سورة ق

مكية وهي أربعون وخمس آيات

١

قوله تبارك وتعالى { ق } قال قتادة هو اسم من أسماء اللّه تعالى كقوله قادر وقاهر

ويقال هو اسم من أسماء القرآن

وقال مجاهد هو افتتاح السورة

وقال بعضهم { ق } يعني قضي الأمر كما قال في { حم } حم الأمر والدليل عليه قول الشاعر

( فقلت لها قفي قالت قاف) يعني وقفت فذكر القاف وأراد به تمام الكلام

وقال ابن عباس هو جبل من زمرد أخضر محيط بالعالم فخضرة السماء منها وهي من رواء الحجاب الذي تغيب الشمس من ورائه والحجاب دون { ق } بمسيرة سنة وما بينهما ظلمة وأطراف السماء ملتصقة بها

ويقال خضرة السماء من ذلك الجبل

ويقال { ق } يعني إن اللّه عز وجل قائم بالقسط

ثم قال { والقرآن المجيد } يعني الشريف

وقال الضحاك هو جبل محدق بالدنيا من زبرجدة خضراء وخضرة السماء منها ليس في الأرض بلدة من البلدان ولا مدينة من المدائن ولا قرية من القرى إلا وفيها عرق من عروقها وملك موكل عليها واضع كفه بها فإذا أراد اللّه عز وجل بقوم هلاكهم أوحى اللّه عز وجل إلى ذلك الملك فحرك منها عرقا فخسف بهم فأقسم اللّه عز وجل بقاف { والقرآن المجيد } يعني الشريف إنكم لمبعوثون يوم القيامة لأن أهل مكة أنكروا البعث فصار جواب القسم مضمرا فيه وهو ما ذكرناه إنكم مبعوثون ويجوز أن يكون جواب القسم { قد علمنا ما تنقص الأرض } [ ق ٤ ] فيكون معناه { ق والقرآن المجيد } لقد علمنا ما تنقص الأرض فحذف اللام لأن ما قبلها عوض عنها كما قال { قد أفلح من زكاها } يعني لقد أفلح

وقال القتبي هذا من الاختصار فكأنه قال { ق والقرآن المجيد } لتبعثن

٢

قوله عز وجل { بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم } يعني من أهل مكة { فقال الكافرون هذا شيء عجيب } يعني أمرا عجيبا أن يكون محمد رسولا وهو من نسبهم

٣

قوله تعالى { أئذا متنا وكنا ترابا } بعد الموت نجدد بعدما متنا نصير خلقا جديدا { ذلك رجع بعيد } أي رد طويل لا يكون أبدا

يقال رجع يرجع رجعا إذا رجعه غيره ورجع يرجع رجوعا إذا رجع بنفسه كقوله صد يصد صدودا وصد يصد صدا { ذلك رجع بعيد } أي ذلك صرف بعيد

٤

قوله تعالى { قد علمنا ما تنقص الأرض منهم } يعني ما تأكل الأرض من لحومهم وعروقهم وما بقي منهم

ويقال تأكل الأرض جميع البدن إلا العصعص وهو عجب الذنب وذلك العظم آخر ما يبقى من البدن

فأول ما يعود ذلك العظم ويركب عليه سائر البدن { وعندنا كتاب حفيظ } يعني اللوح المحفوظ

٥

قوله عز وجل { بل كذبوا بالحق } يعني كذبوا بالقرآن وبمحمد صلى اللّه عليه وسلم والبعث

{ لما جاءهم } أي حين جاءهم { فهم } يعني قريشا { في أمر مريج } يعني في قول مختلف ملتبس

والمريج أن يقلق الشيء فلا يستقر ويقال مرج الخاتم في يدي مرجا إذا قلق للّه زال

وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال { فهم في أمر مريج } يقال من ترك الحق

أمرج عليه رأيه والتبس عليه دينه

ثم دلهم على قدرته على بعثهم بعد الموت بعظيم خلقه الذي يدل على وحدانيته

٦

 فقال { أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها } بغير عمد { وزيناها } بالكواكب { وما لها من فروج } يعني شقوق وصدوع وخلل

