سورة الطوركلها مكية وهي أربعون وتسع آيات ١قوله تبارك وتعالى { والطور } أقسم اللّه تعالى بالجبل وكل جبل فهو طور بلغة النبط ويقال بلغة السريانية ولكن عني به الجبل الذي كلم اللّه عليه موسى عليه السلام بمدين واسمه زبير ٢ثم قال { وكتاب مسطور } يعني اللوح المحفوظ ويقال أعمال بني آدم { في رق منشور } يعني في صحيفة منشورة كما قال { ويخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا } [ الإسراء ١٣ ] يعني مفتوحا يقرؤونه ويقال { كتاب مسطور } يعني القرآن ٣
٤ثم قال { والبيت المعمور } وهو في السماء السابعة ويقال في السماء السادسة ويقال في السماء الرابعة وروى وكيع بإسناده عن علي وابن عباس في قوله { والبيت المعمور } قالا هو بيت في السماء حيال الكعبة يزوره كل يوم سبعون ألف ملك ولا يعودون إليه إلى يوم القيامة قال بعضهم بناه الملائكة قبل أن يخلق آدم عليه السلام وقال بعضهم هو البيت الذي بناه آدم بمكة فرفعه اللّه تعالى في أيام الطوفان إلى السماء بحيال الكعبة وقال بعضهم أنزل اللّه بيتا من ياقوتة في زمان آدم عليه السلام ووضع بمكة فكان آدم يطوف به وذريته من بعده إلى زمن الطوفان فرفع إلى السماء وهو { البيت المعمور } طوله كما بين السماء والأرض ٥ثم قال { والسقف المرفوع } يعني السماء المرتفعة من الأرض مقدار خمسمائة عام ٦{ والبحر المسجور } يعني البحر الممتلئ تحت العرش وهو بحر مكفوف يقال له بحر الحيوان يحمي اللّه به الموتى يوم القيامة فأقسم اللّه تعالى بهذه الأشياء ٧ويقال أقسم بخالق هذه الأشياء { إن عذاب ربك لواقع } يعني العذاب الذي أوقع للكفار فهو كائن ٨{ ما له من دافع } يعني لا يقدر أحد أن يدفع عنهم العذاب ٩ثم بين أن ذلك العذاب في أي يوم يكون فقال { يوم تمور السماء مورا } يعني تدور السماء بأهلها دروا كدوران الرحى وتموج بعضهم في بعض من الخوف صار اليوم نصبا لنزع الخافض ومعناه أن عذاب ربك لواقع في { يوم تمور السماء مورا } يعني في يوم القيامة ١٠{ وتسير الجبال سيرا } يعني { تسير } على وجه الأرض { سيرا } مثل السحاب حتى تستوي بالأرض ١١{ فويل } الشدة من العذاب { يومئذ } يعني يوم القيامة { للمكذيبن } بيوم القيامة ١٢ثم نعتهم فقال { الذين هم في خوض يلعبون } يعني في باطل يلهون ويهزأون ١٣قوله عز وجل { يوم يدعون إلى نار جهنم دعا } يعني تدفعهم خزنة جهنم ويقال { يدعون } يعني يزعجون إليها إزعاجا شديدا ويدفعون دفعا عنيفا ومنه قوله تعالى { يدع اليتيم } [ الماعون ٢ ] أي يدفع عما يجب له ويقال { دعا } يعني دفعا على وجوههم يجرون فإذا دنوا منها قالت لهم الخزنة ١٤{ هذه النار التي كنتم بها تكذبون } يعني لم تصدقوا بها ولم تأمنوا بها في الدنيا ١٥{ أم أنتم لا تبصرون } النار ويقال بل أنتم لا تعقلون ١٦ثم قال لهم { اصلوها } يعني ادخلوا فيها { فاصبروا أو لا تصبروا } يعني فإن صبرتم أو لم تصبروا فهو { سواء عليكم } اللفظ لفظ الأمر المراد به الخبر يعني إن صبرتم أو لم تصبروا فهو { سواء عليكم } فلا تنجون منها أبدا { إنما تجزون ما كنتم تعملون } من الكفر والتكذيب ١٧
