سورة الصف

مدنية وهي أربع عشرة آية

١

قوله تبارك وتعالى { سبح للّه ما في السموات وما في الأرض وهو العزيز الحكيم } يعني { العزيز } في ملكه { الحكيم } في أمره وقد ذكرناه

٢

 { يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون } وذلك أن أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قالوا بعدما فروا يوم أحد لو نعلم أي الأعمال أحب إلى اللّه تعالى وأفضل لفعلناه فنزل { لم تقولون ما لا تفعلون }

ويقال قالوا ذلك قبل يوم أحد فابتلوا بذلك وفروا فنزل تعييرا لهم بترك الوفاء فقال { لم تقولون ما لا تفعلون }

٣

كبر مقتا عند اللّه  " يعني عظم بغضا عند اللّه  " أن تقولوا ما لا تفعلون "

٤

 { إن اللّه يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص } يعني يصفون بمنزلة الصف في الصلاة ملتزق بعضهم ببعض لا يتأخر أحدهم عن صاحبه بمنزلة البنيان الذي بني بالرصاص

ويقال { كأنهم بنيان مرصوص } أي متفقي الكلمة بعضهم على بعض على عدوهم فلا يخالف بعضهم بعضا

فأخبرهم اللّه تعالى بأحب الأعمال إليهم بعد الإيمان فكرهوا القتال فوعظهم اللّه فقال { لم تقولون ما لا تفعلون } نزلت في الأنصار منهم عبد اللّه بن رواحة أحد الأمراء الذين أمرهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ناداهم يا أهل المجلس الذين وعدتم ربكم بقولكم ثم مشى فقاتل حتى قتل

٥

قوله تعالى { وإذ قال موسى } يعني وقد قال موسى { لقومه يا قوم لم تؤذونني } بالتكذيب وذلك أنهم كذبوه وقالوا إنه آدر ويقال إنه حين مات هارون ويقال إنه قال

لقومه الكفار لم تؤذونني بالتكذيب والشتم { وقد تعلمون أني رسول اللّه إليكم فلما زاغوا } يعني مالوا عن الحق وعدلوا عنه

{ أزاغ اللّه قلوبهم } يعني خذلهم عن الهدى فثبتوا على اليهودية

{ واللّه لا يهدي } يعني لا يرشد إلى دينه { القوم الفاسقين } يعني العاصين المكذبين الذين لا يرغبون في الحق

٦

قوله تعالى { وإذ قال عيسى ابن مريم } يعني وقد قال عيسى ابن مريم لبني إسرائيل { يا بني إسرائيل إني رسول اللّه إليكم } يعني أرسلني اللّه تعالى إليكم لأدعوكم إلى الإسلام

{ مصدقا لما بين يدي من التوراة } يعني أقرأ عليكم الإنجيل موافقا للتوراة في التوحيد وفي بعض الشرائع { ومبشرا برسول } يعني أبشركم برسول { يأتي من بعدي اسمه أحمد }

وروى ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنهم قالوا يا رسول اللّه أخبرنا عن نفسك

فقال ( أنا دعوة أبي إبراهيم وبشرى عيسى صلوات اللّه وسلامه عليهما ورأت أمي رؤياها حين حملت بي أنه خرج منها نور أضاءت له قصور بصرى في أرض الشام )

{ فلما جاءهم بالبينات } يعني جاءهم عيسى بالعجائب التي كان يريهم من إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص

{ قالوا هذا سحر مبين } يعني بينا ظاهرا

قرأ حمزة والكسائي { ساحر } بالألف والباقون { سحر } بغير ألف

فمن قرأ { ساحر } فهو فاعل ومن قرأ { سحر } فهو نعت الفعل

٧

ثم قال عز وجل { ومن أظلم } يعني من أشد في كفره { ممن افترى على اللّه } يعني اختلق على اللّه { الكذب } وهم اليهود

{ وهو يدعى إلى الإسلام } يعني إلى دين محمد صلى اللّه عليه وسلم { واللّه لا يهدي القوم الظالمين } أي لا يرشدهم

ويقال لا يرحمهم ما داموا على كفرهم

٨

ثم قال عز وجل { يريدون ليطفئوا نور اللّه بأفواههم } يعني ليبطلوا دين اللّه بقولهم { واللّه متم نوره } يعني مظهر توحيده وكتابه { ولو كره الكافرون } يعني وإن كره اليهود والنصارى

