سورة الفتح

مدنية وهي عشرون وتسع آيات

١

قوله تبارك وتعالى { إنا فتحنا لك فتحا مبينا } يعني قضينا لك قضاء بينا أكرمناك بالإسلام والنبوة وأمرناك بأن تدعو الخلق إليه

قال مقاتل وذلك أنه لما نزل بمكة { وما أدري ما يفعل بي ولا بكم } وكان المشركون يقولون لم تتبعون رجلا لا يدري ما يفعل به ولا بمن تابعه

فلما قدم المدينة عيرهم بذلك المنافقون أيضا فعلم اللّه تعالى ما في قلوب المؤمنين من الحزن وما في قلوب الكافرين من الفرح

فنزل { إنا فتحنا لك فتحا مبينا } يعني قضينا لك قضاء بينا { ليغفر لك اللّه ما تقدم من ذنبك وما تأخر } فقال المؤمنون هذا لك فمالنا فنزل { ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار } [ الفتح ٥ ] الآية

فقال المنافقون فما لنا فنزل { ويعذب المنافقين والمنافقات } [ الفتح ٦ ] الآية

وقال الزجاج { إنا فتحنا لك } يعني فتح الحديبية والحديبية بئر سمي المكان بها

والفتح هو الظفر بالمكان كان بحرب أو بغير حرب

قال ومعنى الفتح الهداية إلى الإسلام

وكان في فتح الحديبية معجزة من معجزات النبي صلى اللّه عليه وسلم وذلك أنها بئر فاستسقى جميع ما فيها من ماء ولم يبق فيها شيء فمضمض رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ثم مجه فيها فدرت البئر بالماء

٢

ثم قوله تعالى { ليغفر لك } وقال القتبي هذه لام القسم فكأنه قال { ليغفر لك اللّه ما تقدم من ذنبك وما تأخر } وقال بعضهم هذه لام كي كأنه يقول لكي يغفر لك { ما تقدم من ذنبك } يعني ذنب آدم { وما تأخر } يعني ذنب أمتك ويقال ما كان قبل نزول الوحي وما كان بعده

قوله تعالى { ويتم نعمته عليك } بالنبوة وبإظهار الدين { ويهديك صراطا مستقيما } يعني يثبتك على الهدى وهو طريق الأنبياء

٣

 { وينصرك اللّه } يعني لكي ينصرك اللّه على عدوك { نصرا عزيزا } بإظهار الإسلام

 

٤

قوله تعالى { هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين } وذلك أن النبي صلى اللّه عليه وسلم تجهز في سنة ست في ذي القعدة فخرج إلى العمرة معه ألف وستمائة رجل ويقال ألف وأربعمائة وساق سبعين بدنة

فبلغ قريشا خبر النبي صلى اللّه عليه وسلم وأصحابه فبعثوا خالد بن الوليد في عصابة منهم ليصدوا النبي صلى اللّه عليه وسلم وأصحابه عن البيت فلما نزل النبي صلى اللّه عليه وسلم بعسفان قال ( إن قريشا جعلت لي عيونا فمن يدلني على طريق الثنية )

فقال رجل من المسلمين أنا يا رسول اللّه فسار بهم إلى أن انتهوا إلى الثنية وصعدوا فيها

فلما هبط رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من الثنية بركت ناقته القصواء فلم تنبعث فزجرها وزجرها الناس وضربوها فلم تنبعث

فقال الناس خلأت القصواء أي صارت حرونا

فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم ( ما خلأت القصواء وما كان ذلك لها بخلق ولكن حبسها حابس الفيل ) ثم قال ( لا يسألونني فيما بيني وبينهم شيئا يعظمون به حرماتهم إلا قبلته منهم ) ثم زجرها فانبعثت

فلما نزلوا على القليب بالحديبية لم يكن في البئر إلا ماء وشيك يعني قليلا متغيرا فاستسقوا فلم يبق في البئر ماء

فقال ( من رجل يهيج لنا الماء ) فقال رجل أنا يا رسول اللّه

فقال ( ما اسمك ) قال مرة

فقال ( تأخر ) فقال رجل آخر أنا يا رسول اللّه فقال ( ما اسمك )

قال ناجية

فقال ( أنزل )

فنزل فأعطاه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم مشقصا فبحت به البئر فنبع الماء

وقال في رواية عبد اللّه بن دينار عن ابن عمر قال كان ماء الحديبية قد قل فأتى بدلو من ماء فتوضأ منه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وجعل منه في فيه ثم مجه في الدلو ثم أمرهم بأن يجعلوه في البئر ففعلوا فامتلأت البئر حتى كادوا يغرقون منها وهم جلوس

ففزع المشركون لنزول النبي صلى اللّه عليه وسلم وأصحابه في الحديبية فجاؤوه واستعدوا ليصدوه

فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لعمر ( يا عمر اذهب فاستأذن لنا عليهم حتى نعتمر ويخلوا بيني وبين البيت لا أريد منهم غيره )

