لعباد اللّه الشياطين وروى الأعمش عن إبراهيم قال كان أصحاب عبد اللّه بن مسعود يقولون الملائكة خير للمسلمين من ابن الكواء فالملائكة يستغفرون لمن في الأرض وابن الكواء يشهد عليهم بالكفر وكان ابن الكواء رجلا خارجيا قوله تعالى { فاغفر للذين تابوا } يعني تجاوز عنهم يعني الذين رجعوا عن الشرك { واتبعوا سبيلك } يعني دينك الإسلام { وقهم عذاب الجحيم } يعني ادفع عنهم في الآخرة عذاب النار ثم قال { ربنا } يعني ويقولون ربنا { وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم } على لسان رسلك { ومن صلح } أي من وحد اللّه تعالى { من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم } وأدخلهم معهم الجنة أيضا { إنك أنت العزيز } في ملكك { الحكيم } في أمرك ٩{ وقهم السيئات } أي ادفع عنهم العذاب في الآخرة { ومن تق السيئات يومئذ } يعني من دفعت العذاب عنه فقد رحمته قال مقاتل { السيئات } يعني الشرك في الدنيا { فقد رحمته } في الآخرة { وذلك هو الفوز العظيم } يعني النجاة الوافرة ١٠قوله تعالى { إن الذين كفروا ينادون } قال مقاتل والكلبي لما عاين الكفار النار ودخلوها مقتوا أنفسهم أي لاموا أنفسهم وغضبوا عليها فتقول لهم خزنة جهنم { لمقت اللّه أكبر من مقتكم } يعني غضب اللّه عليكم وسخطه عليكم أكبر من مقتكم { أنفسكم إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون } أي تجحدون وتثبتون على الكفر ١١قوله تعالى { قالوا ربنا أمتنا اثنتين } يعني كنا أمواتا نطفا فأحييتنا ثم أمتنا عند آجالنا ثم أحييتنا اليوم وذكر عن القتبي نحو هذا وقال بعضهم إحدى الإماتتين يوم الميثاق حين صيروا إلى صلب آدم والأخرى في الدنيا عند انقضاء الأجل وإحدى الإحيائين في بطن الأمهات والأخرى في القبر { فاعترفنا بذنوبنا } يعني أقررنا بشركنا وظهر لنا أن البعث حق { فهل إلى خروج من سبيل } يعني فهل سبيل إلى الخروج من النار ويقال فهل من حيلة إلى الرجوع ١٢ثم قال { ذلكم } يعني يقال لهم ذلك الخلود { بأنه إذا دعي اللّه وحده } يعني إذا قيل لكم لا إله إلا اللّه { كفرتم } يعني جحدتم وأقمتم على الكفر { وإن يشرك به تؤمنوا } يعني إذا دعيتم إلى الشرك وعبادة الأوثان تصدقوا { فالحكم للّه العلي الكبير } يعني القضاء فيكم { للّه العلي الكبير } يعني الرفيع فوق خلقه القاهر لخلقه { الكبير } بالقدرة والمنزلة ١٣ثم قال عز وجل { هو الذي يريكم آياته } يعني عجائبه ودلائله من خلق السموات والأرض والشمس والقمر والليل والنهار وذلك أنه لما ذكر ما يصيبهم يوم القيامة عظم نفسه تعالى ثم ذكر لأهل مكة من الدلائل ليؤمنوا به فقال { هو الذي يريكم آياته } { وينزل لكم من السماء رزقا } يعني المطر ويقال الملائكة لتدبير الرزق { وما يتذكر إلا من ينيب } يعني ما يتعظ بالقرآن إلا من يقبل إليه بالطاعة ويقال { وما يتذكر } فيوحد الرب إلا من يرجع إليه ١٤{ فادعوا اللّه مخلصين له الدين } يعني اعبدوه بالإخلاص { ولو كره الكافرون } يعني وإن شق ذلك على المشركين الكافرين ١٥قوله عز وجل { رفيع الدرجات } يعني رافع وخالق السموات مطبقا بعضها فوق بعض ويقال هو رافع الدرجات في الدنيا بالمنازل وفي الآخرة الجنة ذو الدرجات { ذو العرش } يعني رافع العرش ويقال خالق العرش هو رب العرش { يلقي الروح من أمره } يعني ينزل جبريل بالوحي { على من يشاء من عباده } وهو النبي صلى اللّه عليه وسلم { لينذر يوم التلاق } يعني ليخوف بالقرآن وقرأ الحسن { لتنذر } بالتاء على معنى المخاطبة يعني لتنذر يا محمد صلى اللّه عليه وسلم وقراءة العامة بالياء لينذر اللّه تعالى ويقال { لينذر } من أنزل عليه الوحي { يوم التلاق } قرأ إبن كثير { يوم التلاقي } بالياء وهي إحدى الروايتين عن نافع والباقون بغير ياء فمن قرأ بالياء فهو الأصل ومن قرأ بغير ياء فلأن الكسر يدل عليه وقال في رواية الكلبي { يوم التلاق } يوم يلتقي أهل السموات وأهل الأرض ١٦ويقال يوم يلتقي الخصم والمخصوم { يوم هم بارزون } يعني ظاهرين خارجين من قبورهم { لا يخفى على اللّه