سورة الشورىمكية وهي خمسون وثلاث آيات ١قوله تبارك وتعالى { حم } ٢{ عسق } روي عن ابن عباس أنه قال الحاء حكم اللّه والميم ملك اللّه والعين علو اللّه والسين سناء اللّه والقاف قدرة اللّه فكأنه يقول فبحكمي وملكي وعلوي وسنائي وقدرتي لا أعذب عبدا قال لا إله إلا اللّه مخلصا فلقيني بها ومعنى قول ابن عباس لا يعذب عبدا يعني لا يعذبه عذابا دائما خالدا وروى المسيب عن رجل عن أبي عبيدة قال العين عذاب اللّه والسين سنون والقاف فيها القحط العجب وقال وروي النبي صلى اللّه عليه وسلم قال ( افتحوا صبيانكم قول لا إله إلا اللّه ولقنوا موتاكم لا إله إلا اللّه ) والحكمة في ذلك لأن حال الصبيان حال حسن لا غل ولا غش في قلوبهم وحال الموتى حال الاضطرار فإذا قلتم ذلك في أول ما يجري عليكم القلم وآخر ما يجف القلم فعسى اللّه أن يتجاوز ما بين ذلك وقال المسيب وحدثنا محدث قال قاف قدف وقال الضحاك في قوله { حم عسق } قال عذاب سيكون واقعا وأرجو أن يكون قد مضى يوم بدر والسنون وقال شهر بن حوشب { حم عسق } حرب يذل فيه العزيز ويعز فيه الذليل من قريش ثم يفضي إلى العرب ثم إلى العجم ثم هي متصلة إلى خروج الدجال وقال عطاء الحاء حرب وهو موت ذريع في الناس وفي الحيوان حتى يبيدهم ويفنيهم والميم تحويل ملك من قوم إلى قوم والعين عدو لقريش يركبهم ثم ترجع الدولة إليهم لحرمة البيت والسين هو استئصال بالسنين كسني يوسف والقاف قدر من اللّه نافذ في ملكوت الأرض لا يخرجون من قدره وهو نافذ فيهم وقال السدي الحاء حلمه والميم ملكه والعين عظمته والسين سناؤه والقاف قدرته وقال قتادة هو اسم من أسماء اللّه تعالى ويقال اسم من أسماء القرآن ٣ثم قال تعالى { كذلك يوحي إليك وإلى الذين من قبلك } يعني أوحى اللّه إليك ب { حم عسق } كما أوحى اللّه بها إلى الذين كانوا من قبلك وقال ابن عباس ليس من نبي وإلا وقد أوحى اللّه تعالى إليه ب { حم عسق } كما أوحى اللّه بها إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم قرأ إبن كثير { يوحى إليك } بالألف على معنى فعل ما لم يسم فاعله وقرأ الباقون { يوحي } بالكسر يعني هكذا يوحي اللّه إليك وقرئ في الشاذ ( نوحي ) بالنون ثم قال { اللّه العزيز } بالنقمة على من لم يجب الرسل { الحكيم } حكم بإنزال الوحي عليك وقال مقاتل { كذلك يوحي إليك وإلى الذين من قبلك } يعني في أمر العذاب ٤قوله عز وجل { له ما في السموات وما في الأرض } يعني من خلق { وهو العلي } يعني الرفيع { العظيم } فلا شيء أعظم منه يعني عظيم قدرته ٥قوله تعالى { تكاد السموات يتفطرن } يعني يتشققن { من فوقهن } يعني من هيبة الرحمن وجلاله وعظمته قرأ إبن كثير وابن عامر وحمزة وعاصم في رواية حفص { تكاد السموات } بالتاء بلفظ التأنيث { يتفطرن } بالتاء بلفظ التأنيث وقرأ أبو عمرو وعاصم في رواية أبي بكر { تكاد } بالتاء بلفظ التأنيث { ينفطرن } بالنون وقرأ الباقون بالياء بلفظ التذكير { يتفطرن } بالياء ثم قال { والملائكة يسبحون بحمد ربهم } يعني يسبحونه ويذكرونه { ويستغفرون لمن في الأرض } يعني للمؤمنين وروى داود بن قيس قال دخلت على وهب بن منبه فسئل عن قوله { ويستغفرون لمن في الأرض } [ غافر ٧ ] قال للمؤمنين منهم وفي رواية أنه قال نسختها الآية التي في سورة المؤمن حيث قال { ويستغفرون للذين آمنوا } [ غافر ٧ ] وروى معمر عن قتادة قال { ويستغفرون لمن في الأرض } قال للمؤمنين منهم قال أبو الليث رحمه اللّه هذا الذي روي عن قتادة أصح لأن النسخ في الأخبار لا يجوز وإنما يجوز في الأمر والنهي قوله عز وجل { ألا إن اللّه هو الغفور } لذنوبهم ( الرحيم ) بهم في الرزق ويقال { ويستغفرون لمن في الأرض } يعني يسألون لهم الرزق ٦قوله عز وجل { والذين اتخذوا من دونه } يعني عبدوا من دون اللّه { أولياء } يعني أصناما { اللّه حفيظ عليهم } يعني يحفظ أعمالهم ويقال يشهد عليهم { وما أنت عليهم بوكيل } يعني بمسلط لتجبرهم على الإيمان وهذا قبل أن يؤمر