سورة الزخرفمكية وهي تسع وثمانون آية ١قوله تعالى { حم } ٢{ والكتاب المبين } يعني أقسم بحم وبالكتاب الذي أبان طريق الهدى من طريق الضلالة وأبان كل ما تحتاج إليه الأمة ويقال مبين لما بين بلغة تعرفونها يعني بين فيه الحلال والحرام ٣{ إنا جعلناه } فهذا جواب القسم يعني { إنا جعلناه } قلناه ووصفناه وبيناه ويقال أنزلنا به جبريل { قرآنا عربيا } يعني بلغة العرب { لعلكم تعقلون } يعني لكي تعقلوا وتفهموا ما فيه ولو نزل بغير لغة العرب لم تفهموا ما فيه ٤ثم قال { وإنه في أم الكتاب لدينا } يعني إن كذبتم بالقرآن فإن نسخته في أصل الكتاب يعني اللوح المحفوظ عندنا { لعلي حكيم } يعني مرتفعا محكما من الباطل ويقال { حكيم } أحكم حلاله وحرامه ويقال { حكيم } أي حاكم على الكتب كلها ويقال { حكيم } أي ذو حكمة كما قال { حكمة بالغة } قرأ حمزة والكسائي { في أم الكتاب } بكسر الألف في جميع القرآن لأن الياء أخت الكسرة فاتبع الكسرة الكسرة والباقون أم بضم الألف وهو الأصل في اللغة ٥قوله عز وجل { أفنضرب عنكم الذكر صفحا } يعني أفندع ونترك أن نرسل إليكم الوحي مبهما لا آمركم ولا أنهاكم وقال القتبي معناه أن أمسك عنكم فلا أذكركم إعراضا يقال صفحت عن فلان إذا أعرضت عنه وقال مجاهد معناه تكذبون بالقرآن ولا تعاقبون فيه قرأ إبن كثير وأبو عمرو وعاصم وابن عامر { أن كنتم قوما مسرفين } بنصب الألف الباقون بالكسر فمن قرأ بالنصب فمعناه أفنضرب عنكم ذكر العذاب بأن أسرفتم يعني إن أشركتم وعصيتم ويقال أفنضرب عنكم ذكر العذاب لأن أسرفتم وكفرتم ومن قرأ بالكسر فمعناه إن كنتم قوما مسرفين ويقال هو على معنى الاستقبال ومعناه إن تكونوا مسرفين أفنضرب عنكم الذكر ٦ثم قال عز وجل { وكم أرسلنا من نبي في الأولين } يعني كم بعثنا من نبي في أمر الأمم الأولين كما أرسلناك إلى قومك ٧{ وما يأتيهم من نبي إلا كانوا به يستهزئون } يعني يسخرون منه ٨قوله تعالى { فأهلكنا أشد منهم بطشا } يعني من كان أشد منهم قوة { ومضى مثل الأولين } يعني سنة الأولين بالهلاك ٩قوله تعالى { ولئن سألتهم } يعني المشركين { من خلق السموات والأرض ليقولن خلقهن العزيز العليم } يعني يقولون خلقهن اللّه تعالى الذي هو { العزيز } في ملكه { العليم } بخلقه فزاد اللّه في جوابهم ١٠فقال { الذي جعل لكم الأرض مهدا } قرأ حمزة والكسائي وعاصم { مهدا } والباقون { مهادا } بالألف يعني قرارا للخلق { وجعل لكم فيها سبلا } يعني طرقا { لعلكم تهتدون } يعني لكي تعرفوا طرقها من بلد إلى بلد ويقال { لعلكم تهتدون } يعني لكي تعرفوا هذه النعم وتأخذوا طريق الهدى ١١ثم ذكر النعم فقال عز وجل { والذي نزل من السماء ماء بقدر } يعني بمقدار ووزن { فأنشرنا به } يعني أحيينا بالمطر { بلدة } يعني أرضا { ميتة } لا نبات فيها { كذلك تخرجون } أنتم من قبوركم ١٢قوله تعالى { والذي خلق الأزواج كلها } يعني الأصناف كلها من الحيوان والنبات وغير ذلك { وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون } يعني جعل لبني آدم من السفن والإبل والدواب ما يركبون عليها ١٣ثم قال { لتستووا على ظهوره } يعني لتركبوا ظهور الأنعام ولم يقل ظهورها لأنه انصرف إلى المعنى وهو جنس الأنعام { ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه } يعني إذا ركبتم فتحمدوا اللّه تعالى { وتقولوا } عند ذلك { سبحان الذي سخر لنا هذا } يعني ذلل لنا هذا { وما كنا له مقرنين } يعني مطيعين وقال أهل اللغة أنا مقرن لك أي مطيق لك ويقال مقرنين أي مالكين ويقال ضابطين ١٤ثم قال { وإنا إلى ربنا لمنقلبون } يعني راجعين إليه في الآخرة وقد روى عثمان بن الأسود عن مجاهد أنه قال إذا ركب الرجل الدابة ولم يذكر اسم اللّه تعالى ركب الشيطان من ورائه ثم صك في قفاه فإن كان يحسن الغناء قال له تغن وإن كان لا يحسن الغناء قال له تمن يعني تكلم بالباطل وعن علي