فقال عمر يا رسول اللّه ليس ثم أحد من قومي يمنعني

فأرسل عثمان فإن هناك ناسا من بني عمه يمنعونه فذهب عثمان فتلقاه أبان بن سعيد بن العاص فقال له أجرني من قومك حتى أبلغ رسالة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فأجاره وحمله على فرسه وراءه ودخل به مكة فاستأذن عثمان قريشا فأبوا أن يأذنوا له

فقال أبان لعثمان طف أنت إن شئت فقال ما كنت لأتقدم بين يدي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وبقي هناك ثلاثة أيام فذكر للنبي صلى اللّه عليه وسلم أن عثمان قد قتل

فقال لأصحابه ( بايعوني على الموت )

فجلس النبي صلى اللّه عليه

وسلم تحت الشجرة فبايعه أصحابه على الموت فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم ( إني أخاف ألا يدرك عثمان هذه البيعة فأنا أبايع له يميني بشمالي )

ثم رجع عثمان فأخبر أنهم قد أبوا ذلك وبلغت قريشا البيعة فكبرت تلك البيعة عندهم وقالوا ليزيد بن الحارث الكناني أردده عنا فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم ( ابعثوا الهدي في وجهه حتى يراها فإنهم قوم يعظمون الهدي ) فبعثوا الهدي في وجهه فلما رأى يزيد بن الحارث الهدى قال ما أرى أحد يفلح برد هذا الهدي ورجع إلى قريش فقال لهم لا تردوا هذا الهدي فإني أخشى أن يصيبكم عذاب من السماء

فأرسلوا عروة بن مسعود الثقفي فجاء إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم فجلس إليه فقال يا محمد ارجع عن قومك هذه المرة فجعل يكلم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ويومئ بيديه إلى لحيته وكان المغيرة قائما عند رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فضربه بالسوط على يده وقال اكفف يدك عن لحية رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قبل أن يصل إليك ما تكره

فقال عروة من هذا يا محمد فقال ( ابن أخيك المغيرة بن شعبة )

فقال يا غدر ما غسلت سلختك عني بعد أفتضرب يدي قال اكففها قبل أن لا تصل إليك

فرجع عروة إلى قريش فقالوا له ما وراءك فقال خلوا سبيل الرجل يعتمر فإني حضرت كسرى وقيصر والنجاشي فما رأيت ملكا قط أصحابه أطوع من هذا الملك واللّه إنه ليتنخم فيبتدرون نخامته واللّه إنه ليجلس فيبتدرون التراب الذي يجلس عليه وإنه ليتوضأ فيبتدرون وضوءه

فقالوا جبنت وانتفح سحرك

ثم قالوا لسهيل بن عمرو اذهب واردده عنا وصالحه

فلما رآه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال ( قد سهل أمرهم ) فجاءه سهيل في نفر من قريش فقال يا محمد ارجع عن قومك هذه المرة على أن لك أن تأتيهم من العام المقبل فتعتمر أنت وأصحابك ويدخل كل إنسان منكم بسلاحه راكبا فتصالحنا على أن لا تقاتلنا ولا نقاتلك سنتين

فرضي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بذلك

فقال ( اكتب بيننا وبينك كتابا ) فأمر عليا رضي اللّه عنه أن يكتب فكتب ( بسم اللّه الرحمن الرحيم )

فقال سهيل لا أعرف الرحمن

قال فكيف أكتب قال ( اكتب باسمك اللّه م فكتب باسمك اللّه م هذا ما صالح عليه محمد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم )

فقال سهيل لو أعلم أنك رسول اللّه لاتبعتك

أفترغب عن اسم أبيك فقال علي رضي اللّه عنه فواللّه إنه لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم على رغم أنفك

فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ( أنا محمد رسول اللّه وأنا محمد بن عبد اللّه اكتب محمد بن عبد اللّه ) لأنه كان عهد أن لا يسألوه عن شيئا يعظمون به حرماتهم إلا قبله

فكتب هذا ما صالح عليه محمد بن عبد اللّه سهيل بن عمرو ألا تقاتلنا ولا نقاتلك سنتين وندخل في حلفنا من نشاء وتدخلوا في حلفكم من شئتم وعلى أنكم تأتون من العام المقبل وتقيمون ثلاثة أيام ثم ترجعون وعلى أن ما جاء منا

إليكم لا تقبلوه وتردوه إلينا ومن جاء منكم إلينا فهو منا فلا نرده إليكم

فشق ذلك الشرط على المسلمين فقالوا يا رسول اللّه من لحق بنا منهم لم نقبله ومن لحق بهم منا فهو لهم

فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ( فأما من لحق بهم منا فأبعده اللّه وأولى بمن كفر وأما من أراد أن يلحق بنا منهم فسيجعل اللّه له مخرجا )