بالقتال ٧قوله عز وجل { وكذلك أوحينا إليك قرآنا عربيا } يعني هكذا أنزلنا عليك جبريل ليقرأ عليك القرآن بلغتهم ليفهموه { لتنذر أم القرى } يعني لتخوف بالقرآن أهل مكة { ومن حولها } من البلدان { وتنذر يوم الجمع } يعني لتنذرهم بيوم القيامة والباء محذوفة منه كما قال { لينذر بأسا شديدا } يعني ببأس شديد وإنما سمي يوم الجمع لأنه يجتمع فيه أهل السماء وأهل الأرض كلهم من الأولين والآخرين { لا ريب فيه } يعني يوم القيامة لا شك فيه أنه كائن { فريق في الجنة } وهم المؤمنون { وفريق في السعير } وهم الكافرون ٨قوله تعالى { ولو شاء اللّه لجعلهم أمة واحدة } يعني على ملة واحدة وهو الإسلام { ولكن يدخل من يشاء في رحمته } يعني يكرم بدينه من يشاء من كان أهلا لذلك ويدخله في الآخرة في جنته { والظالمون ما لهم من ولي ولا نصير } يعني الكافرين ليس لهم مانع يمنعهم من العذاب ولا ناصر ينصرهم ٩قوله تعالى { أم اتخذوا من دونه أولياء } يعني عبدوا من دون اللّه أربابا { فاللّه هو الولي } يعني هو أولى أن يعبدوه ويقال { اللّه هو الولي } يعني هو الرب وهو إله السموات وإله الأرض ويقال { هو الولي } لمصالحهم ينزل المطر بعد المطر { وهو يحيي الموتى } يعني يحيهم بعد الموت ويقال يحيى قلوبهم بالمعرفة { وهو على كل شيء قدير } يعني قادر على ما يشاء ١٠قوله تعالى { وما اختلفتم فيه من شيء } يعني إذا اختلفتم في أمر الدين { فحكمه إلى اللّه } يعني علمه عند اللّه { ذلكم اللّه ربي } يعني الذي ذكر هو اللّه ربي { عليه توكلت } يعني فوضت أمري إليه سبحانه { وإليه أنيب } يعني أقبل إلى اللّه تعالى بالطاعة ١١قوله تعالى { فاطر السموات والأرض } يعني هو خالق السموات والأرض { جعل لكم من أنفسكم أزواجا } يعني أصنافا ذكرا وأنثى { ومن الأنعام أزواجا } يعني أصنافا ذكرا وأنثى وقال القتبي { جعل لكم من أنفسكم أزواجا } يعني من جنسكم إناثا { ومن الأنعام أزواجا } يعني إناثا { يذرؤكم فيه } يعني يخلقكم فيه أي من الرحم وقال الكلبي { يذرؤكم فيه } يعني يكثركم فيه في التزويج وقال مقاتل يعيشكم فيما جعل لكم من الذكر والإناث من الأنعام ثم قال { ليس كمثله شيء } في القدرة وقال أهل اللغة هذا الكاف مؤكدة أي ليس مثله شيء ويقال المثل صلة في الكلام يعني ليس هو كشيء { وهو السميع البصير } يعني هو { السميع } لمقالتهم { البصير } بهم وبأعمالهم ومعنى الآية { ليس كمثله شيء } لأنه الخالق العالم بكل شيء والقادر على ما يشاء { الحي القيوم } [ البقرة ٢٥٥ ] وهذه المعاني بعيدة من غيره ١٢ثم قال عز وجل { له مقاليد السموات والأرض } يعني خزائن السموات والأرض وهو المطر وخزائن الأرض وهو النبات { يبسط الرزق لمن يشاء } يعني يوسع الرزق على من كان صلاحه في ذلك { ويقدر } يعني يقتر على من كان صلاحه في ذلك { إنه بكل شيء عليم } من البسط والتقتير ١٣قوله تعالى { شرع لكم من الدين } قال مقاتل بين لكم الدين وهو الإسلام و { من } هاهنا صلة وقال الكلبي اختار لكم دينا من الأديان وأكرمكم به ثم قال { وما وصى به نوحا } يعني الدين الذي أمر به نوحا أن يدعو الخلق إليه وأن يستقيم عليه { والذي أوحينا إليك } إليك بأن تدعو الخلق إليه { وما وصينا به } يعني الذي أمرنا به { إبراهيم وموسى وعيسى } ثم بين ما أمرهم به فقال { أن أقيموا الدين } يعني أقيموا التوحيد { ولا تتفرقوا فيه } يعني لا تختلفوا في التوحيد { كبر على المشركين } يعني على مشركي مكة { ما تدعوهم إليه } وهو التوحيد وقال أبو العالية { أن أقيموا الدين } قال الإخلاص للّه في عبادته لا شريك له ولا تتفرقوا فيه قال لا تتعالوا فيه وكونوا عباد اللّه إخوانا { كبر على المشركين ما تدعوهم إليه } يعني الإخلاص للّه تعالى ويقال { إن أقيموا الدين } يعني وافقوا في الدين ولا تتفرقوا فيه يعني لا تختلفوا فيه كما اختلف أهل الكتاب قول عز وجل { اللّه يجتبي إليه من يشاء } أي يختار لدينه من يشاء من كان أهلا لذلك { ويهدي إليه من ينيب } يعني يرشد إلى دينه من يقبل إليه ويقال يهدي من كان في علمه السابق أنه يتوب ويرجع ويقال { من ينيب } يعني من يجتهد بقلبه كما قال { والذين جاهدوا فينا لنهديهم سبلنا } ١٤قوله تعالى { وما تفرقوا } يعني مشركي مكة ما تفرقوا في الدين { إلا من بعد ما جاءهم العلم } يعني جاءهم محمد بالبينات ويقال { وما تفرقوا } يعني أهل الكتاب { إلا من بعد ما جاءهم العلم } في كتابهم يعني نعت محمد صلى اللّه عليه وسلم { بغيا بينهم } يعني حسدا فيما بينهم لأنه كان من العرب وروى معمر عن قتادة أنه تلا { وما تفرقوا إلا من بعد ما جاءهم العلم } قال إياكم والفرقة فإنها مهلكة وروي في الخبر إن لكل شيء آفة وآفة الدين الهوى ثم قال { ولولا كلمة سبقت من ربك إلى أجل مسمى } يعني بتأخير العذاب إلى وقت معلوم { لقضي بينهم } يعني لفرغ منهم بالهلاك { وإن الذين أورثوا الكتاب } يعني أعطوا التوراة والإنجيل { من بعدهم } يعني من بعد نوح وإبراهيم وقال مقاتل من بعد الأنبياء { لفي شك منه } يعني من القرآن { مريب } أي ظاهر الشك ١٥قوله تعالى { فلذلك فادع } يعني فإلى ذلك ادعهم يعني إلى القرآن ويقال إلى التوحيد { واستقم كما أمرت } يعني استقم عليه كما أمرت { ولا تتبع أهواءهم } يعني لا تعمل بهواهم وذلك حين دعوه إلى ملة آبائه { وقل آمنت } يعني صدقت { بما أنزل اللّه من كتاب } يعني بجميع ما أنزل اللّه من الكتب علي وعلى من كان قبلي { وأمرت لأعدل بينكم } وهو الدعوة إلى التوحيد وإلى قول لا إله إلا اللّه { اللّه ربنا وربكم } يعني خلقنا وخالقكم { لنا أعمالنا ولكم أعمالكم } يعني لنا ديننا ولكم دينكم { لا حجة بيننا وبينكم } يعني لا خصومة بيننا وبينكم في الدين { اللّه يجمع بيننا وبينكم } يعني يوم القيامة { وإليه المصير } يعني المرجع في الآخرة ١٦قوله تعالى { والذين يحاجون في اللّه } قال الضحاك نزلت هذه الآية في شأن أبي جهل حين دعا اللّه فقال اللّه م انصر أحب الجندين إليك وأقربهم في اللّه يعني يخاصمون في توحيد اللّه ودين اللّه { من بعد ما استجيب له } يعني من بعد ما أجابوا إياه وقال مجاهد طمع رجال بأن يعودوا إلى الجاهلية فنزل { والذين يحاجون في اللّه } إلى قوله { حجتهم داحضة } وروى معمر عن قتادة قال { والذين يحاجون في اللّه } قال هم اليهود والنصارى قالوا كتابنا قبل كتابكم ونبينا قبل نبيكم ونحن خير منكم فنزل { والذين يحاجون في اللّه } يعني في دين اللّه { من بعد ما استجيب له } يعني من بعد ما دخل الناس في الإسلام { حجتهم داحضة } يعني خصومتهم باطلة ويقال احتجاجهم زائل ساقط يقال دحض أي زال ومعناه ليس لهم حجة وسمى قولهم حجة على وجه المجاز يعني حجة بزعمهم كما قال { فما أغنت عنهم آلهتهم } يعني الآلهة بزعمهم ولم يكونوا آلهة في الحقيقة ثم قال { عند ربهم وعليهم غضب } يعني بما يكابرون عقولهم { ولهم عذاب شديد } بما كانوا يفعلون ١٧قوله عز وجل { اللّه الذي أنزل الكتاب بالحق } أي لبيان الحق { والميزان } يعني وأنزل الميزان وهو العدل ويقال وأنزل الميزان في زمان نوح ويقال هي الحدود والأحكام والأمر والنهي قوله { وما يدريك لعل الساعة قريب } يعني قيام الساعة قريب وهذا كقوله { اقتربت الساعة } وقال تعالى { لعل الساعة قريب } ولم يقل قريبة لأن تأنيثها ليس بحقيقي ولأنه انصرف إلى المعنى يعني البعث قريب ١٨قوله تعالى { يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها } يعني المشركين كانوا يقولون { متى هذا الوعد إن كنتم صادقين } ويقولون { ربنا عجل لنا قطنا } { والذين آمنوا مشفقون منها } يعني خائفين من قيام الساعة لأنهم يعلمون أنهم مبعوثون محاسبون { ويعلمون أنها الحق } يعني يعلمون أن الساعة كائنة { ألا إن الذين يمارون في الساعة } يعني يشكون ويخاصمون فيها { لفي ضلال بعيد } أي في خطأ طويل بعيد عن الحق ١٩قوله عز وجل { اللّه لطيف بعباده } يعني عالم بعباده ويقال رحيم بعباده