بن ربيعة أنه قال كنت رديفا لعلي رضي اللّه عنه فلما وضع رجله في الركاب قال بسم اللّه فلما استوى قال الحمد للّه ثم قال سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون ١٥قال اللّه عز وجل { وجعلوا له من عباده جزءا } يعني وصفوا للّه من خلقه شريكا وولدا { إن الإنسان لكفور مبين } يعني كفور لنعمه { مبين } أي بين الكفر ١٦ثم قال تعالى { أم اتخذ مما يخلق بنات } وهو رد على بني مليح حيث قالوا الملائكة بنات اللّه معناه اختار لكم البنين ولنفسه البنات ثم وصف كراهيتهم البنات فقال { وأصفاكم بالبنين } ١٧قوله عز وجل { وإذا بشر أحدهم بما ضرب للرحمن مثلا } يعني بما وصفوا للّه تعالى من البنات وكرهوا لأنفسهم ذلك { ظل وجهه مسودا وهو كظيم } يعني تغير لونه وهو حزين مكروب يعني أترضون للّه ما لا ترضون لأنفسكم ١٨قوله عز وجل { أو من ينشؤا في الحلية } يعني يغذى في الذهب والفضة ويقال أفمن زين في الحلي والحلل { وهو في الخصام غير مبين } يعني في الكلام غير فصيح ويقال هو في الخصومة غير مبينات في الحجة ويقال أفمن زين في الحلي وهو في الخصومة غير مبين لأن المرأة لا تبلغ خصومتها بكلامها ما يبلغ الرجل قرأ حمزة والكسائي وعاصم في رواية حفص { أو من ينشأ } بضم الياء ونصب الشين ومعناه أفمن يربى في الحلية لفظه لفظ الاستفهام والمراد به التوبيخ وقرأ الباقون { أو من ينشأ } بنصب الياء وجزم النون مع التخفيف يعني يشب وينبت في الحلي ١٩ثم قال تعالى { وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا } يعني وصفوا الملائكة بالأنوثة قرأ إبن كثير وابن عامر ونافع { الذين هم عبد الرحمن } يعني الملائكة الذين هم في السماء والباقون { عباد الرحمن } يعني جمع عبد ثم قال { أشهدوا خلقهم } يعني أحضروا خلق الملائكة حين خلقهم اللّه تعالى فتعلموا أنهم ذكور أو إناث هذا استفهام فيه نفي يعني لم يشهدوا خلقهم على وجه التوبيخ والتقريع ثم قال { ستكتب شهادتهم } يعني ستكتب مقالتهم { ويسألون } عنه يوم القيامة وروي عن الحسن أنه قرأ { ستكتب شهاداتهم } بالألف يعني أقوالهم وقرأ عبد الرحمن الأعرج { سنكتب } بالنون ٢٠قوله تعالى { وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم } يعني ما عبدنا الملائكة ويقال الأصنام { ما لهم بذلك من علم } أي ما لهم بذلك القول من حجة { إن هم إلا يخرصون } يعني يكذبون بغير حجة وقال مقاتل في الآية تقديم يعني عباد الرحمن إناثا أي ما لهم بذلك من علم ٢١قوله عز وجل { أم آتيناهم كتابا من قبله } يعني أنزلنا عليهم كتابا من قبل هذا القرآن { فهم به مستمسكون } يعني آخذون به عاملون اللفظ لفظ الاستفهام والمراد به النفي ٢٢قوله عز وجل { بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة } يعني لكنهم قالوا { إنا وجدنا آباءنا } على دين وملة وقال القتبي أصل الأمة الجماعة والصنف كقوله { وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم } [ الأنعام ٣٨ ] ثم يستعار في أشياء منها الدين كقوله { إنا وجدنا آباءنا على أمة } أي على دين لأن القوم كانوا يجتمعون على دين واحد فتقام الأمة مكان الدين ولهذا قيل للمسلمين أمة محمد صلى اللّه عليه وسلم لأنهم على ملة واحدة وهي الإسلام وروى عن مجاهد وعمر بن عبد العزيز أنهما قرأ { إمة } بكسر الألف أي على نعمة ويقال على هيئة وقراءة العامة بالضمة يعني على دين وروى أبو عبيدة عن بعض أهل اللغة أن الأمة والإمة لغتان { وإنا على آثارهم مهتدون } يعني مستيقنين ٢٣وقال { وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها } يعني جبابرتها { إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون } يعني بسنتهم مقتدون أي بأعمالهم قال اللّه تعالى لمحمد صلى اللّه عليه وسلم { قال أولو جئتكم بأهدى } يعني أليس هذا الذي جئتكم به هو أهدى { مما وجدتم عليه آباءكم } يعني بأصوب وأبين من ذلك ٢٤قرأ ابن عامر وعاصم في رواية حفص { قال أولو جئتكم } على معنى الخبر والباقون { قل } بلفظ الأمر وقرأ أبو جعفر المدني { قل أو لو جئناكم } بلفظ الجماعة { قالوا إنا بما أرسلتم به كافرون } يعني الجبابرة قالوا لرسلهم إنا بما أرسلتم به جاحدون ٢٥قوله عز وجل { فانتقمنا منهم } بالعذاب { فانظر كيف كان عاقبة المكذبين } يعني آخر أمرهم ٢٦قوله عز وجل { وإذا قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني براء مما تعبدون } يعني بريء من معبودكم ذكر عن الفراء أنه قال { براء } مصدر صرف إسما وكل مصدر صرف إلى اسم فالواحد والجماعة والذكر والأنثى فيه سواء ٢٧قوله عز وجل { إلا الذي فطرني } يعني إلا الذي خلقني فإني لا أتبرأ منه { فإنه سيهدين } ويقال { إلا } بمعنى لكن يعني لكن الذي خلقني فهو سيهدين يعني يثبتني على دين الإسلام ٢٨{ وجعلها كلمة باقية في عقبه } يعني جعل تلك الكلمة ثابتة في نسله { وذريته } وهي كلمة التوحيد لا إله إلا اللّه { لعلهم يرجعون } عن كفرهم إلى الإيمان وقال قتادة هو التوحيد والإخلاص لا يزال في ذريته من يوحد اللّه تعالى ويعبده وقال مجاهد يعني كلمة لا إله إلا اللّه في عقبه وولده ويقال { إنني براء } يعني ذو البراء كما يقال رجل عدل ورجال عدل أي ذو عدل ٢٩ثم قال { بل متعت هؤلاء } يعني أجلت هؤلاء وأمهلتهم يعني قومك { وآباءهم حتى جاءهم الحق } يعني القرآن ويقال الدعوة إلى التوحيد { ورسول مبين } يعني بين أمره بالدلائل والحجج ويقال { مبين } يعني بين لهم الحق من الباطل ٣٠قوله تعالى { ولما جاءهم الحق } يعني القرآن { قالوا هذا سحر وإنا به كافرون } يعني جاحدين ٣١{ وقالوا } يعني أهل مكة { لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم } يعني على رجل عظيم من رجلي القريتين وهو الوليد بن المغيرة من أهل مكة وأبو مسعود الثقفي بالطائف يعني لو كان حقا لأنزل على أحد هذين الرجلين وروى وكيع عن محمد بن عبد اللّه بن أفلح الطائفي عن خالد بن عبيد اللّه بن يزيد قال كنت جالسا عند عبد اللّه بن عباس بالطائف فسأله رجل عن هذه الآية وهي قوله { من القريتين عظيم } فقال القرية التي أنت فيها يعني الطائف والقرية التي جئت منها يعني مكة وسئل عن الرجلين فقال جبار من جبابرة قريش وهو الوليد بن المغيرة بمكة وعروة بن مسعود جد المختار يعني أبا مسعود يقال اسمه عمرو بن عمير ٣٢ثم قال تعالى { أهم يقسمون رحمة ربك } يعني أبأيديهم مفاتيح الرسالة والنبوة فيضعونها حيث شاؤوا وإلا كما نختار للرسالة من نشاء من عبادنا { نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا } يعني نحن قسمنا أرزاقهم فيما بينهم وهو أدنى من الرسالة فلم نترك اختيارها إليهم فكيف نفوض اختيار ما هو أفضل منه وأعظم وهو الرسالة إليهم ثم قال { ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات } يعني فضلنا بعضهم على بعض بالمال في الدنيا { ليتخذ بعضهم بعضا سخريا } يعني الاستهزاء ويقال فضل بعضهم على بعض في العز والرياسة فيخدم بعضهم بعضا ويستعبد الأحرار العبيد ثم أخبر أن الآخرة أفضل مما أعطوا في الدنيا فقال { ورحمة ربك خير مما يجمعون } يعني خير مما يجمع الكفار من المال في الدنيا ٣٣قوله عز وجل { ولولا أن يكون الناس أمة واحدة } يقول لولا أن يرغب الناس في الكفر إذا رأوا الكفار في سعة المال وقال الحسن لولا أن يتتابعوا في الكفر { لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة } وهي سماء البيت { ومعارج عليها } يعني الدرج عليها { يظهرون } يعني يرتقون ويرتفعون وقال الزجاج يصلح أن يكون لبيوتهم بدلا من قوله { لمن يكفر } ويكون المعنى لجعلنا البيوت من يكفر بالرحمن ويصلح أن يكون معناه لجعلنا لمن يكفر بالرحمن على بيوتهم قرأ إبن كثير وأبو عمرو { لبيوتهم سقفا } بنصب السين وجزم القاف ويكون