١٨{ بما آتاهم ربهم } في الجنة من الكرامة { ووقاهم ربهم عذاب الجحيم } يعني دفع عنهم عذاب النار ١٩ويقول لهم { كلوا واشربوا } يعني كلوا من ألوان الطعام والثمار واشربوا من ألوان الشراب { هنيئا } يعني لا داء ولا غائلة فيه ولا يخاف في الأكل والشرب من الآفات ما يكون في الدنيا { بما كنتم تعملون } يعني هذا الثواب لأعمالكم التي عملتم في الدنيا ٢٠ثم قال { متكئين على سرر } يعني نائمين على سرر { مصفوفة } قد صف بعضها إلى بعض وكل من كان اشتاق إلى صديقه يلتقيه { وزوجناهم بحور عين } يعني بيض العين حسان الأعين ٢١قوله تعالى { والذين آمنوا } يعني صدقوا باللّه ورسوله وصدقوا بالبعث { واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم } يعني ألحقناهم ذرياتهم قرأ أبو عمرو { واتبعناهم ذرياتهم } { ألحقنا بهم ذرياتهم } الثلاث كلها بالألف وقرأ نافع اثنان بغير ألف والآخر بالألف وقرأ ابن عامر الأول بغر ألف والآخران بالألف والباقون كلها بغير ألف فمن قرأ { اتبعناهم } معناه ألحقناهم يعني الذين آمنوا وجعلنا ذريتهم مؤمنين ألحقنا بهم ذريتهم في الجنة في درجتهم ومن قرأ { واتبعتهم } بغير ألف يعني ذريتهم معهم ومن قرأ { ذرياتهم } بالألف فهو جمع الذرية ومن قرأ بغير ألف فهو عبارة عن الجنس ويقع على الجماعة أيضا وقال مقاتل معناه الذين أدركوا مع آبائهم وعملوا خيرا في الجنة ألحقنا بهم ذريتهم الصغار الذين لم يبلغوا العمل فهم معهم في الجنة ويقال إن أحدهم إذا كان أسفل منه يحلق بهم لكي تقر عينه وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال يرفع اللّه للمسلم ذريته وإن كانوا دونه في العمل لتقر بهم عينه ثم قال { وما ألتناهم من عملهم من شيء } يعني ما نقصناهم من عمل الآباء إذا كانوا مع الأبناء يعني حتى يبلغ بهم ذريتهم من غير أن ينقص من أجر أولئك شيئا ولا من ذريتهم { كل امرئ بما كسب رهين } يعني كل نفس مرتهنة بعملها يوم القيامة ثم رجع إلى صفة المتقين في التقديم وكرامتهم ٢٢قوله تعالى { وأمددناهم بفاكهة } يعني أعطيناهم من ألوان الفاكهة { ولحم مما يشتهون } يعني يتمنون قرأ إبن كثير { ألتناهم } بكسر اللام وهي لغة لبعض العرب واللغة الظاهرة بالفتح وهي من يألت يلت وهو النقصان ٢٣وقال عز وجل { يتنازعون فيها كأسا } يعني يتعاطون في الجنة تعطيهم الخدم قدح الشراب ولا يكون كأسا إلا مع الشراب { لا لغو فيها } يعني لا باطل في الجنة { ولا تأثيم } يعني لا إثم في شرب الخمر ويقال { لا تأثيم } يعني لا تكذيب فيما بينهم قرأ إبن كثير وأبو عمرو { لا لغو فيها } بنصب الواو { ولا تأثيم } بنصب الميم والباقون بالضم مع التنوين فمن قرأ بالنصب فهو على التبرئة ومن قرأ بالضم فهو على معنى الخبر يعني ليس فيها لغو ولا تأثيم كما قال { لا فيها غول } [ الصافات ٤٧ ] ٢٤ثم قال عز وجل { ويطوف عليهم غلمان لهم كأنهم لؤلؤ مكنون } يعني في الحسن والبياض مثل اللؤلؤ في الصدف لم تمسه الأيدي ولم تره الأعين وروى سعيد عن قتادة قال ذكر لنا أن رجلا قال يا نبي اللّه هذا الخادم فكيف المخدوم فقال ( والذي نفسي بيده إن فضل المخدوم على الخادم كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب ) ٢٥قوله تعالى { وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون } يعني يتحدثون ويتساءلون في الجنة عن أحوالهم التي كانت في الدنيا ثم يقول بم صرتم إلى هذه المنزلة الرفيعة ٢٦قوله تعالى { قالوا إنا كنا قبل } يعني في الدنيا { في أهلنا مشفقين } يعني خائفين من العذاب ٢٧ثم قال { فمن اللّه علينا } يعني من علينا بالمغفرة والرحمة { ووقانا عذاب السموم } يعني دفع عنا عذاب النار ٢٨{ الرحيم } بهم قرأ نافع والكسائي { أنه } بالنصب ومعناه إنا كنا من قبل ندعوه بأنه هو البر وقرأ الباقون