سورة الذاريات

كلها مكية وهي ستون آية

١

قوله تبارك وتعالى { والذاريات ذروا } أقسم اللّه عز وجل بالرياح إذا أذرت ذروا وروى يعلى بن عطاء عن ابن عمر قال الرياح ثمانية أربعة منها رحمة وأربعة منها عذاب فالرحمة منها الناشرات والمبشرات والذاريات والمرسلات وأما العذاب العاصف والقاصف والصرصر والعقيم وعن ابي الطفيل قال شهدت عليا رضي اللّه عنه وهو يخطب ويقول سلوني عن كتاب اللّه عز وجل فواللّه ما من آية إلا وأنا أعلم بالليل أنزلت أم بالنهار فسأله ابن الكواء فقال له ما { الذاريات ذروا } قال الرياح

٢

قال و { فالحاملات وقرا } قال السحاب قال فما { فالجاريات يسرا } قال السفن قال فما { فالمقسمات أمرا } قال الملائكة

وعن ابن عباس رضي اللّه عنه قال { والذاريات } الرياح { ذروا } قال ما ذرت الريح { فالحاملات وقرأ } يعني السحاب الثقال الموقرة من المطر

٣

{ فالجاريات يسرا } يعني السفن جرت بالتسيير على الماء

٤

 { فالمقسمات أمرا } يعني أربعة من الملائكة جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت لكل واحد منهم أمر مقسوم وهم المدبرات أمرا أقسم اللّه تعالى بهذه الآيات { إنما توعدون } يعني الذي توعدون من قيام الساعة { لصادق } يعني لكائن ويقال في الآية مضمر فأقسم برب الذاريات يعني ورب الرياح الذاريات ورب السحاب الحاملات ورب السفن الجاريات ورب الملائكة المقسمات

٥

 { إنما توعدون لصادق }

٦

{ وإن الدين لواقع } يعني المجازاة على أعمالهم لواقع ثم بين في آخر الآية ما لكل فريق من الجزاء فبين جزاء أهل النار أنهم يفتنون وبين جزاء المتقين أنهم في جنات وعيون

٧

قوله عز وجل { والسماء ذات الحبك } أقسم بالسماء ذات الحسن والجمال وقال علي بن أبي طالب يعني ذات الخلق الحسن

وقال مجاهد الحبك المتقن البنيان يعني البناء المحكم

ويقال { الحبك } يعني ذات الطرائق ويقال للماء القائم إذا ضربته الريح فصارت فيه الطرائق له حبك وكذلك الرمل إذا هبت عليه الريح فرأيت فيه كالطرائق فبذلك حبك

٨

قوله تعالى { إنكم لفي قول مختلف } يعني متناقض مرة قالوا ساحر ومرة قالوا مجنون والساحر عندهم من كان عالما غاية في العلم والمجنون من كان جاحدا غاية في الجهل فتحيروا فقالوا مرة مجنون ومرة ساحر ويقال { إنكم لفي قول مختلف } يعني مصدقا ومكذبا يعني يؤمن به بعضهم ويكفر به بعضهم

٩

ثم قال عز وجل { يؤفك عنه من أفك } يعني يصرف عنه من صرف وذلك أن أهل مكة أقاموا رجالا على عقاب مكة يصرفون الناس فمنهم من يأخذ بقولهم ويرجع ومنهم من لا يرجع فقال يصرف عنه من قد صرفه اللّه عن الإيمان وخذله ويقال يصرف عنه من قد صرفه يوم الميثاق ويقال يصرف عنه من كان مخذولا لم يكن من أهل الإيمان

١٠

ثم قال عز وجل { قتل الخراصون } يعني لعن الكاذبون

١١

 { الذين هم في غمرة } يعني في جهالة وعماء وغفلة عن أمر الآخرة { ساهون } يعني لاهين عن الإيمان وعن أمر اللّه تعالى

١٢

قوله تعالى { يسألون أيان يوم الدين } يعني أي أوان يكون يوم الحساب استهزاء منهم به فأخبر اللّه تعالى عن ذلك اليوم

١٣

 فقال { يوم هم على النار يفتنون } يعني بالنار يحرقون ويعذبون

١٤

ويقول لهم الخزنة { ذوقوا فتنتكم هذا الذي كنتم به تستعجلون } يعني هذا العذاب الذي كنتم به تستهزئون يعني تستعجلون على وجه الاستهزاء