عبارة عن الواحد فدل على الجمع والمعنى لجعلنا لبيت كل واحد منهم سقفا من فضة وقرأ الباقون { سقفا } بالضم على معنى الجمع ويقال سقف وسقف مثل رهن ورهن ٣٤قوله تعالى { ولبيوتهم أبوابا وسررا عليها يتكئون } يعني يجلسون وينامون ٣٥{ وزخرفا } وهو الذهب يعني لجعلنا هذا كله من ذهب وفضة وروي عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال ( لولا أن يجزع عبدي المؤمن لعصبت الكافر بعصابة من حديد ولصببت عليه الدنيا صبا ) وإنما أراد بعصابة الحديد كناية عن صحة البدن يعني لا يصدع رأسه ثم أخبر أن ذلك كله مما يفنى فقال { وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا } و { ما } ها هنا زيادة ومعناه وإن كل ذلك لمتاع ويقال وما ذلك إلا متاع الحياة الدنيا يفنى ولا يبقى { والآخرة عند ربك للمتقين } يعني الجنة للذين يتقون الشرك والمعاصي قرأ عاصم وحمزة وابن عامر في رواية هشام { وإن كل ذلك لما } بتشديد الميم وقرأ الباقون بالتخفيف فمن قرأ بالتخفيف فما للصلة والتوكيد ومن قرأ بالتشديد فمعناه وما كل ذلك إلا متاع وقال مجاهد كنت لا أعلم ما الزخرف حتى سمعت في قراءة عبد اللّه بيتا من ذهب ٣٦قوله عز وجل { ومن يعش عن ذكر الرحمن } قال الكلبي يعني يعرض عن القرآن يعني لا يؤمن ويقال من يعمى بصره عن ذكر الرحمن وقال أبو عبيدة من يظلم بصره عن ذكر الرحمن { نقيض له شيطانا } يعني نسيب له شيطانا مجازاة لإعراضه عن ذكر اللّه ويقال نسلط عليه ويقال نقدر له ويقال نجعل له شيطانا { فهو له قرين } يعني يكون له صاحبا في الدنيا فيزين له الضلالة ويقال { فهو له قرين } يعني قرينه في سلسلة واحدة لا يفارقه يعني في النار وروي عن سفيان بن عيينة أنه قال ليس مثل من أمثال العرب إلا وأصله في كتاب اللّه تعالى قيل له أين قول الناس أعط أخاك تمرة فإن أبي فجمرة ٣٧فقال قوله { ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا } الآية { وإنهم ليصدونهم عن السبيل } يعني يصرفونهم عن الدين { ويحسبون أنهم مهتدون } يعني الكفار يظنون أنهم على الحق ٣٨{حتى إذا جاءنا } قرأ إبن كثير ونافع وابن عامر وعاصم في رواية أبي بكر ( جانآ ) بالمد بلفظ التثنية يعني الكافر وشيطانه الذي هو قرينه وقرأ الباقون { جاءنا } بغير مد يعني الكافر يقول لقرينه { قال يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين } يعني ما بين المشرق والمغرب ويقال بين مشرق الشتاء ومشرق الصيف { فبئس القرين } يعني بئس الصاحب معه في النار ويقال هذا قول اللّه { فبئس القرين } يعني بئس الصاحب معه في النار ويقال هذا قول الكافر { فبئس القرين } يعني بئس الصاحب كنت أنت في الدنيا وبئس الصاحب اليوم ٣٩فيقول اللّه تعالى { ولن ينفعكم اليوم } الاعتذار { إذ ظلمتم } يعني كفرتم وأشركتم في الدنيا { أنكم في العذاب مشتركون } يعني أنكم جميعا في النار التابع والمتبوع في العذاب سواء قال اللّه تعالى للنبي صلى اللّه عليه وسلم ٤٠{ أفأنت تسمع الصم أو تهدي العمي } إلى الهدى { ومن كان في ضلال مبين } يعني من كان في علم اللّه في الضلالة ومعنى الآية إنك لا تقدر أن تفهم من كان أصم القلب ويعمى عن الحق ومن كان في ضلال مبين يعني ظاهر الضلالة ٤١قوله { فأما نذهبن بك } يعني نميتك قبل أن نريك الذي وعدناهم وقبل أن نريك النقمة { فإنا منهم منتقمون } يعني ننتقم منهم بعد موتك قال قتادة ذهب النبي صلى اللّه عليه وسلم وبقيت النقمة قال وذكر لنا أن النبي صلى اللّه عليه وسلم ( أري ما يصيب أمته من بعده فما رئي ضاحكا مستبشرا حتى قبض ) ٤٢ثم قال { أو نرينك الذي وعدناهم } يعني في حياتك { فإنا عليهم مقتدرون } يعني إنا لقادرون على ذلك ٤٣قوله تعالى { فاستمسك بالذي أوحي إليك } يعني اعمل بالذي أوحي إليك من القرآن { إنك على صراط مستقيم } يعني على دين الإسلام ٤٤{ وإنه لذكر لك ولقومك } يعني القرآن