فجاء أبو جندل بن سهيل يرسف في الحديد يعني يمشي مشي الأعرج قد أسلم فأوثقه أبوه حين خشي أن يذهب إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم فلما وقع في ظهراني المسلمين قال إني مسلم فجاء أبوه فقال إنما كتبنا الكتاب الساعة

فقال عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه يا رسول اللّه أليس اللّه حق وأنت نبيه قال بلى قال ونحن قوم مؤمنون وهم كفار قال بلى قال فلم نعطهم الدنية في ديننا قال ( إنما كتبنا الكتاب الساعة )

فتحول عمر إلى أبي جندل فقال يا أبا جندل إن الرجل يقتل أباه في اللّه وإن دم الكافر لا يساوي دم كلب وجعل عمر يقرب إليه سيفه كيما يأخذه ويضرب به أباه

فقال أبو جندل مالك لا تقتله أنت فقال عمر نهاني رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم

فقال ما أنت بأحق بطاعة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم مني لا أقتل أبي

فأخذ سهيل بن عمرو غصنا من أغصان تلك الشجرة فضرب به وجه أبي جندل والمسلمون يبكون

فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم ( خلو بينه وبين ابنه فإن يعلم اللّه من أبي جندل الصدق ينجه منهم )

فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لسهيل ( هبه لي ) فقال سهيل لا

فقال مكرز بن حفص قد أجرته يعني أمنته فآمنه حتى رده إلى مكة فأنجى اللّه تعالى أبا جندل من أيديهم بعد ما رجع النبي صلى اللّه عليه وسلم إلى المدينة فخرج إلى شط البحر واجتمع إليه قريبا من سبعين رجلا كرهوا أن يقيموا مع المشركين وعلموا أن النبي صلى اللّه عليه وسلم لن يقبلهم حتى تنقضي المدة فعمدوا إلى عير لقريش مقبلة إلى الشام أو مدبرة فأخذوها وجعلوا يقطعون الطريق على المشركين فأرسل المشركون إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم يناشدونه إلا قبضهم إليه وقالوا له أنت في حل منهم فلحقوا برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فعلم الذين كرهوا الصلح أن الخير فيما رأى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم

ثم أمر النبي صلى اللّه عليه وسلم أصحابه أن ينحروا البدن ويحلقوا الرؤوس فلم يفعل ذلك منهم أحد فدخل النبي صلى اللّه عليه وسلم على أم سلمة فقال ( ألا تعجبين أمرت الناس أن ينحروا البدن ويحلقوا فلم يفعل أحد منهم )

فقالت أم سلمة قم أنت يا رسول اللّه وانحر بدنك واحلق رأسك فإنهم سيقتدون بك فنحر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم البدن وحلق رأسه ففعل القوم كلهم فحلق بعضهم وقصر بعضهم

فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ( يرحم اللّه المحلقين )

فقالوا والمقصرين يا رسول اللّه فقال ( يرحم اللّه المحلقين والمقصرين )

فرجع النبي صلى اللّه عليه وسلم إلى المدينة فنزل { إنا فتحنا لك فتحا مبينا } إلى قوله { هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين } يعني السكون والطمأنينة في البيعة في قلوب المؤمنين

{ ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم } يعني تصديقا مع تصديقهم الذي هم عليه

ويقال تصديقا بما أمرهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في البيعة

ويقال يعني إقرارا بالفرائض مع إقرارهم باللّه تعالى

وروي عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله { هو الذي أنزل السكينة } قال يعني الرحمة { في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا }

قال إن اللّه تعالى بعث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بشهادة أن لا إله إلا اللّه محمد رسول اللّه كما قال { قل هو اللّه أحد اللّه الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد } [ الإخلاص ] فلما صدقوا بها زادهم الصلاة فلما صدقوا بها زادهم الزكاة فلما صدقوا بها زادهم الصوم فلما صدقوا بها زادهم الحج فلما صدقوا به زادهم الجهاد يعني إن في كل ذلك يزيد تصديقا مع تصديقهم

قوله تعالى { وللّه جنود السموات والأرض } فجنود السموات الملائكة وجنود الأرض المؤمنون من الجن والإنس { وكان اللّه عليما } بخلقه { حكيما } في أمره حيث حكم بالنصر للمؤمنين يوم بدر

٥

قوله عز وجل { ليدخل المؤمنين والمؤمنات } يعني المصدقين والمصدقات { جنات تجري من تحتها الأنهار } يعني من تحت غرفها وأشجارها { خالدين فيها } يعني دائمين مقيمين لا يموتون ولا يخرجون منها { ويكفر عنهم سيئاتهم } يعني يمحو ويتجاوز عن سيئاتهم يعني عن ذنوبهم { وكان ذلك عند اللّه } في الآخرة { فوزا عظيما } نجاة وافرة من العذاب

٦

ثم قال { ويعذب المنافقين والمنافقات } يعني ولكن يعذب المنافقين من أهل المدينة والمنافقات { والمشركين } من أهل مكة { والمشركات } الذين أقاموا على عبادة الأصنام