منهم شيء } يعني من أعمال أهل السموات وأهل الأرض { لمن الملك اليوم } قال بعضهم هذا بين النفختين يقول الرب تبارك وتعالى { لمن الملك اليوم } فلا يجيبه أحد فيقول لنفسه { للّه الواحد القهار }قال بعضهم إن ذلك لأهل الجمع يوم القيامة يقول { لمن الملك اليوم } فأقر الخلائق كلهم وقالوا { للّه الواحد القهار } ١٧يقول اللّه تعالى { اليوم تجزى كل نفس بما كسبت } يعني ما عملت في الدنيا من خير أو شر { لا ظلم اليوم إن اللّه سريع الحساب } وقد ذكرناه ١٨قوله عز وجل { وأنذرهم يوم الأزفة } يعني خوفهم بيوم القيامة فسمي الأزفة لقربه ويقال أزف شخوص فلان يعني قرب كما قال { أزفت الآزفة } ثم قال { إذ القلوب لدى الحناجر } من الخوف لا تخرج ولا تعود إلى مكانها { كاظمين } يعني مغمومين يتردد خوفهم في أجوافهم { ما للظالمين } يعني المشركين { من حميم } يعني من قريب { ولا شفيع يطاع } أي له الشفاعة فيهم ١٩{يعلم خائنة الأعين } هذا موصول بقوله { لا يخفى على اللّه منهم شيء } وهو { يعلم خائنة الأعين } وقال أهل اللغة الخائنة والخيانة واحدة كقوله { ولا تزال تطلع على خائنة } [ المائدة ١٣ ] وقال مجاهد { خائنة الأعين } يعني نظر العين إلى ما نهى اللّه عنه وقال مقاتل الغمزة فيما لا يحل له والنظرة إلى المعصية ويقال النظرة بعد النظرة وقال قتادة { يعلم خائنة الأعين } يعني يعلم غمزه بعينه وإغماضه فيما لا يحب اللّه تعالى { وما تخفي الصدور } ٢٠ثم قال تعالى { واللّه يقضي بالحق } يحكم بالحق ويقال يأمر بما يجب الثواب به وينهى عما يجب به العقاب { والذين يدعون من دونه } يعني يعبدون من الآلهة قرأ نافع وابن عامر { تدعون } بالتاء على معنى المخاطبة والباقون بالياء على معنى الخبر عنهم { لا يقضون بشيء } يعني ليس لهم قدرة ولا يحكمون بشيء { إن اللّه هو السميع البصير } يعني { السميع } لمقالة الكفار { البصير } بأعمالهم ٢١قوله تعالى { أو لم يسيروا في الأرض فينظروا } يعني فيعتبروا { كيف كان عاقبة } يعني آخر أمر { الذين كانوا من قبلهم كانوا هم أشد منهم قوة } يعني منعة قرأ ابن عامر ومن تابعه من أهل الشام { أشد منكم } بالكاف على معنى المخاطبة والباقون { أشد منهم } بالهاء على معنى الخبر عنهم { وآثارا في الأرض } يعني أكثر أعمالا ويقال أشد لها طلبا وأبعد لها ذهابا { فأخذهم اللّه بذنوبهم } يعني عاقبهم اللّه { وما كان لهم من اللّه من واق } يعني من مانع يمنعهم من عذاب اللّه ٢٢{ ذلك } أي ذلك العذاب { بأنهم كانت تأتيهم رسلهم بالبينات } يعني بالأمر والنهي ويقال بالدلائل الواضحات { فكفروا } بهم وبدلائلهم { فأخذهم اللّه إنه قوي شديد العقاب } أي عاقبهم اللّه بذنوبهم { شديد العقاب } لمن عاقب ٢٣قوله عز وجل { ولقد أرسلنا موسى بآياتنا } التسع { وسلطان مبين } أي حجة بينة ٢٤{ إلى فرعون وهامان وقارون فقالوا ساحر كذاب } يعني لم يصدقوا موسى ٢٥قوله عز وجل { فلما جاءهم بالحق من عندنا } يعني بالرسالة { قالوا اقتلوا أبناء الذين آمنوا معه } يعني أعيدوا القتل عليهم { واستحيوا نساءهم } فلا تقتلوهن { وما كيد الكافرين إلا في ضلال } أي في خطأ بين ٢٦قوله تعالى { وقال فرعون } لقومه { ذروني أقتل موسى } يعني خلوا عني حتى أقتل موسى { وليدع ربه } يعني ليدعوا ربه موسى لكي يمنعه عني وذلك أن قومه كانوا يقولون أرجئه وأخاه ولا تقتله حتى لا يفسدوا عليك الملك فقال لهم فرعون { ذروني أقتل موسى } فإني أعلم أن صلاح ملكي في قتله { إني أخاف أن يبدل دينكم } يعني عبادتكم إياي { أو أن يظهر في الأرض الفساد } يعني الدعاء إلى غير عبادتي قرأ إبن كثير ونافع وابن عامر وأبو عمرو { وأن يظهر } على معنى العطف والباقون { أو أن يظهر } على معنى الشك وكلاهما جائز و { أو } لأحد الشيئين إما لشك المتكلم أو أحدهما والواو للجمع وتقع على الأمرين جميعا وقرأ أبو عمرو ونافع وعاصم { يظهر } بضم الياء وكسر الهاء { الفساد } بالنصب والباقون { يظهر } بنصب الياء والهاء { الفساد } بالضم فمن قرأ يظهر بالضم فالفعل لموسى والفساد نصب لوقوع الفعل عليه ومن قرأ { يظهر } فالفعل للفساد فيصير الفساد رفعا لأنه فاعل فلما سمع موسى ذلك
