سورة فصلت

مكية خمسون وأربع آيات

١

قول اللّه تبارك وتعالى { حم } يعني قضى ما هو كائن ويقال هو قسم أقسم اللّه تعالى به

٢

{ تنزيل } يعني نزل بهذا القرآن جبريل { من الرحمن الرحيم } { تنزيل } صار رفعا بالابتداء وخبره

٣

{ كتاب فصلت آياته } ويقال صار رفعا بإضمار فيه ومعناه هذا تنزيل من الرحمن الرحيم { كتاب } يعني القرآن { فصلت آياته } يعني بينت وفسرت دلائله وحججه

ويقال بين حلاله وحرامه { قرآنا عربيا } صار نصبا على الحال أي بينت آياته في حال جمعه { لقوم يعلمون } يعني يصدقون ويقرون بالرسل ويقال يعلمون ما فيه ويفهمونه { قرآنا عربيا } أخذ من الجمع ولو كان غير عربي لم يعلمون

٤

قوله تعالى { بشيرا ونذيرا } يعني { بشيرا } للمؤمنين بالجنة { ونذيرا } للكافرين بالنار

{ فأعرض أكثرهم } يعني أعرض أكثر أهل مكة { فهم لا يسمعون } يعني لا يسمعون سمعا ينفعهم لأنهم لا يجيبون ولا يطيعون

٥

وقال { وقالوا قلوبنا في أكنة } يعني في غطاء لا نفقه ما تقول { مما تدعونا إليه } من التوحيد لا يصل إلى قلوبنا { وفي آذاننا وقر } يعني ثقلا فلا نسمع قولك يعني نحن في استماع قولك كالصم لا نسمع ما تقول { ومن بيننا وبينك حجاب } أي ستر وغطاء { فاعمل إننا عاملون } يعني اعمل على أمرك نعمل على أمرنا

ويقال اعمل لإلهك الذي أرسلك إننا عاملون لآلهتنا وهذا قول مقاتل والأول قول الكلبي

ويقال اعمل في هلاكنا إننا عاملون في هلاكك

روى محمد بن كعب القرظي عمن حدثه أن عتبة بن ربيعة قال ذات يوم وهو جالس في نادي قريش ألا أقوم إلى هذا الرجل وأكلمه وأعرض عليه أمورا لعله يقبل منا بعضها فنعطيه أيها شاء ويكف عنا وذلك حين رأوا أصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم يزيدون ويكثرون فقالوا بلى يا أبا الوليد

فقام عتبة حتى جلس إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال يا ابن أخي إنك منا حيث علمت من المكان في النسب وإنك قد أتيت قومك بأمر عظيم فرقت جماعتهم وعبت آلهتهم ودينهم وكفرت من مضى من آبائهم فإن كنت إنما تريد بما جئت به مالا جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثر مالا منا وإن كنت تريد شرفا شرفناك علينا حتى لا نقطع أمرا دونك وإن كنت تريد به ملكا ملكناك علينا وإن كان هذا الذي يأتيك رؤيا تراه أي خيالا لا تستطيع أن ترده عنك نفسك طلبنا لك الطب وبذلنا لك فيه أموالنا حتى نبريك منه فإنه ربما غلب التابع على الرجل حتى يداوى منه

فلما فرغ منه قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم { بسم اللّه الرحمن الرحيم حم تنزيل من الرحمن الرحيم كتاب فصلت آياته } حتى انتهى إلى قوله { فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود } [ فصلت ١٣ ] فقام عتبة وجاء إلى أصحابه فقال بعضهم لبعض تاللّه لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب فلما جلس إليهم قالوا ما وراءك قال سمعت قولا ما سمعت بمثله قط واللّه ما هو بالشعر ولا بالسحر ولا بالكهانة يا معشر قريش أطيعوني وخلوا بين ما هو فيه فقالوا سحرك واللّه يا أبا الوليد بلسانه فقال هذا الرأي لكم فاصنعوا ما بدا لكم

٦

يقول اللّه تعالى للنبي صلى اللّه عليه وسلم { قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي } يعني آدميا مثلكم { يوحى إلي } ما أبلغكم من الرسالة { أنما إلهكم إله واحد فاستقيموا إليه } يعني أقروا له بالتوحيد { واستغفروه } من الشرك { وويل للمشركين } يعني الشدة من العذاب للمشركين

٧

 { الذين لا يؤتون الزكاة } يعني لا يعطون الزكاة ولا يقرون بها { وهم بالآخرة هم كافرون } يعني بالبعث بعد الموت

٨

ثم وصف المؤمنين فقال { إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات } يعني صدقوا باللّه وأدوا الفرائض { لهم أجر غير ممنون } يعني غير منقوص

ويقال غير مقطوع عنهم في حال ضعفهم ومرضهم

٩

فقال عز وجل { قل أئنكم لتكفرون } اللفظ لفظ الاستفهام والمراد به الزجر يعني أئنكم لتكذبون بالخالق الذي { خلق الأرض في يومين } يعني في يوم الأحد ويوم الاثنين

فبدا خلقها في يوم الأحد وبسطها في يوم الاثنين { وتجعلون له أندادا } يعني تصفون له شركاء من الآلهة { ذلك رب العالمين } يعني الذي خلق الأرض فهو رب جميع الخلق ولو أراد

اللّه أن يخلقها في لحظة واحدة لفعل وكان قادرا ولكنه أحب أن يبصر الخلق وجوه الأناة والقدرة على خلق السموات والأرض في أيام كثيرة وفي لحظة واحدة سواء لأن الخلق عاجزون عن مثقال ذرة منها وكان ابتداء خلق الأرض في يوم الأحد وإتمام خلقها وبسطها في يوم الاثنين