{ الظانين باللّه ظن السوء } وظنهم ترك التصديق باللّه تعالى ورسوله مخافة ألا ينصر محمد صلى اللّه عليه وسلم كما قال في آية أخرى { بل ظننتم أن لن ينقلب الرسول } [ الفتح ١٢ ]

ثم قال { عليهم دائرة السوء } يعني عاقبة العذاب والهزيمة { وغضب اللّه عليهم ولعنهم } في الدنيا { وأعد لهم جهنم } في الآخرة { وساءت مصيرا } يعني بئس المصير الذي صاروا إليه

٧

قوله تعالى { وللّه جنود السموات والأرض وكان اللّه عزيزا } بالنقمة لمن مات على كفره ونفاقه { حكيما } في أمره وقضائه حكم بالنصر للنبي صلى اللّه عليه وسلم

٨

ثم قال { إنا أرسلناك شاهدا } يعني بعثناك { شاهدا } بالبلاغ إلى أمتك { ومبشرا } لمن أجابك بالجنة { ونذيرا } يعني مخوفا للكفار بالنار

٩

{ لتؤمنوا باللّه ورسوله } يعني لتصدقوا باللّه فيما يأمركم وتصدقوا برسوله محمد صلى اللّه عليه وسلم { وتعزروه } يعني لكي تعينوه وتنصروه على عدوه بالسيف { وتوقروه } أي تعظموا النبي صلى اللّه عليه وسلم { وتسبحوه } يعني تصلوا للّه تبارك وتعالى { بكرة وأصيلا } يعني غدوة وعشيا

فكأنه قال لتؤمنوا باللّه وتسبحوه وتؤمنوا برسوله وتعزروه وتوقروه

قرأ إبن كثير وأبو عمرو { ليؤمنوا باللّه ورسوله ويعزروه ويوقروه ويسبحوه } كلها بالياء على معنى الخبر عنهم والباقون بالتاء على معنى المخاطبة

وقرأ إبن كثير وأبو عمرو { دائرة السوء } بضم السين وقرأ الباقون بالنصب كقولك رجل سوء وعمل سوء وقد روي عن إبن كثير وأبي عمرو بالنصب أيضا

١٠

قوله عز وجل { إن الذين يبايعونك } يعني يوم الحديبية تحت الشجرة وهي بيعة الرضوان قال الكلبي بايعوا تحت الشجرة وهي شجرة السمر وهم يومئذ ألف وخمسمائة وأربعون رجلا

وروى هشام عن محمد بن الحسن قال كانت الشجرة أم غيلان

{ إنما يبايعون اللّه } يعني كأنهم يبايعون اللّه لأن النبي صلى اللّه عليه وسلم إنما بايعهم بأمر اللّه تعالى ويقال { إنما يبايعون اللّه } يعني للّه تعالى أي لأجله وطلب رضاه

ثم قال { يد اللّه فوق أيديهم } يعني يد اللّه بالقدرة والنصرة والمغفرة { فوق أيديهم } بالطاعة

وقال الزجاج { يد اللّه فوق أيديهم } يحتمل ثلاثة أوجه

أحدها { يد اللّه فوق أيديهم } بالوفاء ويحتمل { يد اللّه فوق أيديهم } بالثواب فهذان وجهان جاءا في التفسير ويحتمل أيضا { يد اللّه فوق أيديهم } في المنة عليهم وفي الهداية { فوق أيديهم } في الطاعة { فمن نكث } يعني نقض العهد والبيعة { فإنما ينكث على نفسه } يعني عقوبته على نفسه

{ ومن أوفى بما عاهد عليه اللّه } من البيعة والتمام في ذلك مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم

{ فسيؤتيه أجرا عظيما } في الجنة

قرأ نافع وإبن كثير وابن عامر { فسنؤتيه أجرا عظيما } بالنون والباقون بالياء وكلاهما يرجع إلى معنى واحد يعني سيؤتيه اللّه ثوابا عظيما

١١

قوله تعالى { سيقول لك المخلفون من الأعراب } وهم أسلم وأشجع وغفار

وذلك أن النبي صلى اللّه عليه وسلم حين خرج إلى مكة عام الحديبية فاستتبعهم وكانت منازلهم بين مكة والمدينة فقالوا فيما بينهم نذهب معه إلى قوم جاؤوه فقتلوا أصحابه فقاتلهم فاعتلوا عليه بالشغل حتى رجع فأخبر اللّه تعالى رسوله قبل ذلك أنه إذا رجع إليهم استقبلوه بالعذر وهم كاذبون فقال { سيقول لك المخلفون من الأعراب } يعني الذين تخلفوا عن بيعة الحديبية { شغلتنا أموالنا وأهلونا } يعني خفنا عليهم الضيعة ولو لا ذلك لخرجنا معك

{ فاستغفر لنا } في التخلف

{ يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم } يعني من طلب الاستغفار وهم لا يبالون استغفرت لهم أم لم تستغفر لهم