٧

قوله تعالى { والأرض مددناها } يعني بسطناها مسير خمسمائة عام من تحت الكعبة { وألقينا فيها رواسي } يعني الجبال الثوابت

{ وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج } يعني حسن طيب من الثمار والنبات

٨

قوله تعالى { تبصرة } يعني في هذا الذي ذكره من خلقه { تبصرة } لتبصروا به

ويقال عبرة

{ وذكرى } يعني تفكرا وعظة

{ لكل عبد منيب } يعني مخلص بالتوحيد

ويقال راجع إلى ربه

٩

قوله تعالى { ونزلنا من السماء ماء مباركا } يعني المطر فيه البركة حياة لكل شيء { فأنبتنا به جنات } يعني البساتين { وحب الحصيد } يعني ما يخرج من سنبله

ويقال ما يحصد وما لا يحصد كل ما كان له حب ويقال هي الحبوب التي تحصد

١٠

قوله عز وجل { والنخل باسقات } يعني الطوال { لها طلع } يعني الكفري { نضيد } يعني مجتمع

نضد بعضه على بعض

ويقال ثمر منضود إذا كان متراكبا بعضه على بعض

١١

ويقال إنما يسمى نضيدا ما كان في الغلاف { رزقا للعباد } يعني جعلناه طعاما للخلق

يعني الحبوب والثمر

{ وأحيينا به } يعني بالماء { بلدة ميتا } إذا لم يكن فيها نبات فهذا كله صفات بركة المطر

ثم قال { كذلك الخروج } يعني هكذا الخروج من القبر

كما أحييت الأرض الميتة بالنبات فكذلك لما ماتوا وبقيت الأرض خالية أمطرت السماء أربعين ليلة كمني الرجل يدخل في الأرض فتنبت لحومهم وعروقهم وعظامهم ثم يحييهم

فذلك قوله { كذلك الخروج }

ثم عزى النبي صلى اللّه عليه وسلم ليصبر على إيذاء الكفار

يعني لا تحزن بتكذيب الكفار إياك لأنك لست بأول نبي وكل أمة كذبت رسلها مثل نوح وهود عليهم السلام وغيرهم

١٢

قال عز وجل { كذبت قبلهم قوم نوح وأصحاب الرس } والرس بئر دون اليمامة وكان عليها قوم كذبوا رسلهم فأهلكهم اللّه تعالى

١٣

ثم قال { وثمود وعاد وفرعون وإخوان لوط } يعني قومه

١٤

 { وأصحاب الأيكة } يعني قوم شعيب { وقوم تبع } يعني قوم حمير

ويقال تبع كان اسم ملك

وروى وكيع عن عمران بن جرير عن أبي مجلز قال جاء عبد اللّه بن عباس إلى عبد اللّه بن سلام فسأله عن تبع فقال كان تبع رجلا من العرب ظهر على الناس وسبا فتية من الأحبار فكان يحدثهم ويحدثونه

فقال قومه إن تبعا ترك دينكم وتابع الفتية

فقال تبع للفتية ألا ترون إلى ما قال هؤلاء فقالوا بيننا وبينهم النار التي تحرق الكاذب وينجو منها الصادق

قال نعم

فقال تبع للفتية ادخلوها فتقلدوا مصاحفهم ثم دخلوها فانفرجت لهم حتى قطعوها

ثم قال لقومه ادخلوها فلما دخلوا وجدوا حر النار كفوا

فقال لهم لتدخلنها فدخلوها فلما توسطوا أحاطت بهم النار فأحرقتهم وأسلم تبع وكان رجلا صالحا

ويقال كان اسمه سعد بن ملكي

كرب وكنيته أبو كرب

وقيل قصة إسلام تبع خلاف ذلك وهو مذكور في مصحف الأول في آخره

{ كل كذب الرسل } يعني جميع هؤلاء كذبوا رسلهم { فحق وعيد } يعني وجب عليهم عذابي

معناه فاحذروا يا أهل مكة مثل عذاب الأمم الخالية فلا تكذبوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم

١٥

ثم قال عز وجل { أفعيينا بالخلق الأول } قال مقاتل يعني أعجزنا عن الخلق الأول حين خلقناهم ولم يكونوا شيئا