التهديد استعاذ باللّه من شره فذلك ٢٧قوله { وقال موسى إني عذت بربي وربكم } يعني استعيذ بربي وربكم { من كل متكبر } عن الإيمان يعني { لا يؤمن } أي لا يصدق { بيوم الحساب } ٢٨ثم قال { وقال رجل مؤمن من آل فرعون } وهو حزبيل بن ميخائيل هو ابن عم قارون وكان أبوه من آل فرعون وأمه من بني إسرائيل ويقال كان ابن عم فرعون { يكتم إيمانه } وكان قد أسلم سرا من فرعون { أتقتلون رجلا أن يقول ربي اللّه وقد جاءكم بالبينات من ربكم } يعني اليد والعصا وروى الأوزاعي عن يحيى بن كثير عن محمد بن إبراهيم بن الحارث عن عروة بن الزبير قال قلت لعبد اللّه بن عمرو حدثني بأشد شيء صنعه المشركون برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال أقبل عقبة بن أبي معيط ورسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يصلي عند الكعبة فلوى ثوبه على عنقه وخنقه خنقا شديدا فأقبل أبو بكر فأخذ بمنكبيه ودفعه عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ثم قال أبو بكر يا قوم { أتقتلون رجلا أن يقول ربي اللّه وقد جاءكم بالبينات من ربكم } { وإن يك كاذبا فعليه كذبه } يعني فعليه وبال كذبه فلا ينبغي أن تقتلوه بغير حجة ولا برهان { وإن يك صادقا } في قوله وكذبتموه { يصبكم بعض الذي يعدكم } من العذاب يعني بعض ذلك العذاب يصبكم في الدنيا ويقال { بعض الذي يعدكم فيه } أي جميع الذي يعدكم كقوله { ولأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه } [ الزخرف ٦٣ ] أي جميع الذي تختلفون فيه { إن اللّه لا يهدي } يعني لا يرشد ولا يوفق إلى دينه { من هو مسرف } في قوله { كذاب } يعني الذي عادته الكذب ٢٩قوله عز وجل { يا قوم لكم الملك اليوم } يعني ملك مصر { ظاهرين في الأرض } يعني غالبين على أرض مصر { فمن ينصرنا من بأس اللّه } يعني من يعصمنا من عذاب اللّه { إن جاءنا } يعني أرأيتم إن قتلتم موسى فمن يمنعنا من عذاب اللّه فلما سمع فرعون قول المؤمن { قال فرعون ما أريكم إلا ما أرى } يعني ما أريكم من الهدى إلا ما أرى لنفسي ويقال ما آمركم إلا ما رأيت لنفسي أنه حق وصواب { وما أهديكم إلا سبيل الرشاد } يعني ما أدعوكم إلا إلى طريق الهدى وقرئ في الشاذ { الرشاد } بتشديد الشين يعني سبيل الرشاد الذي يرشد الناس ويقال رشاد اسم من أسماء أصنامه ٣٠قوله تعالى { وقال الذي آمن } وهو حزبيل { يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب } يعني أخاف عليكم من تكذيبكم مثل عذاب الأمم الخالية ٣١{ مثل دأب قوم نوح } أي مثل عذاب قوم نوح { وعاد وثمود والذين من بعدهم وما اللّه يريد ظلما للعباد } يعني لا يعذبهم بغير ذنب ٣٢{ ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد } وهو من تنادى يتنادى تناديا وروى أبو صالح عن ابن عباس أنه قرأ { يوم التناد } بتشديد الدال وقال تندون كما تند الإبل وهذا موافق لما بعده { يوم تولون مدبرين } وكقوله { يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه } [ عبس ٣٤ ، ٣٥ ] وقرأ الحسن يوم التنادي بالياء وهو من النداء يوم ينادى كل قوم بأعمالهم وينادي المنادي من مكان بعيد وينادي أهل النار أهل الجنة وينادي أهل الجنة أهل النار { قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا } [ الأعراف ٤٤ ] وقراءة العامة { التناد } بالتخفيف بغير ياء وأصله الياء فحذف الياء لأن الكسرة تدل عليه ٣٣ثم قال عز وجل { يوم تولون مدبرين } يعني هاربين قال الكلبي انطلقوا بهم إلى النار فعاينوها هربوا فيقال لهم { ما لكم من اللّه من عاصم } يعني ليس لكم من عذاب اللّه من مانع وقال مقاتل { يوم تولون مدبرين } يعني ذاهبين بعد الحساب إلى النار كقوله { فتولوا عنه مدبرين } أي ذاهبين { ما لكم من اللّه من عاصم } يعني من مانع من عذاب اللّه أي مانع يمنع عنكم عذاب اللّه { ومن يضلل اللّه } عن الهدى { فما له من هاد } يعني من مرشد وموفق ٣٤قوله عز وجل { ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات } هذا قول حزبيل أيضا لقوم فرعون قال { ولقد جاءكم يوسف } ويقال يعني به أهل مصر وهم الذين كانوا قبل فرعون لأن القرون الذين كانوا في زمان فرعون لم يروا يوسف وهذا كما قال تعالى { فلم تقتلون أنبياء اللّه من قبل } [ البقرة ٩١ ] وإنما أراد به آباءهم { بالبينات } أي بتعبير الرؤيا وروي عن وهب بن منبه قال فرعون موسى هو الذي كان في زمن يوسف فعاش إلى زمان موسى وهذا خلاف قول جميع المفسرين { فما زلتم في شك مما جاءكم به } من تصديق الرؤيا وبما أخبركم { حتى إذا هلك } يعني مات { قلتم لن يبعث اللّه من بعده رسولا } يقول اللّه تعالى { كذلك يضل اللّه من هو مسرف مرتاب } يعني من هو مشرك شاك في توحيد اللّه ٣٥ثم وصفهم فقال { الذين يجادلون في آيات اللّه بغير سلطان } يعني بغير حجة { أتاهم كبر مقتا عند اللّه } يعني عظم بغضا لهم من اللّه { وعند الذين آمنوا } يعني عند المؤمنين ثم قال { كذلك يطبع اللّه } يعني يختم اللّه بالكفر { على كل قلب متكبر جبار } يعني متكبر عن عبادة اللّه تعالى قرأ أبو عمرو { قلب متكبر } بالتنوين جعل قوله { متكبر } نعتا للقلب ومعناه أن صاحبه متكبر والباقون { قلب متكبر } بغير تنوين على معنى الإضافة لأن المتكبر هو الرجل فأضاف القلب إليه ٣٦قوله تعالى { وقال فرعون يا هامان ابن لي صرحا } أي قصرا مشيدا { لعلي أبلغ الأسباب } يعني أصعد طرق السموات { فاطلع } يعني انظر { إلى إله موسى } الذي يزعم أنه أرسله ٣٧وقال مقاتل والقتبي { أسباب السموات } أبوابها قرأ عاصم في رواية حفص { فأطلع } بنصب العين والباقون بالضم فمن قرأ بالنصب جعله جوابا للفعل ومن قرأ بالضم رده إلى قوله { أبلغ الأسباب } فأطلع ثم قال { وإني لأظنه كاذبا } يعني لأحسب موسى كاذبا في قوله قال اللّه تعالى { وكذلك زين لفرعون سوء عمله } أي قبح عمله { وصد عن السبيل } يعني عن الدين والتوحيد قرأ حمزة والكسائي وعاصم { وصد } بضم الصاد والباقون بالنصب فمن قرأ بالضم فمعناه إن فرعون صرف عن طريق الهدى يعني أن الشيطان زين له سوء عمله وصرفه عن طريق الهدى ومن قرأ بالنصب فمعناه صرف فرعون الناس عن الدين { وما كيد فرعون إلا في تباب } أي ما صنيع فرعون إلا في خسارة يوم القيامة كقوله { تبت يدا أبي لهب } [ المسد ١ ] يعني إن فرعون اختار متاعا قليلا وترك الجنة الباقية فكان عمله في الخسارة ٣٨قوله تعالى { وقال الذي آمن } وهو حزبيل { يا قوم } { اتبعوني أهدكم سبيل الرشاد } يعني أطيعوني حتى أرشدكم وأبين لكم دين الصواب ٣٩قوله تعالى { يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع } يعني قليل { وإن الآخرة هي دار القرار } لا زوال لها قوله تعالى { من عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها } يعني من عمل الشرك فلا يجزى إلا النار في الآخرة ٤٠{ ومن عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن } يعني من رجل أو امرأة { فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب } يعني بغير مقدار وقال بعض الحكماء إن اللّه تعالى قال { من عمل سيئة } ولم يفل من ذكر أو أنثى وقال { ومن عمل صالحا من ذكر أو أنثى } لأن العمل الصالح يحسن من الرجل والمرأة والسيئة من المرأة أقبح من الرجل فلم يذكر من ذكر أو أنثى ٤١قوله { يا قوم ما لي أدعوكم إلى النجاة } يعني أن حزبيل قال لقومه مالي أدعوكم إلى التوحيد والطاعة وذلك سبب النجاة والمغفرة فلم تطيعوني { وتدعونني إلى النار } يعني إلى عمل أهل النار ٤٢ثم بين عمل أهل النار فقال { تدعونني لأكفر باللّه } يعني لأجحد بوحدانية اللّه { وأشرك به } يعني أشرك باللّه { ما ليس لي به علم } يعني ما ليس لي به حجة بأن مع اللّه شريكا { وأنا أدعوكم إلى العزيز الغفار } يعني إلى دين العزيز الغفار { العزيز } في ملكه { الغفار } لمن تاب ٤٣قوله { لا جرم } يعني حقا { أنما تدعونني إليه ليس له دعوة في الدنيا } يعني ليس له قدرة ويقال ليس له استجابة دعوة تنفع في