سورة المجادلةمدنية وهي اثنتان وعشرون آية ١قوله تبارك تعالى { قد سمع اللّه قول التي تجادلك } يعني تخاصمك { في زوجها } يعني تخاصمك من قبل زوجها روى أبو العالية الرياحي أن الآية نزلت في شأن أوس بن الصامت وفي امرأته خولة بنت دعلج وعن عكرمة أنه قال نزلت في امرأة اسمها خولة بنت ثعلبة وفي زوجها أوس بن الصامت جاءت إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقالت إن زوجها جعلها عليه كظهر أمه فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم ( ما أراك إلا وقد حرمت عليه ) قالت انظر يا نبي اللّه جعلني اللّه فداك في شأني وجعلت تجادله وعائشة رضي اللّه عنها تغسل رأس النبي صلى اللّه عليه وسلم فقالت عائشة رضي اللّه عنها اقصري حديثك ومجادلتك يا خولة أما ترين وجه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قد تربد ليوحى إليه فأنزل اللّه تعالى { قد سمع اللّه قول التي تجادلك } وروى سفيان عن خالد الحذاء عن أبي قلابة قال كان طلاقهم في الجاهلية الظهار والإيلاء فلما جاء الإسلام جعل اللّه تعالى في الظهار ما جعل وجعل في الإيلاء ما جعل ثم قال { وتشتكي إلى اللّه } يعني تتضرع المرأة إلى اللّه مخافة الفرقة { واللّه يسمع تحاوركما } يعني محاورتكما ومراجعتكما { إن اللّه سميع بصير } يعني { سميع } لمقالة خولة { بصير } بأمرها وقال مقاتل هي خولة بنت ثعلبة ٢قوله تعالى { الذين يظاهرون منكم من نسائهم } قرأ عاصم { يظاهرون } بضم الياء وكسر الهاء والتخفيف من ظاهر يظاهر وقرأ إبن كثير ونافع وأبو عمرو { يظهرون } بنصب الياء والهاء مع التشديد وهو في الأصل يتظهرون فأدغمت التاء في الظاء والمعنى في هذا كله واحد يقال ظاهر من امرأته وتظهر منها وأظهر منها إذا قال لها أنت علي كظهر أمي ثم قال { ما هن أمهاتهم } وروى المفضل عن عاصم { أمهاتهم } بضم التاء لأنه خبر ما كقولك ما زيد عالم وقرأ الباقون بالكسر لأن التاء في موضع النصب فصار خفضا لأنها تاء الجماعة وهي لغة أهل الحجاز فينصبون خبر { ما } كقوله ما هذا بشرا ما هن كأمهاتهم في الحرمة { إن أمهاتهم } يعني ما أمهاتهم { إلا اللائي ولدنهم } يعني الأم التي ولدته والأم التي أرضعته لأنه قال في موضع آخر { وأمهاتكم التي أرضعنكم } [ النساء ٢٣ ] ثم قال { وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا } يعني قولا منكرا وكذبا { وإن اللّه لعفو غفور } يعني ذو تجاوز { غفور } حيث جعل الكفارة لرفع الحرمة ولم يجعل فرقة بينهما ٣ثم قال { والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا } يعني يعودون لنقض ما قالوا ولرفع ما قالوا في الجاهلية { فتحرير رقبة } يعني فعليه تحرير رقبة ويقال { ثم يعودون لما قالوا } فيه تقديم وتأخير يعني ثم يعودون فتحرير رقبة لما قالوا ويقال { ثم يعودون لما قالوا } في الجاهلية وذلك أنهم كانوا يتكلمون بهذا القول فيرجعون إلى ذلك القول بعد الإسلام وقال بعضهم لا تجب الكفارة حتى يقول مرتين لأنه قال { ثم يعودون لما قالوا } يعني يعودون مرة أخرى { فتحرير رقبة } هذا القول خلاف جميع أهل العلم وإنما تجب الكفارة إذا قال مرة واحدة والكفارة ما قال اللّه تعالى { فتحرير رقبة } [ النساء ٩٢ ] يعني عتق رقبة { من قبل أن يتماسا } يعني من قبل أن يجامعها ويقال من قبل أن يمس كل واحد منهما صاحبه { ذلكم توعظون به } يعني هذا الحكم الذي تؤمرون به { واللّه بما تعملون خبير } من الوفاء وغيره ٤وقوله تعالى { فمن لم يجد } يعني من لم يجد الرقبة { فصيام شهرين متتابعين } يعني فعليه صيام شهرين متتابعين لا يفصل بينهما { من قبل أن يتماسا } يعني من قبل أن يمس كل واحد منهما صاحبه وفي الآية دليل أن المرأة لا يسعها أن تدع الزوج يقربها قبل الكفارة لأنه نهاهما جميعا عن المسيس قبل الكفارة واتفقوا على أنه إذا أفطر في شهرين يوما بغير عذر عليه أن يستقبل واختلفوا فيمن أفطر لمرض أو عذر أو غيره قال عطاء إذا أفطر من مرض فاللّه أعذره بالعذر ببدله ولا يستأنف وقال طاوس يقضي ولا يستأنف وهكذا قال الحسن وسعيد بن المسيب فهؤلاء كلهم قالوا لا يستقبل وقال إبراهيم النخعي والزهري والشعبي يستقبل وهكذا قال عطاء الخراساني والحكم بن كيسان وبه قال أبو حنيفة وأصحابه رضي اللّه عنهم ثم قال { فمن لم يستطع } يعني لم يستطع الصيام { فإطعام ستين مسكينا } يعني فعليه إطعام ستين مسكينا في قول أهل المدينة لكل مسكين صاع من حنطة أو تمر وفي قول أهل العراق منوان حنطة أو صاع من تمر بدليل ما روى سليمان بن يسار عن سلمة بن صخر البياض قال كنت أصيب من النساء ما لا يصيب غيري فلما دخل شهر رمضان خفت أن أصيب من أهلي فتظاهرت من أهلي حتى ينسلخ الشهر فبينما هي تخدمني ذات ليلة إذا انكشف لي منها شيء فواقعتها فلما أصبحت أخبرت قومي فقلت اذهبوا معي إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقالوا ما نذهب وما نأمن أن ينزل فيك قرآن فأتيته فأخبرته فقال ( حرر رقبة ) فقلت ما أملك إلا رقبتي قال ( فصم شهرين ) قلت وهل أصابني إلا من قبل الصيام قال ( فأطعم وسقا من تمر ستين مسكينا ) قلت والذي بعثك بالحق نبيا لقد بتنا ما لنا طعام ثم قال ( انطلق إلى صاحب صدقة بني زريق فليدفعها إليك ) فرجعت إلى قومي فقلت وجدت عندكم الضيق وسوء الرأي ووجدت عند رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم السعة وحسن الرأي وقد أمر لي بصدقتكم فقد بين في هذا الخبر أنه يجب وسقا من تمر والوسق ستون صاعا بالاتفاق ثم قال { ذلك لتؤمنوا } يعني هذا الذي ذكر في أمر الكفارة لتعلموا أن اللّه يعلم سرائركم { لتؤمنوا باللّه } يعني لتصدقوا بوحدانية اللّه تعالى { ورسوله } يعني وتصدقوا برسوله { وتلك حدود اللّه } يعني هذه فرائض اللّه وأحكامه { وللكافرين عذاب أليم } يعني للذين لا يؤمنون باللّه وبرسوله وروي عن عروة عن عائشة رضي اللّه عنها أنها قالت تبارك الذي وسع سمعه الأصوات كلها إن المرأة لتناجي النبي صلى اللّه عليه وسلم يسمع بعض كلامها ويخفى عليه بعضه إذ أنزل اللّه تعالى { قد سمع اللّه قول النبي تجادلك في زوجها } وهكذا قال الأعمش ٥قوله تعالى { إن الذين يحادون اللّه ورسوله } يعني يعادون ويشاقون اللّه ورسوله ويقال يشاقون أولياء اللّه ورسوله يعني الذين يشاقون أولياء اللّه لأن أحدا لا يعادي اللّه ولكن من عادى أولياء اللّه فقد عادى اللّه تعالى ثم قال { كبتوا كما كبت الذين من قبلهم } قال