فكذلك نخلقهم ونبعثهم أي ما عيينا عن ذلك فكيف نعيي عن بعثهم

ويقال معناه أعيينا خلقهم الأول ولم يكونوا شيئا لأن الذي قد كان فإعادته أيسر في رأي العين من الابتداء

يقال عييت بالأمر إذا لم تعرف وجهه

وقال الزجاج هذا تقديم لأنهم اعترفوا أن اللّه عز وجل خلقهم في الابتداء ولم يكونوا شيئا

ثم قال { بل هم في لبس من خلق جديد } يعني في شك { من خلق جديد } يعني من البعث بعد الموت

ويقال بل أقاموا على شكهم

١٦

قوله عز وجل { ولقد خلقنا الإنسان } يعني جنس الإنسان وأراد به جميع الخلق { ونعلم ما توسوس به نفسه } يعني ما يحدث به قلبه ويتفكر في قلبه { ونحن أقرب إليه من حبل الوريد } يعني في القدرة عليه وحبل الوريد عرق يخالط القلب

ويقال هو العرق الذي داخل العنق الذي هو عرق الروح فأعلمه اللّه تعالى أنه أقرب إليه من ذلك العرق

ويقال الوريدان عرقان بين الحلقوم والعلباوين

والحبل هو الوريد وأضيف إلى نفسه لاختلاف لفظي اسميه

١٧

قوله عز وجل { إذ يتلقى المتلقيان } يعني يكتب الملكان عمله ومنطقه يعني يتلقيان منه ويكتبان

وقال أهل اللغة تلقى وتلقف بمعنى واحد

{ عن اليمين وعن الشمال قعيد } يعني عن يمين ابن آدم وعن شماله قاعدان أحدهما عن يمينه والآخر عن شماله وصاحب اليمين موكل على صاحب الشمال اثنان بالليل واثنان بالنهار وكان في الأصل قعيدان ولكن اكتفى بذكر أحدهما فقال قعيد

١٨

ثم قال عز وجل { ما يلفظ من قول } يعني ما يتكلم ابن آدم بقول { إلا لديه رقيب عتيد } يعني عنده حافظ حاضر

وقال الزجاج { عتيد } أي ثابت لازم

١٩

قوله تعالى { وجاءت سكرة الموت بالحق } يعني جاءت غمرته بالحق أنه كائن

ويقال جاءت نزعات الموت { بالحق } يعني بالسعادة والشقاوة يعني يتبين له عند الموت

ويقال فيه تقديم ومعناه جاءت سكرة الحق بالموت

روي عن أبي بكر الصديق رضي اللّه عنه أنه كان يقرأ { وجاءت سكرة الحق بالموت } { ذلك ما كنت منه تحيد } يعني يقال له هذا الذي كنت تخاف منه وتكره

ويقال ذلك اليوم الذي كنت تفر منه

٢٠

{ ونفخ في الصور } يعني النفخة الأخيرة وهي نفخة البعث { ذلك يوم الوعيد } يعني العذاب في الآخرة

٢١

{ وجاءت } أي جاءت يوم القيامة { كل نفس معها سائق وشهيد } { سائق } يسوقها إلى المحشر ويسوقها إلى الجنة أو إلى النار

{ وشهيد } يعني الملك يشهد عليها

وقال القتبي السائق ههنا قرينها من الشياطين يسوقها سمي سائقا لأنه يتبعها والشهيد الملك

ويقال الشاهد أعضاؤه

ويقال الليل والنهار والبقعة تشهد عليه

٢٢

ويقال له { لقد كنت في غفلة من هذا } يعني من هذا اليوم فلم تؤمن به وقد ظهر عندك بالمعاينة { فكشفنا عنك غطاءك } يعني غطاء الآخرة

ويقال أريناك ما كان مستورا عنك في الدنيا

ويقال أريناك الغطاء الذي على أبصارهم كما قال { وعلى أبصارهم غشاوة } [ البقرة ٧ ] حيث لم يعقلوا { فبصرك اليوم حديد } أي نافذ ويقال شاخص بصره يديم النظر لا يطرف حين يعاين في الآخرة ما كان مكذبا به