١٠

قوله تعالى { وجعل فيها رواسي من فوقها } يعني وخلق في الأرض رواسي يعني الجبال الثوابت من فوقها { وبارك فيها } بالماء والشجر { وقدر فيها أقواتها } يعني قسم فيها الأرزاق

وقال عكرمة { قدر فيها أقواتها } يعني قدر في كل قرية عملا لا يصلح في الأخرى مثل النيسابوري لا يكون إلا بنيسابور والهروي لا يكون إلا بهراة

وقال قتادة { وقدر فيها أقواتها } قال جبالها ودوابها وأنهارها وثمارها

وقال الحسن { وقدر فيها أقواتها } قال أرزاقها

وقال مقاتل يعني أرزاقها ومعايشها

وروى الأعمش عن أبي ظبيان عن ابن عباس رضي اللّه عنهم قال أول ما خلق اللّه من شيء خلق القلم فقال له اكتب

فقال يا رب وما أكتب فقال اكتب القدر فجرى بما يكون من ذلك اليوم إلى يوم القيامة ثم خلق النون ثم رفع بخار الماء ففتق منه السموات ثم بسط الأرض على ظهر النون فاضطرب النون فتمادت الأرض فأوتدت بالجبال

ثم قال { في أربعة أيام } يعني من أيام الآخرة ويقال من أيام الدنيا { سواء للسائلين } يعني لمن سأل الرزق ومن لم يسأل

وقال مقاتل { سواء للسائلين } يعني عدلا لمن سأل الرزق كقوله { واهدنا إلى سواء الصراط } [ ص٢٢ ] يعني عدلا

وقال ابن عباس سألت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن هذه الآية فقال ( خلق الأرواح قبل الأجساد بأربعة آلاف سنة ) وهكذا خلق الأرزاق قبل الأرواح بأربع آلاف سنة

{ وفي أربعة أيام سواء }

قرأ الحسن { سواء } بكسر الألف وقرأ أبو جعفر المدني { سواء } بالضم وقراءة العامة بالنصب

فمن قرأ بالكسر جعل { سواء } صفة للأيام والمعنى في أربعة أيام مستويات تامات { للسائلين }

ومن قرأ بالضم فمعناه في أربعة أيام وقد تم الكلام ثم استأنف فقال { سواء للسائلين } ومن قرأ بالنصب يعني قدرها سواء صار نصبا على المصدر ومعناه استوت استواء

١١

{ ثم استوى إلى السماء } أي صعد أمره إلى السماء وهو قوله { كن } ويقال عمد إلى خلق السماء { وهي دخان } يعني السماء بخار الماء كهيئة الدخان وذلك أنه لما خلق العرش لم يكن تحت العرش شيء سوى الماء كما قال

{ وكان عرشه على الماء } ثم ألقى الحرارة على الماء حتى ظهر منه البخار فارتفع بخاره كهيئة الدخان فارتفع البخار وألقى الريح الزبد على الماء فخلق الأرض من الزبد وخلق السماء من الدخان وهو البخار

ثم قال { لها وللأرض } يعني للسماء والأرض { ائتيا طوعا أو كرها } يعني أعطيا الطاعة كرها أو طوعا يعني ائتيا بالمعرفة لربكما والذكر له طوعا أو كرها { قالتا أتينا طائعين } فأعطيا الطاعة بالطوع

ويقال كانت السماء رتقا عن المطر والأرض عن النبات فقال لهما { ائتيا } يعني أطيعا وأخرجا ما فيكما من المطر والنبات منفعة للخلق إن شئتما طائعين وإن شئتما كارهين

{ قالتا أتينا طائعين } يعني أخرجنا ما فينا طائعين غير كارهين

وروي عن مجاهد أنه قال معناه يا سماء أبرزي شمسك وقمرك ونجومك ويا أرض أخرجي نباتك طوعا أو كرها

ويقال هذا على وجه المثل يعني أمرهما بإخراج ما فيهما فأخرجتا طائعتين

١٢

قوله عز وجل { فقضاهن سبع سموات في يومين وأوحى في كل سماء أمرها } يعني أمر أهل كل سماء بأمرها

قال السدي خلق في كل سماء خلقا من الملائكة { وزينا السماء الدنيا بمصابيح } يعني بالنجوم { وحفظا } يعني من الشيطان الرجيم أن يسترق السمع { ذلك } يعني الذي ذكر من صنعه { تقدير العزيز } في ملكه { العليم } بخلقه

١٣

قوله تعالى { فإن أعرضوا } يعني عن الأمر { فقل أنذرتكم } يعني خوفتكم { صاعقة } يعني عذابا { مثل صاعقة } يعني مثل عذاب { عاد وثمود }

وقال مقاتل كان عاد وثمود ابني عم وموسى وقارون ابني عم وإلياس واليسع ابني عم وعيسى ويحيى ابني خالة

ومعنى الآية إن لم يعتبروا فيما وصفت لهم من قدرتي وعظمتي في خلق السموات والأرض وأعرضوا عن الإيمان فقل أنذرتكم عذابا مثل عذاب عاد وثمود أنه يصيبكم مثل ما أصابهم

قال الفقيه أبو الليث رحمه اللّه أخبرني الخليل بن أحمد

قال حدثنا علي بن المنذر

قال حدثنا أبو فضيل عن الأجلح عن ابن حرملة عن جابر بن عبد اللّه أن أبا جهل والملأ من قريش بعثوا عتبة بن ربيعة إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فأتاه فقال له أنت يا محمد خير أم هاشم أنت خير أم عبد المطلب فلم تشتم آلهتنا وتضلل آباءنا فإن كنت تريد الرياسة عقدنا لك لواء وكنت رأسا ما بقيت