{ قل } يا محمد { فمن يملك لكم من اللّه شيئا } يعني من يقدر أن يمنع عنكم من عذابه شيئا { إن أراد بكم ضرا } يعني قتلا وهزيمة { أو أراد بكم نفعا } يعني النصرة

قرأ حمزة والكسائي { ضرا } بضم الضاد وهو سوء الحال والمرض وما أشبه ذلك

والباقون بالنصب وهو ضد النفع

اللفظ لفظ الاستفهام والمراد به التقرير يعني لا يقدر أحد على دفع الضر ومنع النفع غير اللّه

ثم استأنف الكلام فقال { بل كان اللّه بما تعملون خبيرا } يعني عالما بتخلفكم ومرادكم

١٢

قوله عز وجل { بل ظننتم أن لن ينقلب الرسول والمؤمنون } يعني بل منعكم من السير معه لأنكم ظننتم { أن لن ينقلب الرسول والمؤمنون } من الحديبية { إلى أهليهم } بالمدينة { أبدا وزين ذلك في قلوبكم } يعني وحسن التخلف في قلوبكم { وظننتم ظن السوء } يعني حسبتم ظن القبيح { وكنتم قوما بورا } يعني هلكى

وروي عن ابن عباس أنه قال البور في لغة أزد وعمان الشيء الفاسد والبور في كلام العرب لا شيء

يعني أعمالهم بورا أي مبطلة

١٣

قوله عز وجل ( ومن لم يؤمن باللّه ورسوله ) يعني من لم يصدق باللّه في السر كما صدقه في العلانية { فإنا أعتدنا للكافرين سعيرا } يعني هيأنا لهم عذاب السعير

١٤

قوله تعالى { وللّه ملك السموات والأرض } يعني خزائن السموان والأرض

ويقال ونفاذ الأمر في السموات والأرض { يغفر لمن يشاء } وهو فضل منه { ويعذب من يشاء } على الذنب الصغير وهو عدل منه { وكان اللّه غفورا } لذنوبهم { رحيما } بهم

 

١٥

ثم قال عز وجل { سيقول المخلفون } يعني الذين تخلفوا عن الحديبية { إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها } يعني إلى غنائم خيبر { ذرونا نتبعكم } يعني اتركونا نتبعكم في ذلك الغزو { يريدون أن يبدلوا كلام اللّه } يعني يغيروا كلام اللّه

يعني ما قاله اللّه لرسوله صلى اللّه عليه وسلم لا تأذن لهم في غزاة أخرى

قرأ حمزة والكسائي { كلم اللّه } وهو جمع الكلمة

والباقون { كلام اللّه } والكلام اسم لكل ما يتكلم به

{ قل لن تتبعونا } في المسير إلى خيبر إلا متطوعين من غير أن يكون لكم شرك في الغنيمة

{ كذلكم قال اللّه من قبل } يعني من قبل الحديبية

{ فسيقولون بل تحدسوننا } يعني يقولون للمؤمنين إن اللّه لم ينهكم عن ذلك بل تحسدوننا على ما نصيب معكم من الغنائم { بل كانوا لا يفقهون } أي لا يعقلون ولا يرغبون عن ترك النفاق { إلا قليلا } أي لا قليلا ولا كثيرا

ويقال بل كانوا لا يفقهون النهي من اللّه تعالى يعني إلا قليلا منهم

١٦

قوله عز وجل { قل للمخلفين من الأعراب } يعني الذي تخلفوا عن الحديبية مخافة القتال { ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد } يعني قتال شديد

قال بعضهم يعني قتال أهل اليمامة بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم

قاتلهم أبو بكر الصديق رضي اللّه عنه

وقال مجاهد { إلى قوم أولي بأس شديد } يعني أهل الأوثان

وقال أيضا هم أهل فارس وقال عطاء بل فارس وقال سعيد بن جبير هوازن وثقيف

وقال الحسن فارس والروم

{ تقاتلونهم أو يسلمون } قرأ بعضهم ( أو يسلموا ) مع ألف يغير نون وقراءة العامة بالنون

فمن قرأ { أو يسلموا } يعني حتى يسلموا أو إلى أن يسلموا

ومن قرأ بالنون فمعناه تقاتلونهم أو هم يسلمون { فإن تطيعوا } يعني تجيبوا توافقوا القتال وتخلصوا للّه { يؤتكم اللّه أجرا حسنا } يعني ثوابا حسنا في الآخرة

{ وإن تتولوا كما توليتم من قبل } يعني تعرضوا كما أعرضتم عن الإجابة يوم الحديبية

{ يعذبكم عذابا أليما } يعني شديدا دائما فلما نزلت هذه الآية قال أهل الزمانة والضعفاء فكيف بنا إذا دعينا إلى قتالهم ولا نستطيع الخروج فيعذبنا اللّه تعالى فنزل قوله { ليس على الأعمى حرج } وهذا قول الكلبي