شرف لك ولمن آمن به ويقال { ولقومك } يعني العرب لأن القرآن نزل بلغتهم { وسوف تسألون } عن هذه النعم وعن شكر هذا الشرف يعني القرآن إذا أديتم شكره أو لم تؤدوه قوله تعالى { واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا } قال مقاتل والكلبي يعني سل مؤمني أهل الكتاب { أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون } يعني هل جاءهم رسول يدعوهم إلى عبادة غير اللّه ٤٥ويقال { واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا } يعني سل المرسلين فلقي النبي صلى اللّه عليه وسلم الأنبياء ليلة المعراج وصلى بهم ببيت المقدس فقيل له فسلهم فلم يشك ولم يسألهم ويقال إنما خاطب النبي صلى اللّه عليه وسلم وأراد به أمته يعني سلوا أهل الكتاب وهذا كقوله { إن كنت في شك مما أنزلنا إليك فسئل الذين يقرءون الكتاب } [ يونس ٩٤ ] الآية ٤٦قوله تعالى { ولقد أرسلنا موسى بآياتنا إلى فرعون وملإيه فقال إني رسول رب العالمين } وقد ذكرناه ٤٧{ فلما جاءهم بآياتنا } يعني باليد والعصا { إذا هم منها يضحكون } يعني يعجبون ويسخرون ٤٨{وما نريهم من آية إلا هي أكبر من أختها } يعني أعظم من التي كانت قبلها وهي السنين والنقص من الثمرات والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم فلم يؤمنوا بشيء { وأخذناهم بالعذاب لعلهم يرجعون } يعني عاقبناهم بهذه العقوبات لكي يرجعوا ويعرفوا ضعف معبودهم ٤٩{ وقالوا يا أيها الساحر } وكان الساحر فيهم عظيم الشأن يعني قالوا لموسى يا أيها العالم { ادع لنا ربك } يعني سل لنا ربك { بما عهد عندك } يعني بحق ما أمرك به ربك أن تدعو إليه { إننا لمهتدون } يعني نؤمن بك ونوحد اللّه تعالى ٥٠قوله تعالى { فلما كشفنا عنهم العذاب إذا هم ينكثون } يعني ينقضون عهودهم ٥١وقال عز وجل { ونادى فرعون في قومه } يعني خطب فرعون لقومه { قال يا قوم أليس لي ملك مصر } وهي أربعون فرسخا في أربعين فرسخا { وهذه الأنهار تجري من تحتي } يعني من تحت يدي ويقال من حولي وحول قصوري وجناني { أفلا تبصرون } فضلي على موسى ٥٢{ أم أنا خير من هذا الذي هو مهين } يعني أنا خير و { أم } للصلة من هذا الذي هو مهين يعني ضعيفا ذليلا { ولا يكاد يبين } يعني لا يكاد يعبر حجة ويقال معناه ألا تنظرون إلى فصاحتي وإلى عي كلام موسى ٥٣ثم قال { فلولا ألقي عليه } يعني هلا أعطي { أسورة من ذهب } يعني لو كان حقا وكان رسولا كما يقول لأعطي له المال فيكون حاله خيرا من هذا وكان آل فرعون يلبسون الأساور قرأ عاصم في رواية حفص ( أسورة ) بغير ألف والباقون ( أساورة ) فمن قرأ { أسورة } فهو جمع السوار ومن قرأ { أساورة } فهو جمع الجمع ويقال أساور جمع سوار ثم قال { أو جاء معه الملائكة مقترنين } يعني لو كان حقا لأتته الملائكة متتابعين فصدقوه على مقالته ويقال { مقترنين } أي متعاونين ٥٤{ فاستخف قومه } يعني فاستذل قومه { فأطاعوه } يعني حملهم على الخفة فانقادوا له { إنهم كانوا قوما فاسقين } يعني كافرين عاصين وذلك أن فرعون قال لهم ما أريكم إلا ما أرى فأطاعوه على تكذيب موسى عليه السلام { إنهم كانوا قوما فاسقين } يعني ناقضي العهد ٥٥قوله تعالى { فلما آسفونا انتقمنا } يعني أغضبونا قال أهل اللغة الأسف الغضب وروى معمر عن سماك بن الفضل قال كنا عند عروة بن محمد وعنده وهب بن منبه فجاء قوم فشكوا عاملهم وأثبتوا على ذلك فتناول وهب عصا كانت في يد عروة فضرب بها رأس العامل حتى أدماه فاستهابها عروة وكان حليما قال يعيب علينا أبو عبد اللّه الغضب وهو يغضب فقال وهب وما لي لا أغضب وقد غضب الذي خلق الأحلام إن اللّه تعالى يقول { فلما آسفونا انتقمنا منهم } يعني أغضبونا ويقال { فلما آسفونا } يعني وجب عليهم عذابنا { انتقمنا منهم } يعني أهلكناهم { فأغرقناهم أجمعين } يعني لم نبق منهم أحدا ٥٦قوله تعالى { فجعلناهم سلفا } قال مجاهد يعني كفار