ويقال اللطيف الذي يرزقهم في الدنيا ولا يعاقبهم في الآخرة ويقال اللطيف بعباده بالبر والفاجر لا يهلكهم جوعا { يرزق من يشاء } بغير حساب ويقال { يرزق من يشاء } مقدار ما يشاء في الوقت الذي يشاء { وهو القوي } على هلاكهم { العزيز } يعني المنيع لا يغلبه أحد ٢٠قوله تعالى { من كان يريد حرث الآخرة } يعني ثواب الآخرة بعمله { نزد له في حرثه } يعني ينال كليهما { ومن كان يريد حرث الدنيا } يعني ثواب الدنيا بعمله { نؤته منها } يعني نعطه منها { وما له في الآخرة من نصيب } لأنه عمل لغير اللّه تعالى قال أبو الليث رحمه اللّه حدثنا الفقيه أبو جعفر قال حدثنا محمد بن عقيل قال حدثنا محمد بن إسماعيل الصايغ قال حدثنا الحجاج قال حدثنا شعبة عن عمرو بن سليمان عن عبد الرحمن بن أبان عن أبيه عن زيد بن ثابت عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال ( من كانت نيته الآخرة جمع اللّه شمله وجعل غناه في قلبه وأتته الدنيا وهي راغمة ومن كانت نيته الدنيا فرق اللّه عليه أمره وجعل فقره في عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب اللّه له ) وقال القتبي الحرث العمل يعني من كان يريد بحرثه أي بعمله { الآخرة } نضاعف له الحسنات ومن أراد بعمله الدنيا أعطيناه الدنيا ولا نصيب له في الآخرة ٢١قوله عز وجل { أم لهم شركاء } يعني ألهم آلهة دوني { شرعوا لهم من الدين } أي بينوا لهم من الدين { ما لم يأذن به اللّه } يعني ما لم يأمر به ويقال معناه ألهم آلهة ابتدعوا لهم من الدين أي من الشريعة والطريقة ويقال سنوا لهم ما لم يأذن به اللّه يعني ما لم ينزل به اللّه من الكتاب والدين { ولولا كلمة الفصل } يعني القضاء الذي سبق ألا يعذب هذه الأمة ويؤخر عذابهم إلى الآخرة { لقضي بينهم } يعني أنزل بهم العذاب في الدنيا { وإن الظالمين } يعني المشركين { لهم عذاب أليم } ٢٢قوله تعالى { ترى الظالمين } يعني ترى الكافرين يوم القيامة { مشفقين مما كسبوا } يعني خائفين مما عملوا في الدنيا { وهو واقع بهم } يعني نازل بهم ما كانوا يحذرون { والذين آمنوا وعملوا الصالحات } يعني الذين صدقوا بالتوحيد وأدوا الفرائض والسنن { في روضات الجنات } يعني في بساتين الجنة { لهم ما يشاؤون عند ربهم } من الكرامة { ذلك هو الفضل الكبير } يعني المن العظيم ٢٣قوله تعالى { ذلك الذي يبشر اللّه } يعني ذلك الثواب الذي يبشر اللّه { عباده } في الدنيا قرأ حمزة والكسائي وإبن كثير وأبو عمرو { يبشر } بنصب الياء وجزم الباء وضم الشين مع التخفيف والباقون بالتشديد وقد ذكرناه { والذين آمنوا وعملوا الصالحات } يعني يبشرهم بتلك الجنة وبذلك الثواب ثم قال { قل لا أسألكم عليه أجرا } يعني قل يا محمد لأهل مكة { لا أسألكم عليه أجرا } على ما جئتكم به أجرا { إلا المودة في القربى } قال مقاتل يعني إلا أن تصلوا قرابتي وتكفوا عني الأذى ثم نسخ بقوله { قل ما سألتكم من أجر لكم } فهو لكم ويقال { إلا المودة في القربى } يعني إلا ألا تؤذونني بقرابتي منكم قال ابن عباس ليس حي من أحياء العرب إلا وللنبي صلى اللّه عليه وسلم فيه قرابة وقال الحسن { إلا المودة في القربى } يعني إلا أن تتوددوا إلى اللّه تعالى بما يقربكم منه وهكذا قال مجاهد وقال سعيد بن جبير { إلا المودة في القربى } يعني إلا أن تصلوا قرابة ما بيني وبينكم ثم قال { ومن يقترف حسنة } يعني يكتسب حسنة { نزد فيها حسنا } يعني للواحد عشرة ويقال نزد له التوفيق في الدنيا ونضاعف له الثواب في الآخرة { إن اللّه غفور شكور } يعني { غفور } لمن تاب { شكور } يقبل اليسير ويعطي الجزيل ٢٤قوله تعالى { أم يقولون افترى على اللّه كذبا } يعني تقوله من ذات نفسه ولم يأمره اللّه تعالى يقول اللّه تعالى { فإن يشأ اللّه يختم على قلبك } يعني يحفظ قلبك حتى لا تدخل في قلبك المشقة من قولهم { ويمحو اللّه الباطل } يعني يهلك اللّه تعالى الشرك { ويحق الحق } يعني يظهر دينه الإسلام { بكلماته } يعني بتحقيقه