وقال

مقاتل نزل العذر في الذين تخلفوا عن الحديبية

١٧

{ ليس على الأعمى حرج } يعني ليس عليهم إثم في التخلف { ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج } يعني إثم

{ ومن يطع اللّه ورسوله } في الغزو ويقال { ومن يطع اللّه ورسوله } في السر والعلانية { يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار } وقد ذكرناه

{ ومن يتول } يعني يعرض عن ذلك يعني عن طاعة اللّه ورسوله بالتخلف { يعذبه عذابا أليما } يعني شديدا دائما

قرأ نافع وابن عامر { ندخله ونعذبه } كلاهما بالنون والباقون كلاهما بالياء وكلاهما يرجع إلى معنى واحد

١٨

قوله تعالى { لقد رضي اللّه عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة } يعني شجرة السمرة ويقال أم غيلان

قال قتادة بايعوه يومئذ وهم ألف وأربعمائة رجل وكان عثمان يومئذ بمكة فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم ( إن عثمان في حاجة اللّه وحاجة رسوله وحاجة المؤمنين ثم وضع إحدى يديه على الأخرى وقال هذه بيعة عثمان )

{ فعلم ما في قلوبهم } أي ما في قلوبهم من الصدق والوفاء وهذا قول ابن عباس

وقال مقاتل { فعلم ما في قلوبهم } من الكراهية للبيعة على أن يقاتلوا ولا يفروا

{ فأنزل } اللّه { السكينة عليهم } يعني أنزل اللّه تعالى الطمأنينة والرضى عليهم

{ وأثابهم } يعني وأعطاهم

{ فتحا قريبا } يعني فتح خيبر

١٩

قوله عز وجل { ومغانم كثيرة يأخذونها } يعني يغنمونها { وكان اللّه عزيزا حكيما } حكم عليهم بالقتل والسبي

ويقال حكم الغنيمة للمؤمنين والهزيمة للكافرين

٢٠

ثم قال { وعدكم اللّه مغانم كثيرة تأخذونها } يعني تغنمونها وهو ما أصابوا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وبعده إلى يوم القيامة

وقال ابن عباس هي هذه الفتوح التي تفتح لكم { فجعل لكم هذه } يعني فتح خيبر قرأ بعضهم { وأتاهم فتحا قريبا } يعني أعطاهم وقراءة العامة { وأثابهم فتحا قريبا } يعني كافأهم

قوله تعالى { وكف أيدي الناس عنكم } يعني أيدي أهل مكة ويقال أسد وغطفان أرادوا أن يعينوا أهل خيبر فدفعهم اللّه عن المؤمنين فصالحوا النبي صلى اللّه عليه وسلم على ألا يكونوا له ولا عليه

ثم قال { ولتكون آية للمؤمنين } يعني عبرة للمؤمنين وهو فتح خيبر لأن المسلمين كانوا ثمانية آلاف وأهل خيبر كانوا سبعين ألفا

ثم قال { ويهديكم صراطا مستقيما } يعني يرشدكم دينا قيما وهو دين الإسلام

٢١

ثم قال { وأخرى لم تقدروا عليها } يعني وعدكم اللّه غنيمة أخرى { لم تقدروا عليها } يعني لم تملكوها بعد وهو فتح مكة

ويقال هو فتح قرى فارس والروم

{ قد أحاط اللّه بها } يعني علم اللّه أنكم ستفتحونها وستغنمونها فجمعها وأحرزها لكم

{ وكان اللّه على كل شيء قديرا } من الفتح وغيره

٢٢

قوله عز وجل { ولو قاتلكم الذين كفروا } يعني كفار مكة يوم الحديبية ويقال أسد وغطفان مع أهل خيبر

{ لولوا الأدبار } منهزمين { ثم لا يجدون وليا ولا نصيرا } يعني قريبا ينفعهم { ولا نصيرا } أي مانعا يمنعهم من الهزيمة

٢٣

قوله عز وجل { سنة اللّه التي قد خلت من قبل } يعني هكذا سنة اللّه بالغلبة والنصرة لأوليائه والقهر لأعدائه

{ ولن تجد لسنة اللّه تبديلا } يعني تغييرا وتحويلا

٢٤

قوله تعالى { وهو الذي كف أيديهم عنكم } يعني أيدي أهل مكة { وأيديكم عنهم } يعني عن أهل مكة من بعد أن أظفركم عليهم

وذلك أن جماعة من أهل مكة خرجوا يوم الحديبية يرمون المسلمين فرماهم المسلمون بالحجارة حتى أدخلوهم بيوت مكة

وروى حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس قال اطلع قوم وهم ثمانون رجلا على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من قبل التنعيم عند صلاة الصبح ليأخذوه فأخذهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وخلى سبيلهم فأنزل اللّه تعالى { وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم } { ببطن مكة } يعني بوسط مكة { من بعد أن أظفركم عليهم } يعني سلطكم عليهم { وكان اللّه بما تعملون بصيرا } بحرب بعضكم بعضا