١٥

ثم بين ثواب المتقين فقال عز وجل { إن المتقين في جنات وعيون } يعني في بساتين وأنهار

١٦

قوله تعالى { آخذين ما آتاهم ربهم } يعني قابضين ما أعطاهم ربهم من الثواب { إنهم كانوا قبل ذلك } في الدنيا { محسنين } بأعمالهم

{ آخذين } نصب على الحال ومعناه { في جنات وعيون } في حال أخذ ما آتاهم ربهم

١٧

ثم قال { كانوا قليلا من الليل ما يهجعون } يعني قليلا من الليل ما ينامون

وقال بعضهم { كانوا قليلا } تم الكلام يعني مثل هؤلاء المتقين { كانوا قليلا }

ثم أخبر عن أعمالهم فقال { من الليل ما يهجعون } يعني لا ينامون بالليل كقوله { والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما } [ الفرقان ٦٤ ]

وقال الضحاك كانوا من النائمين قليلا

وقال الحسن لا ينامون إلا قليلا

وقال الربيع بن أنس لا ينامون بالليل إلا قليلا

١٨

 { وبالأسحار هم يستغفرون } يعني يصلون عند السحر

ويقال يصلون بالليل ويستغفرون عند السحر عن ذنوبهم

١٩

 { وفي أموالهم حق } يعني نصيب للفقراء { للسائل والمحروم } السائل المسكين الذي يسأل الناس

{ والمحروم } المتعفف الذي لا يسأل الناس

ويقال { المحروم } المحترف الذي لا يبلغ عيشه

وقال الشعبي أعياني أن أعلم من المحروم

روى سفيان عن ابن إسحاق عن قيس قال سألت ابن عباس من السائل والمحروم فقال السائل الذي يسأل والمحروم المحارب الذي ليس له سهم في الغنيمة وهكذا قال إبراهيم النخعي ومجاهد والربيع بن أنس

وروى عكرمة عن ابن عباس قال المحروم الفقير الذي إذا خرج إلى الناس استعف ولم يعرف مكانه ولا يسأل الناس فيعطونه

وقال الزجاج المحروم الذي لا ينمو له مال ويقال هي بالفارسية بي دولت يعني لا إقبال له

٢٠

ثم قال { وفي الأرض آيات للموقنين } يعني فيمن أهلك قبلهم لهم عبرة

ويقال فيها علامة وحدانية اللّه تعالى كأنه قال جعلت جميع الأشياء مرآتك لتنظر إليها وترى ما فيها ومراد النظر في المرآة رؤية من لم ير ليرى فكأنه قال فانظر في آيات صنعي لتعلم أني صانع كل الأشياء فإذا نظرت إلى النقش والنقش يدل إلى نقاشه وإذا نظرت إلى النفس وعجائب تركيبها يدل على خالقها وإذا نظرت في الأرض فمختلف الأشياء عليها يدل إلى ربها وهي البحار والجبال والأنهار والثمار

٢١

 وفي أنفسكم " يعني وعلامة وحدانيته في أنفسكم " أفلا تبصرون " يعني تتفكرون في خلق أنفسكم كيف خلقكم وهو قادر على أن يبعثكم

٢٢

قوله عز وجل { وفي السماء رزقكم } يعني من السماء يأتي سبب رزقكم وهو المطر

ويقال وعلى خالق السماء رزقكم { وما توعدون } يعني ما توعدون من الثواب والعقاب والخير والشر

قال مجاهد { وما توعدون } يعني الجنة والنار

وهكذا قال الضحاك

٢٣

ثم قال عز وجل { فورب السماء والأرض } أقسم الرب بنفسه { إنه لحق } يعني ما قسمت من الرزق لكائن { مثل ما أنكم تنطقون } يعني كما تقولون لا إله إلا اللّه بمعنى كما أن قولكم لا إله إلا اللّه حق كذلك قولي سأرزقكم حق

ويقال معناه كما أن الشهادة واجبة عليكم فكذلك رزقكم واجب علي

ويقال معناه هو الذي ذكر في أمر الآيات والرزق حق يعني صدق مثل ما أنكم تنطقون

وروي عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال ( أبى ابن آدم أن يصدق ربه حتى أقسم له { فورب السماء والأرض إنه لحق } )

قرأ حمزة والكسائي وعاصم في رواية أبي بكر { مثل ما أنكم تنطقون } بضم اللام والباقون بالنصب