وبنصرته وبالقرآن { إنه عليم بذات الصدور } يعني يعلم ما في قلب محمد صلى اللّه عليه وسلم من الحزن ويعلم ما في قلوب الكافرين من التكذيب ٢٥قوله تعالى { وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات } حتى يتجاوز عما عملوا قبل التوبة وروى عبد العزيز بن إسماعيل عن محمد بن مطرف قال يقول اللّه تعالى ( ويح ابن آدم يذنب الذنب ثم يستغفر فاغفر له ثم يذنب ذنبا ثم يستغفر فأغفر له ثم يذنب ذنبا ثم يستغفر فأغفر له لا هو يترك ذنوبه ولا هو ييأس من رحمتي أشهدكم أني قد غفرت له ) ثم قال { ويعلم ما تفعلون } من خير أو شر قرأ حمزة والكسائي وعاصم في رواية { تفعلون } بالتاء على معنى المخاطبة والباقون بالياء على معنى الخبر عنهم ٢٦قوله عز وجل { ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات } يعني يجيب دعاءهم ويعطيهم الثواب أكثر ما سألوا من المغفرة { ويزيدهم من فضله } يعني يزيدهم على أعمالهم من الثواب ويقال يعطيهم الثواب في الجنة أكثر مما سألوا { والكافرين لهم عذاب شديد } يعني دائما لا يفتر عنهم ٢٧قوله تعالى { ولو بسط اللّه الزرق لعباده } يعني لو وسع اللّه تعالى عليهم المال { لبغوا في الأرض } يعني لطغوا في الأرض وعصوا { ولكن ينزل بقدر ما يشاء } يعني يوسع على كل إنسان بمقدار صلاحه في ذلك قال أبو الليث رحمه اللّه حدثنا أبو القاسم حمزة بن محمد قال حدثنا أبو القاسم أحمد بن حيم قال حدثنا نصر بن يحيى قال سمعت سفيان بن إبراهيم الزاهد يقول { ولو بسط اللّه الرزق لعباده لبغوا في الأرض } قال لو أن اللّه تعالى رزق العباد من غير كسب لتفرغوا وتقاسدوا في الأرض ولكن شغلهم بالكسب حتى لا يتفرغوا للفساد ثم قال { إنه بعباده خبير بصير } يعني بالبر والفاجر والمؤمن والكافر ويقال يعني عالم بصلاح كل واحد منهم ٢٨قوله تعالى { وهو الذي ينزل الغيث } يعني المطر { من بعد ما قنطوا } أي حبس عنهم { وينشر رحمته } يعني المطر { وهو الولي الحميد } يعني الولي للمطر يرسله مرة بعد مرة { الحميد } يعني أهلا أن يحمد على صنعه ٢٩قوله عز وجل { ومن آياته } يعني من علامات وحدانيته { خلق السموات والأرض } يعني خلقين عظيمين لا يقدر عليهما بنو آدم ولا غيرهم { وما بث فيهما من دابة } يعني ما خلق في السموات والأرض من خلق أو بشر فيهما { وهو على جمعهم } يعني على إحيائهم للبعث { إذا يشاء قدير } يعني قادرا على ذلك ٣٠ويقال { وما بث فيهما من دابة } يعني في الأرض خاصة كما قال { يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان } [ الرحمن ٢٢ ] يعني من أحدهما ثم قال { وما أصابكم من مصيبة } يعني ما تصابون من مصيبة في أنفسكم وأموالكم { فبما كسبت أيديكم } يعني يصيبكم بأعمالكم ومعاصيكم { ويعفو عن كثير } يعني ما عفا اللّه عنه فهو أكثر وروي عن علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه أنه قال ألا أخبركم بأرجى آية في كتاب اللّه أنزلت على النبي صلى اللّه عليه وسلم قالوا بلى فقرأ عليهم { وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير } قال فالمصائب في الدنيا بكسب الأيدي وما عفا اللّه تعالى عنه في الدنيا ولم يعاقب فهو أجود وأمجد وأكرم من أن يعذب فيه يوم القيامة وعن الضحاك قال ما تعلم رجل القرآن ثم نسيه إلا بذنب ثم قرأ { وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم } وأي مصيبة أعظم من نسيان القرآن قرأ نافع وابن عامر { بما كسبت أيديكم } بحذف الفاء ويكون { ما } بمعنى الذي ومعناه الذي أصابكم وقع بما كسبت أيديكم الباقون { فبما كسبت } بالفاء وتكون الفاء جواب الشرط ومعناه ما يصيبكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ٣١ثم قال { وما أنتم بمعجزين في الأرض } يعني بفائتين من عذاب اللّه حتى يجزيكم به { وما لكم من دون اللّه } يعني من عذاب اللّه { من ولي } يعني من حافظ { ولا نصير } يعني مانع يمنعكم من عذاب اللّه تعالى ٣٢قوله تعالى { ومن آياته الجوار } قرأ إبن كثير الجواري بالياء في الوقف والوصل وقرأ نافع وأبو عمر بالياء في الوصل وبغير الياء في الوقف والباقون بغير ياء في الوقف والوصل فمن قرأ بالياء فهو الأصل في اللغة وهي جماعة السفن تجرين في الماء واحدتها جارية كقوله { حملناكم في الجارية } [ الحاقة ١١ ] يعني السفينة ومن قرأ بغير ياء فلأن الكسر يدل عليه { في البحر كالأعلام } يعني تسير في البحر كالجبال ٣٣{ إن يشأ يسكن الريح فيظللن رواكد على ظهره } يعني يبقين سواكن على ظهر الماء { إن في ذلك لآيات } يعني لعلامات لوحدانيتي { لكل صبار شكور } يعني الذي يصبر على طاعة اللّه { شكور } لنعم اللّه ٣٤قوله تعالى { أو يوبقهن } يعني إن يشأ يهلك السفن { بما كسبوا } يعني بما عملوا من الشرك وعبادة الأوثان { ويعف عن كثير } ولا يجازيهم ٣٥{ ويعلم الذين يجادلون في آياتنا } قرأ ابن عامر ونافع { ويعلم الذين } بضم الميم والباقون بالنصب فمن قرأ بالضم فلأنه عطف على قوله { ويعف } وموضعه الرفع وأصله { ويعفو } فاكتفى بضم الفاء و { الذين } كان معطوفا عليه رفع أيضا ومن قرأ بالنصب صار نصبا للصرف يعني صرف الكلام عن الإعراب الأول ومعناه ولكي { يعلم الذين يجادلون في آياتنا } يعني في القرآن بالتكذيب { ما لهم من محيص } يعني مفر من اللّه تعالى ٣٦قوله عز وجل { فما أوتيتم من شيء } يعني ما أعطيتم من الدنيا { فمتاع الحياة الدنيا } يعني منفعة الحياة الدنيا { وما عند اللّه خير وأبقى } يعني في الآخرة من الثواب والكرامات { خير وأبقى } يعني أدوم ثم بين لمن يكون ذلك الثواب فقال { للذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون } يعني ويفوضون الأمور إليه ٣٧قوله تعالى { والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش } وهذا نعت المؤمنين أيضا { الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش } قرأ حمزة والكسائي { كبير الإثم } بغير ألف بلفظ الواحد لأن الواحد يدل على الجمع والباقون { كبائر } وهو جمع كبيرة والكبيرة ما أوجب اللّه تعالى الحد عليها في الدنيا أو العذاب في الآخرة ثم قال { وإذا ما غضبوا هم يغفرون } يعني إذا غضبوا على أحد يتجاوزون ويكظمون الغيظ ٣٨ثم قال { والذين استجابوا لربهم } يعني أجابوا وأطاعوا ربهم فيما يدعوهم إليه ويأمرهم به { وأقاموا الصلاة } يعني أتموا الصلوات الخمس في مواقيتها { وأمرهم شورى بينهم } يعني إذا أرادوا حاجة تشاوروا فيما بينهم وروي عن الحسن أنه قال هم الذين إذا حزبهم أمر استشاروا أولي الرأي منهم { ومما رزقناهم ينفقون } يعني يتصدقون في طاعة اللّه تعالى ٣٩ثم قال { والذين إذا أصابهم البغي } يعني الظلم { هم ينتصرون } يعني ينتقمون ويقتصون روى سفيان عن منصور عن إبراهيم أنه قال كانوا يكرهون أن يستذلوا ويحبون العفو إذا قدروا ٤٠قوله تعالى { وجزاء سيئة مثلها } يعني يعاقب مثل عقوبته لغيره { فمن عفا وأصلح } يعني عفا عن مظلمته وأصلح بالعفو { فأجره على اللّه } يعني ثوابه على اللّه { إنه لا يحب الظالمين } يعني لمن يبدأ بالظلم روي عن زيد بن أسلم أنه قال كانوا ثلاث فرق فرقة بالمدينة وفرقتان بمكة إحداهما تصبر على الأذى والثانية تنتصر والثالثة تكظم فنزلت الآية { والذين استجابوا لربهم } نزلت في الذين بالمدينة { والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون } نزلت في الذين ينتصرون وقوله { فمن عفا وأصلح } نزلت في الذين يصبرون فأثنى اللّه تعالى عليهم جميعا ثم نزل في الظالمين ٤٢قوله عز وجل { إنما السبيل على الذين يظلمون الناس } وذكر أن أبا بكر رضي اللّه عنه كان عند النبي صلى اللّه عليه وسلم ورجل من المنافقين يسبه وأبو بكر رضي اللّه عنه لم يجبه ورسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ساكت يبتسم فأجابه أبو بكر فقام النبي صلى اللّه عليه وسلم وذهب فقام إليه أبو بكر فقال يا رسول اللّه ما دام يسبني كنت جالسا فلما أجبته