سورة القمر

كلها مكية وهي خمسون وخمس آيات

١

قوله تبارك وتعالى { اقتربت الساعة } يعني دنا قيام الساعة لأن خروج النبي صلى اللّه عليه وسلم كان من علامات الساعة { وانشق القمر } وذلك أن أهل مكة سألوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم علامة لنبوته فانشق القمر نصفين

وروي عن عبد اللّه بن مسعود أنه قال كنا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فانشق القمر نصفين فرأيت حراء بين فلقتي القمر

وعن جبير بن مطعم قال انشق القمر ونحن مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بمكة

وروى قتادة عن أنس قال سأل أهل مكة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم آية فانشق القمر بمكة

وقال بعضهم { اقتربت الساعة وانشق القمر } يعني تقوم الساعة وينشق القمر يوم القيامة

وأكثر المفسرين قالوا إن هذا قد مضى

وقال عبد اللّه بن مسعود ما وعد اللّه ورسوله من أشراط الساعة كلها قد مضى إلا أربعة طلوع الشمس من مغربها ودابة الأرض وخروج الدجال وخروج يأجوج ومأجوج

٢

ثم قال { وإن يروا آية يعرضوا } يعني إذا رأوا آية من آيات اللّه ثمل انشقاق القمر { يعرضوا } عنها ولا يتفكروا فيها

{ ويقولوا سحر مستمر } يعني مصنوعا سيذهب

ويقال معناها ذاهبا يذهب ثم التئام القمر

وقال القتبي { سحر مستمر } يعني شديد قوي وهو من المرة وهو القتل

وقال الزجاج في { مستمر } قولان قول ذاهب وقول دائم

وقال الضحاك لما رأى أهل مكة انشقاق القمر وقال أبو جهل هذا سحر مستمر فابعثوا إلى أهل

الآفاق حتى ينظروا إذا رأوا القمر منشقا أم لا فأخبر أهل الآفاق أنهم رأوه منشقا قالوا هذا { سحر مستمر } يعني استمر سحره في الآفاق

٣

قوله عز وجل { وكذبوا } يعني كذبوا بالآية وبقيام الساعة

{ واتبعوا أهواءهم } في عبادة الأصنام { وكل أمر مستقر } يعني كل قول من اللّه له حقيقة منه في الدنيا سيظهر وما كان منه في الآخرة سيعرف يعني ما وعد لهم من العقوبة

ويقال معناه { مستقر } لأهل النار عملهم ولأهل الجنة عملهم

يعني يعطي لكل فريق جزاء أعمالهم

٤

ثم قال { ولقد جاءهم من الأنباء } يعني جاء لأهل مكة من الأخبار عن الأمم الخالية { ما فيه مزدجر } يعني ما فيه موعظة لهم وزجر عن الشرك والمعاصي

٥

قوله تعالى { حكمة بالغة } يعني جاءهم كلمة بالغة وهو القرآن يعني حكمة وثيقة { فما تغن النذر } يعني لا تنفعهم النذر إن لم يؤمنوا كقوله { وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون } [ يونس ١٠١ ] ويقال { فما تغن النذر } لم تنفعهم الرسل إذا نزل بهم العذاب إن لم يؤمنوا

٦

قوله تعالى { فتول عنهم } يعني اتركهم وأعرض عنهم بعدما أقمت عليهم الحجة

{ يوم يدع الداع } يعني يدعو إسرافيل على صخرة بيت المقدس { إلى شيء نكر } يعني إلى أمر فظيع شديد منكر { خشعا } يعني ذليلة { أبصارهم } خاشعا نصب على الحال يعني يخرجون خاشعا

٧

قرأ حمزة والكسائي وأبو عمرو { خاشعا } بالألف مع النصب والباقون { خشعا } بضم الخاء بغير ألف وتشديد الشين بلفظ الجمع لأنه نعت للجماعة

ومن قرأ بلفظ الواحد فلأجل تقديم النعت

وقرأ ابن مسعود { خاشعة } بلفظ التأنيث لأجل جماعة البصر وقرأ إبن كثير { إلى شيء نكر } بجزم الكاف والباقون بالضم وهما لغتان

ثم قال عز وجل { يخرجون من الأجداث } يعني من القبور { كأنهم جراد منتشر } يعني انتشروا على معدنهم ويجول بعضهم في بعض

٨

ثم قال { مهطعين إلى الداع } يعني مقبلين إلى صوت إسرافيل { يقول الكافرون هذا يوم عسر } يعني شديد عسر علينا