وإن كنت تريد الباءة زوجناك عشرة نسوة تختارهن من

أي بنات قريش شئت

وإن كنت تريد المال جمعنا لك من أموالنا ما تستغني به أنت وعقبك من بعدك

فلما فرغ قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم { بسم اللّه الرحمن الرحيم حم تنزيل من الرحمن الرحيم كتاب فصلت آياته } { إلى قوله } فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود { }

فأمسك عتبة على فيه وناشده بالرحم أن يكف

ثم رجع إلى أهله ولم يخرج إلى قريش واحتبس عنهم فقال أبو جهل واللّه يا معشر قريش ما نرى عتبة إلا وقد صبأ فأتوه فقال أبو جهل واللّه يا عتبة ما حبسك عنا إلا أنك قد صبوت إلى دين محمد صلى اللّه عليه وسلم وأعجبك أمره

فغضب عتبة وأقسم ألا يكلم محمدا أبدا وقال إني أتيته وقصصت عليه القصة فأجابني واللّه بقول ليس فيه سحر ولا شعر ولا كهانة فأمسكت على فيه وناشدته بالرحم أن يكف وقد علمتم أن محمدا صلى اللّه عليه وسلم إذا قال قولا لم يكذب فخفت أن ينزل عليكم العذاب

١٤

ثم قال تعالى { إذ جاءتهم الرسل من بين أيديهم } يعني من قبل عاد وثمود { ومن خلفهم } يعني من بعد عاد وثمود { ألا تعبدوا إلا اللّه } يعني ألا تطيعوا في التوحيد غير اللّه وهذا قول الرسل لقومهم

فأجابهم قومهم { قالوا لو شاء ربنا لأنزل ملائكة } ولم يرسل إلينا آدميا { فإنا بما أرسلتم به كافرون } أي جاحدون

وقد قيل في قوله { من بين أيديهم ومن خلفهم } يعني خوفوهم { من بين أيديهم } من أمر الآخرة وحذروهم النار ورغبوهم في الجنة

{ ومن خلفهم } يعني زهدوهم في الدنيا فلم يقبلوا

وقد قيل { من بين أيديهم } يعني ما خلق قبلهم كيف أهلكهم اللّه ومما خلفهم من أمر الآخرة

١٥

قوله تعالى { فأما عاد فاستكبروا في الأرض } يعني تعظموا عن الإيمان أي عن قول لا إله إلا اللّه { بغير الحق وقالوا من أشد منا قوة }

يقول اللّه تعالى { أو لم يروا أن اللّه الذي خلقهم } وقواهم { هو أشد منهم قوة } يعن

بطشا ولم يعتبروا بذلك

{ وكانوا بآياتنا يجحدون } يعني جاحدين بما آتاهم هود عليه السلام أنه لا ينزل بهم

١٦

قوله عز وجل { فأرسلنا عليهم ريحا صرصرا } يعني ريحا باردة تحرق كما تحرق النار

ويقال { ريحا صرصرا } يعني شديدة الصوت { في أيام نحسات }

قال مقاتل يعني شدائد

وقال الكلبي يعني أيام مشؤومات

قرأ إبن كثير ونافع وأبو عمرو { في أيام نحسات } بجزم الحاء والباقون بكسر الحاء ومعناهما واحد

ويقال يوم نحس ويوم نحس وأيام نحسه ونحسه والنحسات جمع الجمع

{ لنذيقهم عذاب الخزي } يعني عذابا شديدا في الدنيا قبل عذاب الآخرة

وهذا كقوله { ليذيقهم بعض الذي عملوا } [ الروم ٤١ ] يعني ليصيبهم بعض العقوبة في الدنيا

كقوله تعالى { ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر لعلهم يرجعون } يعني يتوبون

ثم قال عز وجل { ولعذاب الآخرة أخزى وهم لا ينصرون } يعني أشد مما كان في الدنيا

{ وهم لا ينصرون } يعني لا يمنعهم أحد من عذاب اللّه

١٧

ثم قال { وأما ثمود } قرأ الأعمش { ثمود } بالتنوين وقراءة العامة بغير تنوين

{ فهديناهم } يعني بينا لهم الحق من الباطل والكفر من الإيمان

وقال مجاهد { فهديناهم } أي دعوناهم

وقال قتادة ومقاتل بينا لهم

وقال القتبي دعوناهم ودللناهم { فاستحبوا العمى على الهدى } يعني اختاروا الكفر على الإيمان

ويقال اختاروا طريق الضلالة على طريق الهدى { فأخذتهم صاعقة العذاب الهون } والصاعقة هي العذاب الهون يعني يهانون فيه

ويقال الهون الشديد

{ بما كانوا يكسبون } يعني يعملون من الشرك والمعاصي

١٨

قوله عز وجل { ونجينا الذين آمنوا } بصالح { وكانوا يتقون } عقر الناقة ويتقون الشرك والفواحش

١٩

ثم قال عز وجل { ويوم يحشر أعداء اللّه } يعني يساق أعداء اللّه وهم الكفار والمنافقون { إلى النار }

قرأ نافع { ويوم نحشر } بالنون { أعداء اللّه } بالنصب على معنى الإضافة إلى نفسه وقرأ الباقون بالياء والضم