قمت فقال صلى اللّه عليه وسلم ( إن ملكا كان يجيبه عنك فلما أجبته ذهب الملك وجاء الشيطان وأنا لا أجلس في مجلس يكون فيه الشيطان ) فنزل { فمن عفا وأصلح فأجره على اللّه } وروى محمد بن المنكدر قال ينادي المنادي يوم القيامة من كان له عند اللّه حق فليقم قال فيقوم من عفا وأصلح قوله عز وجل { ولم انتصر بعد ظلمه } يعني انتصف بعد ظلمه واقتص منه { فأولئك ما عليهم من سبيل } يعني من مأثم وقال قتادة هذا فيما يكون بين الناس من القصاص فأما لو ظلمك لا يحل لك أن تظلمه يعني فيما لا يحتمل القصاص وقال الحسن يعني إذا قال لعنك اللّه أن تقول له لعنك اللّه وإذا سبك أن تسبه ما لم يكن فيه حد أو كلمة لا تصلح ثم قال تعالى { إنما السبيل } يعني الإثم والحرج { على الذين يظلمون الناس } يعني يبدؤون بالظلم { ويبغون في الأرض بغير الحق } يعني يظلمون في الأرض بالمعاصي { أولئك لهم عذاب أليم } يعني وجيع ٤٣قوله عز وجل { ولمن صبر وغفر } يعني { صبر } عن مظلمته فلم يقتص من صاحبه { وغفر } يعني تجاوز عنه { إن ذلك } يعني الصبر والتجاوز { لمن عزم الأمور } يعني من أفضل الأمور وأصوب الأمور قال بعضهم هذه الآيات مدنيات وقال بعضهم مكيات ٤٤قوله تعالى { ومن يضلل اللّه } يعني يخذله اللّه عن الهدى ويقال من يخذله ويتركه على ما هو فيه من ظلم الناس { فما له من ولي من بعده } يعني من بعد خذلان اللّه تعالى إياه قوله { وترى الظالمين } يعني المشركين والعاصين { لما رأوا العذاب } في الآخرة { يقولون هل إلى مرد من سبيل } يعني هل من رجعة إلى الدنيا من حيلة فنؤمن بك يتمنون الرجوع إلى الدنيا ٤٥قوله تعالى { وتراهم يعرضون عليها } يعني يساقون إلى النار { خاشعين من الذل } أي خاضعين من الحزن ويقال ساكتين ذليلين مقهورين من الحياء { ينظرون من طرف خفي } قال الكلبي يعني ينظرون بقلوبهم ولا يرونها بأعينهم لأنهم يسحبون على وجوههم وقال مقاتل يعني يستخفون بالنظر إليها يعني إلى النار قال القتبي يعني غضوا أبصارهم من الذل وقال بعضهم مرة ينظرون إلى العرش بأطراف أعينهم ماذا يأمر اللّه تعالى بهم ومرة ينظرون إلى النار { وقال الذين آمنوا } يعني المؤمنين المظلومين { إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم } يعني الذين يظلمون غيرهم حتى تصير حسناتهم للمظلومين فخسروا أنفسهم { وأهليهم يوم القيامة } قال بعضهم هذه حكاية كلام المؤمنين في الآخرة بأنهم يقولون ذلك حين رأوا الظالمين الذين خسروا أنفسهم وقال بعضهم هذه حكاية قولهم في الدنيا فحكى اللّه تعالى قولهم وصدقهم على مقالتهم فقال { ألا إن الظالمين في عذاب مقيم } يعني دائما وقال بعضهم هذا اللفظ لفظ الخبر عنهم والمراد به التعليم أنه ينبغي لهم يقولوا أن هكذا حتى يصبروا على ظلمهم ٤٦قوله تعالى { وما كان لهم من أولياء } يعني لا يكون للظالمين يوم القيامة مانع يمنعهم من عذاب اللّه { ينصرونهم من دون اللّه } يعني يمنعونهم من عذاب اللّه { ومن يضلل اللّه } يعني يضله اللّه عن الهدى { فما له من سبيل } إلى الهدى من حجة ويقال ما له من حيلة ٤٧قوله عز وجل { استجيبوا لربكم } يعني أجيبوا ربكم في الإيمان وفيما أمركم به { من قبل أن يأتي يوم لا مرد له } يعني لا رجعة له إذا جاء لا يقدر أحد على دفعه { من اللّه } ويقال فيه تقديم يعني من قبل أن يأتي عذاب اللّه يوم لا مرد له يعني لا مدفع له { ما لكم من ملجإ يومئذ } يعني ما لكم من مفر ولا حرز يحرزكم من عذابه { وما لكم من نكير } يعني من مغير يغير العذاب عنكم ٤٨قوله عز وجل { فإن أعرضوا } يعني عن الإيمان وعن الإجابة بعد ما دعوتهم { فما أرسلناك عليهم حفيظا } تحفظهم على الإيمان وتجبرهم على ذلك { إن عليك إلا البلاغ } يعني ليس عليك إلا تبليغ الرسالة وهذا قبل أن يؤمر بالقتال ثم قال { وإنا إذا أذقنا الإنسان منا رحمة } يعني أصبنا الإنسان منا نعمة { فرح بها } أي بطر بالنعمة وقال بعضهم يعني أبا جهل وقال بعضهم جميع الناس