وروي في الخبر ( أنهم إذا خرجوا من قبورهم يمكثون واقفين أربعين سنة ) ويقال مائة سنة حتى يقولوا أرحنا من هذا ولو إلى النار ثم يؤمرون بالحساب

٩

ثم عزى نبيه صلى اللّه عليه وسلم ليصبر على أذى قومه كما لقي الرسل من قومهم فقال عز وجل { كذبت قبلهم } يعني قبل قومك يا محمد { قوم نوح } حين أتاهم بالرسالة { فكذبوا عبدنا } نوحا { وقالوا مجنون } يعني قالوا لنوح إنك مجنون { وازدجر } يعني أوعد بالوعيد

ويقال صاحوا به حتى غشي عليه

وقال القتبي { وازدجر } أي زجر وهو افتعل من ذلك

١٠

فلما ضاق صدره { فدعا ربه أني مغلوب } يعني مقهور فيما بينهم { فانتصر } يعني أعني عليهم بالعذاب فأجابه اللّه كما في سورة الصافات { ولقد نادانا نوح فلنعم المجيبون } [ الصافات ٧٥ ]

١١

قوله عز وجل { ففتحنا أبواب السماء } يعني طرق السماء { بماء منهمر } يعني منصبا كثيرا

وقال القتبي { بماء منهمر } أي كثير سريع الانصباب

ومنه يقال همر الرجل إذا أكثر من الكلام وأسرع فيه

قرأ ابن عامر { ففتحنا } بتشديد التاء على تكثير الفعل وقرأ الباقون بالتخفيف لأنها فتحت فتحا واحدا

١٢

قوله عز وجل { وفجرنا الأرض عيونا } يعني أخرجنا من الأرض عيونا مثل الأنهار الجارية { فالتقى الماء } يعني ماء السماء وماء الأرض { على أمر قد قدر } يعني على وقت قد قضى

١٤

 وحملناه " يعني حملنا نوحا " على ذات ألواح " يعني على سفينة قد اتخذت بألواح " ودسر " يعني سفينة قد شدت بالمسامير

وقال بعضهم كانت سفينة نوح من صاج وقال بعضهم من خشب شمشاذ ويقال من الجوز

وقال القتبي الدسر المسامير واحدها دسار وهي أيضا الشريط الذي يشد بها السفينة

ثم قال { تجري بأعيننا } يعني تسير السفينة بمنظر منا وأمرنا

ويقال بمرأى وحفظ منا

وقال الزجاج في قوله { فالتقى الماء } ولم يقل الماءان لأن الماء اسم لجميع ماء السماء وماء الأرض

فلو قال ماءان لكان جائزا لكنه لم يقل

ثم قال { جزاء لمن كان كفر } يعني الحمل على السفينة ثواب لنوح الذي كفر به قومه

وقرأ بعضهم { جزاء لمن كان كفر } بالنصب يعني الغرق عقوبة لمن كذب باللّه تعالى وبنوح

١٥

قوله تعالى { ولقد تركناها آية } أي سفينة نوح أبقيناها عبرة للخلق

وقال بعضهم يعني تلك السفينة بعينها كانت باقية على الجبل إلى قريب من خروج النبي صلى اللّه عليه وسلم

وقال بعضهم يعني جنس السفينة صارت عبرة لأن الناس لم يعرفوا قبل ذلك سفينة فاتخذت الناس السفن بعد ذلك في البحر فلذلك كانت آية للناس

ثم قال { فهل من مدكر } يعني هل من معتبر يعتبر بما صنع اللّه تعالى بقوم نوح فيترك المعصية ويقال { فهل من مدكر } متعظ يتعظ بأنه حق ويؤمن به

وقال أهل اللغة أصل { مدكر } مفتعل من الذكر فأدغمت الذال في التاء ثم قلبت دالا مشددة

١٦

ثم قال { فكيف كان عذابي ونذر } يعني كيف رأيت عذابي وإنذاري لمن أنذرهم الرسل فلم يؤمنوا والنذر بمعنى الإنذار

١٧

قوله عز وجل { ولقد يسرنا القرآن } يعني هونا القرآن { للذكر } يعني للحفظ

ويقال هونا قراءاته

وروى الحسن عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال ( لولا قول اللّه تعالى { ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر } ما طاقت الألسن أن تتكلم به ) ويقال هوناه لكي يذكروا به