٢٥

قوله تعالى { هم الذين كفروا } يعني جحدوا بوحدانية اللّه تعالى { وصدوكم عن المسجد الحرام } أن تطوفوا به { والهدي معكوفا } يعني محبوسا

يقال عكفه عن كذا أي حبسه ومنه العاكف في المسجد لأنه حبس نفسه يعني صيروا الهدي محبوسا عن دخول مكة وهي سبعون بدنة ويقال مائة بدنة

{ أن يبلغ محله } يعني منحره ومنحره منى للحاج وعند الصفا للمعتمر

ثم قال { ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات } بمكة { لم تعلموهم } أنهم مؤمنون يعني لم تعرفوا المؤمنين من المشركين { أن تطؤوهم } يعني تحت أقدامكم ويقال فتضربوهم بالسيف { فتصيبكم منهم معرة } يعني فينا لكم من قتالهم إثم ويقال المعرة والتعيير واحد ويقال { فتصيبكم منهم معرة } أي تلزمكم الدية { بغير علم } يعني بغير علم منكم لهم ولا ذنب لكم وذلك أن بعض المؤمنين كانوا مختلطين بالمشركين غير متميزين ولا معروفي الأماكن

فقال { ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطؤوهم } لو دخلتموها أن تقتلوهم { ليدخل اللّه في رحمته من يشاء } لو فعلتم فيصيبكم من قتلهم معرة أي يعيبكم ويعيركم المشركون بذلك ويقولون قتلوا أهل دينهم كما قتلونا فتلزمكم الديات

ثم قال { لو تزيلوا } أي تميزوا من المشركين { لعذبنا الذين كفروا } يقال لو تزيلوا بالسيف

وقال القتبي صار قوله { لعذبنا } جوابا لكلامين أحدهما { لولا رجال } والآخر { لو تزيلوا } يعني لو تفرقوا واعتزلوا يعني المؤمنين من الكافرين { لعذبنا الذين كفروا } { منهم عذابا أليما } يعني شديدا وهو القتل

٢٦

قوله تعالى { إذ جعل الذين كفروا } يعني أهل مكة { في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية } وذلك أنهم قالوا قتل آباءنا وإخواننا ثم أتانا يدخل علينا في منازلنا واللّه لا يدخل علينا فهذه الحمية التي في قلوبهم

{ فأنزل اللّه سكينته } يعني طمأنينته { على رسوله وعلى المؤمنين } فأذهب عنهم الحمية حتى اطمأنوا وسكنوا

{ وألزمهم كلمة التقوى } يعني ألهمهم كلمة لا إله إلا اللّه حتى قالوها { وكانوا أحق بها } يعني كانوا في علم اللّه تعالى أحق بهذه الكلمة من كفار مكة { وأهلها } يعني وكانوا أهل هذه الكلمة عند اللّه تعالى { وكان اللّه بكل شيء عليما } يعني عليما بمن كان أهلا للإيمان وغيره

٢٧

قوله عز وجل { لقد صدق اللّه رسوله الرؤيا بالحق } يعني حقق اللّه تعالى رؤيا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بالوفاء والصدق وذلك أن النبي صلى اللّه عليه وسلم رأى في المنام قبل الخروج إلى الحديبية أنهم يدخلون المسجد الحرام فأخبر الناس بذلك فاستبشروا فلما صدهم المشركون قالت المنافقون في ذلك ما قالوا فنزل { لقد صدق اللّه رسوله الرؤيا بالحق } يعني يصدق رؤياه بالحق { لتدخلن المسجد الحرام } في العام الثاني

ويقال نزلت الآية بعد ما دخلوا في العام الثاني { لقد صدق اللّه رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام } يعني ما أخبر أصحابه أنهم يدخلون المسجد الحرام { إن شاء اللّه آمنين } يعني لتدخلن { إن شاء اللّه آمنين } يعني بإذن اللّه وأمره

ويقال هذا اللفظ حكاية الرؤيا وذلك أن النبي صلى اللّه عليه وسلم حين رأى في المنام رأى ملكا ينادي وهو يقول لتدخلن المسجد الحرام إن شاء اللّه آمنين فأنزل اللّه تعالى { لقد صدق اللّه رسوله الرؤيا بالحق } وهو قول الملك { لتدخلن المسجد الحرام إن شاء اللّه آمنين } من العدو { محلقين رؤوسكم ومقصرين } يعني منهم من يحلق ومنهم من يقصر { لا تخافون } العدو { فعلم ما لم تعلموا } قال مقاتل فعلم أن يفتح عليهم خيبر قبل ذلك فوعد لهم الفتح ثم دخول مكة ففتحوا خيبر ثم رجعوا ثم دخلوا مكة وأتوا عمرة القضاء

وقال الكلبي في قوله { فعلم ما لم تعلموا } يعني علم اللّه أنه سيكون في السنة الثانية ولم تعلموا أنتم فلذلك وقع في أنفسكم ما وقع { فجعل من دون ذلك فتحا قريبا } يعني فتح خيبر