والإنسان هو لفظ الجنس وأراد به جميع الكافرين بدليل أنه قال { وإن تصبهم } ذكر بلفظ الجماعة يعني إن تصبهم { سيئة } يعني القحط والشدة { بما قدمت أيديهم } يعني بما عملوا في المعاصي { فإن الإنسان كفور } لنعم اللّه يعني يشكو ربه عند المصيبة ولا يشكره عند النعمة ٤٩قوله تعالى { للّه ملك السموات والأرض } يعني القدرة على أهل السموات والأرض { يخلق ما يشاء } يعني على أي صورة يشاء { يهب لمن يشاء إناثا } يعني يعطي من يشاء الأولاد الإناث فلا يجعل معهن ذكورا { ويهب لمن يشاء الذكور } يعني يعطي من يشاء الأولاد الذكور ولا يكون معهم إناث { أو يزوجهم ذكرانا وإناثا } يعني من يشاء الأولاد الذكور والإناث { ويجعل من يشاء عقيما } فلا يعطيه شيئا من الولد ويقال { يهب لمن يشاء إناثا } كما وهب للوط النبي عليه السلام { ويهب لمن يشاء الذكور } كما وهب إبراهيم عليه السلام ٥٠{ أو يزوجهم ذكرانا وإناثا } كما جعل للنبي صلى اللّه عليه وسلم وكما وهب ليعقوب عليه السلام { ويجعل من يشاء عقيما } كما جعل ليحيى وعيسى عليهما السلام { إنه عليم قدير } يعني عالم بما يصلح لكل واحد منهم القادر على ذلك ٥١قوله عز وجل { وما كان لبشر } يعني لأحد من خلق اللّه { أن يكلمه اللّه إلا وحيا } يعني يرسل إليه جبريل ليقرأ عليه ويقال { إلا وحيا } يعني إلهاما ويقال يسمع الصوت فيفهمه وذلك أن اليهود قالوا للنبي صلى اللّه عليه وسلم ألا يكلمك اللّه أو ينظر إليك إن كنت نبيا كما كلم موسى فنزل { وما كان لبشر أن يكلمه اللّه } يعني ما جاز لأحد من الآدميين { أن يكلمه اللّه إلا وحيا } يعني يسمع الصوت أو يرى في المنام ولا يجوز أن يكلمه مواجهة عيانا في الدنيا { أو من وراء حجاب } فيكلمه كما كلم موسى { أو يرسل رسولا } كما أرسل إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم { فيوحي بإذنه ما يشاء } يعني فيرسل بأمره ويقال { بإذنه ما يشاء } من أمره قرأ نافع وابن عامر { أو يرسل } بضم اللام وقرأ الباقون بالنصب فمن قرأ بالضم فمعناه أو هو يرسل رسولا ومن قرأ بالنصب فعلى الإضمار أيضا ومعناه أو يرسل رسولا { فيوحي } قرأ نافع وابن عامر { فيوحي } بسكون الياء ومعناه أو هو يرسل رسولا فيوحي وقرأ الباقون { فيوحي } بالنصب لإضمار أن ثم قال { إنه علي حكيم } يعني أعلى من أن يكلم أحدا في الدنيا مواجهة ولا يراه فيها أحد عيانا { حكيم } حكم ألا يكلم أحدا في المواجهة ولا يراه أحد ٥٢قوله عز وجل { وكذلك أوحينا إليك روحا } يعني جبريل { من أمرنا } يعني بأمرنا ويقال { أوحينا إليك روحا } يعني القرآن وقال القتبي الروح روح الأجسام ويسمى كلام اللّه تعالى روحا لأن فيه حياة من الجهل وموت الكفر كما قال { يلقى الروح من أمره على من يشاء من عباده } [ غافر ١٥ ] قال { وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا } { ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان } يعني ما كنت تدري قبل الوحي أن تقرأ القرآن ولا تدري كيف تدعو الخلق إلى الإيمان { ولكن جعلناه نورا } يعني أنزلنا جبريل بالقرآن ضياء من العمى وبيانا من الضلالة فإن قيل سبق ذكر الكتاب والإيمان ثم قال { ولكن جعلناه نورا } ولم يقل جعلناهما قيل له لأن المعنى هو الكتاب وهو دليل على الإيمان ويقال لأن شأنهما واحد كقوله { وجعلنا ابن مريم وأمه ءاية } [ المؤمنون ٥٠ ] ولم يقل آيتين ويقال { ولكن جعلناه نورا } يعني الإيمان كناية عنه ولأنه أقرب { نهدي به من نشاء من عبادنا } يعني نوفق من نشاء إلى الهدى من كان أهلا لذلك { وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم } يعني لتدعو الخلق إلى دين الإسلام ٥٣قوله عز وجل { صراط اللّه } يعني دين اللّه { الذي له ما في السموات وما في الأرض } من خلق { ألا إلى اللّه تصير الأمور } أي إليه ترجع عواقب الأمور واللّه أعلم و صلى اللّه عليه وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما |
﴿ ٠ ﴾