قوم فرعون { سلفا } لكفار مكة أمة محمد صلى اللّه عليه وسلم وقال قتادة جعلناهم سلفا إلى النار قرأ حمزة والكسائي ( سلفا ) بالضم والباقون ( سلفا ) بنصب السين واللام فمن قرأ بالنصب فمعناه جعلناهم سلفا متقدمين ليتعظ بهم الآخرون ومن قرأ بالضم فهو جمع سليف أي جمع قد مضى ويقال سلفا واحدها سلفة من الناس أي قطعة { ومثلا للآخرين } يعني عبرة لمن بعدهم ٥٧قوله تعالى { ولما ضرب ابن مريم مثلا } يعني وصف ابن مريم شبها { إذا قومك منه يصدون } يعني يعرضون عن ذكره ويقال لما قالت النصارى إن عيسى ابن اللّه { إذا قومك منه يصدون } قرأ ابن عامر والكسائي ونافع { يصدون } بضم الصاد والباقون ( يصدون ) بكسر الصاد فمن قرأ بالضم فمعناه يعرضون ومن قرأ بالكسر فمعناه يضجون ويرفعون أصواتهم تعجبا وذلك أنهم قالوا لما جاز أن يكون عيسى ابن اللّه جاز أن تكون الملائكة بناته فعارضوه بذلك يعني أهل مكة ورفعوا أصواتهم بذلك ويقال إن عبد اللّه بن الزبعرى قال للنبي صلى اللّه عليه وسلم ما ذكرنا في سورة الأنبياء ففرح المشركون بذلك ورفعوا أصواتهم تعجبا من ٥٨قوله { وقالوا أآلهتنا خير أم هو } يعني أم عيسى فإذا جاز أن يكون هو ولدا جاز أن تكون الأصنام والملائكة كذلك ويقال فإذا جاز أن يكون هو في النار جاز أن تكون الأصنام معه في النار قوله { وما ضربوه لك إلا جدلا } يعني ما عارضوك بهذه المعارضة إلا جدلا بالباطل { بل هم قوم خصمون } يعني يجادلون شديد المجادلة بالباطل ٥٩قوله تعالى { إن هو إلا عبد أنعمنا عليه } أي ما كان عيسى إلا عبدا للّه أنعم اللّه تعالى عليه بالنبوة وأكرمه بها { وجعلناه مثلا لبني إسرائيل } يعني عبرة لبني إسرائيل ليعتبروا به حين ولد من غير أب ٦٠ثم قال { ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة في الأرض } يعني لو شاء اللّه لجعل مكانكم في الأرض ملائكة { يخلفون } فكانوا خلفا منكم ثم رجع إلى صفة عيسى عليه السلام ٦١فقال { وإنه لعلم للساعة } يعني نزول عيسى علامة لقيام الساعة ويقال نزول عيسى آية للناس وروى وكيع عن سفيان عن عاصم عن أبي رزين عن أبي يحيى عن ابن عباس في قوله { وإنه لعلم للساعة } قال خروج عيسى ابن مريم وروى معمر عن قتادة قال نزول عيسى وروى عبادة عن حميد عن أبي هريرة قال لا تقوم الساعة حتى يرى عيسى عليه السلام في الأرض إماما مقسطا وكنت أرجو ألا أموت حتى آكل مع عيسى عليه السلام على مائدة فمن لقيه منكم فليقرئه مني السلام قرأ بعضهم { وإنه لعلم للساعة } بنصب العين واللام وقراءة العام { لعلم } بالكسر وقال القتبي من قرأ { وإنه لعلم للساعة } بأسر العين أي بنزول المسيح يعلم أنه قد قربت الساعة ومن قرأ ( وإنه لعلم ) بنصب العين واللام فإنه بمعنى الدليل والعلامة قوله تعالى { فلا تمترن بها } يعني لا تشكن في القيامة والبعث { واتبعوني } يعني أطيعونني { هذا صراط مستقيم } يعني هذا التوحيد صراط مستقيم ٦٢{ ولا يصدنكم الشيطان } يعني لا يضلنكم الشيطان عن طريق الهدى { إنه لكم عدو مبين } ظاهر العداوة ٦٣قوله تعالى { ولما جاء عيسى بالبينات } يعني بالآيات والعلامات وهو إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص ويقال { بالبينات } يعني بالإنجيل { قال قد جئتكم بالحكمة } يعني بالنبوة { ولأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه } قال بعضهم يعني كل الذي تختلفون فيه وقال بعضهم معناه لأبين تحليل بعض الذي تختلفون فيه كقوله { ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم } [ آل عمران ٥٠ ] وكانوا في ذلك التحريم مختلفين فمصدق ومكذب { فاتقوا اللّه وأطيعون } فيما آمركم به من التوحيد ٦٤قوله تعالى { إن اللّه هو ربي وربكم } يعني خالقي وخالقكم { فاعبدوه } يعني وحدوه وأطيعوه { هذا صراط مستقيم } يعني دين الإسلام ٦٥{ فاختلف الأحزاب من بينهم } أي تفرقوا في أمر عيسى