فمن قرأ بالضم فهو نعت للحق وصفة له

ومن قرأ بالنصب فهو على التوكيد على معنى أنه لحق حقا مثل نطقكم

٢٤

قوله عز وجل { هل آتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين } يعني جاء جبريل مع أحد عشر ملكا عليهم السلام { المكرمين } أكرمهم اللّه تعالى وقال أكرمهم إبراهيم عليه السلام وأحسن عليهم القيام

٢٥

{ إذ دخلوا عليه فقالوا سلاما } فسلموا عليه فرد عليهم السلام { قال سلام } قرأحمزة والكسائي { قال سلم } أي أمري سلم

والباقون { سلام } أي أمري { سلام } أي صلح

ثم قال { قوم منكرون } يعني أنكرهم ولم يعرفهم وقال كانوا لا يسلمون في ذلك الوقت فلما سمع منهم السلام أنكرهم

٢٦

فراغ إلى أهله " يعني عمد إلى أهله ويقال عدل ومال إلى أهله

ويقال عدل من حيث لا يعلمون لأي شيء عدل ويقال راغ فلان عنا إذا عدل عنهم من حيث لا يعلمون

{ فجاء بعجل سمين } قال بعضهم كان لبن البقرة كله سمنا فلهذا كان العجل سمينا

٢٧

 { فقربه إليهم } فلم يأكلوا { فقال ألا تأكلون } فقالوا نحن لا نأكل بغير ثمن

فقال إبراهيم كلوا واعطوا الثمن

قالوا وما ثمنه فقال إذا أكلتم فقولوا بسم اللّه وإذا فرغتم فقولوا الحمد للّه فتعجبت الملائكة عليهم السلام لقوله فلما رآهم لا يأكلون

٢٨

 { فأوجس منهم خيفة } يعني أظهر في نفسه خيفة

ويقال ملأ نفسهم خيفة فلما رأوه يخاف { قالوا لا تخف } منا يعني لا تخش منا { وبشروه بغلام عليم } يعني إسحاق

٢٩

 { فأقبلت امرأته في صرة } يعني أخذت امرأته في صيحة { فصكت وجهها } يعني ضربت بيديها خديها تعجبا { وقالت عجوز عقيم } يعني عجوزا عاقرا لم تلد قط كيف يكون لها ولد

٣٠

 فقال لها جبريل قال { كذلك قال ربك إنه } يكون لك ولد { هو الحكيم } في أمره حكم بالولد بعد الكبر { العليم } بخلقه

ويقال عليم بوقت الولادة

فلما رآهم أنهم الملائكة

٣١

 { قال } لهم { فما خطبكم أيها المرسلون } يعني ما أمركم وما شأنكم ولماذا جئتم أيها المرسلون

٣٢

{ قالوا إنا أرسلنا } يعني قال جبريل عليه السلام أرسلنا اللّه تعالى { إلى قوم مجرمين } يعني قوما كفارا مشركين

٣٣

 { لنرسل عليهم } يعني لكي نرسل عليهم { حجارة من طين } مطبوخ كما يطبخ الآجر

٣٤

{ مسومة عند ربك للمسرفين } يعني معلمة ويقال مخططة بسواد وحمرة

ويقال مكتوب على كل واحد اسم صاحب الذي يصيبه

ثم قال { عند ربك } يعني جاءت الحجارة من عند ربك للمشركين فاغتم إبراهيم لأجل لوط

٣٥

قال اللّه تعالى { فأخرجنا من كان فيها } أي في قريات لوط { من المؤمنين } يعني من المصدقين

٣٦

{ فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين } يعني غير بيت لوط

٣٧

قوله عز وجل { وتركنا فيها آية } يعني أبقينا في قريات لوط آية

يعني عبرة في هلاكهم من بعدهم

{ للذين يخافون العذاب الأليم } يعني العذاب الشديد

٣٨

ثم قال { وفي موسى } عطف على قوله { وفي أنفسكم أفلا تبصرون } [ الذاريات ٢١ ] { وفي موسى } { إذ أرسلناه إلى فرعون بسلطان مبين } يعني حجة بينة وهي اليد والعصا { فتولى بركنه } يعني أعرض عنه فرعون بجموعه يعني مع جموعه وجنوده