{ شر أعداء اللّه } على معنى فعل ما لم يسم فاعله { ويوم }صار نصبا لإضمار فيه يعني واذكر يوم يحشر أعداء اللّه إلى النار { فهم يوزعون } يعني يحبس أولهم ليلحق بهم آخرهم وأصله من وزعته أي كففته

٢٠

{ حتى إذا ما جاؤوها } يعني إذا جاؤوها { ما } صلة في الكلام يعني جاؤوا النار وعاينوها

قيل لهم { أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون } [ الأنعام ٢٢ ] فقالوا عند ذلك واللّه ربنا ما كنا مشركين فيختم على أفواههم وتستنطق جوارحهم فتنطق بما كتمت الألسن فذلك قوله { شهد عليهم سمعهم } يعني آذانهم بما سمعت { وأبصارهم } يعني أعينهم بما نظرت ورأت { وجلودهم } يعني فروجهم { بما كانوا يعملون } يعني بجميع أعمالهم

٢١

قوله تعالى { وقالوا لجلودهم } يعني لجوارحهم

وقال القتبي الجلود كناية عن الفروج { لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا اللّه الذي أنطق كل شيء } يعني أنطق الدواب وغيرهم { وهم خلقكم أول مرة } يعني أنطقكم في الدنيا { وإليه ترجعون } في الآخرة

٢٢

يقول اللّه تعالى { وما كنتم تستترون } يعني ما كنتم تمتنعون ويقال ما كنتم تحسبون وتستيقنون إلا { أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم ولكن ظننتم أن اللّه لا يعلم كثيرا مما تعملون } من الخير والشر

٢٣

 { وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم } يعني ذلك الظن الذي أهلككم ويقال { أرداكم } يعني أغواكم

ويقال أهلككم سوء الظن وروى الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال يقول اللّه تعالى ( أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه حيث يذكرني ) وقال الحسن إن المؤمن أحسن الظن بربه فأحسن العمل

وإن المنافق أساء الظن بربه فأساء العمل

{ فأصبحتم من الخاسرين } يعني صرتم من المغبونين

{ فإن يصبروا } يعني على النار { فالنار مثوى لهم } أي مأوى لهم ويقال هذا جواب لقولهم { اصبروا على آلهتكم }

٢٤

يقول اللّه تعالى { فإن يصبروا } يعني على النار { النار مثوى لهم } { وإن يستعتبوا } يعني يسترجعوا من الآخرة إلى الدنيا { فما هم من المعتبين } أي من المرجوعين إلى الدنيا

ويقال { وإن يستعتبوا } يعني وإن يطلبوا العذر { فما هم من المعتبين } يعني لا يسمع ولا يقبل منهم عذرهم

٢٥

قوله عز وجل { وقيضنا لهم قرناء } من الشياطين

وقال أهل اللغة قيض يعني سلط ويقال قيض بمعنى قدر

{ فزينوا لهم } يعني زينوا لهم التكذيب بالحساب وقال الحسن

{ وقضينا لهم قرناء } أي خلينا بينهم وبين الشياطين بما استحقوا من الخذلان فزينوا لهم { ما بين أيديهم وما خلفهم } قال الضحاك

يعني شككوهم في أمر الآخرة { وما خلفهم } يعني رغبوهم في الدنيا

ويقال زينوا لهم ما بين أيديهم يعني ما كان عليه آباؤهم من أمر الجاهلية { وما خلفهم } يعني تكذيبهم بالعبث { وحق عليهم القول } يعني وجب عليهم العذاب { في أمم قد خلت من قبلهم } يعني أمم قد مضت { من قبلهم } يعني من قبل أهل مكة { من الجن والإنس إنهم كانوا خاسرين } بالعقوبة

ويقال إنهم كانوا خاسرين قبلهم

٢٦

قوله تعالى { وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن } نزلت الآية في أبي جهل وأصحابه فإنه قال إذ تلى محمد القرآن فارفعوا أصواتكم بالأشعار والكلام في وجوههم حتى تلبسوا عليهم فذلك قوله { والغوا فيه } يعني الغطوا فيه واللغط هو الشغب والجلبة { لعلكم تغلبون } يعني تغلبوهم ويسكتون

قال الزجاج { والغوا فيه } يعني عارضوا بكلام لا يفهم يكون ذلك الكلام لغوا

٢٧

يقول اللّه تعالى { فلنذيقن الذين كفروا عذابا شديدا } في الدنيا بالقتل { ولنجزينهم } يعني في الآخرة { أسوأ الذي كانوا يعملون } يعني أقبح ما كانوا يعملون ويقال هذا كله من عذاب الآخرة يعني { فلنذيقن الذين كفروا } في الآخرة { عذابا شديدا } { ولنجزينهم } من العذاب أسوأ ما كانوا يعملون يعني بأسوأ أعمالهم وهو الشرك

٢٨

 { ذلك جزاء أعداء اللّه النار } يعني ذلك العذاب الشديد هو جزاء أعداء اللّه النار يعني ذلك العذاب هو النار ويقال صار رفعا بالبدل عن الجزاء

ثم قال { لهم فيها دار الخلد } يعني من النار موضع المقام أبدا { جزاء بما كانوا بآياتنا يجحدون } يعني بالكتاب والرسل

٢٩

قوله تعالى { وقال الذي كفروا ربنا أرنا اللذين } يعني الصنفين اللذين { أضلانا } يعني سببا ضلالتنا { من الجن والإنس } ويقال جهلانا حتى نسينا الآخرة

ثم قال { نجعلهما تحت أقدامنا ليكونا من الأسفلين } في النار

ويقال من الجن ويقال يعني إبليس هو الذي أضلنا ومن الإنس يعني ابن آدم الذي قتل أخاه