ثم قال { فهل من مدكر } يعني متعظ يتعظ بما هون من قراءة القرآن

وروى الأسود عن عبد اللّه بن مسعود رضي اللّه عنه أنه قال قرأت على النبي صلى اللّه عليه وسلم { فهل من مدكر } بالذال فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم { فهل من مدكر } يعني بالدال

١٨

قوله تعالى { كذبت عاد } يعني كذبوا رسولهم هود { فكيف كان عذابي ونذر } يعني أليس وجوده حقا وثابتا { ونذر } جمع نذير قال القتبي النذر جمع النذير والنذير بمعنى الإنذار مثل النكير بمعنى الإنكار يعني كيف كان عذابي وإنكاري

١٩

ثم بين عذابه فقال عز وجل { إنا أرسلنا عليهم ريحا صرصرا } يعني سلطنا عليهم ريحا باردة { في يوم نحس مستمر } يعني شديدة استمرت عليهم لا تفتر عنهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما دائمة

٢٠

 { تنزع الناس } يعني تنزع أرواحهم من أجسادهم وهذا قول مقاتل

ويقال { في يوم نحس } يعني يوم مشؤوم عليهم { مستمر } يعني استمر عليهم بالنحوسة

وقال القتبي الصرصر ريح شديدة ذات صوت تنزع الناس يعني تقلعهم من مواضعهم

{ كأنهم أعجاز نخل منقعر } يعني صرعهم فكبهم على وجوههم كأنهم أصول نخل منقلعة من

الأرض فشبههم لطول كل واحد بالنخل الساقطة

وقال مقاتل كان طول كل واحد منهم اثني عشر ذراعا

وقال في رواية الكلبي كان طول كل واحد منهم سبعين ذراعا فاستهزؤوا حين ذكر لهم الريح فخرجوا إلى الفضاء فضربوا بأرجلهم وغيبوا في الأرض إلى قريب من ركبهم فقالوا قل للريح حتى ترفعنا فجاءت الريح فدخلت تحت الأرض وجعلت ترفع كل اثنين وتضرب أحدهما على الآخر بعدما ترفعهما في الهواء ثم تلقيهما في الأرض والباقون ينظرون إليهم حتى رفعتهم كلهم ثم رمت بالرمل والتراب عليهم وكان يسمع أنينهم من تحت التراب كذا وكذا يوما

٢١

قال اللّه  تعالى " فكيف كان عذابي ونذر

٢٢

 " ثم قال " ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر " وقد ذكرناه

٢٣

قوله عز وجل { كذبت ثمود بالنذر } يعني صالحا حين أتاهم

٢٤

 { فقالوا أبشرا منا واحدا } يعني خلقا مثلنا { نتبعه } في أمره { إنا إذا لفي ضلال وسعر } يعني إنا إذا فعلنا ذلك { لفي } خطأ وعناء

وقال الزجاج يعني { إنا إذا لفي ضلال } وجنون

وهذا كما يقال ناقة مسعورة إذا كان بها جنون

ويجوز أن يكون { وسعر } جمع سعير في معنى العذاب

٢٥

ثم قال عز وجل { أألقي الذكر عليه من بيننا } يعني اختص بالنبوة والرسالة من بيننا { بل هو كذاب أشر } يعني كاذبا على اللّه { أشر } يعني بطرا متكبرا

٢٦

قوله عز وجل حدثنا { سيعلمون غدا } قرأ ابن عامر وحمزة { ستعلمون } بالتاء على معنى المخاطبة

يعني أن صالحا قال لهم { ستعلمون غدا } والباقون بالياء على معنى الخبر عنهم من اللّه تعالى لمحمد صلى اللّه عليه وسلم أنهم يعلمون غدا يعني يوم القيامة { من الكذاب الأشر } أهم أم صالح ومعناه أنه يتبين لهم أنهم هم الكاذبون وكان صالح صادقا في مقالته

٢٧

ثم قال { إنا مرسلوا } يعني نخرج لهم { الناقة } وذلك حين سألوا صالحا بأن يخرج لهم ناقة من الحجر فدعا صالح ربه فأوحى اللّه تعالى إليه أني مخرج الناقة { فتنة } يعني بلية { لهم فارتقبهم } يعني انتظر هلاكهم { واصطبر } على الإيذاء

٢٨

قوله تعالى { ونبئهم } يعني وأخبرهم { أن الماء قسمة بينهم } يوم للناقة ويوم لأهل القرية { كل شرب محتضر } يعني إذا كان يوم الناقة تحضر الناقة ولا يحضرون وإذا كان