٣٩

ويقال { فتولى بركنه } يعني أعرض بجانبه { وقال ساحر أو مجنون } يعني قال لموسى هو ساحر أو مجنون

٤٠

 { فأخذناه وجنوده } يعني عاقبناه وجموعه { فنبذناهم في اليم } قال الكلبي يعني أغرقناهم في البحر وقال مقاتل يعني في النيل { وهو مليم } يعني يلوم نفسه ويلومه الناس

وقال { مليم } أي مذنب

وقال أهل اللغة ألام الرجل إذا أتى بذنب يلام عليه

٤١

ثم قال { وفي عاد إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم } يعني سلطنا عليهم الريح الشديد وإنما سميت عقيما لأنها لا تأتي على شيء إلا جعلته كالرميم لا خير فيه

ويقال سميت عقيما لأنها لا تلقح الأشجار ولا تثير السحاب وهي الدبور

وروى شهر بن حوشب عن ابن عباس قال ما أنزل اللّه قطرة من ماء إلا بمثقال ولا أنزل سفرة من ريح إلا بمكيال إلا قوم نوح

وقوم عاد طغى على خزانة الماء فلم يكن لهم عليه سبيل وعتت الريح يوم عاد على خزانها فلم يكن لهم عليها سبيل وروى عكرمة عن ابن عباس قال { العقيم } الذي لا منفعة لها

٤٢

ثم قال { ما تذر من شيء } يعني ما تترك من شيء هو لهم ولا منهم { أتت عليه إلا جعلته كالرميم } يعني مرت عليه إلا جعلته كالرماد

ويقال الرميم الورق الجاف المتحطم مثل الهشيم المحتضر بعد ما كانوا كنخل منقعر

وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال ما أرسل على عاد من الريح إلا مثل خاتمي هذا

يعني إن الريح العقيم تحت الأرض فأخرج منها مثل ما يخرج من ثقب الخاتم فأهلكهم

٤٣

ثم قال تعالى { وفي ثمود } يعني قوم صالح { إذ قيل لهم تمتعوا حتى حين } يعني قال لهم نبيهم صالح عليه السلام عيشوا إلى منتهى آجالكم ولا تعصوا أمر اللّه

٤٤

 { فعتوا عن أمر ربهم } يعني تركوا طاعة ربهم { فأخذتهم الصاعقة } يعني العذاب

قرأ الكسائي { فأخذتهم الصعقة } بغير ألف وجزم العين

والباقون بألف وهي الصيحة التي أهلكتهم بالصعقة من قولك صعقتهم الصاعقة

يعني أهلكتهم

وروي عن ابن عمر رضي اللّه عنهما أنه قرأ { صعقة } مثل الكسائي

{ وهم ينظرون } يعني ظهرت النار من تحت أرجلهم وهم يرونها بأعينهم

ويقال سمعوا الصيحة وهم ينظرون متحيرون

٤٥

{ وما كانوا منتصرين } يعني ممتنعين من العذاب

٤٦

ثم قال { وقوم نوح } وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي { وقوم نوح } بكسر الميم يعني في قوم نوح كما قال { وفي ثمود } والباقون بالنصب يعني وأهلكنا قوم نوح ويقال معناه فأخذناه وأخذنا قوم نوح { من قبل } هؤلاء الذين سميناهم { إنهم كانوا قوما فاسقين } يعني عاصين

٤٧

قوله عز وجل { والسماء بنيناها بأيد } يعني خلقناها أو حملناها بقوة وقدرة { وإنا لموسعون } يعني نحن قادرون على أن نوسعها كما نريد ويقال { والسماء } صار نصبا لنزع الخافض ومعناه و { وفي السماء } [ الزخرف ٨٤ ] آية

٤٨

ثم قال { والأرض فرشناها } يعني وفي الأرض آية بسطناها مسيرة خمسمائة عام من

تحت الكعبة { فنعم الماهدون } يعني نعم الماهدون نحن ويقال في قوله { وإنا لموسعون } يعني نحن جعلنا بينهما وبين الأرض سعة

٤٩

ثم قال عز وجل { ومن كل شيء خلقنا زوجين } يعني صنفين الذكر والأنثى والأحمر والأبيض والليل والنهار والدنيا والآخرة والشمس والقمر والشتاء والصيف