ويقال رؤساؤهم في الضلالة كقوله { ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا } [ الأحزاب ٦٧ ] الآية

قرأ إبن كثير وابن عامر وعاصم في رواية أبي بكر { أرنا } بجزم الراء والباقون بالكسر ومعناهما واحد

٣٠

قوله تعالى { إن الذين قالوا ربنا اللّه ثم استقاموا } يعني { قالوا ربنا اللّه } فعرفوه و { استقاموا } على المعرفة

وقال القتبي يعني آمنوا ثم استقاموا على طاعة اللّه

وقال ابن عباس في رواية الكلبي { ثم استقاموا } على ما افترض اللّه عليهم

وروي عن أبي بكر الصديق رضي اللّه عنه أنه قرأ هذه الآية ثم قال أتدرون ما استقاموا عليه فقالوا ما هو يا خليفة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال يعني استقاموا ولم يشركوا

وقال عمر رضي اللّه عنه { ثم استقاموا } ولم يروغوا روغان الثعلب على طاعة اللّه

وعن أبي العالية { ثم استقاموا } قال أخلصوا له الدين والعمل

ويقال وحدوا اللّه تعالى واستقاموا على طاعته ولزموا سنة نبيه

وقال بعض المتأخرين معناه { ثم استقاموا } فعلا كما استقاموا قولا

وقد قيل أيضا { إن الذين قالوا ربنا اللّه } يعني يقولون اللّه مانعنا ومعطينا وضارنا ونافعنا { ثم استقاموا } على ذلك القول ولا يرون النفع ولا يرجون من أحد دون اللّه تعالى ولا يخافون أحدا دون اللّه فذكر أعمالهم ثم ذكر ثوابهم فقال { تتنزل عليهم الملائكة }

قال الكلبي يعني تتنزل عليهم الملائكة عند قبض أرواحهم ويبشرونهم ويقولون { ألا تخافوا ولا تحزنوا } يعني لا تخافوا أمامكم من العذاب ولا تحزنوا على ما خلفكم من الدنيا

وقال مقاتل { تتنزل عليهم الملائكة } يعني تتنزل عليهم الحفظة من السماء فتقول له أتعرفني فيقول لا

فيقول أنا الذي كنت أكتب عملك وبشره بالجنة فذلك قوله { وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون } في الدنيا

وقال زيد بن أسلم البشرى في ثلاث مواطن عند الموت وفي القبر وفي البعث

وقال بعض المتأخرين هذه البشرى للخائف الحزين لا للآمن المستبشر يعني الذي كان خائفا في الدنيا

٣١

ثم قال عز وجل { ونحن أولياؤكم في الحياة الدنيا } يعني تقول لهم الحفظة نحن كنا أولياؤكم في الحياة الدنيا ونحن أولياؤكم { وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم } يعني لكم في الجنة ما تحب وتتمنى قلوبكم { ولكم فيها ما تدعون } يعني تسألون

٣٢

ثم قال { نزلا من غفور } للذنوب العظام { رحيم } بالمؤمنين

حكى الزجاج عن الأخفش { نزلا } منصوبا من وجهين أحدهما على المصدر فمعناه أنزلناه نزلا

ويجوز أن يكون على الحال

٣٣

قوله تعالى { وما أحسن قولا ممن دعا إلى اللّه وعمل صالحا } قال بعضهم الآية نزلت في شأن المؤذنين يعني يدعون الناس إلى الصلاة

{ وعمل صالحا } يعني يصلي بين الأذان والإقامة ويقال الأنبياء يدعون الخلق إلى توحيد اللّه تعالى { عمل صالحا } يعني الطاعات

ويقال العلماء يعلمون الناس أمور دينهم ويدعونهم إلى طريق الآخرة { وعمل صالحا } يعني عملوا بالعلم ويقال نزلت الآية في الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر يعني يأمرون بالمعروف ويعملون به ويصبرون على ما أصابهم

{ وقال إنني من المسلمين } يعني أكون على دين الإسلام لأنه لا تقبل طاعة بغير دين الإسلام

٣٤

فقال عز وجل { ولا تستوي الحسنة ولا السيئة } قال الزجاج { لا } زائدة مؤكدة والمعنى لا تستوي الحسنة والسيئة لا تستوي الطاعة والمعصية ولا يستوي الكفر والإيمان ويقال لا يستوي البصير والأعمى

ويقال لا يستوي الصبر والجزع واحتمال الأذى والإساءة

وذلك أن النبي صلى اللّه عليه وسلم كان يؤذيه أبو جهل لعنه اللّه وكان صلى اللّه عليه وسلم يكره رؤيته بغضا له فأمره اللّه تعالى بالعفو والصفح فقال { ادفع بالتي هي أحسن } يعني ادفع بالكلمة الحسنة الكلمة القبيحة { فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم } يعني إذا فعلت ذلك يصير الذي بينك وبينه عداوة بمنزلة القرابة في النسب

٣٥

قوله تعالى { وما يلقاها إلا الذين صبروا } على طاعة اللّه تعالى وأداء الفرائض { وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم } يعني ذو نصيب وافر في الآخرة

ويقال { ادفع بالتي هي أحسن } يعني بقول لا إله إلا اللّه السيئة يعني الشرك

{ وما يلقاها إلا الذين صبروا } على كظم الغيظ

٣٦

ثم قال { وأما ينزغنك } يعني يصيبنك { من الشيطان نزغ } يعني فتنة

وقيل وسوسة على الاحتمال وقال الكلبي الذنب عند دفع السيئة

ويقال { ينزغنك } يعني يغوينك { فاستعذ باللّه } يعني تعوذ باللّه { إنه هو السميع } للاستعاذة { العليم } بقول الكفار