ويقال { حديد } أي حاد كما يقال { حفيظ } يعني حافظ وقعيد بمعنى قاعد

وقال الزجاج هذا مثل ومعناه إنك كنت بمنزلة من عليه غطاء { فبصرك اليوم حديد } يعني علمك بما أنت فيه نافذ

٢٣

قوله عز وجل { وقال قرينه } يعني الملك الذي كان يكتب عليه عمله { هذا ما لدي عتيد } يعني هذا الذي وكلتني به قد أتيتك به وهو حاضر

٢٤

يقول اللّه عز وجل { ألقيا في جهنم } يعني يقول للملكين ألقيا في جهنم { كل كفار عنيد } وقال بعضهم هذا أمر للملك الواحد بلفظ الاثنين وقال الفراء يرى أصل هذا أن الرفقة أدنى ما تكون ثلاثة نفر فجرى كلام الواحد على صاحبيه ألا ترى أن الشعراء أكثر شيء قيلا يا صاحبي ويا خليلي قال الشاعر فقلت لصاحبي لا تحبساني وأدنى ما يكون الأمر

والنهي في الإعراب اثنان فجرى كلامهم على ذلك ومثل هذا قول امرئ القيس

( قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل  )

ويقال { ألقيا في جهنم } على معنى تكرير الأمر يعني ألق ألق وهو على معنى التأكيد وكذلك في قوله قفا معناه قف قف

وقال الزجاج عندي أن قوله { ألقيا } أمر للملكين وقال بعضهم العرب تأمر الأمر للواحد بلفظ الاثنين وكان الحجاج يقول يا حرسي اضربا عنقه { كل كفار عبيد } يعني كل جاحد بتوحيد اللّه تعالى معرض عن الإيمان وقال مقاتل يعني الوليد بن المغيرة

وقيل هذا في جميع الكفار الذين ذكر صفتهم في هذه الآية وهي

٢٥

 قوله { مناع للخير } يعني بخيلا لا يخرج حق اللّه من ماله ويقال { مناع للخير } يعني يمتنع عن الإسلام { معتد مريب } المعتدي هو الظلوم الغشوم والمريب الشاك في توحيد اللّه تعالى

٢٦

قوله تعالى { الذي جعل مع اللّه إلها آخر } يعني أشرك باللّه عز وجل { فألقياه في العذاب الشديد } يعني في النار

٢٧

 { قال قرينه } يعني شيطانه { ربنا ما أطغيته } يعني لم يكن لي قوة أن أضله { ولكن كن في ضلال بعيد } يعني في خطأ طويل عن الحق

٢٨

يقول اللّه تعالى لابن آدم وشيطانه { قال لا تختصموا لدي } أي لا تختصموا عندي { وقد قدمت إليكم بالوعيد } يعني أخذت عليكم الحجة وأخبرتكم بالكتاب والرسول

٢٩

 { ما يبدل القول لدي } يعني لا يغير قضائي وحكمي الذي حكمت ويقال لا يكذب وعيدي { وما أنا بظلام للعبيد } يعني لا أعذب أحدا بغير ذنب ويقال { ما يبدل القول لدي } يعني لا يغير عن جهته ولا يحذف منه ولا يزاد فيه لأني أعلم كيف ضلوا وكيف أضللتموهم

وروى سالم عن أبيه عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال ( ما منكم من أحد إلا وكل به قرينه من الجن وقرينه من الملائكة ) قالوا وإياك يا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال ( وإياي ولكن اللّه عز وجل أعانني عليه فأسلم فلا يأمرني إلا بخير ) وعن الربيع عن أنس قال سألت أبا العالية عن قوله عز وجل { ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون } [ الزمر ٣١ ] وههنا يقول { لا تختصموا لدي } فقال إحداهما في أهل النار والأخرى في المؤمنين في المظالم فيما بينهم وقال مجاهد { ما يبدل القول لدي } [ ق ٢٩ ] يعني لقد قضيت ما أنا قاض

٣٠

قوله عز وجل { يوم نقول لجهنم } قرأ نافع وعاصم في رواية أبي بكر { يقول } بالياء

يعني يقول اللّه تعالى وقرأ الباقون بالنون ومعناه كذلك يوم صار نصبا على معنى ما يبدل القول لدي في ذلك اليوم ويقال على معنى أنذرهم يوم كقوله { وأنذرهم يوم الحسرة } [ مريم ٣٩ ]