بالكسر على معنى الاستئناف ٢٩ثم أمر اللّه تعالى نبيه صلى اللّه عليه وسلم بأن يعظ قومه ولا يبالي من قولهم فقال عز وجل { فذكر } يعني فعظ بالقرآن { فما أنت بنعمة ربك } يعني برحمة ربك ويقال هو كقوله ما أنت بحمد اللّه مجنون وقال أبو سهل عظ بالقرآن ولست أنت والحمد للّه { بكاهن ولا مجنون } ويقال { فذكر } يعني ذكرهم بما أعتدنا للمؤمنين المتقين وبما أعتدنا لضالين الكافرين { فما أنت بنعمة ربك بكاهن ولا مجنون } يعني لست تقول بقول الكهنة ولا تنطق إلا بوحي من اللّه ٣٠ثم قال { أم يقولون شاعر } يعني أيقولون هو شاعر يأتي من قبل نفسه وهو وقول الوليد بن المغيرة وأبي جهل وأصحابهما { نتربص به ريب المنون } يعني أوجاع الموت وحوادثه قال قتادة { ريب المنون } الموت وقال مجاهد { ريب المنون } حوادث الدهر وقال القتبي حوادث الدهر وأوجاعه ومصايبه ويقال إنهم كانوا يقولون قد مات أبوه ٣١شابا وهم ينتظرون موته { قل تربصوا } يعني انتظروا هلاكي { فإني معكم من المتربصين } وذكر في التفسير أن الذين قالوا هكذا ماتوا كلهم قبل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ٣٢قوله تعالى { أم تأمرهم أحلامهم بهذا } يعني أتأمرهم عقولهم بهذا وتدلهم على التكذيب والإيذاء بمحمد صلى اللّه عليه وسلم { أم هم قوم طاغون } يعني بل هم قوم عاتون في معصية اللّه تعالى ٣٣( أم يقولون تقوله ) يعني أيقولون أن محمدا صلى اللّه عليه وسلم يقول من ذات نفسه فاللفظ لفظ الاستفهام والمراد به الزجر والوعيد ثم قال { بل لا يؤمنون } يعني لا يصدقون بالرسول والكتاب عنادا وحسدا منهم ٣٤قوله عز وجل { فليأتوا بحديث مثله } يعني إن قلتم إن محمدا صلى اللّه عليه وسلم يقول من ذات نفسه فأتوا بمثل هذا القرآن كما جاء به { إن كانوا صادقين } في قولهم ثم قال { أم خلقوا من غير شيء } يعني من غير رب أكانوا هكذا خلقا من غير شيء ومعناه كيف لا يعتبرون أن اللّه تعالى خلقهم فيوحدونه ويعبدونه ٣٥ويقال { أم خلقوا من غير شيء } يعني لغير شيء ومعناه أخلقوا باطلا لا يحاسبون ولا يؤمرون ولا ينهون ثم قال { أم هم الخالقون } يعني أهم خلقوا الخلق أما اللّه تعالى ومعناه اللّه تعالى خلق الخلق وهو الذي يبعثهم يوم القيامة ٣٦ثم قال { أم خلقوا السموات والأرض } يعني بل اللّه تعالى خلقهما { بل لا يوقنون } بتوحيد اللّه الذي خلقهما أنه واحد لا شريك له ٣٧ثم قال { أم عندهم خزائن ربك } يعني مفاتيح رزق ربك ويقال مفاتيح ربك بالرسالة فيضعونها حيث شاؤوا ولكن اللّه يختار من يشاء كقولهم { أءلقى الذكر عليه من بيننا بل هو كذاب أشر } [ القمر : ٢٥ ] ثم قال { أم هم المسيطرون } يعني أهم المسلطون عليهم يحملونهم حيث شاؤوا يعني على الناس فيخبرونهم بما شاؤوا قرأ إبن كثير وابن عامر والكسائي في إحدى الروايتين { المسيطرون } بالسين والباقون بالصاد وقال الزجاج تسيطر علينا وتصيطر وأصله السين وكل سين بعدها طاء يجوز أن تقلب صادا مثل يسيطر ويبسط ٣٨ثم قال { أم لهم سلم } يعني سببا إلى السماء { يستمعون فيه } يعني يرتقون عليه فيستمعون القول من رب العالمين { فليأت مستمعهم بسلطان مبين } أي بحجة بينة ٣٩ثم قال عز وجل { أم له البنات ولكم البنون } بين جهلهم وقلة أحلامهم أنهم يجعلون للّه ما يكرهون لأنفسهم ثم قال عز وجل { أم تسألهم أجرا } معناه أن الحجة واجبة عليهم من كل وجه لأنك قد أتيتهم بالبيان والبرهان ولم تسألهم على ذلك أجرا ٤٠فقال { أم