يومهم لا تحضر الناقة وكل فريق يحضر في نوبته

٢٩

{ فنادوا صاحبهم } يعني نادوا مصدع أو قذار { فتعاطى فعقر } يتناول الناقة بالسهم فعقرها

٣٠

" فكيف كان عذابي ونذر

٣١

 إنا أرسلنا عليهم صيحة واحدة " يعني صحية جبريل " فكانوا كهشيم المحتظر " قال قتادة يعني كرماد محترق

وقال الزجاج الهشيم ما يبس من الورق وتحطم وكسر

قرأ بعضهم { كهشيم المحتظر } بنصب الظاء وقراءة العامة بالكسر

فمن قرأ بالنصب فهو اسم الحظيرة ومعناه كهشيم المكان الذي يحضر فيه الهشيم

ومن قرأ بالكسر فهو صاحب الحظيرة يعني يجمع الحشيش في الحظيرة لغنمه فداسته الغنم

٣٢

ثم قال عز وجل { ولقد يسرنا القرآن للذكر } يعني سهلناه للحفظ لأن كتب الأولين يقرؤها أهلها نظرا ولا يكادون يحفظون من أولها إلى آخرها كما يحفظ القرآن { فهل من مدكر } يعني متعظ به

٣٣

قوله تعالى { كذبت قوم لوط بالنذر } يعني بالرسل لأن لوطا عليه السلام يدعوهم إلى الإيمان بجميع الرسل فكذبوهم ولم يؤمنوا فأهلكهم اللّه تعالى

٣٤

وهو قوله { إنا أرسلنا عليهم حاصبا } يعني حجارة من سجين { إلا آل لوط نجيناهم بسحر } يعني وقت السحر

٣٥

قوله تعالى { نعمة من عندنا } يعني رحمة من عندنا على آل لوط صار { نعمة } نصبا لأنه مفعول ومعناه ونجيناهم بالإنعام عليهم { كذلك نجزي من شكر } يعني هكذا يجزي اللّه تعالى من شكر نعمته ولم يكفرها

ويقال { من شكر } يعني من وحد اللّه تعالى لم يعذبه في الآخرة مع المشركين فكما أنجاهم في الدنيا ينجيهم في الآخرة ولا يجعلهم مع المشركين

٣٦

قوله عز وجل { ولقد أنذرهم بطشتنا } يعني خوفهم لوط عقوبتنا { فتماروا بالنذر } يعني شكوا بالرسل فكذبوا يعني لوطا

ويقال معناه شكوا بالعذاب الذي أخبرهم به الرسل أنه نازل بهم

٣٧

قوله تعالى " ولقد راودوه عن ضيفه " يعني طلبوا منه الضيافة وكانت أضيافه جبريل مع الملائكة فمسح جبريل بجناحه على أعينهم فذهب أبصارهم وذلك قوله " فطمسنا

أعينهم ) يعني أذهبنا أعينهم وأبصارهم " فذوقوا عذابي ونذر " اللفظ لفظ الأمر والمراد به الخبر يعني فذوقوا عذاب اللّه  تعالى أي عقوبة اللّه  كما أخبرتهم النذر

٣٨

ثم قال { ولقد صبحهم بكرة عذاب مستقر } يعني أخذهم وقت الصبح عذاب دائم يعني عذاب الدنيا موصولة بعذاب الآخرة

٣٩

{ فذوقوا عذابي ونذر } يعني يقال لهم ذوقوا عذاب اللّه تعالى وإنذاره

ثم قال { ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر } وقد ذكرناها

٤١

قوله تعالى { ولقد جاء آل فرعون النذر } يعني الرسل وهو موسى وهارون

٤٢

 { كذبوا بآياتنا كلها } يعني بالآيات التسع { فأخذناهم } يعني عاقبناهم عند التكذيب { أخذ عزيز مقتدر } يعني عقوبة منيع بالنقمة على عقوبة الكفار { مقتدر } يعني قادرا على عقوبتهم وهلاكهم

٤٣

ثم خوف كفار مكة فقال { أكفاركم خير من أولئكم } يعني أكفاركم أقوى في النذر من الذين ذكرناهم فأهلكهم اللّه تعالى وهو قادر على إهلاكهم { أم لكم براءة في الزبر } يعني براءة في الكتب من العذاب

اللفظ لفظ الاستفهام والمراد به الزجر يعني ليس لكم براءة ونجاة من العذاب

٤٤

ثم قال عز وجل { أم يقولون نحن جميع منتصر } يعني ممتنع من العذاب

٤٥

يقول اللّه تعالى { سيهزم الجمع } يعني سيهزم جمع أهل مكة في الحرب { ويولون الدبر } يعني ينصرفون من الحرب منهزمين