وعقوبتهم

٣٧

قوله تعالى { ومن آياته } يعني من علامات وحدانيته أن عرفوا توحيده بصنعه { الليل والنهار والشمس والقمر لا تسجدوا للشمس ولا للقمر } يعني خلق الشمس والقمر والليل والنهار دلالة لوحدانيته لتعرفوا وحدانيته فتعبدوه ولا تعبدوا هذه الأشياء { واسجدوا للّه الذي خلقهن } يعني اعبدوا خالق هذه الأشياء واسجدوا له وأطيعوه { إن كنتم إياه تعبدون } يعني إن أردتم بعبادة الشمس والقمر رضا اللّه تعالى فإن رضاه أن تعبدوه ولا تعبدوا غيره

ويقال { إن كنتم إياه تعبدون } يعني إن أردتم بعبادتهما عبادة اللّه تعالى فاعبدوه وأطيعوه ولا تسجدوا لغيره

٣٨

قوله { فإن استكبروا } يعني تكبروا عن السجود للّه تعالى وعن توحيده

{ فالذين عند ربك } يعني الملائكة { يسبحون له } يعني يصلون للّه تعالى { بالليل والنهار } يقال هو التسبيح بعينه يعني يسبحونه ويذكرونه { وهم لا يسأمون } يعني لا يملون من الذكر والعبادة والتسبيح

٣٩

قوله عز وجل { ومن آياته } يعني من علامات وحدانيته { أنك ترى الأرض خاشعة } يعني غبراء يابسة لا نبت فيها { فإذا أنزلنا عليها الماء } يعني المطر { اهتزت } يعني تحركت بالنبات { وربت } يعني علت يعني انتفخت الأرض إذا أرادت أن تنبت { إن الذي أحياها } بعد موتها { لمحيي الموتى } للبعث في الآخرة { إنه على كل شيء قدير } أي من البعث وغيره

٤٠

قوله تعالى { إن الذين يلحدون في آياتنا } قال مقاتل يعني يميلون عن الإيمان بالقرآن

وقال الكلبي يعني يميلون في آياتنا بالتكذيب وقال قتادة الإلحاد التكذيب وقال الزجاج أي يجعلون الكلام إلى غير وجهته ومن هذا سمي اللحد لحدا لأنه من جانب

القبر

قرأ حمزة { يلحدون } بنصب الياء والحاء

والباقون بضم الياء وكسر الحاء ومعناهما واحد لحد وألحد بمعنى واحد

{ لا يخفون علينا } يعني لا يقدرون أن يهربوا من عذابنا ولا يستترون منا { أفمن يلقى في النار } يعني أبا جهل وأصحابه { خير أمن يأتي آمنا يوم القيامة } يعني النبي صلى اللّه عليه وسلم

ويقال نزلت في شأن جميع الكفار وجميع المؤمنين

يعني من كان مرجعه إلى النار حاله يكون خيرا أم حال من يدخل الجنة

ثم قال لكفار مكة { اعملوا ما شئتم } فلفظه لفظ التخيير والإباحة والمراد به التوبيخ والتهديد لأنه بين مصير كل عامل

ثم قال تعالى { إنه بما تعملون بصير } من الخير والشر و { بصير } يعني عالم

٤١

قوله تعالى { إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم } يعني جحدوا بالقرآن لما جاءهم { وإنه } يعني القرآن { لكتاب عزيز } يعني كريم عند المؤمنين ويقال كريم على اللّه أنزله آخر الكتب

وقال مقاتل { كتاب عزيز } يعني منيعا عن الباطل

ويقال { عزيز } لا يوجد مثله في النظم وكثرة فوائده

{ لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه } قال الكلبي ومقاتل { لا يأتيه الباطل } أي لا يأتيه التكذيب من الكتاب الذي قبله كل يصدق هذا ولا يجيء من بعده كتاب يكذبه

٤٢

وقال قتادة { لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه } يعني لا يستطيع الشيطان أن يبطل منه حقا ولا يؤيد فيه باطلا

قال أبو الليث رحمه اللّه حدثنا الخليل أبو أحمد قال حدثنا الباغندي قال حدثنا محمد بن سلمة عن أبي بشار عن عمرو بن مرة عن أبي البختري عن الحارث الأعور عن علي بن أبي طالب قال قيل للنبي صلى اللّه عليه وسلم إن أمتك ستفترق من بعدك

فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ( بلى ) فقالوا ما المخرج منها قال ( كتاب اللّه العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ) { تنزيل } من حكيم حميد من ابتغى العلم في غيره أضله اللّه ومن حكم بغيره قصمه اللّه وهو الذكر الحكيم والنور المبين والصراط المستقيم فيه خبر من كان قبلكم وبيان من بعدكم والحكم فيما بينكم هو الفصل المبين وهو الفضل وليس بالهزل وهو الذي سمعته الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا لا يخلق على طول الدهر ولا تنقضي عبره ولا تفنى عجائبه

ثم قال للحارث ( خذها إليك يا أعور )

ثم قال { تنزيل من حكيم حميد } يعني القرآن تنزيل من اللّه تعالى الحكيم في أمره المحمود في فعاله

وقال بعضهم قوله { إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم } لم يذكر جوابه وجوابه مضمر

وقال بعضهم جوابه في قوله { وذو عقاب أليم } ويقال جوابه في قوله { أولئك ينادون من مكان بعيد } [ فصلت ٤٤ ]