ثم قال { هل امتلأت } يعني هل أوفيتك ما وعدتك وهو قوله { لأملأن جهنم } { فتقول } النار { هل من مزيد } يعني هل من زيادة وقال عطية هل من موضع ويقال معناه هل امتلأت أي قد امتلأت فليس من مزيد ويقال وإنما طلبت الزيادة تغيظا لمن فيها

وروى وكيع بإسناده عن أبي هريرة قال لا تزال جهنم تسأل الزيادة حتى يضع اللّه فيها قدمه فتقول جنهم يا رب قط قط يعني حسبي حسبي وقال في رواية الكلبي نحو هذا ويقال تضيق بأهلها حتى لا يكون فيها مدخل لرجل واحد

قال أبو الليث قد تكلم الناس في مثل هذا الخبر قال بعضهم نؤمن به ولا نفسره وقال بعضهم نفسره على ما جاء بظاهر لفظه وتأوله بعضهم وقال معنى الخبر بكسر القاف يضع قدمه وهم أقوام سالفة فتمتلئ بذلك

٣١

قوله عز وجل { وأزلفت الجنة } يعني قربت وأدنيت الجنة { للمتقين } الذين يتقون الشرك والكبائر ويقال زينت الجنة

ثم قال عز وجل { غير بعيد } يعني ينظرون إليها قبل دخولها ويقال { غير بعيد } يعني دخولهم غير بعيد فيقال لهم

٣٢

 { هذا ما توعدون } في الدنيا { لكل أواب حفيظ } يعني مقبل إلى طاعة اللّه { حفيظ } لأمر اللّه تعالى في الخلوات وغيرها ويقال الأواب الحفيظ الذي إذا ذكر خطاياه استغفر منها وروى مجاهد عن عبيد بن عمير مثل هذا

٣٣

قوله تعالى { من خشي الرحمن بالغيب } يعني يخاف اللّه عز وجل فيعمل بما أمره اللّه وانتهى عما نهاه وهو في غيب منه { وجاء بقلب منيب } يعني مقبلا على طاعة اللّه مخلصا ويقال لهم { ادخلوها بسلام } ذكر في أول الآية بلفظ الوحدان وهو قوله { وجاء بقلب منيب } ثم ذكر بلفظ الجماعة وهو قوله { ادخلوها بسلام } لأن لفظه من اسم جنس مرة تكون عبارة عن الجماعة ومرة عن الوحدان

٣٤

 { ادخلوها بسلام } يعني بسلامة من العذاب والموت والأمراض والآفات { ذلك يوم الخلود } أي لا خروج منه

٣٥

قوله عز وجل { لهم ما يشاؤون فيها } يعني يتمنون فيها { ولدينا مزيد } يعني زيادة على ما يتمنون من التحف والكرامات ويقال هو الرؤية كقوله { للذين أحسنوا الحسنى وزيادة } [ يونس ٢٦ ]

٣٦

ثم قال عز وجل { وكم أهلكنا قبلهم من قرن } يعني قبل أهل مكة قوة { هم أشد منهم بطشا } يعني أشد من أهل مكة { فنقبوا في البلاد } يعني طافوا وتقلبوا في أسفارهم وتجاراتهم ويقال تغربوا في البلاد { هل من محيص } يعني هل من فرار وهل من ملجأ من عذاب اللّه

٣٧

قوله عز وجل { إن في ذلك لذكرى } يعني فيما صنع بقومك { لمن كان له قلب } يعني عقلا لأنه يعقل بالقلب فكني عنه { أو ألقى السمع } يعني استمع إلى القرآن { وهو شهيد } يعني قلبه حاضر غير غائب عنه وقال القتبي { وهو شهيد } يعني استمع كلام اللّه وهو شاهد الفهم والقلب ليس بغافل ولا ساه

وروى معمر عن قتادة قال { لمن كان له قلب } من هذه الأمة { أو ألقى السمع } قال رجل من أهل الكتاب استمع إلى القرآن وهو شهيد على ما في يديه من كتاب اللّه تعالى وروي عن عمر أنه قرأ { فنقبوا } بالتخفيف يعني فتبينوا ونظروا وذكروا ومنه قيل للعريف نقيب القوم لأنه يتعرف أمرهم ويبحث عنهم