الدنيا { ولا في الآخرة وأن مردنا إلى اللّه } يعني مصيرنا ومرجعنا إلى اللّه يوم القيامة { وأن المسرفين } يعني المشركين { هم أصحاب النار } يعني هم في النار أبدا ٤٤قوله { فستذكرون ما أقول لكم } يعني ستعرفون إذا نزل بكم العذاب وتعلمون أن ما أقول لكم من النصيحة أنه حق { وأفوض أمري إلى اللّه } يعني أمر نفسي إلى اللّه وأدع تدبيري إليه { إن اللّه بصير بالعباد } يعني عالم بأعمالهم وبثوابهم فأرادوا قتله فهرب منهم فبعث فرعون في طلبه فلم يقدروا عليه فذلك ٤٥قوله { فوقاه اللّه سيئات ما مكروا } يعني دفع اللّه عنه شر ما أرادوا { وحاق بآل فرعون } يعني نزل بهم { سوء العذاب } يعني شدة العذاب وهو الغرق ٤٦قوله عز وجل { النار يعرضون عليها } قال ابن عباس يعني تعرض أرواحهم على النار { غدوا وعشيا } هكذا قال قتادة ومجاهد وقال مقاتل تعرض روح كل كافر على منازلهم من النار كل يوم مرتين وقال ابن مسعود أرواحهم في جوف طير سود يرون منازلهم غدوة وعشية وقال هذيل بن شرحبيل أرواح الشهداء في جوف طير خضر تأوي إلى قناديل معلقة بالعرش وإن أرواح آل فرعون في جوف طير سود تغدو وتروح على النار فذلك عرضها وفي الآية دليل على إثبات عذاب القبر لأنه ذكر دخولهم النار يوم القيامة وذكر أنه تعرض عليهم النار قبل ذلك غدوا وعشيا ثم قال { ويوم تقوم الساعة } يعني يقال لهم يوم القيامة { أدخلوا آل فرعون } قرأ إبن كثير وابن عامر وأبو عمرو { أدخلوا } بضم الألف والخاء وهكذا قرأ عاصم في رواية أبي بكر والباقون بنصب الألف وكسر الخاء فمن قرأ { أدخلوا } بالضم فمعناه { ادخلوا آل فرعون } يعني يا قوم فرعون { أشد العذاب } فصار الآل نصبا بالنداء ومن قرأ { أدخلوا } بالنصب معناه يقال للخزنة أدخلوا آل فرعون يعني قوم فرعون { أشد العذاب } يعني أسفل العذاب فصار الآل نصبا لوقوع الفعل عليه ٤٧قوله تعالى { وإذ يتحاجون في النار } يعني يتخاصمون في النار الضعفاء والرؤساء { فيقول الضعفاء للذين استكبروا } يعني لرؤسائهم { إنا كنا لكم تبعا } يعني لدينكم ( فهل أنتم مغنون عنا ) يعني حاملين عنا { نصيبا من النار } يعني بعض الذي علينا من العذاب باتباعنا إياكم كما كنا ندفع عنكم المؤونة في دار الدنيا ٤٨{ قال الذين استكبروا } يعني الرؤساء يقولون للضعفاء { إنا كل فيها } يعني نعذب نحن وأنتم على قدر حصصكم في الذنوب فلا يغني واحد واحدا { إن اللّه قد حكم بين العباد } يعني قضى بين العباد بين التابع والمتبوع ويقال { حكم بين العباد } يعني أنزلنا منازلنا وأنزلكم منازلكم ٤٩قوله تعالى { وقال الذين في النار لخزنة جهنم } إذا اشتد عليهم العذاب { ادعوا ربكم } يعني سلوا ربكم { يخفف عنا يوما من العذاب } يعني يوما من أيام الدنيا حتى نستريح فترد الخزنة عليهم فتقول ٥٠{ قالوا أو لم تك تأتيكم رسلكم بالبينات } يعني ألم تخبركم الرسل أن عذاب جهنم إلى الأبد ويقال { أو لم تك تأتيكم رسلكم بالبينات } يعني ألم تخبركم الرسل بالدلائل والحجج والبراهين فكذبتموهم { قالوا بلى قالوا فادعوا } يعني تقول لهم الخزنة فادعوا ما شئتم فإنه لا يستجاب لكم { وما دعاء الكافرين إلا في ضلال } يعني في خطأ بين ٥١قوله عز وجل { إنا لننصر رسلنا } بالغلبة والحجة { والذين آمنوا } يعني الذين صدقوهم { في الحياة الدنيا } أي بالحجة والغلبة على جميع أهل الأديان { ويوم يقوم الأشهاد } قال مقاتل يعني الحفظة من الملائكة يشهدون عند رب العالمين للرسل بالبلاغ وعلى الكافرين بتكذيبهم قال الكلبي يعني يوم القيامة يقوم الرسل عند رب العالمين { يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم } يعني لا ينفع الكافرين اعتذارهم ٥٢قرأ إبن كثير وأبو عمرو { يوم لا ينفع الظالمين } بالتاء بلفظ التأنيث لأن المعذرة مؤنثة والباقون بالياء وانصرف إلى المعنى يعني لا ينفع لهم اعتذارهم { ولهم اللعنة ولهم سوء الدار } يعني السخطة وعذاب جهنم ٥٣قوله عز وجل { ولقد آتينا موسى الهدى } يعني التوراة فيها هدى ونور من الضلالة { وأورثنا بني إسرائيل الكتاب } يعني أعطيناهم الكتاب على لسان الرسل التوراة والإنجيل والزبور ٥٤{ هدى } يعني بيانا من الضلالة ويقال فيه نعت محمد صلى اللّه عليه وسلم { وذكرى لأولي الألباب } يعني عظة لذوي العقول ٥٥قوله تعالى { فاصبر إن وعد اللّه حق } يعني اصبر يا محمد على أذى المشركين فإن وعد اللّه حق وهو ظهور الإسلام على الأديان كلها وفتح مكة { واستغفر لذنبك } وهذا قبل نزول قوله { ليغفر لك اللّه ما تقدم من ذنبك وما تأخر } [ الفتح ٢ ] ويقال { استغفر لذنبك } يعني لذنب أمتك { وسبح بحمد ربك } أي صل بأمر ربك { بالعشي } يعني صلاة العصر { والإبكار } يعني صلاة الغداة ويقال سبح اللّه تعالى واحمده بلسانك في أول النهار وآخره قوله عز وجل { إن الذين يجادلون في آيات اللّه } قال الكلبي ومقاتل يعني اليهود والنصارى يجادلون في الدجال وذلك أنهم يقولون إن صاحبنا يبعث في آخر الزمان وله سلطان فيخوض البحر وتجري معه الأنهار ويرد علينا الملك ٥٦فنزل { إن الذين يجادلون في آيات اللّه } يعني في الدجال لأن الدجال آية من آيات اللّه { بغير سلطان } يعني بغير حجة { أتاهم } من اللّه { إن في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه } أي ما في قلوبهم إلا عظمة { ما هم ببالغيه } يعني ما هم ببالغي ذلك الكبر الذي في قلوبهم بأن الدجال منهم وقال القتبي إن في صدورهم إلا تكبرا على محمد صلى اللّه عليه وسلم وطمعا أن يغلبوه وما هم ببالغي ذلك وقال الزجاج معناه وما هم ببالغي إرادتهم وإرادتهم دفع آيات اللّه تعالى وروى أبو جعفر الرازي عن أبي الربيع عن أبي العالية قال إن اليهود ذكروا الدجال وعظموا أمره فنزل { إن الذين يجادلون في آيات اللّه } يعني أن الدجال من آيات اللّه { فاستعذ باللّه } من فتنة الدجال فإنه ليس ثم فتنة أعظم من فتنة الدجال { إنه هو السميع } لقول اليهود { البصير } يعني العليم بأمر الدجال ويقال { السميع } لدعائك { البصير } برد فتنة الدجال عنك ٥٧ثم قال عز وجل { لخلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس } قال الكلبي ومقاتل { لخلق السموات والأرض } أعظم من خلق الدجال ويقال { لخلق السموات والأرض } أعظم من خلق الناس بعد موتهم يعني أنهم يبعثون يوم القيامة { ولكن أكثر الناس لا يعلمون } أن الدجال خلق من خلق اللّه تعالى ويقال لا يعلمون أن اللّه يبعثهم ولا يصدقون ٥٨ثم قال تعالى { وما يستوي الأعمى والبصير } يعني الكافر والمؤمن بالثواب { والذين آمنوا وعملوا الصالحات ولا المسيء } يعني لا يستوي الصالح مع الطالح { قليلا ما تذكرون } أي تتعظون وتعتبرون قرأ عاصم وحمزة والكسائي { تتذكرون } بالتاء على وجه المخاطبة والباقون بالياء { يتذكرون } على معنى الخبر عنهم وفي كلا القراءتين { ما } للصلة والزينة ٥٩وقال اللّه تعالى { إن الساعة لآتية لا ريب فيها } يعني قيام الساعة كائنة لا شك فيها عند المؤمنين { ولكن أكثر الناس لا يؤمنون } يعني لا يصدقون اللّه تعالى وقال عز وجل { وقال ربكم ادعوني أستجب لكم } قال الكلبي وحدوني أغفر لكم وقال مقاتل معناه { وقال ربكم } لأهل الإيمان { ادعوني أستجب لكم } { إن الذين يستكبرون عن عبادتي } يعني عن توحيدي فلا يؤمنون بي ولا يطيعونني { سيدخلون جهنم داخرين } أي صاغرين ٦٠ويقال { وقال ربكم ادعوني } بلا غفلة { أستجب لكم } يعني أستجب لكم بلا مهلة وقيل أيضا { ادعوني } بلا جفاء { أستجب لكم } بالوفاء وقيل أيضا { ادعوني } بلا خطأ { أستجب لكم } مع العطاء وروى النعمان بن بشير عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال ( إن الدعاء هو العبادة ثم قرأ { وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين } ) قرأ إبن كثير وعاصم في رواية أبي بكر وإحدى الروايتين عن أبي عمرو { سيدخلون جهنم } بضم الياء ونصب الخاء على معنى فعل ما لم يسم فاعله وتكون { جهنم } مفعولا ثانيا والباقون { يدخلون } بنصب الياء وضم الخاء على الإخبار عنهم بالفعل المستقبل على معنى سوف يدخلون ٦١قول اللّه عز وجل { اللّه الذي جعل لكم الليل } يعني خلق لكم الليل { لتسكنوا فيه } يعني لتستقروا فيه وتستريحوا فيه { والنهار مبصرا } يعني مضيئا لابتغاء الرزق والمعيشة ويقال { مبصرا فيه } لتبصروا فيه { إن اللّه لذو فضل على الناس } يعني على أهل مكة بتأخير العذاب عنهم وقيل على جميع الناس بخلق الليل والنهار { ولكن أكثر الناس لا يشكرون } لربهم في النعمة فيوحدونه ويطيعونه ٦٢قوله تعالى { ذلكم اللّه ربكم } يعني الذي خلق هذا هو ربكم { خالق كل شيء لا إله إلا هو فأنى تؤفكون } أي تصرفون وتحولون ويقال { فأنى تؤفكون } أي من أين تكذبون ٦٣{ كذلك يؤفك } يعني هكذا يكذب ويقال هكذا يحول { الذين كانوا بآيات اللّه يجحدون } ويقال هكذا يؤفك الذين كانوا من قبلهم ٦٤قوله تعالى { اللّه الذي جعل لكم الأرض قرارا } أي بسط لكم الأرض وجعلها موضع قراركم { والسماء بناء } يعني خلق السماء فوقكم مرتفعا { وصوركم } يعني خلقكم { فأحسن صوركم } ولم يخلقكم على صورة الدواب { فأحسن صوركم } يعني أحكم خلقكم { ورزقكم من الطيبات } يعني الحلالات يقال اللذيذات { ذلكم اللّه ربكم } يعني الذي خلق هذه الأشياء هو ربكم { فتبارك اللّه رب العالمين } يقال هو من البركة يعني البركة منه ٦٥قوله تعالى { هو الحي } يعني هو الحي الذي لا يموت ويميت الخلائق { لا إله إلا هو فادعوه مخلصين له الدين } يعني بالتوحيد { الحمد للّه رب العالمين } يعني قولوا الحمد للّه رب العالمين الذي صنع لنا هذا ٦٦قوله تعالى { قل إني نهيت } يعني قل يا محمد لأهل مكة { إني نهيت } { أن أعبد الذين تدعون من دون اللّه } يعني نهاني ربي أن أعبد الذين تعبدون من دون اللّه من الأصنام { لما جاءني البينات من ربي } الواضحات وهو القرآن { وأمرت أن أسلم لرب العالمين } يعني أستقيم على التوحيد ٦٧قوله عز وجل { هو الذي خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم يخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم } وقد ذكرناه من قبل { ثم لتكونوا شيوخا } يعني يعيش الإنسان إلى أن يصير شيخا { ومنكم من يتوفى من قبل } { ولتبلغوا أجلا مسمى } يعني الشباب والشيخ يبلغ { أجلا مسمى } وقتا معلوما ويقال في الآية تقديم ومعناه { ثم لتكونوا شيوخا } أي ثم لتبلغوا { أجلا مسمى } يعني وقت انقضاء أجله { ومنكم من يتوفى من قبل } أي من قبل أن يبلغ أشده ويقال من قبل أن يصير شيخا ثم قال { ولعلكم تعقلون } أي لكي تعقلوا أمر ربكم ولتستدلوا به وتتفكروا في خلقه ٦٨ثم قال عز وجل { هو الذي يحيي ويميت } أي يحيي للبعث ويميت في الدنيا على معنى التقديم ويقال معناه هو الذي يحيي في الأرحام ويميت عند انقضاء الآجال { فإذا قضى أمرا } يعني أراد أن يخلق شيئا { فإنما يقول له كن فيكون } ٦٩قوله عز وجل { ألم تر إلى الذين يجادلون في آيات اللّه } أي يجادلون في القرآن أنه ليس منه { أنى يصرفون } يعني من أين يصرفون عن على القرآن والإيمان ويقال من أين تعدلون عنه إلى غيره ويقال عن الحق والتوحيد ٧٠ثم وصفهم فقال { الذي كذبوا بالكتاب } يعني بالقرآن { وبما أرسلنا به رسلنا } يعني بالتوحيد ويقال بالأمر والنهي { فسوف يعلمون } ماذا ينزل بهم في الآخرة ثم وصف ما ينزل بهم ٧١فقال عز وجل { إذ الأغلال في أعناقهم } يعني ترد أيمانهم إلى أعناقهم { والسلاسل يسحبون } يعني تجعل السلاسل في أعناقهم ويجرون ٧٢{ في الحميم } يعني في ماء حار قد انتهى حره قال مقاتل { يسحبون في الحميم } يعني في حر النار وقال الكلبي يعني في الماء الحار { ثم في النار يسجرون } أي يوقدون فصاروا وقودا وروي عن ابن عباس أنه قرأ { والسلاسل } بنصب اللام { يسحبون } بنصب الياء يعني أنهم يسحبون السلاسل وقال هو أشد عليهم وقراءة العامة { والسلاسل } بضم اللام { يسحبون } بالضم على معنى فعل ما لم يسم فاعله والمعنى أن الملائكة يسحبونهم في السلاسل ٧٣{ ثم قيل لهم } أي تقول لهم الخزنة { أين ما كنتم تشركون } يعني تعبدون ٧٤{ من دون اللّه } من الأوثان { قالوا ضلوا عنا } يعني اشتغلوا بأنفسهم عنا قال { بل لم نكن ندعوا من قبل شيئا } وذلك أنهم يندمون على إقرارهم وينكرون ويقولون { بل لم نكن ندعوا من قبل شيئا } في الدنيا ويقال معناه بل لم نكن ندعو شيئا ينفعنا يقول اللّه تعالى { كذلك يضل اللّه الكافرين } عن الحجة ٧٥{ ذلكم } أي ذلك العذاب { بما كنتم تفرحون في الأرض } يعني تبطرون وتتكبرون في الأرض { بغير الحق وبما كنتم تمرحون } يعني تعصون وتستهزئون بالمسلمين ٧٦وقال تعالى { ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فبئس مثوى المتكبرين } يعني فبئس مقام المتكبرين عن الإيمان ٧٧ثم قال { فاصبر إن وعد اللّه حق } يعني اصبر يا محمد صلى اللّه عليه وسلم على أذى الكفار { إن وعد اللّه حق } يعني كائن { فأما نرينك بعض الذي نعدهم } يعني نرينك بعض الذي نعدهم من العذاب في الدنيا وهو القتل والهزيمة { أو نتوفينك } من قبل أن نرينك عذابهم في الدنيا { فإلينا يرجعون } يعني يرجعون إلينا في الآخرة فنجزيهم بأعمالهم ٧٨وقال عز وجل { ولقد أرسلنا رسلا من قبلك } يعني إلى قومهم { منهم من قصصنا عليك } يعني سميناهم لك فأنت تعرفهم { ومنهم من لم نقصص عليك } يعني لم نسمهم لك ولم نخبرك بهم يعني أنهم صبروا على أذاهم فاصبر أنت يا محمد على أذى قومك كما صبروا ثم قال { وما كان لرسول أن يأتي بآية } أي ما كان لرسول من القدرة { أن يأتي بآية } أي بدلائل وبراهين { إلا بإذن اللّه } يعني بأمره { فإذا جاء أمر اللّه } يعني العذاب { قضي بالحق } يعني عذبوا ولم يظلموا حين عذبوا { وخسر هنالك المبطلون } أي خسر عند ذلك المبطلون يعني المشركين ويقال يعني الظالمين ويقال الخاسرين ٧٩ثم ذكر صنعه ليعتبروا فقال { اللّه الذي جعل لكم الأنعام } يعني خلق لكم البقر والغنم والإبل { لتركبوا منها } يعني بعضها يعني الإبل { ومنها تأكلون } من لحومها وألبانها ٨٠{ ولكم فيها منافع } يعني في الأنعام { منافع } في ظهورها وشعورها وشرب ألبانها { ولتبلغوا عليها حاجة في صدوركم } يعني ما في قلوبكم من بلد إلى بلد { وعليها وعلى الفلك تحملون } يعني على الأنعام وعلى السفن ٨١قوله عز وجل { ويريكم آياته } يعني دلائله وعجائبه { فأي آيات اللّه تنكرون } بأنها ليست من اللّه تعالى ٨٢ثم قال { أفلم يسيروا في الأرض } يعني يسافروا في الأرض { فينظروا } يعني فيعتبروا { كيف كان عاقبة الذين من قبلهم } يعني آخر أمر من كان قبلهم كيف فعلنا بهم حين كذبوا رسلهم { كانوا أكثر منهم } يعني أكثر من قومك في العدد { وأشد قوة } من قومك { وآثارا في الأرض } يعني مصانعهم أعظم آثارا في الأرض وأطول أعمارا وأكثر ملكا في الأرض { فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون } يعني لم ينفعهم ما عملوا في الدنيا حين نزل بهم العذاب ٨٣قوله عز وجل { فلما جاءتهم رسلهم بالبينات } بالأمر والنهي وبخبر العذاب { فرحوا بما عندهم من العلم } يعني من قلة علمهم رضوا بما عندهم من العلم ولم ينظروا إلى دلائل الرسل ويقال رضوا بما عندهم فقالوا لن نعذب ولن نبعث ويقال { فرحوا بما عندهم من العلم } أي علم التجارة كقوله { يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا } [ الروم ٧ ] { وحاق بهم } يعني نزل بهم { ما كانوا يستهزئون } يعني يسخرون به ويقولون إنه غير نازل بهم ٨٤قوله عز وجل { فلما رأوا بأسنا } يعني عذابنا في الدنيا { قالوا آمنا باللّه وحده وكفرنا } يعني تبرأنا { بما كنا به مشركين } يعني بما كنا به مشركين من الأوثان ٨٥يقول اللّه تعالى { فلم يك ينفعهم إيمانهم } يعني تصديقهم { لما رأوا بأسنا } يعني حين رأوا عذابنا قال القتبي البأس الشدة والبأس العذاب كقوله { فلما رأوا بأسنا } وكقوله { فلما أحسوا } بأسنا { سنت اللّه التي قد خلت في عباده } قال مقاتل يعني كذلك كانت سنة اللّه { في عباده } يعني العذاب في الأمم الخالية إذا عاينوا العذاب لم ينفعهم الإيمان وقال القتبي هكذا سنة اللّه أنه من كفر عذبه { وخسر هنالك الكافرون } أي خسر عند ذلك الكافرون بتوحيد اللّه عز وجل و صلى اللّه عليه وسلم على سيدنا محمد وآله وسلم |
﴿ ٠ ﴾