مقاتل أخذوا كما أخذ الذين من قبلهم من الأمم ويقال عذبوا كما عذب الذين من قبلهم وقال أبو عبيد يعني أهلكوا ويقال أغيظوا كما غيظ الذين من قبلهم والكبت هو الغيظ ويقال أحزنوا وقال الزجاج أذلوا وغلبوا { وقد أنزلنا آيات بينات } يعني القرآن فيه بيان أمره ونهيه ويقال { آيات } واضحات { وللكافرين عذاب مهين } يهانون فيه ٦ثم قال { يوم يبعثهم اللّه جميعا } { يوم } صار نصبا لنزع الخافض يعني لهم عذاب مهين في { يوم يبعثهم اللّه جميعا } الأولين والآخرين يبعثهم اللّه من قبورهم { فينبئهم بما عملوا } من خير أو شر ليعلموا وجوب الحجة عليهم { أحصاه اللّه ونسوه } يعني حفظ اللّه عليهم أعمالهم وهم نسوا أعمالهم ويقال { ونسوه } يعني وتركوا العمل في الدنيا { واللّه على كل شيء شهيد } يعني شاهدا بأعمالهم ٧ثم قال { ألم تر أن اللّه يعلم } يعني ألم تعلم اللفظ لفظ الاستفهام والمراد به التقرير يعني أنك تعلم ويقال معناه إني أعلمتك أن اللّه يعلم { ما في السموات وما في الأرض } يعني يعلم سر أهل السموات وسر أهل الأرض { ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم } يعني لا يتناجى ثلاثة فيما بينهم ولا يتكلمون فيما بينهم بكلام الشر إلا هو رابعهم لأنه يعلم ما يقولون فيما بينهم { ولا خمسة إلا هو سادسهم } يعني كان هو سادسهم لأنه يعلم ما يقولون فيما بينهم { ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم } يعني عالم بهم وبأحوالهم { أينما كانوا } في الأرض { ثم ينبئهم بما عملوا } يعني يخبرهم بما عملوا يوم القيامة من خير أو شر وذلك أن نفرا كانوا يتناجون عند الكعبة قال بعضهم لبعض لا ترفعوا أصواتكم حتى لا يسمع رب محمد صلى اللّه عليه وسلم ويقال إن المنافقين واليهود كانوا يتناجون فيما بينهم دون المؤمنين فينظرون نحو المؤمنين فإذا رأوهم ينظرون نحوهم تركوا كلامهم فأخبرهم اللّه تعالى أن اللّه يعلم ما يقولون فيما بينهم ونهاهم أن يتناجوا فيما بينهم دون المؤمنين
٨
ثم قال { وإذا جاؤوك } يعني إذا جاءك اليهود { حيوك بما لم يحيك به اللّه } وذلك أنهم كانوا يقولون إذا دخلوا على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم السام عليكم فيقول ( وعليكم ) فقالت عائشة رضي اللّه عنها وعليكم السام لعنكم اللّه وغضب عليكم فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم ( مهلا يا عائشة عليك بالرفق وإياك والعنف والفحش ) قالت أو لم تسمع ما قالوا قال ( أو لم تسمعي ما رددت عليهم فيستجاب لي فيهم ولا يستجاب لهم في ) فقالت اليهود فيما بينهم لو كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كما يقول لاستجيب دعاؤه علينا حيث قال عليكم فنزل { وإذا جاؤوك حيوك } يعني سلموا عليك { بما لم يحيك به اللّه } يعني بما لم يأمرك به اللّه أن تحيي به ويقال بما لم يسلم عليك به اللّه { ويقولون في أنفسهم } يعني فيما بينهم { لولا يعذبنا اللّه } يعني هلا يعذبنا اللّه { بما نقول } لنبيه يقول اللّه تعالى { حسبهم جهنم } يعني مصيرهم إلى جهنم { يصلونها } يعني يدخلونها { فبئس المصير } ما صاروا إليه ٩قوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا إذا تناجيتم } قال مقاتل { يا أيها الذين آمنوا } باللسان دون القلب { إذا تناجيتم } فيما بينكم { فلا تتناجوا بالإثم والعدوان } وذلك أن النبي صلى اللّه عليه وسلم كان إذا بعث سرية كان المنافقون يتناجون فيما بينهم ليخونوا المؤمنين وهذا الخطاب للمخلصين في قول بعضهم لأن اللّه تعالى يأمرهم أن لا يتناجوا بالإثم والعدوان كفعل المنافقين يعني بالعداوة والظلم { ومعصية الرسول } يعني خلاف أمر الرسول أن لا تخالفوا أمره { وتناجوا بالبر والتقوى } يعني بالذي أمركم اللّه تعالى به بالطاعة والتقى يعني ترك المعصية ثم خوفهم فقال { واتقوا اللّه } يعني اخشوا اللّه وقيل اجتنبوا مخالفة اللّه فلا تتناجوا بمثل ما تتناجى اليهود والمنافقون { الذي إليه تحشرون } بعد الموت فيجازيكم بأعمالكم ١٠ثم قال عز وجل { إنما النجوى من الشيطان } يعني نجوى المنافقين من تزيين الشيطان قال قتادة إذا رأى المسلمون المنافقين جاؤوا متناجين فشق عليهم فنزل { إنما النجوى من الشيطان } يعني نجوى المنافقين في المعصية من الشيطان { ليحزن الذين آمنوا } قرأ نافع { ليحزن الذين آمنوا } بضم الياء وكسر الزاي والباقون بالنصب ومعناهما واحد ثم قال { وليس بضارهم شيئا } يعني ليس نجوى المنافقين يضر شيئا للمؤمنين أي لا يضرهم { إلا بإذن اللّه } إلا أن يشاء اللّه ويقال ويحكم اللّه ويقال يقضي اللّه إلا وأن يشاء اللّه ثم أمر المؤمنين بأن يتوكلوا على اللّه وهو قوله تعالى { وعلى اللّه فليتوكل المؤمنون } ١١ثم قال عز وجل { يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس } يعني في مجلس النبي صلى اللّه عليه وسلم قرأ عاصم { في المجالس } بلفظ الجمع والباقون { في المجلس } يعني في مجلس النبي صلى اللّه عليه وسلم نزلت في ثابت بن قيس وكان في أذنيه شيء من الثقل فحضر مجلس النبي صلى اللّه عليه وسلم وقد أخذوا مجالسهم فبقي قائما فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم ( رحم اللّه من وسع لأخيه ) فنزلت الآية وروى معمر عن قتادة أنه قال كان الناس يتنافسون في مجلس النبي صلى اللّه عليه وسلم فقيل لهم تفسحوا وهو قوله { إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس } تفسحوا { فافسحوا } يعني وسعوا المجلس { يفسح اللّه لكم } { وإذا قيل انشزوا فانشزوا } يعني إذا دعيتم إلى لخير فأجيبوا وروى معمر عن الحسن قال هذا في الغزو وقال مجاهد { تفسحوا في المجلس } يعني مجلس النبي صلى اللّه عليه وسلم خاصة { وإذا قيل انشزوا فانشزوا } إلى كل خير ويقال وقتال عدو وأمر بالمعروف وروي عن ابن عمر عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال ( لا يقيم الرجل الرجل في مجلسه ثم يجلس فيه ولكن تفسحوا وتوسعوا ) قرأ نافع وابن عامر وعاصم في إحدى الروايتين { انشزوا فانشزوا } بضم الشين والباقون بالكسر وهما لغتان يقال نشز ينشز ونشز ينشز يعني إذ قيل لكم انهضوا يعني قوموا لا تتثاقلوا ويقال { انشزوا } يعني قوموا للصلاة أو قضاء حق أو شهادة { فانشزوا } يعني انهضوا ثم قال { يرفع اللّه الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات } يعني من كان له إيمان وعلم وكان له فضائل على الذين يقومون وليس بعالم