{ لعلكم تذكرون } يعني تتعظون فيما خلق اللّه فتوحدوه

٥٠

قوله عز وجل { ففروا إلى اللّه } يعني توبوا إلى اللّه من ذنوبكم ويقال معناه { ففروا } من اللّه { إلى اللّه } أو { ففروا } من عذاب اللّه إلى رحمة اللّه أو { ففروا } من معصية اللّه إلى طاعة اللّه

ومن الذنوب إلى التوبة

{ إني لكم منه نذير مبين } يعني مخوفا من عذاب اللّه تعالى بالنار

٥١

 { ولا تجعلوا مع اللّه إلها آخر } يعني لا تقولوا له شريكا وولدا { إني لكم نذير مبين } يعني فإن فعلتم فإني لكم مخوف من عذابه فلم يقبلوا قوله وقالوا هذا { ساحر أو مجنون }

٥٢

يقول اللّه تعالى تعزية لنبيه صلى اللّه عليه وسلم { كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول } يعني هكذا ما أتى في الأمم الخالية من رسول { إلا قالوا ساحر أو مجنون } كقول كفار مكة للنبي صلى اللّه عليه وسلم

٥٣

 { أتواصوا به } يعني توافقوا وتواطؤوا فيما بينهم

وأوصى الأول الآخر أن يقولوا ذلك

ويقال توافقوا وتواطؤوا به كل قوم وجعلوا كلمتهم واحدة أن يقولوا { ساحر أو مجنون }

قال اللّه عز وجل { بل هم قوم طاغون } يعني عاتين في معصية اللّه تعالى

٥٤

ثم قال { فتول عنهم } يعني فأعرض عنهم يا محمد بعد ما بلغت الرسالة وأعذرت { فما أنت بملوم } يعني لا تلام على ذلك لأنك قد فعلت ما عليك

٥٥

 { وذكر } يعني عظ أصحابك بالقرآن { فإن الذكرى تنفع المؤمنين } يعني المصدقين تنفعهم العظة

ويقال فعظ أهل مكة { فإن الذكرى تنفع المؤمنين } يعني من قدر لهم الإيمان

٥٦

ثم قال عز وجل { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون } يعني ما خلقتهم إلا أمرتهم بالعبادة فلو أنهم خلقوا للعبادة لما عصوا طرفة عين

وقال مجاهد يعني ما خلقتهم إلا لآمرهم وأنهاهم

ويقال { إلا ليعبدون } يعني إلا ليوحدون وهم المؤمنون وهم خلقوا

للتوحيد والعبادة وخلق بعضهم لجنهم كما قال { ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس } [ الأعراف ١٧٩ ] فقد خلق كل صنف للأمر والنهي الذي يصلح له

٥٧

ثم قال { ما أريد منهم من رزق } يعني ما خلقتهم لأن يرزقوا أنفسهم { وما أريد أن يطعمون } يعني لا أكلفهم أن يطعموا أحدا من خلقي

وأصل هذا أن الخلق عباد اللّه وعياله فمن أطعم عيال رجل ورزقهم فقد رزقه إذا كان رزقهم عليه

٥٨

ثم قال { إن اللّه هو الرزاق } يعني { الرزاق } لجميع خلقه { ذو القوة المتين } يعني { ذو القوة } على أعدائه الشديد العقوبة لهم و { المتين } في اللغة الشديد القوي

قرأ الأعمش { ذو القوة المتين } بكسر النون جعله من نعت القوة وقراءة العامة بالضم ومعناه { إن اللّه هو الرزاق } وهو { ذو القوة المتين }

٥٩

قوله عز وجل { فإن للذين ظلموا } يعني أشركوا وهم مشركو مكة { ذنوبا } يعني نصيبا من العذاب { مثل ذنوب أصحابهم } يعني مثل نصيب أصحابهم من عذاب الذين مضوا وأصل الذنوب في اللغة هو الدلو الكبير فكني عنه لأنه تتابع

يعني مثل عذاب الذين أهلكوا نحو قوم عاد وثمود وغيرهم { فلا يستعجلون } يعني بالعذاب لأن النضر بن الحارث كان يستعجل بالعذاب فأمهله إلى يوم بدر ثم قتل في ذلك اليوم وصار إلى النار

٦٠

قوله عز وجل { فويل للذين كفروا من يومهم الذي يوعدون } يعني من عذاب يوم القيامة

والويل الشدة من العذاب ويقال الويل واد في جهنم واللّه سبحانه أعلم

﴿ ٠