وهم النسطورية والماريعقوبية والملكانية وقد ذكرناه من قبل ويقال الأحزاب تحزبوا وتفرقوا في أمر عيسى وهم اليهود فقالوا فيه قولا عظيما وفي أمه فقالوا إنه ساحر ويقال اختلفوا في قتله { فويل للذين ظلموا } يعني أشركوا { من عذاب يوم أليم } يعني عذاب يوم شديد ٦٦قوله تعالى { هل ينظرون إلا الساعة } يعني ما ينظرون إذا لم يؤمنوا إلا أن تأتيهم الساعة { أن تأتيهم بغتة } يعني فجأة { وهم لا يشعرون } بقيامها ٦٧قوله تعالى { الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو } قال مجاهد الأخلاء في معصية اللّه تعالى في الدنيا يومئذ متعادين في الآخرة { إلا المتقين } الموحدين قال مقاتل نزلت في أبي بن خلف وعقبة بن أبي معيط وقال الكلبي كل خليل في غير طاعة اللّه فهو عدو لخليله وروى عبيد بن عمير قال كان لرجل ثلاثة أخلاء بعضهم أخص به من بعض فنزلت به نازلة فلقي أخص الثلاثة فقال يا فلان إنه قد نزل في كذا وكذا وإني أحب أن تعينني فقال له ما أنا بالذي أعينك ولا أنفعك فانطلق إلى الذي يليه فقال له أنا معك حتى أبلغ المكان الذي تريده ثم رجعت وتركتك فانطلق إلى الثالث فقال له أنا معك حيثما دخلت قال فالأول ماله والثاني أهله وعشيرته والثالث عمله وروى أبو إسحاق عن الحارث عن علي رضي اللّه عنه أنه سئل عن قوله { الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين } فقال خليلان مؤمنان وخليلان كافران فتوفي أحد المؤمنين فيثني على صاحبه خيرا ثم يموت الآخر فيجمع بين أرواحهما فيقول كل واحد منهما لصاحبه نعم الأخ ونعم الصاحب ويمون أحد الكافرين فيثني على صاحبه شرا ثم يموت الآخر فيجمع بين أرواحهما فيقول كل واحد منهما لصاحبه بئس الأخ وبئس الصاحب ٦٨قوله تعالى { يا عباد لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون } يعني يوم القيامة ٦٩ثم وصفهم فقال { الذين آمنوا بآياتنا وكانوا مسلمين } يعني مخلصين بالتوحيد ٧٠قوله تعالى { ادخلوا الجنة أنتم وأزواجكم تحبرون } يعني تكرمون وتنعمون ويقال تسرون والحبرة السرور ٧١قوله تعالى { يطاف عليهم بصحاف من ذهب } قال كعب يطاف عليهم بسبعين ألف صحفة من ذهب في كل صحفة لون وطعام وليس في الأخرى والصحفة هي القصعة { وأكواب } وهي الأباريق التي لا خراطيم لها يعني مدورة الرأس ويقال التي لا عرى لها واحدها كوب { وفيها ما تشتهيه الأنفس } يعني تتمنى كل نفس { وتلذ الأعين } من النظر إليها {وأنتم فيها خالدون } ٧٢{ وتلك الجنة } يعني هذه الجنة { التي أورثتموها } يعني أنزلتموها { بما كنتم تعملون } يعني دخلتموها برحمة اللّه تعالى بإيمانكم واقتسمتموها بأعمالكم ٧٣{ لكم فيها فاكهة كثيرة } لا تنقطع لقوله { لا مقطوعة ولا ممنوعة } [ الواقعة ٣٣ ] { منها تأكلون } أي من الفواكه متى تشاؤوا ثم وصف المشركين ٧٤فقال { إن المجرمين } يعني المشركين { في عذاب جهنم خالدون } أي دائمون لا يموتون ولا يخرجون ٧٥{ لا يفتر عنهم } يعني لا ينقطع عنهم العذاب طرفة عين { وهم فيه مبلسون } يعني آيسين من رحمة اللّه تعالى ٧٦قوله تعالى { وما ظلمناهم } يعني لم نعذبهم بغير ذنب { ولكن كانوا هم الظالمين } لأنهم كانوا يستكبرون عن الإيمان ٧٧قوله تعالى { ونادوا يا ملك } وذلك لما يشتد عليهم العذاب يتمنون الموت ويقولون لخازن جهنم يا مالك { ليقض علينا ربك } يعني ادع لنا ربك لقبض أرواحنا فأجابهم بعد أربعين سنة { قال إنكم ماكثون } يعني خالدين فيها وروى عطاء بن السائب عن رجل عن ابن عباس قال يجيبهم بعد ألف سنة { إنكم ماكثون } ويقال إنهم ينادون { يا مالك ليقض علينا ربك } فأوحى اللّه تعالى إلى مالك ليجيبهم فيقول لهم مالك { إنكم ماكثون } ٧٨قوله تعالى { لقد جئناكم بالحق } يعني جاءكم جبريل في الدنيا بالقرآن والتوحيد { ولكن أكثركم للحق كارهون } يعني جاحدين ٧٩وهو قوله تعالى { أم أبرموا أمرا } قال مقاتل وذلك حين