وقال الضحاك { يرفع اللّه الذين آمنوا منكم } وقد تم الكلام ثم قال { والذين أوتوا العلم درجات } يعني لأهل العلم درجات وللعلماء مثل درجة الشهداء وقال مقاتل إذا انتهى المؤمن إلى باب الجنة يقال للمؤمن الذي ليس بعالم ادخل الجنة بعملك ويقال للعالم أقم على باب الجنة واشفع للناس وقال ابن مسعود { يرفع اللّه الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم } على الذين آمنوا منكم ولم يؤتوا العلم { درجات } ثم قال { واللّه بما تعملون خبير } من التفسح في المجلس وغيره
١٢قوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول } يعني إذا كلمتم الرسول سرا { فقدموا بين يدي نجواكم صدقة } يعني تصدقوا قبل كلامكم بصدقة { ذلك خير لكم } يعني التصدق خير لكم من إمساكه { وأطهر } لقلوبكم وأزكى من المعصية { فإن لم تجدوا } ما تتصدقون { فإن اللّه غفور رحيم } لمن لم يجد الصدقة وذلك أن الأغنياء كانوا يكثرون مناجاة النبي صلى اللّه عليه وسلم ولم يمكنوا الفقراء من سماع كلامه وكان يكره طول مجالستهم وكثرة نجواهم فأمرهم اللّه تعالى بالصدقة عند المناجاة فانتهوا عن ذلك فقدرت الفقراء على سماع كلام النبي صلى اللّه عليه وسلم ومجالسته وقال مجاهد نهوا عن مناجاة النبي صلى اللّه عليه وسلم حتى يتصدقوا فلم يناجه إلا علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه قدم دينارا تصدق به وكلم النبي صلى اللّه عليه وسلم في عشر كلمات ثم أنزلت الرخصة بالآية التي بعدها وهو ١٣قوله { ءأشفقتم } يعني أبخلتم يا أهل الميسرة { أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات } فلو فعلتم كان خيرا لكم { فإن لم تفعلوا } وتكرهوا ذلك فإن اللّه تعالى غني عن صدقاتكم { وتاب اللّه عليكم } يعني تجاوز عنكم { فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة } فنسخت الزكاة الصدقة التي عند المناجاة { وأطيعوا اللّه ورسوله } فيما يأمركم به وينهاكم عنه { واللّه خبير بما تعملون } من الخير والشر والتصدق والنجوى ١٤قوله تعالى { ألم تر إلى الذين تولوا قوما غضب اللّه عليهم } يعني المنافقين اتخذوا اليهود أولياء وتولوهم ونصحوهم وهم اليهود { وغضب اللّه عليهم } ثم قال { ما هم منكم ولا منهم } يعني ليسوا منكم في الحقيقة ولا من اليهود في العلانية وهذا كقوله { لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء } وكانوا إذا سألهم المسلمون إنكم تتولون اليهود كانوا يحلفون باللّه إنهم من المؤمنين كما قال اللّه تعالى في آية أخرى { يحلفون باللّه إنهم منكم وما هم منكم } فأخبر اللّه تعالى إنهم لكاذبون في أيمانهم فقال { ويحلفون على الكذب وهم يعلمون } يعني يحلفون أنهم مصدقون في السر وهم يعلمون أنهم مكذبون ١٥{ إنهم ساء ما كانوا يعملون } يعني بئس ما كانوا يعملون بولايتهم اليهود وكذبهم وحلفهم ١٦ثم قال عز وجل { اتخذوا أيمانهم جنة } يعني اتخذوا حلفهم ترسا عن القتل والسبي ليأمنوا بها عن القتل والسبي { فصدوا عن سبيل اللّه } يعني صدوا وصرفوا الناس عن دين اللّه تعالى في السر { فلهم عذاب مهين } يهانون فيه ١٧قوله تعالى { لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من