٤٣

قوله تعالى { ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك } يعني اصبر على مقالة الكفار فإنهم لا يقولون من التكذيب لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك من التكذيب

ويقال معناه { ما يقال لك } يعني لا يؤمر لك يعني في الرسالة إلا ما قد قيل للرسل من قبلك بأن يعبدوا اللّه

فيقال لك أن تعبد اللّه تعالى أيضا ويقال { ما يقال لك } إلا بأن تبلغ الرسالة { إلا ما قد قيل للرسل من قبلك } بأن يبلغوا الرسالة { إن ربك لذو مغفرة } قال مقاتل أي ذو تجاوز في تأخير العذاب عنهم إلى أجلهم

وقال الكلبي { إن ربك لذو مغفرة } لمن تاب من الشرك { وذو عقاب أليم } لمن لم يتب ومات على الشرك

٤٤

قوله عز وجل { ولو جعلناه قرآنا أعجميا } يعني لو أنزلناه بلسان العبرانية { لقالوا لولا فصلت آياته } يعني هلا بين بالعربية

{ أأعجمي وعربي } ويقولون القرآن أعجمي والرسول عربي فكان ذلك أشد لتكذيبهم

قرأ حمزة والكسائي وعاصم في رواية أبي بكر بهمزتين بغير مد والباقون بهمزة واحدة مع المد ومعناهما واحد ويكون على معنى الاستفهام

وقرأ الحسن { أعجمي } بهمزة واحدة بغير مد ويكون على غير وجه الاستفهام

وقرأ بعضهم { أعجمي } بنصب العين والجيم يقال رجل عجمي إذا كان من العجم وإن كان فصيحا

ورجل أعجمي إذا كان لا يفصح وإن كان من العرب

ثم قال تعالى { قل هو للذين آمنوا هدى } يعني القرآن هدى للمؤمنين من الضلالة { وشفاء } يعني وشفاء لما في الصدور من العمى { والذين لا يؤمنون } بالآخرة { في آذانهم وقر } يعني ثقلا وصما { وهو عليهم عمى } يعني القرآن عليهم حجة وهذا قول الكلبي

وقال مقاتل يعني عموا عنه فلا ينظرونه ولا يفهمونه

وروي عن ابن عباس أنه قرأ { وهو عليهم عم } بالكسر على معنى النعت وقراءة العامة بالنصب على معنى المصدر

كما أنه قال { هدى وشفاء } على معنى المصدر

ثم قال { أولئك ينادون من مكان بعيد } وهذا على سبيل المثل يقال للرجل إذا قل فهمه إنك تنادي من مكان بعيد يعني إنك لا تفهم شيئا

ويقال ينادون من مكان بعيد

يعني من السماء

وقال مجاهد يعني بعيدا من قلوبهم

وقال الضحاك ينادون يوم القيامة من مكان بعيد فينادى الرجل بأشنع أسمائه

يعني يقال له يا فاسق يا منافق يا كذا يا كذا

٤٥

قوله تعالى { ولقد آتينا موسى الكتاب } يعني أعطينا موسى التوراة ويقال الألواح

{ فاختلف فيه } يعني صدق بعضهم وكذب بعضهم { ولولا كلمة سبقت من ربك } يعني وجبت بتأخير العذاب { لقضي بينهم } يعني لفرغ من أمرهم ولهلك المكذب

{ وإنهم لفي شك منه مريب } يعني من العذاب بعد البعث { مريب } لا يعرفون شكهم

ويقال { مريب } أي ظاهر الشك

ويقال { ولولا كلمة سبقت من ربك } بتأخير العذاب عن هذه الأمة إلى يوم القيامة لأتاهم العذاب إذ كذبوه كما فعل بغيرهم

٤٦

قوله تعالى { من عمل صالحا فلنفسه } يعني ثوابه لنفسه { ومن أساء فعليها } يعني العذاب على نفسه { وما ربك بظلام للعبيد } يعني لا يعذب أحدا بغير ذنب

٤٧

قوله تعالى { إليه يرد علم الساعة } يعني لا يعلم قيام الساعة أحد إلا اللّه يعني يرد الخلق كلهم علم قيام الساعة إلى ربهم

{ وما تخرج من ثمرات من أكمامها } يعني حين تطلع وغلاف كل شيء كمه أي تخرج من موضعها الذي كانت فيه

قرأ نافع وابن عامر وعاصم في إحدى رواية حفص { من ثمرات } بلفظ الجمع والباقون { من ثمرة } بلفظ الواحد

ثم قال { وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه } يعني إلا وهو يعلمه ولا يعلم أحد قبل الولادة كيف صفته ولا يعلم أحد بعد وضعه كم أجله

{ ويوم يناديهم } يعني يدعوهم { أين شركائي } يعني الذين كنتم تدعون من دون اللّه { قالوا آذناك ما منا من شهيد } يعني أعلمناك وقلنا لك { ما منا من شهيد } يعني يشهد بأن لك شريكا أي يتبرأون من أن يكون مع اللّه شريك

ويقال ما منا من أحد يشهد لك أنه عبد أحد دونك

وقال القتبي هذا قول الآلهة التي كانوا يعبدون في الدنيا { ما منا من شهيد } لهم كما قالوا وادعوه في الدنيا فينا

٤٨

{ وضل عنهم } يعني بطل عنهم { ما كانوا يدعون من قبل } في الدنيا { وظنوا ما لهم من محيص } يعني علموا واستيقنوا ما لهم من ملجأ ولا مفر من النار