اجتمعوا في دار الندوة ودخل إبليس عليهم وقد ذكرناه في سورة الأنفال فنزل { أم أبرموا أمرا فإنا مبرمون } يعني أجمعوا أمرهم بالشر على النبي صلى اللّه عليه وسلم { فإنا مبرمون } أي مجمعون أمرنا على ما يكرهون وقال الكلبي وذلك أن ثلاثة نفر اجتمعوا وقالوا إنه يقول بأن ربي يعلم السر أترى أنه يعلم ما نقول بيننا فنزل { أم أبرموا أمرا } يعني أقاموا على المعصية { فإنا مبرمون } أي معذبون عليها قال القتبي أي أحكموه والمبرم المفتول على طاقين ٨٠قوله تعال { أم يحسبون } يعني بل يظنون ويقال أيظنون والميم صلة { أنا لا نسمع سرهم ونجواهم } اللفظ لفظ الاستفهام والمراد به التوبيخ ومعناه إن اللّه تعالى يعلم سرهم ونجواهم قال ابن عباس الذين يتناجون خلف الكعبة يعني الذين يقولون إن اللّه لا يسمع مقالتنا قال اللّه تعالى { بلى } يعني نسمع ذلك { ورسلنا لديهم يكتبون } مقالتهم ٨١قوله تعالى { قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين } يعني الموحدين من أهل مكة قال مقاتل لما نزلت هذه الآية وقرئت عليهم فقال النضر بن الحارث ألا ترونه صدقني فقال له الوليد ما صدقك ولكنه يقول ما كان للرحمن ولد يعني { إن } بمعنى ما { فأنا أول العابدين } يعني الموحدين من أهل مكة وقال الكلبي أنا أول الآنفين أن للّه ولدا وقال القتبي إن كان هذا في زعمكم فأنا أول الموحدين لأنكم تزعمون أن له ولدا فلم توحدوه ومن وحد اللّه تعالى فقد عبده ومن جعل له ولدا فليس من العابدين كقوله { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون } [ الذاريات ٥٦ ] أي ليوحدون ٨٢ثم نزه نفسه فقال { سبحان رب السموات والأرض رب العرش عما يصفون } يعني عما يقولون إن للّه ولدا ٨٣{ فذرهم } يعني كفار مكة حين كذبوا بالعذاب { يخوضوا ويلعبوا } في أباطيلهم ويستهزئوا { حتى يلاقوا } يعني حتى يعاينوا { يومهم الذي يوعدون } وهو يوم القيامة ٨٤قوله تعالى { وهو الذي في السماء إله } يعبد { وفي الأرض إله } يعبد ويقال يوحد في السماء ويوحد في الأرض { وهو الحكيم } في أمره { العليم } بخلقه وبمقالتهم ثم عظم نفسه ٨٥فقال تعالى { وتبارك الذي } يعني تعالى عما وصفوه الذي { له ملك السموات } يعني خزائن السماوات المطر { والأرض } النبات { وما بينهما } من الخلق ويقال الذي له نفاذ الأمر في السماوات والأرض وما بينهما { وعنده علم الساعة } يعني علم قيام الساعة { وإليه ترجعون } قرأ أبو عمرو ونافع وعاصم ( ترجعون ) بالتاء على معنى المخاطبة وقرأ الباقون بالياء على معنى الخبر عنهم ٨٦قوله تعالى { ولا يملك الذين يدعون } يعني لا يقدر الذين يعبدون { من دونه الشفاعة إلا من شهد بالحق } يعني بلا إله إلا اللّه مخلصا { وهم يعلمون } أنه الحق حين شهدوا بها من قبل أنفسهم وأنهم يشفعون لهؤلاء ٨٧قوله تعالى { ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن اللّه } يعني كفار قريش { فأنى يؤفكون } يعني أنى يصرفون بعد التصديق ثم قال { وقيله يا رب } يعني قال النبي صلى اللّه عليه وسلم { وقيله } بمعنى وقوله قرأ عاصم وحمزة { قيله } بكسر اللام والباقون بالنصب وقرئ في الشاذ ( وقيله ) بضم اللام فمن قرأ بالنصب فنصبه من وجهين أحدهما على العطف على قوله { أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم } [ الزخرف ٨٠ ] ( وقيله ) ومعنى آخر وعنده علم الساعة ويعلم { قيله } يعني علم الغيب ويعلم قوله ومن قرأ بالكسر معناه وعنده علم الساعة وعلم قيله يا رب ومن قرأ بالرفع فمعناه وقيله قول يا رب { إن هؤلاء قوم لا يؤمنون } يعني لا يصدقون ٨٩{ فاصفح عنهم } يعني أعرض عنهم وهذا قبل أن يؤمر بالقتال { وقل سلام } يعني سدادا من القول { فسوف يعلمون } وهذا وعيد منه قرأ نافع وابن عامر ( فسوف تعلمون ) بالتاء على معنى المخاطبة لهم والباقون بالياء على معنى الخبر عنهم واللّه أعلم |
﴿ ٠ ﴾