اللّه شيئا } يعني لم تنفعهم أموالهم ولا أولادهم من عذاب اللّه شيئا { أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون } يعني دائمين ١٨ثم قال عز وجل { يوم يبعثهم اللّه جميعا } يعني المنافقين واليهود { فيحلفون له } يعني يحلفون للّه تعالى في الآخرة { كما } كانوا { يحلفون لكم } في الدنيا وحلفهم في الآخرة كما قال اللّه تعالى في سورة الأنعام { واللّه ربنا ما كنا مشركين } [ الأنعام ٢٣ ] وروى معمر عن قتادة قال المنافق يحلف للّه تعالى يوم القيامة كما كان حلف لأوليائه في الدنيا ثم قال { ويحسبون إنهم على شيء } يعني يحسبون أيمانهم تنفعهم وأنهم على شيء من الهدى { ألا إنهم هم الكاذبون } في قولهم ويقال { ويحسبون أنهم على شيء } من الدين ويقال { ويحسبون } يعني يحسب المؤمنون { أنهم على شيء } إن المنافقين على شيء من الدين إذا سمعوا حلفهم قال اللّه تعالى { ألا إنهم هم الكاذبون } في حلفهم وهم كافرون في السر ثم ١٩قال { استحوذ } يعني غلب { عليهم الشيطان } ويقال استولى عليهم الشيطان فأنساهم ذكر اللّه يعني منعهم من التوحيد ويقال خذلهم عن طاعة اللّه تعالى { أولئك حزب الشيطان } يعني جند الشيطان { ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون } يعني خسروا أنفسهم وأموالهم في الآخرة ٢٠قوله عز وجل { إن الذين يحادون اللّه ورسوله } يعني يعادون اللّه ويخالفون اللّه ورسوله { أولئك في الأذلين } يعني في الأسفلين في الدرك الأسفل من النار وهم المنافقون ويقال { أولئك في الأذلين } يعني في الهالكين ٢١قوله تعالى { كتب اللّه } يعني قضى اللّه { لأغلبن أنا ورسلي } يعني { لأغلبن } في الدنيا بالحجة والدلائل في الآخرة ويقال { لأغلبن } يعني لأقهرن أنا ورسلي فتكون العاقبة للمؤمنين { إن اللّه قوي عزيز } ويقال { كتب اللّه } يعني قضى اللّه ذلك قضاء ثابتا { لأغلبن أنا ورسلي } وغلبة الرسل تكون على نوعين من بعث منهم في الحرب فغلب في الحرب ومن بعث منهم بغير حرب فهو غالب بالحجة { إن اللّه قوي عزيز } أي مانع حزبه من أن يذل والعزيز الذي لا يغلب ولا يقهر ٢٢ثم قال { لا تجد قوما يؤمنون باللّه واليوم الآخر } يعني البعث بعد الموت { يوادون من حاد اللّه ورسوله } يعني يتخذون الخلة والصداقة مع الكافرين نزلت في حاطب بن أبي بلتعة وفيه نزل { لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة } ثم قال عز وجل { ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم } يعني لا تتخذوا مع الكافرين الصداقة وإن كانوا من أقربائكم ثم قال { أولئك كتب في قلوبهم الإيمان } يعني الذين لا يتخذون مع الكافرين صداقة هم الذين جعل في قلوبهم الإيمان يعني التصديق { وأيدهم } يعني أعانهم { بروح منه } أي قواهم بنور الإيمان وبإحياء الإيمان وذلك يوصلهم إلى الجنة { ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار } يعني في الآخرة { خالدين فيها } يعني في الجنة { رضي اللّه عنهم } بإيمانهم وطاعتهم { ورضوا عنه } بالثواب والجنة { أولئك حزب اللّه } يعني جند اللّه { ألا إن حزب اللّه هم المفلحون } يعني الناجون الذين فازوا بالجنة وبنعمة اللّه تعالى وفضله سبحانه |
﴿ ٠ ﴾