٤٩

قوله تعالى { ولا يسأم الإنسان } يعني لا يمل الكافر

قال الضحاك نزلت في شأن النضر بن الحارث

{ من دعاء الخير } يعني من سؤال الخير يعني العافية في الجسد والنعمة والسعة في الرزق وقال { وإن مسه الشر } يعني أصابته الشدة والبلاء والفقر { فيؤوس قنوط } يعني آيسا من الخير قانطا من رحمة اللّه تعالى

ويقال لا يمل من دعاء الخير وإذا نزلت به شدة يقول اللّه م عافني وإذا مسه الشر { فيؤوس قنوط } يعني آيسا من معبوده

٥٠

 { ولئن أذقناه رحمة منا } يعني أصبناه عافية منا وغنى { من بعد ضراء مسته } يعني من بعد شدة أصابته { ليقولون هذا لي } يعني أنا أهل لهذا ومستحق له

ويقال أنا أحق بهذا ويقال هذا بعملي وأنا محقوق به

{ وما أظن الساعة قائمة } يعني ما أحسب القيامة كائنة { ولئن رجعت إلى ربي } يعني يوم القيامة { إن لي عنده للحسنى } يعني الجنة ولئن كان يوم القيامة كما يقول محمد صلى اللّه عليه وسلم فلي الجنة

يقول اللّه تعالى { فلننبئن الذين كفروا } يعني لنخبرنهم { بما عملوا } من أعمالهم الخبيثة { ولنذيقنهم } يعني لنجزينهم { من عذاب غليظ } يعني عذاب شديد لا يفتر عنهم

٥١

قوله تعالى { وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونأى بجانبه } يعني أعرض الكافر وقال مقاتل أعرض الكافر فلا يدعو ربه

وقال الكلبي أعرض عن الإيمان

{ ونأى بجانبه } يعني تباعد بجانبه عن الدعاء وعن الإيمان

{ وإذا مسه الشر } يعني أصابته الشدة { فذو دعاء عريض } قال مقاتل والكلبي يعني كثير

ويقال طويل

فإن قيل قد قال في موضع

{ وإذا مسه الشر فيؤوس قنوط } وقال في موضع آخر { فذو دعاء عريض } مرة ذكر أنه يؤوس ومرة أخرى ذكر أنه يدعو فكيف هذا قيل له هذا في شأن رجل والآخر في شأن رجل ويجوز أن يكون في شأن إنسان واحد

{ وإذا مسه الشر فيؤوس قنوط } عن كل معبود دون اللّه فيدعو اللّه دائما

٥٢

ثم قال عز وجل { قل أرأيتم إن كان من عند اللّه } يعني إن كان هذا الكتاب من عند اللّه { ثم كفرتم به } يعني جحدتم أنه ليس من عند اللّه ماذا تقولون وماذا تجيبون وماذا تحتالون إذا نزل بكم العذاب يوم القيامة { من أضل ممن هو في شقاق بعيد } أي في خلاف طويل بعيد عن الحق

قوله تعالى { سنريهم آياتنا في الآفاق } يعني عذابنا في البلاد مثل هلاك عاد وثمود وقوم لوط وهم يرون إذا سافروا آثارهم وديارهم

{ وفي أنفسهم } يبتلون بأنفسهم من البلايا

ويقال من قتل أصحابهم الكفار في الحرب { حتى يتبين لهم أنه الحق } يعني الذي قلت هو الحق فيصدقونك

٥٣

وقال مجاهد { سنريهم آياتنا في الآفاق } يعني ما يفتح اللّه عليهم من القرى { وفي أنفسهم } قال فتح مكة

وقال الضحاك معناه أن أبا جهل قال للنبي صلى اللّه عليه وسلم ائتنا بعلامة فانشق القمر نصفين

فقال أبو جهل للنبي صلى اللّه عليه وسلم إن كان القمر قد انشق فهي آية

ثم قال يا معشر قريش إن محمدا صلى اللّه عليه وسلم قد سحر القمر فوجهوا رسلكم إلى الآفاق هل عاينوا القمر كذلك إن عاينوا القمر فهي آية وإلا فذلك سحر فوجهوا فإذا أهل الآفاق يتحدثون بانشقاقه

فقال أبو جهل هذا سحر مستمر يعني ذاهبا في الدنيا

فنزل { سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق } وقال بعض المتأخرين { سنريهم آياتنا في الآفاق } ما وضع في العالم من الدلائل وفي أنفسهم ما وضع فيها من الدلائل التي تدل على وحدانية اللّه تعالى وأن محمدا صلى اللّه عليه وسلم صادق ينطق بالوحي فيما يقول وهذا كما قال { وفي الأرض آيات للمؤمنين وفي أنفسكم أفلا تبصرون }

قوله تعالى { أو لم يكف بربك } يعني شاهدا أن القرآن من اللّه تعالى { أنه على كل شيء شهيد } عالم بأعمالهم بالبعث وغيره

وقال الكلبي { أو لم يكف بربك } يعني قد أخبرهم بذلك وإن لم يسافروا

ويقال { أو لم يكف بربك } ومعنى الكفاية ههنا أنه قد بين لهم ما فيه كفاية بالدلالة على توحيده وتثبيت رسله

٥٤

ثم قال { ألا إنهم في مرية من لقاء ربهم } ألا كلمة التنبيه يعني اعلم أنهم في شك من البعث { ألا إنه بكل شيء محيط } يعني ألا إن اللّه تعالى عالم بأعمالهم وعقوبتهم والإحاطة إدراك الشيء بكماله يعني أحاط علمه سبحانه وتعالى بكل شيء من البعث وغيره والحمد للّه وحده صلى اللّه عليه وسلم على من لا نبي بعده وآله وسلم

﴿ ٠