يعني به يوم بدر وفي هذا علامة من علامات النبوة لأن هذه الآية نزلت بمكة وأخبرهم أنهم سيهزمون في الحرب فكان كما قال

وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة أن عمر رضي اللّه عنه قال لما نزلت هذه الآية { سيهزم الجمع ويولون الدبر } فكنت لم أعلم ما هي وكنت أقول أي جمع يهزم فلما كان يوم بدر رأيت النبي صلى اللّه عليه وسلم يثبت في الدرع ويقول ( سيهزم الجمع ويولون الدبر ) وقال الزجاج { ويولون الدبر }

يعني الإدبار كقوله تعالى { يولوكم الأدبار } [ آل عمران ١١١ ] لأن اسم الواحد يدل على الجمع وكذلك قوله تعالى { في جنات ونهر } [ القمر ٥٤ ] أي أنهار

وذكر عن الفراء أنه قال إنما وحد لأنه رأس آية تقابل بالتوحيد رؤوس الآي

وكذلك في الدبر لموافقته رؤوس الآي

٤٦

ثم قال { بل الساعة موعدهم } يعني مجمعهم { والساعة أدهى وأمر } يعني عذاب الساعة أعظم وأشد من عذاب الدنيا

٤٧

ثم وصف عذاب الآخرة فقال { إن المجرمين في ضلال وسعر } يعني المشركين في الدنيا في ضلالة وخطأ وخلاف وفي سعير في الآخرة

والسعر جماعة السعير ويقال السعر يعني في عناء

٤٨

ثم أخبرهم بمستقرهم فقال عز وجل { يوم يسحبون في النار على وجوههم } يعني يجرون في النار على وجوههم ويقول لهم الخزنة { ذوقوا مس سقر } يعني عذاب النار

٤٩

ثم قال { إنا كل شيء خلقناه بقدر } يعني خلقنا لكل شيء شكله مما يوافقه

وروي عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال نزلت هذه الآية في أهل القدر { يوم يسحبون في النار على وجوههم ذوقوا مس سقر إنا كل شيء خلقناه بقدر } وقال محمد بن كعب القرظي { إنا كل شيء خلقناه بقدر } نزلت تعبيرا لأهل القدر

قال أبو الليث حدثنا أبو جعفر

قال حدثنا أبو القاسم حدثنا محمد بن الحسن قال حدثنا سفيان عن وكيع عن زياد بن إسماعيل عن محمد بن عباد عن أبي هريرة قال جاء مشركو قريش إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يخاصمونه في القدر فنزلت الآية { يوم يسحبون في النار على وجوههم ذوقوا مس سقر إنا كل شيء خلقناه بقدر } وروى الضحاك عن ابن عباس في قوله { إنا كل شيء خلقناه بقدر } قال خلق لكل شيء من خلقه ما يصلحهم من رزق ومن الدواب وخلق لدواب البر ولغيرها من الرزق ما يصلحها وكذلك لسائر خلقه

٥٠

قوله عز وجل { وما أمرنا إلا واحدة } يعني وما أمرنا بقيام الساعة إلا مرة واحدة { كلمح بالبصر } يعني كرجع البصر

ومعناه إذا أمرنا بقيام الساعة مرة واحدة فنقول كن فيكون أقرب من طرف البصر

٥١

ثم قال { ولقد أهلكنا أشياعكم } يعني عذبنا أشباهكم وأهل ملتكم

ويقال إخوانكم حين كذبوا رسلهم { فهل من مدكر } يعني معتبر يعتبر فيكم فيعلم أن ذلك حق ويخاف عقوبة اللّه

٥٢

ثم قال عز وجل { وكل شيء فعلوه في الزبر } يعني وكل شيء عملوه في الكتاب يحصى عليهم

٥٣

{ وكل صغير وكبير مستطر } يعني مكتوبا في اللوح المحفوظ

٥٤

ثم قال { إن المتقين } يعني الذين يتقون الشرك والفواحش { في جنات ونهر } يعني في بساتين وأنهار جارية

٥٥

{ في مقعد صدق } يعني في أرض كريمة

ويقال في مجلس حسن وهي أرض الجنة { عند مليك مقتدر } يعني في جوارمليك قادر على الثواب قادر على خلقه مثيب ومعاقب

وقال القتبي النهر الضياء والسعة من قولك انهرت الطعنة إذا وسعتها واللّه أعلم

﴿ ٠