وقرأ الباقون بالتشديد يعني طوفوا

وقوله تعالى { هل من محيص } [ ق ٣٦ ] يعني هل من ملجأ من الموت وقرأ يحيى بن يعمر { فنقبوا } بضم النون وكسر القاف يعني ففتشوا

٣٨

قوله عز وجل { ولقد خلقنا السموات والأرض } وذلك أن اليهود قالوا لما خلق اللّه السموات والأرض وفرغ منهما استراح في يوم السبت فنزل قوله { ولقد خلقنا السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب } يعني ما أصبانا من إعياء وإنما يستريح من يعيى

٣٩

قوله عز وجل { فاصبر على ما يقولون } من المنكر وهو قولهم استراح ويقال فاصبر على ما يقولون من التكذيب وقال في رواية الكلبي نزلت في المستهزئين من قريش وفي أذاهم للنبي صلى اللّه عليه وسلم

٤٠

{ وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب } يعني صل لربك صلاة الفجر وصلاة الظهر وصلاة العصر { ومن الليل } يعني المغرب والعشاء { فسبحه } يعني صل له وهو المغرب والعشاء { وأدبار السجود } يعني ركعتي المغرب

قرأ إبن كثير ونافع وحمزة { وإدبار } بكسر الألف والباقون بالنصب { وأدبار }

فمن قرأ بالنصب فهو جمع

الدبر فهو جمع الدبر ومن قرأ بالكسر فعلى مصدر أدبر يدبر إدبارا قال أبو عبيدة هكذا نقرأ بالنصب لأنه جمع الدبر وإنما الإدبار هو المصدر كقولك أدبر يدبر إدبارا ولا إدبار للسجود وإنما ذلك للنجوم

٤١

قوله عز وجل { واستمع يوم يناد المناد } قرأ أبو عمرو ونافع وإبن كثير { المنادي } بالياء في الوصل وهو الأصل في اللغة والباقون بغير ياء لأن الكسر يدل على فاكتفى به ومعنى الآية اعمل واجتهد واستعد ليوم القيامة يعني استمع صوت إسرافيل { من مكان قريب } يعني من صخرة بيت المقدس

٤٢

 { يوم يسمعون الصيحة بالحق } يعني نفخة إسرافيل بالحق أنها كائنة وقال مقاتل في قوله { من مكان قريب } قال صخرة بيت المقدس وهي أقرب الأرض من السماء بثمانية عشر ميلا وقال الكلبي باثني عشر ميلا { ذلك يوم الخروج } من قبورهم إلى المحاسبة ثم إلى إحدى الدارين إما إلى الجنة وأما إلى النار

وقال أبو عبيدة { يوم الخروج } اسم من أسماء يوم القيامة واستشهد بقول العجاج

( أليس يوم سميت خروجا  أعظم يوما سميت عروجا )

٤٣

قوله تعالى { إنا نحن نحيي ونميت } يعني نحيي في الدنيا للموت ونميت في الدنيا للإحياء ويقال { إنا نحن نحيي الموتى } ونميت الأحياء { وإلينا المصير } يعني المرجع في الآخرة يعني مصير الخلائق كلهم

٤٥

قوله عز وجل { يوم تشقق الأرض عنهم سراعا } يعني تصدع الأرض عنهم قرأ إبن كثير ونافع وابن عامر { تشقق } بتشديد الشين والباقون بالتخفيف لأنه لما حذف إحدى التاءين ترك الشين على حاله ثم قال { سراعا } يعني خروجهم من القبور سراعا { ذلك حشر علينا يسير } يعني جمع الخلائق علينا هين { نحن أعلم بما يقولون } في البعث من التكذيب { وما أنت عليهم بجبار } يعني بمسلط يعني لم تبعث لتجبرهم على الإسلام وإنما بعثت بشيرا ونذيرا وهذا قبل أن يؤمر بالقتال

ثم قال { فذكر بالقرآن } يعني فعظ بالقرآن بما وعد اللّه فيه { من يخاف وعيد } يعني من يخاف عقوبتي وعذابي

﴿ ٠