تسألهم } يعني أتطلب منهم { أجرا } بما تعلمهم من الأحكام والشرائع { فهم من مغرم مثقلون } يعني من أجل المغرم يمتنعون عن الإيمان يعني لا حجة لهم في الامتناع لأنك لا تسأل منهم أجرا فيثقل عليهم لأجل الأجر ٤١قوله عز وجل { أم عندهم الغيب } يعني عندهم الغيب بأن اللّه لا يبعثهم { فهم يكتبون } يعني أمعهم كتاب يكتبون بما شاؤوا يعني ما في اللوح المحفوظ فهذا كله اللفظ لفظ الاستفهام والمراد به الزجر ٤٢ثم قال عز وجل { أم يريدون كيدأ } يعني بل يريدون كيدا بالنبي صلى اللّه عليه وسلم { فالذين كفروا هم المكيدون } يعني بل هم المعذبون الهالكون ٤٣قوله عز وجل { أم لهم إله غير اللّه } يعني ألهم خالق غير اللّه يخلق ويرزق ويمنعهم من عذابنا { سبحان اللّه عما يشركون } يعني تنزيها للّه تعالى عما يصفون من الشريك والولد ٤٤ثم ذكر قسوة قلوبهم فقال { وإن يروا كسفا من السماء ساقطا } يعني جانبا من السماء ساقطا عليهم { يقولوا } يعني لقالوا من تكذيبهم { سحاب مركوم } يعني متراكما بعضه على بعض لأنهم كانوا يقولون لا نؤمن بك حتى تسقط علينا كسفا ثم قال اللّه تعالى لو فعلنا ذلك لم يؤمنوا ولا ينفعهم من قسوة قلوبهم ٤٥ثم قال { فذرهم } يعني فتخل عنهم يا محمد { حتى يلاقوا يومهم } يعني يعاينوا يومهم { الذي فيه يصعقون } يعني يموتون ويقال يعذبون قرأ عاصم وابن عامر { يصعقون } بضم الياء والباقون { يصعقون } بنصب الياء وكلاهما واحد وهما لغتان ٤٦ثم وصف حالهم في ذلك اليوم فقال { يوم لا يغني عنهم كيدهم شيئا } يعني لا ينفعهم صنيعهم شيئا { ولا هم ينصرون } يعني لا يمنعون مما نزل بهم من العذاب ٤٧ثم قال عز وجل { وإن للذين ظلموا عذابا دون اللّه } يعني قبل عذاب النار وقد روى عبد اللّه بن عباس قال عذاب القبر وقال معمر عن قتادة قال عذاب القبر في القرآن ثم قرأ { وإن للذين ظلموا عذابا دون ذلك } ويقال { عذابا دون ذلك } يعني القتل ويقال الشدائد والعقوبات في الدنيا { ولكن أكثرهم لا يعلمون } يعني لا يصدقون بالعذاب ٤٨ثم عزى نبيه صلى اللّه عليه وسلم ليصبر على أذاهم فقال { واصبر لحكم ربك } يعني لما أمرك ربك ونهاك عنه ويقال واصبر على تكذيبهم وأذاهم { فإنك بأعيننا } يعني فأنك بمنظر منا واللّه تعالى يرى أحوالك ولا يخفى عليه شيء وقال الزجاج { فإنك بأعيننا } بمعنى فإنك بحيث نراك ونحفظك ولا يصلون إليك بمكرهم ويقال نرى ما ينصع بك { وسبح بحمد ربك حين تقوم } يعني صل بأمر ربك قبل طلوع الشمس يعني صلاة الفجر وقبل الغروب يعني صلاة العصر ٤٩
ويقال { سبح بحمد ربك حين تقوم } يعني قل سبحانك اللّه م وبحمدك إذا قمت إلى الصلاة وهذا قول ربيع بن أنس { وإدبار النجوم } يعني ركعتي الفجر وروى سعيد بن جبير عن زاذان عن عمر رضي اللّه عنه قال لا صلاة بعد طلوع الفجر إلا ركعتي الفجر وهما { إدبار النجوم } وروى أبو إسحاق عن الحارث عن علي رضي اللّه عنه قال { إدبار السجود } الركعتان بعد المغرب { وإدبار النجوم } الركعتان قبل الفجر وروى وكيع عن ابن عباس أنه قال بت ذات ليلة عند رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فصلى ركعتي الفجر ثم خرج إلى الصلاة فقال ابن عباس الركعتان اللتان قبل الفجر { إدبار النجوم } واللاتي بعد المغرب { إدبار السجود } وفي الآية دليل على أن تأخير صلاة الفجر أفضل لأنه أمر بركعتي الفجر بعد ما أدبرت النجوم وإنما أدبرت النجوم بعد ما أسفر واللّه سبحانه أعلم |
﴿ ٠ ﴾