٢٨

ثم قال عز وجل { هو الذي أرسل رسوله بالهدى } يعني بالتوحيد شهادة أن لا إله إلا اللّه { ودين الحق } وهو الإسلام { ليظهره على الدين كله } يعني على الأديان كلها قبل أن تقوم الساعة فلا يبقى أهل دين إلا دخلوا في الإسلام { وكفى باللّه شهيدا } بأن محمدا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وإن لم يشهد كفار مكة وذلك حين أراد أن يكتب محمد رسول اللّه فقال سهيل بن عمرو إنا لا نعرف بأنك رسول اللّه ولا نشهد

فقال اللّه عز وجل { وكفى باللّه شهيدا } وإن لم يشهد سهيل وأهل مكة

٢٩

قال عز وجل { محمد رسول اللّه والذين معه } من المؤمنين { أشداء على الكفار } بالغلظة { رحماء بينهم } يعني متوادين فيما بينهم { تراهم ركعا سجدا } يعني يكثرون الصلاة { يبتغون فضلا من اللّه ورضوانا } يعني يلتمسون من الحلال

وقال بعضهم { والذين معه } يعني أبا بكر { أشداء على الكفار } يعني عمر { رحماء بينهم } يعني عثمان { تراهم ركعا سجدا } يعني عليا رضوان اللّه عليهم أجمعين { يبتغون فضلا من اللّه ورضوانا } يعني الزبير وعبد الرحمن بن عوف

ثم قال { سيماهم في وجوههم } يعني علاماتهم وهي الصفرة في وجوههم { من أثر السجود } يعني السهر بالليل

ويقال يعرفون غرا محجلين يوم القيامة من أثر الوضوء

وقال مجاهد { سيماهم في وجوههم } قال الخشوع والوقار

وقال منصور قلت لمجاهد أهذا الذي يكون بين عيني الرجل قال إن ذلك قد يكون للرجل وهو أقسى قلبا من فرعون

ثم قال { ذلك مثلهم في التوراة } يعني هذا الذي ذكره من نعتهم وصفتهم في التوراة

ثم ذكر نعتهم في الإنجيل فقال { ومثلهم في الإنجيل } يعني مثل محمد صلى اللّه عليه وسلم وأصحابه { كزرع أخرج شطأه }

روى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال مثلهم في التوراة والإنجيل واحد

قال { مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه } قرأ إبن كثير وابن عامر { شطأه } بنصب الشين والطاء والباقون بنصب الشين وجزم الطاء ومعناهما واحد وهو فراخ الزرع

وقال مجاهد { شطأه } يعني قوائمه قرأ ابن عامر { فأزره } بغير مد والباقون بالمد ومعناهما واحد

يعني قواه ومنه قوله عز وجل { اشدد به أزري } [ طه ٣١ ] يعني أقوي به ظهري

ويقال { كزرع أخرج شطأه } يعني سنبله { فآزره } يعني أعانه وقواه

{ فاستغلظ } يعني غلظ الزرع واستوى

{ فاستوى على سوقه } وهو جماعة الساق { يعجب الزراع } يعني الزارع إذا نظر في زرعه بعدما استغلظ واستوى يعجبه ذلك فكذلك النبي صلى اللّه عليه وسلم تبعه أبو بكر ثم تبعه واحد بعد واحد من أصحابه حتى كثروا ففرح النبي صلى اللّه عليه وسلم بذلك لكثرتهم

{ ليغيظ بهم الكفار } يعني أهل مكة يكرهون ذلك لما رأوا من كثرة المسلمين وقوتهم

وروى خيثمة عن عبد اللّه بن مسعود رضي اللّه عنه أنه كان يقرئهم القرآن في المسجد فأتى على هذه الآية { كزرع أخرج شطأه } فقال أنتم الزرع وقد دنا حصادكم

ويقال { كزرع } يعني محمدا صلى اللّه عليه وسلم

{ أخرج شطأه } يعني أبا بكر { فآزره } يعني أعانه عمر على كفار مكة { فاستغلظ } يعني تقوى بنفقة عثمان { فاستوى على سوقه } يعني قام على أمره يعني قام علي بن أبي طالب يعينه وينصره على أعدائه

{ يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار } يعني طلحة والزبير وكان الكفار يكرهون إيمان طلحة والزبير لشدة قوتهما وكثرة أموالهما

{ وعد اللّه الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم } يعني لهم ويقال فيما بينهم وبين ربهم

ويقال من هاهنا لإبانة الجنس يعني { وعد اللّه الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم } من أصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم { مغفرة } لذنوبهم { وأجرا عظيما } يعني ثوابا وافرا في الجنة روي عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه قال من قرأ سورة الفتح فكأنما شهد فتح مكة مع النبي صلى

اللّه عليه وسلم واللّه سبحانه أعلم

﴿ ٠