قرأ حمزة والكسائي وابن عامر وعاصم في رواية حفص { واللّه متم نوره } على معنى الإضافة والباقون { متم } بالتنوين { نوره } بالنصب

لأنه مفعول به

٩

ثم قال عز وجل { هو الذي أرسل رسوله بالهدى } يعني بالتوحيد { ودين الحق } يعني بشهادة أن لا إله إلا اللّه

{ ليظهره على الدين كله } يعني على الأديان كلها

قال

مقاتل وقد فعل ويقال إنه يكون في آخر الزمان لا يبقى أحد إلا مسلم أو ذو ذمة للمسلمين وقد فعل ويقال إنه يكون في آخر الزمان

{ ولو كره المشركون } يعني وإن كرهوا ذلك

١٠

قوله عز وجل { يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم } أي من عذاب دائم

قرأ ابن عامر { تنجيكم } بالتشديد والباقون بالتخفيف وهما لغتان

أنجاه ونجاه بمعنى واحد

١١

ثم بين لهم تلك التجارة فقال { تؤمنون باللّه ورسوله } يعني تصدقون بتوحيد اللّه وتصدقون برسوله وبما جاء به من عنده

{ وتجاهدون في سبيل اللّه بأموالكم وأنفسكم } فقدم ذكر المال لأن الإنسان ربما يضن بماله ما لا يضن بنفسه ولأنه إذا كان له مال فإنه يؤخذ به النفس ليغزو

{ ذلكم خير لكم } يعني التصديق والجهاد خير لكم من تركهما

{ إن كنتم تعلمون } أي تعلمون ثواب اللّه تعالى ويقال { يعلمون } أي يصدقون

ثم بين ثواب ذلك العمل

١٢

فقال { يغفر لكم ذنوبكم } يعني إن فعلتم ذلك العمل يغفر لكم ذنوبكم

{ ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار ومساكن طيبة } يعني يدخلكم منازل الجنة { في جنات عدن ذلك الفوز العظيم } يعني النجاة الوافرة

١٣

ثم قال عز وجل { وأخرى تحبونها نصر من اللّه } أي ولكم سوى الجنة أيضا عدة أخرى في الدنيا تحبونها ويقال معناه ونجاة أخرى تحبونها { نصر من اللّه } يعني هي النصرة من اللّه تعالى على عدوكم { وفتح قريب } يعني ظفرا سريعا عاجلا في الدنيا والجنة في الآخرة

ثم قال { وبشر المؤمنين } يعني بشرهم بالجنة

١٤

ثم قال عز وجل { يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار اللّه } قرأ إبن كثير ونافع وأبو عمرو { أنصارا للّه } بالتنوين والباقون { أنصار اللّه } بالإضافة ومعناهما واحد يعني كونوا أعوان اللّه بالسيف على أعدائه ومعناه انصروا اللّه وانصروا دين اللّه وانصروا محمدا صلى اللّه عليه وسلم كما نصر الحواريون عيسى ابن مريم عليه السلام

وهو قوله تعالى " كما قال عيسى ابن مريم للحواريين

من أنصاري إلى اللّه  ) يعني من أعواني إلى اللّه  ويقال إنما سموا الحواريون لبياض ثيابهم ويقال كانوا قصارين ويقال خلصاؤه وصفوته كما قال النبي صلى اللّه  عليه وسلم ( الزبير ابن عمتي حواري من أمتي )

وتأويل الحواريين في اللغة الذين أخلصوا وتبرؤوا من كل عيب وكذلك الدقيق الحواري لأنه ينتقى من لباب البر

وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال إنما سموا الحواريين لبياض ثيابهم وكانوا صيادين

وروى عبد الرزاق عن معمر قال تلا قتادة { يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار اللّه } قال وقد كان ذلك بحمد اللّه جاءه السبعون فبايعوه عند العقبة فنصروه وآووه حتى أظهر اللّه دينه

{ قال الحواريون نحن أنصار اللّه } يعني نحن أعوانك مع اللّه { فآمنت طائفة من بني إسرائيل } يعني بعيسى عليه السلام ويقال فآمنت طائفة من بني إسرائيل بمحمد صلى اللّه عليه وسلم { وكفرت طائفة } يعني جماعة منهم

{ فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم } يعني قوينا الذين آمنوا على عدوهم من الكفار { فأصبحوا ظاهرين } فصاروا غالبين بالنصرة والحجة واللّه أعلم و صلى اللّه عليه وسلم على سيدنا محمد خاتم النبيين

﴿ ٠